جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 20
[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 ه قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوشيق وتحريج صدقة حميد العطار الجزء العشرون دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) *. يقول تعالى ذكره: فلم يكن لقوم لوط جواب له، إذ نهاهم عما أمره الله بنهيهم عنه من إتيان الرجال، إلا قيل بعضهم لبعض: أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون عما نفعله نحن من إتيان الذكران في أدبارهم. كما: 20590 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: سمعت الحسن بن عمارة يذكر عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: أناس يتطهرون قال: من إتيان الرجال والنساء في أدبارهن. 20591 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إنهم أناس يتطهرون قال: من أدبار الرجال وأدبار النساء استهزاء بهم. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: يتطهرون من أدبار الرجال والنساء، استهزاء بهم يقولون ذلك. 20592 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة أنه تلا: إنهم أناس يتطهرون قال: عابوهم بغير عيب: أي إنهم يتطهرون من أعمال السوء. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين ئ وأمطرنا عليهم مطرا فسآء مطر المنذرين) *. يقول تعالى ذكره: فأنجينا لوطأ وأهله سوى امرأته من عذابنا حين أحللناه بهم، ثم
[ 4 ]
قدرناها يقول: فإن امرأته قدرناها: جعلناها بتقديرنا من الغابرين من الباقين وأمطرنا عليهم مطرا وهو إمطار الله عليهم من السماء حجارة من سجيل فساء مطر المنذرين يقول: فساء ذلك المطر مطر القوم الذين أنذرهم الله عقابه على معصيتهم إياه، وخوفهم بأسه بإرسال الرسول إليهم بذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفئ آلله خير أما يشركون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) قل يا محمد الحمد لله على نعمه علينا، وتوفيقه إيانا لما وفقنا من الهداية وسلام يقول: وأمنة منه من عقابه الذي عاقب به قوم لوط، وقوم صالح، على الذين اصطفاهم، يقول: الذين اجتباهم لنبيه محمد (ص)، فجعلهم أصحابه ووزراءه على الدين الذي بعثه بالدعاء إليه دون المشركين به، الجاحدين نبوة نبيه. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20593 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق، يعني ابن غنام، عن ابن ظهير، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس وسلام على عباده الذين اصطفى قال: أصحاب محمد اصطفاهم الله لنبيه. 20594 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: أرأيت قول الله قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى من هؤلاء ؟ فحدثني عن سفيان الثوري، قال: هم أصحاب رسول الله (ص). وقوله: آلله خير أما يشركون يقول تعالى ذكره قل يا محمد لهؤلاء الذين زينا لهم أعمالهم من قومك فهم يعمهون: آلله الذي أنعم على أوليائه هذه النعم التي قصها عليكم في هذه السورة، وأهلك أعداءه بالذي أهلكهم به من صنوف العذاب التي ذكرها لكم فيها خير، أما تشركون من أوثانكم التي لا تنفعكم ولا تضركم، ولا تدفع عن أنفسها ولا عن أوليائها سوءا، ولا تجلب إليها ولا إليهم نفعا ؟ يقول: إن هذا الامر لا يشكل على من له عقل، فكيف تستجيزون أن تشركوا عبادة من لا نفع عنده لكم، ولا دفع ضر عنكم في عبادة من بيده النفع والضر، وله كل شئ. ثم ابتدأ تعالى ذكره تعديد نعمه عليهم، وأياديه
[ 5 ]
عندهم، وتعريفهم بقلة شكرهم إياه على ما أولاهم من ذلك، فقال: أمن خلق السموات والارض. القول في تأويل قوله تعالى: * (أمن خلق السماوات والارض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون) *. يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش: أعبادة ما تعبدون من أوثانكم التي لا تضر ولا تنفع خير، أم عبادة من خلق السموات والارض ؟ وأنزل لكم من السماء ماء يعني مطرا، وقد يجوز أن يكون مريدا به العيون التي فجرها في الارض، لان كل ذلك من خلقه فأنبتنا به يعني بالماء الذي أنزل من السماء حدائق وهي جمع حديقة، والحديقة: البستان عليه حائط محوط، وإن لم يكن عليه حائط لم يكن حديقة. وقوله: ذات بهجة يقول: ذات منظر حسن. وقيل ذات بالتوحيد. وقد قيل حدائق، كما قال: ولله الاسماء الحسنى، وقد بينت ذلك فيما مضى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20595 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: حدائق ذات بهجة قال: البهجة: الفقاح مما يأكل الناس والانعام. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: حدائق ذات بهجة قال: من كل شئ تأكله الناس والانعام. وقوله: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها يقول تعالى ذكره: أنبتنا بالماء الذي أنزلناه من السماء لكم هذه الحدائق إذا لم يكن لكم، لولا أنه أنزل عليكم الماء من السماء طاقة أن تنبتوا شجر هذه الحدائق، ولم تكونوا قادرين على ذهاب ذلك، لانه لا يصلح ذلك إلا بالماء. وقوله: أءله مع الله يقول تعالى ذكره: أمعبود مع الله أيها الجهلة خلق ذلك،
[ 6 ]
وأنزل من السماء الماء، فأنبت به لكم الحدائق ؟ فقوله: أءله مردود على تأويل: أمع الله إله. بل هم قوم يعدلون يقول جل ثناؤه: بل هؤلاء المشركون قوم ضلال، يعدلون عن الحق، ويجورون عليه، على عمد منهم لذلك، مع علمهم بأنهم على خطأ وضلال ولم يعدلوا عن جهل منهم، بأن من لا يقدر على نفع ولا ضر، خير ممن خلق السموات والارض، وفعل هذه الافعال، ولكنهم عدلوا على علم منهم ومعرفة، اقتفاء منهم سنة من مضى قبلهم من آبائهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أمن جعل الارض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: أعبادة ما تشركون أيها الناس بربكم خير وهو لا يضر ولا ينفع، أم الذي جعل الارض لكم قرارا تستقرون عليها لا تميد بكم وجعل لكم خلالها أنهارا يقول: بينها أنهارا وجعل لها رواسي وهي ثوابت الجبال، وجعل بين البحرين حاجزا بين العذب والملح، أن يفسد أحدهما صاحبه أءله مع الله سواه فعل هذه الاشياء فأشركتموه في عبادتكم إياه ؟ وقوله: بل أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون قدر عظمة الله، وما عليهم من الضر في إشراكهم في عبادة الله غيره، وما لهم من النفع في إفرادهم الله بالالوهة، وإخلاصهم له العبادة، وبراءتهم من كل معبود سواه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم حلفاء الارض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) *. يقول تعالى ذكره: أم ما تشركون بالله خير، أم الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء النازل به عنه ؟ كما: 20596 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: ويكشف السوء قال: الضر. وقوله: ويجعلكم خلفاء الارض يقول: ويستخلف بعد أمرائكم في الارض منكم خلفاء أحياء يخلفونهم. وقوله: أءله مع الله يقول: أءله مع الله سواه يفعل هذه الاشياء
[ 7 ]
بكم، وينعم عليكم هذه النعم ؟ وقوله: قليلا ما تذكرون يقول: تذكرا قليلا من عظمة الله وأياديه عندكم تذكرون وتعتبرون حجج الله عليكم يسيرا، فلذلك أشركتم بالله غيره في عبادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون) *. يقول تعالى ذكره: أم ما تشركون بالله خير، أم الذي يهديكم في ظلمات البر والبحر إذا ضللتم فيهما الطريق، فأظلمت عليكم السبل فيهما ؟ كما: 20597 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر والظلمات في البر، ضلاله الطريق، والبحر، ضلاله طريقه وموجه وما يكون فيه. قوله: ومن يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته يقول: والذي يرسل الرياح نشرا لموتان الارض بين يدي رحمته، يعني: قدام الغيث الذي يحيى موات الارض. وقوله: أءله مع الله تعالى الله عما يشركون يقول تعالى ذكره: أءله مع الله سوى الله يفعل بكم شيئا من ذلك فتعبدوه من دونه، أو تشركوه في عبادتكم إياه تعالى الله يقول: لله العلو والرفعة عن شرككم الذي تشركون به، وعبادتكم معه ما تعبدون. القول في تأويل قوله تعالى: * (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والارض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) *. يقول تعالى ذكره: أم ما تشركون أيها القوم خير، أم الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، فينشئه من غير أصل، ويبتدعه ثم يفنيه إذا شاء، ثم يعيده إذا أراد كهيئته قبل أن يفنيه، والذي يرزقكم من السماء والارض فينزل من هذه الغيث، وينبت من هذه النبات لاقواتكم، وأقوات أنعامكم أءله مع الله سوى الله يفعل ذلك ؟ وإن زعموا أن إلها غير
[ 8 ]
الله يفعل ذلك أو شيئا منه فقل لهم يا محمد هاتوا برهانكم: أي حجتكم على أن شيئا سوى الله يفعل ذلك إن كنتم صادقين في دعواكم. ومن التي في أمن وما مبتدأ في قوله: أما يشركون، والآيات بعدها إلى قوله: ومن يرزقكم من السماء والارض بمعنى الذي، لا بمعنى الاستفهام، وذلك أن الاستفهام لا يدخل على الاستفهام. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ئ بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لسائليك من المشركين عن الساعة متى هي قائمة لا يعلم من في السموات والارض الغيب الذي قد استأثر الله بعلمه، وحجب عنه خلقه غيره والساعة من ذلك وما يشعرون يقول: وما يدري من في السموات والارض من خلقه متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام الساعة. وقد: 20598 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، قال: قالت عائشة: من زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله. واختلف أهل العربية في وجه رفع الله، فقال بعض البصريين: هو كما تقول: إلا قليل منهم. وفي حرف ابن مسعود: قليلا بدلا من الاول، لانك نفيته عنه وجعلته للآخر. وقال بعض الكوفيين: إن شئت أن تتوهم في من المجهول، فتكون معطوفة على: قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله. قال: ويجوز أن تكون من معرفة، ونزل ما بعد إلا عليه، فيكون عطفا ولا يكون بدلا، لان الاول منفي، والثاني مثبت، فيكون في النسق كما تقول: قام زيد إلا عمرو، فيكون الثاني عطفا على الاول، والتأويل جحد، ولا يكون أن يكون
[ 9 ]
الخبر جحدا، أو الجحد خبرا. قال: وكذلك ما فعلوه إلا قليل وقليلا من نصب، فعلى الاستثناء في عبادتكم إياه، ومن رفع فعلى العطف، ولا يكون بدلا. وقوله: بل ادارك علمهم في الآخرة اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة سوى أبي جعفر وعامة قراء أهل الكوفة: بل ادارك بكسر اللام من بل وتشديد الدال من ادارك، بمعنى: بل تدارك علمهم أي تتابع علمهم بالآخرة هل هي كائنة أم لا، ثم أدغمت التاء في الدال كما قيل: أثاقلتم إلى الارض وقد بينا ذلك فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادته. وقرأته عامة قراء أهل مكة: بل أدرك علمهم في الآخرة بسكون الدال وفتح الالف، بمعنى هل أدرك علمهم علم الآخرة. وكان أبو عمرو بن العلاء ينكر فيما ذكر عنه قراءة من قرأ: بل أدرك ويقول: إن بل إيجاب والاستفهام في هذا الموضع إنكار. ومعنى الكلام: إذا قرئ كذلك بل أدرك لم يكن ذلك لم يدرك علمهم في الآخرة، وبالاستفهام قرأ ذلك ابن محيصن على الوجه الذي ذكرت أن أبا عمرو أنكره. وبنحو الذي ذكرت عن المكيين أنهم قرءوه ذكر عن مجاهد أنه قرأه، غير أنه كان يقرأ في موضع بل: أم. 20599 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: ثنا عثمان بن الاسود، عن مجاهد، أنه قرأ أم أدرك علمهم وكان ابن عباس فيما ذكر عنه يقرأ بإثبات ياء في بل، ثم يبتدئ أدارك بفتح ألفها على وجه الاستفهام وتشديد الدال. 20600 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس في هذه الآية: بلى أدارك علمهم في الآخرة: أي لم يدرك. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: سمعت ابن عباس يقرأ بلى أدراك علمهم في الآخرة إنما هو استفهام أنه لم يدرك. وكأن ابن عباس وجه ذلك إلى أن مخرجه مخرج الاستهزاء بالمكذبين بالبعث. والصواب من القراءات عندنا في ذلك القراءتان اللتان ذكرت إحداهما عن قرأة أهل مكة والبصرة، وهي بل أدرك علمهم بسكون لام بل وفتح ألف أدرك وتخفيف دالها،
[ 10 ]
والاخرى منهما عن قرأة الكوفة، وهي بل ادرك بكسر اللام وتشديد الدال من أدارك، لانهما القراءتان المعروفتان في قراء الامصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا. فأما القراءة التي ذكرت عن ابن عباس، فإنها وإن كانت صحيحة المعنى والاعراب، فخلاف لما عليه مصاحف المسلمين، وذلك أن في بلى زيادة ياء في قراءته ليست في المصاحف، وهي مع ذلك قراءة لا نعلمها قرأ بها أحد من قراء الامصار. وأما القراءة التي ذكرت عن ابن محيصن، فإن الذي قال فيها أبو عمرو قول صحيح، لان العرب تحقق ببل ما بعدها لا تنفيه. والاستفهام في هذا الموضع إنكار لا إثبات، وذلك أن الله قد أخبر عن المشركين أنهم من الساعة في شك، فقال: بل هم في شك منها بل هم منها عمون. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: بل أدرك علمهم في الآخرة فأيقنوها إذ عاينوها حين لم ينفعهم يقينهم بها، إذ كانوا بها في الدنيا مكذبين. ذكر من قال ذلك: 20601 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء الخراساني، عن ابن عباس بل أدرك علمهم قال: بصرهم في الآخرة حين لم ينفعهم العلم والبصر. وقال آخرون: بل معناه: بل غاب علمهم في الآخرة. ذكر من قال ذلك: 20602 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بل أدرك علمهم في الآخرة يقول: غاب علمهم. 20603 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: بل ادرك علمهم في الآخرة قال: يقول: ضل علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم، هم منها عمون. وقال آخرون: معنى ذلك: لم يبلغ لهم فيها علم. ذكر من قال ذلك: 20604 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، عن جدي، قال: ثنا الحسين، عن قتادة في قوله: بل ادارك علمهم في الآخرة قال: كان يقرؤها: بل أدرك علمهم في الآخرة قال: لم يبلغ لهم فيها علم، ولا يصل إليها منهم رغبة. وقال آخرون: معنى ذلك: بل أدرك: أم أدرك. ذكر من قال ذلك: 20605 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 11 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بل أدرك علمهم قال: أم أدرك. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عثمان، عن مجاهد بل أدرك علمهم قال: أم أدرك علمهم من أين يدرك علمهم. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في تأويل ذلك بالصواب على قراءة من قرأ بل أدرك القول الذي ذكرناه عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، وهو أن معناه: إذا قرئ كذلك وما يشعرون أيان يبعثون بل أدرك علمهم نفس وقت ذلك في الآخرة حين يبعثون، فلا ينفعهم علمهم به حينئذ، فأما في الدنيا فإنهم منها في شك، بل هم منها عمون. وإنما قلت: هذا القول أولى الاقوال في تأويل ذلك بالصواب على القراءة التي ذكرت، لان ذلك أظهر معانيه. وإذ كان ذلك معناه كان في الكلام محذوف قد استغني بدلالة ما ظهر منه عنه. وذلك أن معنى الكلام: وما يشعرون أيان يبعثون، بل يشعرون ذلك في الآخرة، فالكلام إذا كان ذلك معناه، وما يشعرون أبان يبعثون، بل أدرك علمهم بذلك في الآخرة، بل هم في الدنيا في شك منها. وأما على قراءة من قرأه بل ادارك بكسر اللام وتشديد الدال، فالقول الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو أن يكون معنى بل: أم، والعرب تضع أم موضع بل، وموضع بل: أم، إذا كان في أول الكلام استفهام، كما قال الشاعر: فوالله ما أدري أسلمى تغولت أم النوم أم كل إلي حبيب يعني بذلك بل كل إلي حبيب، فيكون تأويل الكلام: وما يشعرون أيان يبعثون، بل تدارك علمهم في الآخرة: يعني تتابع علمهم في الآخرة: أي بعلم الآخرة: أي لم يتتابع بذلك ولم يعلموه، بل غاب علمهم عنه، وضل فلم يبلغوه ولم يدركوه. وقوله: بل هم في شك منها يقول: بل هؤلاء المشركون الذين يسألونك عن
[ 12 ]
الساعة في شك من قيامها لا يوقنون بها ولا يصدقون بأنهم مبعوثون من بعد الموت، بل هم منهما عمون يقول: بل هم من العلم بقيامها عمون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا لمخرجون ئ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الاولين) *. يقول تعالى ذكره: قال: الذين كفروا بالله أئنا لمخرجون من قبورنا أحياء، كهيئتنا من بعد مماتنا بعد أن كنا فيها ترابا قد بلينا لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل يقول: لقد وعدنا هذا من قبل محمد واعدون وعدوا ذلك آباءنا، فلم نر لذلك حقيقة، ولم نتبين له صحة إن هذا إلا أساطير الاولين يقول: قالوا: ما هذا الوعد إلا ما سطر الاولون من الاكاذيب في كتبهم، فأثبتوه فيها وتحدثوا به من غير أن يكون له صحة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ئ ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المكذبين ما جئتهم به من الانباء من عند ربك: سيروا في الارض فانظروا إلى ديار من كان قبلكم من المكذبين رسل الله ومساكنهم كيف هي، ألم يخربها الله، ويهلك أهلها بتكذيبهم رسلهم، وردهم عليهم نصائحهم فخلت منهم الديار وتعفت منهم الرسوم والآثار، فإن ذلك كان عاقبة إجرامهم، وذلك سنة ربكم في كل من سلك سبيلهم في تكذيب رسل ربهم، والله فاعل ذلك بكم إن أنتم لم تبادروا الانابة من كفركم وتكذيبكم رسول ربكم. وقوله: ولا تحزن عليهم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولا تحزن على إدبار هؤلاء المشركين عنك وتكذيبهم لك ولا تكن في ضيق مما يمكرون يقول: ولا يضق صدرك من مكرهم بك، فإن الله ناصرك عليهم، ومهلكهم قتلا بالسيف. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ئ قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون) *.
[ 13 ]
يقول تعالى ذكره: ويقول مشركو قومك يا محمد، المكذبوك فيما أتيتهم به من عند ربك. متى يكون هذا الوعد الذي تعدناه من العذاب، الذي هو بنا فيما تقول حال ان كنتم صادقين فيما تعدوننا به قل عسى أن يكون ردف لكم يقول جل جلاله: قل لهم يا محمد: عسى أن يكون اقترب لكم ودنا بعض الذي تستعجلون من عذاب الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20606 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: قل عسى أن يكون ردف لكم يقول: اقترب لكم. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون يقول: اقترب لكم بعض الذي تستعجلون. 20607 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: عسى أن يكون ردف لكم قال: ردف: أعجل لكم. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون قال: أزف. 20608 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ردف لكم اقترب لكم. واختلف أهل العربية في وجه دخول اللام في قوله: ردف لكم وكلام العرب المعروف: ردفه أمر، وأردفه، كما يقال: تبعه وأتبعه، فقال بعض نحويي البصرة: أدخل اللام في ذلك فأضاف بها الفعل كما يقال: للرؤيا تعبرون ولربهم يرهبون. وقال بعض نحويي الكوفة: أدخل اللام في ذلك للمعنى، لان معناه: دنا لهم، كما قال الشاعر: (فقلت لها الحاجات يطرحن بالفتى)
[ 14 ]
فأدخل الباء في يطرحن، وإنما يقال طرحته، لان معنى الطرح: الرمى، فأدخل الباء للمعنى، إذ كان معنى ذلك يرمين بالفتى، وهذا القول الثاني هو أولاهما عندي بالصواب، وقد مضى البيان عن نظائره في غير موضع من الكتاب بما أغنى عن تكراره في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: تستعجلون قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20609 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ردف لكم بعض الذي تستعجلون قال: من العذاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ئ وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) *. يقول تعالى ذكره: وإن ربك يا محمد لذو فضل على الناس بتركه معاجلتهم بالعقوبة على معصيتهم إياه، وكفرهم به، وذو إحسان إليهم في ذلك وفي غيره من نعمه عندهم ولكن أكثرهم لا يشكرونه على ذلك من إحسانه وفضله عليهم، فيخلصوا له العبادة، ولكنهم يشركون معه في العبادة ما يضرهم ولا ينفعهم ومن لا فضل له عندهم ولا إحسان. وقوله: وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون يقول: وإن ربك ليعلم ضمائر صدور خلقه، ومكنون أنفسهم، وخفي أسرارهم، وعلانية أمورهم الظاهرة، لا يخفى عليه شئ من ذلك، وهو محصيها عليهم حتى يجازي جميعهم بالاحسان إحسانا وبالاساءة جزاءها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20610 - حدثنا القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم قال: السر. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما من غائبة في السماء والارض إلا في كتاب مبين ئ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) *. يقول تعالى ذكره: وما من مكتوم سر وخفي أمر يغيب عن أبصار الناظرين في السماء والارض إلا في كتاب وهو أم الكتاب الذي أثبت ربنا فيه كل ما هو كائن من لدن ابتدأ خلق خلقه إلى يوم القيامة. ويعني بقوله: مبين أنه يبين لمن نظر إليه، وقرأ ما فيه
[ 15 ]
مما أثبت فيه ربنا جل ثناؤه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20611 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وما من غائبة في السماء والارض إلا في كتاب مبين يقول: ما من شئ في السماء والارض سر ولا علانية إلا يعلمه. وقوله: إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن الذي أنزلته إليك يا محمد يقص على بني إسرائيل الحق في أكثر الاشياء التي اختلفوا فيها، وذلك كالذي اختلفوا فيه من أمر عيسى، فقالت اليهود فيه ما قالت، وقالت النصارى فيه ما قالت، وتبرأ لاختلافهم فيه هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، وغير ذلك من الامور التي اختلفوا فيها، فقال جل ثناؤه لهم: إن هذا القرآن يقص عليكم الحق فيما اختلفتم فيه فاتبعوه، وأقروا لما فيه، فإنه يقص عليكم بالحق، ويهديكم إلى سبيل الرشاد. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ئ إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم) *. يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن لهدى، يقول: لبيان من الله، بين به الحق فيما اختلف فيه خلقه من أمور دينهم ورحمة للمؤمنين يقول: ورحمة لمن صدق به وعمل بما فيه إن ربك يقضي بينهم يقول: إن ربك يقضي بين المختلفين من بين إسرائيل بحكمه فيهم، فينتقم من المبطل منهم، ويجازي المحسن منهم المحق بجزائه وهو العزيز العليم يقول: وربك العزيز في انتقامه من المبطل منهم ومن غيرهم، لا يقدر أحد على منعه من الانتقام منه إذا انتقم العليم بالمحق المحسن من هؤلاء المختلفين من بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه، ومن غيرهم من المبطل الضال عن الهدى. القول في تأويل قوله تعالى: * (فتوكل على الله إنك على الحق المبين ئ إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ففوض إلى الله يا محمد أمورك، وثق به فيها، فإنه
[ 16 ]
كافيك إنك على الحق المبين لمن تأمله، وفكر ما فيه بعقل، وتدبره بفهم، أنه الحق، دون ما عليه اليهود والنصارى المختلفون من بني إسرائيل، ودون ما عليه أهل الاوثان المكذبوك فيما أتيتهم به من الحق، يقول: فلا يحزنك تكذيب من كذبك، وخلاف من خالفك، وامض لامر ربك الذي بعثك به. وقوله: إنك لا تسمع الموتى يقول: إنك يا محمد لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلبه فأماته، لان الله قد ختم عليه أن لا يفهمه ولا تسمع الصم الدعاء يقول: ولا تقدر أن تسمع ذلك من أصم الله عن سماعه سمعه إذا ولوا مدبرين يقول: إذا هم أدبروا معرضين عنه، لا يسمعون له لغلبة دين الكفر على قلوبهم، ولا يصغون للحق، ولا يتدبرونه، ولا ينصتون لقائله، ولكنهم يعرضون عنه، وينكرون القول به، والاستماع له. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ئ وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) *. اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: وما أنت بهادي بالياء والالف وإضافته إلى العمي بمعنى: لست يا محمد بهادي من عمي عن الحق عن ضلالته. وقراءة عامة قراء الكوفة وما أنت تهدي العمى بالتاء ونصب العمي، بمعنى: ولست تهديهم عن ضلالتهم ولكن الله يهديهم إن شاء. والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مشهورتان في قراء الامصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام ما وصفت وما أنت يا محمد بهادي من أعماه الله عن الهدى والرشاد فجعل على بصره غشاوة أن يتبين سبيل الرشاد عن ضلالته التي هو فيها إلى طريق الرشاد وسبيل الرشاد. وقوله: إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا يقول: ما تقدر أن تفهم الحق وتوعيه أحدا إلا سمع من يصدق بآياتنا، يعني بأدلته وحججه وآي تنزيله فهم مسلمون فإن أولئك يسمعون منك ما تقول ويتدبرونه، ويفكرون فيه، ويعملون به، فهم الذين يسمعون. ذكر من قال مثل الذي قلنا في قوله تعالى: وقع:
[ 17 ]
20612 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإذا وقع القول عليهم قال: حق عليهم. 20613 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذا وقع القول عليهم يقول: إذا وجب القول عليهم. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد وقع القول عليهم قال: حق العذاب. قال ابن جريج: القول: العذاب. ذكر من قال قولنا في معنى القول: 20614 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذا وقع القول عليهم والقول: الغضب. 20615 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام، عن حفصة، قالت: سألت أبا العالية، عن قوله: وإذا وقع القول عليهم فقال: أوحى الله إلى نوح إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن قالت: فكأنما كان على وجهي غطاء فكشف. وقال جماعة من أهل العلم: خروج هذه الدابة التي ذكرها حين لا يأمر الناس بمعروف ولا ينهون عن منكر. ذكر من قال ذلك: 20616 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن عطية العوفي، عن ابن عمر في قوله: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض قال: هو حين لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا محمد بن الحسن أبو الحسن، قال: ثنا عمرو بن قيس الملائي، عن عطية، عن ابن عمر، في قوله: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض قال: ذاك إذا ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن ابن عمر، في قوله: أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم قال: حين لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر.
[ 18 ]
20617 - حدثني محمد بن عمرو المقدسي، قال: ثنا أشعث بن عبد الله السجستاني، قال: ثنا شعبة، عن عطية، في قوله: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم قال: إذا لم يعرفوا معروفا، ولم ينكروا منكرا. وذكر أن الارض التي تخرج منها الدابة مكة. ذكر من قال ذلك: 20618 - حدثنا أبو كريب، قال: ثني الاشجعي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمر، قال: تخرج الدابة من صدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها. 20619 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن الفرات القزاز، عن عامر بن واثلة أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: إن الدابة حين تخرج يراها بعض لناس فيقولون: والله لقد رأينا الدابة، حتى يبلغ ذلك الامام، فيطلب فلا يقدر على شئ. قال: ثم تخرج فيراها الناس، فيقولون: والله لقد رأيناها، فيبلغ ذلك الامام فيطلب فلا يرى شيئا، فيقول: أما إني إذا حدث الذي يذكرها قال: حتى يعد فيها القتل، قال: فتخرج، فإذا رآها الناس دخلوا المسجد يصلون، فتجئ إليهم فتقول: الآن تصلون، فتخطم الكافر، وتمسح على جبين المسلم غرة، قال: فيعيش الناس زمانا يقول هذا: يا مؤمن، وهذا: يا كافر. 20620 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عثمان بن مطر، عن واصل مولى أبي عيينة، عن أبي الطفيل عن حذيفة، وأبي سفيان، ثنا عن معمر، عن قيس بن سعد، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد، في قوله: أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم قال: للدابة ثلاث خرجات: خرجة في بعض البوادي ثم تكمن، وخرجة في بعض القرى حين يريق فيها الامراء الدماء، ثم تكمن، فبينا الناس عند أشرف المساجد وأعظمها وأفضلها، إذ ارتفعت بهم الارض، فانطلق الناس هرابا، وتبقى طائفة من المؤمنين، ويقولون: إنه لا ينجينا من الله شئ، فتخرج عليهم الدابة تجلو وجوههم مثل الكوكب الدري ثم تنطلق فلا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، وتأتي الرجل يصلي، فيقول: والله ما كنت من أهل الصلاة، فيلتفت إليها فتخطمه، قال: تجلو وجه المؤمن، وتخطم الكافر، قلنا: فما الناس يومئذ ؟ قال: جيران في الرباع، وشركاء في الاموال، وأصحاب في الاسفار.
[ 19 ]
20621 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن ابن عمر: يبيت الناس يسيرون إلى جمع، وتبيت دابة الارض تسايرهم، فيصبحون وقد خطمتهم من رأسها وذنبها، فما من مؤمن إلا مسحته، ولا من كافر ولا منافق إلا تخبطه. 20622 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا الخيبري، عن حيان بن عمير، عن حسان بن حمصة، قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: لو شئت لانتعلت بنعلي هاتين، فلم أمس الارض قاعدا حتى أقف على الاحجار التي تخرج الدابة من بينها، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج، قال: فما حججت قط إلا خفت تخرج بعقبنا. * - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن قيس بن سعد، عن عطاء، قال: رأيت عبد الله بن عمرو، وكان منزله قريبا من الصفا، رفع قدمه وهو قائم، وقال: لو شئت لم أضعها حتى أضعها على المكان الذي تخرج منه الدابة. 20623 - حدثنا عصام بن رواد بن الجراح، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيان بن سعيد الثوري، قال: ثنا منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله (ص) يقول: وذكر الدابة، فقال حذيفة: قلت يا رسول الله، من أين تخرج ؟ قال: من أعظم المساجد حرمة على الله، بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون، إذ تضطرب الارض تحتهم، تحرك القنديل، وينشق الصفا مما يلي المسعى، وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو رأسها ملمعة ذات وبر وريش، لم يدركها طالب، ولن يفوتها هارب، تسم الناس مؤمن وكافر، أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري، وتكتب بين عينيه مؤمن، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء كافر. 20624 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو الحسين، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): تخرج الدابة معها خاتم سليمان وعصا موسى، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتختم أنف الكافر بالخاتم، حتى إن أهل البيت ليجتمعون فيقول هذا. يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر.
[ 20 ]
20625 - قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال: هي دابة ذات زغب وريش، ولها أربع قوائم تخرج من بعض أودية تهامة، قال: قال عبد الله بن عمر: إنها تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء، فتفشو في وجهه، فيسود وجهه، وتنكت في وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو في وجه، حتى يبيض وجهه، فيجلس أهل البيت على المائدة، فيعرفون المؤمن من الكافر، ويتبايعون في الاسواق، فيعرفون المؤمن من الكافر. 20626 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، قالا: ثنا ابن الهاد، عن عمر بن الحكم، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: تخرج الدابة من شعب، فيمس رأسها السحاب، ورجلاها في الارض ما خرجتا، فتمر بالانسان يصلي، فتقول: ما الصلاة من حاجتك فتخطمه. 20627 - حدثنا صالح بن مسمار، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا يزيد بن عياض، عن محمد بن إسحاق، أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو، قال: تخرج دابة الارض ومعها خاتم سليمان وعصا موسى، فأما الكافر فتختم بين عينيه بخاتم سليمان، وأما المؤمن فتمسح وجهه بعصا موسى فيبيض. واختلفت القراء في قراءة قوله: تكلمهم فقرأ ذلك عامة قراء الامصار: تكلمهم بضم التاء وتشديد اللام، بمعنى تخبرهم وتحدثهم، وقرأه أبو زرعة بن عمرو: تكلمهم بفتح التاء وتخفيف اللام بمعنى: تسمهم. والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك ما عليه قراء الامصار. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20628 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم قال: تحدثهم. 20629 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم وهي في بعض القراءة تحدثهم تقول لهم: أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، في قوله: تكلمهم قال: كلامها تنبئهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون.
[ 21 ]
وقوله: أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والبصرة والشام: إن الناس بكسر الالف من إن على وجه الابتداء بالخبر عن الناس أنهم كانوا بآيات الله لا يوقنون وهي وإن كسرت في قراءة هؤلاء فإن الكلام لها متناول. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة وبعض أهل البصرة: أن الناس كانوا بفتح أن بمعنى: تكلمهم بأن الناس، فيكون حينئذ نصب بوقوع الكلام عليها. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مستفيضتان في قراءة الامصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون ئ حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أما ذا كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: ويوم نجمع من كل قرن وملة فوجا، يعني جماعة منهم، وزمرة ممن يكذب بآياتنا يقول: ممن يكذب بأدلتنا وحججنا، فهو يحبس أولهم على آخرهم، ليجتمع جميعهم، ثم يساقون إلى النار. وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20630 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون يعني: الشيعة عند الحشر. 20631 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد من كل أمة فوجا قال: زمرة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: نحشر من كل أمة فوجا قال: زمرة زمرة فهم يوزعون. 20632 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون قال: يقول: فهم يدفعون.
[ 22 ]
20633 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: فهم يوزعون قال: يحبس أولهم على آخرهم. 20634 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فهم يوزعون قال: وزعة ترد أولاهم على أخرهم. وقد بينت معنى قوله: يوزعون فيما مضى قبل بشواهده، فأغني ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي يقول تعالى ذكره: حتى إذا جاء من كل أمة فوج ممن يكذب بآياتنا فاجتمعوا قال الله: أكذبتم بآياتي: أي بحججي وأدلتي ولم تحيطوا بها علما يقول ولم تعرفوها حق معرفتها ؟ أم ماذا كنتم تعملون فيها من تكذيب أو تصديق. القول في تأويل قوله تعالى: * (ووقع القول بما ظلموا فهم لا ينطقون ئ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: ووجب السخط والغضب من الله على المكذبين بآياته بما ظلموا يعني بتكذيبهم بآيات الله، يوم يحشرون فهم لا ينطقون يقول: فهم لا ينطقون بحجة يدفعون بها عن أنفسهم عظيم ما حل بهم ووقع عليهم من القول. وقوله: ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه يقول تعالى ذكره: ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار، ومخالفتنا بينهما بتصييرنا هذا سكنا لهم يسكنون فيه، ويهدءون راحة أبدانهم من تعب التصرف والتقلب نهارا، وهذا مضيئا يبصرون فيه الاشياء ويعاينونها فيتقلبون فيه لمعايشهم، فيتفكروا في ذلك، ويتدبروا، ويعلموا أن مصرف ذلك كذلك هو الاله الذي لا يعجزه شئ، ولا يتعذر عليه إماتة الاحياء، وإحياء الاموات بعد الممات، كما لم يتعذر عليه الذهاب بالنهار والمجئ بالليل، والمجئ بالنهار والذهاب بالليل مع اختلاف أحوالهما إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون يقول تعالى ذكره: إن في تصييرنا الليل سكنا، والنهار مبصرا لدلالة لقوم يؤمنون بالله على قدرته على ما آمنوا به من البعث بعد الموت، وحجة لهم على توحيد الله. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 23 ]
* (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الارض إلا من شآء الله وكل أتوه داخرين) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: ويوم ينفخ في الصور وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى، وبينا الصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم يذكر هناك من الاخبار، فقال بعضهم: هو قرن ينفخ فيه. ذكر بعض من لم يذكر فيما مضى قبل من الخبر عن ذلك: 20635 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ويوم ينفخ في الصور قال كهيئة البوق. 20636 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: الصور: البوق قال: هو البوق صاحبه آخذ به يقبض قبضتين بكفيه على طرف القرن بين طرفه، وبين فيه قدر قبضة أو نحوها، قد برك على ركبة إحدى رجليه، فأشار، فبرك على ركبة يساره مقعيا على قدمها عقبها تحت فخذه وأليته وأطراف أصابعها في التراب. 20637 - قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: الصور كهيئة القرن قد رفع إحدى ركبتيه إلى السماء، وخفض الاخرى، لم يلق جفون عينه على غمض منذ خلق الله السموات مستعدا مستجدا، قد وضع الصور على فيه ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه. 20638 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن زياد قال أبو جعفر: والصواب: يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الانصار عن أبي هريرة: أنه قال لرسول الله (ص): يا رسول الله، ما الصور ؟ قال: قرن، قال: وكيف هو ؟ قال: قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الاولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لله رب العالمين، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الاولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع، فينفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات وأهل الارض، إلا من شاء الله، ويأمره الله فيمد بها ويطولها،
[ 24 ]
فلا يفتر، وهي التي يقول الله: ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق فيسير الله الجبال، فتكون سربا، وترج الارض بأهلها رجا، وهي التي يقول الله: يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة، قلوب يومئذ واجفة فتكون الارض كالسفينة الموثقة في البحر، تضربها الامواج، تكفأ بأهلها، أو كالقنديل المعلق بالوتر، ترجحه الارياح، فتميد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة، حتى تأتي الاقطار، فتتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها، فترجع، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله: يوم التناد، يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد. فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الارض من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به، ثم نظروا إلى السماء، فإذا هي كالمهل، ثم خسف شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها، ثم كشطت عنهم. قال رسول الله (ص): والاموات لا يعلمون بشئ من ذلك، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، فمن استثنى الله حين يقول: ففزع من في السموات ومن في الارض إلا من شاء الله قال: أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الاحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): إن الله تبارك وتعالى لما فرغ من السموات والارض، خلق الصور، فأعطاه ملكا، فهو واضعه على فيه، شاخص ببصره العرش، ينتظر متى يؤمر. قال: قلت: يا رسول الله، وما الصور ؟ قال: قرن، قلت: فكيف هو ؟ قال: عظيم، والذي نفسي بيده، إن عظم دائرة فيه، لكعرض السموات والارض، يأمره فينفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات والارض إلا من شاء الله، ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث أبي كريب عن المحاربي، غير أنه قال في حديثه كالسفينة المرفأة في البحر.
