جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 12

[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 ه‍ قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار الجزء السابع عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 2 ]
1415 ه‍ / 1995 م
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) *. يعني تعالى ذكره بقوله: وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها وما تدب دابة في الارض. والدابة: الفاعلة من دب فهو يدب، وهو داب، وهي دابة. إلا على الله رزقها يقول: إلا ومن الله رزقها الذي يصل إليها هو به متكفل، وذلك قوتها وغذاؤها وما به عيشها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال قال: مجاهد، في قوله: وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها قال: ما جاءها من رزق فمن الله، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا، ولكن ما كان من رزق فمن الله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها قال: كل دابة. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها يعني: كل دابة والناس منهم. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن كل ماش فهو دابة، وأن معنى الكلام: وما دابة في الارض، وأن من زائدة.
[ 4 ]
وقوله: ويعلم مستقرها حيث تستقر فيه، وذلك مأواها الذي تأوي إليه ليلا أو نهارا. ومستودعها: الموضع الذي يودعها، إما بموتها فيه أو دفنها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن التيمي، عن ليث، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: مستقرها، حيث تأوي، ومستودعها حيث تموت. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ويعلم مستقرها يقول، حيث تأوى، ومستودعها يقول، إذا ماتت حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن ليث، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: ويعلم مستقرها ومستودعها قال، المستقر: حيث تأوي، والمستودع، حيث تموت. وقال آخرون: مستقرها في الرحم، ومستودعها: في الصلب. ذكر من قال ذلك: حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ويعلم مستقرها: في الرحم، ومستودعها: في الصلب، مثل التي في الانعام. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس، قوله: ويعلم مستقرها ومستودعها فالمستقر: ما كان في الرحم، والمستودع: ما كان في الصلب. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ويعلم مستقرها يقول: في الرحم، ومستودعها في الصلب.
[ 5 ]
وقال آخرون: المستقر: في الرحم، والمستودع: حيث تموت. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثابي ويعلى بن فضيل، عن إسماعيل، عن إبراهيم، عن عبد الله: ويعلم مستقرها ومستودعها قال: مستقرها: الارحام، ومستودعها: الارض التي تموت فيها. قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: ويعلم مستقرها ومستودعها المستقر: الرحم، والمستودع. المكان الذي تموت فيه. وقال آخرون مستقرها: أيام حياتها ومستودعها: حيث تموت فيه. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، قوله: ويعلم مستقرها ومستودعها قال: مستقرها: أيام حياتها، ومستودعها: حيث تموت ومن حيث تبعث. وإنما اخترنا القول الذي اخترناه فيه، لان الله جل ثناؤه أخبر أن ما رزقت الدواب من رزق فمنه، فأولى أن يتبع ذلك أن يعلم مثواها ومستقرها دون الخبر عن علمه بما تضمنته الاصلاب والارحام. ويعني بقوله: كل في كتاب مبين عدد كل دابة، ومبلغ أرزاقها وقدر قرارها في مستقرها، ومدة لبثها في مستودعها، كل ذلك في كتاب عند الله مثبت مكتوب مبين، يبين لمن قرأه أن ذلك مثبت مكتوب قبل أن يخلقها ويوجدها. وهذا إخبار من الله جل ثناؤه الذين كانوا يثنون صدورهم ليستخفوا منه أنه قد علم الاشياء كلها، وأثبتها في كتاب عنده قبل أن يخلقها ويوجدها يقول لهم تعالى ذكره: فمن كان قد علم ذلك منهم قبل أن يوجدهم، فكيف يخفي عليه ما تنطوي عليه نفوسهم إذا ثنوا به صدورهم واستغشوا عليه ثيابهم ؟ القول في تأويل قوله تعالى: * (وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) *. يقول تعالى ذكره: الله الذي إليه مرجعكم أيها الناس جميعا هو الذي خلق
[ 6 ]
السموات والارض في ستة أيام يقول: أفيعجز من خلق ذلك من غير شئ أن يعيدكم أحياء بعد أن يميتكم ؟ وقيل: إن الله تعالى ذكره خلق السموات والارض وما فيهن في الايام الستة، فاجتزى في هذا الموضع بذكر خلق السموات والارض مذكر خلق ما فيهن. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله (ص) بيدي، فقال خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الاحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الاربعاء، وبث فيها من كل دابة يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: في ستة أيام قال: بدأ خلق الارض في يومين، وقدر فيها أقواتها في يومين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن كعب، قال: بدأ الله خلق السموات والارض يوم الاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس، وفرغ منها يوم الجمعة، فخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة قال: فجعل مكان كل يوم ألف سنة. وحدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك: وهو الذي خلق السموات والارض في ستة أيام قال: من أيام الآخرة، كل يوم مقداره ألف سنة ابتدأ في الخلق يوم الاحد، وختم الخلق يوم الجمعة فسميت الجمعة، وسبت يوم السبت فلم يخلق شيئا. وقوله: وكان عرشه على الماء يقول: وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والارض وما فيهن. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق شيئا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
[ 7 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وكان عرشه على الماء ينبئكم ربكم تبارك وتعالى كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والارض. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وكان عرشه على الماء قال: هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء والارض. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين العقيلي، قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والارض ؟ قال: في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. حدثنا ابن وكيع ومحمد بن هارون القطان الرازقي قالا: ثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين. قال: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال: كان في عماء ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. حدثنا خلاد بن أسلم، قال أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا المسعودي، قال: أخبرنا جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز، عن ابن حصين وكان من أصحاب رسول الله (ص) قال: أتى قوم رسول الله (ص)، فدخلوا عليه، فجعل يبشرهم
[ 8 ]
ويقولون: أعطنا حتى ساء ذلك رسول الله (ص). ثم خرجوا من عنده، وجاء قوم آخرون فدخلوا عليه، فقالوا جئنا نسلم على رسول الله (ص) ونتفقه في الدين، ونسأله عن بدء هذا الامر، قال: فاقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك الذين خرجوا قالوا: قبلنا فقال رسول الله (ص): كان الله ولا شئ غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر قبل كل شئ، ثم خلق سبع سموات. ثم أتاني آت، فقال: تلك ناقتك قد ذهبت، فخرجت ينقططع دونها السراب ولوددت أني تركتها. حدثنا محمد بن منصور، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، قال: ثنا عمرو بن أبي قيس، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: وكان عرشه على الماء قال: كان عرش الله على الماء ثم اتخذ لنفسه جنة، ثم اتخذ دونها أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة، قال: ومن دونهما جنتان قال: وهي التي لا تعلم نفس أو قال: وهما التي لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. قال: وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها أو ما فيهما يأتيهم كل يوم منها أو منهما تحفة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن الاعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، قال سئل ابن عباس عن قول الله: وكان عرشه على الماء قال: على أي شئ كان الماء ؟ قال: على متن الريح. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: وكان عرشه على الماء على أي شئ كان الماء ؟ قال: على متن الريح.
[ 9 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن سعيد، عن ابن عباس، مثله. قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ميسر الحلبي، عن أرطاة بن المنذر، قال: سمعت ضمرة يقول: إن الله كان عرشه على الماء، وخلق السموات والارض بالحق، وخلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من الخلق. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: إن العرش كان قبل أن يخلق الله السموات والارض، ثم قبض قبضة من صفاء الماء، ثم فتح القبضة فارتفع دخان، ثم قضاهن سبع سموات في يومين، ثم أخذ طينة من الماء فوضعها مكان البيت، ثم دحا الارض منها، ثم خلق الاقوات في يومين والسموات في يومين وخلق الارض في يومين، ثم فرغ من آخر الخلق يوم السابع. وقوله: ليبلوكم ايكم أحسن عملا يقول تعالى ذكره: وهو الذي خلق السموات والارض أيها الناس، وخلقكم في ستة أيام، ليبلوكم يقول: ليختبركم، أيكم أحسن عملا يقول: أيكم أحسن له طاعة. كما: حدثنا عن داود بن المحبر، قال: ثنا عبد الواحد بن زيد، عن كليب بن وائل، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي (ص): أنه تلا هذه الآية: ليبلوكم أيكم أحسن عملا قال: أيكم أحسن عقلا، وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: ليبلوكم أيكم أحسن عملا يعني الثقلين.) وقوله: ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولئن قلت لهؤلاء المشركين من قومك إنكم مبعوثون أحياء من بعد مماتكم فتلوت عليهم بذلك تنزيلي ووحيي، ليقولن إن هذا إلا سحر مبين أي ما هذا الذي تتلوه علينا مما تقول إلا سحر لسامعه، مبين حقيقته أنه
[ 10 ]
سحر. وهذا على تأويل من قرأ ذلك: إن هذا إلا سحر مبين وأما من قرأ: إن هذا إلا ساحر مبين فإنه يوجه الخبر بذلك عنه إلى أنهم وصفوا رسول الله (ص) بأنه فيما أتاهم به من ذلك ساحر مبين. وقد بينا الصواب من القراءة في ذلك في نظائره فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته ههنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) *. يقول تعالى ذكره: ولئن أخرنا عن هؤلاء المشركين من قومك يا محمد العذاب فلم نعجله لهم، وأنسأنا في آجالهم إلى أمة معدودة ووقت محدود وسنين معلومة. وأصل الامة ما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا أنها الجماعة من الناس تجتمع على مذهب ودين، ثم تستعمل في معان كثيرة ترجع إلى معنى الاصل الذي ذكرت. وإنما قيل للسنين المعدودة والحين في هذا الموضع ونحوه أمة، لان فيها تكون الامة. وإنما معنى الكلام: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى مجئ أمة وانقراض أخرى قبلها. وبنحو الذي قلنا من أن معنى الامة في هذا الموضع الاجل والحين قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس. وحدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة قال: إلى أجل محدود. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، بمثله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلى أمة معدودة قال: أجل معدود. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: إلى أجل معدود.
[ 11 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلى أمة معدودة قال: إلى حين. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة يقول: أمسكنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة. قال ابن جريج: قال مجاهد: إلى حين. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة يقول: إلى أجل معلوم. وقوله: ليقولن ما يحبسه يقول: ليقولن هؤلاء المشركون ما يحبسه ؟ أي شئ يمنعه من تعجيل العذاب الذي يتوعدنا به ؟ تكذيبا منهم به، وظنا منهم أن ذلك إنما أخر عنهم لكذب المتوعد. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قوله: ليقولن ما يحبسه قال: للتكذيب به، أو أنه ليس بشئ. وقوله: ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم يقول تعالى ذكره تحقيقا لوعيده وتصحيحا لخبره: ألا يوم يأتيهم العذاب الذي يكذبون به ليس مصروفا عنهم، يقول: ليس يصرفه عنهم صارف، ولا يدفعه عنهم دافع، ولكنه يحل بهم فيهلكهم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون يقول: ونزل بهم وأصابهم الذي كانوا به يسخرون من عذاب الله. وكان استهزاؤهم به الذي ذكره الله قيلهم قبل نزوله ما يحبسه نقلا بأنبيائه. وبنحو الذي قلنا في ذلك كان بعض أهل التأويل. يقول ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح،
[ 12 ]
عن مجاهد: وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون قال: ما جاءت به أنبياؤهم من الحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن أذقنا الانسن منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور) *. يقول تعالى ذكره: ولئن أذقنا الانسان منا رخاء وسعة في الرزق والعيش، فبسطنا عليه من الدنيا، وهي الرحمن التي ذكرها تعالى ذكره في هذا الموضع، ثم نزعناها منه يقول: ثم سلبناه ذلك، فأصابته مصائب أجاحته فذهبت به إنه ليئوس كفور يقول: يظل قناطا من رحمة الله آيسا من الخير. وقوله: يئوس: فعول، من قول القائل: يئس فلان من كذا فهو يئوس، إذا كان ذلك صفة له. وقوله: كفور، يقول: هو كفور لمن أنعم عليه، قليل الشكر لربه المتفضل عليه بما كان وهب له من نعمته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور قال: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من السعة والامن والعافية فكفور لما بك منها، وإذا نزعت منك يبتغ لك فراغك فيئوس من روح الله، قنوط من رحمته، كذلك المرء المنافق والكافر. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ئ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير) *. يقول تعالى ذكره: ولئن نحن بسطنا للانسان في دنياه، ورزقناه رخاء في عيشه، ووسعنا عليه في رزقه وذلك هي النعم التي قال الله جل ثناؤه: ولئن أذقناه نعماء. وقوله: بعد ضراء يقول: بعد ضيق من العيش كان فيه وعسرة كان يعالجها. ليقولن ذهب السيئات عني يقول تعالى ذكره: ليقولن عند ذلك: ذهب الضيق والعسرة عني، وزالت الشدائد والمكاره. إنه لفرح فخور يقول تعالى ذكره: إن الانسان لفرح بالنعم التي يعطاها مسرور بها فخور، يقول: ذو فخر بما نال من السعة في الدنيا وما بسط له فيه
[ 13 ]
من العيش، وينسي صروفها ونكد العوارض فيها، ويدع طلب النعيم الذي يبقي والسرور الذي يدوم فلا يزول. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قوله: ذهب السيئات عني غرة بالله وجراءة عليه. إنه لفرح والله لا يحب الفرحين، فخور بعد ما أعطي الله، وهو لا يشكر الله. ثم استثني جل ثناؤه من الانسان الذي وصفه بهاتين الصفتين الذين صبروا وعملوا الصالحات. وإنما جاز استثناؤهم منه لان الانسان بمعنى الجنس ومعنى الجمع، وهو كقوله: والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقال تعالى ذكره: إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات، فإنهم إن تأتهم شدة من الدنيا وعسرة فيها لم يثنهم ذلك عن طاعة الله، ولكنهم صبروا لامره وقضائه، فإن نالوا فيها رخاء وسعة شكروه وأدوا حقوقه بما أتاهم منها. يقول الله: أولئك لهم مغفرة يغفرها لهم، ولا يفضحهم بها في معادهم. وأجر كبير يقول: ولهم من الله مع مغفرة ذنوبهم ثواب على أعمالهم الصالحة التي عملوها في دار الدنيا جزيل، وجزاعظيم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: إلا الذين صبروا عند البلاء وعملوا الصالحات عند النعمة، لهم مغفرة لذنوبهم، وأجر كبير. قال: الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فلعلك يا محمد تارك بعض ما يوحي إليك ربك أن تبلغه من أمرك بتبليغه ذلك، وضائق بما يوحي إليك صدرك فلا تبلغه إياهم مخافة أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك له مصدق بأنه لله رسول. يقول تعالى ذكره: فبلغهم ما أوحيته إليك، فإنك إنما أنت نذير تنذرهم عقابي وتحذرهم بأسي على كفرهم بي، وإنما الآيات التي يسألونكها عندي وفي سلطاني أنزلها إذا شئت، وليس عليك إلا
[ 14 ]
البلاغ والانذار. والله على كل شئ وكيل يقول: والله القيم بكل شئ وبيده تدبيره، فانفذ لما أمرتك به، ولا يمنعك مسألتهم إياك الآيات من تبليغهم وحيي والنفوذ لامري. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قال الله لنبيه: فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك أن تفعل فيه ما أمرت وتدعو إليه كما أرسلت، قالوا: لولا أنزل عليه كنز لا نرى معه مالا، أين المال ؟ أو جاء معه ملك ينذر معه، إنما أنت نذير فبلغ ما أمرت. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) * يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): كفاك حجة على حقيقة ما أتيتهم به ودلالة على صحة نبوتك هذا القرآن من سائر الآيات غيره، إذ كانت الآيات إنما تكون لمن أعطيها دلالة على صدقه، لعجز جميع الخلق عن أن يأتوا بمثلها، وهذا القرآن جميع الخلق عجزة عن أن يأتوا بمثله. فإن هم قالوا: افتريته: أي اختلقته وتكذبته. ودل على أن معنى الكلام ما ذكرنا قوله: أم يقولون افتراه.... إلى آخر الآية. ويعني تعالى ذكره بقوله: أم يقولون افتراه أي أيقولون افتراه وقد دللنا على سبب إدخال العرب أم في مثل هذا الموضع فقل لهم: يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، يعني مفتعلات مختلفات، إن كان ما أتيتكم به من هذا القرآن مفترى وليس بآية معجزة كسائر ما سألته من الآيات، كالكنز الذي قلتم: هلا أنزل عليه أو الملك الذي قلتم: هلا جاء معه نذيرا له مصدقا فإنكم قومي وأنتم من أهل لساني، وأنا رجل منكم، ومحال أن أقدر أخلق وحدي مئة سورة وأربع عشرة سورة، ولا تقدروا بأجمعكم أن تفتروا وتختلقوا عشر سور مثلها، ولا سيما إذا استعنتم في ذلك بمن شئتم من الخلق. يقول جل ثناؤه: قل لهم: وادعوا من استطعتم أن تدعوهم من دون الله، يعني سوى الله، لافتراء ذلك واختلاقه من الآلهة، فإن أنتم لم تقدروا على أن تفتروا عشر سور مثله، فقد تبين لكم أنكم كذبة في قولكم افتراه، وصحت عندكم حقيقة ما أتيتكم به أنه من عند الله، ولم يكن لكم أن تتخيروا الآيات على
[ 15 ]
ربكم، وقد جاءكم من الحجة على حقيقة ما تكذبون به أنه من عند الله مثل الذي تسألو من الحجة وترغبون أنكم تصدقون بمجيئها. وقوله: إن كنتم صادقين لقوله: فأتوا بعشر سور مثله وإنما هو: قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات إن كنتم صادقين أهذا القرآن افتراه محمد، وادعوا من استطعتم من دون الله على ذلك من الآلهة والانداد. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: أم يقولون افتراه قد قالوه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا شهداءكم قال: يشهدون أنها مثله هكذا قال القاسم في حديثه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: فإن لم يستجب لكم من تدعون من دون الله إلى أن يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، ولم تطيقوا أنتم وهم أن تأتوا بذلك، فاعلموا وأيقنوا أنه إنما أنزل من السماء على محمد (ص) بعلم الله وإذنه، وأن محمدا لم يفتره، ولا يقدر أن يفتريه، وأن لا إله إلا هو يقول: وأيقنوا أيضا أن لا معبود يستحق الالوهة على الخلق إلا الله الذي له الخلق والامر، فاخلعوا الانداد والآلهة وأفردوا له العبادة. وقد قيل: إن قوله: فإن لم يستجيبوا لكم خطاب من الله لنبيه، كأنه قال: فإن لم يستجب لك هؤلاء الكفار يا محمد، فاعلموا أيها المشركون أنما أنزل بعلم الله. وذلك تأويل بعيد من المفهوم. وقوله: فهل أنتم مسلمون يقول: فهل أنتم مذعنون لله بالطاعة، ومخلصون له العبادة بعد ثبوت الحجة عليكم ؟ وكان مجاهد يقول: عني بهذا القول أصحاب محمد (ص). حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فهل أنتم مسلمون قال: لاصحاب محمد (ص). حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن
[ 16 ]
مجاهد، قال: وحدثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قوله: وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون قال: لاصحاب محمد (ص). حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقيل: فإن لم يستجيبوا لكم والخطاب في أول الكلام قد جرى لواحد، وذلك قوله: قل فأتوا ولم يقل: فإن لم يستجيبوا لك على نحو ما قد بينا قبل في خطابه رئيس القوم وصاحب أمرهم، أن العرب تخرج خطابه أحيانا مخرج خطاب الجمع إذ كان خطابه خطاب لاتباعه وجنده، وأحيانا مخرج خطاب الواحد إذا كان في نفسه واحدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) *. يقول تعالى ذكره: من كان يريد بعمله الحياة الدنيا وأثاثها وزينتها يطلب به، نوف إليهم أجور أعمالهم فيه وثوابها. وهم فيها يقول: وهم في الدنيا لا يبخسون يقول: لا ينقصون أجرها، ولكنهم يوفونه فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها... الآية، وهي ما يعطيهم الله من الدنيا بحسناتهم وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا، يقول: من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل لا يعمله إلا لالتماس الدنيا يقول الله: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمل التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها قال: ثواب ما عملوا في الدنيا من خير أعطوه في الدنيا، وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير،
[ 17 ]
قوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها قال: وربما عملوا من خير أعطوه في الدنيا، وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها قال: هي مثل الآية التي في الروم: وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن سعيد بن جبير: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها قال: من عمل للدنيا وفيه في الدنيا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها قال: من عمل عملا مما أمر الله به من صلاة أو صدقة لا يريد بها وجه الله أعطاه الله في الدنيا ثواب ذلك مثل ما أنفق فذلك قوله: نوف إليهم أعمالهم فيها في الدنيا، وهم فيها لا يبخسون أجر ما عملوا فيها، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها... الآية. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عيسى، يعني ابن ميمون، عن مجاهد، في قوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها قال: ممن لا يقبل منه جوزي به يعطي ثوابه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن عيسى الجرشي، عن مجاهد: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها قال: ممن لا يقبل منه يعجل له في الدنيا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أي لا يظلمون. يقول: من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطي بها جزاء. وأما المؤمن فيجازي بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة. وهم فيها لا يبخسون: أي في الآخرة لا يظلمون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق جميعا، عن معمر، عن قتادة: من كان يريد الحياة الدنيا
[ 18 ]
وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها.... الآية، قال: من كان إنما همته الدنيا إياها يطلب أعطاه الله مالا وأعطاه فيها ما يعيش، وكان ذلك قصاصا له بعمله. وهم فيها لا يبخسون قال: لا يظلمون. قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ليث بن أبي سليم، عن محمد بن كعب القرظي: أن النبي (ص) قال: من أحسن من محسن فقد وقع أجره على الله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها... الآية، يقول: من عمل عملا صالحا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجرا في الدنيا يصل رحما، يعطي سائلا، يرحم مضطرا في نحو هذا من أعمال البر يعجل الله له ثواب عمله في الدنيا، ويوسع عليه في المعيشة والرزق، ويقر عينه فيما خوله، ويدفع عنه من مكاره الدنيا في نحو هذا، وليس له في الآخرة من نصيب. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا حفص بن عمرو أبو عمر الضرير، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن أنس في قوله: نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون قال: هي في اليهود والنصارى. قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن أبي رجاء الازدي، عن الحسن: نوف إليهم أعمالهم فيها قال: طيباتهم. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن وهب أنه بلغه أن مجاهدا كان يقول في هذه الآية: هم أهل الرياء، هم أهل الرياء. قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريح، قال: ثنى الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان، أن عقبة بن مسلم حدثه، أن شفي بن ماتع الاصبحي حدثه: أنه دخل
[ 19 ]
المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال من هذا ؟ فقالوا أبو هريرة. فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا قلت: أنشدك بحق وبحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله (ص) عقلته وعلمته قال: فقال أبو هريرة: أفعل، لاحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله (ص) ثم نشغ نشغة، ثم أفاق، فقال: لاحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله (ص) في هذا البيت ما فيه أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم مال خارا على وجهه، واشتد به طويلا، ثم أفاق، فقال: حدثني رسول الله (ص): إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى أهل القيامة ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال: بلى يا رب قال: فماذا عملت فيما علمت ؟ قال: كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلان قارئ فقد قيل ذلك. ويؤتي بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال: بلى يا رب قال: فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق. فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قيل ذلك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له: فيماذا قتلت ؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلان جرئ، وقد قيل ذلك. ثم ضرب رسول الله (ص) على ركبتي، فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة. قال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة أن شفيا هو الذي دخل على معاوية، فأخبره بهذا. قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافا لمعاوية، قال: فدخل عليه رجل فحدثه بهذا عن أبي هريرة، فقال أبو هريرة وقد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هلك، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل
[ 20 ]
شر. ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه فقال: صدق الله ورسوله من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وقرأ إلى: وباطل ما كانوا يعملون. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن عيسى بن ميمون، عن مجاهد: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها... الآية، قال: ممن لا يتقبل منه، يصوم ويصلي يريد به الدنيا، ويدفع عنه وهم الآخرة. وهم فيها لا يبخسون لا ينقصون. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) *. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين ذكرت أنا نوفيهم أجور أعمالهم في الدنيا ليس لهم في الآخرة إلا النار يصلونها، وحبط ما صنعوا فيها يقول: وذهب ما عملوا في الدنيا، وباطل ما كانوا يعملون لانهم كانو يعملون لغير الله، فأبطله الله وأحبط عامله أجره. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: أفمن كان على بينة من ربه قد بين له دينه فتبينه، ويتلوه شاهد منه. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: يعني بقوله: أفمن كان على بينة من ربه محمدا (ص). ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا حسين بن محمد، قال: ثنشيبان، عن قتادة، عن عروة، عن محمد ابن الحنفية، قال: قلت لابي: يا أبت أنت التالي في ويتلوه شاهد منه ؟ قال: لا والله يا بني وددت أني كنت أنا هو ولكنه لسانه.
[ 21 ]
حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن: ويتلوه شاهد منه قال: لسانه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي $ ع‍، عن عوف، عن الحسن، في قوله: ويتلوه شاهد منه قال: لسانه. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا الحكم بن عبد الله أبو النعمان العجلي، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله. حدثني علي بن الحسن الازدي، قال: ثنا المعافي بن عمران، عن قرة بن خالد، عن الحسن، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفمن كان على بينة من ربه وهو محمد كان على بينة من ربه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قوله: ويتلوه شاهد منه قال: لسانه. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ويتلوه شاهد منه قال: لسانه هو الشاهد. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن عوف، عن الحسن، مثله. وقال آخرون: يعني بقوله: ويتلوه شاهد منه محمدا (ص). ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن سليمان العلاف، عن الحسين بن علي في قوله: ويتلوه شاهد منه قال: الشاهد محمد (ص). حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن عوف، قال: ثني سليمان العلاف، قال: بلغني أن الحسين بن علي قال: ويتلوه شاهد منه قال: محمد (ص). قال: ثنا أبو أسامة، عن عوف، عن سليمان العلاف، سمع الحسين بن علي: ويتلوه شاهد منه يقول: محمد هو الشاهد من الله. حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن
[ 22 ]
زيد، في قوله: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه قال: رسول الله (ص) كان على بينة من ربه، والقرآن يتلوه شاهد منه أيضا من الله بأنه رسول الله (ص). حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: أفمن كان على بينة من ربه قال: النبي (ص). حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن نضر بن عربي، عكرمة، مثله. قال: ثنا أبي، عن سفيان عن منصور، عن إبراهيم، مثله. حدثنا الحرث، قال: ثنا أبو خالد، سمعت سفيان يقول: أفمن كان على بينة من ربه قال: محمد (ص). وقال آخرون: هو علي بن أبي طالب. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا رزيق بن مرزوق، قال: ثنا صباح الفراء، عجابر، عن عبد الله بن يحيى، قال: قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه الآية والآيتان. فقال له رجل: فأنت فأي شئ نزل فيك ؟ فقال علي: أما تقرأ الآية التي نزلت في هود ويتلوه شاهد منه ؟ وقال آخرون: هو جبرئيل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: ويتلوه شاهد منه إنه كان يقول: جبرئيل. حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: ويتلوه شاهد منه قال: جبرئيل. وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى بإسناده عن إبراهيم، فقال: قال يقولون علي إنما هو جبرئيل. حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، قال: هو جبرئيل، تلا التوراة والانجيل والقرآن، وهو الشاهد من الله. حدثنا ابن باشر، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، وحدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: ثنا سفيان. وحدثنا الحسن بن يحيى،
[ 23 ]
قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: ويتلوه شاهد منه قال: جبرئيل. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. قال: ثنا سهل بن يوسف، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، قال: جبرئيل. قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح: ويتلوه شاهد منه قال: جبرئيل. قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: ويتلوه شاهد منه قال: جبرئيل. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: أفمن كان على بينة من ربه يعني محمدا هو على بينة من الله، ويتلوه شاهد منه جبرئيل شاهد من الله يتلو على محمد ما بعث به. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: هو جبرئيل. قال: ثنا أبي، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، قال: هو جبرئيل. قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: جبرئيل. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أفمن كان على بينة من ربه يعني محمدا على بينة من ربه، ويتلوه شاهد منه فهو جبرئيل شاهد من الله بالذي يتلو من كتاب الله الذي أنزل على محمد، قال: ويقال: ويتلوه شاهد منه يقول: يحفظه الملك الذي معه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو النعمان عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب،
[ 24 ]
قال: كان مجاهد يقول فقوله: أفمن كان على بينة من ربه قال: يعني محمدا، ويتلوه شاهد منه قال: جبرئيل. وقال آخرون: هو ملك يحفظه ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ويتلوه شاهد منه قال: معه حافظ من الله ملك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، وسويد بن عمرو، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن مجاهد: ويتلوه شاهد منه قال: ملك يحفظه. قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن سمع مجاهدا: ويتلوه شاهد منه قال: الملك. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ويتلوه شاهد منه يتبعه حافظ من الله ملك. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن مجاهد: ويتلوه شاهد منه قال: الملك يحفظه: يتلونه حق تلاوته قال: يتبعونه حق اتباعه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ويتلوه شاهد منه قال: حافظ من الله ملك. وأولى هذه الاقوال التي ذكرناها بالصواب في تأويل قوله: ويتلوه شاهد منه: قول من قال: هو جبرئيل، لدلالة قوله: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة على صحة ذلك وذلك أن نبي الله (ص) لم يتل قبل القرآن كتاب موسى، فيكون ذلك دليلا على صحة قول من قال: عني به لسان محمد (ص)، أو محمد نفسه، أو علي على قول من قال: عني به علي. ولا يعلم أن أحدا كان تلا ذلك قبل القرآن أو جاء به ممن ذكر أهل التأويل أنه عني بقوله: ويتلوه شاهد منه غير جبرئيل عليه السلام. فإن قال قائل: فإن كان ذلك دليلك على أن المعني به جبرئيل، فقد يجب أن تكون القراءة في قوله: ومن قبله كتاب موسى بالنصب لان معنى الكلام على ما تأولت يجب
[ 25 ]
أن يكون: ويتلو القرآن شاهد من الله، ومن قبل القرآن كتاب موسى ؟ قيل: إن القراء في الامصار قد أجمعت على قراءة ذلك بالرفع فلم يكن لاحد خلافها، ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالنصب كانت قراءة صحيحة ومعنى صحيحا. فإن قال: فما وجه رفعهم إذا الكتاب على ما ادعيت من التأويل ؟ قيل: وجه رفعهم هذا أنهم ابتدءوا الخبر عن مجئ كتاب موسى قبل كتابنا المنزل على محمد، فرفعوه ب من قبله، والقراءة كذلك، والمعنى الذي ذكرت من معنى تلاوة جبرئيل ذلك قبل القرآن، وأن المراد من معناه ذلك وإن كان الخبر مستأنفا على ما وصفت اكتفاء بدلالة الكلام على معناه. وأما قوله: إماما فإنه نصب على القطع من كتاب موسى، وقوله ورحمة عطف على الامام، كأنه قيل: ومن قبله كتاب موسى إماما لبني إسرائيل يأتمون به، ورحمة من الله تلاه على موسى. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عمنصور، عن إبراهيم، في قوله: ومن قبله كتاب موسى قال: من قبله جاء بالكتاب إلى موسى. وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ذكر عليه منه، وهو: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة كمن هو في الضلالة متردد، لا يهتدي لرشد، ولا يعرف حقا من باطل، ولا يطلب بعمله الحياة الدنيا وزينتها ؟ وذلك نظير قوله: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمو والدليل على حقيقة ما قلنا في ذلك أن ذلك عقيب قوله: من كان يريد الحياة الدنيا... الآية، ثم قيل: أهذا خير أمن كان على بينة من ربه ؟ والعرب تفعل ذلك كثيرا إذا كان فيما ذكرت دلالة على مرادها على ما حذفت، وذلك كقول الشاعر: فأقسم لو شئ أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
[ 26 ]
وقوله: أولئك يؤمنون به يقول: هؤلاء الذين ذكرت يصدقون ويقرون به إن كفر به هؤلاء المشركون الذين يقولون: إن محمدا افتراه. القول في تأويل قوله تعالى: ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون. يقول تعالى ذكره: ومن يكفر بهذا القرآن فيجحد أنه من عند الله من الاحزاب وهم المتحزبة على مللهم فالنار موعده، إنه يصير إليها في الآخرة بتكذيبه يقول الله لنبيه محمد (ص). فلا تك في مرية منه يقول: فلا تك في شك منه، من أن موعد من كفر بالقرآن من الاحزاب النار، وأن هذا القرآن الذي أنزلناه إليك من عند الله. ثم ابتدأ جل ثناؤه الخبر عن القرآن، فقال: إن هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد الحق من ربك لا شك فيه، ولكن أكثر الناس لا يصدقون بأن ذلك كذلك. فإن قال قائل: أو كان النبي (ص) في شك من أن القرآن من عند الله، وأنه حق، حتى قيل له: فلا تك في مرية منه ؟ قيل: هذا نظير قوله: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك وقد بينا ذلك هنالك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، قال: نبئت أن سعيد بن جبير قال: ما بلغني حديث عن رسول الله (ص) على وجهه إلا وجدت
[ 27 ]
مصداقه في كتاب الله تعالى، حتى قال لا يسمع بي أحد من هذه الامة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار. قال سعيد: فقلت أين هذا في كتاب الله ؟ حتى أتيت على هذه الآية: ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده قال: من أهل الملل كلها. حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي وابن وكيع، قالا: ثنا جعفر بن عون، قال: ثنا سفيان، عن أيوب عن سعيد بن جبير، في قوله: ومن يكفر به من الاحزاب قال: من الملل كلها. حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، قال: كنت لا أسمع بحديث عن رسول الله (ص) على وجهه، إلا وجدت مصداقه أو قال تصديقه في القرآن، فبلغني أن رسول الله (ص) قال: لا يسمع بي أحد من هذه الامة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار فجعلت أقول: أين مصداقها ؟ حتى أتيت على هذا: أفمن كان على بينة من ربه... إلى قوله: فالنار موعده قال: فالاحزاب: الملل كلها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: ثني أيوب، عن سعيد بن جبير، قال: قال رسول الله (ص): ما من أحد يسمع بي من هذه الامة ولا يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار فجعلت أقول: أين مصداقها في كتاب الله ؟ قال: وقلما سمعت حديثا عن النبي (ص) إلا وجدت له تصديقا في القرآن، حتى وجدت هذه الآيات: ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده: الملل كلها. قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده قال: الكفار أحزاب كلهم على الكفر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومن الاحزاب من ينكر بعضه أي يكفر ببعضه، وهم اليهود والنصارى. قال: بلغنا أن
[ 28 ]
نبي الله (ص) كان يقول: لا يسمع بي أحد من هذه الامة ولا يهودي ولا نصراني ثم يموت قبل أن يؤمن بي، إلا دخل النار. حدثني المثنى، قال: ثنا يوسف بن عدي النضري، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبي موسى الاشعري: أن رسول الله (ص) قال: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني، فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) *. يقول تعالى ذكره: وأي الناس أشد تعذيبا ممن اختلق على الله كذبا فكذب عليه، أولئك يعرضون على ربهم، ويقول الاشهاد: هؤلاء الذين يكذبون على ربهم يعرضون يوم القيامة على ربهم، فيسألهم عما كانوا في دار الدنيا يعملون. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا قال: الكافر والمنافق أولئك يعرضون على ربهم فيسألهم عن أعمالهم. وقوله: ويقول الاشهاد يعني الملائكة والانبياء الذين شهدوهم وحفظوا عليهم ما كانوا يعملون، وهم جمع شاهد مثل الاصحاب الذي هو جمع صاحب هؤلاء الذين كذبوا على ربهم يقول: شهد هؤلاء الاشهاد في الآخرة على هؤلاء المفترين على الله في الدنيا، فيقولون: هؤلاء الذين كذبوا في الدنيا على ربهم. يقول الله: ألا لعنة الله على الظالمين يقول: ألا غضب الله على المعتدين الذين كفروا بربهم. وبنحو ما قلنا في قوله ويقول الاشهاد قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابوكيع، قال: ثنا نمير بن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ويقول الاشهاد قال: الملائكة.
[ 29 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الملائكة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ويقول الاشهاد والاشهاد: الملائكة، يشهدون على بني آدم بأعمالهم. حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: الاشهاد قال: الخلائق، أو قال: الملائكة. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، بنحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: ويقول الاشهاد الذين كان يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا هؤلاء الذين كذبوا على ربهم حفظوه وشهدوا به عليهم يوم القيامة. قال ابن جريج: قال مجاهد: الاشهاد: الملائكة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الاعمش، عن قوله: ويقول الاشهاد قال: الملائكة. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ويقول الاشهاد يعني الانبياء والرسل، وهو قوله: ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء. قال: وقوله: ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم يقولون: يا ربنا أتيناهم بالحق فكذبوا، فنحن نشهد عليهم أنهم كذبوا عليك يا ربنا. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد وهشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز المازني، قال: بينا نحن بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر ما سمعت رسول الله (ص) يقول في النجوى ؟ فقال: سمعت نبي الله (ص) يقول: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا ؟ فيقول: رب أعرف. مرتين. حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ،
[ 30 ]
قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم قال: فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه. وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الاشهاد: ألا هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا هشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر، عن النبي (ص)، نحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: كنا نحدث أنه لا يخزي يومئذ أحد فيخفي خزيه على أحد ممن خلق الله أو الخلائق. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون) *. يقول تعالى ذكره: ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون الناس عن الايمان به والاقرار له بالعبودة وإخلاص العبادة له دون الآلهة والانداد من مشركي قريش، وهم الذين كانوا يفتنون عن الاسلام من دخل فيه. ويبغونها عوجا يقول: ويلتمسون سبيل الله وهو الاسلام الذي دعا الناس إليه محمد، يقول: زيغا وميلا عن الاستقامة. وهم بالآخرة هم كافرون يقول: وهم بالبعث بعد الممات مع صدهم عن سبيل الله وبغيهم إياها عوجا كافرون، يقول: هم جاحدون ذلك منكرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك لم يكونوا معجزين في الارض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) *. يعني جل ذكره بقوله: أولئك لم يكونوا معجزين في الارض هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه أنهم يصدون عن سبيل الله، يقول جل ثناؤه: إنهم لم يكونوا بالذين يعجزون ربهم بهربهم منه في الارض إذا أراد عقابهم والانتقام منهم، ولكنهم في قبضته وملكه، لا يمتنعون منه إذا أرادهم ولا يفوتونه هربا إذا طلبهم. وما كان لهم من دون الله من أولياء يقول: ولم يكن لهؤلاء المشركين إذا أراد عقابهم من دون الله أنصار ينصرونهم من الله
[ 31 ]
ويحولون بينهم وبينه إذا هو عذبهم، وقد كانت لهم في الدنيا منعة يمتنعون بها ممن أرادهم من الناس بسوء. وقوله: يضاعف لهم العذاب يقول تعالى ذكره: يزاد في عذابهم، فيجعل لهم مكان الواحد اثنان. وقوله: ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون فإنه اختلف في تأويله، فقال بعضهم: ذلك وصف الله به هؤلاء المشركين أنه قد ختم على سمعهم وأبصارهم، وأنهم لا يسمعون الحق، ولا يبصرون حجج الله سماع منتفع ولا إبصار مهتد. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون صم عن الحق فما يسمعونه، بكم فما ينطقون به، عمي فلا يبصرونه، ولا ينتفعون به. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون قال: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خبرا فينتفعوا به، ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فإنه قال: ما كانوا يستطيعون السمع وهي طاعته، وما كانوا يبصرون. وأما في الآخرة فإنه قال فلا يستطيعون خاشعة. وقال آخرون: إنما عني بقوله: وما كان لهم من دون الله من أولياء آلهة الذين يصدون عن سبيل الله. وقالوا: معنى الكلام: أولئك وآلهتهم لم يكونوا معجزين في الارض، يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون يعني الآلهة أنها لم يكن لها سمع ولا بصر. هذا قول روي عن ابن عباس من وجه كرهت ذكره لضعف سنده. وقال آخرون: معنى ذلك: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصرون ولا يتأملون حجج الله بأعينهم فيعتبروا بها. قالوا: والباء كان
[ 32 ]
ينبغي لها أن تدخل، لانه قد قال: فلهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون بكذبهم في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه الباء، وسقوطها جائز في الكلام كقولك في الكلام: لاحن بما فيك ما علمت وبما علمت، وهذا قول قاله بعض أهل العربية. والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله ابن عباس وقتادة، من أن الله وصفهم تعالى ذكره بأنهم لا يستطيعون أيسمعوا الحق سماع منتفع، ولا يبصرونه إبصار مهتد، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين، عن استعمال جوارحهم في طاعة الله، وقد كانت لهم أسماع وأبصار. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) *. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم، هم الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله. وضل عنهم ما كانوا يفترون وبطل كذبهم وإفكهم وفريتهم على الله بإدعائهم له شركاء، فسلك ما كانوا يدعونه إلها من دون الله غير مسلكهم، وأخذ طريقا غير طريقهم، فضل عنهم، لانه سلك بهم إلى جهنم، وصارت آلتهم عدما لا شئ، لانها كانت في الدنيا حجارة أو خشبا أو نحاسا، أو كان لله وليا، فسلك به إلى الجنة، وذلك أيضا غير مسلكهم، وذلك أيضا ضلال عنهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا جرم أنهم في الآخرة هم الاخسرون) *. يقول تعالى ذكره: حقا أن هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم في الدنيا في الآخرة هم الاخسرون، الذين قد باعوا منازلهم من الجنان بمنازل أهل الجنة من النار وذلك هو الخسران المبين. وقد بينا فيما مضى أن معنى قولهم، جرمت: كسبت الذنب وأجرمته، أن العرب كثر استعمالها إياه في مواضع الايمان، وفي مواضع لا بد كقولهم: لا جرم أنك ذاهب، بمعنى: لا بد، حتى استعملوا ذلك في مواضع التحقيق فقالوا: لا جرم ليقومن، بمعنى: حقا ليقومن، فمعنى الكلام: لا منع عن أنهم، ولا صد عن أنهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 33 ]
* (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا في الدنيا بطاعة الله وأخبتوا إلى ربهم. واختلف أهل التأويل في معنى الاخبات، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنابوا إلى ربهم. ذكر مقال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم قال: الاخبات: الانابة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأخبتوا إلى ربهم يقول: وأنابوا إلى ربهم. وقال آخرون معنى ذلك: وخافوا. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وأخبتوا إلى ربهم يقول: خافوا. وقال آخرون: معناه: اطمأنوا. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وأخبتوا إلى ربهم قال: اطمأنوا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: خشعوا. ذكر مقال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وأخبتوا إلى ربهم الاخبات: التخشع والتواضع.
[ 34 ]
قال أبو جعفر: وهذه الاقوال متقاربة المعاني وإن اختلفت ألفاظها، لان الانابة إلى الله من خوف الله، ومن الخشوع والتواضع لله بالطاعة، والطمأنينة إليه من الخشوع له، غير أن نفس الاخبات عند العرب الخشوع والتواضع. وقال: إلى ربهم ومعناه: أخبتوا لربهم، وذلك أن العرب تضع اللام موضع إلى وإلى موضع اللام كثيرا، كما قال تعالى: بأن ربك أوحى لها بمعنى: أوحى إليها. وقد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك، لانهم وصفوا بأنهم عمدوا بإخباتهم إلى الله. وقوله: أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان الجنة الذين لا يخرجون عنها ولا يموتون فيها، ولكنهم فيها لابثون إلى غير نهاية. القول في تأويل قوله تعالى: * (مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) *. يقول تعالى ذكره: مثل فريقي الكفر والايمان كمثل الاعمى الذي لا يرى بعينه شيئا، والاصم الذي لا يسمع شيئا فكذلك فريق الكفر لا يبصر الحق فيتبعه ويعمل به، لشغله بكفره بالله وغلبة خذلان الله عليه، لا يسمع داعي الله إلى الرشاد فيجيبه إلى الهدى فيهتدي به، فهو مقيم في ضلالته، يتردد في حيرته. والسميع والبصير، فكذلك فريق الايمان أبصر حجج الله، وأقر بما دلت عليه من توحيد الله والبراءة من الآلهة والانداد ونبوة الانبياء عليهم السلام، وسمع داعي الله فأجابه وعمل بطاعة الله. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع قال: الاعمى والاصم: الكافر، والبصير والسميع: المؤمن. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع: الفريقان الكافران، والمؤمنان، فأما الاعمى والاصم فالكافران، وأما البصير والسميع فهما المؤمنان.
[ 35 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع.... الآية، هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن، فأما الكافر فصم عن الحق فلا يسمعه وعمي عنه فلا يبصره. وأما المؤمن فسمع الحق فانتفع به وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به. يقول تعالى: هل يستويان مثلا يقول: هل يستوي هذان الفريقان على اختلاف حالتيهما في أنفسهما عندكم أيها الناس ؟ فإنهما لا يستويان عندكم، فكذلك حال الكافر والمؤمن لا يستويان عند الله. أفلا تذكرون يقول جل ثناؤه: أفلا تعتبرون أيها الناس وتتفكرون، فتعلموا حقيقة اختلاف أمريهما، فتنزجروا عما أنتم عليه من الضلال إلى الهدى ومن الكفر إلى الايمان ؟ فالاعمى والاصم والبصير والسميع في اللفظ أربعة، وفي المعنى اثنان، ولذلك قيل: هل يستويان مثلا وقيل: كالاعمى والاصم، والمعنى: كالاعمى الاصم، وكذلك قيل: والبصير والسميع، والمعنى: البصير السميع، كقول القائل: قام الظريف والعاقل، وهو ينعت بذلك شخصا واحدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين) *. أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم أيها القوم نذير من الله أنذركم بأسه على كفركم به، فآمنوا به وأطيعوا أمره. ويعني بقوله: مبين: يبين لكم عما أرسل به إليكم من أمر الله ونهيه. واختلفت القراء في قراءة قوله: إني فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة وبعض المدنيين بكسر إن على وجه الابتداء، إذ كان في الارسال معنى القول. وقرأ ذلك بعض قراء أهل المدينة والكوفة والبصرة بفتح أن على إعمال الارسال فيها، كأن معنى الكلام عندهم: لقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم نذير مبين. والصواب من القول في ذلك عندي، أن يقال: إنهما قراءتان متفقتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء فبأيتهما قرأ القارئ كان مصيبا للصواب في ذلك. وقوله: أن لا تعبدوا إلا الله فمن كسر الالف في قوله: إني جعل قوله: أرسلنا عاملا في أن التي في قوله: أن لا تعبدوا إلا الله ويصير المعنى حينئذ:
[ 36 ]
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه، أن لا تعبدوا إلا الله، وقل لهم إني لكم نذير مبين. ومن فتحها، رد أن في قوله: أن لا تعبدوا عليها، فيكون المعنى حينئذ: لقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم نذير مبين، بأن لا تعبدوا إلا الله. ويعني بقوله: بأن لا تعبدوا إلا الله أيها الناس، عبادة الآلهة والاوثان وإشراكها في عبادته، وأفردوا الله بالتوحيد وأخلصوا له العبادة، فإنه لا شريك له في خلقه. وقوله: إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم يقول: إني أيها القوم إن لم تخصوا الله بالعبادة وتفردوه بالتوحيد وتخلعوا ما دونه من الانداد والاوثان، أخاف عليكم من الله عذاب يوم مؤلم عقابه وعذابه لمن عذب فيه. وجعل الاليم من صفة اليوم وهو من صفة العذاب، إذ كان العذاب فيه كما قيل: وجعل الليل سكنا وإنما السكن من صفة ما سكن فيه دون الليل. القول في تأويل قوله تعالى: * (فقال الملا الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) *. يقول تعالى ذكره: فقال الكبراء من قوم نوح وأشرافهم، وهم الملا الذين كفروا بالله وجحدوا نبوة نبيهم نوح عليه السلام: ما نراك يا نوح إلا بشرا مثلنا يعنون بذلك أنه آدمي مثلهم في الخلق والصورة والجنس، كأنهم كانوا منكرين أن يكون الله يرسل من البشر رسولا إلى خلقه. وقوله: وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي يقول: وما نراك اتبعك إلا الذين هم سفلتنا من الناس دون الكبراء والاشراف فيما يرى ويظهر لنا. وقوله: بادي الرأي اختلفت القراء في قراءته، فقرأته عامة قراء المدينة والعراق: بادي الرأي بغير همز البادي وبهمز الرأي، بمعنى: ظاهر الرأي، من قولهم: بدا الشئ يبدو: إذا ظهر، كما قال الراجز: أضحى لخالي شبهي بادي بدي وصار للفحل لساني ويدي
[ 37 ]
بادي بدي بغير همز. وقال آخر: وقد علتني ذرأة بادي بدي وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: بادئ الرأي مهموز أيضا، بمعنى: مبتدأ الرأي، من قولهم: بدأت بهذا الامر: إذا ابتدأت به قبل غيره. وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأ: بادي بغير همز البادي، وبهمز الرأي، لان معنى ذلك الكلام: إلا الذين هم أراذلنا في ظاهر الرأي وفيما يظهر لنا. وقوله: وما نرى لكم علينا من فضل يقول: وما نتبين لكم علينا من فضل نلتموه بمخالفتكم إيانا في عبادة الاوثان إلى عبادة الله وإخلاص العبودة له، فنتبعكم طلب ذلك الفضل وابتغاء ما أصبتموه بخلافك إيانا بل نظنكم كاذبين وهذا خطاب منهم لنوح عليه السلام، وذلك أنهم إنما كذبوا نوحا دون أتباعه، لان أتباعه لم يكونوا رسلا. وأخرج الخطاب وهو واحد مخرج خطاب الجميع، كما قيل: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء وتأويل الكلام: بل نظنك يا نوح في دعواك أن الله ابتعثك إلينا رسولا كاذبا.