[ 25 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ونفخ في صور الخلق. ذكر من قال ذلك: 20639 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويوم ينفخ في الصور: أي في الخلق، قوله: ففزع من في السموات ومن في الارض يقول: ففزع من في السموات من الملائكة ومن في الارض من الجن والانس والشياطين، من هول ما يعاينون ذلك اليوم. فإن قال قائل: وكيف قيل: ففزع، فجعل فزع وهي فعل مردودة على ينفخ، وهي يفعل ؟ قيل: العرب تفعل ذلك في المواضع التي تصلح فيها إذا، لان إذا يصلح معها فعل ويفعل، كقولك: أزورك إذا زرتني، وأزورك إذا تزورني، فإذا وضع مكان إذا يوم أجرى مجرى إذا. فإن قيل: فأين جواب قوله: ويوم ينفخ في الصور ففزع قيل جائز أن يكون مضمرا مع الواو، كأنه قيل: ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون، وذلك يوم ينفخ في الصور. وجائز أن يكون متروكا اكتفي بدلالة الكلام عليه منه، كما قيل: ولو يرى الذين ظلموا فترك جوابه. وقوله: إلا من شاء الله قيل: إن الذين استثناهم الله في هذا الموضع من أن ينالهم الفزع يومئذ الشهداء، وذلك أنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وإن كانوا في عداد الموتى عند أهل الدنيا، وبذلك جاء الاثر عن رسول الله (ص)، وقد ذكرناه في الخبر الماضي. 20640 - وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام عمن حدثه، عن أبي هريرة، أنه قرأ هذه الآية: ففزع من في السموات ومن في الارض إلا من شاء الله قال: هم الشهداء. وقوله: وكل أتوه داخرين يقول: وكل أتوه صاغرين. وبمثل الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20641 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وكل أتوه داخرين يقول: صاغرين. 20642 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكل أتوه داخرين قال: صاغرين.
[ 26 ]
20643 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكل أتوه داخرين قال: الداخر: الصاغر الراغم، قال: لان المرء الذي يفزع إذا فزع إنما همته الهرب من الامر الذي فزع منه، قال: فلما نفخ في الصور فزعوا، فلم يكن لهم من الله منجى. واختلفت القراء في قراءة قوله: وكل أتوه داخرين فقرأته عامة قراء الامصار: وكل آتوه بمد الالف من أتوه على مثال فاعلوه، سوى ابن مسعود، فإنه قرأه: وكل أتوه على مثال فعلوه، واتبعه على القراءة به المتأخرون الاعمش وحمزة، واعتل الذين قرءوا ذلك على مثال فاعلوه بإجماع القراء على قوله: وكلهم آتيه قالوا: فكذلك قوله: آتوه في الجمع. وأما الذين قرءوا على قراءة عبد الله، فإنهم ردوه على قوله: ففزع كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الارض، وأتوه كلهم داخرين، كما يقال في الكلام: رأى وفر وعاد وهو صاغر. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الامصار، ومتقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون) *. يقول تعالى ذكره: وترى الجبال يا محمد تحسبها قائمة وهي تمر. كالذي. 20644 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وترى الجبال تحسبها جامدة يقول: قائمة، وإنما قيل: وهي تمر مر السحاب لانها تجمع ثم تسير، فيحسب رائيها لكثرتها أنها واقفة، وهي تسير سيرا حثيثا، كما قال الجعدي:
[ 27 ]
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج قوله: صنع الله الذي أتقن كل شئ وأوثق خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20645 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: صنع الله الذي أتقن كل شئ يقول: أحكم كل شئ. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: صنع الله الذي أتقن كل شئ يقول: أحسن كل شئ خلقه وأوثقه. 20646 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الذين أتقن كل شئ قال: أوثق كل شئ وسوى. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد أتقن أوثق. 20647 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنه خبير بما يفعلون يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم وخبرة بما يفعل عباده من خير وشر وطاعة له ومعصية، وهو مجازي جميعهم على جميع ذلك على الخير الخير، وعلى الشر الشر نظيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ئ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: من جاء الله بتوحيده والايمان به، وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه، فله من هذه الحسنة عند الله خير يوم القيامة، وذلك الخير أن يثيبه الله منها
[ 28 ]
الجنة، ويؤمنه من فزع الصيحة الكبرى وهي النفخ في الصور ومن جاء بالسيئة يقول: ومن جاء بالشرك به يوم يلقاه، وجحود وحدانيته فكبت وجوههم في نار جهنم. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20648 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني الفضل بن دكين، قال: ثنا يحيى بن أيوب البجلي، قال: سمعت أبا زرعة، قال: قال أبو هريرة، قال يحيى: أحسبه عن النبي (ص) قال: من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون قال: وهي لا إله إلا الله ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار قال: وهي الشرك. 20649 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو يحيى الحماني، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون قال: من جاء بلا إله إلا الله، ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار، قال: بالشرك. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: من جاء بالحسنة فله خير منها يقول: من جاء بلا إله إلا الله ومن جاء بالسيئة وهو الشرك. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ومن جاء بالسيئة قال: بالشرك. 20650 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من جاء بالحسنة قال: كلمة الاخلاص ومن جاء بالسيئة قال: الشرك. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه. قال ابن جريج: وسمعت عطاء يقول فيها الشرك، يعني في قوله: ومن جاء بالسيئة. 20651 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن أبي المحجل، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: كان يحلف ما يستثني، أن من جاء بالحسنة قال: لا إله إلا الله، ومن جاء بالسيئة قال: الشرك. 20652 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء مثله.
[ 29 ]
20653 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار قال: الشرك. 20654 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص، قال: ثنا سعيد بن سعيد، عن علي بن الحسين، وكان رجلا غزاء، قال: بينا هو في بعض خلواته حتى رفع صوته: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير قال: فرد عليه رجل: ما تقول يا عبد الله ؟ قال: أقول ما تسمع، قال: أما إنها الكلمة التي قال الله: من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون. 20655 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة من جاء بالحسنة قال: الاخلاص ومن جاء بالسيئة قال: الشرك. 20656 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ومن جاء بالسيئة يعني: الشرك. 20657 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن ومن جاء بالسيئة: يقول: الشرك. 20658 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار قال: السيئة: الشرك الكفر. 20659 - حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: ثنا حفص بن عمر العدني، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله: من جاء بالحسنة قال: شهادة أن لا إله إلا الله ومن جاء بالسيئة قال: السيئة: الشرك. قال الحكم: قال عكرمة: كل شئ في القرآن السيئة فهو الشرك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: فله خير منها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20660 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس فله خير منها فمنها وصل إليه الخير، يعني ابن عباس بذلك: من الحسنة وصل إلى الذي جاء بها الخير. 20661 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا حسين الشهيد، عن الحسن من جاء بالحسنة فله خير منها قال: له منها.
[ 30 ]
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن، قال: من جاء بلا إله إلا الله، فله خير منها خيرا. 20662 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فله خير منها يقول: له منها حظ. 20663 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج من جاء بالحسنة فله خير منها قال: له منها خير فأما أن يكون خيرا من الايمان فلا، ولكن منها خير يصيب منها خيرا. 20664 - حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا الحكم، عن عكرمة، قوله: من جاء بالحسنة فله خير منها قال: ليس شئ خيرا من لا إله إلا الله، ولكن له منها خير. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 20665 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: من جاء بالحسنة فله خير منها قال: أعطاه الله بالواحدة عشرا، فهذا خير منها. واختلفت القراء في قراءة قوله: وهم من فزع يومئذ آمنون فقرأ ذلك بعض قراء البصرة: وهم من فزع يومئذ آمنون بإضافة فزع إلى اليوم. وقرأ ذلك جماعة قراء أهل الكوفة: من فزع يومئذ بتنوين فزع. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الامصار متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن الاضافة أعجب إلي، لانه فزع معلوم. وإذا كان ذلك كذلك كان معرفة على أن ذلك في سياق قوله: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الارض إلا من شاء الله فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه عني بقوله: وهم من فزع يومئذ آمنون من الفزع الذي قد جرى ذكره قبله. وإذا كان ذلك كذلك، كان لا شك أنه معرفة، وأن الاضافة إذا كان معرفة به أولى من ترك الاضافة
[ 31 ]
وأخرى أن ذلك إذا أضيف فهو أبين أنه خبر عن أمانه من كل أهوال ذلك اليوم منه إذا لم يضف ذلك، وذلك أنه إذا لم يضف كان الاغلب عليه أنه جعل الامان من فزع بعض أهواله. وقوله: هل تجزون إلا ما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هل تجزون أيها المشركون إلا ما كنتم تعملون، إذ كبكم الله لوجوهكم في النار، وإلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا بما يسخط ربكم وترك يقال لهم اكتفاء بدلالة الكلام عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وأمرت أن أكون من المسلمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا محمد قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة وهي مكة الذي حرمها على خلقه أن يسفكوا فيها دما حراما، أو يظلموا فيها أحدا، أو يصاد صيدها، أو يتخلى خلاها دون الاوثان التي تعبدونها أيها المشركون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20666 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها يعني: مكة. وقوله: وله كل شئ يقول: ولرب هذه البلدة الاشياء كلها ملكا، فإياه أمرت أن أعبد، لا من لا يملك شيئا. وإنما قال جل ثناؤه: رب هذه البلدة الذي حرمها فخصها بالذكر دون سائر البلدان، وهو رب البلاد كلها، لانه أراد تعريف المشركين من قوم رسول الله (ص)، الذين هم أهل مكة، بذلك نعمته عليهم، وإحسانه إليهم، وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه هو الذي حرم بلدهم، فمنع الناس منهم، وهم في سائر البلاد يأكل بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، لا من لم تجر له عليهم نعمة، ولا يقدر لهم على نفع ولا ضر. وقوله: وأمرت أن أكون من المسلمين يقول: وأمرني ربي أن أسلم وجهي له حنيفا، فأكون من المسلمين الذين دانوا بدين خليله إبراهيم وجدكم أيها المشركون، لا من خالف دين جده المحق، ودان دين إبليس عدو الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين) *.
[ 32 ]
يقول تعالى ذكره: قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة وأن أكون من المسلمين وأن أتلوا القرآن، فمن اهتدى يقول: فمن تبعني وآمن بي وبما جئت به، فسلك طريق الرشاد فإنما يهتدي لنفسه يقول: فإنما يسلك سبيل الصواب باتباعه إياي، وإيمانه بي، وبما جئت به لنفسه، لانه بإيمانه بي، وبما جئت به يأمن نقمته في الدنيا وعذابه في الآخرة. وقوله: ومن ضل يقول: ومن جار عن قصد السبيل بتكذيبه بي وبما جئت به من عند الله فقل إنما أنا من المنذرين يقول تعالى ذكره: فقل يا محمد لمن ضل عن قصد السبيل، وكذبك، ولم يصدق بما جئت به من عندي، إنما أنا ممن ينذر قومه عذاب الله وسخطه على معصيتهم إياه، وقد أنذرتكم ذلك معشر كفار قريش، فإن قبلتم وانتهيتم عما يكرهه الله منكم من الشرك به، فحظوظ أنفسكم تصيبون، وإن رددتم وكذبتم فعلى أنفسكم جنيتم، وقد بلغتكم ما أمرت بإبلاغه إياكم، ونصحت لكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء القائلين لك من مشركي قومك: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين: الحمد لله على نعمته علينا بتوفيقه إيانا للحق الذي أنتم عنه عمون، سيريكم ربكم آيات عذابه وسخطه، فتعرفون بها حقيقة نصحي كان لكم، ويتبين صدق ما دعوتكم إليه من الرشاد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20667 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: سيريكم آياته فتعرفونها قال: في أنفسكم، وفي السماء والارض والرزق. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله سيريكم آياته فتعرفونها قال: في أنفسكم والسماء والارض والرزق. وقوله: وما ربك بغافل عما تعملون يقول تعالى ذكره: وما ربك يا محمد بغافل عما يعمل هؤلاء المشركون، ولكن لهم أجل هم بالغوه، فإذا بلغوه فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. يقول تعالى ذكره لنبيه (ص): فلا يحزنك تكذيبهم إياك، فإني من وراء إهلاكهم، وإني لهم بالمرصاد، فأيقن لنفسك بالنصر، ولعدوك بالذل والخزي. آخر تفسير سورة النمل ولله الحمد والمنة، وبه الثقة والعصمة
[ 33 ]
سورة القصص مكية وآياتها ثمان وثمانون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (طسم ئ تلك آيات الكتاب المبين ئ نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون) *. قال أبو جعفر: قد بينا قبل فيما مضى تأويل قول الله عزوجل طسم، وذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويله، وأما قوله: تلك آيات الكتاب المبين فإنه يعني هذه آيات الكتاب الذي أنزلته إليك يا محمد، المبين أنه من عند الله، وأنك لم تتقوله ولم تتخرصه. وكان قتادة فيما ذكر عنه يقول في ذلك ما: 20668 - حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله طسم. تلك آيات الكتاب المبين يعني مبين والله بركته ورشده وهداه. وقوله: نتلو عليك يقول: نقرأ عليك ونقص في هذا القرآن من خبر موسى وفرعون بالحق. كما: 20669 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون يقول: في هذا القرآن نبؤهم. وقوله: لقوم يؤمنون يقول: لقوم يصدقون بهذا الكتاب، ليعلموا أن ما نتلو عليك من نبئهم فيه نبؤهم، وتطمئن نفوسهم، بأن سنتنا فيمن خالفك وعاداك من المشركين سنتنا فيمن عادى موسى، ومن آمن به من بني إسرائيل من فرعون وقومه، أن نهلكهم كما أهلكناهم، وننجيهم منهم كما أنجيناهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 34 ]
* (إن فرعون علا في الارض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين) *. يقول تعالى ذكره: إن فرعون تجبر في أرض مصر وتكبر، وعلا أهلها وقهرهم، حتى أقروا له بالعبودة. كما: 20670 - حدثنا محمد بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي إن فرعون علا في الارض يقول: تجبر في الارض. 20671 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن فرعون علا في الارض أي بغى في الارض. وقوله: وجعل أهلها شيعا يعني بالشيع: الفرق، يقول: وجعل أهلها فرقا متفرقين. كما: 20672 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعل أهلها شيعا: أي فرقا يذبح طائفة منهم، ويستحيي طائفة، ويعذب طائفة، ويستعبد طائفة. قال الله عزوجل: يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، إنه كان من المفسدين. 20673 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه، أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، وأحرقت بيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة، فسألهم عن رؤياه، فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه، يعنون بيت المقدس، رجل يكون على وجهه هلاك مصر، فأمر ببني إسرائيل أو لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه، ولا تولد لهم جارية إلا تركت، وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا، فأدخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الاعمال القذرة، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، وأدخلوا غلمانهم، فذلك
[ 35 ]
حين يقول: إن فرعون علا في الارض وجعل أهلها شيعا يعني بني إسرائيل حين جعلهم في الاعمال القذرة. 20674 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وجعل أهلها شيعا قال: فرق بينهم. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: وجعل أهلها شيعا قال: فرقا. 20675 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجعل أهلها شيعا قال: الشيع: الفرق. وقوله: يستضعف طائفة منهم ذكر أن استضعافه إياها كان استعباده. ذكر من قال ذلك: 20676 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: يستعبد طائفة منهم، ويذبح طائفة، ويقتل طائفة، ويستحيي طائفة. وقوله: إنه كان من المفسدين يقول: إنه كان ممن يفسد في الارض بقتله من لا يستحق منه القتل، واستعباده من ليس له استعباده وتجبره في الارض على أهلها، وتكبره على عبادة ربه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ئ ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) *. قوله: ونريد عطف على قوله يستضعف طائفة منهم ومعنى الكلام: أن فرعون علا في الارض وجعل أهلها من بني إسرائيل فرقا يستضعف طائفة منهم ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفهم فرعون من بني إسرائيل ونجعلهم أئمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 36 ]
20677 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض قال: بنو إسرائيل. قوله: ونجعلهم أئمة أي ولاة وملوكا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20678 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ونجعلهم أئمة أي ولاة الامر: وقوله: ونجعلهم الوارثين يقول: ونجعلهم وراث آل فرعون يرثون الارض من بلد مهلكهم. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20679 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ونجعلهم الوارثين: أي يرثون الارض بعد فرعون وقومه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة ونجعلهم الوارثين يقول: يرثون الارض بعد فرعون. وقوله: ونمكن لهم في الارض يقول: ونوطئ لهم في أرض الشام ومصر. ونري فرعون وهامان وجنودهما كانوا قد أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل، فكانوا من ذلك على وجل منهم، ولذلك كان فرعون يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، فأرى الله فرعون وهامان وجنودهما من بني إسرائيل على يد موسى بن عمران نبيه ما كانوا يحذرونه منهم من هلاكهم وخراب منازلهم ودورهم. كما: 20680 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون شيئا ما حذر القوم، قال: وذكر لنا أن حازيا حزا لعدو الله فرعون، فقال: يولد في هذا العام غلام من بني إسرائيل يسلبك ملكك، فتتبع أبناءهم ذلك العام، يقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم حذرا مما قال له الحازي. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال: كان لفرعون رجل ينظر له ويخبره، يعني أنه كاهن، فقال له: إنه يولد في هذا العام
[ 37 ]
غلام يذهب بملككم، فكان فرعون يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم حذرا، فذلك قوله ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون. واختلفت القراء في قراءة قوله: ونري فرعون وهامان فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين: ونري فرعون وهامان بمعنى: ونرى نحن بالنون عطفا بذلك على قوله: ونمكن لهم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: ويرى فرعون على أن الفعل لفرعون، بمعنى: ويعاين فرعون، بالياء من يرى، ورفع فرعون وهامان والجنود. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قراء الامصار، متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب، لانه معلوم أن فرعون لم يكن ليرى من موسى ما رأى، إلا بأن يريه الله عزوجل منه، ولم يكن ليريه الله تعالى ذكره ذلك منه إلا رآه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رآدوه إليك وجاعلوه من المرسلين) *. يقول تعالى ذكره: وأوحينا إلى أم موسى حين ولدت موسى أن أرضعيه. وكان قتادة يقول، في معنى ذلك وأوحينا إلى أم موسى: قذفنا في قلبها. 20681 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأوحينا إلى أم موسى وحيا جاءها من الله، فقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة، أن أرضعي موسى فإذا خفت عليه فألقيه في اليم، ولا تخافي ولا تحزني... الآية. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قوله وأوحينا إلى أم موسى قال: قذف في نفسها. 20682 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أمر فرعون أن يذبح من ولد من بني إسرائيل سنة، ويتركوا سنة فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى فلما أرادت وضعه، حزنت من شأنه، فأوحى الله إليها أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم. واختلف أهل التأويل في الحال التي أمرت أم موسى أن تلقي موسى في اليم، فقال
[ 38 ]
بعضهم: أمرت أن تلقيه في اليم بعد ميلاده بأربعة أشهر، وذلك حال طلبه من الرضاع أكثر مما يطلب الصبي بعد حال سقوطه من بطن أمه. ذكر من قال ذلك: 20683 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: أن أرضعيه فإذا خفت عليه قال: إذا بلغ أربعة أشهر وصاح وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك فألقيه حينئذ في اليم فذلك قوله: فإذا خفت عليه. 20684 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: لم يقل لها: إذا ولدتيه فألقيه في اليم، إنما قال لها أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم بذلك أمرت، قال: جعلته في بستان، فكانت تأتيه كل يوم فترضعه، وتأتيه كل ليلة فترضعه، فيكفيه ذلك. وقال آخرون: بل أمرت أن تلقيه في اليم بعد ولادها إياه، وبعد رضاعها. ذكر من قال ذلك: 20685 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما وضعته أرضعته ثم دعت له نجارا، فجعل له تابوتا، وجعل مفتاح التابوت من داخل، وجعلته فيه، فألقته في اليم. وأولى قول قيل في ذلك بالصواب، أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر أم موسى أن ترضعه، فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليم. وجائز أن تكون خافتهم عليه بعد أشهر من ولادها إياه وأي ذلك كان، فقد فعلت ما أوحى الله إليها فيه، ولا خبر قامت به حجة، ولا فطرة في العقل لبيان أي ذلك كان من أي، فأولى الاقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال جل ثناؤه. واليم الذي أمرت أن تلقيه فيه هو النيل. كما: 20686 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي فألقيه في اليم قال: هو البحر، وهو النيل. وقد بينا ذلك بشواهده، وذكر الرواية فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته. وقوله: ولا تخافي ولا تحزني يقول: لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه، ولا تحزني لفراقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20687 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ولا تخافي ولا تحزني قال: لا تخافي عليه البحر، ولا تحزني لفراقه إنا رادوه إليك.
[ 39 ]
وقوله: إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين يقول: إنا رادو ولدك إليك للرضاع لتكوني أنت ترضعيه، وباعثوه رسولا إلى من تخافينه عليه أن يقتله، وفعل الله ذلك بها وبه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20688 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق إنا رادوه إليك وباعثوه رسولا إلى هذه الطاغية، وجاعلو هلاكه ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) *. يقول تعالى ذكره: فالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه وأصله من اللقطة، وهو ما وجد ضالا فأخذ. والعرب تقول لما وردت عليه فجأة من غير طلب له ولا إرادة: أصبته التقاطا، ولقيت فلانا التقاطا ومنه قول الراجز: ومنهل وردته التقاطالم ألق إذ وردته فراطا يعني فجأة. واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: آل فرعون في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى بذلك: جواري امرأة فرعون. ذكر من قال ذلك: 20689 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أقبل الموج بالتابوت يرفعه مرة ويخفضه أخرى، حتى أدخله بين أشجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن، فوجدن التابوت، فأدخلنه إلى آسية، وظنن أن فيه مالا فلما نظرت إليه آسية، وقعت عليها رحمته فأحبته فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها، قال: إني أخاف أن يكون هذا بني إسرائيل، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا، فذلك قول الله: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا.
[ 40 ]
وقال آخرون: بل عنى به ابنة فرعون. ذكر من قال ذلك: 20690 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: كانت بنت فرعون برصاء، فجاءت إلى النيل، فإذا التابوت في النيل تخفقه الامواج، فأخذته بنت فرعون، فلما فتحت التابوت، فإذا هي بصبي، فلما اطلعت في وجهه برأت من البرص، فجاءت به إلى أمها، فقالت: إن هذا الصبي مبارك لما نظرت إليه برئت، فقال فرعون: هذا من صبيان من بني إسرائيل، هلم حتى أقتله، فقالت: قرة عين لي ولك، لا تقتلوه. وقال آخرون: عنى به أعوان فرعون. ذكر من قال ذلك: 20691 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كل غداة فبينما هو جالس، إذ مر النيل بالتابوت يقذف به، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه، فقالت: إن هذا لشئ في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه، حتى جاءوا به، ففتح التابوت فإذا فيه صبي في مهده، فألقى الله عليه محبته، وعطف عليه نفسه، قالت امرأته آسية: لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. ولا قول في ذلك عندنا أولى بالصواب مما قال الله عزوجل: فالتقطه آل فرعون وقد بينا معنى الآل فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادته ههنا. وقوله: ليكون لهم عدوا وحزنا فيقول القائل: ليكون موسى لآل فرعون عدوا وحزنا فالتقطوه، فيقال فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا قيل: إنهم حين التقطوه لم يلتقطوه لذلك، بل لما تقدم ذكره. ولكنه إن شاء الله كما. 20692 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، في قوله: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا قال: ليكون في عاقبة أمره عدوا وحزنا لما أراد الله به، وليس لذلك أخذوه، ولكن امرأة فرعون قالت: قرة عين لي ولك فكان قول الله: ليكون لهم عدوا وحزنا لما هو كائن في عاقبة أمره لهم، وهو كقول الآخر إذا قرعه لفعل كان فعله وهو يحسب محسنا في فعله، فأداه فعله ذلك إلى مساءة مندما له على فعله: فعلت هذا لضر نفسك، ولتضر به نفسك فعلت. وقد كان الفاعل في حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه، غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: فالتقطه آل
[ 41 ]
فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إنما هو: فالتقطه آل فرعون ظنا منهم أنهم محسنون إلى أنفسهم، ليكون قرة عين لهم، فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم على يديه. وقوله: عدوا وحزنا يقول: يكون لهم عدوا في دينهم، وحزنا على ما ينالهم منه من المكروه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20693 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا عدوا لهم في دينهم، وحزنا لما يأتيهم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: وحزنا بفتح الحاء والزاي. وقرأته عامة قراء الكوفة: وحزنا بضم الحاء وتسكين الزاي. والحزن بفتح الحاء والزاي مصدر من حزنت حزنا، والحزن بضم الحاء وتسكين الزاي الاسم: كالعدم والعدم ونحوه. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وهما على اختلاف اللفظ فيهما بمنزلة العدم، والعدم، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين يقول تعالى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين، فلذلك كان لهم موسى عدوا وحزنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون) *. يقول تعالى ذكره: وقالت امرأة فرعون له هذا قرة عين لي ولك يا فرعون فقرة عين مرفوعة بمضمر هو هذا، أو هو. وقوله: لا تقتلوه مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذكر أن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون، قال فرعون: أما لك فنعم، وأما لي فلا، فكان كذلك. ذكر من قال ذلك: 20694 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: قالت امرأة فرعون: قرة عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا قال فرعون: قرة عين لك، أما لي فلا. قال محمد بن قيس: قال رسول الله (ص): لو قال فرعون: قرة عين لي ولك، لكان لهما جميعا.
[ 42 ]
20695 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: اتخذه فرعون ولدا، ودعي على أنه ابن فرعون فلما تحرك الغلام أرته أمه آسية صبيا، فبينما هي ترقصه وتلعب به، إذ ناولته فرعون، وقالت: خذه قرة عين لي ولك، قال فرعون: هو قرة عين لك، لا لي. قال عبد الله بن عباس: لو أنه قال: وهو لي قرة عين إذن لآمن به، ولكنه أبى. 20696 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قالت امرأة فرعون: قرة عين لي ولك تعني بذلك موسى. 20697 - حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ بن يزيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما أتت بموسى امرأة فرعون فرعون قالت: قرة عين لي ولك قال فرعون: يكون لك، فأما لي فلا حاجة لي فيه، فقال رسول الله (ص): والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت، لهداه الله به كما هدى به امرأته، ولكن الله حرمه ذلك. وقوله: لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ذكر أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين هم بقتله. قال بعضهم: حين أتي به يوم التقطه من اليم. وقال بعضهم: يوم نتف من لحيته أو ضربه بعصا كانت في يده. ذكر من قال: قالت ذلك يوم نتف لحيته: 20698 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أتى فرعون به صبيا أخذه إليه، فأخذ موسى بلحيته فنتفها، قال فرعون: علي بالذباحين، هو هذا قالت آسية: لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا إنما هو صبي لا يعقل، وإنما صنع هذا من صباه. 20699 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا قال: ألقيت عليه رحمتها حين أبصرته. وقوله: وهم لا يشعرون اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وهم لا يشعرون هلاكهم على يده. ذكر من قال ذلك:
[ 43 ]
20700 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهم لا يشعرون قال: وهم لا يشعرون أن هلكتهم على يديه، وفي زمانه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني سفيان، عن معمر، عن قتادة أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون قال: إن هلاكهم على يديه. 20701 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله وهم لا يشعرون قال: آل فرعون إنه لهم عدو. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهم لا يشعرون بما هو كائن من أمرهم وأمره. ذكر من قال ذلك: 20702 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت امرأة فرعون آسية: لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون يقول الله: وهم لا يشعرون أي بما هو كائن بما أراد الله به. وقال آخرون: بل معنى قوله وهم لا يشعرون بنو إسرائيل لا يشعرون أنا التقطناه. ذكر من قال ذلك: 20703 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون قال: يقول: لا تدري بنو إسرائيل أنا التقطناه. والصواب من القول في ذلك، قول من قال: معنى ذلك: وفرعون وآله لا يشعرون بما هو كائن من هلاكهم على يديه. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات به لانه عقيب قوله: وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وإذا كان ذلك عقبه، فهو بأن يكون بيانا عن القول الذي هو عقبه أحق من أن يكون بيانا عن غيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) *. اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله أنه أصبح منه فؤاد أم موسى فارغا،
[ 44 ]
فقال بعضهم: الذي عنى جل ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أم موسى فارغا: كل شئ سوى ذكر ابنها موسى. ذكر من قال ذلك: 20704 - حدثني محمد بن العلاء، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الاعمش، عن مجاهد، وحسان أبي الاشرس عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: فرغ من كل شئ إلا من ذكر موسى. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن حسان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: فارغا من كل شئ إلا من ذكر موسى. * - حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن ابن عباس وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: فارغا من كل شئ إلا من هم موسى. * - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: يقول: لا تذكروا إلا موسى. 20705 - حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: من كل شئ غير ذكر موسى. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: فرغ من كل شئ إلا من ذكر موسى. 20706 - حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر، في قوله وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: فارغا من كل شئ إلا من هم موسى. 20707 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأصبح فؤاد أم موسى فارغا: أي لاغيا من كل شئ، إلا من ذكر موسى. 20708 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: فرغ من كل شئ غير ذكر موسى.
[ 45 ]
وقال آخرون: بل عنى أن فؤادها أصبح فارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها، إذ أمرها أن تلقيه في اليم فقال ولا تخافي ولا تحزني، إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين قال: فحزنت ونسيت عهد الله إليها، فقال الله عزوجل وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من وحينا الذي أوحيناه إليها. ذكر من قال ذلك: 20709 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال: فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر، ولا تخاف ولا تحزن. قال: فجاءها الشيطان، فقال: يا أم موسى، كرهت أن يقتل فرعون موسى، فيكون لك أجره وثوابه وتوليت قتله، فألقيتيه في البحر وغرقتيه، فقال الله: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من الوحي الذي أوحاه إليها. 20710 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: ثني الحسن، قال: أصبح فارغا من العهد الذي عهدنا إليها، والوعد الذي وعدناها أن نرد عليها ابنها، فنسيت ذلك كله، حتى كادت أن تبدي به لولا أن ربطنا على قلبها. 20711 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: قد كانت أم موسى ترفع له حين قذفته في البحر، هل تسمع له بذكر، حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبيا في النيل في التابوت، فعرفت الصفة، ورأت أنه وقع في يدي عدوه الذي فرت به منه، وأصبح فؤادها فارغا من عهد الله إليها فيه قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه. وقال بعض أهل المعرفة بكلام العرب: معنى ذلك: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من الحزن، لعلمها بأنه لم يغرق. قال: وهو من قولهم: دم فرغ: أي لا قود ولا دية وهذا قول لا معنى له لخلافه قول جميع أهل التأويل. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: معناه: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من كل شئ إلا من هم موسى. وإنما قلنا: ذلك أولى الاقوال فيه بالصواب لدلالة قوله: إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها ولو كان عنى بذلك: فراغ قلبها من الوحي لم يعقب بقوله: إن كادت لتبدي به لانها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي، فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه،
[ 46 ]
وولوعها به، ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة. وإذا كان ذلك كذلك بطل القول بأنها كانت فارغة القلب مما أوحى إليها. وأخرى أن الله تعالى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فارغة القلب، ولم يخصص فراغ قلبها من شئ دون شئ، فذلك على العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لم يفرغ منه. وقد ذكر عن فضالة بن عبيد أنه كان يقرؤه: وأصبح فؤاد أم موسى فازعا من الفزع. وقوله: إن كادت لتبدي به اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عادت عليه الهاء في قوله: به فقال بعضهم: هي من ذكر موسى، وعليه عادت. ذكر من قال ذلك: 20712 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الاعمش، عن مجاهد وحسان أبي الاشرس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس إن كادت لتبدي به أن تقول: يا ابناه. * - قال: ثني يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن الاعمش، عن حسان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس إن كادت لتبدي به أن تقول: يا ابناه. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن حسان عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس إن كادت لتبدي به أن تقول: يا ابناه. 20713 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن كادت لتبدي به أي لتبدي به أنه ابنها من شدة وجدها. 20714 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما جاءت أمه أخذ منها، يعني الرضاع، فكادت أن تقول: هو ابني، فعصمها الله، فذلك قول الله إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها. وقال آخرون بما أوحيناه إليها: أي تظفر. والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا: إن كادت لتقول: يا بنياه، لاجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، وأنه عقيب قوله: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا فلان يكون لو لم يكن ممن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك من ذكر موسى، لقربه منه، أشبه من أن يكون من ذكر الوحي. وقال بعضهم: بل معنى ذلك إن كادت لتبدي بموسى فتقول: هو ابني. قال:
[ 47 ]
وذلك أن صدرها ضاق إذ نسب إلى فرعون، وقيل ابن فرعون. وعنى بقوله لتبدي به لتظهره وتخبر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20715 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: إن كادت لتبدي به: لتشعر به. 20716 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن كادت لتبدي به قال: لتعلن بأمره لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. وقوله: لولا أن ربطنا على قلبها يقول: لولا أن عصمناها من ذلك بتثبيتناها وتوفيقناها للسكوت عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20717 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الله لولا أن ربطنا على قلبها: أي بالايمان لتكون من المؤمنين. 20718 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كادت تقول: هو ابني، فعصمها الله، فذلك قول الله: إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها. وقوله: لتكون من المؤمنين يقول تعالى ذكره: عصمناها من إظهار ذلك وقيله بلسانها، وثبتناها للعهد الذي عهدنا إليها لتكون من المؤمنين بوعد الله، الموقنين به. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالت لاخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون) *. يقول تعالى ذكره: وقالت أم موسى لاخت موسى حين ألقته في اليم قصيه يقول: قصي أثر موسى، اتبعي أثره، تقول: قصصت آثار القوم: إذا اتبعت آثارهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20719 - دثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصام، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لاخته قصيه قال: اتبعي أثره كيف يصنع به. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قصيه أي قصي أثره.
[ 48 ]
20720 - حدثنا ابن حميد، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وقالت لاخته قصيه قال: اتبعي أثره. 20721 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقالت لاخته قصيه أي انظري ماذا يفعلون به. 20722 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي وقالت لاخته قصيه يعني: قصي أثره. 20723 - حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس وقالت لاخته قصيه أي قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا، أحي ابني أو قد أكلته دواب البحر وحيتانه ؟ ونسيت الذي كان الله وعدها. وقوله: فبصرت به عن جنب يقول تعالى ذكره: فقصت أخت موسى أثره، فبصرت به عن جنب: يقول فبصرت بموسى عن بعد لم تدن منه ولم تقرب، لئلا يعلم أنها منه بسبيل. يقال منه: بصرت به وأبصرته، لغتان مشهورتان، وأبصرت عن جنب، وعن جنابة، كما قال الشاعر: أتيت حريثا زائرا عن جنابة فكان حريث عن عطائي جاحدا يعني بقوله: عن جنابة: عن بعد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20724 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسي وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عن جنب قال: بعد. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد عن جنب قال: عن بعد. قال ابن جريج عن جنب قال: هي على الحد في الارض، وموسى يجري به النيل وهما متحاذيان كذلك تنظر إليه نظرة، وإلى الناس نظرة، وقد جعل في تابوت مقير ظهره وبطنه، وأقفلته عليه.