[ 38 ]
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله بادي الرأي قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجا، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي قال: فيما ظهر لنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه إذ كذبوه وردوا عليه ما جاءهم به من عند الله من النصيحة: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي على علم ومعرفة وبيان من الله لي ما يلزمني له، ويجب علي من إخلاص العبادة له وترك إشراك الاوثان معه فيها. وآتاني رحمة من عنده يقول: ورزقني منه التوفيق والنبوة والحكمة، فآمنت به وأطعته فيما أمرني ونهاني. فعميت عليكم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل البصرة والكوفة: فعميت بفتح العين وتخفيف الميم، بمعنى: فعميت الرحمة عليكم فلم تهتدوا لها فتقروا بها وتصدقوا رسولكم عليها. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: فعميت عليكم بضم العين وتشديد الميم، اعتبارا منهم ذلك بقراءة عبد الله، وذلك أنهما فيما ذكر في قراءة عبد الله: فعماها عليكم. وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: فعميت عليكم بضم العين وتشديد الميم للذي ذكروا من العلة لمن قرأ به، ولقربه من قوله: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فأضاف الرحمة إلى الله، فكذلك تعميته على الآخرين بالاضافة إليه أولى. وهذه الكلمة مما حولت العرب الفعل عن موضعه، وذلك أن الانسان هو الذي يعمى عن إبصار الحق، إذ يعمى عن إبصاره، والحق لا يوصف بالعمى إلا على الاستعمال الذي قد جرى به الكلام، وهو في جوازه لاستعمال العرب إياه نظير قولهم: دخل الخاتم في يدي، والخف في رجلي، ومعلوم أن الرجل هي التي تدخل في الخف، والاصبع في الخاتم، ولكنهم استعملوا ذلك كذلك لما كان معلوما المراد فيه. وقوله: أنلزمكموها وأنتم لها كارهون يقول: أنأخذكم بالدخول في الاسلام وقد
[ 39 ]
عماه الله عليكم، لها كارهون يقول: وأنتم لالزمناكموها كارهون، يقول: لا نفعل ذلك، ولكن نكل أمركم إلى الله حتى يكون هو الذي يقضي في أمركم ما يرى ويشاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجا، عن ابن جريج، قال نوح: يا قوم إن كنت على بينة من ربي قال: قد عرفتها وعرفت بها أمره وأنه لا إله إلا هو، وآتاني رحمة من عنده: الاسلام والهدى والايمان والحكم والنبوة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي... الآية، أما والله لو استطاع نبي الله (ص) لالزمها قومه، ولكن لم يستطع ذلك ولم يملكه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيان، عن داود، عن أبي العالية، قال: في قراءة أبي: أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، قال: أخبرنا عمرو بن دينار قال: قرأ ابن عباس: أنلزمكموها من شطر أنفسنا قال عبد الله: من شطر أنفسنا: من تلقاء أنفسنا. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا ابن عيينة، عمرو بن دينار، عن ابن عباس مثله. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قا: ثنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: أنلزمكموها من شطر قلوبنا وأنتم لها كارهون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون) *. وهذا أيضا خبر من الله عن قيل نوح لقومه أنه قال لهم: يا قوم لا أسألكم على نصيحتي لكم ودعايتكم إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له مالا: أجرا على ذلك، فتتهموني في نصيحتي، وتظنون أن فعلي ذلك طلب عرض من أعراض الدنيا. إن أجري إلا على الله يقول: ما ثواب نصيحتي لكم ودعايتكم إلى ما أدعوكم إليه، إلا على الله،
[ 40 ]
فإنه هو الذي يجازيني ويثيبني عليه. وما أنا بطارد الذين آمنوا وما أنا بمقص من آمن بالله وأقر بوحدانيته وخلع الاوثان وتبرأ منها بأن لم يكونوا من عليتكم وأشرافكم. إنهم ملاقوا ربهم يقول: إن هؤلاء الذين تسألوني طردهم صائرون إلى الله، والله سائلهم عما كانوا في الدنيا يعملون، لا عن شرفهم وحسبهم. وكان قيل نوح ذلك لقومه، لان قومه قالوا له، كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم قال: قالوا له: يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطردهم، وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الامر سواء فقال: ما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم فيسألهم عن أعمالهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، وحدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح جميعا، عن مجاهد، قوله: إن أجري إلا على الله قال: جزائي. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقوله: ولكني أراكم قوما تجهلون يقول: ولكني أيها القوم أراكم قوما تجهلون الواجب عليكم من حق الله واللازم لكم من فرائضه، ولذلك من جهلكم سألتموني أن أطرد الذين آمنوا بالله. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون) *. يقول: ويا قوم من ينصرني فيمنعني من الله إن هو عاقبني على طردي المؤمنين الموحدين الله إن طردتهم. أفلا تذكرون يقول: أفلا تتفكرون فيما تقولون، فتعلمون خطأه فتنتهوا عنه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول
[ 41 ]
للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين) *. وقوله: ولا أقول لكم عندي خزائن الله عطف على قوله: ويا قوم لا أسألكم عليه أجرا ومعنى الكلام: ويا قوم لا أسألكم عليه أجرا، ولا أقول لكم عندي خزائن الله التي لا يفنيها شئ، فأدعوكم إلى اتباعي عليها. ولا أعلم أيضا الغيب يعني ما خفي من سرائر العباد، فإن ذلك لا يعلمه إلا الله، فأدعي الربوبية وأدعوكم إلى عبادتي. ولا أقول أيضا إني ملك من الملائكة أرسلت إليكم، فأكون كاذبا في دعواي ذلك، بل أنا بشر مثلكم كما تقولون، أمرت بدعائكم إلى الله، وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم. ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا يقول: ولا أقول للذين اتبعوني وآمنوا بالله ووحدوه الذين تستحقرهم أعينكم، وقلتم إنهم أراذلكم: لن يؤتيكم الله خيرا، وذلك الايمان بالله. الله أعلم بما في أنفسهم يقول: الله أعلم بضمائر صدورهم واعتقاد قلوبهم، وهو ولي أمرهم في ذلك، وإنما لي منهم ما ظهر وبدا، وقد أظهروا الايمان بالله واتبعوني، فلا أطردهم ولا أستحل ذلك. إني إذا لمن الظالمين يقول: إني إن قلت لهؤلاء الذين أظهروا الايمان بالله وتصديقي: لن يؤتيهم الله خيرا، وقضيت على سرائرهم بخلاف ما أبدته ألسنتهم لي على غير علم مني بما في نفوسهم وطردتهم بفعلي ذلك، لمن الفاعلين ما ليس لهم فعله المعتدين ما أمرهم الله به وذلك هو الظلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: ولا أقول لكم عندي خزائن الله التي لا يفينها شئ، فأكون إنما أدعوكم لتتبعوني عليها لاعطيكم منها. ولا أقول إني ملك نزلت من السماء برسالة، ما أنا إلا بشر مثلكم. ولا أعلم الغيب ولا أقول اتبعوني على علم الغيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا ينوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) *. يقول تعالى ذكره: قال قوم نوح لنوح عليه السلام: قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا،
[ 42 ]
فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين في عداتك ودعواك أنك لله رسول. يعني بذلك أنه لن يقدر على شئ من ذلك. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: جادلتنا قال: ماريتنا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: قالوا يا نوح قد جادلتنا قال: ماريتنا، فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا قال ابن جريج: تكذيبا بالعذاب، وأنه باطل. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال إنما يأتيكم به الله إن شآء وما أنتم بمعجزين ئ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون) *. يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه حين استعجلوه العذاب: يا قوم ليس الذي تستعجلون من العذاب إلي، إنما ذلك إلى الله لا إلى غيره، هو الذي يأتيكم به إن شاء. وما أنتم بمعجزين يقول: ولستم إذا أراد تعذيبكم بمعجزيه: أي بفائتيه هربا منه لانكم حيث كنتم في ملكه وسلطانه وقدرته حكمه عليكم جار. ولا ينفعكم نصحي يقول: ولا ينفعكم تحذيري عقوبته ونزول سطوته بكم على كفركم به، إن أردت أن أنصح لكم في تحذيري إياكم ذلك لان نصحي لا ينفعكم لانكم تقبلونه. إن كان الله يريد أن يغويكم، يقول: إن كان الله يريد أن يهلككم بعذابه. هو ربكم وإليه ترجعون يقول: وإليه تردون بعد الهلاك. حكي عن طيئ أنها تقول: أصبح فلان غاويا: أي مريضا. وحكي عن غيرهم سماعا منهم: أغويت فلانا بمعنى أهلكته، وغوي الفصيل: إذا فقد اللبن فمات. وذكر أن قول الله: فسوف يلقون غيا أي هلاكا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 43 ]
* (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا برئ مما تجرمون) *. يقول تعالى ذكره: أيقول يا محمد هؤلاء المشركون من قومك: افترى محمد هذا القرآن ؟ وهذا الخبر عن نوح. قل لهم: إن افتريته فتخرصته واختلقته فعلي إجرامي يقول: فعلي إثمي في افترائي ما افتريت على ربي دونكم، لا تؤاخذون بذنبي ولا إثمي ولا أؤاخذ بذنبكم. وأنا برئ مما تجرمون يقول: وأنا برئ مما تذنبون وتأثمون بربكم من افترائكم عليه، ويقال منه: أجرمت إجراما وجرمت أجرم جرما، كما قال الشاعر: طريد عشيرة ورهين ذنب بما جرمت يدي وجنى لساني ] القول في تأويل قوله تعالى: * (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) *. يقول تعالى ذكره: وأوحى الله إلى نوح لما حق على قومه القول، وأظلهم أمر الله، أنه لن يؤمن: يا نوح بالله فيوحده ويتبعك على ما تدعوه إليه من قومك إلا من قد آمن فصدق بذلك واتبعك. فلا تبتئس يقول: فلا تستكن ولا تحزن بما كانوا يفعلون، فإني مهلكهم ومنقذك منهم ومن اتبعك. وأوحي الله ذلك إليه بعد ما دعا عليهم نوح بالهلاك، فقال: رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا وهو تفتعل من البؤس، يقال: ابتأس فلان بالامر يبتئس ابتئاسا، كما قال لبيد بن ربيعة: في مأتم كنعاج صارة يبتئسن بما لقينا
[ 44 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فلا تبتئس قال: لا تحزن. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فلا تبتئس بما كانوا يفعلون يقول: فلا تحزن. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فلا تبتئس بما كانوا يفعلون قال: لا تأس ولا تحزن. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن وذلك حين دعا عليهم قال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. قوله: فلا تبتئس يقول: فلا تأس ولا تحزن. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فحينئذ دعا على قومه لما بين الله له أنه لن يؤمن من قومه إمن قد آمن. القول في تأويل قوله تعالى: * (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) *. يقول تعالى ذكره: وأوحي إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وأن اصنع الفلك، وهو السفينة كما: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الفلك: السفينة.
[ 45 ]
وقوله بأعيننا يقول: بعين الله ووحيه كما يأمرك. كما: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: واصنع الفلك بأعيننا ووحينا وذلك أنه لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحي الله إليه أن يصنعها على مثل جؤجؤ الطائر. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ووحينا قال: كما نأمرك. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بأعيننا ووحينا: كما نأمرك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: واصنع الفلك بأعيننا ووحينا قال: بعين الله، قال ابن جريج، قال مجاهد: ووحينا قال: كما نأمرك. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: بأعيننا ووحينا قال: بعين الله ووحيه. وقوله: ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون يقول تعالى ذكره: ولا تسألني في العفو عن هؤلاء الذي ظلموا أنفسهم من قومك، فأكسبوها تعديا منهم عليها بكفرهم بالله الهلاك بالغرق، إنهم مغرقون بالطوفان. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: ولا تخاطبني قال: يقول: ولا تراجعني قال: تقدم أن لا يشفع لهم عنده. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ئ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب
[ 46 ]
مقيم ئ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل) *. يقول تعالى ذكره: ويصنع نوح السفينة، وكلما مر عليه جماعة من كبراء قومه سخروا منه، يقول: هزئوا من نوح، ويقولون له: أتحولت نجارا بعد النبوة وتعمل السفينة في البر فيقول لهم نوح: إن تسخروا منا: إن تهزءوا منا اليوم، فإنا نهزأ منكم في الآخرة كما تهزءون منا في الدنيا. فسوف تعلمون إذا عاينتم عذاب الله، من الذي كان إلى نفسه مسيئا منا. وكانت صنعة نوح السفينة كما: حدثني المثنى وصالح بن مسمار، قالا: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا موسى بن يعقوب، قال: ثني فائد مولى عبيد الله بن علي بابي رافع: أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة، أخبره أن عائشة زوج النبي (ص) أخبرته: أن رسول الله (ص) قال: لو رحم الله أحدا من قوم نوح لرحم أم الصبي. قال رسول الله (ص): كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله حتى كان آخر زمانه غرس شجرة، فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم قطعها، ثم جعل يعمل سفينة، ويمرون فيسألونه، فيقول: أعملها سفينة، فيسخرون منه ويقولون: تعمل سفينة في البر فكيف تجري ؟ فيقول: سوف تعلمون. فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك خشيت أم الصبي عليه، وكانت تحبه حبا شديدا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بين يديها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن طول السفينة ثلاث مئة ذراع، وعرضها خمسون ذراعا، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وبابها في عرضها.
[ 47 ]
حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا مبارك، عن الحسن، قال: كان طول سفينة نوح ألف ذراع ومئتي ذراع، وعرضها ست مئة ذراع حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن مفضل بن فضالة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ان عباس، قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها قال: فانطلق بهم حتى انتهى بهم إلى كثيب من تراب، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه، قال: أتدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا كعب حام بن نوح. قال: فضرب الكثيب بعصاه، قال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب. قال له عيسى: هكذا هلكت ؟ قال: لا، ولكن مت وأنا شاب، ولكني ظننت أنها الساعة، فمن ثم شبت. قال: حدثنا عن سفينة نوح قال: كان طولها ألف ذراع ومئتي ذراع، وعرضها ست مئة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الانس، وطبقة فيها الطير. فلما كثر أرواث الدواب، أوحى الله إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث. فلما وقع الفأر بحبل السفينة يقرضه، أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الاسد فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا على الفأر، فقال له عيسى: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها، فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت، قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت، قال: فطوقها الخضرة التي في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان، فمن ثم تألف البيوت. قال: فقلنا يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا، فيجلس معنا، ويحدثنا ؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال: فقال له: عد بإذن الله، قال: فعاد ترابا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق عمن لا يتهم عن عبيد بن عمير الليثي: أنه كان يحدث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به يعني قوم نوح فيخنقونه حتى يغشي عليه، فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمو حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت في الارض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر النجل بعد النجل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من القرن الذي قبله، حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا. حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله تعالى، كما قص الله
[ 48 ]
علينا في كتابه: رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا إلى آخر القصة، حتى قال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا إلى آخر القصة. فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله واستنصره عليهم، أوحي الله إليه أن واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي بعد اليوم، إنهم مغرقون. فأقبل نوح على عمل الفلك، ولهي عن قومه، وجعل يقطع الخشب، ويضرب الحديد ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو. وجعل قومه يمرون به وهو في ذلك من عمله، فيسخرون منه ويستهزئون به، فيقول: إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم. قال: ويقولون له فيما بلغني: يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة قال: وأعقم الله أرحام النساء، فلا يولد لهم ولد. قال: ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج، وأن يصنعه أزور، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلا ووسطا وعلوا، وأن يجعل فيه كوى. ففعل نوح كما أمره الله، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه إذا جاء أمرنا وفار التنور فاحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن معه إلا قليل، وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه (ف) قال إذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واركب. فلما فار التنور حمل نوح في الفلك من أمره الله، وكانوا قليلا كما قال الله، وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر ذكر وأنثى، فحمل فيه بنيه الثلاثة: سام وحام ويافت ونساءهم، وستة أناس ممن كان آمن به، فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم، ثم أدخل ما أمره به من الدواب وتخلف عنه ابنه يام، وكان كافرا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: سمعته يقول: كان
[ 49 ]
أول ما حمل نوح في الفلك من الدواب الدرة، وآخر ما حمل الحمار فلما دخل الحمار وأدخل صدره مسك إبليس بذنبه، فلم تستقل رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال نوح: ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك قال: كلمة زلت عن لسانه. فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله، فدخل ودخل الشيطان معه، فقال له نوح: ما أدخلك علي يا عدو الله ؟ فقال: ألم تقل: ادخل وإن كان الشيطان معك ؟ قال: اخرج عنها عني يا عدو الله فقال: ما لك بد من أن تحملني. فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك. فلما اطمأن نوح في الفلك، وأدخل فيه من آمن به، وكان ذلك في الشهر من السنة التي دخل فيها نوح بعد ست مئة سنة من عمره لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر فلما دخل وحمل معه من حمل، تحرك ينابيع الغوط الاكبر، وفتح أبواب السماء، كما قال الله لنبيه محمد (ص): ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر فدخل نوح ومن معه الفلك وغطاه عليه وعلى من معه بطبقة، فكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يوما وأربعون ليلة. ثم احتمل الماء كما تزعم أهل التوراة، وكثر الماء واشتد وارتفع يقول الله لمحمد: وحملناه على ذات ألواح ودسر والدسر: المسامير، مسامير الحديد. فجعلت الفلك تجري به وبمن معه في موج كالجبال ونادى نوح ابنه الذي هلك فيمن هلك، وكان في معزل حين رأى نوح من صدق موعد ربه ما رأى فقال: يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين وكان شقيا قد أضمر كفرا، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء وكان عهد الجبال وهي حرز من الامطار إذا كانت، فظن أن ذلك كما كان يعهد. قال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وكثر الماء حتى طغى وارتفع فوق الجبال كما تزعم أهل التوراة بخمسة عشر ذراعا، فباد ما على وجه الارض من الخلق من كل شئ فيه الروح أو شجر، فلم يبق شئ من الخلائق إلا نوح ومن معه في الفلك، وإلا عوج بن عنق فيما يزعم أهل الكتاب. فكان بين أن أرسل الله الطوفان وبين أن غاض الماء ستة أشهر وعشر ليال
[ 50 ]
. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن علي بن زيد بن جدعان، قال ابن حميد، قال سلمة وحدثني حسن بن علي بن زيد عن يوسف بن مهران، قال: سمعته يقول: لما آذى نوحا في الفلك عذرة الناس، أمر أن يمسح ذنب الفيل، فمسحه فخرج منه خنزيران، وكفي ذلك عنه. وإن الفأر توالدت في الفلك، فلما آذته، أمر أن يأمر الاسد يعطس، فعطس فخرج من منخريه هران يأكلان عنه الفأر. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: لما كان نوح في السفينة، قرض الفأر حبال السفينة، فشكا نوح، فأوحي الله إليه فمسح ذنب الاسد فخرج سنوران. وكان في السفينة عذرة، فشكا ذلك إلى ربه، فأوحي الله إليه، فمسح ذنب الفيل، فخرج خنزيران. حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: ثنا الاسود بن عامر، قال: أخبرنا سفيان بن سعيد، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، بنحوه. حدثت عن المسيب بن أبي روق، عن الضحاك، قال: قال سليمان القراسي: عمل نوح السفينة في أربع مئة سنة، وأنبت الساج أربعين سنة حتى كان طوله أربع مئة ذراع، والذراع إلى المنكب. القول في تأويل قوله تعالى: من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه: فسوف تعلمون أيها القوم إذا جاء أمر الله، من الهالك من يأتيه عذاب يخزيه يقول: الذي يأتيه عذاب الله منا ومنكم يهينه ويذله، ويحل عليه عذاب مقيم يقول: وينزل به في الآخرة مع ذلك عذاب دائم لا انقطاع له، مقيم عليه أبدا. وقوله: حتى إذا جاء أمرنا يقول: ويصنع نوح الفلك حتى إذا جاء أمرنا الذي وعدناه أن يجئ قومه من الطوفان الذي يغرقهم. وقوله: وفار التنور اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: انبجس الماء من وجه الارض، وفار التنور، وهو وجه الارض. ذكر من قال ذلك:
[ 51 ]
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام بن حوشب، عن الضحاك، عن ابن عباس أنه قال في قوله: وفار التنور قال: التنور: وجه الارض. قال: قيل له: إذا رأيت الماء على وجه الارض، فاركب أنت ومن معك قال: والعرب تسمى وجه الارض: تنور الارض. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن العوام، عن الضحاك، بنحوه. حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا الشيباني، عن عكرمة، في قوله: وفار التنور قال: وجه الارض. حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة وسفيان بن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، عن الشيباني، عن عكرمة: وفار التنور قال: وجه الارض. وقال آخرون: هو تنوير الصبح من قولهم: نور الصبح تنويرا. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا محمد بن فضيل، قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن عباس مولى أبي جحيفة، عن أبي جحيفة، عن علي رضي الله عنه، قوله: حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قال: هو تنوير الصبح. حدثنا ابن وكيع وإسحاق بن إسرائيل، قالا: ثنا محمد بن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد مولى أبي جحيفة، عن أبي جحيفة، عن علي في قوله: وفار التنور قال: تنوير الصبح. حدثنا حماد بن يعقوب، قال: أخبرنا ابن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن مولى أبي جحيفة، أراه قد سماعن أبي جحيفة، عن علي: وفار التنور قال: تنوير الصبح. حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا هشيم، عن ابن إسحاق، عن رجل من قريش، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وفار التنور قال: طلع الفجر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن رجل قد سماه، عن علي بن أبي طالب، قوله: وفار التنور قال: إذا طلع الفجر.
[ 52 ]
وقال آخرون: معنى ذلك: وفار على الارض وأشرف مكان فيها بالماء. وقال: التنور أشرف الارض ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور كنا نحدث أنه أعلى الارض وأشرفها، وكان علما بين نوح وبين ربه. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: سمعت قتادة، قوله: وفار التنور قال: أشرف الارض وأرفعها فار الماء منه. وقال آخرون: هو التنور الذي يختبز فيه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قال: إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الماء فإنه هلاك قومك. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم عن أبي محمد، عن الحسن، قال: كان تنورا من حجارة كان لحواء حتى صار إلى نوح، قال: فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وفار التنور قال: حين انبجس الماء وأمر نوح أن يركب هو ومن معه في الفلك. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وفار التنور قال: انبجس الماء منه آية أن يركب بأهله ومن معه في السفينة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه، إلا أنه قال: آية أن يركب أهله ومن معه في السفينة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه، إلا أنه قال: آية بأن يركب بأهله ومن معهم في السفينة. حدثني الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد، قال: نبع الماء في التنور، فعلمت به امرأته فأخبرته. قال: وكان ذلك في ناحية الكوفة.
[ 53 ]
قال: ثنا القاسم، قال: ثنا علي بن ثابت، عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي: أنه كان يحلف بالله ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن النضر أبي عمر الخزاز، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وفار التنور قال: فار التنور بالهند. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال سمعت الضحاك يقول في قوله: وفار التنور كان آية لنوح إذا خرج منه الماء فقد أتي الناس الهلاك والغرق. وكان ابن عباس يقول في معنى فار: نبع. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وفار التنور قال: نبع. قال أبو جعفر: وفوران الماء سورة دفعته، يقال منه: فار الماء يفور فورانا وفورا، وذاك إذا سارت دفعته. وأولى هذه الاقوال عندنا بتأويل قوله: التنور قول من قال: هو التنور الذي يبز فيه لان ذلك هو المعروف من كلام العرب، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الاغلب الاشهر من معانيه عند العرب إلا أن تقوم حجة على شئ منه بخلاف ذلك فيسلم لها. وذلك أنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به لافهامهم معنى ما خاطبهم به. قلنا لنوح حين جاء عذابنا قومه الذي وعدنا نوحا أن نعذبهم به، وفار التنور الذي جعلنا فورانه بالماء آية مجئ عذابنا بيننا وبينه لهلاك قومه: احمل فيها يعني في الفلك من كل زوجين اثنين يقول: من كل ذكر وأنثى. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من كل زوجين اثنين قال: ذكر وأنثى من كل صنف. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 54 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من كل زوجين اثنين فالواحد زوج، والزوجين ذكر وأنثى من كل صنف. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من كل زوجين اثنين قال: ذكر وأنثى من كل صنف. قال: ثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابجريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين يقول: من كل صنف اثنين. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: من كل زوجين اثنين يعني بالزوجين اثنين: ذكرا وأنثى. وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين: الزوجان في كلام العرب: الاثنان، قال: ويقال عليه زوجا نعال: إذا كانت عليه نعلان، ولا يقال عليه زوج نعال، وكذلك عنده زوجا حمام، وعليه زوجا قيود. وقال: ألا تسمع إلى قوله: وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى فإنما هما اثنان. وقال بعض البصريين من أهل العربية في قوله: قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين قال: فجعل الزوجين: الضربين، الذكور والاناث، قال: وزعم يونس أن قول الشاعر: وأنت امرء تعدو على كل غرة فتخطئ فيها مرة وتصيب
[ 55 ]
يعني به الذئب. قال: فهذا أشذ من ذلك. وقال آخر منهم: الزوج: اللون، قال: وكل ضرب يدعي لونا، واستشهد ببيت الاعشى في ذلك: وكل زوج من الديباج يلبسه أبو قدامة محبو بذاك معا وبقول لبيد بذي بهجة كن المقانب صوته وزينه أزواج نور مشرب وذكر أن الحسن قال في قوله: من كل شئ خلقنا زوجين السماء زوج، والارض زوج، والشتاء زوج، والصيف زوج، والليل زوج، والنهار زوج، حتى يصير الامر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شئ. وقوله: وأهلك إلا من سبق عليه القول يقول: واحمل أهلك أيضا في الفلك، يعني بالاهل: ولده ونساءه وأزواجه إلا من سبق عليه القول يقول: إلا من قلت فيهم إني مهلكه مع من أهلك من قومك. ثم اختلفوا في الذي استثناه الله من أهله، فقال بعضهم: هو بعض نساء نوح. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: وأهلك إلا من سبق عليه القول قال العذاب، هي امرأته كانت من الغابرين في العذاب.