[ 49 ]
20725 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي سفيان، عن معمر، عن قتادة: فبصرت به عن جنب يقول: بصرت به وهي محاذيته لم تأته. 20726 - حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ بن زيد، قال: ثني القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس فبصرت به عن جنب والجنب: أن يسمو بصر الانسان إلى الشئ البعيد، وهو إلى جنبه لا يشعر به. وقوله: وهم لا يشعرون يقول: وقوم فرعون لا يشعرون بأخت. موسى أنها أخته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20727 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وهم لا يشعرون قال: آل فرعون. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 20728 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون أنها أخته، قال: جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده. 20729 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي وهم لا يشعرون أنها أخته. 20730 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وهم لا يشعرون أي لا يعرفون أنها منه بسبيل. القول في تأويل قوله تعالى: * (وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) *. يقول تعالى ذكره: ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهن من قبل أمه. ذكر أن أختا لموسى هي التي قالت لآل فرعون: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 50 ]
20731 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمور، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أرادوا له المرضعات، فلم يأخذ من أحد من النساء، وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع، فأبى أن يأخذ، فذلك قوله: وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت أخته هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فلما جاءت أمه أخذ منها. 20732 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وحرمنا عليه المراضع من قبل قال: لا يقبل ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه. 20733 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن حسان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وحرمنا عليه المراضع من قبل قال: كان لا يؤتى بمرضع فيقبلها. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: وحرمنا عليه المراضع من قبل قال: لا يرضع ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه. 20734 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وحرمنا عليه المراضع من قبل قال: جعل لا يؤتى بامرأة إلا لم يأخذ ثديها، قال: فقالت أخته هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. 20735 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: جمعوا المراضع حين ألقى الله محبتهم عليه، فلا يؤتى بامرأة فيقبل ثديها فير مضهم ذلك، فيؤتي بمرضع بعد مرضع، فلا يقبل شيئا منهن فقالت لهم أخته حين رأيت من وجدهم به، وحرصهم عليه هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم، ويعني بقوله يكفلونه لكم: يضمونه لكم. وقوله: وهم له ناصحون ذكر أنها أخذت، فقيل: قد عرفته، فقالت: إنما عنيت أنهم للملك ناصحون. ذكر من قال ذلك: 20736 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما قالت أخته هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون أخذوها، وقالوا:
[ 51 ]
إنك قد عرفت هذا الغلام، فدلينا على أهله، فقالت: ما أعرفه، ولكني إنما قلت: هم للملك ناصحون. 20737 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون قال: فعلقوها حين قالت: وهم له ناصحون، قالوا: قد عرفته، قالت: إنما أردت هم للملك ناصحون. 20738 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وهم له ناصحون أي لمنزلته عندكم، وحرصكم على مسرة الملك، قالوا: هاتي. القول في تأويل قوله تعالى: * (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: فرددنا موسى إلى أمه بعد أن التقطه آل فرعون، لتقر عينها با بنها، إذ رجع إليها سليما من قتل فرعون ولا تحزن على فراقه إياها ولتعلم أن وعد الله الذي وعدها إذ قال لها فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني... الآية، حق. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20739 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فرددناه إلى أمه فقرأ حتى بلغ لا يعلمون ووعدها أنه راده إليها وجاعله من المرسلين، ففعل الله ذلك بها. وقوله: ولكن أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن وعد الله حق، لا يصدقون بأن ذلك كذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين) *. يقول تعالى ذكره: ولما بلغ موسى أشده، يعني حان شده بدنه وقواه، وانتهى ذلك منه. وقد بينا معنى الاشد فيما مضى بشواهده، فأغني ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
[ 52 ]
وقوله: واستوى يقول: تناهى شبابه، وتم خلقه واستحكم. وقد اختلف في مبلغ عدد سني الاستواء، فقال بعضهم: يكون ذلك في أربعين سنة. ذكر من قال ذلك: 20740 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: واستوى قال: أربعين سنة. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولما بلغ أشده قال: ثلاثا وثلاثين سنة. قوله: واستوى قال: بلغ أربعين سنة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 20741 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس ولما بلغ أشده قال: بضعا وثلاثين سنة. قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولما بلغ أشده قال: ثلاثا وثلاثين سنة. 20742 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة أشده واستوى قال: أربعين سنة، وأشده: ثلاثا وثلاثين سنة. 20743 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولما بلغ أشده واستوى قال: كان أبي يقول: الاشد: الجلد، والاستواء: أربعون سنة. وقال بعضهم: يكون ذلك في ثلاثين سنة. وقوله: وآتيناه حكما وعلما يعني الحكم: الفهم بالدين والمعرفة. كما: 20744 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد آتيناه حكما وعلما قال: الفقه والعقل والعمل قبل النبوة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد آتيناه حكما وعلما قال: الفقه والعمل قبل النبوة. 20745 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ولما بلغ أشده
[ 53 ]
واستوى آتاه الله حكما وعلما وفقها في دينه ودين آبائه، وعلما بما في دينه وشرائعه وحدوده. وقوله: وكذلك نجزي المحسنين يقول تعالى ذكره: كما جزينا موسى على طاعته إيانا وإحسانه بصبره على أمرنا، كذلك نجزي كل من أحسن من رسلنا وعبادنا، فصبر على أمرنا وأطاعنا، وانتهى عما نهيناه عنه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين) *. يقول تعالى ذكره: ودخل موسى المدينة مدينة منف من مصر على حين غفلة من أهلها وذلك عند القائلة نصف النهار. واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله دخل موسى هذه المدينة في هذا الوقت، فقال بعضهم: دخلها متبعا أثر فرعون، لان فرعون ركب وموسى غير شاهد فلما حضر علم بركوبه فركب واتبع أثره، وأدركه المقيل في هذه المدينة. ذكر من قال ذلك: 20746 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون، ويلبس مثل ما يلبس، وكان إنما يدعى موسى بن فرعون، ثم إن فرعون ركب مركبا وليس عنده موسى فلما جاء موسى قيل له: إن فرعون قد ركب، فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف، فدخلها نصف النهار، وقد تغلقت أسواقها، وليس في طرقها أحد، وهي التي يقول الله: ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها.
[ 54 ]
وقال آخرون: بل دخلها مستخفيا من فرعون وقومه، لانه كان قد خالفهم في دينهم، وعاب ما كانوا عليه. ذكر من قال ذلك: 20747 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما بلغ موسى أشده واستوى، آتاه الله حكما وعلما، فكانت له من بني إسرائيل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويجتمعون إليه، فلما استد رأيه، وعرف ما هو عليه من الحق، رأى فراق فرعون وقومه على ما هم عليه حقا في دينه، فتكلم وعادى وأنكر، حتى ذكر منه، وحتى أخافوه وخافهم، حتى كان لا يدخل قرية فرعون إلا خائفا مستخفيا، فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها. وقال آخرون: بل كان فرعون قد أمر بإخراجه من مدينته حين علاه بالعصا، فلم يدخلها إلا بعد أن كبر وبلغ أشده. وقالوا: ومعنى الكلام: ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها لذكر موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره. ذكر من قال ذلك: 20748 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: على حين غفلة من أهلها قال: ليس غفلة من ساعة، ولكن غفلة من ذكر موسى وأمره. وقال فرعون لامرأته: أخرجيه عني، حين ضرب رأسه بالعصا، هذا الذي قتلت فيه بنو إسرائيل، فقالت: هو صغير، وهو كذا، هات جمرا، فأتي بجمر، فأخذ جمرة فطرحها في فيه فصارت عقدة في لسانه، فكانت تلك العقدة التي قال الله واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي قال: أخرجيه عني، فأخرج، فلم يدخل عليهم حتى كبر، فدخل على حين غفلة من ذكره. وأولى الاقوال في الصحة بذلك أن يقال كما قال الله جل ثناؤه: ولما بلغ أشده واستوى ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها. واختلفوا في الوقت الذي عنى بقوله: على حين غفلة من أهلها فقال بعضهم: ذلك نصف النهار. ذكر من قال ذلك: 20749 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن محمد بن المنكدر، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قوله: ودخل المدينة على حين
[ 55 ]
غفلة من أهلها قال: نصف النهار. قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قال: يقولون في القائلة، قال: وبين المغرب والعشاء. 20750 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها قال: دخلها بعد ما بلغ أشده عند القائلة نصف النهار. 20751 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: دخل نصف النهار. وقوله: فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته يقول: هذا من أهل دين موسى من بني إسرائيل وهذا من عدوه من القبط من قوم فرعون فاستغاثه الذي من شيعته يقول: فاستغاثه الذي هو من أهل دين موسى على الذي من عدوه من القبط فوكزه موسى فقضى عليه يقول: فلكزه ولهزه في صدره بجمع كفه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20752 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا حفص، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، قال: أساء موسى من حيث أساء، وهو شديد الغضب شديد القوة، فمر برجل من القبط قد تسخر رجلا من المسلمين، قال: فلما رأى موسى استغاث به، قال: يا موسى، فقال موسى: خل سبيله، فقال: قد هممت أن أحمله عليك فوكزه موسى فقضى عليه قال: حتى إذا كان الغد نصف النهار خرج ينظر الخبر قال: فإذا ذاك الرجل قد أخذه آخر في مثل حده قال: فقال: يا موسى، قال: فاشتد غضب موسى، قال: فأهوى، قال: فخاف أن يكون إياه يريد، قال: فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ؟ قال: فقال الرجل: ألا أراك يا موسى أنت الذي قتلت ؟. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام بن علي، قال: ثنا الاعمش، عن سعيد بن جبير فوجد فيها رجلين يقتتلان قال: رجل من بني إسرائيل يقاتل جبارا لفرعون فاستغاثه فوكزه موسى فقضى عليه فلما كان من الغد، استصرخ به فوجده يقاتل آخر، فأغاثه، فقال أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس فعرفوا أنه موسى، فخرج منها خائفا يترقب، قال عثام: أو نحو هذا. 20753 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته، وهذا من عدوه أما الذي من شيعته فمن بني إسرائيل، وأما الذي من عدوه فقبطي من آل فرعون.
[ 56 ]
20754 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته وهذا من عدوه يقول: من القبط فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. 20755 - حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم ابن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما بلغ موسى أشده، وكان من الرجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة، حتى امتنعوا كل الامتناع، فبينا هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة، إذا هو برجلين يقتتلان: أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من آل فرعون، فاستغاثه الاسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى واشتد غضبه، لانه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل، وحفظه لهم، ولا يعلم الناس إلا أنما ذلك من قبل الرضاعة من أم موسى إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على علم ما لم يطلع عليه غيره، فوكز موسى الفرعوني فقتله، ولم يرهما أحد إلا الله والاسرائيلي، فقال موسى حين قتل الرجل هذا من عمل الشيطان... الآية. 20756 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته مسلم، وهذا من أهل دين فرعون كافر فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق، وشدة في البطش فغضب بعدوهما فنازعه فوكزه موسى وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله، فقال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين. 20757 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: هذا من شيعته قال: من قومه من بني إسرائيل، وكان فرعون من فارس من إصطخر. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. 20758 - قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه هذا من شيعته
[ 57 ]
إسرائيلي وهذا من عدوه قبطي فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. وبنحوه الذي قلنا أيضا قالوا في معنى قوله: فوكزه موسى. ذكر من قال ذلك: 20759 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فوكزه موسى قال: بجمع كفه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 20760 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فوكزه موسى نبي الله، ولم يتعمد قتله. 20761 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قتله وهو لا يريد قتله. وقوله: فقضى عليه يقول: ففرغ من قتله. وقد بينت فيما مضى أن معنى القضاء: الفراغ بما أغني عن إعادته ههنا. ذكر أنه قتله ثم دفنه في الرمل، كما: 20762 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه فوكزه موسى فقضى عليه ثم دفنه في الرمل. وقوله: قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين يقول تعالى ذكره: قال موسى حين قتل القتيل: هذا القتل من تسبب الشيطان لي بأن هيج غضبي حتى ضربت هذا فهلك من ضربتي، إنه عدو يقول: إن الشيطان عدو لابن آدم مضل له عن سبيل الرشاد بتزيينه له القبيح من الاعمال، وتحسينه ذلك له مبين يعني أنه يبين عداوته لهم قديما، وإضلاله إياهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ئ قال رب بمآ أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن ندم موسى على ما كان من قتله النفس التي قتلها، وتوبته إليه منه ومسألته غفرانه من ذلك رب إني ظلمت نفسي بقتل النفس التي لم تأمرني
[ 58 ]
بقتلها، فاعف عن ذنبي ذلك، واستره علي، ولا تؤاخذني به فتعاقبني عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20763 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: رب إني ظلمت نفسي قال: بقتلي من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر، ولم يؤمر. 20764 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: عرف المخرج، فقال: ظلمت نفسي فاغفر لي، فغفر له. وقوله: فغفر له يقول تعالى ذكره: فعفا الله لموسى عن ذنبه ولم يعاقبه به إنه هو الغفور الرحيم يقول: إن الله هو الساتر على المنيبين إليه من ذنوبهم على ذنوبهم، المتفضل عليهم بالعفو عنها، الرحيم للناس أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد ما تابوا منها. وقوله: قال رب بما أنعمت علي يقول تعالى ذكره: قال موسى رب بانعامك علي بعفوك عن قتل هذه النفس فلن أكون ظهيرا للمجرمين يعني المشركين، كأنه أقسم بذلك، وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: فلا تجعلني ظهيرا للمجرمين كأنه على هذه القراءة دعا ربه، فقال: اللهم لن أكون ظهيرا ولم يستثن عليه السلام حين قال فلن أكون ظهيرا للمجرمين فابتلي. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 20765 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فلن أكون ظهيرا للمجرمين يقول: فلن أعين بعدها ظالما على فجره، قال: وقلما قالها رجل إلا ابتلي، قال: فابتلي كما تسمعون. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالامس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين) *. يقول تعالى ذكره: فأصبح موسى في مدينة فرعون خائفا من جنايته التي جناها، وقتله النفس التي قتلها أن يؤخذ فيقتل بها يترقب يقول: يترقب الاخبار: أي ينتظر ما الذي يتحدث به الناس، مما هم صانعون في أمره وأمر قتيله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20766 - حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ بن
[ 59 ]
زيد، قال: ثنا القاسم عن أبي أيوب، قال: ثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس فأصبح في المدينة خائفا يترقب قال: خائفا من قتله النفس، يترقب أن يؤخذ. 20767 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فأصبح في المدينة خائفا يترقب قال: خاتفا أن يؤخذ. وقوله: فإذا الذي استنصره بالامس يستصرخه يقول تعالى ذكره: فرأى موسى لما دخل المدينة على خوف مترقبا الاخبار عن أمره وأمر القتيل، فإذا الاسرائيلي الذي استنصره بالامس على الفرعوني يقاتله فرعوني آخر، فرآه الاسرائيلي فاستصرخه على الفرعوني. يقول: فاستغاثه أيضا على الفرعوني، وأصله من الصراخ، كما يقال: قال بنو فلان: يا صباحاه، قال له موسى: إنك لغوي مبين يقول جل ثناؤه: قال موسى للاسرائيلي الذي استصرخه، وقد صادف موسى نادما على ما سلف منه من قتله بالامس القتيل، وهو يستصرخه اليوم على آخر: إنك أيها المستصرخ لغوي: يقول: إنك لذو غواية، مبين: يقول: قد تبينت غوايتك بقتلك أمس رجلا، واليوم آخر. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20768 - حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا أصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أتي فرعون، فقيل له: إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا من آل فرعون، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم في ذلك، قال: ابغوني قاتله ومن يشهد عليه، لا يستقيم أن نقضي بغير بينة ولا ثبت فاطلبوا ذلك، فبينما هم يطوفون لا يجدون شيئا، إذ مر موسى من الغد، فرأى ذلك الاسرائيلي يقاتل فرعونيا، فاستغاثه الاسرائيلي على الفرعوني، فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالامس، وكره الذي رأى، فغضب موسى، فمد يده وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للاسرائيلي لما فعل بالامس واليوم إنك لغوي مبين، فنظر الاسرائيلي إلى موسى بعد ما قال هذا، فإذا هو غضبان كغضبه بالامس إذ قتل فيه الفرعوني، فخاف أن يكون بعد ما قال له: إنك لغوي مبين إياه أراد، ولم يكن أراده، إنما أراد الفرعوني، فخاف الاسرائيلي فحاجه، فقال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ؟ إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله، فتتاركا.
[ 60 ]
20769 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة: فإذا الذي استنصره بالامس يستصرخه قال: الاستنصار والاستصراخ واحد. 20770 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي فإذا الذي استنصره بالامس يستصرخه يقول: يستغيثه. 20771 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قتل موسى القتيل، خرج فلحق بمنزله من مصر، وتحدث الناس بشأنه، وقيل: قتل موسى رجلا حتى انتهى ذلك إلى فرعون، فأصبح موسى غاديا الغد، وإذا صاحبه بالامس معانق رجلا آخر من عدوه، فقال له موسى: إنك لغوي مبين أمس رجلا، واليوم آخر ؟. 20772 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا حفص، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير والشيباني، عن عكرمة، قال: الذي استنصره: هو الذي استصرخه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلمآ أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض وما تريد أن تكون من المصلحين) *. يقول تعالى ذكره: فلما أراد موسى أن يبطش بالفرعوني الذي هو عدو له وللا سرائيلي، قال الاسرائيلي لموسى وظن أنه إياه يريد أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20773 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال: خافه الذي من شيعته حين قال له موسى: إنك لغوي مبين. 20774 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال موسى للاسرائيلي: إنك لغوي مبين ثم أقبل لينصره، فلما نظر إلى موسى قد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذي يقاتل الاسرائيلي، قال الاسرائيلي، وفرق من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ له الكلام: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس، إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض وما تريد أن تكون من المصلحين فتركه موسى. 20775 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن
[ 61 ]
عبد الله، عن أصحابه، قال: ندم بعد أن قتل القتيل، فقال: هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال: ثم استنصره بعد ذلك الاسرائيلي على قبطي آخر، فقال له موسى: إنك لغوي مبين فلما أراد أن يبطش بالقبطي، ظن الاسرائيلي أنه إياه يريد، فقال: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ؟. قال: وقال ابن جريج، أو ابن أبي نجيح الطبري يشك وهو في الكتاب ابن أبي نجيح أن موسى لما أصبح، أصبح نادما تائبا، يود أن لم يبطش بواحد منهما، وقد قال للاسرائيلي: إنك لغوي مبين فعلم الاسرائيلي أن موسى غير ناصره فلما أراد الاسرائيلي أن يبطش بالقبطي نهاه موسى، ففرق الاسرائيلي من موسى، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ؟ فسعى بها القبطي. وقوله: إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الاسرائيلي لموسى: إن تريد ما تريد إلا أن تكون جبارا في الارض. وكان من فعل الجبابرة: قتل النفوس ظلما، بغير حق. وقيل: إنما قال ذلك لموسى الاسرائيل، لانه كان عندهم من قتل نفسين: من الجبابرة. ذكر من قال ذلك: 20776 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا هشيم بن بشير، عن إسماعيل بن سالم، عن الشعبي قال: من قتل رجلين فهو جبار قال: ثم قرأ أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس، إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض، وما تريد أن تكون من المصلحين. 20777 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض إن الجبابرة هكذا، تقتل النفس بغير النفس.، - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض قال: تلك سيرة الجبابرة أن تقتل النفس بغير النفس. وقوله: وما تريد أن تكون من المصلحين يقول: ما تريد أن تكون ممن يعمل في الارض بما فيه صلاح أهلها، من طاعة الله. وذكر عن ابن إسحاق أنه قال في ذلك ما: 20778 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وما تريد أن تكون من المصلحين أي ما هكذا يكون الاصلاح. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يموسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) *.
[ 62 ]
ذكر أن قول الاسرائيلي سمعه سامع فأفشاه، وأعلم به أهل القتيل، فحينئذ طلب فرعون موسى، وأمر بقتله فلما أمر بقتله، جاء موسى مخبر، وخبره بما قد أمر به فرعون في أمره، وأشار عليه بالخروج من مصر، بلد فرعون وقومه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20779 - حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: انطلق الفرعوني الذي كان يقاتل الاسرائيلي إلى قومه، فأخبرهم بما سمع من الاسرائيلي من الخبر حين يقول أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس ؟ فأرسل فرعون الذباحين لقتل موسى، فأخذوا الطريق الاعظم، وهم لا يخافون أن يفوتهم، وكان رجل من شيعة موسى في أقصى المدينة، فاختصر طريقا قريبا، حتى سبقهم إلى موسى، فأخبره الخبر. 20780 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: أعلمهم القبطي الذي هو عدو لهما، فأتمر الملا ليقتلوه، فجاء رجل من أقصى المدينة، وقرأ إن... إلى آخر الآية، قال: كنا نحدث أنه مؤمن آل فرعون. 20781 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: ذهب القبطي، يعني الذي كان يقاتل الاسرائيلي، فأفشى عليه أن موسى هو الذي قتل الرجل، فطلبه فرعون وقال: خذوه فإنه صاحبنا، وقال للذين يطلبونه: اطلبوه في بنيات الطريق، فإن موسى غلام لا يهتدي الطريق، وأخذ موسى في بنيات الطريق، وقد جاءه الرجل فأخبره إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك. 20782 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه، قالوا: لما سمع القبطي قول الاسرائيلي لموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس سعى بها إلى أهل المقتول فقال: إن موسى هو قتل صاحبكم، ولو لم يسمعه من الاسرائيلي لم يعلمه أحد فلما علم موسى أنهم قد علموا خرج هاربا، فطلبه القوم فسبقهم قال: وقال ابن أبي نجيح: سعى القبطي. 20783 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، قال:
[ 63 ]
قال الاسرائيلي لموسى: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس وقبطي قريب منهما يسمع، فأفشى عليهما. 20784 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سمع ذلك عدو، فأفشى عليهما. وقوله: وجاء رجل ذكر أنه مؤمن آل فرعون، وكان اسمه فيما قيل: سمعان. وقال بعضهم: با كان اسمه شمعون. ذكر من قال ذلك: 20785 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجبئي، قال: اسمه شمعون الذي قال لموسى: إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك. 20786 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أصبح الملا من قوم فرعون قد أجمعوا لقتل موسى فيما بلغهم عنه، فجاء رجل من أقصى المدينة يسعى يقال له سمعان، فقال: يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج إني لك من الناصحين. 20787 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال: وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى إلى موسى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج إني لك من الناصحين. وقوله من أقصى المدينة يقول: من آخر مدينة فرعون يسعى يقول: يعجل. كما: 20788 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن حريج وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال: يعجل، ليس بالشد. وقوله: قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك يقول جل ثناؤه: قال الرجل الذي جاءه من أقصى المدينة يسعى لموسى: يا موسى إن أشراف قوم فرعون ورؤساءهم يتآمرون بقتلك، ويتشاورون ويرتؤون فيك ومنه قول الشاعر: ما تأتمر فينا فأم رك في يمنك أو شمالك يعني: ما ترتئي، وتهم به ومنه قول النمر بن تولب:
[ 64 ]
أرى الناس قد أحدثوا شيمة وفي كل حادثة يؤتمر أي يتشاور ويرتأى فيها. وقوله: فاخرج إني لك من الناصحين يقول: فاخرج من هذه المدينة، إني لك في إشارتي عليك بالخروج منها من الناصحين. القول في تأويل قوله تعالى: * (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ئ ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سوآء السبيل) *. يقول تعالى ذكره: فخرج موسى من مدينة فرعون خائفا من قتله النفس أن يقتل به يترقب يقول: ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه. كما: 20789 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فخرج منها خائفا يترقب خائفا من قتله النفس يترقب الطلب قال رب نجني من القوم الظالمين. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة فخرج منها خائفا يترقب قال: خائفا من قتل النفس، يترقب أن يأخذه الطلب. 20790 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر لي أنه خرج على وجهه خائفا يترقب ما يدري أي وجه يسلك، وهو يقول: رب نجني من القوم الظالمين. 20791 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فخرج منها خائفا يترقب قال: يترقب مخافة الطلب. وقوله: قال رب نجني من القوم الظالمين يقول تعالى ذكره: قال موسى وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفا: رب نجني من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك. وقوله: ولما توجه تلقاء مدين يقول تعالى ذكره: ولما جعل موسى وجهه نحو مدين، ماضيا إليها، شاخصا عن مدينة فرعون، وخارجا عن سلطانه، قال: عسى ربي أن
[ 65 ]
يهديني سواء السبيل وعنى بقوله: تلقاء: نحو مدين ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه، يعني به: من قبل نفسه ويقال: داره تلقاء دار فلان: إذا كانت محاذيتها، ولم يصرف اسم مدين لانها اسم بلدة معروفة، كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد المعروفة ومنه قول الشاعر: رهبان مدين لو رأوك تنزلوا والعصم من شعف العقول الفادر وقوله: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل يقول: عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين، وإنما قال ذلك لانه لم يكن يعرف الطريق إليها. وذكر أن الله قيض له إذ قال: رب نجني من القوم الظالمين ملكا سدده الطريق، وعرفه إياه. ذكر من قال ذلك: 20792 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أخذ موسى في بنيات الطريق جاءه ملك على فرس بيده عنزة فلما رآه موسى سجد له من الفرق قال: لا تسجد لي ولكن اتبعني، فاتبعه، فهداه نحو مدين. وقال موسى وهو متوجه نحو مدين: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل فانطلق به حتى انتهى به إلى مدين. 20793 - حدثنا العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: خرج موسى متوجها نحو مدين، وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه، فإنه قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. 20794 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر لي أنه خرج وهو يقول: رب نجني من القوم الظالمين فهيأ الله الطريق إلى مدين، فخرج من مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر ولا درهم ولا رغيف، خائفا يترقب، حتى وقع إلى أمة من الناس يسقون بمدين.
[ 66 ]
20795 - حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال: خرج موسى من مصر إلى مدين، وبينها وبينها مسيرة ثمان، قال: وكان يقال نحو من الكوفة إلى البصرة، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر، وخرج حافيا، فما وصل إليها حتى وقع خف قدمه. 20796 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، قال: ثنا الاعمش، عن المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: لما خرج موسى من مصر إلى مدين، وبينه وبينها ثمان ليال، كان يقال: نحو من البصرة إلى الكوفة ثم ذكر نحوه. ومدين كان بها يومئذ قوم شعيب عليه السلام. ذكر من قال ذلك: 20797 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولما توجه تلقاء مدين ومدين: ماء كان عليه قوم شعيب قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. وأما قوله: سواء السبيل فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو قولنا فيه. ذكر من قال ذلك: 20798 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد سواء السبيل قال: الطريق إلى مدين. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 20799 - قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل قال: قصد السبيل. 20800 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عباد بن راشد، عن الحسن عسى ربي أن يهديني سواء السبيل قال: الطريق المستقيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من
[ 67 ]
دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعآء وأبونا شيخ كبير) *. يقول تعالى ذكره: ولما ورد موسى ماء مدين وجد عليه أمة يعني جماعة من الناس يسقون نعمهم ومواشيهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20801 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي وجد عليه أمة من الناس يسقون يقول: كثرة من الناس يسقون. 20802 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله أمة من الناس قال: أناسا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 20803 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وقع إلى أمة من الناس يسقون بمدين أهل نعم وشاء. 20804 - حدثنا علي بن موسى وابن بشار، قالا: ثنا أبو داود، قال: أخبرنا عمران القطان، قال: ثنا أبو حمزة عن ابن عباس، في قوله: ولما ورد ماء مدين قال علي بن موسى: قال: مثل ماء جوبكم هذا، يعني المحدثة. وقال ابن بشار: مثل محدثتكم هذه، يعني جوابكم هذا. وقوله: ووجد من دونهم امرأتين تذودان يقول: ووجد من دون أمة الناس الذين هم على الماء، امرأتين تذودان، يعني بقوله: تذودان تحبسان غنمهما يقال منه: ذاد فلان غنمه وماشيته: إذا أراد شئ من ذلك يشذ ويذهب، فرده ومنعه يذودها ذودا. وقال بعض أهل العربية من الكوفيين: لا يجوز أن يقال: ذدت الرجل بمعنى: حبسته، إنما يقال
[ 68 ]
ذلك للغنم والابل. وقد روي عن النبي (ص): إني لبعقر حوضي أذود الناس عنه بعصاي فقد جعل الذود (ص) في الناس ومن الذود قول سويد بن كراع: أبيت على باب القوافي كأنما أذود بها سربا من الوحش نزعا وقول الآخر: وقد سلبت عصاك بنو تميم فما تدري بأي عصا تذود وبنو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20805 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: تذودان يقول: تحبسان. * - حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس ووجد من دونهم امرأتين تذودان يعني بذلك أنهما حابستان. 20806 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير، في قوله: امرأتين تذودان قال: حابستين. 20807 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ووجد من دونهم امرأتين تذودان يقول: تحبان غنمهما. واختلف أهل التأويل في الذي كانت عنه تذود هاتان المرأتان، فقال بعضهم: كانتا تذودان غنمهما عن الماء، حتى يصدر عنه مواشي الناس، ثم تسقيان ماشيتهما لضعفهما. ذكر من قال ذلك: 20808 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين،
[ 69 ]
عن أبي مالك قوله: امرأتين تذودان قال: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا وتخلو لهما البئر. 20809 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ووجد من دونهم امرأتين يعني دون القوم تذودان غنمهما عن الماء، وهو ماء مدين. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تذودان الناس عن غنمهما. ذكر من قال ذلك: 20810 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال: أي حابستين شاءهما تذودان الناس عن شأنهما. 20811 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن أصحابه تذودان قال: تذودان الناس عن غنمهما. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال معناه: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا من سقي مواشيهم. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لدلالة قوله: ما خط بكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء على أن ذلك كذلك، وذلك أنهما شكتا أنهما لا تسقيان حتى يصدر الرعاء، إذ سألهما موسى عن ذودهما، ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس، كان لا شك أنهما كانتا تخبران عن سبب ذودهما عنها الناس، لا عن سبب تأخر سقيهما إلى أن يصدر الرعاء. وقوله: قال ما خطبكما يقول تعالى ذكره: قال موسى للمرأتين ما شأنكما وأمركما تذودان ماشيتكما عن الناس، هلا تسقونها مع مواشي الناس والعرب، تقول للرجل: ما خطبك: بمعنى ما أمرك وحالك، كما قال الراجز: (يا عجبا ما خطبه وخطبي) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20812 حدثنا العباس، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ، قال: أخبرنا
[ 70 ]
القاسم، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال لهما: ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس ؟. 20813 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وجد لهما رحمة، ودخلته فيهما خشية، لما رأى من ضعفهما، وغلبة الناس على الماء دونهما، فقال لهما: ما خطبكما: أي ما شأنكما ؟. وقوله: قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء يقول جل ثناؤه: قالت المرأتان لموسى: لا نسقي ماشيتنا حتى يصدر الرعاء مواشيهم، لانا لا نطيق أن نسقي، وإنما نسقي مواشينا ما أفضلت مواشي الرعاء في الحوض، والرعاء: جمع راع، والراعي جمعه رعاء ورعاة ورعيان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20814 - حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما قال موسى للمرأتين: ما خطبكما ؟ قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير: أي لا نستطيع أن نسقي حتى يسقي الناس، ثم نتبع فضلاتهم. 20815 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: حتى يصدر الرعاء قال: تنتظران تسقيان من فضول ما في الحياض حياض الرعاء. 20816 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال وأبونا شيخ كبير لا يقدر أن يمس ذلك من نفسه، ولا يسقي ماشيته، فنحن ننتظر الناس حتى إذا فرغوا أسقينا ثم انصرفنا. واختلفت القراء في قراءة قوله: حتى يصدر الرعاء فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز سوى أبي جعفر القارئ وعامة قراء العراق سوى أبي عمرو: يصدر الرعاء بضم الياء، وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو بفتح الياء من يصدر الرعاء عن الحوض. وأما الآخرون فإنهم ضموا الياء، بمعنى: أصدر الرعاء مواشيهم، وهما عندي قراءتان متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
[ 71 ]
وقوله: وأبونا شيخ كبير يقولان: لا يستطيع من الكبر والضعف أن يسقى ماشيته. وقوله: فسقى لهما ذكر أنه عليه السلام فتح لهما عن رأس بئر كان عليها حجر لا يطيق رفعه إلا جماعة من الناس، ثم استسقى فسقى لهما ماشيتهما منه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: فتح لهما عن بئر حجرا على فيها، فسقى لهما منها. 20818 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج بنحوه، وزاد فيه: قال ابن جريج: حجرا كان لا يطيقه إلا عشرة رهط. 20819 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن الحكم، عن شريح، قال: انتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة رجال، فرفعه وحده. 20820 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: رحمهما موسى حين قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فأتى إلى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان النفر من أهل مدين يجتمعون عليها، حتى يرفعوها، فسقى لهما موسى دلوا فأروتا غنمهما، فرجعتا سريعا، وكانتا إنما تسقيان من فضول الحياض. 20821 - حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس فسقى لهما فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرا حتى كانت أول الرعاء ريا، فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما. 20822 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: تصدق عليهما نبي الله (ص)، فسقى لهما، فلم يلبث أن أروى غنمهما. 20823 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أخذ دلوهما موسى، ثم تقدم إلى السقاء بفضل قوته، فزاحم القوم على الماء حتى أخرهم عنه، ثم سقى لهما. القول في تأويل قوله تعالى: * (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) *.
[ 72 ]
يقول تعالى ذكره: فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما، ثم تولى إلى ظل شجرة ذكر أنها سمرة. ذكر من قال ذلك: 20824 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ثم تولى موسى إلى ظل شجرة سمرة، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. 20825 - حدثني العباس، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: انصرف موسى إلى شجرة، فاستظل بظلها، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. 20826 - حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، قال: حثثت على جمل لي ليلتين حتى صبحت مدين، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى، فإذا شجرة خضراء ترف، فأهوى إليها جملي وكان جائعا، فأخذها جملي، فعالجها ساعة، ثم لفظها، فدعوت الله لموسى عليه السلام، ثم انصرفت. وقوله: فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير محتاج. وذكر أن نبي الله موسى عليه السلام قال هذا القول، وهو بجهد شديد، وعرض ذلك للمرأتين تعريضا لهما، لعلهما أن تطعماه مما به من شدة الجوع. وقيل: إن الخير الذي قال نبي الله إني لما أنزلت إلي من خير فقير محتاج، إنما عنى به: شبعة من طعام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20827 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: لما هرب موسى من فرعون أصابه جوع شديد، حتى كانت ترى أمعاؤه من ظاهر الصفاق فلما سقى للمرأتين، وأوى إلى الظل، قال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ولما ورد ماء مدين قال: ورد الماء وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه من الهزال، فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال: شبعة.
[ 73 ]
* - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ولما ورد ماء مدين قال: ورد الماء، وإن خضرة البقل لترى في بطنه من الهزال. 20828 - حدثني نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير إني لما أنزلت إلى من خير فقير قال: شبعة يومئذ. 20829 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عن منصور، عن إبراهيم، في قوله، فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال: قال هذا وما معه درهم ولا دينار. 20830 - قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال: ما سأل إلا الطعام. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن سفيان الثوري، عن ليث، عن مجاهد، في قوله فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال: ما سأل ربه إلا الطعام. * - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال: قال ابن عباس: لقد قال موسى: ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع، وما يسأل الله إلا أكلة. 20831 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال: كان نبي الله بجهد. 20832 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عطاء بن السائب في قوله: إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال: بلغني أن موسى قالها وأسمع المرأة. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من خير فقير قال: طعام. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد من خير فقير قال: طعام.
[ 74 ]
20833 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إني لما أنزلت إلي من خير فقير قال: الطعام يستطعم، لم يكن معه طعام، وإنما سأل الطعام. القول في تأويل قوله تعالى: * (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: فجاءت موسى إحدى المرأتين اللتين سقى لهما تمشي على استحياء من موسى، قد سترت وجهها بثوبها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20834 - حدثنا أبو السائب والفضل بن الصباح، قالا: ثنا ابن فضيل، عن ضرار بن عبد الله بن أبي الهذيل، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قوله: فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قال: مستترة بكم درعها، أو بكم قميصها. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن حماد بن عمرو الاسدي، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل عن عمر رضي الله عنه، قال: واضعة يدها على وجهها مستترة. 20835 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قال: قد سترت وجهها بيديها. * - قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف بنحوه. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قال: قائلة بيديها على وجهها، ووضع أبي يده على وجهه. 20836 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قال: ليست
[ 75 ]
بسلفع من النساء خراجة ولاجة واضعة ثوبها على وجهها. تقول إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. 20837 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قال: لم تكن سلفعا من النساء خراجة ولاجة، قائلة بيدها على وجهها إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. 20838 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا قرة بن خالد، قال: سمعت الحسن يقول، في قوله: فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قال: بعيدة من البذاء. 20839 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي تمشي على استحياء قال: أتته تمشي على استحياء منه. 20840 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قال: واضعة يدها على جبينها. وقوله: قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا يقول تعالى ذكره: قالت المرأة التي جاءت موسى تمشي على استحياء: إن أبي يدعوك ليجزيك: تقول: يثيبك أجر ما سقيت لنا. وقوله: فلما جاءه وقص عليه القصص يقول: فمضى موسى معها إلى أبيها، فلما جاء أباها وقص عليه قصصه مع فرعون وقومه من القبط، قال له أبوها: لا تخف فقد نجوت من القوم الظالمين يعني: من فرعون وقومه، لانه لا سلطان له بأرضنا التي أتو بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20841 - حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: ثنا الاصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: استنكر أبو الجاريتين سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا، فقال: إن لكما اليوم لشأنا.
[ 76 ]
قال أبو جعفر: أحسبه قال: فأخبرتاه الخبر فلما أتاه موسى كلمه، قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان، ولسنا في مملكته. 20842 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعا سألهما، فأخبرتاه خبر موسى، فأرسل إليه إحداهما، فأتته تمشي على استحياء، وهو يستحي منه قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فقام معها وقال لها: امضي، فمشت بين يديه، فضربتها الريح، فنظر إلى عجيزتها، فقال لها موسى: امشي خلفي، ودليني على الطريق إن أخطأت. فلما جاء الشيخ وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. 20843 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا قال: قال مطرف: أما والله لو كان عند نبي الله شئ ما تتبع مذقيهما، ولكن إنما حمله على ذلك الجهد فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. 20844 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: رجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها، فأنكر شأنهما، فسألهما فأخبرتاه الخبر، فقال لاحداهما: عجلي علي به، فأتته على استحياء فجاءته، فقالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فقام معها كما ذكر لي، فقال لها: امشي خلفي، وانعتي لي الطريق، وأنا أمشي أمامك، فإنا لا ننظر إلى أدبار النساء فلما جاءه أخبره الخبر، وما أخرجه من بلاده فلما قص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين وقد أخبرت أباها بقوله إنا لا ننظر إلى أدبار النساء. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالت إحداهما يأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين) *. يقول تعالى ذكره: قالت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما موسى لابيها حين أتاه موسى، وكان اسم إحداهما صفورا، واسم الاخرى ليا، وقيل: شرفا كذلك.
[ 77 ]
20845 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني وهب بن سليمان الرمادي، عن شعيب الجبئي، قال: اسم الجاريتين ليا، وصفورا، وامرأة موسى صفورا ابنة يثرون كاهن مدين، والكاهن: حبر. 20846 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: إحداهما صفورا ابنة يثرون وأختها شرفا، ويقال: ليا، وهما اللتان كانتا تذودان وأما أبوهما ففي اسمه اختلاف، فقال بعضهم: كان اسمه يثرون. ذكر من قال ذلك: 20847 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عمر بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: كان الذي استأجر موسى ابن أخي شعيب يثرون. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: الذي استأجر موسى يثرون ابن أخي شعيب عليه السلام. وقال آخرون: بل اسمه: يثرى. ذكر من قال ذلك: 20848 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين. * - حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم، قال: ثنا أبو قتيبة، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين. * - حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم، قال: ثنا أبو قتيبة، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، قال: اسم أبي المرأة: يثرى. وقال آخرون: بل اسمه شعيب، وقالوا: هو شعيب النبي (ص). ذكر من قال ذلك: 20849 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا قرة بن خالد، قال: سمعت الحسن يقول: يقولون شعيب صاحب موسى، ولكنه سيد أهل الماء يومئذ. قال أبو جعفر: وهذا مما لا يدرك علمه إلا بخبر، ولا خبر بذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه ووجد من دونهم امرأتين تذودان... قالت إحداهما: يا أبت استأجره تعني بقولها: استأجره ليرعى عليك ماشيتك إن خير من استأجرت القوي الامين تقول: إن خير من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها، الامين الذي لا تخاف خيانته، فيما تأمنه عليه.
[ 78 ]
وقيل: إنها لما قالت ذلك لابيها، استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها: وما علمك بذلك، فقالت: أما قوته فما رأيت من علاجه ما عالج عند السقي على البئر، وأما الامانة فما رأيت من غض البصر عني. وبنحو ذلك جاءت الاخبار عن أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20850 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا الاصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين قال: فأحفظته الغيرة أن قال: وما يدريك ما قوته وأمانته ؟ قالت: أما قوته، فما رأيت منه حين سقى لنا، لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه وأما أمانته، فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه، ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتك، ثم قال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين، فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت. 20851 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله لموسى إن خير من استأجرت القوي الامين يقول: أمين فيما ولي، أمين على ما استودع. 20852 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين قال: إن موسى لما سقى لهما، ورأت قوته، وحرك حجرا على الركية، لم يستطعه ثلاثون رجلا، فأزاله عن الركية، وانطلق مع الجارية حين دعته، فقال لها: امشي خلفي وأنا أمامك، كراهية أن يرى شيئا من خلفها مما حرم الله أن ينظر إليه، وكان يوما فيه ريح. 20853 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، في قوله: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين قال لها أبوها: ما رأيت من أمانته ؟ قالت: لما دعوته مشيت بين يديه، فجعلت الريح تضرب ثيابي، فتلزق
[ 79 ]
بجسدي، فقال: كوني خلفي، فإذا بلغت الطريق فاذهبي، قالت: ورأيته يملا الحوض بسجل واحد. 20854 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: القوي الامين قال: غض طرفه عنهما. قال محمد بن عمرو في حديثه: حين، أو حتى سقى لهما فصدرتا. وقال الحارث في حديثه: حتى سقى بغير شك. 20855 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: فتح عن بئر حجرا على فيها، فسقى لهما بها، والامين: أنه غض بصره عنهما حين سقى لهما فصدرتا. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر وهانئ بن سعيد، عن الحجاج، عن القاسم، عن مجاهد إن خير من استأجرت القوي الامين قال: رفع حجرا لا يرفعه إلا فئام من الناس. 20856 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال عمرو بن ميمون، في قوله القوي الامين قال: كان يوم ريح، فقال: لا تمشي أمامي، فيصفك الريح لي، ولكن امشي خلفي ودليني على الطريق قال: فقال لها: كيف عرفت قوته ؟ قالت: كان الحجر لا يطيقه إلا عشرة فرفعه وحده. 20857 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو معاوية، عن الحجاج بن أرطاة، عن الحكم، عن شريح في قوله: القوي الامين قال: أما قوته: فانتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة، فرفعه وحده. وأما أمانته: فإنها مشت أمامه فوصفها الريح، فقال لها: امشي خلفي وصفي لي الطريق. 20858 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن عمرو، عن زائدة، عن الاعمش، قال: سألت تميم بن إبراهيم: بم عرفت أمانته ؟ قال: في طرفه، بغض طرفه عنها. 20859 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن خير من
[ 80 ]
استأجرت القوي الامين قال: القوي في الصنعة، الامين فيما ولي. قال: وذكر لنا أن الذي رأت من قوته: أنه لم تلبث ماشيتها حتى أرواها وأن الامانة التي رأت منه أنها حين جاءت تدعوه، قال لها: كوني ورائي، وكره أن يستدبرها، فذلك ما رأت من قوته وأمانته. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قوله: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين قال: بلغنا أن قوته كانت سرعة ما أروى غنمهما. وبلغنا أنه ملا الحوض بدلو واحد. وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه. 20860 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قالت إحداهما: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين وهي الجارية التي دعته، قال الشيخ: هذه القوة قد رأيت حين اقتلع الصخرة، أرأيت أمانته، ما يدريك ما هي ؟ قالت: مشيت قدامه فلم يحب أن يخونني في نفسي، فأمرني أن أمشي خلفه. 20861 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قالت إحداهما: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين فقال لها: وما علمك بقوته وأمانته، فقالت: أما قوته فإنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان، وكان لا يكشفها دون سبعة نفر. وأما أمانته فإني لما جئت أدعوه قال: كوني خلف ظهري، وأشيري لي إلى منزلك، فعرفت أن ذلك منه أمانة. 20862 - حدثثا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين لما رأت من قوته وقوله لها ما قال: أن امشي خلفي، لئلا يرى منها شيئا مما يكره، فزاده ذلك فيه رغبة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين) *. يقول تعالى ذكره: قال أبو المرأتين اللتين سقى لهما موسى لموسى: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج يعني بقوله: على أن تأجرني: على أن تثيبني من تزويجها رعي ماشيتي ثماني حجج، من قول الناس: آجرك
[ 81 ]
الله فهو يأجرك، بمعنى: أثابك الله والعرب تقول: أجرت الاجير آجره، بمعنى: أعطيته ذلك، كما يقال: أخذته فأنا آخذه. وحكى بعض أهل العربية من أهل البصرة أن لغة العرب: أجرت غلامي فهو مأجور، وآجرته فهو مؤجر، يريد: أفعلته. قال: وقال بعضهم: آجره فهو مؤاجر، أراد فاعلته وكأن أباها عندي جعل صداق ابنته التي زوجها موسى رعي موسى عليه ماشيته ثماني حجج، والحجج: السنون. وقوله: فإن أتممت عشرا فمن عندك يقول: فإن أتممت الثماني الحجج عشرا التي شرطتها عليك بإنكاحي إياك أحدى ابنتي، فجعلتها عشر حجج، فإحسان من عندك، وليس مما اشترطته عليك بسبب تزويجك ابنتي وما أريد أن أشق عليك باشتراط الثماني الحجج عشرا عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين في الوفاء بما قلت لك. كما: 20863 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ستجدني إن شاء الله من الصالحين أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال ذلك بيني وبينك أيما الاجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل) *. يقول تعالى ذكره: قال وموسى لابي المرأتين ذلك بيني وبينك أي هذا الذي قلت من أنك تزوجني أحدى ابنتيك على أن آجرك ثماني حجج، واجب بيني وبينك، على كل واحد منا الوفاء لصاحبه بما أوجب له على نفسه. وقوله: أيما الاجلين قضيت يقول: أي الاجلين من الثماني الحجج والعشر الحجج قضيت، يقول: فرغت منها فوفيتكها رعى غنمك وماشيتك فلا عدوان علي يقول: فليس لك أن تعتدي علي، فتطالبني بأكثر منه، وما في قوله: أيما الاجلين صلة يوصل بها أي على الدوام، وزعم أهل العربية أن هذا أكثر في كلام العرب من أي، وأنشد قول الشاعر:
[ 82 ]
وأيهما ما أتبعن فإنني حريص على أثر الذي أنا تابع وقال عباس بن مرداس: فأيي ما وأيك كان شرافقيد إلى المقامة لا يراها وقوله: والله على ما نقول وكيل كان ابن إسحاق يرى هذا القول من أبي المرأتين. 20864 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال موسى ذلك بيني وبينك أيما الاجلين قضيت فلا عدوان علي قال: نعم. والله على ما نقول وكيل فزوجه، وأقام معه يكفيه، ويعمل له في رعاية غنمه، وما يحتاج إليه منه، وزوجة موسى صفورا أو أختها: شرفا أو ليا. 20865 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: قال ابن عباس الجارية التي دعته هي التي تزوج. 20866 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، قال له إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني... إلى آخر الآية، قال: وأيتهما تريد أن تنكحني ؟ قال: التي دعتك، قال: لا. ألا وهي بريئة مما دخل نفسك عليها، فقال: هي عندك كذلك، فزوجه. وبنحو الذي قلنا في قوله: أيما الاجلين قضيت قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20867 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال ذلك بيني وبينك أيما الاجلين قضيت إما ثمانيا، وإما عشرا. 20868 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وسأله رجل قال أيما
[ 83 ]
الاجلين قضيت فلا عدوان علي قال: فقال القاسم: ما أبالي أي ذلك كان، إنما هو موعد وقضاء. وقوله: والله على ما نقول وكيل يقول: والله على ما أوجب كل واحد منا لصاحبه على نفسه بهذا القول، شهيد وحفيظ. كالذي. 20869 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد والله على ما نقول وكيل قال: شهيد على قول موسى وختنه. وذكر أن موسى وصاحبه لما تعاقدا بينهما هذا العقد، أمر إحدى ابنتيه أن تعطي موسى عصا من العصي التي تكون مع الرعاة، فأعطته إياه، فذكر بعضهم أنها العصا التي جعلها الله له آية. وقال بعضهم تلك عصا أعطاه إياها جبريل عليه السلام. ذكر من قال ذلك: 20870 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أمر - يعني أبا المرأتين - إحدى ابنتيه أن تأتيه، يعني أن تأتي موسى بعصا، فأتته بعصا، وكانت تلك العصا عصا استودعها إياه ملك في صورة رجل، فدفعها إليه، فدخلت الجارية، فأخذت العصا، فأتته بها فلما رآها الشيخ قال: لا، ائتيه بغيرها، فألقتها تريد أن تأخذ غيرها، فلا يقع في يدها إلا هي، وجعل يرددها، وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها فلما رأى ذلك عمد إليها، فأخرجها معه، فرعى بها. ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة، فخرج يتلقى موسى، فلما لقيه قال: أعطني العصا، فقال موسى: هي عصاي، فأبى أن يعطيه، فاختصما، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما، فأتاهما ملك يمشي، فقال: ضعوها في الارض، فمن حملها فهي له، فعالجها الشيخ فلم يطقها، وأخذ موسى بيده فرفعها، فتركها له الشيخ، فرعى له عشر سنين. قال عبد الله بن عباس. كان موسى أحق بالوفاء. 20871 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قال - يعني أبا الجارية - لما زوجها لموسى: أدخل ذلك البيت فخذ عصا، فتوكأ عليها، فدخل، فلما وقف على باب البيت، طارت إليه تلك العصا، فأخذها، فقال: ارددها وخذ أخرى مكانها، قال: فردها، ثم ذهب ليأخذ أخرى، فطارت إليه كما هي، فقال: لا أردها، فعل
[ 84 ]
ذلك ثلاثا، فقال: ارددها، فقال: لا أجد غيرها اليوم، فالتفت إلى ابنته، فقال لابنته: إن زوجك لنبي. ذكر من قال التي كانت آية عصا أعطاها موسى جبرائيل عليه السلام: 20872 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، قال: سألت عكرمة قال: أما عصا موسى، فإنها خرج بها آدم من الجنة، ثم قبضها بعد ذلك جبرائيل عليه السلام، فلقي موسى بها ليلا، فدفعها إليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما قضى موسى الاجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لاهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) *. يقول تعالى ذكره: فلما وفى موسى صاحبه الاجل الذي فارقه عليه، عند إنكاحه إياه ابنته، وذكر أن الذي وفاه من الاجلين، أتمهما وأكملهما، وذلك العشر الحجج، على أن بعض أهل العلم قد روى عنه أنه قال: زاد مع العشر عشرا أخرى. ذكر من قال: الذي قضى من ذلك هو الحجج العشر: 20873 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عباس: أي الاجلين قضى موسى ؟ قال: خيرهما وأوفاهما. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس سئل: أي الاجلين قضى موسى ؟ قال: أتمهما وأخيرهما. * - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قضى موسى آخر الاجلين. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عبيدة، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، سئل ابن عباس: أي الاجلين قضى موسى ؟ قال: أتمهما وأوفاهما. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، قال: قال يهودي بالكوفة وأنا أتجهز للحج: إني أراك رجلا تتتبع العلم، أخبرني أي الاجلين قضى موسى ؟ قلت: لا أعلم، وأنا الآن قادم على حبر العرب،
[ 85 ]
يعني ابن عباس، فسائله عن ذلك فلما قدمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول اليهودي، فقال ابن عباس: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن النبي إذا وعد لم يخلف، قال سعيد: فقدمت العراق فلقيت اليهودي، فأخبرته، فقال: صدق، وما أنزل على موسى هذا، والله العالم. * - قال: ثنا يزيد، قال: ثنا الاصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، قال: سألني رجل من أهل النصرانية: أي الاجلين قضى موسى ؟ قلت: لا أعلم، وأنا يومئذ لا أعلم، فلقيت ابن عباس، فذكرت له الذي سألني عنه النصراني، فقال: أما كنت تعلم أن ثمانيا واجب عليه، لم يكن نبي الله نقص منها شيئا، وتعلم أن الله كان قاضيا عن موسى عدته التي وعده، فإنه قضى عشر سنين. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فلما قضى موسى الاجل قال: حدث ابن عباس، قال: رعى عليه نبي الله أكثرها وأطيبها. 20874 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي، قال: سئل رسول الله (ص): أي الاجلين قضى موسى ؟ قال: أوفاهما وأتمهما. 20875 - حدثنا أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا الحميدي أبو بكر بن عبد الله بن الزبير، قال: ثنا سفيان، قال: ثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله (ص) قال: سألت جبرائيل: أي الاجلين قضى موسى ؟ قال: أتمهما وأكملهما. 20876 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: إن النبي (ص) سأل جبرائيل: أي الاجلين قضى موسى ؟ قال سوف أسأل إسرافيل، فسأله فقال: سوف أسأل الله تبارك وتعالى، فسأله، فقال: أبرهما وأوفاهما. ذكر من قال: قضى العشر الحجج وزاد على العشر عشرا أخرى: 20877 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فلما قضى موسى الاجل قال: عشر سنين، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى.
[ 86 ]
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قضى موسى الاجل عشر سنين، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى. 20878 - حدثني المثنى، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة، قال: ثنا أنس، قال: لما دعا نبي الله موسى صاحبه إلى الاجل الذي كان بينهما، قال له صاحبه: كل شاة ولدت على غير لونها فلك ولد، فعمد، فرفع خيالا على الماء، فلما رأت الخيال، فزعت، فجالت جولة فولدن كلهن بلقا، إلا شاة واحدة، فذهب بأولادهن ذلك العام. وقوله: وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا يقول تعالى ذكره: فلما قضى موسى الاجل وسار بأهله شاخصا بهم إلى منزله من مصر آنس من جانب الطور يعني بقوله: آنس: أبصر وأحس كما قال العجاج: آنس خربان فضاء فانكدردانى جناحيه من الطور فمر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى قبل، غير أنا نذكر ههنا بعض ما لم نذكر قبل. ذكر من قال ذلك: 20879 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة آنس من جانب الطور نارا قال لاهله: امكثوا إني آنست نارا: أي أحسست نارا. وقد بينا معنى الطور فيما مضى بشواهده، وما فيه من الرواية عن أهل التأويل. وقوله: لاهله امكثوا إني آنست نارا يقول: قال موسى لاهله: تمهلوا وانتظروا: إني أبصرت نارا لعلي آتيكم منها يعني من النار بخبر أو جذوة من النار يقول: أو آتيكم بقطعة غليظة من الحطب فيها النار، وهي مثل الجذمة من أصل الشجرة ومنه قول ابن مقبل: باتت حواطب ليلى يلتمسن لهاجزل الجذا غير خوار ولا دعر
[ 87 ]
وفي الجذوة لغات للعرب ثلاث: جذوة بكسر الجيم، وبها قرأت قراء الحجاز والبصرة وبعض أهل الكوفة، وهي أشهر اللغات الثلاث فيها: وجذوة بفتج الجيم، وبها قرأ أيضا بعض قراء الكوفة. وهذه اللغات الثلاث وإن كن مشهورات في كلام العرب، فالقراءة بأشهرها أعجب إلي، وإن لم أنكر قراءة من قرأ بغير الاشهر منهن. وبنحو الذي قلنا في معنى الجذوة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20880 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية عن علي، عن ابن عباس، قوله أو جذوة من النار يقول شهاب. 20881 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أو جذوة والجذوة: أصل شجرة فيها نار. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قوله إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار قال: أصل الشجرة في طرفها النار، فذلك قوله أو جذوة قال: السعف فيه النار. قال معمر، وقال قتادة أو جذوة: أو شعلة من النار. 20882 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله أو جذوة من النار قال: أصل شجرة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد أو جذوة من النار قال: أصل شجرة. 20883 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله أو جذوة من النار قال: الجذوة: العود من الحطب الذي فيه النار، ذلك الجذوة. وقوله: لعلكم تصطلون يقول: لعلكم تسخنون بها من البرد، وكان في شتاء. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 88 ]
* (فلمآ أتاها نودي من شاطئ الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يموسى إني أنا الله رب العالمين) *. يقول تعالى ذكره: فلما أتى موسى النار التي آنس من جانب الطور نودي من شاطئ الواد الايمن يعني بالشاطئ: الشط، وهو جانب الوادي وعدوته، والشاطئ يجمع شواطئ وشطآن. والشط: الشطوط. والايمن: نعت من الشاطئ عن يمين موسى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20884 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله من شاطئ الواد الايمن قال ابن عمرو في حديثه عند الطور. وقال الحارث في حديثه من شاطئ الوادي الايمن عند الطور عن يمين موسى. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الايمن قال: شق الوادي عن يمين موسى عند الطور. وقوله: في البقعة المباركة من صلة الشاطئ. وتأويل الكلام: فلما أتاها نادى الله موسى من شاطئ الوادي الايمن في البقعة المباركة منه من الشجرة: أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين. وقيل: إن معنى قوله من الشجرة: عند الشجرة. ذكر من قال ذلك: 20885 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الايمن في البقعة المباركة من الشجرة قال: نودي من عند الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين. وقيل: إن الشجرة التي نادى موسى منها ربه: شجرة عوسج. وقال بعضهم: بل كانت شجرة العليق. ذكر من قال ذلك: 20886 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، في قوله البقعة المباركة من الشجرة قال: الشجرة عوسج. قال معمر، عن قتادة: عصا موسى من العوسج والشجرة من العوسج.
[ 89 ]
20887 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض من لايتهم، عن بعض أهل العلم إني آنست نارا قال: خرج نحوها، فإذا هي شجرة من العليق، وبعض أهل الكتاب يقول: هي عوسجة. 20888 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: رأيت الشجرة التي نودي منها موسى عليه السلام، شجرة سمراء خضراء ترف. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا ولم يعقب يموسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ئ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين) *. يقول تعالى ذكره: نودي موسى: أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين. وأن ألق عصاك فألقاها موسى، فصارت حية تسعى فلما رآها موسى تهتز يقول: تتحرك وتضطرب كأنها جان والجان: واحد الجنان، وهي نوع معروف من أنواع الحيات، وهي منها عظام. ومعنى الكلام: كأنها جان من الحيات ولى مدبرا يقول: ولى موسى هاربا منها. كما: 20889 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولى مدبرا فارا منها، ولم يعقب يقول: ولم يرجع على عقبه. وقد ذكرنا الرواية في ذلك، وما قاله أهل التأويل فيما مضى، فكرهنا إعادته، غير أنا نذكر في ذلك بعض ما لم نذكره هنالك. 20890 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولم يعقب يقول: ولم يعقب، أي لم يلتفت من الفرق. 20891 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ولم يعقب يقول: لم ينتظر.
[ 90 ]
وقوله: يا موسى أقبل ولا تخف يقول تعالى ذكره: فنودي موسى: يا موسى أقبل إلي ولا تخف من الذي تهرب منه إنك من الآمنين من أن يضرك، إنما هو عصاك. وقوله: اسلك يدك في جيبك يقول: أدخل يدك. وفيه لغتان: سلكته، وأسلكته في جيبك يقول: في جيب قميصك. كما: 20892 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة اسلك يدك في جيبك: أي في جيب قميصك. وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله أمر أن يدخل يده في الجيب دون الكم. وقوله: تخرج بيضاء من غير سوء يقول: تخرج بيضاء من غير برص. كما: 20893 - حدثنا بشر، قال: ثنا ابن المفضل، قال: ثنا قرة بن خالد، عن الحسن، في قوله: اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء قال: فخرجت كأنها المصباح، فأيقن موسى أنه لقي ربه. وقوله: واضمم إليك جناحك يقول: واضمم إليك يدك. كما: 20894 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس واضمم إليك جناحك قال: يدك. 20895 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد واضمم إليك جناحك قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الجناح. والكف: اليد، اضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء. وقوله: من الرهب يقول: من الخوف والفرق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الحية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20896 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله من الرهب قال: الفرق. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
[ 91 ]
20897 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة واضمم إليك جناحك من الرهب: أي من الرعب. 20898 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله من الرهب قال: مما دخله من الفرق من الحية والخوف، وقال: ذلك الرهب، وقرأ قول الله يدعوننا رغبا ورهبا قال: خوفا وطمعا. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز والبصرة: من الرهب بفتح الراء والهاء. وقرأته عامة قراء الكوفة: من الرهب بضم الراء وتسكين الهاء، والقول في ذلك أنهما قراءتان متفقتا المعنى مشهورتان في قراء الامصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: فذانك برهانان من ربك يقول تعالى ذكره: فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تحول العصا حية، ويدك وهي سمراء، بيضاء تلمع من غير برص، برهانان: يقول: آيتان وحجتان وأصل البرهان: البيان، ويقال للرجل يقول القول إذا سئل الحجة عليه: هات برهانك على ما تقول: أي هات تبيان ذلك ومصداقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20899 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي فذانك برهانان من ربك العصا واليد آيتان. 20900 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله فذانك برهانان من ربك تبيانان من ربك. 20901 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فذانك برهانان من ربك هذان برهانان. 20902 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فذانك برهانان من ربك فقرأ: هاتوا برهانكم على ذلك آية نعرفها، وقال: برهانان آيتان من الله.
[ 92 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: فذانك فقرأته عامة قراء الامصار، سوى ابن كثير وأبي عمرو: فذانك بتخفيف النون، لانها نون الاثنين، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو: فذانك بتشديد النون. واختلف أهل العربية في وجه تشديدها، فقال بعض نحويي البصرة: ثقل النون من ثقلها للتوكيد، كما أدخلوا اللام في ذلك. وقال بعض نحويي الكوفة: شددت فرقا بينها وبين النون التي تسقط للاضافة، لان هاتان وهذان لا تضاف. وقال آخر منهم: هو من لغة من قال: هذا قال ذلك، فزاد على الالف ألفا، كذا زاد على النون نونا ليفصل بينهما وبين الاسماء المتمكنة، وقال في ذانك إنما كانت ذلك فيمن قال: هذان يا هذا، فكر هوا تثنية الاضافة فأعقبوها باللام، لان الاضافة تعقب باللام. وكان أبو عمرو يقول: التشديد في النون في ذانك من لغة قريش إلى فرعون وملئه يقول: إلى فرعون وأشراف قومه، حجة عليهم، ودلالة على حقيقة نبوتك يا موسى إنهم كانوا قوما فاسقين يقول: إن فرعون وملاه كانوا قوما كافرين. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ئ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون) *. يقول تعالى ذكره: قال موسى: رب إني قتلت من قوم فرعون نفسا، فأخاف إن أتيتهم فلم أبن عن نفسي بحجة أن يقتلون، لان في لساني عقدة، ولا أبين معها ما أريد من الكلام. وأخي هارون هو أفصح مني لسانا، يقول: أحسن بيانا عما يريد أن يبينه فأرسله معي ردءا يقول: عونا. يصدقني: أي يبين لهم عني ما أخاطبهم به. كما: 20903 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وأخي هارون هو أفصح مني لسانا، فأرسله معي ردءا يصدقني: أي يبين لهم عني ما أكلمهم به، فإنه يفهم ما لا يفهمون. وقيل: إنما سأل موسى ربه يؤيده بأخيه، لان الاثنين إذا اجتمعا على الخبر، كانت النفس إلى تصديقهما، أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد. ذكر من قال ذلك: 20904 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فأرسله معي ردءا يصدقني لان الاثنين أحرى أن يصدقا من واحد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 93 ]
20905 - حدثني أحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله فأرسله معي ردءا يصدقني قال عونا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 20906 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ردءا يصدقني: أي عونا. وقال آخرون: معنى ذلك: كيما يصدقني. ذكر من قال ذلك: 20907 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ردءا يصدقني يقول: كي يصدقني. 20908 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي فأرسله معي ردءا يصدقني يقول: كيما يصدقني. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ردءا يصدقني يقول: كيما يصدقني. والردء في كلام العرب: هو العون، يقال منه: قد أردأت فلانا على أمره: أي أكفيته وأعنته. واختلفت القراء في قراءة قوله: يصدقني فقرأته عامة قراء الحجاز والبصرة: ردءا يصدقني بجزم يصدقني. وقرأ عاصم وحمزة: يصدقني برفعه، فمن رفعه جعله صلة للردء، بمعنى: فأرسله معي ردءا من صفته يصدقني ومن جزمه جعله جوابا لقوله فأرسله، فإنك إذا أرسلته صدقني، على وجه الخبر. والرفع في ذلك أحب القراء تين إلي، لانه مسألة من موسى ربه أن يرسل أخاه عونا له بهذه الصفة. وقوله: إني أخاف أن يكذبون يقول: إني أخاف أن لا يصدقون على قولي لهم إني أرسلت إليكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنآ أنتما ومن اتبعكما الغالبون) *. يقول تعالى ذكره: قال الله لموسى سنشد عضدك أي نقويك ونعينك بأخيك.
[ 94 ]
تقول العرب إذا أعز رجل رجلا، وأعانه ومنعه ممن أراده بظلم: قد شد فلان على عضد فلان، وهو من عاضده على أمره: إذا أعانه، ومنه قول ابن مقبل: عاضدتها بعتود غير معتلث كأنه وقف عاج بات مكنونا يعني بذلك: قوسا عاضدها بسهم. وفي العضد لغات أربع: أجودها: العضد، ثم العضد، ثم العضد، والعضد. يجمع جميع ذلك على أعضاد. وقوله: ونجعل لكما سلطانا يقول: ونجعل لكما حجة. كما: 20909 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله لكما سلطانا حجة. * - حدثنا القاسم قال: قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 20910 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ونجعل لكما سلطانا والسلطان: الحجة. وقوله: فلا يصلون إليكما يقول تعالى ذكره: فلا يصل إليكما فرعون وقومه بسوء. وقوله: بآياتنا يقول تعالى ذكره: فلا يصلون إليكما فرعون وقومه بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون فالباء في قوله بآياتنا من صلة غالبون. ومعنى الكلام: أنتما ومن اتبعكما الغالبون فرعون وملاه بآياتنا أي بحجتنا وسلطاننا الذي نجعله لكما. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبآئنا الاولين) *.
[ 95 ]
يقول تعالى ذكره: فلما جاء موسى فرعون وملاه بأدلتنا وحججنا بينات أنها حجج شاهدة بحقيقة ما جاء به موسى من عند ربه، قالوا لموسى: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحرا افتريته من قبلك وتخرصته كذبا وباطلا وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه من عبادة من تدعونا إلى عبادته في أسلافنا وآبائنا الاولين الذين مضوا قبلنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون) *. يقول تعالى ذكره: وقال موسى مجيبا لفرعون: ربي أعلم بالمحق منا يا فرعون من المبطل، ومن الذي جاء بالرشاد إلى سبيل الصواب والبيان عن واضح الحجة من عنده، ومن الذي له العقبى المحمودة في الدار الآخرة منا. وهذه معارضة من نبي الله موسى عليه السلام لفرعون، وجميل مخاطبة، إذ ترك أن يقول له: بل الذي غر قومه وأهلك جنوده، وأضل أتباعه أنت لا أنا، ولكنه قال: ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده، ومن تكون له عاقبة الدار ثم بالغ في ذم عدو الله بأجمل من الخطاب فقال: إنه لا يفلح الظالمون يقول: إنه لا ينجح ولا يدرك طلبتهم الكافرون بالله تعالى، يعني بذلك فرعون إنه لا يفلح ولا ينجح لكفره به. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال فرعون يأيها الملا ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لاظنه من الكاذبين) *. يقول تعالى ذكره: وقال فرعون لاشراف قومه وسادتهم: يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري فتعبدوه، وتصدقوا قول موسى فيما جاءكم به من أن لكم وله ربا غيري ومعبودا سواي، فأوقد لي يا هامان على الطين يقول: فاعمل لي آجرا، وذكر أنه أول من طبخ الآجر وبنى به. ذكر من قال ذلك: 20911 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد فأوقد لي يا هامان على الطين قال: على المدر يكون لبنا مطبوخا. قال ابن جريج: أول من أمر بصنعة الآجر وبنى به فرعون.
[ 96 ]
20912 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فأوقد لي يا هامان على الطين قال: فكان أول من طبخ الآجر يبني به الصرح. 20913 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله فأوقد لي يا هامان على الطين قال: المطبوخ الذي يوقد عليه هو من طين يبنون به البنيان. وقوله: فاجعل لي صرحا يقول: ابن لي بالآجر بناء، وكل بناء مسطح فهو صرح كالقصر. ومنه قول الشاعر: بهن نعام بناها الرجال يحسب أعلامهن الصروحا يعني بالصروح: جمع صرح. وقوله: لعلي أطلع إلى إله موسى يقول: انظر إلى معبود موسى، الذي يعبده، ويدعو إلى عبادته وإني لأظنه فيما يقول من أن له معبودا يعبده في السماء، وأنه هو الذي يؤيده وينصره، وهو الذي أرسله إلينا، من الكاذبين فذكر لنا أن هامان بنى له الصرح، فارتقى فوقه. فكان من قصته وقصة ارتقائه ما: 20914 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: قال فرعون لقومه: يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري، فأوقد لي يا هامان على الطين، فاجعل لي صرحا لعلي أذهب في السماء، فأنظر إلى إله موسى فلما بني له الصرح، ارتقى فوقه، فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء، فردت إليه وهي متلطخة دما، فقال: قد قتلت إله موسى، تعالى الله عما يقولون. القول في تأويل قوله تعالى: * (واستكبر هو وجنوده في الارض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ئ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) *.
[ 97 ]
يقول تعالى ذكره: واستكبر فرعون وجنوده في أرض مصر عن تصديق موسى، واتباعه على ما دعاهم إليه من توحيد الله، والاقرار بالعبودية له بغير الحق يعني تعديا وعتوا على ربهم وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون يقول: وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون، ولا ثواب، ولا عقاب، فركبوا أهواءهم، ولم يعلموا أن الله لهم بالمرصاد، وأنه لهم مجاز على أعمالهم الخبيثة. وقوله: فأخذناه وجنوده يقول تعالى ذكره: فجمعنا فرعون وجنوده من القبط فنبذناهم في اليم يقول: فألقيناهم جميعهم في البحر، فغرقناهم فيه، كما قال أبو الاسود الدؤلي: نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا وذكر أن ذلك بحر من وراء مصر، كما: 20915 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فنبذناهم في اليم قال: كان اليم بحرا يقال له إساف، من وراء مصر، غرقهم الله فيه. وقوله: فانظر كيف كان عاقبة الظالمين يقول تعالى ذكره: فانظر يا محمد بعين قلبك: كيف كان أمر هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم، فكفروا بربهم وردوا على رسوله نصيحته، ألم نهلكهم فنورث ديارهم وأموالهم أولياءنا، ونخولهم ما كان لهم من جنات وعيون وكنوز، ومقام كريم، بعد أن كانوا مستضعفين، تقتل أبناؤهم، وتستحيا نساؤهم، فإنا كذلك بك وبمن آمن بك وصدقك فاعلون مخولوك وإياهم ديار من كذبك، ورد عليك ما أتيتهم به من الحق وأموالهم، ومهلكوهم قتلا بالسيف، سنة الله في الذين خلوا من قبل. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ئ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين) *. يقول تعالى ذكره: وجعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله، والكفر به، يدعون الناس إلى أعمال أهل النار ويوم القيامة لا ينصرون يقول جل ثناؤه: ويوم القيامة لا ينصرهم إذا عذبهم الله ناصر، وقد كانوا في الدنيا يتناصرون، فاضمحلت تلك النصرة يومئذ.