[ 56 ]
وقال آخرون: بل هو ابنه الذي غرق. ذكر من قال ذلك: حدثت عن المسيب، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله: وأهلك إلا من سبق عليه القول قال: ابنه غرق فيمن غرق. وقوله: ومن آمن يقول: واحمل معهم من صدقك واتبعك من قومك. يقول الله: وما آمن معه إلا قليل يقول: وما أقر بوحدانية الله مع نوح من قومه إلا قليل. واختلفوا في عدد الذين كانوا آمنوا معه فحملهم معه في الفلك، فقال بعضهم في ذلك: كانوا ثمانية أنفس. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل قال: ذكر لنا أنه لم يتم في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنيه، ونساؤهم، فجميعهم ثمانية. حدثنا ابن وكيع والحسن بن عرفة، قالا: ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم: وما آمن معه إلا قليل قال: نوح، وثلاثة بنيه، وأربع كنائنه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: حدثت أن نوحا حمل معه بنيه الثلاثة وثلاث نسوة لبنيه، وامرأة نوح فهم ثمانية بأزواجهم. وأسماء بنيه: يافث، وسام، وحام، وأصاب حام زوجته في السفينة، فدعا نوح أن يغير نطفته فجاء بالسودان. وقال آخرون: بل كانوا سبعة أنفس. ذكر من قال ذلك: حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش: وما آمن معه إلا قليل قال: كانوا سبعة: نوح، وثلاث كنائن له، وثلاثة بنين. وقال آخرون: كانوا عشرة سوى نسائهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فار التنور، حمل نوح في الفلك من أمره الله به، وكانوا قليلا كما قالالله، فحمل بنيه الثلاثة: سام، وحام، ويافث، ونساءهم، وستة أناسي ممن كان آمن، فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه وأزواجهم.
[ 57 ]
وقال آخرون: بل كانوا ثمانين نفسا. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس: حمل نوح معه في السفينة ثمانين إنسانا. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، كان بعضهم يقول: كانوا ثمانين، يعني القليل الذي قال الله: وما آمن معه إلا قليل. حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثني حسين بن واقد الخراساني، قال: ثني أبو نهيك، قال: سمعت ابن عباس يقول: كان في سفينة نوح ثمانون رجلا، أحدهم جرهم. والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله: وما آمن معه إلا قليل يصفهم بأنهم كانوا قليلا، ولم يحدد عددهم بمقدار ولا خبر عن رسول الله (ص) صحيح، فلا ينبغي أن يتجاوز في ذلك حد الله، إذ لم يكن لمبلغ عدد ذلك حد من كتاب الله أو أثر عن رسول الله (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: وقال نوح: اركبوا في الفلك بسم الله مجراها ومرساها. وفي الكلام محذوف قد استغني بدلالة ما ذكر من الخبر عليه عنه، وهو قوله: قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه إلا قليل فحملهم نوح فيها وقال لهم: اركبوا فيها. فاستغني بدلالة قوله: وقال اركبوا فيها عن حمله إياهم فيها، فترك ذكره. واختلفت القراء في قراءة قوله: بسم الله مجراها ومرساها فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: بسم الله مجراها ومرساها بضم الميم في الحرفين كليهما. وإذا قرئ كذلك كان من أجرى وأرسى، وكان فيه وجهان من الاعراب: أحدهما الرفع بمعنى: بسم الله إجراؤها وإرساؤها، فيكون المجرى والمرسى مرفوعين حينئذ بالباء التي في قوله: بسم الله. والآخر بالنصب، بمعنى: بسم الله عند إجرائها وإرسائها، أو وقت إجرائها وإرسائها، فيكون قوله: بسم الله كلاما مكتفيا بنفسه، كقول القائل عند ابتدائه في عمل يعمله: بسم الله، ثم يكون المجرى والمرسى منصوبين على ما نصبت
[ 58 ]
العرب قولهم الحمد لله سرار ك وإهلالك، يعنون الهلال أوله وآخره، كأنهم قالوا: الحمد لله أول الهلال وآخره، ومسموع منهم أيضا: الحمد لله ما إهلالك إلى سرارك. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: بسم الله مجراها ومرساها بفتح الميم من مجراها، وضمها من مرساها فجعلوا مجراها مصدرا من جري يجري مجرى، ومرساها من أرسى يرسي إرساء. وإذا قرئ ذلك كذلك كان في إعرابهما من الوجهين نحو الذي فيهما إذا قرئا: مجراها ومرساها بضم الميم فيهما على ما بينت. وروي عن أبي رجاء العطاردي أنه كان يقرأ ذلك: بسم الله مجريها ومرسيها بضم الميم فيهما، ويصيرهما نعتا لله. وإذا قرئا كذلك، كان فيهما أيضا وجهان من الاعراب، غير أن أحدهما الخفض وهو الاغلب عليهما من وجهي الاعراب لان معنى الكلام على هذه القراءة: بسم الله مجري الفلك ومرسيها، فالمجرى نعت لاسم الله. وقد يحتمل أن يكون نصبا، وهو الوجه الثاني، لانه يحسن دخول الالف واللام في المجري والمرسي، كقولك بسم الله المجريها والمرسيها، وإذا حذفتا نصبتا على الحال، إذ كان فيهما معنى النكرة، وإن كانا مضافين إلى المعرفة. وقد ذكر عن بعض الكوفيين أنه قرأ ذلك: مجراها ومرساها، بفتح الميم فيهما جميعا، من جرى ورسا كأنه وجهه إلى أنه في حال جريها وحال رسوها، وجعل كلتا الصفتين للفلك كما قال عنترة: فصبرت نفسا عند ذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع والقراءة التي نختارها في ذلك قراءة من قرأ: بسم الله مجراها بفتح الميم ومرساها بضم الميم، بمعنى: بسم الله حين تجري وحين ترسي. وإنما اخترت الفتح في ميم مجراها لقرب ذلك من قوله: وهي تجري بهم في موج كالجبال ولم يقل: تجرى بهم. ومن قرأ: بسم الله مجراها كان الصواب على قراءته أن يقرأ: وهي تجري
[ 59 ]
بهم. وفي إجماعهم على قراءة تجري بفتح التاء دليل واضح على أن الوجه في مجراها فتح الميم. وإنما اخترنا الضم في مرساها لاجماع الحجة من القراء على ضمها. ومعنى قوله مجراها مسيرها ومرساها وقفها، من وقفها الله وأرساها. وكان مجاهد يقرأ ذلك بضم الميم في الحرفين جميعا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بسم الله مجراها ومرساها قال: حين يركبون ويجرون ويرسون. حدثنا محمد بن عمرو قال، ثنا عاصم قال، ثنا عيس عن إبن أبي نجيح عن. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بسم الله مجراها ومرساها قال: بسم الله حين يجرون وحين يرسون. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا أبوروق، عن الضحاك، في قوله: اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها قال: إذا أراد أن ترسي قال: بسم الله فأرست، وإذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت. وقوله: إن ربي لغفور رحيم يقول: إن ربي لساتر ذنوب من تاب وأناب إليه رحيم بهم أن يعذبهم بعد التوبة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يبني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) *. يعني تعالى ذكره بقوله: وهي تجري بهم والفلك تجري بنوح ومن معه فيها في موج كالجبال ونادى نوح ابنه يام، وكان في معزل عنه لم يركب معه الفلك: يا بني اركب معنا الفلك ولا تكن مع الكافرين. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) *. يقول تعالى ذكره: قال ابن نوح لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة خوفا عليه من الغرق: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء يقول: سأصير إلى جبل أتحصن به من الماء، فيمنعني منه أن يغرقني. ويعني بقوله: يعصمني يمنعني، مثل عصام القربة الذي
[ 60 ]
يشد به رأسها فيمنع الماء أن يسيل منها. وقوله: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم يقول: لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا من رحمنا فأنقذنا منه، فإنه الذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم. ف من في موضع رفع، لان معنى الكلام: لا عاصم يعصم اليوم من أمر الله إلا الله. وقد اختلف أهل العربية في موضع من في هذا الموضع، فقال بعض نحويي الكوفة: هو في موضع نصب، لان المعصوم بخلاف العاصم، والمرحوم معصوم قال: كأن نصبه بمنزلة قوله: ما لهم به من علم إلا اتباع الظن قال: ومن استجاز اتباع الظن والرفع في قوله: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس لم يجز له الرفع في من، لان الذي قال: إلا اليعافير، جعل أنيس البر اليعافير وما أشبهها، وكذلك قوله: إلا اتباع الظن، يقول علمهم ظن. قال: وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول: المعصوم هو عاصم في حال، ولكن لو جعلت العاصم في تأويل معصم، لا معصوم اليوم من أمر الله، لجاز رفع من. قال: ولا ينكر أن يخرج المفعول على فاعل، ألا ترى قوله: من ماء دافق معناه والله أعلم مدفوق ؟ وقوله: في عيشة راضية معناها: مرضية ؟ قال الشاعر: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
[ 61 ]
ومعناه: المكسو. وقال بعض نحويي البصرة: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم على: لكن من رحم، ويجوز أن يكون على: لا ذا عصمة: أي معصوم، ويكون إلا من رحم رفعا بدلا من العاصم. ولا وجه لهذه الاقوال التي حكيناها عن هؤلاء، لان كلام الله تعالى إنما يوجه إلى الافصح الاشهر من كلام من نزل بلسانه ما وجد إلى ذلك سبيل، ولم يضطرنا شئ إلى أن نجعل عاصما في معنى معصوم، ولا أن نجعل إلا بمعنى لكن، إذ كنا نجد لذلك في معناه الذي هو معناه في المشهور من كلام العرب مخرجا صحيحا، وهو ما قلنا من أن معنى ذلك: قال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحمنا فأنجانا من عذابه، كما يقال: لا منجي اليوم من عذاب الله إلا الله، ولا مطعم اليوم من طعام زيد إلا زيد. فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم. وقوله: وحال بينهما الموج فكان من المغرقين يقول: وحال بين نوح موج الماء، فغرق، فكان ممن أهلكه الله بالغرق من قوم نوح (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (وقيل يأرض ابلعي ماءك ويسمآء أقلعي وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) *. يقول الله تعالى ذكره: وقال الله للارض بعد ما تناهى أمره في هلاك قوم نوح بما أهلكهم به من الغرق: يا أر ض ابلعي ماءك: أي تشربي، من قول القائل: بلع فلان كذا يبلعه، أو بلعه يبلعه إذا ازدرده. ويا سماء اقلعي يقول: أقلعي عن المطر: أمسكي. وغيض الماء ذهبت به الارض ونشفته. وقضي الامر يقول: قضي أمر الله، فمضي بهلاك قوم نوح. واستوت على الجودي يعني الفلك. استوت: أرست على الجودي، وهو جبل فيما ذكر بناحية الموصل أو الجزيرة. وقيل بعدا للقوم الظالمين يقول: قال الله: أبعد الله القوم الظالمين الذين كفروا بالله من قوم نوح. حدثنا عباد بن يعقوب الاسدي، قال: ثنا المحاربي، عن عثمان بن مطر، عن عبد العزيز بن عبد الغفور عن أبيه، قال: قال رسول الله (ص): في أول يوم من رجب ركب نوح السفينة فصام هو وجميع من معه، وجرت بهم السفينة ستة أشهر، فانتهى
[ 62 ]
ذلك إلى المحرم، فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرا لله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: كانت السفينة أعلاها للطير، ووسطها للناس، وفي أسفلها السباع، وكان طولها في السماء ثلاثين ذراعا، دفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر ليال مضين من رجب، وأرست على الجودي يوم عاشوراء، ومرت بالبيت فطافت به سبعا، وقد رفعه الله من الغرق، ثم جاءت اليمن، ثم رجعت. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن قتادة، قال: هبط نوح من السفينة يوم العاشر من المحرم، فقال لمن معه: من كان منكم اليوم صائما فليتم صومه، ومن كان مفطرا فليصم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال: كان في زمن نوح شبر من الارض لا إنسان يدعيه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكلنا أنها يعني الفلك استقلت بهم في عشر خلون من رجب، وكانت في الماء خمسين ومئة يوم، واستقرت على الجودي شهرا، وأهبط بهم في عشر من المحرم يوم عاشوراء. وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وغيض الماء قال: نقص. وقضي الامر قال: هلاك قوم نوح.
[ 63 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنحجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. قال: قال ابن جريج وغيض الماء نشفت الارض. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يا سماء أقلعي يقول: أمسكي. وغيض الماء يقول: ذهب الماء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وغيض الماء الغيوض: ذهاب الماء واستوت على الجودي. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: واستوت على الجودي قال: جبل بالجزيرة، تشامخت الجبال من الغرق، وتواضع هو لله فلم يغرق، فأرسيت عليه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: واستوت على الجودي قال: الجودي جبل بالجزيرة، تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت، وتواضع هو لله فلم يغرق، وأرسيت سفينة نوح عليه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: واستوت على الجودي يقول: على الجبل، واسمه الجودي. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان: واستوت على الجودي قال جبل بالجزيرة شمخت الجبال وتواضع حين أرادت أن ترفأ عليه سفينة نوح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: واستوت على الجودي أبقاها الله لنا بوادي أرض الجزيرة عبرة وآية. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: واستوت على الجودي هو جبل بالموصل.
[ 64 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نوحا بعث الغراب لينظر إلى الماء، فوجد جيفة فوقع عليها، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون، فأعطيت الطوق الذي في عنقها وخضاب رجليها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما أراد الله أن يكف ذلك يعني الطوفان أرسل ريحا على وجه الارض، فسكن الماء، واستدت ينابيع الارض الغمر الاكبر، وأبواب السماء يقول الله تعالى: وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي... إلى: بعدا للقوم الظالمين فجعل ينقص ويغيض ويدبر. وكان استواء الفلك على الجودي فيما يزعم أهل التوراة في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه، في أول يوم من الشهر العاشر، رئي رؤوس الجبال. فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه، ولم يجد لرجليها موضعا، فبسط يده للحمامة فأخذها ثم مكث سبعة أيام، ثم أرسلها لتنظر له، فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتونة، فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الارض. ثم مكث سبعة أيام، ثم أرسلها فلم ترجع، فعلم نوح أن الارض قد برزت، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الاول من سنة اثنتين برز وجه الارض، فظهر اليبس، وكشف نوح غطاء الفلك، ورأى وجه الارض. وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في سبع وعشرين ليلة منه قيل لنوح: اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: تزعم أناس أن من غرق من الولدان مع آبائهم، وليس كذلك، إنما الولدان بمنزلة الطير وسائر من أغرق الله بغير ذنب، ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم، والمدركون من الرجال والنساء كان الغرق عقوبة من الله لهم في الدنيا ثم مصيرهم إلى النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين) *. يقول تعالى ذكره: ونادى نوح ربه، فقال: رب إنك وعدتني أن تنجيني من الغرق
[ 65 ]
والهلاك وأهلي، وقد هلك ابني، وابني من أهلي. وإن وعدك الحق الذي لا خلف له. وأنت أحكم الحاكمين بالحق، فاحكم لي بأن تفي بما وعدتنا من أن تنجي لي أهلي وترجع إلي ابني. كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وأنت أحكم الحاكمين قال: أحكم الحاكمين بالحق القول في تأويل قوله تعالى: * (قال ينوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) *. يقول الله تعالى ذكره: قال الله يا نوح إن الذي غرقته فأهلكته الذي تذكر أنه من أهلك ليس من أهلك. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ليس من أهلك فقال بعضهم: معناه: ليس من ولدك هو من غيرك. وقالوا: كان ذلك من حنث. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله: إنه ليس من أهلك قال: لم يكن ابنه. حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن جابر، عن أبي جعفر: ونادى نوح ابنه قال ابن امرأته. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن أصحاب ابن أبي عروبة فيهم الحسن، قال: لا والله ما هو بابنه. قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر: ونادى نوح ابنه قال: هذه بلغة طي لم يكن ابنه، كان ابن امرأته. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن عوف،
[ 66 ]
ومنصور، عن الحسن في قوله: إنه ليس من أهلك قال: لم يكن ابنه. وكان يقرؤها: إنه عمل غير صالح. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قال: كنت عند الحسن فقال: نادي نوح ابنه: لعمر الله ما هو ابنه قال: قلت يا أبا سعيد يقول: ونادى نوح ابنه وتقول: ليس بابنه ؟ قال: أفرأيت قوله: إنه ليس من أهلك ؟ قال: قلت إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه. قال: إن أهل الكتاب يكذبون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: سمعت الحسن يقرأ هذه الآية: إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فقال عند ذلك: والله ما كان ابنه ثم قرأ هذه الآية: فخانتاهما قال سعيد: فذكرت ذلك لقتال، قال: ما كان ينبغي له أن يحلف. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فلا تسألن ما ليس لك به علم قال: تبين لنوح أنه ليس بابنه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فلا تسألن ما ليس لك به علم قال: بين الله لنوح أنه ليس بابنه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. قال ابن جريج في قوله: ونادى نوح ابن قال: ناداه وهو يحسبه أنه ابنه وكان ولد على فراشه. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن ثور، عن أبي جعفر: إنه ليس من أهلك قال: لو كان من أهله لنجا.
[ 67 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، وسمع عبيد بن عمير يقول: نرى أن ما قضى رسول الله (ص) الولد للفراش، من أجل ابن نوح. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن الحسن، قال: لا والله ما هو بابنه. وقال آخرون: معنى ذلك: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن يمان، عسفيان، عن أبي عامر، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله: ونادى نوح ابنه قال: هو ابنه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، قال: ثنا أبو عامر، عن الضحاك، قال: قال ابن عباس: هو ابنه، ما بغت امرأة نبي قط. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي عامر الهمداني، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، قال: ما بغت امرأة نبي قط، قال: وقوله: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: هو ابنه، غير أنه خالفه في العمل والنية. قال عكرمة في بعض الحروف: إنه عمل عملا غير صالح، والخيانة تكون على غير باب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرمة يقول: كان ابنه، ولكن كان مخالفا له في النية والعمل، فمن ثم قيل له: إنه ليس من أهلك. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري وابن عيينة، عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة، قال: سمعت ابن عباس يسأل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله تعالى: فخانتاهما قال: أما إنه لم يكن بالزنا، ولكن كانت
[ 68 ]
هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل على الاضياف. ثم قرأ: إنه عمل غير صالح. قال ابن عيينة: وأخبرني عمار الدهني أنه سأل سعيد بن جبير، ذلك فقال: كان ابن نوح، إن الله لا يكذب. قال: ونادى نوح ابنه قال: وقال بعض العلماء: ما فجرت امرأة نبي قط. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمار الدهني، عن سعيد بن جبير، قال: قال الله وهو الصادق، وهو ابنه: ونادى نوح ابنه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سعيد، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس، قال: ما بغت امرأة نبي قط. حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: سألت أبا بشر، عن قوله: إنه ليس من أهلك قال: ليس من أهل دينك، وليس ممن وعدتك أن أنجيهم. قال يعقوب: قال هشيم: كان عامة ما كان يحدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن عبيد، عن يعقوب بن قيس، قال: أتى سعيد بن جبير رجل فقال: يا أبا عبد الله، الذي ذكر الله في كتابه ابن نوح أبنه هو ؟ قال: نعم، والله إن نبي الله أمره أن يركب معه في السفينة فعصى، فقال: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح لمعصية نبي الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير أنه جاء إليه رجل فسأله فقال: أرأيتك ابن نوح: أبنه ؟ فسبح طويلا ثم قال: لا إله إلا الله، يحدث الله محمدا: ونادى نوح ابنه وتقول ليس منه ولكن خالفه في العمل، فليس منه من لم يؤمن. حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة، في قوله: ونادى نوح ابنه قال: أشهد أنه ابنه، قال الله: ونادى نوح ابنه.
[ 69 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قالا: هو ابنه. حدثني فضالة بن الفضل الكوفي، قال: قال بزيع: سأل رجل الضحاك عن ابن نوح فقال: ألا تعجبون إلى هذا الاحمق يسألني عن ابن نوح ؟ وهو ابن نوح، كما قال الله: قال نولابنه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك أنه قرأ: ونادى نوح ابنه. وقوله: ليس من أهلك قال: يقول: ليس هو من أهلك. قال: يقول: ليس هو من أهل ولايتك، ولا ممن وعدتك أن أنجي من أهلك. إنه عمل غير صالح قال: يقول: كان عمله في شرك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك، قال: هو والله ابنه لصلبه. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: ليس من أهلك قال: ليس من أهل دينك، ولا ممن وعدتك أن أنجيه، وكان ابنه لصلبه. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: قال يا نوح إنه ليس من أهلك يقول: ليس ممن وعدناه النجاة. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إنه ليس من أهلك يقول: ليس من أهل ولايتك، ولا ممن وعدتك أن أنجي من أهلك. إنه عمل غير صالح يقول: كان عمله في شرك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا خالد بن حيان، عن جعفر بن برقان، عن ميمون، وثابت بن الحجاج قالا: هو ابنه ولد على فراشه. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم، لانه كان لدينك مخالفا وبي كافرا. وكان ابنه لان الله تعالى ذكره قد أخبر نبيه محمدا (ص) أنه ابنه، فقال: ونادى نوح ابنه وغير جائز أن يخبر أنه ابنه فيكون بخلاف ما أخبر. وليس في قوله: إنه ليس من أهلك دلالة على أنه ليس بابنه، إذ كان
[ 70 ]
قوله: ليس من أهلك محتملا من المعنى ما ذكرنا، ومحتملا أنه ليس من أهل دينك، ثم يحذف الدين فيقال: إنه ليس من أهلك، كما قيل: واسأل القرية التي كنا فيها. وأما قوله: إنه عمل غير صالح فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأته عامة قراء الامصار: إنه عمل غير صالح بتنوين عمل ورفع غير. واختلف الذي قرءوا ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: معناه: إن مسألتك إياي هذه عمل غير صالح. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: إنه عمل غير صالح قال: إن مسألتك إياي هذه عمل غير صالح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إنه عمل غير صالح أي سوء فلا تسألن ما ليس لك به علم. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنه عمل غير صالح يقول: سؤالك عما ليس لك به علم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن حمزة الزيات، عن الاعمش، عن مجاهد، قوله: إنه عمل غير صالح قال: سؤالك إياي عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم. وقال آخرون: بل معناه: إن الذي ذكرت أنه ابنك فسألتني أن أنجيه عمل غير صالح، أي أنه لغير رشدة. وقالوا: الهاء في قوله: إنه عائدة على الابن. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن أنه قرأ: عمل غير صالح قال: ما هو والله بابنه. وروي عن جماعة من السلف أنهم قرأوا ذلك: إنه عمل غير صالح على وجه الخبر عن الفعل الماضي، وغير منصوبة. وممن روي عنه أنه قرأ ذلك كذلك ابن عباس. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة، عن ابن عباس أنه قرأ: عمل غير صالح.