[ 98 ]
وقوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة يقول تعالى ذكره: وألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزيا وغضبا منا عليهم، فحتمنا لهم فيها بالهلاك والبوار والثناء السيئ، ونحن متبعوهم لعنة أخرى يوم القيامة، فمخزوهم بها الخزي الدائم، ومهينوهم الهوان اللازم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20916 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة قال: لعنوا في الدنيا والآخرة، قال: هو كقوله وأتبعوا في هذه لعنة، ويوم القيامة بئس الرفد المرفود. 20917 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة لعنة أخرى، ثم استقبل فقال: هم من المقبوحين وقوله: هم من المقبوحين يقول تعالى ذكره: هم من القوم الذين قبحهم الله، فأهلكهم بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رسوله موسى عليه السلام، فجعلهم عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد مآ أهلكنا القرون الاولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا الامم التي كانت قبله، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين بصائر للناس يقول: ضياء لبني إسرائيل فيما بهم إليه الحاجة من أمر دينهم وهدى يقول: وبيانا لهم ورحمة لمن عمل به منهم لعلهم يتذكرون يقول: ليتذكروا نعم الله بذلك عليهم، فيشكروه عليها ولا يكفروا. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الاولى قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20918 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد وعبد الوهاب، قالا: ثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الارض
[ 99 ]
بعد ما أنزلت التوراة على وجه الارض غير القرية التي مسخوا قردة، ألم تر أن الله يقول: ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الاولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر وما كنت من الشاهدين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وما كنت يا محمد بجانب غربي الجبل إذ قضينا إلى موسى الامر يقول: إذ فرضنا إلى موسى الامر فيما ألزمناه وقومه، وعهدنا إليه من عهد وما كنت من الشاهدين يقول: وما كنت لذلك من الشاهدين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20919 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما كنت يا محمد بجانب الغربي يقول: بجانب غربي الجبل إذ قضينا إلى موسى الامر. 20920 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: غربي الجبل. 20921 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو، قال: إنكم أمة محمد (ص) قد أجبتم قبل أن تسألوا، وقرأ: وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولكنآ أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين) *. يعني تعالى ذكره بقوله: ولكنا أنشأنا قرونا ولكنا خلقنا أمما فأحدثناها من بعد ذلك فتطاول عليهم العمر. وقوله: وما كنت ثاويا في أهل مدين يقول: وما كنت مقيما في أهل مدين، يقال: ثويت بالمكان أثوي به ثواء، قال أعشي ثعلبة:
[ 100 ]
أثوى وقصر ليله ليزودا فمضى وأخلف من قتيلة موعدا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20922 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وما كنت ثاويا في أهل مدين قال: الثاوي: المقيم تتلوا عليهم آياتنا يقول: تقرأ عليهم كتابنا ولكنا كنا مرسلين يقول: لم تشهد شيئا من ذلك يا محمد، ولكنا كنا نحن نفعل ذلك ونرسل الرسل. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما مآ أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون) *. يقول تعالى ذكره: وما كنت يا محمد بجانب الجبل إذ نادينا موسى بأن سأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة، والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبي الامي... الآية، كما: 20923 - حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، في قول الله: وما كنت بجانب الطور إذ نادينا قال: نادى يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، وأجبتكم قبل أن تدعوني. 20924 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما كنت بجانب الطور إذ نادينا قال: نودوا: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني. 20925 - حدثني ابن وكيع، قال: ثنا حرملة بن قيس النخعي، قال: سمعت هذا الحديث من أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة وما كنت بجانب الطور إذ
[ 101 ]
نادينا قال: نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر عن سليمان، وسفيان عن سليمان، وحجاج، عن حمزة الزيات، عن الاعمش، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو، عن أبي هريرة، في قوله: وما كنت بجانب الطور إذ نادينا قال: نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني، قال: وهو قوله حين قال موسى واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة، وفي الآخرة... الآية. 20926 - قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج مثل ذلك. وقوله: ولكن رحمة من ربك يقول تعالى ذكره: لم تشهد شيئا من ذلك يا محمد فتعلمه، ولكنا عرفناكه، وأنزلنا إليك، فاقتصصنا ذلك كله عليك في كتابنا، وابتعثناك بما أنزلنا إليك من ذلك رسولا إلى من ابتعثناك إليه من الخلق رحمة منا لك ولهم، كما: 20927 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولكن رحمة من ربك ما قصصنا عليك لتنذر قوما... الآية. 20928 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ولكن رحمة من ربك قال: كان رحمة من ربك النبوة. وقوله: لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك يقول تعالى ذكره: ولكن أرسلناك بهذا الكتاب وهذا الدين لتنذر قوما لم يأتهم من قبلك نذير، وهم العرب الذين بعث إليهم رسول الله (ص)، بعثه الله إليهم رحمة لينذرهم بأسه على عبادتهم الاصنام، وإشراكهم به الاوثان والانداد. وقوله: لعلهم يتذكرون يقول: ليتذكروا خطأ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بربهم، فينيبوا إلى الاقرار لله بالوحدانية، وإفراده بالعبادة دون كل ما سواه من الآلهة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20929 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ولكن رحمة
[ 102 ]
من ربك قال: الذي أنزلنا عليك من القرآن لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) *. يقول تعالى ذكره: ولولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلتك يا محمد إليهم، لو حل بهم بأسنا، أو أتاهم عذابنا من قبل أن نرسلك إليهم على كفرهم بربهم، واكتسابهم الآثام، واجترامهم المعاصي: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من قبل أن يحل بنا سخطك، وينزل بنا عذابك فنتبع أدلتك، وآي كتابك الذي تنزله على رسولك ونكون من المؤمنين بألوهيتك، المصدقين رسولك فيما أمرتنا ونهيتنا، لعاجلناهم العقوبة على شركهم من قبل ما أرسلناك إليهم، ولكنا بعثناك إليهم نذيرا بأسنا على كفرهم، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. والمصيبة في هذا الموضع: العذاب والنقمة. ويعني بقوله: بما قدمت أيديهم بما اكتسبوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل مآ أوتي موسى أولم يكفروا بمآ أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون) *. يقول تعالى ذكره: فلما جاء هؤلاء الذين لم يأتهم من قبلك يا محمد نذير فبعثناك إليهم نذيرا الحق من عندنا، وهو محمد (ص) بالرسالة من الله إليهم، قالوا تمردا على الله، وتماديا في الغي: هلا أوتي هذا الذي أرسل إلينا، وهو محمد (ص) مثل ما أوتي موسى بن عمران من الكتاب ؟ يقول الله تبارك وتعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لقومك من قريش، القائلين لك لولا أوتي مثل ما أوتي موسى: أو لم يكفر الذين علموا هذه الحجة من اليهود بما أوتي موسى من قبلك ؟. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20930 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:
[ 103 ]
اليهود تأمر قريشا أن تسأل محمدا مثل ما أوتي موسى، يقول الله لمحمد (ص): قل لقريش يقولوا لهم: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ؟. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى قال: اليهود تأمر قريشا، ثم ذكر نحوه قالوا ساحران تظاهرا. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: قالوا ساحران تظاهرا بمعنى: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل، وقالوا له ولمحمد (ص) في قول بعض المفسرين، وفي قول بعضهم لموسى وهارون عليهما السلام، وفي قول بعضهم: لعيسى ومحمد ساحران تعاونا. وقرأ عامة قراء الكوفة: قالوا سحران تظاهرا بمعنى: وقالوا للتوراة والفرقان في قول بعض أهل التأويل، وفي قول بعضهم للانجيل والفرقان. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على قدر اختلاف القراء في قراءته. ذكر من قال: عني بالساحرين اللذين تظاهرا محمد وموسى صلى الله عليهما: 20931 - حدثنا سليمان بن محمد بن معدي كرب الرعيني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة قال: سمعت مسلم بن يسار، يحدث عن ابن عباس، في قول الله ساحران تظاهرا قال: موسى ومحمد. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: سمعت مسلم ابن يسار، قال: سألت ابن عباس، عن هذه الآية ساحران تظاهرا قال: موسى ومحمد. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن أبي حمزة، عن مسلم بن يسار، أن ابن عباس، قرأ ساحران قال موسى ومحمد عليهما السلام. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن كيسان أبي حمزة، عن مسلم بن يسار، عن ابن عباس، مثله. ومن قال: موسى وهارون عليهما السلام: 20932 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، من ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ساحران تظاهرا قال: اليهود لموسى وهارون.
[ 104 ]
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قالوا ساحران تظاهرا قول يهود لموسى وهارون عليهما السلام. 20933 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير وأبي رزين أن أحدهما قرأ: ساحران تظاهرا، والآخر: سحران، قال: الذي قرأ سحران قال: التوراة والانجيل. وقال: الذي قرأ: ساحران قال: موسى وهارون. وقال آخرون: عنوا بالساحرين: عيسى ومحمدا (ص). ذكر من قال ذلك: 20934 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن، قوله: ساحران تظاهرا قال: عيسى ومحمد، أو قال موسى (ص). ذكر من قال: عنوا بذلك التوراة والفرقان، ووجه تأويله إلى قراءة من قرأ سحران تظاهرا: 20935 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: سحران تظاهرا يقول: التوراة والقرآن. 20936 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قالوا سحران تظاهرا يعني: التوراة والفرقان. 20937 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قالوا سحران تظاهرا قال: كتاب موسى، وكتاب رسول الله (ص). ذكر من قال: عنوا به التوراة والانجيل: 20938 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن حميد الاعرج، عن مجاهد، قال: كنت إلى جنب ابن عباس وهو يتعوذ بين الركن والمقام، فقلت: كيف تقرأ سحران، أو ساحران ؟ فلم يرد علي شيئا، فقال عكرمة: ساحران، وظننت أنه لو كره ذلك أنكره علي. قال حميد: فلقيت عكرمة بعد ذلك فذكرت ذلك له، وقلت: كيف كان يقرؤها ؟ قال: كان يقرأ سحران تظاهرا أي التوراة والانجيل. ذكر من قال: عنوا به الفرقان والانجيل: 20939 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك، أنه قرأ سحران تظاهرا يعنون الانجيل والفرقان. 20940 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله قالوا
[ 105 ]
سحران تظاهرا قالت ذلك أعداء الله اليهود للانجيل والفرقان، فمن قال ساحران فيقول: محمد، وعيسى ابن مريم. قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندك بالصواب، قراءة من قرأه قالوا سحران تظاهرا بمعنى: كتاب موسى وهو التوراة، وكتاب عيسى وهو الانجيل. وإنما قلنا: ذلك أولى القراءتين بالصواب، لان الكلام من قبله جرى بذكر الكتاب، وهو قوله: وقالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى والذي يليه من بعده ذكر الكتاب، وهو قوله: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه فالذي بينهما بأن يكون من ذكره أولى وأشبه بأن يكون من ذكر غيره. وإذ كان ذلك هو الاولى بالقراءة، فمعلوم أن معنى الكلام: قل يا محمد: أو لم يكفر هؤلاء اليهود بما أوتي موسى من قبل، وقالوا لما أوتي موسى من الكتاب وما أوتيته أنت، سحران تعاونا. وقوله: وقالوا إنا بكل كافرون يقول تعالى ذكره: وقالت اليهود: إنا بكل كتاب في الارض من توراة وإنجيل، وزبور وفرقان كافرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل، وخالفه فيه مخالفون. ذكر من قال مثل الذي قلنا في ذلك: 20941 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنا بكل كافرون قالوا: نكفر أيضا بما أوتي محمد. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد وقالوا إنا بكل كافرون قال اليهود أيضا: نكفر بما أوتي محمد أيضا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقالوا إنا بكل الكتابين الفرقان والانجيل كافرون. ذكر من قال ذلك: 20942 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك وقالوا إنا بكل كافرون يقول: بالانجيل والقرآن. * - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وقالوا إنا بكل كافرون: يعنون الانجيل والفرقان.
[ 106 ]
* - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وقالوا إنا بكل كافرون قال: هم أهل الكتاب، يقول: بالكتابين: التوراة والفرقان. 20943 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وقالوا إنا بكل كافرون الذي جاء به موسى، والذي جاء به محمد (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد للقائلين للتوراة والانجيل: هما سحران تظاهرا: ائتوا بكتاب من عند الله، هو أهدى منهما لطريق الحق، ولسبيل الرشاد أتبعه إن كنتم صادقين في زعمكم أن هذين الكتابين سحران، وأن الحق في غيرهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20944 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: فقال الله تعالى قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما... الآية. 20945 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فقال الله ائتوني بكتاب من عند الله هو أهدى منهما من هذين الكتابين الذي بعث به موسى، والذي بعث به محمد (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: فإن لم يجبك هؤلاء القائلون للتوراة والانجيل: سحران تظاهرا، الزاعمون أن الحق في غيرهما، من اليهود يا محمد، إلى أن يأتوك بكتاب من عند الله، هو أهدى منهما، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، وأن الذي ينطقون به، ويقولون في الكتابين، قول كذب وباطل، لا حقيقة له، ولعل قائلا أن يقول: أو لم يكن النبي (ص) يعلم أن ما قال
[ 107 ]
القائلون من اليهود وغيرهم في التوراة والانجيل من الافك والزور، المسموهما سحرين: باطل من القول، إلا بأن لا يجيبوه إلى إتيانهم بكتاب هو أهدى منهما ؟ قيل: هذا كلام خرج مخرج الخطاب لرسول الله (ص)، والمراد به المقول لهم أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل من كفار قريش، وذلك أنه قيل للنبي (ص): قل يا محمد لمشركي قريش: أو لم يكفر هؤلاء الذين أمروكم أن تقولوا: هلا أوتي محمد مثل ما أوتي موسى، بالذي أوتي موسى من قبل هذا القرآن، ويقولوا للذي أنزل عليه وعلى عيسى سحران تظاهرا فقولوا لهم إن كنتم صادقين أن ما أوتي موسى وعيسى سحر، فأتوني بكتاب من عند الله، هو أهدى من كتابيهما، فإن هم لم يجيبوكم إلى ذلك فاعلموا أنهم كذبة، وأنهم إنما يتبعون في تكذيبهم محمدا، وما جاءهم به من عند الله أهواء أنفسهم، ويتركون الحق وهم يعلمون. يقول تعالى ذكره: ومن أضل عن طريق الرشاد، وسبيل السداد ممن اتبع هوى نفسه بغير بيان من عند الله، وعهد من الله، ويترك عهد الله الذي عهده إلى خلقه في وحيه وتنزيله إن الله لا يهدي القوم الظالمين يقول تعالى ذكره: إن الله لا يوفق لاصابة الحق وسبيل الرشد القوم الذين خالفوا أمر الله وتركوا طاعته، وكذبوا رسوله، وبدلوا عهده، واتبعوا أهواء أنفسهم إيثارا منهم لطاعة الشيطان على طاعة ربهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ئ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد وصلنا يا محمد لقومك من قريش ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا، إذ كذبوا رسلنا، وعما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم، واحتذى في الكفر بالله، وتكذيب رسله مثالهم، ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا. وأصله من: وصل الحبال بعضها ببعض ومنه قول الشاعر: فقل لبني مروان ما بال ذمة وحبل ضعيف ما يزال يوصل وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم ببيانهم عن تأويله، فقال بعضهم: معناه بينا. وقال بعضهم معناه: فصلنا. ذكر من قال ذلك:
[ 108 ]
20946 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد، قوله ولقد وصلنا لهم القول قال: فصلنا لهم القول. 20947 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولقد وصلنا لهم القول قال: وصل الله لهم القول في هذا القرآن، يخبرهم كيف صنع بمن مضى، وكيف هو صانع لعلهم يتذكرون. 20948 - حدثنا القاسم، قال: ثنا محمد بن عيسى أبو جعفر، عن سفيان بن عيينة: وصلنا: بينا. 20949 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ولقد وصلنا لهم الخبر، خبر الدنيا بخبر الآخرة، حتى كأنهم عاينوا الآخرة، وشهدوها في الدنيا، بما نريهم من الآيات في الدنيا وأشباهها. وقرأ إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة وقال: إنا سوف ننجزهم ما وعدناهم في الآخرة، كما أنجزنا للانبياء ما وعدناهم، نقضي بينهم وبين قومهم. واختلف أهل التأويل، فيمن عنى بالهاء والميم من قوله ولقد وصلنا لهم فقال بعضهم: عنى بهما قريشا. ذكر من قال ذلك: 20950 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولقد وصلنا لهم القول قال: قريش. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ولقد وصلنا لهم القول قال: لقريش. 20951 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون قال: يعني محمدا (ص). وقال آخرون: عني بهما اليهود. ذكر من قال ذلك: 20952 - حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا حماد بن سلمة،
[ 109 ]
قال: ثنا عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن رفعة القرظي، قال: نزلت هذه الآية في عشرة أنا أحدهم ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون. 20953 حدثنا ابن سنان، قال: ثنا حيان، قال: ثنا حماد، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عطية القرظي قال: نزلت هذه الآية ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون حتى بلغ إنا كنا من قبله مسلمين في عشرة أنا أحدهم، فكأن ابن عباس أراد بقوله: يعني محمدا: لعلهم يتذكرون عهد الله في محمد إليهم، فيقرون بنبوته ويصدقونه. وقوله: الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون يعني بذلك تعالى ذكره قوما من أهل الكتاب آمنوا برسوله وصدقوه، فقال الذين آتيناهم الكتاب من قبل هذا القرآن، هم بهذا القرآن يؤمنون، فيقرون أنه حق من عند الله، ويكذب جهلة الاميين، الذين لم يأتهم من الله كتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20954 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون قال: يعني من آمن بمحمد (ص) من أهل الكتاب. 20955 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به... إلى قوله لا نبتغي الجاهلين في مسلمة أهل الكتاب. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله الذين آتيناهم الكتاب من قبله... إلى قوله الجاهلين قال: هم مسلمة أهل الكتاب. قال ابن جريج: أحبرني عمرو بن دينار: أن يحيى بن جعدة أخبره، عن علي بن رفاعة، قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب، منهم أبو رفاعة، يعني أباه، إلى النبي (ص)، فآمنوا، فأوذوا، فنزلت: الذين آتيناهم الكتاب من قبله قبل القرآن. 20956 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون قال: كنا نحدث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق، يأخذون بها، وينتهون إليها، حتى بعث الله محمدا (ص)، فآمنوا به، وصدقوا به، فأعطاهم الله أجرهم مرتين، بصبرهم على الكتاب الاول، واتباعهم محمدا (ص)، وصبرهم على ذلك، وذكر أن منهم سلمان، وعبد الله بن سلام.
[ 110 ]
20957 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون... إلى قوله من قبله مسلمين: ناس من أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والانجيل ثم أدركوا محمدا (ص)، فآمنوا به، فأتاهم الله أجرهم مرتين بما صبروا: بإيمانهم بمحمد (ص) قبل أن يبعث، وباتباعهم إياه حين بعث، فذلك قوله: إنا كنا من قبله مسلمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين) *. يقول تعالى ذكره: وإذا يتلى هذا القرآن على الذين آتيناهم الكتاب من قبل نزول هذا القرآن قالوا آمنا به يقول: يقولون: صدقنا به إنه الحق من ربنا يعني من عند ربنا نزل، إنا كنا من قبل نزول هذا القرآن مسلمين، وذلك أنهم كانوا مؤمنين بما جاء به الانبياء قبل مجئ نبينا محمد (ص)، وعليهم من الكتب، وفي كتبهم صفة محمد ونعته، فكانوا به وبمبعثه وبكتابه مصدقين قبل نزول القرآن، فلذلك قالوا: إنا كنا من قبله مسلمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون) *. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم، يؤتون ثواب عملهم مرتين بما صبروا. واختلف أهل التأويل في معنى الصبر الذي وعد الله ما وعد عليه، فقال بعضهم: وعدهم ما وعد جل ثناؤه، بصبرهم على الكتاب الاول، واتباعهم محمدا (ص)، وصبرهم على ذلك. وذلك قول قتادة، وقد ذكرناه قبل. وقال آخرون: بل وعدهم بصبرهم بإيمانهم بمحمد (ص) قبل أن يبعث، وباتباعهم إياه حين بعث. وذلك قول الضحاك بن مزاحم، وقد ذكرناه أيضا قبل، وممن وافق قتادة على قوله عبد الرحمن بن زيد. 20958 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 111 ]
إنا كنا من قبله مسلمين على دين عيسى، فلما جاء النبي (ص) أسلموا، فكان لهم أجرهم مرتين: بما صبروا أول مرة، ودخلوا مع النبي (ص) في الاسلام. وقال قوم في ذلك بما: 20959 - حدثنا به ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: إن قوما كانوا مشركين أسلموا، فكان قومهم يؤذونهم، فنزلت أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا وقوله ويدرءون بالحسنة السيئة يقول: ويدفعون بحسنات أفعالهم التي يفعلونها سيئاتهم ومما رزقناهم من الاموال ينفقون في طاعة الله، إما في جهاد في سبيل الله، وإما في صدقة على محتاج، أو في صلة رحم. 20960 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا، إنا كنا من قبله مسلمين قال الله: أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا وأحسن الله عليهم الثناء كما تسمعون، فقال: ويدرءون بالحسنة السيئة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنآ أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) *. يقول تعالى ذكره: وإذا سمع هؤلاء القوم الذين آتيناهم الكتاب اللغو، وهو الباطل من القول، كما: 20961 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم، أتاهم من أمر الله ما وقذهم عن ذلك. وقال آخرون: عني باللغو في هذا الموضع: ما كان أهل الكتاب ألحقوه في كتاب الله، مما ليس هو منه. ذكر من قال ذلك: 20962 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا... إلى آخر الآية، قال: هذه لاهل الكتاب، إذا سمعوا اللغو الذي كتب القوم بأيديهم مع كتاب الله، وقالوا: هو من عند الله، إذا سمعه
[ 112 ]
الذين أسلموا، ومروا به يتلونه، أعرضوا عنه، وكأنهم لم يسمعوا ذلك قبل أن يؤمنوا بالنبي (ص)، لانهم كانوا مسلمين على دين عيسى، ألا ترى أنهم يقولون: إنا كنا من قبله مسلمين. وقال آخرون في ذلك بما: 20963 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن منصور، عن مجاهد وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم قال: نزلت في قوم كانوا مشركين فأسلموا، فكان قومهم يؤذونهم. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جويرية، عن منصور، عن مجاهد، قوله وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم قال: كان ناس من أهل الكتاب أسلموا، فكان المشركون يؤذونهم، فكانوا يصفحون عنهم، يقولون: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. وقوله: أعرضوا عنه يقول: لم يصغوا إليه ولم يستمعوه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وهذا يدل على أن اللغو الذي ذكره الله في هذا الموضع، إنما هو ما قاله مجاهد، من أنه سماع القوم ممن يؤذيهم بالقول ما يكرهون منه في أنفسهم، وأنهم أجابوهم بالجميل من القول لنا أعمالنا قد رضينا بها لانفسنا، ولكم أعمالكم قد رضيتم بها لانفسكم. وقوله: سلام عليكم يقول: أمنة لكم منا أن نسابكم، أو تسمعوا منا ما لا تحبون لا نبتغي الجاهلين يقول: لا نريد محاورة أهل الجهل ومسابتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشآء وهو أعلم بالمهتدين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إنك يا محمد لا تهدي من أحببت هدايته، ولكن الله يهدي من يشاء أن يهديه من خلقه، بتوفيقه للايمان به وبرسوله. ولو قيل: معناه: إنك لا تهدي من أحببته، لقرابته منك، ولكن الله يهدي من يشاء، كان مذهبا. وهو أعلم بالمهتدين: يقول جل ثناؤه: والله أعلم من سبق له في علمه أنه يهتدي للرشاد، ذلك الذي يهديه الله فيسدده ويوفقه. وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته، إذ دعاه إلى الايمان بالله، إلى ما دعاه إليه من ذلك. ذكر الرواية بذلك:
[ 113 ]
20964 - حدثنا أبو كريب والحسين بن علي الصدائي، قالا: ثنا الوليد بن القاسم، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص) لعمه عند الموت: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة قال: لولا أن تعيرني قريش لاقررت عينك، فأنزل الله: إنك لا تهدي من أحببت... الآية. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، قال: ثني أبو حازم الاشجعي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص) لعمه: قل لا إله إلا الله ثم ذكر مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن يزيد بن كيسان سمع أبا حازم الاشجعي، يذكر عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب، أتاه رسول الله (ص) فقال: يا عماه قل لا إله إلا الله فذكر مثله، إلا أنه قال: لولا أن تعيرني قريش، يقولون: ما حمله عليه إلا جزع الموت. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن عبيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال النبي (ص)، فذكر نحو حديث أبي كريب الصدائي. 20965 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثني عمي عبد الله بن وهب، قال: ثني يونس، عن الزهري قال: ثني سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله (ص)، فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله (ص): يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله (ص) يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله (ص): أما والله لاستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله (ص): إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي... الآية.
[ 114 ]
* - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، بنحوه. 20966 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي سعيد بن رافع، قال: قلت لابن عمر: إنك لا تهدي من أحببت نزلت في أبي طالب ؟ قال: نعم. 20967 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله إنك لا تهدي من أحببت قال: قول محمد لابي طالب: قل كلمة الاخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة قال محمد بن عمرو في حديثه: قال: يا ابن أخي ملة الاشياخ، أو سنة الاشياخ. وقال الحارث في حديثه: قال يا ابن أخي ملة الاشياخ. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد إنك لا تهدي من أحببت قال: قال محمد لابي طالب: اشهد بكلمة الاخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة قال: أي ابن أخي ملة الاشياخ، فأنزل الله إنك لا تهدي من أحببت قال: نزلت هذه الآية في أبي طالب. 20968 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله إنك لا تهدي من أحببت ذكر لنا أنها نزلت في أبي طالب قال الاصم عند موته يقول لا إله إلا الله لكيما تحل له بها الشفاعة، فأبى عليه. 20969 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر: لما حضر أبا طالب الموت، قال له النبي (ص): يا عماه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، فقال له: يا ابن أخي، إنه لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل فقال له ذلك مرارا. فلما مات اشتد ذلك على النبي (ص) وقالوا: ما تنفع قرابة أبي طالب منك، فقال: بلى والذي نفسي بيده إنه الساعة لفي ضحضاح من النار عليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه، وما من أهل النار من إنسان هو أهون عذابا منه، وهو الذي أنزل الله فيه إنك لا تهدي من أحبب ت، ولكن الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين.
[ 115 ]
وقوله: وهو أعلم بالمهتدين يقول: وهو أعلم بمن قضى له الهدى. كالذي: 20970 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله وهو أعلم بالمهتدين قال بمن قدر له الهدى والضلالة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: وقالت كفار قريش: إن نتبع الحق الذي جئتنا به معك، ونتبرأ من الانداد والآلهة، يتخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم على خلافنا وحربنا، يقول الله لنبيه: فقل أو لم نمكن لهم حرما يقول: أو لم نوطئ لهم بلدا حرمنا على الناس سفك الدماء فيه، ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء، وأمنا على أهله من أن يصيبهم بها غارة، أو قتل، أو سباء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20971 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن الحارث بن نوفل، الذي قال: إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا وزعموا أنهم قالوا: قد علمنا أنك رسول الله، ولكنا نخاف أن نتخطف من أرضنا، أو لم نمكن لهم الآية. 20972 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا قال: هم أناس من قريش قالوا لمحمد: إن نتبعك يتخطفنا الناس، فقال الله أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ.
[ 116 ]
20973 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ويتخطف الناس من حولهم: قال: كان يغير بعضهم على بعض. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله أولم نمكن لهم حرما آمنا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20974 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا قال الله أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ يقول: أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون، يجبى إليه ثمرات كل شئ. 20975 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة أو لم نمكن لهم حرما آمنا قال: كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا، إذا خرج أحدهم فقال: إني من أهل الحرم لم يتعرض له، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل. 20976 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله أو لم نمكن لهم حرما آمنا قال: آمناكم به، قال: هي مكة، وهم قريش. وقوله: يجبى إليه ثمرات كل شئ يقول يجمع إليه، وهو من قولهم: جبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه، وإنما أريد بذلك: يحمل إليه ثمرات كل بلد. كما: 20977 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن مجاهد، عن ابن عباس في يجبى إليه ثمرات كل شئ قال: ثمرات الارض. وقوله: رزقا من لدنا يقول: ورزقا رزقناهم من لدنا، يعني: من عندنا ولكن أكثرهم لا يعلمون يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين القائلين لرسول الله (ص): إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا لا يعلمون أنا نحن الذين مكنا لهم حرما آمنا، ورزقناهم فيه، وجعلنا الثمرات من كل أرض تجبى إليهم، فهم بجهلهم بمن فعل ذلك بهم يكفرون، لا يشكرون من أنعم عليهم بذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 117 ]
* (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) *. يقول تعالى ذكره: وكم أهلكنا من قرية أبطرتها معيشتها، فبطرت، وأشرت، وطغت، فكفرت ربها. وقيل: بطرت معيشتها، فجعل الفعل للقرية، وهو في الاصل للمعيشة، كما يقال: أسفهك رأيك فسفهته، وأبطرك مالك فبطرته، والمعيشة منصوبة على التفسير. وقد بينا نظائر ذلك في غير موضع من كتابنا هذا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20978 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها قال: البطر: أشر أهل الغفلة وأهل الباطل والركوب لمعاصي الله، وقال: ذلك البطر في النعمة فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا يقول: فتلك دور القوم الذين أهلكناهم بكفرهم بربهم ومنازلهم، لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، يقول: خربت من بعدهم، فلم يعمر منها إلا أقلها، وأكثرها خراب. ولفظ الكلام وإن كان خارجا على أن مساكنهم قد سكنت قليلا، فإن معناه: فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا منها، كما يقال: قضيت حقك إلا قليلا منه. وقوله: وكنا نحن الوارثين يقول: ولم يكن لما خربنا من مساكنهم منهم وارث، وعادت كما كانت قبل سكناهم فيها، لا مالك لها إلا الله، الذي له ميراث السموات والارض. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) *. يقول تعالى ذكره: وما كان ربك يا محمد مهلك القرى التي حوالي مكة في زمانك وعصرك. حتى يبعث في أمها رسولا يقول: حتى يبعث في مكة رسولا، وهي أم القرى، يتلو عليهم آيات كتابنا، والرسول: محمد (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 118 ]
20979 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة حتى يبعث في أمها رسولا وأم القرى مكة، وبعث الله إليهم رسولا: محمدا (ص). وقوله: وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون يقول: ولم نكن لنهلك قرية وهي بالله مؤمنة إنما نهلكها بظلمها أنفسها بكفرها بالله، وإنما أهلكنا أهل مكة بكفرهم بربهم وظلم أنفسهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20980 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون قال الله: لم يهلك قرية بإيمان، ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها، ولو كانت قرية آمنت لم يهلكوا مع من هلك، ولكنهم كذبوا وظلموا، فبذلك أهلكهوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون) *. يقول تعالى ذكره: وما أعطيتم أيها الناس من شئ من الاموال والاولاد، فإنما هو متاع تتمتعون به في هذه الحياة الدنيا، وهو من زينتها التي يترين به فيها، لا يغنى عنكم عند الله شيئا، ولا ينفعكم شئ منه في معادكم، وما عند الله لاهل طاعته وولايته خير مما أوتيتموه أنتم في هذه الدنيا من متاعها وزينتها وأبقى، يقول: وأبقى لاهله، لانه دائم لا نفاد له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20981 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في قوله وما عند الله خير وأبقى قال: خير ثوابا، وأبقى عندنا أفلا تعقلون يقول تعالى ذكره: أفلا عقول لكم أيها القوم تتدبرون بها فتعرفون بها الخير من الشر، وتختارون لانفسكم خير المنزلتين على شرهما، وتؤثرون الدائم الذي لا نفاد له من النعيم، على الفاني الذي لا بقاء له. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) *. يقول تعالى ذكره: أفمن وعدناه من خلقنا على طاعته إيانا الجنة، فآمن بما وعدناه
[ 119 ]
وصدق وأطاعنا، فاستحق بطاعته إيانا أن ننجز له ما وعدناه، فهو لاق ما وعد، وصائر إليه كمن متعناه في الحياة الدنيا متاعها، فتمتع به، ونسي العمل بما وعدنا أهل الطاعة، وترك طلبه، وآثر لذة عاجلة على آجله، ثم هو يوم القيامة إذا ورد على الله من المحضرين، يعني من المشهدين عذاب الله، وأليم عقابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20982 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه قال: هو المؤمن سمع كتاب الله فصدق به وآمن بما وعد الله فيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا هو هذا الكافر، ليس والله كالمؤمن ثم هو يوم القيامة من المحضرين: أي في عذاب الله. 20983 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال ابن عمرو في حديثه: قوله من المحضرين قال: أحضروها. وقال الحارث في حديثه ثم هو يوم القيامة من المحضرين أهل النار، أحضروها. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ثم هو يوم القيامة من المحضرين قال: أهل النار، أحضروها. واختلف أهل التأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت في النبي (ص)، وفي أبي جهل بن هشام. ذكر من قال ذلك: 20984 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، قال: ثنا شعبة، عن أبان بن تغلب عن مجاهد أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه، كمن متعناه متاع الحياة الدنيا، ثم هو يوم القيامة من المحضرين قال: نزلت في النبي (ص)، وفي أبي جهل بن هشام. 20985 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه قال: النبي (ص). وقال آخرون: نزلت في حمزة وعلي رضي الله عنهما، وأبي جهل لعنه الله. ذكر من قال ذلك: 20986 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا بدل بن المحبر التغلبي، قال: ثنا شعبة، عن
[ 120 ]
أبان بن تغلب، عن مجاهد أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا، ثم هو يوم القيامة من المحضرين قال: نزلت في حمزة وعلي بن أبي طالب، وأبي جهل. 20987 - قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة عن أبان بن تغلب، عن مجاهد، قال: نزلت في حمزة وأبي جهل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ئ قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) *. يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي رب العزة الذين أشركوا به الانداد والاوثان في الدنيا، فيقول لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم لي في الدنيا شركاء ؟ قال الذين حق عليهم القول يقول: قال الذين وجب عليهم غضب الله ولعنته، وهم الشياطين الذين كانوا يغوون بني آدم: ربنا هؤلاء الذين أغوينا، أغويناهم كما غوينا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20988 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، في قوله هؤلاء الذين أغوينا، أغويناهم كما غوينا قال: هم الشياطين. وقوله: تبرأنا إليك يقول: تبرأنا من ولايتهم ونصرتهم إليك ما كانوا إيانا يعبدون: يقول: لم يكونوا يعبدوننا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) *. يقول تعالى ذكره: وقيل للمشركين بالله الآلهة والانداد في الدنيا ادعوا شركاءكم الذين كنتم تدعون من دون الله فدعوهم فلم يستجيبوا لهم يقول: فلم يجيبوهم. ورأوا العذاب: يقول: وعاينوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون يقول: فودوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين للحق. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 121 ]
* (ويوم يناديهم فيقول ماذآ أجبتم المرسلين ئ فعميت عليهم الانباء يومئذ فهم لا يتساءلون) *. يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي الله هؤلاء المشركين، فيقول لهم ماذا أجبتم المرسلين فيما أرسلناهم به إليكم، من دعائكم إلى توحيدنا، والبراءة من الاوثان والاصنام فعميت عليهم الانباء يومئذ يقول: فخفيت عليهم الاخبار، من قولهم: قد عمي عني خبر القوم: إذا خفي. وإنما عني بذلك أنهم عميت عليهم الحجة، فلم يدروا ما يحتجون، لان الله تعالى قد كان أبلغ إليهم في المعذرة، وتابع عليهم الحجة، فلم تكن لهم حجة يحتجون بها، ولا خبر يخبرون به، مما تكون لهم به نجاة ومخلص. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20989 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فعميت عليهم الانباء قال: الحجج، يعني الحجة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد فعميت عليهم الانباء قال: الحجج. 20990 - قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين قال: بلا إله إلا الله، التوحيد. وقوله: فهم لا يتساءلون بالانساب والقرابة. ذكر من قال ذلك: 20991 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فهم لا يتساءلون قال: لا يتساءلون بالانساب، ولا يتماتون بالقرابات، إنهم كانوا في الدنيا إذا التقوا تساءلوا وتماتوا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد فهم لا يتساءلون قال: بالانساب. وقيل معنى ذلك: فعميت عليهم الحجج يومئذ، فسكتوا، فهم لا يتساءلون في حال سكوتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين) *.