[ 71 ]
ووجهوا تأويل ذلك إلى ما. حدثنا به ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن ابن أبي عروبة عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: إنه عمل غير صالح قال: كان مخالفا له في النية والعمل. ولا نعلم هذه القراءة قرأ بها أحد من قراء الامصار إلا بعض المتأخرين. واعتل في ذلك بخبر روي عن رسول الله (ص) أنه قرأ ذلك كذلك غير صحيح السند، وذلك حديث روي عن شهر بن حوشب، فمرة يقول عن أم سلمة، ومر يقول عن أسماء بنت يزيد، ولا نعلم لبنت يزيد ولا نعلم لشهر سماعا يصح عن أم سلمة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الامصار، وذلك رفع عمل بالتنوين، ورفع غير، يعني: إن سؤالك إياي ما تسألنيه في ابنك المخالف دينك الموالي أهل الشرك بي من النجاة من الهلاك، وقد مضت إجابتي إياك في دعائك: لا تذر على الارض من الكافرين ديارا ما قد مضى من غير استثناء أحد منهم عمل غير صالح، لانه مسألة منك إلي أن لا أفعل ما قد تقدم مني القول بأني أفعله في إجابتي مسألتك إياي فعله، فذلك هو العمل غير الصالح. وقوله: فلا تسألن ما ليس لك به علم نهي من الله تعالى ذكره نبيه نوحا أن يسأله عن أسباب أفعاله التي قد طوى علمها عنه وعن غيره من البشر. يقول له تعالى ذكره: إني يا نوح قد أخبرتك عن سؤالك سبب إهلاكي ابنك الذي أهكلته، فلا تسألن بعدها عما قد طويت علمه عنك من أسباب أفعالي، وليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين في مسألتك إياي عن ذلك. وكان ابن زيد يقول في قوله: إني أعظك أن تكون من الجاهلين ما: حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إني أعظك أن تكون من الجاهلين أن تبلغ الجهالة بك أن لا أفي لك بوعد وعدتك حتى تسألني ما ليس لك به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين. واختلفت القراء في قراءة قوله: فلا تسألن ما ليس لك به علم فقرأ ذلك عامة قراء الامصار فلا تسألن ما ليس لك به علم بكسر النون وتخفيفها، ونحوا بكسرها إلى الدلالة على الياء التي هي كناية اسم الله فلا تسألن. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض
[ 72 ]
أهل الشام: فلا تسألن بتشديد النون وفتحها، بمعنى: فلا تسألن يا نوح ما ليس لك به علم. والصواب من القراءة في ذلك عندنا تخفيف النون وكسرها، لان ذلك هو الفصيح من كلام العرب المستعمل بينهم. القول في تأويل قوله تعالى: قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا نبيه محمدا (ص) عن إنابة نوح عليه السلام بالتوبة إليه من زلته في مسألته التي سألها ربه في ابنه قال رب إني أعوذ بك أي أستجير بك أن أتكلف مسألتك، ما ليس لي به علم مما قد استأثرت بعلمه وطويت علمه عن خلقك، فاغفر لي زلتي في مسألتي إياك ما سألتك في ابني، وإن أنت لم تغفرها لي وترحمني فتنقذني من غضبك أكن من الخاسرين يقول: من الذين غبنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (قيل ينوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: يا نوح اهبط من الفلك إلى الارض بسلام منا يقول: بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا، وبركات عليك يقول: وبركات عليك، وعلى أمم ممن معك يقول: وعلى قرون تجئ من ذرية من معك من ولدك، فهؤلاء المؤمنون من ذرية نوح الذين سبقت لهم من الله السعادة وبارك عليهم قبل أن يخلقهم في بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم. ثم أخبر تعالى ذكره نوحا عما هو فاعل بأهل الشقاء من ذريته، فقال له: وأمم يقول: وقرون وجماعة، سنمتعهم في الحياة في الدنيا يقول: نرزقهم فيها ما يتمتعون به إلى أن يبلغوا آجالهم. ثم يمسهم منا عذاب أليم يقول: ثم نذيقهم إذا وردوا علينا عذابا مؤلما موجعا.
[ 73 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك.... إلى آخر الآية، قال: دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ودخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك قال: دخل في السلام كل مؤمن ومؤمنة، وفي الشرك كل كافر وكافرة. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك قراءة عن ابن جريج: وعلى أمم ممن معك يعني ممن لم يولد، قد قضي البركات لمن سبق له في علم الله وقضائه السعادة. وأمم سنمتعهم من سبق له في علم الله وقضائه الشقاوة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج بنحوه، إلا أنه قال: وأمم سنمتعهم متاع الحياة الدنيا، ممن قد سبق له في علم الله وقضائه الشقاوة. قال: ولم يهلك الولدان يوم غرق نوح بذنب آبائهم كالطير والسباع، ولكن جاء أجلهم مع الغرق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم قال: هبطوا والله عنهم راض، هبطوا بسلام من الله، كانوا أهل رحمة من أهل ذلك الدهر. ثم أخرج منهم نسلا بعد ذلك أمما، منهم من رحم، ومنهم من عذب. وقرأ: وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم وذلك إنما افترقت الامم من تلك العصابة التي خرجت من ذلك الماء وسلمت. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك.... الآية، يقول: بركات عليك وعلى أممم ممن معك لم يولدوا،
[ 74 ]
أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة. وأمم سنمتعهم يعني: متاع الحياة الدنيا. ثم يمسهم منا عذاب أليم لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن حميد، عن الحسن: أنه كان إذا قرأ سورة هود، فأتى على: يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك حتى ختم الآية، قال الحسن: فأنجى الله نوحا والذين آمنوا، وهلك المتمتعون حتى ذكر الانبياء، كل ذلك يقول: أنجاه الله وهلك المتمتعون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم قال: بعد الرحمة حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرنا عبد الله بن شوذب، قال: سمعت داود بن أبي هند يحدث عن الحسن أنه أتى على هذه الآية: اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم قال: فكان ذلك حين بعث الله عادا، فأرسل إليهم هودا، فصدقه مصدقون وكذبه مكذبون حتى جاء أمر الله فلما جاء أمر الله نجى الله هودا والذين آمنوا معه، وأهلك الله المتمتعين، ثم بعث الله ثمود، فبعث إليهم صالحا، فصدقه مصدقون وكذبه مكذبون، حتى جاء أمر الله فلما جاء أمر الله نجى الله صالحا والذين آمنوا معه وأهلك الله المتمتعين، ثم استقرأ الانبياء نبيا نبيا على نحو من هذا. القول في تأويل قوله تعالى: * (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): هذه القصة التي أنبأتك بها من قصة نوح وخبره وخبر قومه من أنباء الغيب يقول: هي من أخبار الغيب التي لم تشهدها فتعلمها، نوحيها إليك يقول: نوحيها إليك نحن فنعرفكها، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا الوحي الذي نوحيه إليك، فاصبر على القيام بأمر الله وتبليغ رسالته وما تلقى من مشركي قومك، كما صبر نوح. إن العاقبة للمتقين يقول: إن الخير من عواقب الامور لمن اتقى الله فأدى فرائضه واجتنب معاصيه فهم الفائزون بما يؤملون من النعيم في الآخرة والظفر في الدنيا بالطلبة، كما كانت عاقبة نوح إذ صبر لامر الله أن نجاه من الهلكة مع من آمن به وأعطاه في الآخرة ما أعطاه من الكرامة، وغرق المكذبين به فأهلكهم جميعهم.
[ 75 ]
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا القرآن، وما كان علم محمد (ص) وقومه ما صنع نوح وقومه، لولا ما بين الله في كتابه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإلى عاد أخاهم هودا قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون) *. يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هودا، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له دون ما تعبدون من دونه من الآلهة والاوثان. ما لكم من إله غيره يقول: ليس لكم معبود يستحق العبادة عليكم غيره، فأخلصوا له العبادة وأفردوه بالالوهة. إن أنتم إلا مفترون يقول: ما أنتم في إشراككم معه الآلهة والاوثان إلا أهل فرية مكذبون، تختلقون الباطل، لانه لا إله سواه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله وخلع الاوثان والبراءة منها جزاء وثوابا. إن أجري إلا على الذي فطرني يقول: إن ثوابي وجزائي على نصيحتي لكم، ودعائكم إلى الله، إلا على الذي خلقني. أفلا تعقلون يقول: أفلا تعقلون أني لو كنت أبتغي بدعايتكم إلى الله غير النصيحة لكم وطلب الحظ لكم في الدنيا والآخرة لالتمست منكم على ذلك بعض أعراض الدنيا وطلبت منكم الاجر والثواب ؟ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن أجري إلا على الذي فطرني أي خلقني. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين) *.
[ 76 ]
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: ويا قوم استغفروا ربكم يقول: آمنوا به حتى يغفر لكم ذنوبكم. والاستغفار: هو الايمان بالله في هذا الموضع، لان هودا (ص) إنما دعا قومه إلى توحيد الله ليغفر لهم ذنوبهم، كما قال نوح لقومه: اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويوخركم إلى أجل مسمى. وقوله: ثم توبوا إليه يقول: ثم توبوا إلى الله من سالف ذنوبكم وعبادتكم غيره بعد الايمان به. يرسل السماء عليكم مدرارا يقول: فإنكم إن آمنتم بالله وتبتم من كفركم به، أرسل قطر السماء عليكم يدر لكم الغيث في وقت حاجتكم إليه، وتحيا بلادكم من الجدب والقحط. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: مدرارا يقول: يتبع بعضها بعضا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: يرسل السماء عليكم مدرارا قال: يدر ذلك عليهم قطرا ومطرا. وأما قوله: ويزدكم قوة إلى قوتكم فإن مجاهدا كان يقول في ذلك ما: حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ويزدكم قوة إلى قوتكم قال: شدة إلى شدتكم. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وإسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين: قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد، فذكر مثله. حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ويزدكم قوة إلى قوتكم قال: جعل لهم قوة، فلو أنهم أطاعوه، زادهم قوة إلى قوتهم. وذكر لنا أنه إنما قيل لهم: ويزدكم قوة إلى قوتكم قال: إنه قد كان انقطع النسل عنهم سنين، فقال هود لهم: إن آمنتم بالله أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد، لان ذلك من القوة. وقوله: ولا تتولوا مجرمين يقول: ولا تدبروا عما أدعوكم إليه من توحيد الله، والبراءة من الاوثان والاصنام مجرمين، يعني كافرين بالله. القول في تأويل قوله تعالى: *
[ 77 ]
(قالوا يهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين) *. يقول تعالى ذكره: قال قوم هود لهود: يا هود ما أتيتنا ببيان ولا برهان على ما تقول، فنسلم لك، ونقر بأنك صادق فيما تدعونا إليه من توحيد الله والاقرار بنبوتك. وما نحن بتاركي آلهتنا يقول: وما نحن بتاركي آلهتنا يعني لقولك: أو من أجل قولك. وما نحن لك بمؤمنين يقول: قالوا: وما نحن لك بما تدعي من النبوة والرسالة من الله إلينا بمصدقين. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون ئ من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون) *. وهذا خبر من الله تعالى ذكره، عن قول قوم هود أنهم قالوا له، إذ نصح لهم ودعاهم إلى توحيد الله وتصديقه، وخلع الاوثان والبراءة منها: لا نترك عبادة آلهتنا، وما نقول إلا أن الذي حملك على ذمها والنهي عن عبادتها أنه أصابك منها خبل من جنون فقال هود لهم: إني أشهد الله على نفسي وأشهدكم أيضا أيها القوم أني برئ مما تشركون في عبادة الله من آلهتكم وأوثانكم من دونه، فكيدوني جميعا يقول: فاحتالوا أنتم جميعا وآلهتكم في ضري ومكروهي، ثم لا تنظرون يقول: ثم لا تؤخرون ذلك، فانظروا هل تنالونني أنتم وهم بما زعمتم أن آلهتكم نالتني به من السوء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال: أصابتك الاوثان بجنون. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال: أصابك الاوثان بجنون. حدثني المثنى، قال: ثنا ابن دكين، قال: ثنا سفيان، عن عيسى، عن مجاهد: إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال: سببت آلتها وعبتها فأجنتك.
[ 78 ]
قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: اعتراك بعض آلهتنا بسوء أصابك بعض آلهتنا بسوء يعنون الاوثان. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال: أصابك الاوثان بجنون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال: تصيبك آلهتنا بالجنون. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال: ما يحملك على ذم آلهتنا، إلا أنه أصابك منها سوء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال: إنما تصنع هذا بآلهتنا أنها أصابتك بسوء. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عبد الله بن كثير: أصابتك آلهتنا بشر. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء يقولون: نخشى أن يصيبك من آلهتنا سوء، ولا نحب أن تعتريك، يقولون: يصيبك منها سوء. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء يقولون: اختلط عقلك فأصابك هذا مما صنعت بك آلهتنا. وقوله: اعتراك افتعل، من عراني الشئ يعروني: إذا أصابك، كما قال الشاعر: ش من القوم يعروه اجتراء ومأثم
[ 79 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) *. يقول: إني على الله الذي هو مالكي ومالككم والقم على جميع خلقه توكلت من أن تصيبوني أنتم وغيركم من الخلق بسوء، فإنه ليس من شئ يدب على الارض إلا والله مالكه وهو في قبضته وسلطانه ذليل له خاضع. فإن قال قائل: وكيف قيل: هو آخذ بناصيتها، فخص بالاخذ الناصية دون سائر أماكن الجسد ؟ قيل: لان العرب كانت تستعمل ذلك في وصفها من وصفته بالذلة والخضوع، فتقول: ما ناصية فلان إلا بيد فلان، أي أنه له مطيع يصرفه كيف شاء وكانوا إذا أسروا الاسير فأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته ليعتدوا بذلك عليه فخرا عند المفاخرة. فخاطبهم الله بما يعرفون في كلامهم، والمعنى ما ذكرت. وقوله: إن ربي على صراط مستقيم يقول: إن ربي على طريق الحق، يجازي المحسن من خلقه بإحسانه والمسئ بإساءته، لا يظلم أحدا منهم شيئا ولا يقبل منهم إلا الاسلام والايمان به. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إن ربي على صراط مستقيم الحق. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن تولوا فقد أبلغتكم مآ أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شئ حفيظ) *.
[ 80 ]
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: فإن تولوا يقول: فإن أدبروا معرضين عما أدعوهم إليه من توحيد الله وترك عبادة الاوثان، فقد أبلغتكم أيها القوم ما أرسلت به إليكم وما على الرسول إلا البلاغ. ويستخلف ربقوما غيركم يهلككم ربي، ثم يستبدل ربي منكم قوما غيركم يوحدونه ويخلصون له العبادة. ولا تضرونه شيئا يقول: ولا تقدرون له على ضر إذا أراد إهلاككم أو أهلككم. وقد قيل: لا يضره هلاككم إذا أهلككم لا تنقصونه شيئا، لانه سواء عنده كنتم أو لم تكونوا. إن ربي على كل شئ حفيظ يقول: إن ربي على جميع خلقه ذو حفظ وعلم، يقو: هو الذي يحفظني من أن تنالوني بسوء. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ) *. يقول تعالى ذكره: ولما جاء قوم هود عذابنا نجينا منه هودا والذين آمنوا بالله معه برحمة منا يعني بفضل منه عليهم ونعمة، ونجيناهم من عذاب غليظ يقول: نجيناهم أيضا من عذاب غليظ يوم القيامة، كما نجيناهم في الدنيا من السخطة التي أنزلتها بعاد. القول في تأويل قوله تعالى: * (وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد) *. يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين أحللنا بهم نقمتنا وعذابنا عاد، جحدوا بأدلة الله وحججه، وعصوا رسله الذين أرسلهم إليهم للدعاء إلى توحيده واتباع أمره، واتبعوا أمر كل جبار عنيد يعني كل مستكبر على الله، حائد عن الحق لا يذعن له ولا يقبله، يقال منه: عند عن الحق فهو يعند عنودا، والرجل عاند وعنود، ومن ذلك قيل للعرق الذي ينفجر فلا يرقأ: عرق عاند: أي ضار، ومنه قول الراجز: إني كبير لا أطيق العندا
[ 81 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واتبعوا أمر كل جبار عنيد المشرك. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود) *. يقول تعالى ذكره: وأتبع عاد قوم هود في هذه الدنيا غضبا من الله وسخطة يوم القيامة، مثلها لعنة إلى اللعنة التي سلفت لهم من الله في الدنيا. ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود يقول: أبعدهم الله من الخير، يقال: كفر فلان ربه وكفر بربه، وشكرت لك وشكرتك. وقيل: إن معنى كفروا ربهم: كفروا نعمة ربهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب) *. يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا، فقال لهم يا قوم: اعبدوا الله وحده لا شريك له، وأخلصوا له العبادة دون ما سواه من الآلهة، فما لكم من إله غيره يستوجب عليكم العبادة، ولا تجوز الالوهة إلا له. هو أنشأكم من الارض يقول: هو ابتدأ خلقكم من الارض. وإنما قال ذلك لانه خلق آدم من الارض، فخرج الخطاب لهم إذ كان ذلك فعله بمن هم منه. واستعمركم فيها يقول: وجعلكم عمارا فيها، فكان المعنى فيه: أسكنكم فيها أيام حياتكم، من قولهم: أعمر فلان فلانا داره، وهي له عمري. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 82 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: واستعمركم فيها قال: أعمركم فيها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: واستعمركم فيها يقول: أعمركم. وقوله: فاستغفروه يقول: اعملوا عملا يكون سببا لستر الله عليكم ذنوبكم، وذلك الايمان به وإخلاص العبادة له دون ما سواه واتباع رسوله صالح. ثم توبوا إليه يقول: ثم اتركوا من الاعمال ما يكرهه ربكم إلى ما يرضاه ويحبه. إن ربي قريب مجيب يقول: إن ربي قريب ممن أخلص له العبادة ورغب إليه في التوبة، مجيب له إذا دعاه. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا يصالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ميعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) *. يقول تعالى ذكره: قالت ثمود لصالح نبيهم: يا صالح قد كنت فينا مرجوا: أي كنا نرجو أن تكون فينا سيد قبل هذا القول الذي قلته لنا من أنه مالنا من إله غير الله. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا يقول: أتنهانا أن نعبد الآلهة التي كانت آباؤنا تعبد، وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب يعنون أنهم لا يعلمون صحة ما يدعوهم إليه من توحيد الله، وأن الالوهة لا تكون إلا له خالصا. وقوله مريب أي يوجب التهمة من أربته فأنا أريبه إرابة، إذا فعلت به فعلا يوجب له الريبة، ومنه قول الهذلي: كنت إذا أتوته من غيب يشم عطفي ويبز ثوبي كأنما أربته بريب القول في تأويل قوله تعالى:
[ 83 ]
* (قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير) *. يقول تعالى ذكره: قال صالح لقومه من ثمود: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي يقول إن كنت على برهان وبيان من الله قد علمته وأيقنته وآتاني منه رحمة يقول: وآتاني منه النبوة والحكمة والاسلام، فمن ينصرني من الله إن عصيته يقول: فمن الذي يدفع عني عقابه إذا عاقبني إن أنا عصيته، فيخلصني منه، فما تزيدونني بعذركم الذي تعتذرون به من أنكم تعبدون ما كان يعبد آباؤكم غير تخسير لكم يخسركم حظوظكم من رحمة الله. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فما تزيدونني غير تخسير يقول: ما تزدادون أنتم إلا خسارا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود إذ قالوا له وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب وسألوه الآية على ما دعاهم إليه: يا قوم هذه ناقة الله لكم آية يقول: حجة وعلامة، ودلالة على حقيقة ما أدعوكم إليه. فذروها تأكل في أرض الله فليس عليكم رزقها ولا مؤنتها. ولا تمسوها بسوء يقول: لا تقتلوها ولا تنالوها بعقر، فيأخذكم عذاب قريب يقول: فإنكم إن تمسوها بسوء يأخذكم عذاب من الله غير بعيد فيهلككم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) *. يقول تعالى ذكره: فعقرت ثمود ناقة الله. وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره استغناء بدلالة الظاهر عليه، وهو: فكذبوه فعقروها. فقال لهم صالح: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام يقول: استمتعوا في دار الدنيا بحياتكم ثلاثة أيام. ذلك وعد غير مكذوب يقول:
[ 84 ]
هذا الاجل الذي أجلتكم وعد من الله، وعدكم بانقضائه الهلاك، ونزول العذاب بكم غير مكذوب، يقول: لم يكذبكم فيه من أعلمكم ذلك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب وذكر لنا أن صالحا حين أخبرهم أن العذاب أتاهم لبسوا الانطاع والاكسية، وقيل لهم: إن آية ذلك أن تصفر ألوانكم أول يوم، تم تحمر في اليوم الثاني، ثم تسود في اليوم الثالث وذكر لنا أنهم لما عقروا الناقة ندموا وقالوا: عليكم الفصيل فصعد الفصيل القارة والقارة الجبل حتى إذا كان اليوم الثالث، استقبل القبلة وقال: يا رب أمي يا رب أمي ثلاثا. قال: فأرسلت الصيحة عند ذلك. وكان ابن عباس يقول: لو صعدتم القارة لرأيتم عظام الفصيل. وكانت منازل ثمود بحجر بين الشام والمدينة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام قال: بقية آجالهم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة أن ابن عباس قال: لو صعدتم على القارة لرأيتم عظام الفصيل. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز) *. يقول تعالى ذكره: فلما جاء ثمود عذابنا، نجينا صالحا والذين آمنوا به معه برحمة منا يقول: بنعمة وفضل من الله. ومن خزي يومئذ يقول: ونجيناهم من هوان ذلك اليوم وذلة بذلك العذاب. إن ربك هو القوي في بطشه إذا بطش بشئ أهلكه، كما أهلك ثمود حين بطش بها العزيز، فلا يغلبه غالب ولا يقهره قاهر، بل يغلب كل شئ ويقهره.
[ 85 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: برحمة منا ومن خزي يومئذ قال: نجاه الله برحمة منا، ونجاه من خزي يومئذ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن شهر بن حوشب عن عمرو بخارجة قال: قلنا له: حدثنا حديث ثمود قال: أحدثكم عن رسول الله (ص) عن ثمود: كانت ثمود قوم صالح، أعمرهم الله في الدنيا فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر، فينهدم والرجل منهم حي، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فرهين، فنحتوها وجوفوها، وكانوا في سعة من معايشهم، فقالوا: يصالح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله فدعا صالح ربه، فأخرج لهم الناقة، فكان شربها يوما وشربهم يوما معلوما. فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء وحلبوها لبنا، ملاوا كل إناء ووعاء وسقاء، حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء، فلم تشرب منه شيئا، ملاوا كل إناء ووعاء وسقاء. فأوحى الله إلى صالح: إن قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم، فقالوا: ما كنا لنفعل فقال: إلا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود. قالوا: ما علامة ذلك المولود ؟ فوالله لا نجده إلا قتلناه قال: فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر. قال: وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان، لاحدهما ابن يرغب به عن المناكح، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا، فجمع بينهما مجلس، فقال أحدهما لصاحبه: ما يمنعك أن تزوج ابنك ؟ قال: لا أجد له كفؤا، قال: فإن ابنتي كفؤ له، وأنا أزوجك فزوجه، فولد بينهما ذلك المولود. وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الارض، ولا يصلحون، فلما قال لهم صالح: إنما يعقرها مولود فيكم، اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية، وجعلوا معهن شرطا كانوا يطوفون في القرية، فإذا وجدوا المرأة تمخض، نظروا ما ولدها إن كان غلاما قلبنه، فنظرن ما هو، وإن كانت جارية أعرضن عنها، فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النسوة وقلن: هذا الذي يريد رسول الله صالح فأراد الشرط أن يأخذوه، فحال جداه بينهم وبينه وقالا: لو أن صالحا أراد هذا قتلناه فكان شر مولود، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة. فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون وفيهم الشيخان، فقالوا نستعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه، فكانوا تسعة. وكان صالح لا ينام معهم في القرية، كان في مسجد يقال له مسجد صالح، فيه يبيت بالليل، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم
[ 86 ]
وذكرهم، وإذا أمس خرج إلى مسجده فبات فيه. قال حجاج: وقال ابن جريج: لما قال لهم صالح: إنه سيولد غلام يكون هلاككم على يديه، قالوا فكيف تأمرنا ؟ قال: آمركم بقتلهم فقتلوهم إلا واحدا. قال: فلما بلغ ذلك المولود قالوا: لو كنا لم نقتل أولادنا، لكان لكل رجل منا مثل هذا، هذا عمل صالح. فأتمروا بينهم بقتله، وقالوا: نخرج مسافرين والناس يروننا علانية، ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله، فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه، فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم، فأصبحوا رضخا. فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم، فإذا هم رضخ، فرجعوا يصيحون في القرية: أي عباد الله، أما رضي صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم ؟ فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة أجمعون، وأحجموا عنها إلا ذلك الابن العاشر. ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله (ص)، قال: وأرادوا أن يمكروا بصالح، فمشوا حتى أتوا على سرب على طريق صالح، فاختبأ فيه ثمانية، وقالوا: إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم فأمر الله الارض فاستوت عليهم. قال: فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة، فقال الشقي لاحدهم: ائتها فاعقرها فأتاها فتعاظمه ذلك، فأضرب عن ذلك، فبعث آخر فأعظم ذلك، فجعل لا يبعث رجلا إلا تعاظمه أمرها حتى مشوا إليها، وتطاول فضرب عرقوبيها، فوقعت تركض، وأتى رجل منهم صالحا، فقال: أدرك الناقة فقد عقرت فأقبل، وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه: يا نبي الله إنما عقرها فلان، إنه لا ذنب لنا. قال: فانظروا هل تدركون فصيلها، فإن أدركتموه، فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه، ولما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلا يقال له القارة قصيرا، فصعد وذهبوا ليأخذوه، فأوحي الله إلى الجبل، فطال في السماء حتى ما يناله الطير. قال: ودخل صالح القرية، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه، ثم استقبل صالحا فرغا رغوة، ثم رغا أخرى، ثم رغا أخرى، فقال صالح لقومه: لكل رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ألا إن آية العذاب أن اليوم الاول تصبح وجوهكم مصفرة، واليوم الثاني محمرة، واليوم الثالث مسودة فلما أصبحوا فإذا وجوههم كأنها طليت بالخلوق، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم. فلما أمسوا صاحوا بأجمهم: ألا قد مضى يوم من الاجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم محمرة كأنها خضبت بالدماء، فصاحوا وضجوا وبكوا
[ 87 ]
وعرفوا آية العذاب. فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يومان من الاجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودة كأنها طليت بالقار، فصاحوا جميعا: ألا قد حضركم العذاب فتكفنوا وتحنطوا، وكان حنوطهم الصبر والمقر، وكانت أكفانهم الانطاع. ثم ألقوا أنفسهم بالارض، فجعلوا يقلبون أبصارهم، فينظرون إلى السماء مرة وإلى الارض مرة، فلا يدرون من حيث يأتيهم العذاب من فوقهم من السماء أو من تحت أرجلهم من الارض خسفا وغرقا. فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة، وصوت كل شئ له صوت في الارض، فتقطعت قلوبهم في صدورهم، فأصبحوا في دارهم جاثمين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثت أنه لما أخذتهم الصيحة أهلك الله من بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله، منعه حرم الله من عذاب الله. قيل: ومن هو يا رسول الله، قال: أبو رغال. وقال رسول الله (ص) حين أتى على قرية ثمود لاصحابه: لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائهم وأراهم مرتقي الفصيل حين ارتقي في القارة. قال ابن جريج، وأخبرني موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن النبي (ص) حين أتى على قرية ثمود قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونو باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم. قال ابن جريج: قال جابر بن عبد الله. إن النبي (ص) لما أتى على الحجر، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فلا تسألوا رسولكم الآيات، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية، فبعث الله لهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فتشرب ماءهم يوم ورودها.
[ 88 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) لما مر بوادي ثمود، وهو عامد إلى تبوك قال: فأمر أصحابه أن يسرعوا السير، وأن لا ينزلوا به، ولا يشربوا من مائه، وأخبرهم أنه واد ملعون. قال: وذكر لنا أن الرجل الموسر من قوم صالح كان يعطي المعسر منهم ما يتكفنون به، وكان الرجل منهم يلحد لنفسه ولاهل بيته، لميعاد نبي الله صالح الذي وعدهم وحدث من رآهم بالطرق والافنية والبيوت، فيهم شبان وشيوخ أبقاهم الله عبرة وآية. حدثنا إسماعيل بن المتوكل الاشجعي من أهل حمص، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا عبد الله بن واقد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: ثنا أبو الطفيل، قال: لما غزا رسول الله (ص) غزوة تبوك، نزل الحجر فقال: يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم آية، فبعث الله لهم الناقة آية، فكانت تلج عليهم يوم ورودهم الذي كانوا يتروون منه، ثم يحلبونها مثل ما كانوا يتروون من مائهم قبل ذلك لبنا، ثم تخرج من ذلك الفج، فعتوا عن أمر ربهم وعقروها، فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام، وكان وعدا من الله غير مكذوب، فأهلك الله من كان منهم في مشارق الارض ومغاربها إلا رجلا واحدا كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله قالوا: ومن ذلك الرجل يا رسول الله ؟ قال: أبو رغال. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ئ كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود) *. يقول تعالى ذكره: وأصاب الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله من عقر ناقة الله وكفرهم به الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين قد جثمتهم المنايا، وتركتهم خمودا بأفنيتهم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فأصبحوا في ديارهم جاثمين يقول: أصبحوا قد هلكوا. كأن لم يغنوا فيها يقول: كأن لم يعيشو فيها، ولم يعمروا بها. كما:
[ 89 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كأن لم يغنوا فيها كأن لم يعيشوا فيها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله. وقد بينا ذلك فيما مضى بشواهده فأغني ذلك عن إعادته. وقوله: ألا أن ثمود كفروا ربهم يقول: ألا إن ثمود كفروا بآيات ربهم فجحدوها. ألا بعدا لثمود يقول: ألا أبعد الله ثمود لنزول العذاب بهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) *. يقول تعالى ذكره: ولقد جاءت رسلنا من الملائكة، وهم فيما ذكر كانوا جبرئيل وملكين آخرين. وقيل إن الملكين الآخرين كانا ميكائيل وإسرافيل معه. إبراهيم يعني إبراهيم خليل الله بالبشرى يعني: بالبشارة. واختلفوا في تلك البشارة التي أتوه بها، فقال بعضهم: هي البشارة بإسحاق. وقال بعضهم: هي البشارة بهلاك قوم لوط. قالوا سلاما يقول: فسلموا عليه سلاما، ونصب سلاما بإعمال قالوا فيه، كأنه قيل: قالوا قولا وسلموا تسليما. قال سلام يقول: قال إبراهيم لهم: سلام. فرفسلام، بمعنى عليكم السلام، أو بمعنى سلام منكم. وقد ذكر عن العرب أنها تقول: سلم، بمعنى السلام كما قالوا: حل وحلال، وحرم وحرام. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده: مررنا فقلنا إيه سلم فسلمت كما اكتل بالبرق الغمام اللوائح بمعنى سلام. وقد روي كما انكل. وقد زعم بعضهم أن معناه إذا قرئ كذلك:
[ 90 ]
نحن سلم لكم، من المسالمة التي هي خلاف المحاربة، وهذه قراءة عامة قراء الكوفيين. وقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والبصرة قالوا سلاما قال سلام على أن الجواب من إبراهيم (ص) لهم، بنحو تسليمهم عليكم السلام. والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، لان السلم قد يكون بمعنى السلام على ما وصفت، والسلام بمعنى السلم، لان التسليم لا يكاد يكون إلا بين أهل السلم دون الاعداء، فإذا ذكر تسليم من قوم على قوم ورد الآخرين عليهم، دل ذلك على مسالمة بعضهم بعضا. وهما مع ذلك قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. وقوله: فما لبث أن جاء بعجل حنيذ وأصله محنوذ، صرف من مفعول إلى فعيل. وقد اختلف أهل العربية في معناه، فقال بعض أهل البصرة منهم: معنى المحنوذ: المشوي، قال: ويقال منه: حنذت فرسي، بمعنى سخنته وعرقته. واستشهد لقوله ذلك ببيت الراجز: ورهبا من حنذه أن يهرجا وقال آخر منهم: حنذ فرسه: أي أضمره، وقال: قالوا حنذه يحنذه حنذا: أي عرقه. وقال بعض أهل الكوفة: كل ما انشوى في الارض إذا خددت له فيه فدفنته وغممته فهو الحنيذ والمحنوذ. قال: والخيل تحنذ إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعض لتعرق. قال: ويقال: إذا سقيت فأحنذ، يعني أخفس، يريد: أقل الماء وأكثر النبيذ. وأما التأويل، فإنهم قالوا في معناه ما أنا ذاكره، وذلك ما: حدثني به المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بعجل حنيذ يقول: نضيج.
[ 91 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بعجل حنيذ قال: بعجل حسيل البقر، والحنيذ: المشوي النضيج. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى... إلى بعجل حنيذ قال: نضيج سخن أنضج بالحجارة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فما لبث أن جاء بعجل حنيذ والحنيذ: النضيج. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بعجل حنيذ قال: نضيج. قال: وقال الكلبي: والحنيذ: الذي يحنذ في الارض. حدثنا ابن حميد قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر، في قوله: فجاء بعجل حنيذ قال: الحنيذ: الذي يقطر ماء وقد شوي. وقال حفص: الحنيذ: مثل حناذ الخيل. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: ذبحه ثم شواه في الرضف فهو الحنيذ حين شواه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو يزيد، عن يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية: فجاء بعجل حنيذ قال: المشوي الذي يقطر. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: الحنيذ: الذي يقطر ماؤه وقد شوي. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: بعجل حنيذ قال: نضيج. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بعجل حنيذ الذي أنضج بالحجارة.
[ 92 ]
حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان: فما لبث أن جاء بعجل حنيئذ قال: مشوي. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد، أنه سمع وهب بن منبه يقول: $ حين‍، يعني شوي. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: الحناذ الانضاج. قال أبو جعفر: وهذه الاقوال التي ذكرناها عن أهل العربية وأهل التفسير متقاربات المعاني بعضها من بعض. وموضع أن في قوله: أن جاء بعجل حنيذ نصب بقوله: فما لبث أن جاء. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) *. يقول تعالى ذكره: فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تصل إلى العجل الذي أتاهم به والطعام الذي قدم إليهم نكرهم، وذلك أنه لما قدم طعامه (ص) إليهم فيما ذكر، كفوا عن أكله، لانهم لم يكونوا ممن يأكله، وكان إمساكهم عن أكله عند إبراهيم وهم ضيفانه مستنكرا، ولم تكن بينهم معرفة، وراعه أمرهم وأوجس في نفسه منهم خيفة. وكان قتادة يقول: كان إنكاره ذلك من أمرهم كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم، ظنوا أنه لم يجئ بخير، وأنه يحدث نفسه بشر. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم قال: كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم، ظنوا أنه لم يأت بخير، وأنه يحدث نفسه بشر، ثم حدثوه عند ذلك بما جاءوا. وقال غيره في ذلك ما: حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن الاسود بن
[ 93 ]
قيس، عن جندب بن سفيان، قال: لما دخل ضيف إبراهيم عليه السلام قرب إليهم العجل، فجعلوا ينكتون بقداح في أيديهم من نبل، ولا تصل أيديهم إليه، نكرهم عند ذلك. يقال منه: نكرت الشئ أنكره، وأنكرته أنكره بمعنى واحد، ومن نكرت وأنكرت قول الاعشى: وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا فجمع اللغتين جميعا في البيت. وقال أبو ذؤيب: فنكرنه فنفرن وامترست به هوجاء هادية وهاد جرشع وقوله: وأوجس منهم خيفة يقول: أحس في نفسه منهم خيفة وأضمرها. قالوا لا تخف يقول: قالت الملائكة لما رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم: لا تخف منا وكن آمنا، فإنا ملائكة ربك أرسلنا إلى قوم لوط. القول في تأويل قوله تعالى: * (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) *. يقول تعالى ذكره: وامرأته سارة بنت هاران بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فالغ، وهي ابنة عم إبراهيم. قائمة قيل: كانت قائمة من وراء الستر تستمع كلام الرسل وكلام إبراهيم عليه السلام. وقيل: كانت قائمة تخدم الرسل وإبراهيم جالس مع الرسل. وقوله: فضحكت اختلف أهل التأويل في معنى قوله فضحكت وفي السبب الذي من أجله ضحكت، فقال بعضهم: ضحكت الضحك المعروف تعجبا من أنها وزوجها
[ 94 ]
إبراهيم يخدمان ضيفانهم بأنفسهما تكرمة لهم، وهم عن طعامهم ممسكون لا يأكلون. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: بعث الله الملائكة لتهلك قوم لوط أقبلت تمشي في صورة رجال شباب، حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه. فلما رآهم إبراهيم أجلهم فراغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين، فذبحه ثم شواه في الرضف، فهو الحنيذ حين شواه. وأتاهم فقعد معهم، وقامت سارة تخدمهم، فذلك حين يقول: وامرأته قائمة وهو جالس. في قراءة ابن مسعود فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن قال: فإن لهذا ثمنا. قالوا: وما ثمنه ؟ قال: تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره. فنظر جبرئيل إلى ميكائيل فقال: حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه يقول: لا يأكلون، فزع منهم وأوجس منهم خيفة فلما نظرت إليه سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم، ضحكت وقالت: عجبا لاضيافنا هؤلاء، إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا. وقال آخرون: بل ضحكت من أن قوم لوط في غفلة وقد جاءت رسل الله لهلاكهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما أوجس إبراهيم خيفة في نفسه حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه، فضحكت امرأته وعجبت من أن قوما أتاهم العذاب وهم في غفلة، فضحكت من ذلك وعجبت، فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه قال: ضحكت تعجبا مما فيه قوم لوط من الغفلة ومما أتاهم من العذاب. وقال آخرون بل ضحكت ظنا منها بهم أنهم يريدون عمل قوم لوط. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس، في قوله: وامرأته قائمة فضحكت قال: لما جاءت الملائكة ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط.
[ 95 ]
وقال آخرون: بل ضحكت لما رأت بزوجها إبراهيم من الروع. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، الكلبي: فضحكت قال: ضحكت حين راعوا إبراهيم مما رأت من الروع بإبراهيم. وقال آخرون: بل ضحكت حين بشرت بإسحاق تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما أتى الملائكة إبراهيم عليه السلام فرآهم، راعه هيئتهم وجمالهم، فسلموا عليه، وجلسوا إليه، فقام فأمر بعجل سمين، فحنذ له، فقر إليهم الطعام. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة، وسارة وراء البيت تسمع قالوا: لا تخف إنا نبشرك بغلام حليم مبارك وبشر به امرأته سارة، فضحكت وعجبت كيف يكون لي ولد وأنا عجوز وهو شيخ كبير فقالوا: أتعجبين من أمر الله ؟ فإنه قادر على ما يشاء، فقد وهبه الله لكم فأبشروا به وقد قال بعض من كان يتأول هذا التأويل: إن هذا من المقدم الذي معناه التأخير، وكأن معنى الكلام عنده: وامرأته قائمة، فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت وقالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز. وقال آخرون: بل معنى قوله: فضحكت في هذا الموضع: فحاضت. ذكر من قال ذلك: حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، عن علي بن هارون، عن عمرو بن الازهر، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: فضحكت قال: حاضت، وكانت ابنة بضع وتسعين سنة. قال: وكان إبراهيم ابن مئة سنة. وقال آخرون: بل ضحكت سرورا بالامن منهم لما قالوا لابراهيم: لا تخف، وذلك أنه قد كان خافهم وخافتهم أيضا كما خافهم إبراهيم فلما أمنت ضحكت، فأتبعوها البشارة بإسحاق. وقد كان بعض أهل العربية من الكوفيين يزعم أنه لم يسمع ضحكت بمعنى حاضت من ثقة. وذكر بعض أهل العربية من البصريين أن بعض أهل الحجاز أخبره عن بعضهم أن العرب تقول ضحكت المرأة: حاضت، قال: وقد قال: الضحك: الحيض، وقد قال بعضهم: الضحك: العجب، وذكر بيت أبي ذؤيب:
[ 96 ]
فجاء بمزج لم ير الناس مثله هو الضحك إلا أنه عمل النحل وذكر أن بعض أصحابه أنشده في الضحك بمعنى الحيض: وضحك الارانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقا قال: وذكر له بعض أصحابه أنه سمع للكميت: فأضحكت الضباع سيوف سعد بقتلى ما دفن ولا ودينا وقال: يريد الحيض. قال: وبالحرث بن كعب يقولون: ضحكت النخلة: إذا أخرجت الطلع أو البسر. وقالوا: الضحك: الطلع. قال: وسمعنا من يحكي: أضحكت حوضا: أي ملاته حتى فاض. قال: وكأن المعنى قريب بعضه من بعض كله، لانه كأنه شئ يمتلئ فيفيض. وأولى الاقوال التي ذكرت في ذلك بالصواب قول من قال: معنى قوله: فضحكت: فعجبت من غفلة قوم لوط عما قد أحاط بهم من عذاب الله وغفلته عنه. وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب لانه ذكر عقيب قولهم لابراهيم: لا تخف إنا
[ 97 ]
أرسلنا إلى قوم لوط. فإذ كان ذلك كذلك، وكان لا وجه للضحك والتعجب من قولهم لابراهيم: لا تخف، كان الضحك والتعجب إنما هو من أمر قوم لوط. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالت يويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب) *. يقول تعالى ذكره: فبشرنا سارة امرأة إبراهيم ثوابا منا لها على نكيرها وعجبها من فعل قوم لوط بإسحاق ولدا لها. ومن وراء إسحاق يعقوب يقول: ومن خلف إسحاق يعقوب من ابنها إسحاق. والوراء في كلام العرب: ولد الولد، وكذلك تأوله أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر، قال: ومن وراء إسحاق يعقوب قال الوراء: ولد الولد. حدثنا عمرو بن علي محمد بن المثنى، قال كل واحد منهما حدثني أبو اليسع إسماعيل بن حماد بن أبي المغيرة مولى الاشعري، قال: كنت إلى جنب جدي أبي المغيرة بن مهران في مسجد علي بن زيد، فمر بنا الحسن بن أبي الحسن، فقال: يا أبا المغيرة من هذا الفتى ؟ قال: ابني من ورائي، فقال الحسن: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. حدثنا عمرو بن علي محمد بن المثنى، قالا: ثنا محمد بن أبي عدي، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، في قوله: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قال: ولد الولد هو الوراء. حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، في قوله: ومن وراء إسحاق يعقوب قال: الوراء: ولد الولد. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، مثله. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قا: ثنا أبو عمرو الازدي، قال: سمعت الشعبي يقول: ولد الولد: هم الولد من الوراء. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: جاء رجل إلى ابن عباس ومعه ابن ابنه، فقال: من هذا معك ؟ قال: هذا ابن ابني، قال: هذا ولدك من الوراء. قال: فكأنه شق على ذلك الرجل، فقال ابن عباس: إن الله يقول: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فولد الولد: هم الوراء.
[ 98 ]
حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما ضحكت سارة وقالت: عجبا لاضيافنا هؤلاء، إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا قال لها جبريل: أبشري بولد اسمه إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. فضربت وجهها عجبا، فذلك قوله: فصكت وجهها وقالت: أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد قالت سارة: ما آية ذلك ؟ قال: فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه، فاهتز أخضر، فقال إبراهيم: هو لله إذا ذبيحا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فضحكت يعني سارة لما عرفت من أمر الله جل ثناؤه ولما تعلم من قوم لوط فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب بابن وبابن ابن، فقالت وصكت وجهها يقال: ضربت على جبينها: يا ويلتاءألد وأنا عجوز.... إلى قوله: إنه حميد مجيد. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء العراق والحجاز: ومن وراء إسحاق يعقوب برفع يعقوب، ويعيد ابتداء الكلام بقوله. ومن وراء إسحاق يعقوب. وذلك وإن كان خبرا مبتدأ، ففيه دلالة على معنى التبشير. وقرأه بعض قراء أهل الكوفة والشأم: ومن وراء إسحاق يعقوب نصبا فأما الشامي منهما فذكر أنه كان ينحو بيعقوب نحو النصب بإضمار فعل آخر مشاكل للبشارة، كأنه قال: ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب، فلما لم يظهر وهبنا عمل فيه التبشير وعطف به على موضع إسحاق، إذ كان إسحاق وإن كان مخفوضا فإنه بمعنى المنصوب بعمل بشرنا فيه، كما قال الشاعر: جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منطور بن سيار أو عامر بن طفيل في مركبه أو حارثا يوم نادى القوم يا حار
[ 99 ]
وأما الكوفي منهما فإنه قرأه بتأويل الخفض فيما ذكر عنه، غير أنه نصبه لانه لا يجرى. وقد أنكر ذلك أهل العلم بالعربية من أجل دخول الصفة بين حرف العطف والاسم، وقالوا: خطأ أن يقال: مررت بعمرو في الدار وفي الدار زيد، وأنت عاطف بزيد على عمرو، إلا بتكرير الباء وإعادتها، فإن لم تعد كان وجه الكلام عندهم الرفع وجاز النصب، فإن قدم الاسم على الصفة جاز حينئذ الخفض، وذلك إذا قلت: مررت بعمرو في الدار وزيد في البيت. وقد أجاز الخفض والصفة معترضة بين حرف العطف والاسم بعض نحويي البصرة. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه رفعا، لان ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، والذي لا يتناكره أهل العلم بالعربية، وما عليه قراءة الامصار. فأما النصب فيه فإن له وجها، غير أني لا أحب القراءة به، لان كتاب الله نزل بأفصح ألسن العرب، والذي هو أولى بالعلم بالذي نزل به من الفصاحة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالت يا ويلتي ألد وأنا عجوز وهذا قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) *. يقول تعالى ذكره: قالت سارة لما بشرت بإسحاق أنها تلد تعجبا مما قيل لها من ذلك، إذ كانت قد بلغت السن التي لايلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء، وقيل: إنها كانت يومئذ ابنة تسع وتسعين سنة وإبراهيم ابن مئة سنة، وقد ذكرت الرواية فيما روى في ذلك عن مجاهد قبل. وأما ابن إسحاق، فإنه قال في ذلك ما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت سارة يوم بشرت بإسحاق فيما ذكر لي بعض أهل العلم ابنة تسعين سنة، وإبراهيم ابن عشرين ومئة سنة. يا ويلتا وهي كلمة تقولها العرب عند التعجب من الشئ والاستنكار للشئ، فيقولون عند التعجب: ويل امه رجلا ما أرجله.
[ 100 ]
وقد اختلف أهل العربية في هذه الالف التي في: يا ويلتا فقال بعض نحويي البصرة: هذه ألف حقيقة، إذا وقفت قلت: يا ويلتاه، وهي مثل ألف الندبة، فلطفت من أن تكون في السكت، وجعلت بعدها الهاء لتكون أبين لها وأبعد في الصوت وذلك لان الالف إذا كانت بين حرفين كان لها صدى كنحو الصوت يكون في جوف الشئ فيتردد فيه، فتكون أكثر وأبين. وقال غيره: هذه ألف الندبة، فإذا وقفت عليها فجائز، وإن وقفت على الهاء فجائز وقال: ألا ترى أنهم قد وقفوا على قوله: ويدعوا الانسان فحذفوا الواو وأثبتوها، وكذلك: ما كنا نبغي بالياء، وغير الياء ؟ قال: وهذا أقوى من ألف الندبة وهائها. والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الالف ألف الندبة، والوقف عليها بالهاء وغير الهاء جائز في الكلام لاستعمال العرب ذلك في كلامهم. وقوله: ءألد وأنا عجوز تقول: أنى يكون لي ولد وأنا عجوز. وهذا بعلى شيخا والبعل في هذا الموضع: الزوج وسمي بذلك لانه قيم أمرها، كما سموا مالك الشئ بعله، وكما قالوا للنخل التي تستغني بماء السماء عن سقي ماء الانهار والعيون البعل، لان مالك الشئ القيم به، والنخل البعل بماء السماء حياته. وقوله: إن هذا لشئ عجيب يقول: إن كون الولد ممثلي ومثل بعلي على السن التي بها نحن لشئ عجيب. قالوا أتعجبين من أمر الله يقول الله تعالى ذكره: قالت الرسل لها: أتعجبين من أمر أمر الله به أن يكون وقضاء قضاه الله فيك وفي بعلك ؟ وقوله: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت يقول: رحمة الله وسعادته لكم أهل بيت إبراهيم. وجعلت الالف واللام خلفا من الاضافة. وقوله: إنه حميد مجيد يقول: إن الله محمود في تفضله عليكم بما تفضل به من النعم عليكم وعلى سائر خلقه مجيد يقول: ذو مجد ومدح وثناء كريم، يقال في فعل منه: مجد الرجل يمجد مجادة إذا صار كذلك، وإذا أردت أنك مدحته قلت: مجدته تمجيدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ئ إن إبراهيم لحليم أواه منيب) *.