[ 122 ]
يقول تعالى ذكره: فأما من تاب من المشركين، فأناب وراجع الحق، وأخلص لله الالوهة، وأفرد له العبادة، فلم يشرك في عبادته شيئا وآمن يقول: وصدق بنبيه محمد (ص). وعمل صالحا يقول: وعمل بما أمره الله بعمله في كتابه، وعلى لسان رسوله (ص)، فعسى أن يكون من المفلحين. يقول: فهو من المنجحين المدركين طلبتهم عند الله، الخالدين في جنانه، وعسى من الله واجب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وربك يخلق ما يشآء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) *. يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار لولايته الخيرة من خلقه، ومن سبقت له منه السعادة. وإنما قال جل ثناؤه ويختار ما كان لهم الخيرة والمعنى: ما وصفت، لان المشركين كانوا فيما ذكر عنهم يختارون أموالهم، فيجعلونها لآلهتهم، فقال الله لنبيه محمد (ص): وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار للهداية والايمان والعمل الصالح من خلقه، ما هو في سابق علمه أنه خيرتهم، نظير ما كان من هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم، فكذلك اختياري لنفسي. واجتبائي لولايتي، واصطفائي لخدمتي وطاعتي، خيار مملكتي وخلقي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20992 - حدثنى محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة قال: كانوا يجعلون خير أموالهم لآلهتهم في الجاهلية. فإذا كان معنى ذلك كذلك، فلا شك أن ما من قوله: ويختار ما كان لهم الخيرة في موضع نصب، بوقوع يختار عليها، وأنها بمعنى الذي. فإن قال قائل: فإن كان الامر كما وصفت، من أن ما اسم منصوب بوقوع قوله يختار عليها، فأين خبر كان ؟ فقد علمت أن ذلك إذا كان كما قلت، أن في كان ذكرا من ما، ولا بد لكان إذا كان كذلك من تمام، وأين التمام ؟ قيل: إن العرب تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الاخبار بعدها أحيانا، أخبارا، كفعلها بالاسماء إذا جاءت بعدها أخبارها. ذكر الفراء أن القاسم بن معن أنشده قول عنترة:
[ 123 ]
أمن سمية دمع العين تذريف لو كان ذا منك قبل اليوم معروف فرفع معروفا بحرف الصفة، وهو لا شك خبر لذا، وذكر أن المفضل أنشده ذلك: * لو أن ذا منك قبل اليوم معروف * ومنه أيضا قول عمر بن أبي ربيعة: قلت أجيبي عاشقا بحبكم مكلف فيها ثلاث كالدمى وكاعب ومسلف فمكلف من نعت عاشق، وقد رفعه بحرف الصفة، وهو الباء، في أشباه لما ذكرنا بكثير من الشواهد، فكذلك قوله: ويختار ما كان لهم الخيرة رفعت الخيرة بالصفة، وهي لهم، وإن كانت خبرا لما، لما جاءت بعد الصفة، ووقعت الصفة موقع الخبر، فصار كقول القائل: كان عمرو أبوه قائم، لا شك أن قائما لو كان مكان الاب، وكان الاب هو المتأخر بعده، كان منصوبا، فكذلك وجه رفع الخيرة، وهو خبر لما. فإن قال قائل: فهل يجوز أن تكون ما في هذا الموضع جحدا، ويكون معنى الكلام: وربك يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار ما يشاء أن يختاره، فيكون قوله ويختار نهاية الخبر عن الخلق والاختيار، ثم يكون الكلام بعد ذلك مبتدأ بمعنى: لم تكن لهم الخيرة: أي لم يكن للخلق الخيرة، وإنما الخيرة لله وحده ؟ قيل: هذا قول لا يخفى فساده على ذي حجا، من وجوه، لو لم يكن بخلافه لاهل التأويل قول، فكيف والتأويل عمن ذكرنا بخلافه فأما أحد وجوه فساده، فهو أن قوله: ما كان لهم الخيرة لو كان كما ظنه من ظنه، من أن ما بمعنى الجحد، على نحو التأويل الذي ذكرت، كان إنما جحد تعالى ذكره، أن تكون لهم الخيرة فيما مضى قبل نزول هذه الآية، فأما فيما يستقبلونه فلهم الخيرة، لان قول القائل: ما كان لك هذا، لا شك إنما
[ 124 ]
هو خبر عن أنه لم يكن له ذلك فيما مضى. وقد يجوز أن يكون له فيما يستقبل، وذلك من الكلام لا شك خلف. لان ما لم يكن للخلق من ذلك قديما، فليس ذلك لهم أبدا. وبعد، لو أريد ذلك المعنى، لكان الكلام: فليس. وقيل: وربك يخلق ما يشاء ويختار، ليس لهم الخيرة، ليكون نفيا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبل وفيما بعد. والثاني: أن كتاب الله أبين البيان، وأوضح الكلام، ومحال أن يوجد فيه شئ غير مفهوم المعنى، وغير جائز في الكلام أن يقال ابتداء: ما كان لفلان الخيرة، ولما يتقدم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك فكذلك قوله: ويختار، ما كان لهم الخيرة ولم يتقدم قبله من الله تعالى ذكره خبر عن أحد، أنه ادعى أنه كان له الخيرة، فيقال له: ما كان لك الخيرة، وإنما جرى قبله الخبر عما هو صائر إليه أمر من تاب من شركه، وآمن وعمل صالحا، وأتبع ذلك جل ثناؤه الخبر عن سبب إيمان من آمن وعمل صالحا منهم، وأن ذلك إنما هو لاختياره إياه للايمان، وللسابق من علمه فيه اهتدى. ويزيد ما قلنا من ذلك إبانة قوله: وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون فأخبر أنه يعلم من عباده السرائر والظواهر، ويصطفي لنفسه ويختار لطاعته من قد علم منه السريرة الصالحة، والعلانية الرضية. والثالث: أن معنى الخيرة في هذا الموضع: إنما هو الخيرة، وهو الشئ الذي يختار من البهائم والانعام والرجال والنساء، يقال منه: أعطي الخيرة والخيرة، مثل الطيرة والطيرة، وليس بالاختيار، وإذا كانت الخيرة ما وصفنا، فمعلوم أن من أجود الكلام أن يقال: وربك يخلق ما يشاء، ويختار ما يشاء، لم يكن لهم خير بهيمة أو خير طعام، أو خير رجل أو امرأة. فإن قال: فهل يجوز أن تكون بمعنى المصدر ؟ قيل: لا، وذلك أنها إذا كانت مصدرا كان معنى الكلام: وربك يخلق ما يشاء ويختار كون الخيرة لهم. وإذا كان ذلك معناه، وجب أن لا تكون الشرار لهم من البهائم والانعام وإذا لم يكن لهم شرار ذلك وجب أن لا يكون لها مالك، وذلك ما لا يخفى خطؤه، لان لخيارها ولشرارها أربابا يملكونها بتمليك الله إياهم ذلك، وفي كون ذلك كذلك فساد توجيه ذلك إلى معنى المصدر. وقوله سبحانه وتعالى: عما يشركون يقول تعالى ذكره تنزيها لله وتبرئة له، وعلوا عما أضاف إليه المشركون من الشرك، وما تخرصوه من الكذب والباطل عليه. وتأويل الكلام: سبحان الله وتعالى عن شركهم. وقد كان بعض أهل العربية يوجهه إلى أنه بمعنى: وتعالى عن الذي يشركون به. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 125 ]
حسر سورة القصص) * (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ئ وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الاولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون) *. يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد يعلم ما تخفى صدور خلقه وهو من: أكننت الشئ في صدري: إذا أضمرته فيه، وكننت الشئ: إذا صنته، وما يعلنون: يقول: وما يبدونه بألسنتهم وجوارحهم، وإنما يعني بذلك أن اختيار من يختار منهم للايمان به على علم منه بسرائر أمورهم وبواديها، وإنه يختار للخير أهله، فيوفقهم له، ويولي الشر أهله، ويخليهم وإياه. وقوله: وهو الله لا إله إلا هو يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا معبود تجوز عبادته غيره له الحمد في الاولى يعني في الدنيا والآخرة وله الحكم يقول: وله القضاء بين خلقه وإليه ترجعون يقول: وإليه تردون من بعد مماتكم، فيقضي بينكم بالحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون) *. يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: أيها القوم أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل دائما لا نهار إلى يوم القيامة يعقبه. والعرب تقول لكل ما كان متصلا لا ينقطع من رخاء أو بلاء أو نعمة هو سرمد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20993 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: سرمدا: دائما لا ينقطع. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 20994 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله إن جعل الله عليكم الليل سرمدا يقول: دائما. وقوله: من إله غير الله يأتيكم بضياء يقول: من معبود غير المعبود الذي له عبادة كل شئ يأتيكم بضياء النهار، فتستضيئون به أفلا تسمعون يقول: أفلا ترعون ذلك
[ 126 ]
سمعكم، وتفكرون فيه فتتعظون، وتعلمون أن ربكم هو الذي يأتي بالليل ويذهب بالنهار إذا شاء، وإذا شاء أتى بالنهار وذهب بالليل، فينعم باختلافهما كذلك عليكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لمشركي قومك أرأيتم أيها القوم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا دائما لا ليل معه أبدا إلى يوم القيامة من إله غير الله من معبود غير المعبود الذي له عبادة كل شئ يأتيكم بليل تسكنون فيه فتستقرون وتهدءون فيه أفلا تبصرون يقول: أفلا ترون بأبصاركم اختلاف الليل والنهار عليكم، رحمة من الله لكم، وحجة منه عليكم، فتعلموا بذلك أن العبادة لا تصلح إلا لمن أنعم عليكم بذلك دون غيره، ولمن له القدرة التي خالف بها بين ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) *. يقول تعالى ذكره: ومن رحمته بكم أيها الناس جعل لكم الليل والنهار فخالف بينهما، فجعل هذا الليل ظلاما لتسكنوا فيه وتهدءوا وتستقروا لراحة أبدانكم فيه من تعب التصرف الذي تتصرفون نهارا لمعايشكم. وفي الهاء التي في قوله: لتسكنوا فيه وجهان: أحدهما: أن تكون من ذكر الليل خاصة، ويضمر للنهار مع الابتغاء هاء أخرى. والثاني: أن تكون من ذكر الليل والنهار، فيكون وجه توحيدها وهي لهما وجه توحيد العرب في قولهم: إقبالك وإدبارك يؤذيني، لان الاقبال والادبار فعل، والفعل يوحد كثيره وقليله. وجعل هذا النهار ضياء تبصرون فيه، فتتصرفون بأبصاركم فيه لمعايشكم، وابتغاء رزقه الذي قسمه بينكم بفضله الذي تفضل عليكم. وقوله: ولعلكم تشكرون يقول تعالى ذكره: ولتشكروه على إنعامه عليكم بذلك، فعل ذلك بكم لتفردوه بالشكر، وتخلصوا له الحمد، لانه لم يشركه في إنعامه عليكم بذلك شريك، فلذلك ينبغي أن لا يكون له شريك في الحمد عليه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 127 ]
* (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ئ ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون) *. يعني تعالى ذكره: ويوم ينادي ربك يا محمد هؤلاء المشركين فيقول لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون أيها القوم في الدنيا أنهم شركائي. وقوله: ونزعنا من كل أمة شهيدا وأحضرنا من كل جماعة شهيدها وهو نبيها الذي يشهد عليها بما أجابته أمته فيما أتاهم به عن الله من الرسالة. وقيل: ونزعنا من قوله: نزع فلان بحجة كذا، بمعنى: أحضرها وأخرجها. وبنحو الذي قلنا في ذل ك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20995 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ونزعنا من كل أمة شهيدا وشهيدها: نبيها، يشهد عليها أنه قد بلغ رسالة ربه. 20996 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ونزعنا من كل أمة شهيدا قال: رسولا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. وقوله: فقلنا هاتوا برهانكم يقول: فقلنا لامة كل نبي منهم التي ردت نصيحته، وكذبت بما جاءها به من عند ربهم، إذ شهد نبيها عليها بإبلاغه إياها رسالة الله: هاتوا برهانكم يقول: فقال لهم: هاتوا حجتكم على إشراككم بالله ما كنتم تشركون مع إعذار الله إليكم بالرسل وإقامته عليكم بالحجج. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20997 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فقلنا هاتوا برهانكم أي بينتكم. 20998 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 128 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، ان ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فقلنا هاتوا برهانكم قال: حجتكم لما كنتم تعبدون وتقولون. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد فقلنا هاتوا برهانكم قال: حجتكم بما كنتم تعبدون. وقوله: فعلموا أن الحق لله يقول: فعلموا حينئذ أن الحجة البالغة لله عليهم، وأن الحق لله، والصدق خبره، فأيقنوا بعذاب من الله لهم دائم وضل عنهم ما كانوا يفترون يقول: واضمحل فذهب الذي كانوا يشركون بالله في الدنيا، وما كانوا يتخرصون، ويكذبون على ربهم، فلم ينفعهم هنالك بل ضرهم وأصلاهم نار جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز مآ إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) *. يقول تعالى ذكره: إن قارون وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب كان من قوم موسى يقول: كان من عشيرة موسى بن عمران النبي (ص)، وهو ابن عمه لابيه وأمه، وذلك أن قارون هو قارون بن يصهر بن قاهث، وموسى: هو موسى بن عمران بن قاهث، كذا نسبه ابن جريج. 20999 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: إن قارون كان من قوم موسى قال: ابن عمه ابن أخي أبيه، فإن قارون بن يصفر، هكذا قال القاسم، وإنما هو يصهر بن قاهث، وموسى بن عومر بن قاهث، وعومر بالعربية: عمران. وأما ابن إسحاق فإن ابن حميد. 21000 - حدثنا، قال: ثنا سلمة عنه، أن يصهر بن قاهث تزوج سميت بنت
[ 129 ]
* - بتاويت بن بركنا بن بقشان بن إبراهيم، فولدت له عمران بن يصهر، وقارون بن يصهر، فنكح عمران بخنت بنت شمويل بن بركنا بن بقشان بن بركنا، فولدت له هارون بن عمران، وموسى بن عمران صفي الله ونبيه فموسى على ما ذكر ابن إسحاق ابن أخي قارون، وقارون هو عمه أخو أبيه لابيه ولامه. وأكثر أهل العلم في ذلك على ما قاله ابن جريج. ذكر من قال ذلآك: 21001 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا أسماعيل بن أبي خالد، عن إبراهيم، في قوله: إن قارون كان من قوم موسى قال: كان ابن عم موسى. 21002 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، قال: ثنا سعيد عن قتادة إن قارون كان من قوم موسى: كنا نحدث أنه كان ابن عمه أخي أبيه، وكان يسمى المنور من حسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق، كما نافق السامري، فأهلكه البغي. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن سماك، عن إبراهيم إن قارون كان من قوم موسى قال كان ابن عمه فبغى عليه. * - قال: ثنا يحيى القطان، عن سفيان، عن سماك، عن إبراهيم، قال: كان قارون ابن عم موسى. * - قال: ثنا أبو معاوية، عن ابن أبي خالد، عن إبراهيم إن قارون كان من قوم موسى قال: كان ابن عمه. 21003 - حدثني بشر بن هلال الصواف، قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن مالك بن دينار، قال: بلغني أن موسى بن عمران كان ابن عم قارون. وقوله: فبغى عليهم يقول: فتجاوز حده في الكبر والتجبر عليهم. وكان بعضهم يقول: كان بغيه عليهم زيادة شبر أخذها في طول ثيابه. ذكر من قال ذلك: 21004 - حدثني علي بن سعيد الكندي وأبو السائب وابن وكيع قالوا: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن شهر بن حوشب إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم قال: زاد عليهم في الثياب شبرا. وقال آخرون: كان بغيه عليهم بكثرة ما له. ذكر من قال ذلك:
[ 130 ]
21005 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: إنما بغى عليهم بكثرة ماله. وقوله: وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة يقول تعالى ذكره: وآتينا قارون من كنوز الاموال ما إن مفاتحه، وهي جمع مفتح، وهو الذي يفتح به الابواب. وقال بعضهم: عنى بالمفاتح في هذا الموضع: الخزائن لتثقل العصبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ما قلنا في معنى مفاتح: 21006 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا الاعمش، عن خيثمة، قال: كانت مفاتح قارون تحمل على ستين بغلا، كل مفتاح منها باب كنز معلوم مثل الاصبع من جلود. 21007 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الاعمش، عن خيثمة، قال: كانت مفاتح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل الاصبع، كل مفتاح على خزانة على حدة، فإذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغلا أغر محجل. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن خيثمة، في قوله ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة قال: نجد مكتوبا في الانجيل مفاتح قارون وقر ستين بغلا غرا محجلة، ما يزيد كل مفتاح منها على أصبع، لكل مفتاح منها كنز. 21008 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهد، قال: كانت المفاتح من جلود الابل. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة قال: مفاتح من جلود كمفاتح العيدان. وقال قوم: عنى بالمفاتح في هذا الموضع: خزائنه. ذكر من قال ذلك:
[ 131 ]
21009 - حدثنا أبو كريت، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله: ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة قال: كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا. 21010 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي حجير، عن الضحاك ما إن مفاتحه قال: أوعيته. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: لتنوء بالعصبة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21011 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا أبوروق، عن الضحاك عن ابن عباس، في قوله: لتنوء بالعصبة قال: لتثقل بالعصبة. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله لتنوء بالعصبة يقول: تثقل. وأما العصبة فإنها الجماعة. واختلف أهل التأويل في مبلغ عددها الذي أريد في هذا الموضع فأما مبلغ عدد العصبة في كلام العرب فقد ذكرناه فيما مضى باختلاف المختلفين فيه، والرواية في ذلك، والشواهد على الصحيح من قولهم في ذلك بما أغني عن إعادته في هذا الموضع، فقال بعضهم: كانت مفاتحه تنوء بعصبة مبلغ عددها أربعون رجلا. ذكر من قال ذلك: 21012 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، قوله: لتنوء بالعصبة قال: أربعون رجلا. 21013 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة لتنوء بالعصبة قال: ذكر لنا أن العصبة ما بين العشرة إلى الاربعين. 21014 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لتنوء بالعصبة أولى القوة: يزعمون أن العصبة أربعون رجلا، ينقلون مفاتحه من كثرة عددها. 21015 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة قال: أربعون رجلا. وقال آخرون: ستون، وقال: كانت مفاتحه تحمل على ستين بغلا.
[ 132 ]
21016 - حدثنا كذلك ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الاعمش، عن خيثمة. وقال آخرون: كانت تحمل على ما بين ثلاثة إلى عشرة. ذكر من قال ذلك: 21017 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس لتنوء بالعصبة قال 6: العصبة: ثلاثة. 21018 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا أبوروق، عن الضحاك، عن ابن عباس لتنوء بالعصبة قال: العصبة: ما بين الثلاثة إلى العشرة. وقال آخرون: كانت تحمل ما بين عشرة إلى خمسة عشرة. ذكر من قال ذلك: 21019 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة قال: العصبة: ما بين العشرة إلى الخمسة عشر. 21020 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد لتنوء بالعصبة قال: العصبة: خمسة عشر رجلا. وقوله: أولى القوة يعني: أولى الشدة. وقال مجاهد في ذلك ما: * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أولى القوة قال: خمسة عشر. فإن قال قائل: وكيف قيل وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة وكيف تنوء المفاتح بالعصبة، وإنما العصبة هي التي تنوء بها ؟ قيل: اختلف في ذلك أهل العلم بكلام العرب، فقال بعض أهل البصرة: مجاز ذلك: ما إن العصبة ذوي القوة لتنوء بمفاتح نعمه. قال: ويقال في الكلام: إنها لتنوء بها عجيزتها، وإنما هو: تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله، قال: والعرب قد تفعل مثل هذا. قال الشاعر: فديت بنفسه نفسي ومالي وما آلوك إلا ما أطيق والمعنى: فديت بنفسي وبمالي نفسه.
[ 133 ]
وقال آخر: وتركب خيلا لا هوادة بينها وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر وإنما تشقى الضياطرة بالرماح. قال: والخيل هاهنا: الرجال. وقال آخر منهم ما إن مفاتحه قال: وهذا موضع لا يكاد يبتدأ فيه إن، وقد قال: إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم. وقوله: لتنوء بالعصبة إنما العصبة تنوء بها وفي الشعر: (تنوء بها فتثقلها عجيزتها) وليست العجيزة تنوء بها، ولكنها هي تنوء بالعجيزة وقال الاعشى: ما كنت في الحرب العوان مغمرا إذ شب حر وقودها أجذالها وكان بعض أهل العربية من الكوفيين ينكر هذا الذي قاله هذا القائل، وابتداء إن بعد ما، ويقول: ذلك جائز مع وما من، وهو مع ما ومن أجود منه مع الذي، لان الذي لا يعمل في صلته، ولا تعمل صلته فيه، فلذلك جاز، وصارت الجملة عائد " ما "، إذ كانت لاتعمل في ما، ولا تعمل ما فيها قال: وحسن مع " ما " و " من "، لانهما يكونان بتأويل النكرة إن شئت، والمعرفة إن شئت، فتقول: ضربت رجلا ليقومن، وضربت رجلا إنه لمحسن، فتكون من وما تأويل هذا، ومع الذي أقبح، لانه لا يكون بتأويل النكرة. وقال آخر منهم في قوله: لتنوء بالعصبة: نوءها بالعصبة: أن تثقلهم وقال: المعنى: إن مفاتحه لتنئ العصبة: تميلهن من ثقلها، فإذا أدخلت الباء قلت: تنوء بهم، كما قال: آتوني أفرغ عليه قطرا قال والمعنى: آتوني بقطر أفرغ عليه فإذا حذفت
[ 134 ]
الباء، زدت على الفعل ألفا في أوله ومثله: فأجاءها المخاض معناه: فجاء بها المخاض وقال: قد قال رجل من أهل العربية: ما إن العصبة تنوء بمفاتحه، فحول الفعل إلى المفاتح، كما قال الشاعر: إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره وهو الذي يحلى بالعين، قال: فإن كان سمع أثرا بهذا، فهو وجه، وإلا فإن الرجل جهل المعنى. قال: وأنشدني بعض العرب: حتى إذا ما التأمت مواصله وناء في شق الشمال كاهله يعني: الرامي لما أخذ القوس، ونزع مال عليها. قال: ونرى أن قول العرب: ما ساءك، وناءك من ذلك، ومعناه: ما ساءك وأناءك من ذلك، إلا أنه ألقى الالف لانه متبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعاما فهنأني ومرأني، ومعناه: إذا أفردت: وأمرأني فحذفت منه الالف لما أتبع ما ليس فيه ألف. وهذا القول الآخر في تأويل قوله: لتنوء بالعصبة: أولى بالصواب من الاقوال الاخر، لمعنيين: أحدهما: أنه تأويل موافق لظاهر التنزيل. والثاني: أن الآثار التي ذكرنا عن أهل التأويل بنحو هذا المعنى جاءت، وأن قول من قال: معنى ذلك: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه، إنما هو توجيه منهم إلى أن معناه: ما إن العصبة لتنهض بمفاتحه وإذا وجه إلى ذلك لم يكن فيه من الدلالة على أنه أريد به الخبر عن كثرة كنوزه، على نحو ما فيه، إذا وجه إلى أن معناه: إن مفاتحه تثقل العصبة وتميلها، لانه قد تنهض العصبة بالقليل من المفاتح وبالكثير. وإنما قصد جل ثناؤه الخبر عن كثرة ذلك، وإذا أريد به الخبر عن كثرته، كان لا شك أن الذي قاله من ذكرنا قوله، من أن معناه: لتنوء العصبة بمفاتحه، قول لا معنى له، هذا مع خلافه تأويل السلف في ذلك. وقوله: إذ قال له قومه لا تفرح، إن الله لا يحب الفرحين يقول: إذ قال قومه: لا تبغ ولا تبطر فرحا، إن الله لا يحب من خلقه الاشرين البطرين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 135 ]
21021 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله إن الله لا يحب الفرحين يقول: المرحين. 21022 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين قال: المتبذخين الاشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن جابر، قال: سمعت مجاهدا يقول في هذه الآية إن الله لا يحب الفرحين قال: الاشرين البطرين البذخين. 21023 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام، عن مجاهد، في قوله لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين قال: يعني به البغي. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين قال: المتبذخين الاشرين، الذين لا يشكرون الله فيما أعطاهم. * - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله إلا أنه قال: المتبذخين. * - حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: ثني شبابة، قال: ثني ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين قال: الاشرين البطرين. 21024 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، إذ قال له قومه لا تفرح: أي لا تمرح إن الله لا يحب الفرحين: أي إن الله لا يحب المرحين. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد لا تفرح إن لا يحب الفرحين قال: الاشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله فيما أعطاهم. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام، عن مجاهد، في قوله إذ قال له قومه لا تفرح، إن الله لا يحب الفرحين قال: هو فرح البغي. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 136 ]
* (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كمآ أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الارض إن الله لا يحب المفسدين) *. يقول تعالى ذكره، مخبرا عن قيل قوم قارون له: لا تبغ يا قارون على قومك، بكثرة مالك، والتمس فيما آتاك الله من الاموال خيرات الآخرة، بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا. وقوله: ولا تنس نصيبك من الدنيا يقول: ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21025 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك يقول: لا تترك أن تعمل لله في الدنيا. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن الاعمش، عن ابن عباس ولا تنس نصيبك من الدنيا قال: أن تعمل فيها لآخرتك. 21026 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا قرة بن خالد، عن عون بن عبد الله ولا تنس نصيبك من الدنيا قال: إن قوما يضعونها على غير موضعها. ولا تنس نصيبك من الدنيا: تعمل فيها بطاعة الله. 21027 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولا تنس نصيبك من الدنيا قال: العمل بطاعته. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: تعمل في دنياك لآخرتك. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ولا تنس نصيبك من الدنيا قال: العمل فيها بطاعة الله.
[ 137 ]
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عيسى الجرشي، عن مجاهد ولا تنس نصيبك من الدنيا قال: أن تعمل في دنياك لآخرتك. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن مجاهد، قال: العمل بطاعة الله: نصيبه من الدنيا، الذي يثاب عليه في الآخرة. 21028 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تنس نصيبك من الدنيا قال: لا تنس أن تقدم من دنياك لآخرتك، فإنما تجد في آخرتك ما قدمت في الدنيا، فيما رزقك الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تترك أن تطلب فيها حظك من الرزق. ذكر من قال ذلك: 21029 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولا تنس نصيبك من الدنيا: قال الحسن: ما أحل الله لك منها، فإن لك فيه غنى وكفاية. - * حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن قتادة: ولا تنس نصيبك من الدنيا قال: طلب الحلال. 21030 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن أشعث، عن الحسن ولا تنس نصيبك من الدنيا: قال: قدم الفضل، وأمسك ما يبلغك. 21031 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: الحلال فيها. وقوله: وأحسن كما أحسن الله إليك يقول: وأحسن في الدنيا إنفاق مالك الذي آتاكه الله، في وجوهه وسبله، كما أحسن الله إليك، فوسع عليك منه، وبسط لك فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21032 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأحسن كما أحسن الله إليك قال: أحسن فيما رزقك الله ولا تبغ الفساد في الارض يقول: ولا تلتمس ما حرم الله عليك من البغي على قومك إن الله لا يحب المفسدين يقول: إن الله لا يحب بغاة البغي والمعاصي. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 138 ]
* (قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) *. يقول تعالى ذكره: قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أوتيت هذه الكنوز على فضل علم عندي، علمه الله مني، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم، لعلمه بفضلي عليكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21033 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة قال إنما أوتيته على علم عندي قال: على خبر عندي. 21034 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله إنما أوتيته على علم عندي قال: لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا، وقرأ: أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا... الآية. وقد قيل: إن معنى قوله: عندي بمعنى: أرى، كأنه قال: إنما أوتيته لفضل علمي، فيما أرى. وقوله: أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا يقول جل ثناؤه: أو لم يعلم قارون حين زعم أنه أوتي الكنوز لفضل علم عنده علمته أنا منه، فاستحق بذلك أن يؤتى ما أوتي من الكنوز، أن الله قد أهلك من قبله من الامم من هو أشد منه بطشا، وأكثر جمعا للاموال ولو كان الله يؤتي الاموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده، ولرضاه عنه، لم يكن يهلك من أهلك من أرباب الاموال الذين كانوا أكثر منه مالا، لان من كان الله عنه راضيا، فمحال أن يهلكه الله، وهو عنه راض، وإنما يهلك من كان عليه ساخطا. وقوله: ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون قيل: إن معنى ذلك أنهم يدخلون النار بغير حساب. ذكر من قال ذلك: 21035 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا سفيان، عن عمر، عن قتادة ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون قال: يدخلون النار بغير حساب. وقيل: معنى ذلك: أن الملائكة لا تسأل عنهم، لانهم يعرفونهم بسيماهم. ذكر من قال ذلك:
[ 139 ]
21036 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون كقوله: يعرف المجرمون بسيماهم زرقا سود الوجوه، والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم. وقيل معنى ذلك: ولا يسأل عن ذنوب هؤلاء الذين أهلكهم الله من الامم الماضية المجرمون فيم أهلكوا. ذكر من قال ذلك: 21037 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون قال: عن ذنوب الذين مضوا فيم أهلكوا، فالهاء والميم في قوله عن ذنوبهم على هذا اح ح لتأويل لمن الذي في قوله: أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة. وعلى التأويل الاول الذي قاله مجاهد وقتادة للمجرمين، وهي بأن تكون من ذكر المجرمين أولى، لان الله تعالى ذكره غير سائل عن ذنوب مذنب غير من أذنب، لا مؤمن ولا كافر. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لا معنى لخصوص المجرمين، لو كانت الهاء والميم اللتان في قوله عن ذنوبهم لمن الذي في قوله من هو أشد منه قوة من دون المؤمنين، يعني لانه غير مسؤول عن ذلك مؤمن ولا كافر، إلا الذين ركبوه واكتسبوه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يليت لنا مثل مآ أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) *. يقول تعالى ذكره: فخرج قارون على قومه في زينته، وهي فيما ذكر ثياب الارجوان. ذكر من قال ذلك: 21038 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا طلحة بن عمرو، عن أبي الزبير، عن جابر فخرج على قومه في زينته قال: في القرمز. 21039 - قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد فخرج على قومه في زينته قال: في ثياب حمر.
[ 140 ]
21040 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد فخرج على قومه في زينته قال: على براذين بيض، عليها سروج الارجوان، عليهم المعصفرات. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد فخرج على قومه في زينته قال: عليه ثوبان معصفران. وقال ابن جريج: على بغلة شهباء عليها الارجوان، وثلاث مئة جارية على البغال الشهب، عليهن ثياب حمر. 21041 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي ويحيى بن يمان، عن مبارك، عن الحسن فخرج على قومه في زينته قال: في ثياب حمر وصفر. 21042 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع إبراهيم النخعي، قال في هذه الآية فخرج على قومه في زينته قال: في ثياب حمر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم النخعي، مثله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم مثله. 21043 - حدثنا محمد بن عمرو بن علي المقدمي، قال: ثنا إسماعيل بن حكيم، قال: دخلنا على مالك بن دينار عشية، وإذا هو في ذكر قارون، قال: وإذا رجل من جيرانه عليه ثياب معصفرة، قال: فقال مالك: فخرج على قومه في زينته قال: في ثياب مثل ثياب هذا. 21044 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فخرج على قومه في زينته: ذكر لنا أنهم خرجوا على أربعة آلاف دابة، عليهم وعلى دوابهم الارجوان. 21045 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فخرج على قومه في زينته قال: خرج في سبعين ألفا، عليهم المعصفرات، فيما كان أبي يذكر لنا. قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون يقول تعالى ذكره: قال الذين يريدون زينة الحياة الدنيا من قوم قارون: يا ليتنا أعطينا مثل ما أعطى
[ 141 ]
قارون من زينتها إنه لذو حظ عظيم يقول: إن قارون لذو نصيب من الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون) *. يقول تعالى ذكره: وقال الذين أوتوا العلم بالله، حين رأوا قارون خارجا عليهم في زينته، للذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون: ويلكم اتقوا الله وأطيعوه، فثواب الله وجزاؤه لمن آمن به وبرسله، وعمل بما جاءت به رسله من صالحات الاعمال في الآخرة، خير مما أوتي قارون من زينته وماله لقارون. وقوله: ولا يلقاها إلا الصابرون يقول: ولا يلقاها: أي ولا يوفق لقيل هذه الكلمة، وهي قوله: ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا والهاء والالف كناية عن الكلمة. وقال: إلا الصابرون يعني بذلك: الذين صبروا عن طلب زينة الحياة الدنيا، وآثروا ما عند الله من جزيل ثوابه على صالحات الاعمال على لذات الدنيا وشهواتها، فجدوا في طاعة الله، ورفضوا الحياة الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) *. يقول تعالى ذكره: فخسفنا بقارون وأهل داره. وقيل: وبداره، لانه ذكر أن موسى إذ أمر الارض أن تأخذه أمرها بأخذه، وأخذ من كان معه من جلسائه في داره، وكانوا جماعة جلوسا معه، وهم على مثل الذي هو عليه من النفاق والمؤازرة على أذى موسى. ذكر من قال ذلك: 21046 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، قال: لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى، فصالحه على كل ألف دينار دينارا، وكل ألف شئ شيئا، أو قال: وكل ألف شاة شاة الطبري يشك، قال: ثم أتى بيته فحسبه فوجده كثيرا، فجمع بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شئ فأطعتموه، وهو الآن يريد أن يأخذ من
[ 142 ]
أموالكم، فقالوا: أنت كبيرنا وأنت سيدنا، فمرنا بما شئت، فقال: آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي، فتجعلوا لها جعلا، فتقذفه بنفسها، فدعوها فجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها، ثم أتى موسى، فقال لموسى: إن بني إسرائيل قد اجتمعوا لتأمرهم ولتنهاهم، فخرج إليهم وهم في براح من الارض، فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه، ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مئة، ومن زنى وله امرأة جلدناه حتى يموت، أو رجمناه حتى يموت الطبري يشك، فقال له قارون: وإن كنت أنت ؟ قال: وإن كنت أنا قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة. قال: ادعوها، فإن قالت، فهو كما قالت فلما جاءت قال لها موسى: يا فلانة، قالت: يا لبيك، قال: أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ قالت: لا، وكذبوا، ولكن جعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي فوثب، فسجد وهو بينهم، فأوحى الله إليه: مر الارض بما شئت، قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أقدامهم. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى حقيهم، ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم قال: فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، ويتضرعون إليه. قال: يا أرض خذيهم، فانطبقت عليهم، فأوحى الله إليه: يا موسى، يقول لك عبادي: يا موسى، يا موسى، فلا ترحمهم ؟ أما لو إياي دعوا، لوجدوني قريبا مجيبا قال: فذلك قول الله: فخرج على قومه في زينته وكانت زينته أنه خرج على دواب شقر عليها سروج حمر، عليهم ثياب مصبغة بالبهرمان. قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون... إلى قوله إنه لا يفلح الكافرون يا محمد تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن المنهال، عن رجل، عن ابن عباس قال: لما أمر الله موسى بالزكاة، قال: رموه بالزنا، فجزع من ذلك، فأرسلوا إلى امرأة كانت قد أعطوها حكمها، على أن ترميه بنفسها فلما جاءت عظم عليها،
[ 143 ]
وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت. قالت: إذ قد استحلفتني، فإني أشهد أنك برئ، وأنك رسول الله، فخر ساجدا يبكي، فأوحى الله تبارك وتعالى: ما يبكيك ؟ قد سلطناك على الارض، فمرها بما شئت، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ما شاء الله، فقالوا: يا موسى، يا موسى فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ما شاء الله، فقالوا: يا موسى، يا موسى فخسفتهم. قال: وأصاب بني إسرائيل بعد ذلك شدة وجوع شديد، فأتوا موسى، فقالوا: ادع لنا ربك قال: فدعا لهم، فأوحى الله إليه: يا موسى، أتكلمني في قوم قد أظلم ما بيني وبينهم خطاياهم، وقد دعوك فلم تجبهم، أما إياي لو دعوا لاجبتهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الاعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فخسفنا به وبداره الارض قال: قيل للارض خذيهم، فأخذتهم إلى أعقابهم ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى أحقائهم ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم ثم قيل لها: خذيهم، فخسف بهم، فذلك قوله: فخسفنا به وبداره الارض. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا علي بن هاشم بن البريد، عن الاعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله إن قارون كان من قوم موسى قال: كان ابن عمه، وكان موسى يقضي في ناحية بني إسرائيل، وقارون في ناحية، قال: فدعا بغية كانت في بني إسرائيل، فجعل لها جعلا على أن ترمي موسى بنفسها، فتركته إذا كان يوم تجتمع فيه بنو إسرائيل إلى موسى، أتاه قارون فقال: يا موسى ما حد من سرق ؟ قال: أن تنقطع يده، قال: وإن كنت أنت ؟ قال: نعم قال: فما حد من زنى ؟ قال: أن يرجم، قال: وإن كنت أنت ؟ قال: نعم قال: فإنك قد فعلت، قال: ويلك بمن ؟ قال: بفلانة فدعاها موسى، فقال: أنشدك بالذي أنزل التوراة، أصدق قارون ؟ قالت: اللهم إذ نشدتني، فإني أشهد أنك برئ، وأنك رسول الله، وأن عدو الله قارون جعل لي جعلا على أن أرميك بنفسي قال: فوثب موسى، فخر ساجدا لله، فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك، فقد أمرت الارض أن تطيعك، فقال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم حتى بلغوا الحقو، قال: يا موسى قال: خذيهم، فأخذتهم حتى بلغوا الصدور، قال: يا موسى، قال: خذيهم، قال: فذهبوا. قال: فأوحى الله إليه يا موسى: استغاث بك فلم تغثه، أما لو استغاث بي لاجبته ولاغثته.
[ 144 ]
21047 - حدثنا بشر بن هلال الصواف، قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، قال: ثنا علي بن زيد بن جدعان، قال: خرج عبد الله بن الحارث من الدار، ودخل المقصورة فلما خرج منها، جلس وتساند عليها، وجلسنا إليه، فذكر سليمان بن داود وقال يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين... إلى قوله إن ربي غني كريم ثم سكت عن ذكر سليمان، فقال: إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وكان قد أوتي من الكنوز ما ذكر الله في كتابه ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، قال إنما أوتيته على علم عندي قال: وعادى موسى، وكان مؤذيا له، وكان موسى يصفح عنه ويعفو، للقرابة، حتى بنى دارا، وجعل باب داره من ذهب، وضرب على جدرانه صفائح الذهب، وكان الملا من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون، فيطعمهم الطعام، ويحدثونه ويضحكونه، فلم تدعه شقوته والبلاء، حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا، مشهورة بالسب، فأرسل إليها فجاءته، فقال لها: هل لك أن أمولك وأعطيك، وأخلطك في نسائي، على أن تأتيني والملا من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون، ألا تنهى عني موسى قالت: بلى. فلما جلس قارون، وجاء الملا من بني إسرائيل، أرسل إليها، فجاءت فقامت بين يديه، فقلب الله قلبها، وأحدث لها توبة، فقالت في نفسها: لان أحدث اليوم توبة، أفضل من أن أوذي رسول الله (ص)، وأكذب عدو الله له. فقالت: إن قارون قال لي: هل لك أن أمولك وأعطيك، وأخلطك بنسائي، على أن تأتيني والملا من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى، فلم أجد توبة أفضل من أن لا أوذي رسول الله (ص)، وأكذب عدو الله فلما تكلمت بهذا الكلام، سقط في يدي قارون، ونكس رأسه، وسكت الملا، وعرف أنه قد وقع في هلكة، وشاع كلامها في الناس، حتى بلغ موسى فلما بلغ موسى اشتد غضبه، فتوضأ من الماء، وصلى وبكى، وقال: يا رب عدوك لي مؤذ، أراد فضيحتي وشيني، يا رب سلطني عليه. فأوحى الله إليه أن مر الارض بما شئت تطعك. فجاء موسى إلى قارون فلما دخل عليه، عرف الشرفي وجه موسى له، فقال: يا موسى ارحمني قال: يا أرض خذيهم، قال: فاضطربت داره، وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين، وجعل يقول: يا موسى، فأخذتهم إلى ركبهم، وهو يتضرع إلى موسى: يا موسى ارحمني قال: يا أرض خذيهم، قال: فاضطربت داره وساخت، وخسف بقارون وأصحابه إلى سررهم، وهو يتضرع إلى موسى: يا موسى ارحمني قال: يا أرض خذيهم، فخسف به وبداره وأصحابه. قال: وقيل لموسى (ص): يا موسى ما أفظك. أما وعزتي لو إياي نادى لاجبته.