[ 101 ]
يقول تعالى ذكره: فلما ذهب عن إبراهيم الخوف الذي أوجسه في نفسه من رسلنا حين رأى أيديهم لا تصل إلى طعامه، وأمن أن يكون قصد في نفسه وأهله بسوء، وجاءته البشرى بإسحاق، ظل يجادلنا في قوم لوط. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلما ذهب عن إبراهيم الروع يقول: ذهب عنه الخوف، وجاءته البشرى بإسحاق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى بإسحاق، ويعقوب ولد من صلب إسحاق، وأمن مما كان يخاف قال: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء. وقد قيل معنى ذلك: وجاءته البشرى أنهم ليسوا إياه يريدون. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وجاءته البشرى قال: حين أخبروه أنهم أرسلوا إلى قوم لوط، وأنهم ليسوا إياه يريدون. قال: ثنا محمد بن ثور، قال: ثنا معمر، وقال آخرون: بشر بإسحاق. وأما الروع: فهو الخوف، يقال منه: راعني كذا يروعني روعا: إذا خافه، ومنه قول النبي (ص) كيف لك بروعة المؤمن ومنه قول عنترة: ما راعني إلا حمولة أهلها وسط الديار تسف حب الخمخم بمعنى: ما أفزعني. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 102 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الروع: الفرق. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فلما ذهب عن إبراهيم الروع قال: الفرق. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: فلما ذهب عن إبراهيم الروع قال: الفرق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلما ذهب عن إبراهيم الروع قال: ذهب عنه الخوف. وقوله: يجادلنا في قوم لوط يقول: يخاصمنا. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يجادلنا: يخاصمنا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وزعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله: يجادلنا يكلمنا، وقال: لان إبراهيم يجادل الله إنما يسأله ويطلب منه. وهذا من الكلام جهل، لان الله تعالى ذكره أخبرنا في كتابه أنه يجادل في قوم لوط، فقول القائل: إبراهيم لا يجادل، موهما بذلك أن قول من قال في تأويل قوله: يجادلنا يخاصمنا، أن إبراهيم كان يخاصم ربه جهل من الكلام، وإنما كان جداله الرسل على وجه المحاجة لهم. ومعنى ذلك: وجاءته البشرى يجادل رسلنا، ولكنه لما عرف المراد من الكلام حذف الرسل. وكان جداله إياهم كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، قال: ثنا جعفر، عن سعيد: يجادلنا في قوم لوط قال: لما جاء جبرئيل ومن معه قالوا لابراهيم: إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال لهم إبراهيم: أتهلكون قرية فيها أربع مئة مؤمن ؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فيها ثلاث مئة مؤمن ؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فيها مئتا مؤمن ؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا ؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون
[ 103 ]
قرية فيها أربعة عشر مؤمنا ؟ قالوا: لا. وكان إبراهيم يعدهم أربعة عشر بامرأة لوط، فسكت عنهم واطمأنت نفسه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الحماني، عن الاعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال الملك لابراهيم: إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يجادلنا في قوم لوط ذكر لنا أن مجادلته إياهم أنه قال لهم: أرأيتم إن كان فيها خمسون من المؤمنين أمعذبوها أنتم ؟ قالوا: لا. حتى صار ذلك إلى عشرة، قال: أرأيتم إن كان فيها عشرة أمعذبوهم أنتم ؟ قالوا: لا. وهي ثلاث قرى فيها ما شاء الله من الكثرة والعدد. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يجادلنا في قوم لوط قال: بلغنا أنه قال لهم يؤمئذ: أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين ؟ قالوا: إن كان فيها خمسون لم نعذبهم. قال: أربعون ؟ قالوا: وأربعون. قال: وثلاثون ؟ قالوا: ثلاثون. حتى بلغ عشرة، قالوا: وإن كان فيهم عشرة، قال: ما قوم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير. قال ابن عبد الاعلى، قال محمد بن ثور: قال معمر: بلغنا أنه كان في قرية لوط أربعة آلاف ألف إنسان، أو ما شاء الله من ذلك. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى قال ما خطبكم أيها المرسلون قالوا: إنا أرسلنا إلى قوم لوط فجادلهم في قوم لوط، قال: أرأيتم إن كان فيها مئة من المسلمين أتهلكونهم ؟ قالوا: لا. فلم يزل يحط حتى بلغ عشرة من المسلمين، فقالوا: لا نعذبهم إن كان فيهم عشرة من المسلمين. ثم قالوا: يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه ليس فيها إلا أهل بيت من المؤمنين هو لوط وأهل بيته، وهو قول الله تعالى ذكره: يجادلنا في قوم لوط فقالت الملائكة: يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يعني: إبراهيم جادل عن قوم لوط ليرد عنهم العذاب. قال: فيزعم أهل التوراة أن مجادلة إبراهيم إياهم حين جادلهم في قوم لوط ليرد عنهم العذاب. إنما قال للرسل فيما يكلمهم به: أرأيتم إن كان فيهم مئة مؤمن أتهلكونهم ؟
[ 104 ]
قالوا:، لا، قال: أفرأيتم إن كانوا تسعين ؟ قالوا: لا، قال: أفرأيتم إن كانوا ثمانين ؟ قالوا: لا، قال: أفرأيتم إن كانوا سبعين ؟ قالوا: لا، قال: أفرأيتم إن كانوا ستين ؟ قالوا لا، قال: أفرأيتم إن كانوا خمسين ؟ قالوا لا، قال: أفرأيتم إن كان رجلا واحدا مسلما ؟ قالوا: لا. قال: فلما لم يذكروا لابراهيم أن فيها مؤمنا واحدا قال إن فيها لوطا يدفع به عنهم العذاب، قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين قالوا: يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قال إبراهيم: أتهلكونهم إن وجدتم فيها مئة مؤمن ثم تسعين ؟ حتى هبط إلى خمسة. قال: وكان في قرية لوط أربعة آلاف ألف. حدثنا محمد بن عوف، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا صفوان، قال: ثنا أبو المثنى ومسلم أبو الحبيل الاشجعي قالا: لما ذهب عن إبراهيم الروع... إلى آخر الآية، قال إبراهيم: أتعذب عالم من عالمك كثيرا فيهم مئة رجل ؟ قال: لا وعزتي ولا خمسين قال: فأربعين ؟ فثلاثين ؟ حتى انتهى إلى خمسة. قال: لا وعزتي لا أعذبهم ولو كان فيهم خمسة يعبدونني قال الله عزوجل: فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين أي لوطا وابنتيه، قال: فحل بهم من العذاب، قال الله عزوجل: وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم وقال: فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط. والعرب لا تكاد تتلقى لما إذا وليها فعل ماض إلا بماض، يقولون: لما قام قمت، ولا يكادون يقولون: لما قام أقوم. وقد يجوز فيما كان من الفعل له تطاول مثل الجدال والخصومة والقتال، فيقولون في ذلك: لما لقيته أقاتله، بمعنى: جعلت أقاتله. وقوله: إن إبراهيم لحليم أواه منيب يقول تعالى ذكره: إن إبراهيم لبطئ الغضب متذلل لربه خاشع له، منقاد لامره، منيب رجاع إلى طاعته. كما:
[ 105 ]
حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: أواه منيب قال: القانت: الرجاع. وقد بينا معنى الاواه فيما مضى باختلاف المختلفين والشواهد على الصحيح منه عندنا من القول بما أغني عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قول رسله لابراهيم: يا إبراهيم أعرض عن هذا، وذلك قيلهم له حين جادلهم في قوم لوط، فقالوا: دع عنك الجدال في أمرهم والخصومة فيه، فإنه قد جاء أمر ربك بعذابهم، وحق عليهم كلمة العذاب، ومضى فيهم بهلاكهم القضاء. وإنهم آتيهم عذاب غير مردود يقول: وإن قوم لوط نازل بهم عذاب من الله غير مدفوع. وقد ذكر الرواية بما ذكرنا فيه عمن ذكر ذلك عنه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب) *. يقول تعالى ذكره: ولما جاءت ملائكتنا لوطا، ساءه مجيئهم. وهو فعل من السوء، وضاق بهم بمجيئهم ذرعا يقول: وضاقت نفسه غما بمجيئهم، وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسل الله في حال ما ساءه مجيئهم، وعلم من قومه ما هم عليه من إتيانهم الفاحشة، وخاف عليهم، فضاق من أجل ذلك بمجيئهم ذرعا، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه، ولذلك قال: هذا يوم عصيب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا يقول: ساء ظنا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه.
[ 106 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن حذيفة أنه قال: لما جاءت الرسل لوطا أتوه وهو في أرض له يعمل $ ف‍، وقد قيل لهم والله أعلم: لا تهلكوهم حتى يشهد لوط قال: فأتوه فقالوا: إنا متضيفوك الليلة فانطلق بهم، فلما مضى ساعة التفت فقال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ والله ما أعلم على ظهر الارض أناسا أخبث منهم قال: فمضى معهم، ثم قال الثانية مثل ما قال، فانطلق بهم، فلما بصرت بهم عجوز السوء امرأته، انطلقت فأنذرتهم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال حذيفة، فذكر نحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس الملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، قال: أتت الملائكة لوطا وهو في مزرعة له، وقال الله للملائكة: إن شهد لوط عليهم أربع شهادات فقد أذنت لكم في هلكتهم. فقالوا: يا لوط إنا نريد أن نضيفك الليلة، فقال: وما بلغكم من أمرهم ؟ قالوا: وما أمرهم ؟ قال: أشهد بالله إنها لشر قرية في الارض عملا يقول ذلك أربع مرات. فشهد عليهم لوط أربع شهادات، فدخلوا معه منزله. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها نصف النهار، فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لاهلها، وكانت له ابنتان، اسم الكبرى رثيا، والصغرى زغرتا، فقالوا لها: يا جارية، هل من منزل ؟ قالت: نعم، فمكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه أرادك فتيان على باب المدينة ما رأيت وجه قوم أحسن منهم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا، فقالوا: خل عنا فلنضف الرجال فجاء بهم، فلم يعلم أحد إلا أهل بيت لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، قالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: خرجت الرسل فيما يزعم أهل التوراة من عند إبراهيم إلى لوط بالمؤتفكة، فلما جاءت الرسل لوطا سئ
[ 107 ]
بهم وضاق بهم ذرعا وذلك من تخوف قومه عليهم أن يفضحوه في ضيفه، فقال: هذا يوم عصيب. وأما قوله: وقال هذا يوم عصيب فإنه يقول: وقال لوط: اليوم يوم شديد شره، عظيم بلاؤه، يقال منه: عصب يومنا هذا يعصب عصبا، ومنه قول عدي بن زيد: وكنت لزاز خصمك لم أعرد وقد سلكوك في يوم عصيب وقول الراجز: يوم عصيب يعصب الابطالا عصب القوي السلم الطوالا وقول الآخر: وإنك إلا ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب وقال كعب بن جعيل: ويلبون بالحضيص فئام عارفات منه بيوم عصيب
[ 108 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: عصيب: شديد. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: هذا يوم عصيب يقول شديد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: هذا يوم عصيب أي يوم بلاء وشدة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يوم عصيب شديد. حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وقال هذا يوم عصيب: أي يوم شديد. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يقوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد) *. يقول تعالى ذكره: وجاء لوطا قومه يستحثون إليه يرعدون مع سرعة المشي مما بهم من طلب الفاحشة، يقال: أهرع الرجل من برد أو غضب أو حمى: إذا أرعد، وهو مهرع إذا كان معجلا حريصا، كما قال الراجز: بمعجلات نحوه مهارع ومنه قول مهلهل: فجاءوا يهرعون وهم أسارى نقودهم على رغم الانوف وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 109 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: يهرعون إليه قال: يهرولون، وهو الاسراع في المشي. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد والمحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: وجاءه قومه يهرعون إليه قال: يسعون إليه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: فأتوه يهرعون إليه، يقول: سراعا إليه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يهرعون إليه قال: يسرعون إليه. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وجاءه قومه يهرعون إليه يقول: يسرعون المشي إليه. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد: وجاءه قومه يهرعون إليه قال: يهرولون في المشي. قال سفيان: يهرعون إليه يسرعون إليه. حدثنا سوار بن عبد الله، قال: قال سفيان بن عيينة في قوله: يهرعون إليه قال: كأنهم يدفعون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: أقبلوا يسرعون مشيا بين الهرولة والجمز. حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: وجاءه قومه يهرعون إليه يقول: مسرعين. وقوله: ومن قبل كانوا يعملون السيئات يقول: من قبل مجيئهم إلى لوط كانوا يأتون الرجال في أدبارهم. كما:
[ 110 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال: يأتون الرجال. وقوله: قال يا قوم هؤلاء بناتي يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه لما جاءوا يراودونه عن ضيفه: هؤلاء يا قوم بناتي يعني نساء أمته فانكحوهن فهن أطهر لكم. كما: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال: أمرهم لوط بتزويج النساء، وقال: هن أطهر لكم. حدثنا محمد قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: وبلغني هذا أيضا عن مجاهد. حدثنا ابن وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال: لم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكل نبي أبو أمته. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال: أمرهم أن يتزوجوا النساء، لم يعرض عليهم سفاحا. حدثني يعقوب، قال: ثنا أبو بشر، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: هن أطهر لكم قال: ما عرض عليهم نكاحا ولا سفاحا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال: أمرهم أن يتزوجوا النساء، وأراد نبي الله (ص) أن يقي أضيافه ببناته. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر عن الربيع، في قوله: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم يعني التزويج. حدثني أبو جعفر، عن الربيع، في قوله: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم يعني التزويج.
[ 111 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو النعمان عارم، قال: ثنا حماد بن زيد قال: ثنا محمد بن شبيب الزهراني عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قول لوط: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم يعني: نساؤهم هن بناته هو نبيهم. وقال في بعض القراءة: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وجاءه قومه يهرعون إليه قالوا: أو لم ننهك أن تضيف العالمين، قال: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم إن كنتم فاعلين أليس منكم رجل رشيد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جاءت الرسل لوطا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرعون إليه. فيزعمون والله أعلم أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم، وقالت: إن عند لوط لضيفانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قط منهم وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النسا، فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين. فلما جاءوه قالوا: أو لم ننهك عن العالمين أي ألم نقل لك: لا يقربنك أحد، فإنا لن نجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفاحشة. قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فأنا أفدى ضيفي منكم بهن. ولم يدعهم إلا إلى الحلال من النكاح. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: هؤلاء بناتي قال: النساء. واختلفت القراء في قراءة قوله: هن أطهر لكم فقرأته عامة القراء برفع أطهر، على أن جعلوا هن اسما، وأطهر خبره، كأنه قيل: بناتي أطهر لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال. وذكر عن عيسى بن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك: هن أطهر لكم بنصب أطهر. وكان بعض نحويي البصرة يقول: هذا لا يكون، إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الاسماء المضمرة. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: من نصبه جعله نكرة خارجة من المعرفة، ويكون قوله: هن عمادا للفعل فلا يعمله. وقال آخر منهم: مسموع من العرب: هذا زيد إياه بعينه، قال: فقد جعله خبرا لهذا مثل قولك: كان عبد الله إياه بعينه. قال: وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا لان التقريب رد كلام فلم يجتمعا لانه يتناقض، لان ذلك إخبار عن معهود، وهذا إخبار عن
[ 112 ]
ابتداء ما هو فيه: ها أنا ذا حاضر، أو زيد هو العالم، فتناقض أن يدخل المعهود على الحاضر، فلذلك لم يجز. والقراءة التي لا أستجيز خلافها في ذلك: الرفع هن أطهر لكم لاجماع الحجة من قراء الامصار عليه مع صحته في العربية، وبعد النصب فيه من الصحة. وقوله: فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي يقول: فاخشوا الله أيها الناس، واحذروا عقابه في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها. ولا تخزون في ضيفي يقول: ولا تذلوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم. والضيف في لفظ واحد في هذا الموضع بمعنى جمع، والعرب تسمي الواحد والجمع ضيفا بلفظ واحد كما قالوا: رجل عدل، وقوم عدل. وقوله: أليس منكم رجل رشيد يقول: أليس منكم رجل ذو رشد ينهي من أراد ركوب الفاحشة من ضيفي، فيحول بينهم وبين ذلك ؟ كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنسلمة، عن ابن إسحاق: فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد أي رجل يعرف الحق وينهي عن المنكر. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا لقد علمتما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) *. يقول تعالى ذكره: قال قوم لوط للوط: لقد علمت يا لوط ما لنا في بناتك من حق لانهن لسن لنا أزواجا. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالوا: لقد علمت مالنا في بناتك من حق: أي من أزواج وإنك لتعلم ما نريد. وقوله: وإنك لتعلم ما نريد يقول: قالوا: وإنك يا لوط لتعلم أن حاجتنا في غير بناتك، وأن الذي نريد هو ما تنهانا عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإنك لتعلم ما نريد إنا نريد الرجال. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وإنك لتعلم ما
[ 113 ]
نريد: أي إن بغيتنا لغير ذلك، فلما لم يتناهوا، ولم يردهم قوله، ولم يقبلوا منه شيئا مما عرض عليهم من أمور بناته. قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) *. يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه حين أبوا إلا المضي لما قد جاءوا له من طلب الفاحشة وأيس من أن يستجيبوا له إلى شئ مما عر ض عليهم: لو أن لي بكم قوة بأنصار تنصرني عليكم وأعوان تعينني، أو آوي إلى ركن شديد يقول: أو أنضم إلى عشيرة مانعة تمنعني منكم، لحلت بينكم وبين ما جئتم تريدونه مني في أضيافي. وحذف جواب لو لدلالة الكلام عليه، وأن معناه مفهوم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال لوط: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد يقول: إلى جند شديد لقاتلتكم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: أو آوي إلى ركن شديد قال: العشيرة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: إلى ركن شديد قال: العشيرة. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قا: ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن: أو آوي إلى ركن شديد قال: إلى ركن من الناس. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال قوله: أو آوي إلى ركن شديد قال: بلغنا أنه لم يبعث نبي بعد لوط إلا في ثروة من قومه حتى النبي (ص). حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد أي عشيرة تمنعني أو شيعة تنصرني، لحلت بينكم وبين هذا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال: يعني به العشيرة.
[ 114 ]
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن: أن هذه الآية لما نزلت: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال: فقال رسول الله (ص): رحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن مبارك، عن الحسن، قال: قال رسول الله (ص): رحم الله أخي لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، فلاي شئ استكان. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبدة وعبد الرحيم، عن محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): رحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال لقومه لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، ما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه. قال محمد: والثروة: الكثرة والمنعة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، بمثله. حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني سليمان بن بلال، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، بمثله. حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: ثنا سعيد بن تليد، قال: ثنا عبد الرحمن بن القاسم، قال: ثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: رحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد. حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله (ص)، قال: فذكر مثله.
[ 115 ]
حدثني المثنى قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال في قوله: أو آوي إلى ركن شديد قد كان يأوي إلى ركن شديد، يعني الله تبارك وتعالى، قال رسول الله (ص) فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا محمد بن حرب، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي يونس، سمع أبا هريرة يحدث عن النبي (ص) قال: رحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد. قال: ثنا ابن أبي مريم سعيد بن عبد الحكم، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبد الرحمن الاعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان كان إذا قرأ هذه الآية، أو أتى على هذه الآية قال: رحم الله لوطا، لقد كان ليأوي إلى ركن شديد. وذكر لنا أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد لوط عليه السلام إلا في ثروة من قومه، حتى بعث الله نبيكم في ثروة من قومه. يقال: من أوى إلى ركن شديد: أويت إليك، فأنا آوى إليك أويا بمعنى صرت إليك وانضممت، كما قال الراجز: يأوي إلى ركن من الاركان في عدد طيس ومجد بان وقيل: إن لوطا لما قال هذه المقالة وجدت الرسل عليه لذلك. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد، أنه سمع وهب بن منبه يقول: قال لوط: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد فوجد عليه الرسل وقالوا: إن ركنك لشديد. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 116 ]
* (قالوا يلوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها مآ أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) *. يقول تعالى ذكره: قالت الملائكة للوط لما قال لوط لقومه لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ورأوا ما لقي من الكرب بسببهم منهم: يا لوط إنا رسل ربك أرسلنا لاهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه، فهون عليك الامر، فأسر بأهلك بقطع من الليل يقول: فاخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل، يقال منه: أسرى وسرى، وذلك إذا سار بليل. ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك. واختلفت القراءة في قراءة قوله: فأسر فقرأ ذلك عامة قراء المكيين والمدنيين: فاسر وصل بغير همز الالف من سرى. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة: فأسر بهمز الالف من أسرى والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة، وهما لغتان مشهورتان في العرب معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك. وأما قوله: إلا امرأتك فإن عامة القراء من الحجاز والكوفة، وبعض أهل البصرة، قرءوا بالنصب إلا امرأتك بتأويل: فأسر بأهلك إلا امرأتك، وعلى أن لوطا أمر أن يسري بأهله سوى زوجته، فإنه نهي أن يسري بها، وأمر بتخليفها مع قومها. وقرأ ذلك بعض البصريين: إلا امرأتك رفعا، بمعنى: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، فإن لوطا قد أخرجها معه، وإنه نها لوط ومن معه ممن أسرى معه أن يلتفت سوى زوجته، وإنها التفتت فهلكت لذلك. وقوله: إنه مصيبها ما أصابهم يقول: إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب. إن موعدهم الصبح يقول: إن موعد قومك الهلاك الصبح. فاستبطأ ذلك منهم لوط، وقال لهم: بلى عجلوا لهم الهلاك فقالوا: أليس الصبح بقريب: أي عند الصبح نزول العذاب بهم. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: أليس الصبح بقريب: أي إنما ينزل بهم من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.