[ 145 ]
21048 - حدثني بشر بن هلال، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: بلغني أنه قيل لموسى: لا أعبد الارض لاحد بعدك أبدا. 21049 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الحميد الحماني، عن سفيان، عن الاغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، قال: عبد الحميد، عن أبي نصر، عن ابن عباس، ولم يذكر ابن مهدي أبا نصر فخسفنا به وبداره الارض قال الارض السابعة. 21050 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: بلغنا أنه يخسف به كل يوم مئة قامة، ولا يبلغ أسفل الارض إلى يوم القيامة، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. 21051 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حبان، عن جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار، قال: بلغني أن قارون يخسف به كل يوم مئة قامة. 21052 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فخسفنا به وبداره الارض ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها، لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة. وقوله: فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله يقول: فلم يكن له جند يرجع إليهم، ولا فئة ينصرونه لما نزل به من سخطه، بل تبرءوا منه وما كان من المنتصرين يقول: ولا كان هو ممن ينتصر من الله إذا أحل به نقمته، فيمتنع لقوته منها. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21053 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فما كان له من فئة ينصرونه أي جند ينصرونه، وما عنده منعة يمتنع بها من الله. وقد بينا معنى الفئة فيما مضى، وأنها الجماعة من الناس، وأصلها الجماعة التي يفئ إليها الرجل عند الحاجة إليهم، للعون على العدو، ثم تستعمل ذلك العرب في كل جماعة كانت عونا للرجل، وظهرا له ومنه قول خفاف: فلم أر مثلهم حيا لقاحا وجدك بين ناضحة وحجر أشد على صروف الدهر آداوأكبر منهم فئة بصبر
[ 146 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشآء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون) *. يقول تعالى ذكره: وأصبح الذين تمنوا مكانه بالامس من الدنيا، وغناه وكثرة ماله، وما بسط له منها بالامس، يعني قبل أن ينزل به ما نزل من سخط الله وعقابه، يقولون: ويكأن الله... اختلف في معنى ويكأن الله فأما قتادة، فإنه روي عنه في ذلك قولان: أحدهما ما: 21054 - حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، قال في قوله ويكأنه قال: ألم تر أنه. - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويكأنه: أو لا ترى أنه. - وحدثني إسماعيل بن المتوكل الاشجعي، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثني معمر، عن قتادة: ويكأنه قال: ألم ترأنه. والقول الآخر، ما: 21055 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ويكأن الله يبسط الرزق قال: أو لم يعلم أن الله ويكأنه: أو لا يعلم أنه. وتأول هذا التأويل الذي ذكرناه عن قتادة في ذلك أيضا بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، واستشهد لصحة تأويله ذلك كذلك، بقول الشاعر: سألتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي، قد جئتما بنكر ويكأن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
[ 147 ]
وقال بعض نحويي الكوفة: ويكأن في كلام العرب: تقرير، كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله وإحسانه وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها: أين ابننا ؟ فقال: ويكأنه وراء البيت. معناه: أما ترينه وراء البيت قال: وقد يذهب بها بعض النحويين إلى أنها كلمتان، يريد: ويك أنه، كأنه أراد: ويلك، فحذف اللام، فتجعل أن مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قال: ويلك اعلم أنه وراء البيت، فأضمر اعلم. قال: ولم نجد العرب تعمل الظن مضمرا، ولا العلم وأشباهه في أن، وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين، أو في آخر الكلمة، فلما أضمر جرى مجرى المتأخر ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن يقول: يا هذا، أنك قائم، ويا هذا أن قمت، يريد: علمت، أو اعلم، أو ظننت، أو أظن. وأما حذف اللام من قولك: ويلك حتى تصير: ويك، فقد تقوله العرب، لكثرتها في الكلام، قال عنترة: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمهاقول الفوارس ويك عنتر أقدم قال: وقال آخرون: إن معنى قوله ويكأن: وي منفصلة من كأن، كقولك للرجل: وي أما ترى ما بين يديك ؟ فقال: وي ثم استأنف، كأن الله يبسط الرزق، وهي تعجب، وكأن في معنى الظن والعلم، فهذا وجه يستقيم. قال: ولم تكتبها العرب منفصلة، ولو كانت على هذا لكتبوها منفصلة، وقد يجوز أن تكون كثر بها الكلام، فوصلت بما ليست منه. وقال آخر منهم: إن وي: تنبيه، وكأن حرف آخر غيره، بمعنى: لعل الامر كذا، وأظن الامر كذا، لان كأن بمنزلة أظن وأحسب وأعلم. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة: القول الذي ذكرنا عن قتادة، من أن معناه: ألم تر، ألم تعلم، للشاهد الذي ذكرنا فيه من قول الشاعر، والرواية عن العرب وأن ويكأن في خط المصحف حرف واحد. ومتى وجه ذلك إلى غير التأويل الذي ذكرنا عن قتادة، فإنه يصير حرفين، وذلك أنه إن وجه إلى قول من تأوله بمعنى: ويلك اعلم أن الله، وجب أن يفصل ويك من أن، وذلك خلاف خط جميع المصاحف، مع فساده في العربية، لما
[ 148 ]
ذكرنا. وإن وجه إلى قول من يقول: وي بمعنى التنبيه، ثم استأنف الكلام بكأن، وجب أن يفصل وي من كأن، وذلك أيضا خلاف خطوط المصاحف كلها. فإذا كان ذلك حرفا واحدا، فالصواب من التأويل: ما قاله قتادة، وإذ كان ذلك هو الصواب، فتأويل الكلام: وأصبح الذين تمنوا مكان قارون وموضعه من الدنيا بالامس، يقولون لما عاينوا ما أحل الله به من نقمته، ألم تر يا هذا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده، فيوسع عليه، لا لفضل منزلته عنده، ولا كرامته عليه، كما كان بسط من ذلك لقارون، لا لفضله ولا لكرامته عليه ويقدر يقول: ويضيق على من يشاء من خلقه ذلك، ويقتر عليه، لا لهوانه، ولا لسخطه عمله. وقوله: لولا أن من الله علينا يقول: لولا أن تفضل علينا، فصرف عنا ما كنا نتمناه بالامس، لخسف بنا. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار سوى شيبة: لخسف بنا بضم الخاء، وكسر السين وذكر عن شيبة والحسن: لخسف بنا بفتح الخاء والسين، بمعنى: لخسف الله بنا. وقوله: ويكأنه لا يفلح الكافرون يقول: ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون، فتنجح طلباتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) *. يقول تعالى ذكره: تلك الدار الآخرة نجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبرا عن الحق في الارض وتجبرا عنه ولا فسادا. يقول: ولا ظلم الناس بغير حق، وعملا بمعاصي الله فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21056 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن المبارك،
[ 149 ]
عن زياد بن أبي زياد، قال: سمعت عكرمة يقول لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا قال: العلو: التجبر. 21057 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا قال: العلو: التكبر في الحق، والفساد: الاخذ بغير الحق. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين للذين لا يريدون علوا في الارض قال: التكبر في الارض بغير الحق ولا فسادا أخذ المال بغير حق. 21058 - قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير للذين لا يريدون علوا في الارض قال: البغي. 21059 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله للذين لا يريدون علوا في الارض قال: تعظما وتجبرا، ولا فسادا: عملا بالمعاصي. 21060 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أشعث السمان، عن أبي سلمان الاعرج، عن علي رضي الله عنه قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه، فيدخل في قول تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين. وقوله: والعاقبة للمتقين يقول تعالى ذكره: والجنة للمتقين، وهم الذين اتقوا معاصي الله، وأدوا فرائضه. وبنحو الذي قلنا في معنى العاقبة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21061 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والعاقبة للمتقين أي الجنة للمتقين. القول في تأويل قوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) *. يقول تعالى ذكره: من جاء الله يوم القيامة بإخلاص التوحيد، فله خير، وذلك الخير هو الجنة والنعيم الدائم، ومن جاء بالسيئة، وهي الشرك بالله. كما:
[ 150 ]
21062 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله من جاء بالحسنة فله خير منها: أي له منها حظ خير، والحسنة: الاخلاص، والسيئة: الشرك. وقد بينا ذلك باختلاف المختلفين، ودللنا على الصواب من القول فيه. وقوله: فلا يجزى الذين عملوا السيئات يقول: فلا يثاب الذين عملوا السيئات على أعمالهم السيئة إلا ما كانوا يعملون يقول: إلا جزاء ما كانوا يعملون. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذي فرض عليك القرآن لرآدك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين) *. يقول تعالى ذكره: إن الذي أنزل عليك يا محمد القرآن. كما: 21063 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله إن الذي فرض عليك القرآن قال: الذي أعطاك القرآن. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله إن الذي فرض عليك القرآن قال: الذي أعطاكه. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لرادك إلى معاد فقال بعضهم: معناه: لمصيرك إلى الجنة. ذكر من قال ذلك: 21064 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشر، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس ارادك إلى معاد قال: إلى معدنك من الجنة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن الاعمش، عن رجل، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: إلى الجنة. 21065 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن إبراهيم بن حبان، سمعت أبا جعفر، عن ابن عباس، عن أبي سعيد الخدري لرادك إلى معاد قال: معاده آخرته الجنة. 21066 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي
[ 151 ]
مالك، في إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قال: إلى الجنة ليسألك عن القرآن. 21067 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي صالح، قال: الجنة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن السدي، عن أبي صالح لرادك إلى معاد قال: إلى الجنة. * - حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، قال: يردك إلى الجنة، ثم يسألك عن القرآن. 21068 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد، قالا: إلى الجنة. 21069 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة وعطاء ومجاهد وأبي قزعة والحسن، قالوا: يوم القيامة. 21070 - قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد لرادك إلى معاد قال: يجئ بك يوم القيامة. 21071 - قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن والزهري، قالا: معاده يوم القيامة. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله لرادك إلى معاد قال: يجئ بك يوم القيامة. 21072 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عون، عن الحسن، في قوله لرادك إلى معاد قال: معادك من الآخرة. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله لرادك إلى معاد قال: كان الحسن يقول: إي والله، إن له لمعادا يبعثه الله يوم القيامة، ويدخله الجنة. وقال آخرون: معنى ذلك: لرادك إلى الموت. ذكر من قال ذلك: 21073 - حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا محمد بن عبد الله الزبيري،
[ 152 ]
قال: ثنا سفيان بن سعيد الثوري، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس لرادك إلى معاد قال: الموت. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن رجل، عن ابن عباس، قال: إلى الموت. 21074 - قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، عن سعيد لرادك إلى معاد قال: إلى الموت. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي عمن سمع ابن عباس، قال إلى الموت. * - حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، قال: إلى الموت. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن رجل، عن سعيد بن جبير في قوله لرادك إلى معاد قال: الموت. 21075 - حدثنا القاسم، قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إلى الموت، أو إلى مكة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لرادك إلى الموضع الذي خرجت منه، وهو مكة. ذكر من قال ذلك: 21076 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يعلى بن عبيد، عن سفيان العصفري، عن عكرمة، عن ابن عباس لرادك إلى معاد قال: إلى مكة. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس لرادك إلى معاد قال: يقول: لرادك إلى مكة، كما أخرجك منها. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: أخبرنا موسى بن أبي إسحاق، عن مجاهد، قال: مولده بمكة. 21077 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن يونس ابن أبي إسحاق، قال: سمعت مجاهدا يقول: لرادك إلى معاد قال: إلى مولدك بمكة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن عمرو، وهو
[ 153 ]
ابن أبي إسحاق، عن مجاهد، في قوله: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قال: إلى مولدك بمكة. * - حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا أبي، عن الفضيل بن مرزوق، عن مجاهد أبي الحجاج، في قوله: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قال: إلى مولده بمكة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني عيسى بن يونس، عن أبيه، عن مجاهد قال: إلى مولدك بمكة. والصواب من القول في ذلك عندي: قول من قال: لرادك إلى عادتك من الموت، أو إلى عادتك حيث ولدت، وذلك أن المعاد في هذا الموضع: المفعل من العادة، ليس من العود، إلا أن يوجه موجه تأويل قوله: لرادك لمصيرك، فيتوجه حينئذ قوله إلى معاد إلى معنى العود، ويكون تأويله: إن الذي فرض عليك القرآن لمصيرك إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك. فإن قال قائل: فهذه الوجوه التي وصفت في ذلك قد فهمناها، فما وجه تأويل من تأوله بمعنى: لرادك إلى الجنة ؟ قيل: ينبغي أن يكون وجه تأويله ذلك كذلك على هذا الوجه الآخر، وهو لمصيرك إلى أن تعود إلى الجنة. فإن قال قائل: أو كان أخرج من الجنة، فيقال له: نحن نعيدك إليها ؟ قيل: لذلك وجهان: أحدهما: أنه إن كان أبوه آدم صلى الله عليهما أخرج منها، فكأن ولده بإخراج الله إياه منها، قد أخرجوا منها، فمن دخلها فكأنما يرد إليها بعد الخروج. والثاني أن يقال: إنه كان (ص) دخلها ليلة أسري به، كما روي عنه أنه قال: دخلت الجنة، فرأيت فيها قصرا، فقلت لمن هذا ؟ فقالوا لعمر بن الخطاب، ونحو ذلك من الاخبار التي رويت عنه بذلك، ثم رد إلى الارض، فيقال له: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك لمصيرك إلى الموضع الذي خرجت منه من الجنة، إلى أن تعود إليه، فذلك إن شاء الله قول من قال ذلك.
[ 154 ]
وقوله: قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين: ربي أعلم من جاء بالهدى الذي من سلكه نجا، ومن هو في جور عن قصد السبيل منا ومنكم. وقوله: مبين يعني أنه يبين للمفكر الفهم إذا تأمله وتدبره، أنه ضلال وجور عن الهدى. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين) *. يقول تعالى ذكره: وما كنت ترجو يا محمد أن ينزل عليك هذا القرآن، فتعلم الانباء والاخبار عن الماضين قبلك، والحادثة بعدك، مما لم يكن بعد، مما لم تشهده ولا تشهده، ثم تتلو ذلك على قومك من قريش، إلا أن ربك رحمك، فأنزله عليك، فقوله: إلا رحمة من ربك استثناء منقطع. وقوله: فلا تكونن ظهيرا للكافرين يقول: فاحمد ربك على ما أنعم به عليك من رحمته إياك، بإنزاله عليك هذا الكتاب، ولا تكونن عونا لمن كفر بربك على كفره به. وقيل: إن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم، وإن معنى اللام: إن الذي فرض عليك القرآن، فأنزله عليك، وما كنت ترجو أن ينزل عليك، فتكون نبيا قبل ذلك، لرادك إلى معاد. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين) *. يقول تعالى ذكره: ولا يصرفنك عن تبليغ آيات الله وحججه بعد أن أنزلها إليك ربك يا محمد هؤلاء المشركون بقولهم: لولا أوتي مثل ما أوتي موسى وادع إلى ربك وبلغ رسالته إلى من أرسلك إليه بها ولا تكونن من المشركين يقول: ولا تتركن الدعاء إلى ربك، وتبليغ المشركين رسالته، فتكون ممن فعل فعل المشركين بمعصيته ربه، وخلافه أمره. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) *.
[ 155 ]
يقول تعالى ذكره: ولا تعبد يا محمد مع معبودك الذي له عبادة كل شئ معبودا آخر سواه. وقوله: لا إله إلا هو يقول: لا معبود تصلح له العبادة إلا الله الذي كل شئ هالك إلا وجهه. واختلف في معنى قوله: إلا وجهه فقال بعضهم: معناه: كل شئ هالك إلا هو. وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما أريد به وجهه، واستشهدوا لتأويلهم ذلك كذلك بقول الشاعر: أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل وقوله: له الحكم يقول: له الحكم بين خلقه دون غيره، ليس لاحد غيره معه فيهم حكم وإليه ترجعون يقول: وإليه تردون من بعد مماتكم، فيقضي بينكم بالعدل، فيجازي مؤمنيكم جزاءهم، وكفاركم ما وعدهم.
[ 156 ]
سورة العنكبوت مكية وآياتها تسع وستون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (الم ئ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) *. قال أبو جعفر: وقد بينا معنى قول الله تعالى ذكره الم وذكرنا أقوال أهل التأويل في تأويله، والذي هو أولى بالصواب من أقوالهم عندنا، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون فإن معناه: أظن الذين خرجوا يا محمد من أصحابك من أذى المشركين إياهم، أن نتركهم بغير اختبار، ولا ابتلاء امتحان، بأن قالوا: آمنا بك يا محمد، فصدقناك فيما جئتنا به من عند الله، كلا لنختبرهم، ليتبين الصادق منهم من الكاذب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21078 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله آمنا وهم لا يفتنون قال: يبتلون في أنفسهم وأموالهم. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 21079 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهم لا يفتنون: أي لا يبتلون.
[ 157 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد، في قوله وهم لا يفتنون قال: لا يبتلون. فأن الاولى منصوبة بحسب، والثانية منصوبة في قول بعض أهل العربية، بتعلق يتركوا بها، وأن معنى الكلام على قوله أحسب الناس أن يتركوا لان يقولوا آمنا فلما حذفت اللام الخافضة من لان، نصبت على ما ذكرت. وأما على قول غيره فهي في موضع خفض بإضمار الخافض، ولا تكاد العرب تقول: تركت فلانا أن يذهب، فتدخل أن في الكلام، وإنما تقول: تركته يذهب، وإنما أدخلت أن هاهنا لاكتفاء الكلام بقوله أن يتركوا إذ كان معناه: أحسب الناس أن يتركوا وهم لا يفتنون، من أجل أن يقولوا آمنا، فكان قوله: أن يتركوا مكتفية بوقوعها على الناس، دون أخبارهم. وإن جعلت أن في قوله أن يقولوا منصوبة بنية تكرير أحسب، كان جائزا، فيكون معنى الكلام: أحسب الناس أن يتركوا: أحسبوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) *. يقول تعالى ذكره: ولقد اختبرنا الذين من قبلهم من الامم، ممن أرسلنا إليهم رسلنا، فقالوا مثل ما قالته أمتك يا محمد بأعدائهم، وتمكيننا إياهم من أذاهم، كموسى إذا أرسلناه إلى بني إسرائيل، فابتليناهم بفرعون وملئهم، وكعيسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل، فابتلينا من اتبعه بمن تولى عنه، فكذلك ابتلينا أتباعك بمخالفيك من أعدائك فليعلمن الله الذين صدقوا منهم في قيلهم آمنا وليعلمن الكاذبين منهم في قيلهم ذلك، والله عالم بذلك منهم قبل الاختبار، وفي حال الاختبار، وبعد الاختبار، ولكن معنى ذلك: وليظهرن الله صدق الصادق منهم في قيله آمنا بالله من كذب الكاذب منهم بابتلائه إياه بعدوه، ليعلم صدقه من كذبه أولياؤه، على نحو ما قد بيناه فيما مضى قبل. وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين عذبهم المشركون، ففتن بعضهم، وصبر بعضهم على أذاهم حتى أتاهم الله بفرج من عنده. ذكر الرواية بذلك: 21080 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول: نزلت، يعني هذه الآية الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا... إلى قوله وليعلمن الكاذبين في عمار بن ياسر، إذ كان يعذب في الله.
[ 158 ]
وقال آخرون: بل نزل ذلك من أجل قوم كانوا قد أظهروا الاسلام بمكة، وتخلفوا عن الهجرة، والفتنة التي فتن بها هؤلاء القوم على مقالة هؤلاء، هي الهجرة التي امتحنوا بها. ذكر من قال ذلك: 21081 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن مطر، عن الشعبي، قال: إنها نزلت، يعني الم. أحسب الناس أن يتركوا الآيتين في أناس كانوا بمكة أقروا بالاسلام، فكتب إليهم أصحاب محمد نبي الله (ص) من المدينة: إنه لا يقبل منكم إقرارا بالاسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة، فاتبعهم المشركون، فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم: إنه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه قال: فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ثم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا، ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم. 21082 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ولقد فتنا قال: ابتلينا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد ولقد فتنا الذين من قبلهم قال: ابتلينا الذين من قبلهم. * - حد ثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد، مثله. 21083 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ولقد فتنا الذين من قبلهم أي ابتلينا. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون) *. يقول تعالى ذكره: أم حسب الذين يشركون بالله فيعبدون معه غيره، وهم المعنيون
[ 159 ]
بقوله الذين يعملون السيئات أن يسبقونا يقول: أن يعجزونا فيفوتونا بأنفسهم، فلا نقدر عليهم فننتقم منهم لشركهم بالله ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21084 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله أم حسب الذين يعملون السيئات أي الشرك أن يسبقونا. 21085 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن يسبقونا أن يعجزونا. وقوله: ساء ما يحكمون يقول تعالى ذكره: ساء حكمهم الذي يحكمون بأن هؤلاء الذين يعملون السيئات يسبقوننا بأنفسهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ئ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين) *. يقول تعالى ذكره: من كان يرجو الله يوم لقائه، ويطمع في ثوابه، فإن أجل الله الذي أجله لبعث خلقه للجزاء والعقاب لآت قريبا، وهو السميع، يقول: والله الذي يرجو هذا الراجي بلقائه ثوابه، السميع لقوله: آمنا بالله، العليم بصدق قيله، إنه قد آمن من كذبه فبه. وقوله: ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه يقول: ومن يجاهد عدوه من المشركين فإنما يجاهد لنفسه، لانه يفعل ذلك ابتغاء الثواب من الله على جهاده، والهرب من العقاب، فليس بالله إلى فعله ذلك حاجة، وذلك أن الله غني عن جميع خلقه، له الملك والخلق والامر. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) *. يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا بالله ورسوله، فصح إيمانهم عند ابتلاء الله إياهم وفتنته لهم، ولم يرتدوا عن أديانهم بأذى المشركين إياهم وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم التي سلفت منهم في شركهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون
[ 160 ]
يقول: ولنثيبنهم على صالحات أعمالهم في إسلامهم، أحسن ما كانوا يعملون في حال شركهم مع تكفيرنا سيئات أعمالهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ووصينا الانسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: ووصينا الانسان فيما أنزلنا إلى رسولنا بوالديه أن يفعل بهما حسنا. واختلف أهل العربية في وجه نصب الحسن، فقال بعض نحويي البصرة: نصب ذلك على نية تكرير وصينا. وكأن معنى الكلام عنده: ووصينا الانسان بوالديه، ووصيناه حسنا. وقال: قد يقول الرجل وصيته خيرا: أي بخير. وقال بعض نحويي الكوفة: معنى ذلك: ووصينا الانسان أن يفعل حسنا، ولكن العرب تسقط من الكلام بعضه إذا كان فيما بقي الدلالة على ما سقط، وتعمل ما بقي فيما كان يعمل فيه المحذوف، فنصب قوله حسنا وإن كان المعنى ما وصفت وصينا، لانه قد ناب عن الساقط، وأنشد في ذلك: عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا خيرا بها كأننا جافونا وقال: معنى قوله: يوصينا خيرا: أن نفعل بها خيرا، فاكتفى بيوصينا منه، وقال: ذلك نحو قوله فطفق مسحا أي يمسح مسحا. وقوله: وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما يقول: ووصينا الانسان، فقلنا له: إن جاهداك والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم أنه ليس لي شريك، فلا تطعهما فتشرك بي ما ليس لك به علم ابتغاء مرضاتهما، ولكن خالفهما في ذلك إلي مرجعكم يقول تعالى ذكره: إلي معادكم ومصيركم يوم القيامة فأنبئكم بما كنتم
[ 161 ]
تعملون يقول: فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الاعمال وسيئاتها، ثم أجازيكم عليها المحسن بالاحسان، والمسئ بما هو أهله. وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) بسبب سعد بن أبي وقاص. ذكر من قال ذلك: 21086 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ووصينا الانسان بوالديه حسنا... إلى قوله فأنبئكم بما كنتم تعملون قال: نزلت في سعد بن أبي وقاص لما هاجر، قالت أمه: والله لا يظلني بيت حتى يرجع، فأنزل الله في ذلك أن يحسن إليهما، ولا يطيعهما في الشرك. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) *. يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من الاعمال، وذلك أن يؤدوا فرائض الله، ويجتنبوا محارمه لندخلنهم في الصالحين في مدخل الصالحين، وذلك الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذآ أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) *. يقول تعالى ذكره: ومن الناس من يقول: أقررنا بالله فوحدناه، فإذا آذاه المشركون في إقراره بالله، جعل فتنة الناس إياه في الدنيا، كعذاب الله في الآخرة، فارتد عن إيمانه بالله، راجعا على الكفر به ولئن جاء نصر من ربك يا محمد أهل الايمان به ليقولن هؤلاء المرتدون عن إيمانهم، الجاعلون فتنة الناس كعذاب الله: إنا كنا أيها المؤمنون معكم ننصركم على أعدائكم، كذبا وإفكا. يقول الله: أو ليس الله بأعلم أيها القوم من كل أحد بما في صدور العالمين جميع خلقه، القائلين آمنا بالله وغيرهم، فإذا أوذي في الله ارتد عن دين الله فكيف يخادع من كان لا يخفى عليه خافية، ولا يستتر عنه سرا ولا علانية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21087 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثن عمي، قال: ثني أبي،
[ 162 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ومن الناس من يقول آمنا بالله، فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله قال: فتنته أن يرتد عن دين الله إذا أوذي في الله. 21088 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله... إلى قوله وليعلمن المنافقين قال: أناس يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا، فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة. 21089 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: قوله: ومن الناس من يقول آمنا بالله... الآية، نزلت في نا س من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا وأصابهم بلاء من المشركين، رجعوا إلى الكفر مخافة من يؤذيهم، وجعلوا أذى الناس في الدنيا كعذاب الله. 21090 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قول الله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله قال: هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين كفر، وجعل فتنة الناس كعذاب الله. وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل الايمان كانوا بمكة، فخرجوا مهاجرين، فأدركوا وأخذوا فأعطوا المشركين لما نالهم أذاهم ما أرادوا منهم. ذكر الخبر بذلك: 21091 - حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بإسلامهم، فأخرجهم المشركون، يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم... إلى آخر الآية، قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية أن لا عذر لهم، فخرجوا، فلحقهم المشركون، فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية: ومن الناس من يقول آمنا بالله، فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله... إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم: ثم إن ربك للذين
[ 163 ]
هاجروا من بعد ما فتنوا، ثم جاهدوا وصبروا، إن ربك من بعدها لغفور رحيم فكتبوا إليهم بذلك: إن الله قد جعل لكم مخرجا، فخرجوا، فأدركهم المشركون، فقاتلوهم، حتى نجا من نجا، وقتل من قتل. 21092 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ومن الناس من يقول آمنا بالله، فإذا أوذي في الله... إلى قوله وليعلمن المنافقين قال: هذه الآيات أنزلت في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة، وهذه الآيات العشر مدنية إلى ههنا وسائرها مكي. القول في تأويل قوله تعالى: * (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) *. يقول تعالى ذكره: وليعلمن الله أولياء الله، وحزبه أهل الايمان بالله منكم أيها القوم، وليعلمن المنافقين منكم حتى يميزوا كل فريق منكم من الفريق الآخر، بإظهار الله ذلك منكم بالمحن والابتلاء والاختبار وبمسارعة المسارع منكم إلى الهجرة من دار الشرك إلى دار الاسلام، وتثاقل المتثاقل منكم عنها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون) *. يقول تعالى ذكره: وقال الذين كفروا بالله من قريش للذين آمنوا بالله منهم: اتبعوا سبيلنا يقول: قالوا: كونوا على مثل ما نحن عليه من التكذيب بالبعث بعد الممات وجحود الثواب والعقاب على الاعمال ولنحمل خطاياكم يقول: قالوا فإنكم إن اتبعتم سبيلنا في ذلك، فبعثتم من بعد الممات، وجوزيتم على الاعمال، فإنا نتحمل آثام خطاياكم حينئذ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21093 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم قال: قول كفار قريش بمكة لمن آمن منهم، يقول: قالوا: لا نبعث نحن ولا أنتم، فاتبعونا إن كان عليكم شئ فهو علينا.
[ 164 ]
21094 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وقال الذين كفروا هم القادة من الكفار، قالوا لمن آمن من الاتباع: اتركوا دين محمد واتبعوا ديننا، وهذا أعني قوله اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وإن كان خرج مخرج الامر، فإن فيه تأويل الجزاء، ومعناه ما قلت: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، كما قال الشاعر: فقلت ادعي وأدع فإن أندى لصوت أن ينادي داعيان يريد: ادعي ولادع، ومعناه: إن دعوت دعوت. وقوله: وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون وهذا تكذيب من الله للمشركين القائلين للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم يقول جل ثناؤه: وكذبوا في قيلهم ذلك لهم، ما هم بحاملين من آثام خطاياهم من شئ، إنهم لكاذبون فيما قالوا لهم ووعدوهم، من حمل خطاياهم إن هم اتبعوهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) *. يقول تعالى ذكره: وليحملن هؤلاء المشركون بالله القائلون للذين آمنوا به اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم أوزار أنفسهم وآثامها، وأوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم، وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يكذبونهم في الدنيا بوعدهم إياهم الاباطيل، وقيلهم لهم: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم فيفترون الكذب بذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21095 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وليحملن أثقالهم أي أوزارهم وأثقالا مع أثقالهم يقول: أوزار من أضلوا. 21096 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وليحملن أثقالهم، وأثقالا مع أثقالهم. وقرأ قوله: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم
[ 165 ]
القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون قال: فهذا قوله وأثقالا مع أثقالهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) *. وهذا وعيد من الله تعالى ذكره هؤلاء المشركين من قريش، القائلين للذين آمنوا: اتبعوا سبيلنا، ولنحمل خطاياكم، يقول لنبيه محمد (ص): لا يحزننك يا محمد ما تلقى من هؤلاء المشركين أنت وأصحابك من الاذى، فإني وإن أمليت لهم فأطلت إملاءهم، فإن مصير أمرهم إلى البوار، ومصير أمرك وأمر أصحابك إلى العلو والظفر بهم، والنجاة مما يحل بهم من العقاب، كفعلنا ذلك بنوح، إذ أرسلناه إلى قومه، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى التوحيد، وفراق الآلهة والاوثان، فلم يزدهم ذلك من دعائه إياهم إلى الله من الاقبال إليه، وقبول ما أتاهم به من النصيحة من عند الله إلا فرارا. وذكر أنه أرسل إلى قومه وهو ابن ثلاث مئة وخمسين سنة، كما: 21097 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: ثنا نوح بن قيس، قال: ثنا عون بن أبي شداد، قال: إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاث مئة سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاث مئة سنة فأخذهم الطوفان، يقول تعالى ذكره: فأهلكهم الماء الكثير، وكل ماء كثير فاش طام، فهو عند العرب طوفان، سيلا كان أو غيره، وكذلك الموت إذا كان فاشيا كثيرا، فهو أيضا عندهم طوفان ومنه قول الراجز: (أفناهم طوفان موت جارف) وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21098 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأخذهم الطوفان قال: هو الماء الذي أرسل عليهم.
[ 166 ]
21099 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: الطوفان: الغرق. وقوله: وهم ظالمون يقول: وهم ظالمون أنفسهم بكفرهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين) *. يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحا وأصحاب سفينته، وهم الذين حملهم في سفينته من ولده وأزواجهم. وقد بينا ذلك فيما مضى قبل، وذكرنا الروايات فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وجعلناها آية العالمين يقول: وجعلنا السفينة التي أنجيناه وأصحابه فيها عبرة وعظة للعالمين، وحجة عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21100 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، قوله فأنجيناه وأصحاب السفينة... الآية. قال: أبقاها الله آية للناس بأعلى الجودي. ولو قيل: معنى: وجعلناها آية للعالمين وجعلنا عقوبتنا إياهم آية للعالمين، وجعل الهاء والالف في قوله وجعلناها كناية عن العقوبة أو السخط، ونحو ذلك، إذ كان قد تقدم ذلك في قوله فأخذهم الطوفان وهم ظالمون كان وجها من التأويل. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 167 ]
* (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واذكر أيضا يا محمد إبراهيم خليل الرحمن، إذ قال لقومه: اعبدوا الله أيها القوم دون غيره من الاوثان والاصنام، فإنه لا إله لكم غيره، واتقوه يقول: واتقوا سخطه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم مما هو شر لكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل خليله إبراهيم لقومه: إنما تعبدون أيها القوم من دون الله أوثانا، يعني مثلا. كما: 21101 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله إنما تعبدون من دون الله أوثانا أصناما. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وتخلقون إفكا فقال بعضهم: معناه: وتصنعون كذبا. ذكر من قال ذلك: 21102 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وتخلقون إفكا يقول: تصنعون كذبا. وقال آخرون: وتقولون كذبا. ذكر من قال ذلك: 21103 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وتخلقون إفكا يقول: وتقولون إفكا. 21104 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث: قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وتخلقون إفكا يقول: تقولون كذبا.
[ 168 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتنحتون إفكا. ذكر من قال ذلك: 21105 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله وتخلقون إفكا قال: تنحتون تصورون إفكا. 21106 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وتخلقون إفكا أي تصنعون أصناما. 21107 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وتخلقون إفكا الاوثان التي ينحتونها بأيديهم. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: وتصنعون كذبا. وقد بينا معنى الخلق فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. فتأويل الكلام إذن: إنما تعبدون من دون الله أوثانا، وتصنعون كذبا وباطلا. وإنما في قوله إفكا مردود على إنما، كقول القائل: إنما تفعلون كذا، وإنما تفعلون كذا. وقرأ جميع قراء الامصار: وتخلقون إفكا بتخفيف الخاء من قوله: وتخلقون وضم اللام: من الخلق. وذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ: وتخلقون إفكا بفتح الخاء وتشديد اللام من التخليق. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الامصار، لاجماع الحجة من القراء عليه. وقوله: إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا يقول جل ثناؤه: إن أوثانكم التي تعبدونها، لا تقدر أن ترزقكم شيئا فابتغوا عند الله الرزق يقول: فالتمسوا عند الله الرزق لا من عند أوثانكم، تدركوا ما تبتغون من ذلك واعبدوه يقول: وذلوا له واشكروا له على رزقه إياكم، ونعمه التي أنعمها عليكم. يقال: شكرته وشكرت له، (والثانية) أفصح من شكرته. وقوله: إليه ترجعون يقول: إلى الله تردون من بعد مماتكم، فيسألكم عما أنتم عليه من عبادتكم غيره وأنتم عباده وخلقه، وفي نعمه تتقلبون، ورزقه تأكلون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 169 ]
* (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين) *. يقول تعالى ذكره: وإن تكذبوا أيها الناس رسولنا محمدا (ص) فيما دعاكم إليه من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم، والبراءة من الاوثان، فقد كذبت جماعات من قبلكم رسلها فيما دعتهم إليه الرسل من الحق، فحل بها من الله سخطه، ونزل بها منه عاجل عقوبت، فسبيلكم سبيلها فيما هو نازل بكم بتكذيبكم إياه وما على الرسول إلا البلاغ المبين يقول: وما على محمد إلا أن يبلغكم رسالته، ويؤدي إليكم ما أمره بأدائه إليكم ربه. ويعني بالبلاغ المبين: يبين لمن سمعه ما يراد به، ويفهم به ما يعني به. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ئ قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير) *. يقول تعالى ذكره: أو لم يروا كيف يستأنف الله خلق الاشياء طفلا صغيرا، ثم غلاما يافعا، ثم رجلا مجتمعا، ثم كهلا. يقال منه: أبدأ وأعاد، وبدأ وعاد، لغتان بمعنى واحد. وقوله: ثم يعيده يقول: ثم هو يعيده من بعد فنائه وبلاه، كما بدأه أول مرة خلقا جديدا، لا يتعذر عليه ذلك إن ذلك على الله يسير سهل كما كان يسيرا عليه إبداؤه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21108 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده: بالبعث بعد الموت. وقوله: قل سيروا في الارض يقول تعالى ذكره لمحمد (ص): قل يا محمد للمنكرين للبعث بعد الممات، الجاحدين الثواب والعقاب: سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الله الاشياء وكيف أنشأها وأحدثها وكما أوجدها وأحدثها ابتداء، فلم يتعذر عليه إحداثها مبدئا، فكذلك لا يتعذر عليه إنشاؤها معيدا ثم الله ينشئ النشأة الآخرة يقول:
[ 170 ]
ثم الله يبدئ تلك البدأة الآخرة بعد الفناء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21109 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق خلق السموات والارض ثم الله ينشئ النشأة الآخرة: أي البعث بعد الموت. 21110 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ثم الله ينشئ النشأة الآخرة قال: هي الحياة بعد الموت، وهو النشور. وقوله: إن الله على كل شئ قدير يقول تعالى ذكره: إن الله على إنشاء جميع خلقه بعد إفنائه كهيئته قبل فنائه، وعلى غير ذلك مما يشاء فعله قادر لا يعجزه شئ أراده. القول في تأويل قوله تعالى: * (يعذب من يشآء ويرحم من يشآء وإليه تقلبون ئ وما أنتم بمعجزين في الارض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) *. يقول تعالى ذكره: ثم الله ينشئ النشأة الآخرة خلقه من بعد فنائهم، فيعذب من يشاء منهم على ما أسلف من جرمه في أيام حياته، ويرحم من يشاء منهم ممن تاب وآمن وعمل صالحا وإليه تقلبون يقول: وإليه ترجعون وتردون. وأما قوله: وما أنتم بمعجزين في الارض ولا في السماء فإن ابن زيد قال في ذلك ما: 21111 - حدثني يونس، قال: أخبرن ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وما أنتم بمعجزين في الارض ولا في السماء قال: لا يعجزه أهل الارضين في الارضين ولا أهل السموات في السموات إن عصوه، وقرأ: مثقال ذرة في السموات ولا في الارض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين. وقال في ذلك بعض أهل العربية من أهل البصرة: وما أنتم بمعجزين من في الارض
[ 171 ]
ولا من في السماء معجزين قال: وهو من غامض العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني. قال: ومثله قول حسان بن ثابت: أمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء ؟ أراد: ومن ينصره ويمدحه، فأضمر من. قال: وقد يقع في وهم السامع أن النصر والمدح لمن هذه الظاهرة ومثله في الكلام: أكرم من أتاك وأتى أباك، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا. تريد: ومن لم يأت زيدا، فيكتفي باختلاف الافعال من إعادة من، كأنه قال: أمن يهجو، ومن يمدحه، ومن ينصره. ومنه قول الله عزوجل: ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار وهذا القول أصح عندي في المعنى من القول الآخر، ولو قال قائل: معناه: ولا أنتم بمعجزين في الارض، ولا أنتم لو كنتم في السماء بمعجزين كان مذهبا. وقوله: وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير يقول: وما كان لكم أيها الناس من دون الله من ولي يلي أموركم، ولا نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوءا ولا يمنعكم منه إن أحل بكم عقوبته. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين كفروا بآيات الله ولقآئه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: والذين كفروا حجج الله، وأنكروا أدلته، وجحدوا لقاءه والورود عليه، يوم تقوم الساعة أولئك يئسوا من رحمتي يقول تعالى ذكره: أولئك يئسوا من رحمتي في الآخرة لما عاينوا ما أعد لهم من العذاب، وأولئك لهم عذاب موجع. فإن قال قائل: وكيف اعترض بهذه الآيات من قوله وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم... إلى قوله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون وترك ضمير قوله فما كان جواب قومه وهو من قصة إبراهيم. وقوله إن الذين تعبدون من دون الله... إلى قوله فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون. قيل: فعل ذلك كذلك، لان الخبر عن أمر نوح وإبراهيم وقومهما، وسائر من ذكر الله من الرسل والامم في هذه السورة وغيرها، إنما هو تذكير من الله تعالى ذكره به الذين
[ 172 ]
يبتدئ بذكرهم قبل الاعتراض بالخبر، وتحذير منه لهم أن يحل بهم ما حل بهم، فكأنه قيل في هذا الموضع: فاعبدوه واشكروا له إليه ترجعون، فكذبتم أنتم معشر قريش رسولكم محمد ا، كما كذب أولئك إبراهيم، ثم جعل مكان: فكذبتم: وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم، إذ كان ذلك يدل على الخبر عن تكذيبهم رسولهم، ثم عاد إلى الخبر عن إبراهيم وقومه، وتتميم قصته وقصتهم بقوله فما كان جواب قومه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: فلم يكن جواب قوم إبراهيم له إذ قال لهم: اعبدوا الله واتقوه، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إلا أن قال بعضهم لبعض: اقتلوه أو حرقوه بالنار، ففعلوا، فأرادوا إحراقه بالنار، فأضرموا له النار، فألقوه فيها، فأنجاه الله منها، ولم يسلطها عليه، بل جعلها عليه بردا وسلاما. كما: 21112 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فما كان جواب قوم إبراهيم إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه، فأنجاه الله من النار قال: قال كعب: ما حرقت منه إلا وثاقه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون يقول تعالى ذكره: إن في إنجائنا لابراهيم من النار، وقد ألقي فيها وهي تسعر، وتصييرها عليه بردا وسلاما، لادلة وحججا لقوم يصدقون بالادلة والحجج إذا عاينوا ورأوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لقومه: وقال إبراهيم لقومه: يا قوم إنما اتخذتم من دون الله أوثانا. واختلفت القراء في قراءة قوله: مودة بينكم فقرأته عامة قراء المدينة والشأم وبعض الكوفيين: مودة بنصب مودة بغير إضافة بينكم بنصبها. وقرأ ذلك بعض الكوفيين: مودة بينكم بنصب المودة وإضافتها إلى قوله بينكم، وخفض بينكم.
[ 173 ]
وكأن هؤلاء الذين قرءوا قوله: مودة نصبا وجهوا معنى الكلام إلى: إنما اتخذتم أيها القوم أوثانا مودة بينكم، فجعلوا إنما حرفا واحدا، وأوقعوا قوله اتخذتم على الاوثان، فنصبوها بمعنى: اتخذتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا، تتحابون على عبادتها، وتتوادون على خدمتها، فتتواصلون عليها. وقرأ ذلك بعض قراء أهل مكة والبصرة: مودة بينكم برفع المودة وإضافتها إلى البين، وخفض البين. وكأن الذين قرءوا ذلك كذلك، جعلوا إن ما حرفين، بتأويل: إن الذين اتخذتم من دون الله أوثانا إنما هو مودتكم للدنيا، فرفعوا مودة على خبر إن. وقد يجوز أن يكونوا على قراءتهم ذلك رفعا بقوله إنما أن تكون حرفا واحدا، ويكون الخبر متناهيا عند قوله إنما اتخذتم من دون الله أوثانا ثم يبتدئ الخبر فيقال: ما مودتكم تلك الاوثان بنافعتكم، إنما مودة بينكم في حياتكم الدنيا، ثم هي منقطعة، وإذا أريد هذا المعنى كانت المودة مرفوعة بالصفة بقوله في الحياة الدنيا وقد يجوز أن يكونوا أرادوا برفع المودة، رفعها على ضمير هي. وهذه القراءات الثلاث متقاربات المعاني، لان الذين اتخذوا الاوثان آلهة يعبدونها، اتخذوها مودة بينهم، وكانت لهم في الحياة الدنيا مودة، ثم هي عنهم منقطعة، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب، لتقارب معاني ذلك، وشهرة القراءة بكل واحد ة منهن في قراء الامصار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21113 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض، ويلعن بعضكم بعضا قال: صارت كل خلة في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خلة المتقين. وقوله: ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض، ويلعن بعضكم بعضا يقول تعالى ذكره: ثم يوم القيامة أيها المتوادون على عبادة الاوثان والاصنام، والمتواصلون على خدماتها عند ورودكم على ربكم، ومعاينتكم ما أعد الله لكم على التواصل، والتواد في الدنيا من ألم العذاب يكفر بعضكم ببعض يقول: يتبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضا. وقوله: ومأواكم النار يقول جل ثناؤه: ومصير جميعكم أيها العابدون الاوثان وما تعبدون النار وما لكم من ناصرين يقول: وما لكم أيها القوم المتخذو الآلهة، من
[ 174 ]
دون الله مودة بينكم من أنصار ينصرونكم من الله حين يصليكم نار جهنم، فينقذونكم من عذابه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: فصدق إبراهيم خليل الله لوط وقال إني مهاجر إلى ربي يقول: وقال إبراهيم: إني مهاجر دار قومي إلى ربي إلى الشام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21114 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فآمن له لوط قال: صدق لوط وقال إني مهاجر إلى ربي قال: هو إبراهيم. 21115 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فآمن له لوط أي فصدقه لوط وقال إني مهاجر إلى ربي قال: هاجرا جميعا من كوثى، وهي من سواد الكوفة إلى الشام. قال: وذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز أهل الارض إلى مهاجر إبراهيم، ويبقي في الارض شرار أهلها، حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير. 21116 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فآمن له لوط قال: صدقه لوط، صدق إبراهيم قال: أرأيت المؤمنين، أليس آمنوا لرسول الله (ص) ما جاء به ؟ قال: فالايمان: التصديق. وفي قوله: إني مهاجر إلى ربي قال: كانت هجرته إلى الشأم. وقال ابن زيد في حديث الذئب الذي كلم الرجل، فأخبر به النبي (ص)، فقال رسول الله (ص): فآمنت له أنا وأبو بكر وعمر، وليس أبو بكر ولا عمر معه يعني آمنت له: صدقته. 21117 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي قال: إلى حران، ثم أمر بعد بالشأم الذي
[ 175 ]
هاجر إبراهيم، وهو أول من هاجر يقول: فآمن له لوط وقال إبراهيم إني مهاجر... الآية. 21118 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إبراهيم القائل: إني مهاجر إلى ربي. وقوله: إنه هو العزيز الحكيم يقول: إن ربي هو العزيز الذي لا يذل من نصره، ولكنه يمنعه ممن أراده بسوء، وإليه هجرته، الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفه إياهم فيما صرفهم فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) *. يقول تعالى ذكره: ورزقناه من لدنا إسحاق ولدا، ويعقوب من بعده ولد ولد. كما: 21119 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ووهبنا له إسحاق ويعقوب قال: هما ولدا إبراهيم. وقوله: وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب بمعنى الجمع، يراد به الكتب، ولكنه خرج مخرج قولهم: كثر الدرهم والدينار عند فلان. وقوله: وآتيناه أجره في الدنيا يقول تعالى ذكره: وأعطيناه ثواب بلائه فينا في الدنيا وإنه مع ذلك في الآخرة لمن الصالحين فله هناك أيضا جزاء الصالحين، غير منتقص حظه بما أعطى في الدنيا من الاجر على بلائه في الله، عما له عنده في الآخرة. وقيل: إن الاجر الذي ذكره الله عزوجل، أنه آتاه إبراهيم في الدنيا هو الثناء الحسن، والولد الصالح. ذكر من قال ذلك: 21120 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وآتيناه أجره في الدنيا قال: الثناء. 21121 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث قال: أرسل مجاهد رجلا يقال له قاسم إلى عكرمة يسأله عن قوله وآتيناه أجره في الدنيا. وإنه في الآخرة لمن
[ 176 ]
الصالحين قال: قال أجره في الدنيا أن كل ملة تتولاه، وهو عند الله من الصالحين، قال: فرجع إلى مجاهد فقال: أصاب. 21122 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن مندل، عمن ذكره، عن ابن عباس وآتيناه أجره في الدنيا قال: الولد الصالح والثناء. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وآتيناه أجره في الدنيا يقول: الذكر الحسن. 21123 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وآتيناه أجره في الدنيا قال: عافية وعملا صالحا، وثناء حسنا، فلست بلاق أحدا من الملل إلا يرى إبراهيم ويتولاه وإنه في الآخرة لمن الصالحين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واذكر لوطا إذ قال لقومه: إنكم لتأتون الذكران ما سبقكم بها يعني بالفاحشة التي كانوا يأتونها، وهي إتيان الذكران من أحد من العالمين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21124 - حدثني محمد بن خالد بن خداش ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار، في قوله إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين قال: ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط. القول في تأويل قوله تعالى: * (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل لوط لقومه أئنكم أيها القوم لتأتون الرجال في أدبارهم وتقطعون السبيل يقول: وتقطعون المسافرين عليكم بفعلكم الخبيث، وذلك
[ 177 ]
أنهم فيما ذكر عنهم كانوا يفعلون ذلك بمن مر عليهم من المسافرين، من ورد بلادهم من الغرباء. ذكر من قال ذلك: 21125 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وتقطعون السبيل قال: السبيل: الطريق. المسافر إذا مر بهم، وهو ابن السبيل قطعوا به، وعملوا به ذلك العمل الخبيث. وقوله: وتأتون في ناديكم المنكر اختلف أهل التأويل في المنكر الذي عناه الله، الذي كان هؤلاء القوم يأتونه في ناديهم، فقال بعضهم: كان ذلك أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم. ذكر من قال ذلك: 21126 - حدثني عبد الرحمن بن الاسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، قال: ثنا روح بن عطيفة الثقفي، عن عمرو بن مصعب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، في قوله وتأتون في ناديكم المنكر قال: الضراط. وقال آخرون: بل كان ذلك أنهم كانوا يخذفون من مر بهم. ذكر من قال ذلك: 21127 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا: ثنا أبو أسامة، عن حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن أبي صالح، عن أم هانئ، قالت: سألت النبي (ص) عن قوله وتأتون في ناديكم المنكر قال: كانوا يخذفون أهل الطريق ويسخرون منهم فهو المنكر الذي كانوا يأتون. 21128 - حدثنا الربيع، قال: ثنا أسد، قال: ثنا أبو أسامة، بإسناده عن النبي (ص)، مثله. * - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا سليم بن أخضر، قال: ثنا أبو يونس القشيري، عن سماك بن حرب، عن أبي صالح مولى أم هانئ، أن أم هانئ سئلت عن هذه الآية وتأتون في ناديكم المنكر فقالت: سألت عنها رسول الله (ص)، فقال: كانوا يخذفون أهل الطريق، ويسخرون منهم. 21129 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عمر بن أبي
[ 178 ]
زائدة، قال: سمعت عكرمة يقول في قوله وتأتون في ناديكم المنكر قال: كانوا يؤذون أهل الطريق يخذفون من مر بهم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن عمر بن أبي زائدة، قال: سمعت عكرمة قال: الخذف. 21130 - حدثنا موسى، قال: أخبرنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي وتأتون في ناديكم المنكر قال: كان كل من مر بهم خذفوه فهو المنكر. * - حدثنا الربيع، قال: ثنا أسد، قال: ثنا سعيد بن زيد، قال: ثنا حاتم بن أبي صغيرة، قال: ثنا سماك بن حرب، عن باذام، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن أم هانئ، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية وتأتون في ناديكم المنكر قال: كانوا يجلسون بالطريق، فيخذفون أبناء السبيل، ويسخرون منهم. وقال بعضهم: بل كان ذلك إتيانهم الفاحشة في مجالسهم. ذكر من قال ذلك: 21131 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان يأتي بعضهم بعضا في مجالسهم، يعني قوله وتأتون في ناديكم المنكر. * - حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا ثابت بن محمد الليثي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد، في قوله وتأتون في ناديكم المنكر قال: كان يجامع بعضهم بعضا في المجالس. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد وتأتون في ناديكم المنكر قال: كان يأتي بعضهم بعضا في المجالس. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وتأتون في ناديكم المنكر قال: المجالس، والمنكر: إتيانهم الرجال. 21132 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وتأتون في ناديكم المنكر قال: كانوا يأتون الفاحشة في ناديهم.
[ 179 ]
21133 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وتأتون في ناديكم المنكر قال: ناديهم: المجالس، والمنكر: عملهم الخبيث الذي كانوا يعملونه، كانوا يعترضون بالراكب فيأخذونه ويركبونه. وقرأ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، وقرأ ما سبقكم بها من أحد من العالمين. 21134 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله وتأتون في ناديكم المنكر يقول: في مجالسكم. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: وتحذفون في مجالسكم المارة بكم، وتسخرون منهم لما ذكرنا من الرواية بذلك عن رسول الله (. ص). وقوله: فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين يقول تعالى ذكره: فلم يكن جواب قوم لوط إذ نهاهم عما يكرهه الله من إتيان الفواحش التي حرمها الله إلا قيلهم: ائتنا بعذاب الله الذي تعدنا، إن كنت من الصادقين فيما تقول، والمنجزين لما تعد. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال رب انصرني على القوم المفسدين ئ ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين) *. يقول تعالى ذكره: ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى من الله بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية يقول: قالت رسل الله لابراهيم: إنا مهلكو أهل هذه القرية، قرية سدوم، وهي قرية قوم لوط إن أهلها كانوا ظالمين يقول: إن أهلها كانوا ظالمي أنفسهم بمعصيتهم الله، وتكذيبهم رسول الله (ص). 21135 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى... إلى قوله نحن أعلم بمن فيها قال: فجادل إبراهيم الملائكة في قوم لوط أن يتركوا، قال: فقال أرأيتم إن كان فيها عشرة أبيات من المسلمين أتتركونهم ؟ فقالت الملائكة: ليس فيها عشرة أبيات، ولا خمسة، ولا أربعة، ولا ثلاثة، ولا اثنان قال: فحزن على لوط وأهل بيته، فقال إن
[ 180 ]
فيها لوطا، قالوا نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله، إلا امرأته كانت من الغابرين فذلك قوله: يجادلنا في قوم لوط، إن إبراهيم لحليم أواه منيب. فقالت الملائكة: يا إبراهيم أعرض عن هذا، إنه قد جاء أمر ربك، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود فبعث الله إليهم جبرائيل (ص)، فانتسف المدينة وما فيها بأحد جناحية، فجعل عاليها سافلها، وتتبعهم بالحجارة بكل أرض. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) *. يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للرسل من الملائكة، إذ قالوا له: إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين فلم يستثنوا منهم أحدا، إذ وصفوهم بالظلم: إن فيها لوطا، وليس من الظالمين، بل هو من رسل الله، وأهل الايمان به، والطاعة له، فقالت الرسل له: نحن أعلم بمن فيها من الظالمين الكافرين بالله منك، وإن لوطا ليس منهم، بل هو كما قلت من أولياء الله، لننجينه وأهله من الهلاك الذي هو نازل بأهل قريته إلا امرأته كانت من الغابرين الذين أبقتهم الدهور والايام، وتطاولت أعمارهم وحياتهم، وأنهم هالكة من بين أهل لوط مع قومها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولمآ أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين) *. يقول تعالى ذكره: ولما أن جاءت رسلنا لوطا من الملائكة سئ بهم يقول: ساءته الملائكة بمجيئهم إليه، وذلك أنهم تضيفوه، فساءوه بذلك، فقوله سئ بهم: فعل بهم، من ساءه بذلك. وذكر عن قتادة أنه كان يقول: ساء ظنه بقومه، وضاق بضيفه ذرعا. 21136 - حدثنا بذلك الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا
[ 181 ]
معمر عنه وضاق بهم ذرعا يقول: وضاق ذرعه بضيافتهم لما علم من خبث فعل قومه. كما: * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا قال: بالضيافة مخافة عليهم مما يعلم من شر قومه. وقوله: وقالوا لا تخف ولا تحزن يقول تعالى ذكره: قالت الرسل للوط: لا تخف علينا أن يصل إلينا قومك، ولا تحزن مما أخبرناك من أنا مهلكوهم، وذلك أن الرسل قالت له: يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل إنا منجوك من العذاب الذي هو نازل بقومك وأهلك يقول: ومنجو أهلك معك إلا امرأتك فإنها هالكة فيمن يهلك من قومها، كانت من الباقين الذين طالت أعمارهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الرسل للوط إنا منزلون يا لوط على أهل هذه القرية سدوم رجزا من السماء يعني عذابا. كما: 21137 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا: أي عذابا. وقد بينا معنى الرجز وما فيه من أقوال أهل التأويل فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: بما كانوا يفسقون يقول: بما كانوا يأتون من معصية الله، ويركبون من الفاحشة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد تركنا منهآ آية بينة لقوم يعقلون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد أبقينا من فعلتنا التي فعلنا بهم آية، يقول: عبرة بينة وعظة
[ 182 ]
واعظة، لقوم يعقلون عن الله حججه، ويتفكرون في مواعظه، وتلك الآية البينة هي عندي عفو آثارهم، ودروس معالمهم. وذكر عن قتادة في ذلك ما: 21138 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون قال: هي الحجارة التي أمطرت عليهم. 21139 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله منها آية بينة قال: عبرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الارض مفسدين) *. يقول تعالى ذكره: وأرسلت إلى مدين أخاهم شعيبا، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده، وذلوا له بالطاعة، واخضعوا له بالعبادة وارجوا اليوم الآخر يقول: وارجوا بعبادتكم إياي جزاء اليوم الآخر، وذلك يوم القيامة ولا تعثوا في الارض مفسدين يقول: ولا تكثروا في الارض معصية الله، ولا تقيموا عليها، ولكن توبوا إلى الله منها وأنيبوا. وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يتأول قوله: وارجوا اليوم الآخر بمعنى: واخشوا اليوم الآخر. وكان غيره من أهل العلم بالعربية ينكر ذلك ويقول: لم نجد الرجاء بمعنى الخوف في كلام العرب إلا إذا قارنه الجحد. القول في تأويل قوله تعالى: * (فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) *. يقول تعالى ذكره: فكذب أهل مدين شعيبا فيما أتاهم به عن الله من الرسالة، فأخذتهم رجفة العذاب فأصبحوا في دارهم جاثمين جثوما، بعضهم على بعض موتى. كما: 21140 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فأصبحوا في دارهم جاثمين: أي ميتين. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 183 ]
* (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين) *. يقول تعالى ذكره: واذكروا أيها القوم عادا وثمود، وقد تبين لكم من مساكنهم خرابها وخلاؤها منهم بوقائعنا بهم، وحلول سطوتنا بجميعهم وزين لهم الشيطان أعمالهم يقول: وحسن لهم الشيطان كفرهم بالله، وتكذيبهم رسله فصدهم عن السبيل يقول: فردهم بتزيينه لهم ما زين لهم من الكفر، عن سبيل الله، التي هي الايمان به ورسله، وما جاءوهم به من عند ربهم وكانوا مستبصرين يقول: وكانوا مستبصرين في ضلالتهم، معجبين بها، يحسبون أنهم على هدى وصواب، وهم على الضلال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21141 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله فصدهم عن السبيل، وكانوا مستبصرين يقول: كانوا مستبصرين في دينهم. 21142 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وكانوا مستبصرين في الضلالة. 21143 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكانوا مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها. 21144 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله وكانوا مستبصرين يقول: في دينهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين) *. يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد قارون وفرعون وهامان، ولقد جاء جميعهم موسى بالبينات، يعني بالواضحات من الآيات، فاستكبروا في الارض عن التصديق بالبينات من
[ 184 ]
الآيات، وعن اتباع موسى صلوات الله عليه وما كانوا سابقين: يقول تعالى ذكره: وما كانوا سابقينا بأنفسهم، فيفوتونا، بل كنا مقتدرين عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) *. يقول تعالى ذكره: فأخذنا جميع هذه الامم التي ذكرناها لك يا محمد بعذابنا فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا وهم قوم لوط، الذين أمطر الله عليهم حجارة من سجيل منضود، والعرب تسمي الريح العاصف التي فيها الحصى الصغار أو الثلج أو البرد والجليد حاصبا ومنه قول الاخطل: ولقد علمت إذا العشار تروحت هدج الرئال يكبهن شمالا ترمي العضاه بحاصب من ثلجها حتى يبيت على العضاه جفالا وقال الفرزدق: مستقبلين شمال الشأم تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21145 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا قوم لوط. 21146 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا وهم قوم لوط. ومنهم من أخذته الصيحة. اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بذلك، فقال بعضهم: هم ثمود قوم صالح. ذكر من قال ذلك: 21147 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس ومنهم من أخذته الصيحة ثمود. وقال آخرون: بل هم قوم شعيب. ذكر من قال ذلك:
[ 185 ]
21148 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومنهم من أخذته الصيحة قوم شعيب. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله قد أخبر عن ثمود وقوم شعيب من أهل مدين أنه أهلكهم بالصيحة في كتابه في غير هذا الموضع، ثم قال جل ثناؤه لنبيه (ص): فمن الامم التي أهلكناهم من أرسلنا عليهم حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، فلم يخصص الخبر بذلك عن بعض من أخذته الصيحة من الامم دون بعض، وكلا الامتين أعني ثمود ومدين قد أخذتهم الصيحة. وقوله: ومنهم من خسفنا به الارض: يعني بذلك قارون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21149 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: ومنهم من خسفنا به الارض قارون ومنهم من أغرقنا يعني: قوم نوح وفرعون وقومه. واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: عني بذلك: قوم نوح عليه السلام. ذكر من قال ذلك: 21150 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: ومنهم من أغرقنا قوم نوح. وقال آخرون: بل هم قوم فرعون. ذكر من قال ذلك: 21151 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومنهم من أغرقنا قوم فرعون. والصواب من القول في ذلك، أن يقال: عني به قوم نوح وفرعون وقومه، لان الله لم يخصص بذلك إحدى الامتين دون الاخرى، وقد كان أهلكهما قبل نزول هذا الخبر عنهما، فهما معنيتان به. وقوله: وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون يقول تعالى ذكره: ولم يكن الله ليهلك هؤلاء الامم الذين أهلكهم بذنوب غيرهم، فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق، بل إنما أهلكهم بذنوبهم، وكفرهم بربهم، وجحودهم نعمه عليهم، مع تتابع
[ 186 ]
إحسانه عليهم، وكثرة أياديه عندهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بتصرفهم في نعم ربهم، وتقلبهم في آلائه وعبادتهم غيره، ومعصيتهم من أنعم عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: مثل الذين اتخذوا الآلهة والاوثان من دون الله أولياء يرجون نصرها ونفعها عند حاجتهم إليها في ضعف احتيالهم، وقبح رواياتهم، وسوء اختيارهم لانفسهم، كمثل العنكبوت في ضعفها، وقلة احتيالها لنفسها، اتخذت بيتا لنفسها، كيما يكنها، فلم يغن عنها شيئا عند حاجتها إليه، فكذلك هؤلاء المشركون لم يغن عنهم حين نزل بهم أمر الله، وحل بهم سخطه أولياؤهم الذين اتخذوهم من دون الله شيئا، ولم يدفعوا عنهم ما أحل الله بهم من سخطه بعبادتهم إياهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21152 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا... إلى آخر الآية، قال: ذلك مثل ضربه الله لمن عبد غيره، إن مثله كمثل بيت العنكبوت. 21153 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت قال: هذا مثل ضربه الله للمشرك مثل إلهه الذي يدعوه من دون الله كمثل بيت العنكبوت واهن ضعيف لا ينفعه. 21154 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا قال: هذا مثل ضربه الله، لا يغني أولياؤهم عنهم شيئا كما لا يغني العنكبوت بيتها هذا. وقوله: وإن أوهن البيوت يقول: وإن أضعف البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون يقول تعالى ذكره: لو كان هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء، يعلمون أن أولياءهم دالذين اتخذوهم من دون الله في قلة غنائهم عنهم، كغناء بيت العنكبوت عنها،
[ 187 ]
ولكنهم يجهلون ذلك، فيحسبون أنهم ينفعونهم ويقربونهم إلى الله زلفى. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم ئ وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) *. اختلف القراء في قراءة قوله: إن الله يعلم ما يدعون فقرأته عامة قراء الامصار تدعون بالتاء بمعنى الخطاب لمشركي قريش إن الله أيها الناس يعلم ما تدعون إليه من دونه من شئ. وقرأ ذلك أبو عمرو: إن الله يعلم ما يدعون بالياء بمعنى الخبر عن الامم، إن الله يعلم ما يدعو هؤلاء الذين أهلكناهم من الامم من دونه من شئ. والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأ بالتاء، لان ذلك لو كان خبرا عن الامم الذين ذكر الله أنه أهلكهم، لكان الكلام: إن الله يعلم ما كانوا يدعون، لان القوم في حال نزول هذا الخبر على نبي الله لم يكونوا موجودين، إذ كانوا قد هلكوا فبادوا، وإنما يقال: إن الله يعلم ما تدعون إذا أريد به الخبر عن موجودين، لا عمن قد هلك. فتأويل الكلام إذ كان الامر كما وصفنا: إن الله يعلم أيها القوم حال ما تعبدون من دونه من شئ، وأن ذلك لا ينفعكم ولا يضركم، إن أراد الله بكم سوءا، ولا يغني عنكم شيئا وإن مثله في قلة غنائه عنكم، مثل بيت العنكبوت في غنائه عنها. وقوله: وهو العزيز الحكيم يقول: والله العزيز في انتقامه ممن كفر به، وأشرك في عبادته معه غيره فاتقوا أيها المشركون به عقابه بالايمان به قبل نزوله بكم، كما نزل بالامم الذين قص الله قصصهم في هذه السورة عليكم، فإنه إن نزل بكم عقابه لم تغن عنكم أولياؤكم الذين اتخذتموهم من دونه أولياء، كما لم يغن عنهم من قبلكم أولياؤهم الذين اتخذوهم من دونه، الحكيم في تدبيره خلقه، فمهلك من استوجب الهلاك في الحال التي هلاكه صلاح، والمؤخر من أخر هلاكه من كفرة خلقه به إلى الحين الذي في هلاكه الصلاح. وقوله: وتلك الامثال نضربها للناس يقول تعالى ذكره: وهذه الامثال، وهي الاشباه والنظائر نضربها للناس يقول: نمثلها ونشبهها ونحتج بها للناس، كما قال الاعشى:
[ 188 ]
هل تذكر العهد من تنمص إذ تضرب لي قاعدا بها مثلا وما يعقلها إلا العالمون يقول تعالى ذكره: وما يعقل أنه أصيب بهذه الامثال التي نضربها للناس منهم الصواب والحق فيما ضربت له مثلا إلا العالمون بالله وآياته. القول في تأويل قوله تعالى: * (خلق الله السماوات والارض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): خلق الله يا محمد السموات والارض وحده منفردا بخلقها، لا يشركه في خلقها شريك إن في ذلك لآية: يقول إن في خلقه ذلك لحجة لمن صدق بالحجج إذا عاينها، والآيات إذا رآها. القول في تأويل قوله تعالى: * (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) اتل يعني اقرأ ما أوحي إليك من الكتاب يعني ما أنزل إليك من هذا القرآن وأقم الصلاة يعني: وأد الصلاة التي فرضها الله عليك بحدودها إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. اختلف أهل التأويل في معنى الصلاة التي ذكرت في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى بها القرآن الذي يقرأ في موضع الصلاة، أو في الصلاة. ذكر من قال ذلك: 21155 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أبي الوفاء، عن أبيه، عن ابن عمر إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قال: القرآن الذي يقرأ في المساجد. وقال آخرون: بل عنى بها الصلاة. ذكر من قال ذلك: 21156 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يقول: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله.
[ 189 ]
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن العلاء بن المسيب، عمن ذكره، عن ابن عباس، في قول الله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته إلا بعدا. 21157 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا خالد، قال: قال العلاء بن المسيب، عن سمرة بن عطية، قال: قيل لابن مسعود، إن فلانا كثير الصلاة، قال: فإنها لا تنفع إلا من أطاعها. قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود، قال: من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهه عن المنكر، لم يزدد بها من الله إلا بعدا. 21158 - قال: ثنا الحسين، قال: ثنا علي بن هاشم بن البريد، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن مسعود، عن النبي (ص) أنه قال: لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر قال: قال سفيان قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك قال: فقال سفيان: إي والله تأمره وتنهاه. 21159 - قال علي: وحدثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: قال رسول الله (ص): من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال: الصلاة إذا لم تنهه عن الفحشاء والمنكر، قال: من تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعدا. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والحسن، قالا: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فإنه لا يزداد من الله بذلك إلا بعدا. والصواب من القول في ذلك أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال ابن عباس وابن مسعود. فإن قال قائل: وكيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر إن لم يكن معنيا بها ما يتلى
[ 190 ]
فيها ؟ قيل: تنهى من كان فيها، فتحول بينه وبين إتيان الفواحش، لان شغله بها يقطعه عن الشغل بالمنكر، ولذلك قال ابن مسعود: من لم يطع صلاته لم يزدد من الله إلا بعدا. وذلك أن طاعته لها إقامته إياها بحدودها، وفي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والمنكر. 21160 - حدثنا أبو حميد الحمصي، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، قال: ثنا أرطاة، عن ابن عون، في قول الله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قال: إذا كنت في صلاة، فأنت في معروف، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر، والفحشاء: هو الزنا. والمنكر: معاصي الله. ومن أتى فاحشة أو عصى الله في صلاته بما يفسد صلاته، فلا شك أنه لا صلاة له. وقوله: ولذكر الله أكبر اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم. ذكر من قال ذلك: 21161 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة، قال: قال لي ابن عباس: هل تدري ما قوله ولذكر الله أكبر قال: قلت: نعم، قال: فما هو ؟ قال: قلت: التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة، وقراءة القرآن ونحو ذلك، قال: لقد قلت قولا عجبا وما هو كذلك، ولكنه إنما يقول: ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم إياه. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن ابن ربيعة، عن ابن عباس قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عبد الله بن ربيعة، قال: سألني ابن عباس، عن قول الله ولذكر الله أكبر فقلت: ذكره بالتسبيح والتكبير والقرآن حسن، وذكره عند المحارم فيحتجز عنها، فقال: لقد قلت قولا عجيبا وما هو كما قلت، ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة، عن ابن عباس ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه. 21162 - حدثنا محمد بن المثنى وابن وكيع، قال ابن المثنى: ثني عبد الاعلى، وقال ابن وكيع: ثنا عبد الاعلى قال: ثنا داود، عن محمد بن أبي موسى، قال: كنت قاعدا
[ 191 ]
عند ابن عباس، فجاءه رجل، فسأل ابن عباس عن ذكر الله أكبر، فقال ابن عباس: الصلاة والصوم قال: ذاك ذكر الله، قال رجل: إني تركت رجلا في رحلي يقول غير هذا، قال: ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله العباد أكبر من ذكر العباد إياه، فقال ابن عباس: صدق والله صاحبك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: حدثني عن قول الله ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له. 21163 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن داود، عن عكرمة ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه. 21164 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية ولذكر الله أكبر قال: هو قوله: فاذكروني أذكركم وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكركم إياه. 21165 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه في الصلاة أو غيرها. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، عن داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى، عن ابن عباس، قال: ذكر الله إياكم إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم إياه. 21166 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عامر، عن أبي قرة، عن سلمان، مثله. 21167 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثني عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرة الحضرمي، قال: سمعت أبا الدرداء، يقول: ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلى مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير من
[ 192 ]
أن تغزوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، وخير من إعطاء الدنانير والدراهم ؟ قالوا: ما هو ؟ قال: ذكركم ربكم، وذكر الله أكبر. 21168 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيان، عن جابر، عن عامر، عن أبي قرة، عن سلمان ولذكر الله أكبر قال: قال ذكر الله إياك أكبر من ذكركم إياه. 21169 - قال: ثني أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: سألت أبا قرة، عن قوله ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. 21170 - قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قالا: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. * - قال: ثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن عطية، عن ابن عباس، قال: هو كقوله: فاذكروني أذكركم فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. * - قال: ثنا حسن بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لربه. 21171 - قال: ثنا أبو يزيد الرازي، عن يعقوب، عن جعفر، عن شعبة، قال: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولذكركم الله أفضل من كل شئ. ذكر من قال ذلك: 21172 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عمر بن أبي زائدة، عن العيزار بن حريث، عن رجل، عن سلمان، أنه سئل: أي العمل أفضل ؟ قال: أما تقرأ القرآن ولذكر الله أكبر: لا شئ أفضل من ذكر الله. 21173 - حدثنا ابن حميد أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا علي بن عياش، قال: ثنا الليث، قال: ثني معاوية، عن ربيعة بن يزيد، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أم الدرداء، أنها قالت: ولذكر الله أكبر فإن صليت فهو من ذكر الله، وإن صمت فهو من ذكر الله، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله وكل شر تجتنبه فهو من ذكر الله، وأفضل ذلك تسبيح الله. 21174 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولذكر الله أكبر
[ 193 ]
قال: لا شئ أكبر من ذكر الله، قال: أكبر الاشياء كلها، وقرأ أقم الصلاة لذكري قال: لذكر الله: وإنه لم يصفه عند القتال إلا أنه أكبر. 21175 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الاعمش، عن أبي إسحاق، قال: قال رجل لسلمان: أي العمل أفضل، قال: ذكر الله. وقال آخرون: هو محتمل للوجهين جميعا، يعنون القول الاول الذي ذكرناه والثاني. ذكر من قال ذلك: 21176 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله ولذكر الله أكبر قال: لها وجهان: ذكر الله أكبر مما سواه، وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس في: ولذكر الله أكبر قال: لها وجهان: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، وذكر الله عند ما حرم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة. ذكر من عباس، في قوله ولذكر الله أكبر قال: لها وجهان: ذكر الله أكبر مما سواه، وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس في: ولذكر الله أكبر قال: لها وجهان: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، وذكر الله عند ما حرم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة. ذكر من قال ذلك: 21177 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي عن أبي مالك، في قوله ولذكر الله أكبر قال: ذكر الله العبد في الصلاة، أكبر من الصلاة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللصلاة التي أتيت أنت بها، وذكرك الله فيها أكبر مما نهتك الصلاة من الفحشاء والمنكر. 21178 - حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، قال: ثنا أرطاة، عن ابن عون، في قول الله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر. قال أبو جعفر: وأشبه هذه الاقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل قول من قال: ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه. وقوله: والله يعلم ما تصنعون يقول: والله يعلم ما تصنعون أيها الناس في
[ 194 ]
صلاتكم من إقامة حدودها، وترك ذلك وغيره من إقامة حدودها، وترك ذلك وغيره من أموركم، وهو مجازيكم على ذلك، يقول: فاتقوا أن تضيعوا شيئا من حدودها،، والله أعلم. (تم الجزء العشرون من تفسير الامام محمد بن جرير الطبري ويليه: الجزء الحادي والعشرون، وأوله: القول في تأويل قوله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب)... الخ