[ 117 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: فمضت الرسل من عند إبراهيم إلى لوط، فلما أتوا لوطا، وكان من أمرهم ما ذكر الله، قال جبرئيل للوط: يا لوط إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين فقال لهم لوط: أهلكوهم الساعة فقال له جبرئيل عليه السلام: إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فأنزلت على لوط: أليس الصبح بقريب قال: فأمره أن يسري بأهله بقطع من الليل، ولا يلتفت منهم أحد إلا امرأته. قال: فسار، فلما كانت الساعة التي أهلكوا فيها أدخل جبرئيل جناحه فرفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليها حجارة من سجيل، قال: وسمعت امرأة لوط الهدة، فقالت: واقوماه فأدركها حجر فقتلها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: كان لوط أخذ على امرأته أن لا تذيع شيئا من سر أضيافه، قال: فلما دخل عليه جبرئيل ومن معه، رأتهم في صورة لم تر مثلها قطا فانطلقت تسعى إلى قومها، فأتت النادي فقالت بيدها هكذا، وأقبلوا يهرعون مشيا بين الهرولة والجمز. فلما انتهوا إلى لوط قال لهم لوط ما قال الله في كتابه، قال جبرئيل: يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك قال: فقال بيده، فطمس أعينهم، فجعلوا يطلبونهم، يلمسون الحيطان وهم لا يبصرون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن حذيفة، قال: لما بصرت بهم يعني بالرسل عجوز السوء امرأته انطلقت فأنذرتهم فقالت: إنه تضيف لوطا قوم ما رأيت قوما أحسن وجوها قال: ولا أعلمه إلا قالت: ولا أشد بياضا وأطيب ريحا. قال: فأتوه يهرعون إليه، كما قال الله، فأصفق لوط الباب، قال: فجعلوا يعالجونه، قال: فاستأذن جبرئيل ربه في عقوبتهم، فأذن له، فصفقهم بجناحه، فتركهم
[ 118 ]
عميانا يترددون في أخبث ليلة ما أتت عليهم قط، فأخبروه إنا رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل قال: ولقد ذكر لنا أنه كانت مع لوط حين خرج من القرية امرأته، ثم سمعت الصوت، فالتفتت وأرسل الله عليها حجرا فأهلكها. وقوله: إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فأراد نبي الله ما هو أعجل من ذلك، فقالوا أليس الصبح بقريب ؟ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس الملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، قال: انطلقت امرأته يعني امرأة لوط حين رأتهم، يعني حين رأت الرسل إلى قومها، فقالت: إنه قد ضافه الليلة قوم ما رأيت مثلهم قط أحسن وجوها ولا أطيب ريحا فجاءوا يهرعون إليه، فبادرهم لوط إلى أن يزجهم على الباب، فقال: هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين فقالوا: أو لم ننهك عن العالمين. فدخلوا على الملائكة، فتناولتهم الملائكة وطمست أعينهم، فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة سحرونا كما أنت حتى تصبح قال: واحتمل جبرئيل قريات لوط الاربع، في كل قرية مئة ألف، فرفعهم على جناحه بين السماء والارض، حتى سمع أهل السماء الدنيا أصوات ديكتهم، ثم قلبهم، فجعل الله عاليها سافلها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال حذيفة: لما دخلوا عليه، ذهبت عجوزه عجوز السوء، فأتت قومها، فقالت: لقد تضيف لوطا الليلة قوم ما رأيت قوما قط أحسن وجوها منهم قال: فجاءوا يسرعون، فعاجلهم لوط، فقام ملك فلز الباب يقول: فسده واستأذن جبرئيل في عقوبتهم، فأذن له، فضربهم جبرئيل بجناحه، فتركهم عميانا، فباتوا بشر ليلة، ثم قالوا إنا رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك قال: فبلغنا أنها سمعت صوتا، فالتفتت فأصابها حجر، وهي شاذة من القوم، معلوم مكانها. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزا، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن حذيفة بنحوه، إلا أنه قال: فعاجلهم لوط. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما قال لوط: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد بسط حينئذ جبريل عليه جناحيه، ففقأ أعينهم وخرجوا يدوس بعضهم في أدبار بعض عميانا
[ 119 ]
يقولون: النجاء النجاء فإن في بيت لوط أسحر قوم في الارض فذلك قوله: ولقد راودوه عن ضيفه طمسنا أعينهم. وقالوا للوط: إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها واتبع أدبار أهلك يقول: سر بهم، وامضوا حيث تؤمرون فأخرجهم الله إلى الشأم، وقال لوط: أهلكوهم الساعة فقالوا: إنا لم نؤمر إلا بالصبح، أليس الصبح بقريب ؟ فلما أن كان السحر خرج لوط وأهله معه امرأته، فذلك قوله: إلا آل لوط نجيناهم بسحر. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول: كان أهل سدوم الذين فيهم لوط قوما قد استغنوا عن النساء بالرجال فلما رأى الله ذلك بعث الملائكة ليعذبوهم، فأتوا إبراهيم، وكان من أمره وأمرهم ما ذكر الله في كتابه. فلما بشروا سارة بالولد، قاموا وقام معهم إبراهيم يمشي، قال: أخبروني لم بعثتم وما خطبكم ؟ قالوا: إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمرها، وإنهم قوم سوء قد استغنوا بالرجال عن النساء. قال إبراهيم: إن كان فيهم خمسون رجلا صالحا ؟ قالوا: إذن لا نعذبهم. فجعل ينقص حتى قال أهل البيت، قال: فإن كان فيها بيت صالح ؟ قال: فلوط وأهل بيته. قالوا: إن امرأته هواها معهم. فلما يئس إبراهيم انصرف ومضوا إلى أهل سدوم، فدخلوا على لوط فلما رأتهم امرأته أعجبها حسنهم وجمالهم، فأرسلت إلى أهل القرية إنه قد نزل بنا قوم لم ير قوم قط أحسن منهم ولا أجمل فتسامعوا بذلك، فغشوا دار لوط من كل ناحية وتسوروا عليهم الجدران. فلقيهم لوط، فقال: يا قوم لا تفضحوني في ضيفي، وأنا أزوجكم بناتي فهن أطهر لكم فقالوا: لو كنا نريد بناتك لقد عرفنا مكانهن، فقال: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد. فوجد عليه الرسل، قالوا: إن ركنك لشديد، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود فمسح أحدهم أعينهم بجناحيه، فطمس أبصارهم، فقالوا: سحرنا، انصرفوا بنا حتى نرجع إليه فكان من أمرهم ما قد قص الله تعالى في كتابه. فأدخل ميكائيل وهو صاحب العذاب جناحه حتى بلغ أسفل الارض، فقلبها، ونزلت حجارة من السماء، فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانوا، فأهلكهم الله، ونجى لوطا وأهله، إلا امرأته. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، وعن أبي
[ 120 ]
بكر بن عبد الله وأبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن حذيفة، دخل حديث بعضهم في بعض، قال: كان إبراهيم عليه السلام يأتيهم فيقول: ويحكم أنهاكم عن الله أن تعرضوا لعقوبته، حتى إذا بلغ الكتاب أجله لمحل عذابهم وسطوات الرب بهم. قال: فانتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له، فدعاهم إلى الضيافة، فقالوا: إنا مضيفوك الليلة. وكان الله تعالى عهد إلى جبريل عليه السلام أن لا تعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة، ذكر ما يعمل قومه من الشر والدواهي العظام، فمشي معهم ساعة، ثم التفت إليهم، فقال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الارض شرا منهم، أين أذهب بكم إلى قومي وهم شر خلق الله فالتفت جبرئيل إلى الملائكة فقال: احفظوا هذه واحدة ثم مشى ساعة فلما توسط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم، قال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ وما أعلم على وجه الارض شرا منهم، إن قومي شر خلق الله فالتفت جبرئيل إلى الملائكة، فقال: احفظوا هاتان ثنتان فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء منهم وشفقة عليهم وقال: إن قومي شر خلق الله، أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الارض أهل قرية شرا منهم فقال جبريل للملائكة: احفظوا هذه ثلاث قد حق العذاب. فلما دخلوا ذهبت عجوزه، عجوز السوء، فصعدت فلوحت بثوبها، فأتاها الفساق يهرعون سراعا، قالوا: ما عندك ؟ قالت: ضيف لوط الليلة قوما ما رأيت أحسن وجوها منهم ولا أطيب ريحا منهم فهرعوا مسارعين إلى الباب، فعاجلهم لوط على الباب، فدافعوه طويلا، هو داخل وهم خارج، يناشدهم الله ويقول: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فقام الملك فلز الباب يقول: فسده واستأذن جبرئيل في عقوبتهم، فأذن الله له، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء، فنشر جناحه، ولجبرئيل جناحان، وعليه وشاح من در منظوم، وهو براق الثنايا أجلي الجبين، ورأسه حبك حبك، مثل المرجان وهو اللؤلؤ، كأنه الثلج، وقدماه إلى الخضرة، فقال: يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك امض يا لوط من الباب ودعني وإياهم فتنحى لوط عن الباب، فخرج عليهم فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم فصاروا عميا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم. ثم أمر لوطا فاحتمل بأهله من ليلته، قال: فأسر بأهلك بقطع من الليل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قال لوط لقومه: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد والرسل تسمع ما يقول وما يقال له
[ 121 ]
ويرون ما هو فيه من كرب ذلك، فلما رأوا ما بلغه قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك أي بشئ تكرهه، فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب أي إنما ينزل بهم العذاب من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر. قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدث. أن الرسل عند ذلك سفعوا في وجوه الذين جاءوا لوطا من قومه يراودونه عن ضيفه، فرجعوا عميانا. قال: يقول الله: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بقطع من الليل قال: بطائفة من الليل. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بقطع من الليل بطائفة من الليل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: بقطع من الليل قال: جوف الليل. وقوله: واتبع أدبارهم يقول: واتبع أدبار أهلك، ولا يلتفت منكم أحد. وكان مجاهد يقول في ذلك ما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ولا يلتفت منكم أحد قال: لا ينظر وراءه أحد، إلا امرأتك. وروى عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك. حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال في حرف ابن مسعود: فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك. وهذا يدل على صحة القراءة بالنصب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 122 ]
* (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ئ مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) *. يقول تعالى ذكره: ولما جاء أمرنا بالعذاب وقضاؤنا فيهم بالهلاك، جعلنا عاليها يعني عالي قريتهم سافلها وأمطرنا عليها يقول: وأرسلنا عليها حجارة من سجيل. واختلف أهل التأويل في معنى سجيل، فقال بعضهم: هو بالفارسية سنك وكل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: من سجيل بالفارسية، أولها حجر، وآخرها طين. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: حجارة من سجيل قال: فارسية أعربت سنك وكل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: السجيل: الطين. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: من سجيل قالا: من طين. حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد، عن وهب قال: سجيل بالفارسية: سنك وكل. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: حجارة من سجيل أما السجيل فقال ابن عباس: هو بالفارسية: سنك وجل، سنك: هو الحجر، وجل هو الطين. يقول: أرسلنا عليهم حجارة من طين.
[ 123 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس: حجارة من سجيل قال: طين في حجارة. وقال ابن زيد في قوله ما: حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: حجارة من سجيل قال: السماء الدنيا. قال: والسماء الدنيا اسمها سجيل، وهي التي أنزل الله على قوم لوط. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول: السجيل: هو من الحجارة الصلب الشديد ومن الضرب ويستشهد على ذلك بقول الشاعر: ضربا تواصى به الابطال سجيلا وقال بعضهم: تحول اللام نونا. وقال آخر منهم: هو فعيل من قول القائل: أسجلته: أرسلته، فكأنه من ذلك أي مرسلة عليهم. وقال آخر منهم: بل هو من سجلت له سجلا من العطاء، فكأنه قيل: منحوا ذلك البلاء فأعطوه، وقالوا أسجله: أهمله. وقال بعضهم: هو من السجل، لانه كان فيها علم كالكتاب. وقال آخر منهم: بل هو طين يطبخ الآجر، وينشد بيت الفضل بن عباس: من يساجلني يساجل ماجدايملا الدلو إلى عقد الكرب فهذا من سجلت له سجلا: أعطيته. والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله المفسرون، وهو أنها من طين، وبذلك
[ 124 ]
وصفها الله في كتابه في موضع، وذلك قوله: لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين. وقد روى عن سعيد بن جبير أنه كان يقول: هي فارسية ونبطية. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: فارسية ونبطية سج ايل. فذهب سعيد بن جبير في ذلك إلى أن اسم الطين بفارسية جل لا ايل، وأن ذلك لو كان بالفارسية لكان سجل لا سجيل، لان الحجر بالفارسية يدعى سج والطين جل، فلا وجه لكون الياء فيها وهي فارسية. وقد بينا الصواب من القول عندنا في أول الكتاب بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد ذكر عن الحسن البصري أنه قال: كان أصل الحجارة طينا فشددت. وأما قوله: منضود فإن قتادة وعكرمة يقولان فيه ما: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: منضود يقول: مصفوفة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة منضود يقول: مصفوفة. وقال الربيع بن أنس فيه، ما: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله منضود قال: نضد بعضه على بعض. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر الهذلي بن عبد الله: أما قوله: منضود فإنها في السماء منضودة: معدة، وهي من عدة الله التي أعد للظلمة. وقال بعضهم: منضود: يتبع بعضه بعضا عليهم، قال: فذلك نضده. والصواب من القول في ذلك ما قاله الربيع بن أنس، وذلك أن قوله: منضود من نعت سجيل، لا من نعت الحجارة، وإنما أمطر القوم حجارة من طين، صفة ذلك الطين أنه نضد بعضه إلى بعض، فيصير حجارة، ولم يمطروا الطين فيكون موصوفا بأنه تتابع على
[ 125 ]
القوم بمجيئه، وإنما كان جائزا أن يكون على ما تأوله هذا المتأول لو كان التنزيل بالنصب متضودة فيكون من نعت الحجارة حينئذ. وأما قوله: مسومة عند ربك فإنه يقول: معلمة عند الله، أعلمها الله، والمسومة من نعت الحجارة، ولذلك نصبت ونعت بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: مسومة قال: معلمة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. قال ابن جريج: مسومة لا تشاكل حجارة الارض. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: مسومة قالا: مطوقة بها نضح من حمرة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: مسومة عليها سيما معلومة حدث بعض من رآها أنها حجارة مطوقة عليها، أو بها نضح من حمرة ليست كحجارتكم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: مسومة قال: عليها سيمخطوط. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: مسومة قال: المسومة: المختمة. وأما قوله: وما هي من الظالمين ببعيد فإنه يقول تعالى ذكره متهددا مشركي
[ 126 ]
قريش: وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط من مشركي قومك يا محمد ببعيد أن يمطروها إن لم يتوبوا من شركهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبان بن تغلب، عن مجاهد، في قوله: وما هي من الظالمين ببعيد قال: أن يصيبهم ما أصاب القوم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما هي من الظالمين ببعيد قال: يرهب بها من يشاء. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وما هي من الظالمين ببعيد يقول: ما أجار الله منها ظالما بعد قوم لوط. حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: وما هي من الظالمين ببعيد يقول: لم يبرأ منها ظالم بعدهم. حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن قتادة، في قوله: وما هي من الظالمين ببعيد قال: يعني ظالمي هذه الامة، قال: والله ما أجار منها ظالما بعد. حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وما هي من الظالمين ببعيد يقول: من ظلمة العرب إن لم يتوبوا فيعذبوا بها. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر الهذلي بن عبد الله، قال يقول: وما هي من الظالمين ببعيد من ظلمة أمتك ببعيد، فلا يأمنها منهم ظالم.
[ 127 ]
وكان قلب الملائكة عالي أرض سدوم سافلها، كما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الاعمش، عن مجاهد، قال: أخذ جبرئيل عليه السلام قوم لوط من سرحهم ودورهم، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم. حدثنا به أبو كريب مرة أخرى عن مجاهد، قال: أدخل جبرئيل جناحه تحت الارض السفلى من قوم لوط، ثم أخذهم بالجناح الايمن، فأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، كان يقول: فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها قال: لما أصبحوا غدا جبرئيل على قريتهم، ففتقها من أركانها، ثم أدخل جناحه، ثم حملها على خوافي جناحه. قال: ثنا شبل، قال: فحدثني هذا ابن أبي نجيح، عن إبراهيم بن أبي بكر قال: ولم يسمعه ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: فحملها على خوافي جناحه بما فيها، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبها، فكان أول ما سقط منها شرفها، فذلك قول الله: جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل قال مجاهد: فلم يصب قوما ما أصابهم إن الله طمس على أعينهم، ثم قلب قريتهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنا أن جبرئيل عليه السلام أخذ بعروة القرية الوسطى، ثم ألوى بها إلى السماء، حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم، ثم دمر بعضها على بعض فجعل عاليها سافلها ثم أتبعهم الحجارة. قال قتادة: وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن جبرئيل عليه السلام أخذ بعروتها الوسطى، ثم ألوى بها إلى جو السماء حتى سمعت الملائكة ضواغي كلابهم، ثم دمر بعضها على بعض ثم أتبع شذان القوم صخرا، قال: وهي ثلاث
[ 128 ]
قرى يقال لها سدوم، وهي بين المدينة والشام. قال: وذكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف. وذكر لنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف يقول: سدوم يوم ما لك حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أصبحوا يعني قوم لوط نزل جبرئيل، فاقتلع الارض من سبع أرضين، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وأصواب ديوكهم، ثم قلبها فقتلهم فذلك حين يقول: والمؤتفكة أهوى المنقلبة حين أهوى بها جبرئيل الارض فاقتلعها بجناحه، فمن لم يمت حين أسقط الارض أمطر الله عليه وهو تحت الارض الحجارة، ومن كان منهم شاذا في الارض وهو قول الله: فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ثم تتبعهم في القرى، فكان الرجل يأتيه الحجر فيقتله، وذلك قول الله تعالى: وأمطرنا عليها حجارة من سجيل. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر وأبو سفيان عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنا أن جبرئيل عليه السلام لما أصبح نشر جناحه، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فيها، فضمها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب، وكانوا أربعة آلاف ألف، ثم قلبها فأرسلها إلى الارض منكوسة، دمدم بعضها على بعض، فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن كعب القرظي، قال: حدثت أن نبي الله (ص) قال: بعث الله جبرئيل عليه السلام إلى المؤتفكة قرية لوط عليه السلام التي كان لوط فيها، فاحتملها بجناحه، ثم صعد بها حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نباح كلابها وأصوات دجاجها، ثم كفأها على وجهها، ثم أتبعها الله بالحجارة، يقول الله: جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات، وكن خمس قريات: صنعة، وصعوة، وعثرة،
[ 129 ]
ودوما، وسدوم وسدوم هي القرية العظمى، ونجى الله لوطا ومن معه من أهله، إلا امرأته كانت فيمن هلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) *. يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى ولد مدين أخاهم شعيبا فلما أتاهم قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره يقول: أطيعوه، وتذللوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه، ما لكم من إله غيره يقول: ما لكم من معبود سواه يستحق عليكم العبادة غيره. ولا تنقصوا المكيال والميزان يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم، إني أراكم بخير. واختلف أهل التأويل في الخير الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين إنه يراهم به، فقال بعضهم: كان ذلك رخص السعر وحذرهم غلاءه. ذكر من قال ذلك: حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا عبد الله بن داود الواسطي، قال: ثنا محمد بن موسى، عن الذيال بن عمرو، عن ابن عباس: إني أراكم بخير قال: رخص السعر. وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط قال: غلاء سعر. حدثني أحمد بن علي النصري، قال: ثني عبد الصمد بن عبد الوراث، قال: ثنا صالح بن رستم، عن الحسن، وذكر قوم شعيب قال: إني أراكم بخير قال: رخص السعر. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبي عامر الخراز، عن الحسن، في قوله: إني أراكم بخير قال: الغنى ورخص السعر. وقال آخرون: عني بذلك: إني أرى لكم مالا وزينة من زين الدنيا. ذكر من قال ذلك:
[ 130 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: إني أراكم بخير قال يعني خير الدنيا وزينتها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إني أراكم بخير أبصر عليهم قشرا من قشر الدنيا وزينتها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: إني أراكم بخير قال: في دنياكم، كما قال الله تعالى: إن ترك خيرا سماه خيرا لان الناس يسمون الماء خيرا. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه، وذلك قوله: إني أراكم بخير يعني بخير الدنيا. وقد يدخل في خير الدنيا المال وزينة الحياة الدنيا ورخص السعر، ولا دلالة على أنه عني بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها. وإنما قال ذلك شعيب، لان قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم كثيرة أموالهم، فقال لهم: لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم، فقد وسع الله عليكم رزقكم، وإني أخاف عليكم بمخالفتكم أمر الله وبخسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم عذاب يوم محيط يقول: أن ينزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه. فجعل المحيط نعتا لليوم، وهو من نعت العذاب، إذ كان مفهوما معناه، وكان العذاب في اليوم، فصار كقولهم جبتك محترقة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل شعيب لقومه: أوفوا الناس الكيل والميزان بالقسط، يقول: بالعدل، وذلك بأن توفوا أهل الحقوق التي هي مما يكال أو يوزن حقوقهم على ما وجب لهم من التمام بغير بخس ولا نقص.
[ 131 ]
وقوله: ولا تبخسوا الناس أشياءهم يقول ولا تنقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أن توفوهم كيلا أو وزنا أو غير ذلك. كما: حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا علي بن صالح بن حي، قال: بلغني في قوله: ولا تبخسوا الناس أشياءهم قال: لا تنقصوهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولا تبخسوا الناس أشياءهم يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم. وقوله: ولا تعثوا في الارض مفسدين يقول: ولا تسيروا في الارض تعملون فيها بمعاصي الله. كما: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: ولا تعثوا في الارض مفسدين قال: لا تسيروا في الارض. حدثت عن المسيب، عن أبي روق، عن الضحاك: ولا تعثوا في الارض مفسدى يقول: لا تسعوا في الارض مفسدين، يعني: نقصان الكيل والميزان. القول في تأويل قوله تعالى: * (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) *. يعني تعالى ذكره بقوله: بقية الله خير لكم ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط، فأحله لكم، خير لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بالمكيال والميزان، إن كنتم مؤمنين يقول: إن كنتم مصدقين بوعد الله ووعيده وحلاله وحرامه. وهذا قول روى عن ابن عباس بإسناد غير مرتضى عند أهل النقل. وقد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معناه طاعة الله خير لكم. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: بقية الله خير لكم قال: طاعة الله خير لكم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: بقية الله قال: طاعة الله خير لكم.
[ 132 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بقية الله قال: طاعة الله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ليث، عن مجاهد: بقية الله خير لكم قال: طاعة الله خير لكم. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: بقية الله خير لكم قال: طاعة الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. وقال آخرون: معنى ذلك: حظكم من ربكم خير لكم. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين: حظكم من ربكم خير لكم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: بقية الله خير لكم قال: حظكم من الله خير لكم. وقال آخرون: معناه: رزق الله خير لكم. ذكر من قال ذلك: حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عمن ذكره، عن ابن عباس: بقية الله قال رزق الله. وقال ابن زيد في قوله ما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: بقية اللخير لكم إن كنتم مؤمنين قال: الهلاك في العذاب، والبقية في الرحمة. وإنما اخترت في تأويل ذلك القول الذي اخترته، لان الله تعالى ذكره إنما تقدم إليهم بالنهي عن بخس الناس أشياءهم في المكيال والميزان، وإلى ترك التطفيف في الكيل والبخس في الميزان دعاهم شعيب، فتعقيب ذلك بالخبر عما لهم من الحظ في الوفاء في الدنيا والآخرة أولى، مع أن قوله: بقية إنما هي مصدر من قول القائل بقيت بقية من كذا، فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلا إلى: بقية الله التي أبقاها لكم مما لكم بعد وفائكم
[ 133 ]
الناس حقوقهم خير لكم من بقيتكم من الحرام الذي يبقى لكم من ظلمكم الناس ببخسكم إياهم في الكيل والوزن. وقوله: وما أنا عليكم بحفيظ يقول: وما أنا عليكم أيها الناس برقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم هل توفون الناس حقوقهم أم تظلمونهم، وإنما علي أن أبلغكم رسالة ربي فقد أبلغتكموها. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا يشعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد أآباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لانت الحليم الرشيد) *. يقول تعالى ذكره: قال قوم شعيب: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الاوثان والاصنام، أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء من كسر الدراهم وقطعها وبخس الناس في الكيل والوزن إنك لانت الحليم وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لم يكن ليفعله في حال الرضا، الرشيد يعني: رشيد الامر في أمره إياهم أن يتركوا عبادة الاوثان. كما: حدثنا محمود بن خداش، قال: ثنا حماد بن خالد الخياط، قال: ثنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، في قول الله: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء، إنك لانت الحليم الرشيد قال: كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم، أو قال: قطع الدراهم. الشك من حماد. حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: ثنا ابن أبي فديك، عن أبي مودود، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أن قوم شعيب عذبوا في قطع الدراهم، وجدت ذلك في القرآن: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، قال: عذب قوم شعيب في قطعهم الدراهم، فقالوا: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء.
[ 134 ]
قال: ثنا حماد بن خالد الخياط، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، في قوله: أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء قال: كان مما نهاهم عنه: حذف الدراهم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء قال: نهاهم عن قطع الدنانير والدراهم، فقالوا: إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء، إن شئنا قطعناها، وإن شئنا حرقناها، وإن شئنا طرحناها. قال: وأخبرنا ابن وهب، قال: وأخبرني داود بن قيس المري أنه سمع زيد بن أسلم يقول في قول الله: قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء قال زيد: كان من ذلك قطع الدراهم. وقوله: أصلاتك كان الاعمش يقول في تأويلها ما: حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري عن الاعمش، في قوله: أصلاتك قال: قراءتك. فإن قال قائل: وكيف قيل: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء، وإنما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا في أموالهم ما قد ذكرت أنه نهاهم عنه فيها ؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت. وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض البصريين: معنى ذلك: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أن أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء، وليس معناه: تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء، لانه ليس بذا أمرهم. وقال بعض الكوفيين نحو هذا القول، قال: وفيها وجه آخر يجعل الامر كالنهي، كأنه قال: أصلاتك تأمرك بذا وتنهانا عن ذا ؟ فهي حينئذ مردودة على أن الاولى منصوبة بقوله تأمرك، وأن الثانية منصوبة عطفا بها على ما التي في قوله: ما يعبد. وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأه ما تشاء، فمن قرأ ذلك كذلك فلا مؤنة فيه، وكانت أن الثانية حينئذ معطوفة على أن الاولى.
[ 135 ]
وأما قولهم لشعيب: إنك لانت الحليم الرشيد فإنهم أعداء الله قالوا ذلك له استهزاء به وإنما سفهوه وجهلوه بهذا الكلام. وبما قلنا من ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: إنك لانت الحليم الرشيد قال: يستهزءون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنك لانت الحليم الرشيد المستهزءون يستهزءون بأنك لانت الحليم الرشيد. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلمآ أنهاكم عنه إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) *. يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أرأيتم إن كنت على بيان وبرهان من ربي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، والبراءة من عبادة الاوثان والاصنام، وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال ورزقني منه رزقا حسنا يعني حلالا طيبا. وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه يقول: وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أفعل خلافه، بل لا أفعل إلا بما آمركم به ولا أنتهي إلا عما أنهاكم عنه. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه يقول: لم أكن لانهاكم عن أمر أركبه أو آتيه. إن أريد إلا الاصلاح يقول: ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه، إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم ما استطعت يقول: ما قدرت على إصلاحه لئلا ينالكم من الله عقوبة منكلة، بخلافكم أمره ومعصيتكم رسوله. وما توفيقي إلا بالله يقول: وما إصابتي الحق في محاولتي إصلاحكم وإصلاح أمركم إلا بالله، فإنه هو المعين على ذلك إن لا يعني عليه لم أصب الحق فيه. وقوله: عليه توكلت يقول: إلى الله أفوض أمري، فإنه ثقتي وعليه اعتمادي في أموري. وقوله: وإليه أنيب وإليه أقبل بالطاعة وأرجع بالتوبة. كما:
[ 136 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن إسحاق نجيح، عن مجاهد: وإليه أنيب قال: أرجع. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم،: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. قال: وحدثنا إسحاق قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإليه أنيب قال: أرجع. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: وإليه أنيب قال: أرجع. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل مآ أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل شعيب لقومه: ويقوم لا يجرمنكم شقاقي يقول: لا يحملنكم عداوتي وبغضي وفراق الدين الذي أنا عليه على الاصرار على ما أنتم عليه من الكفر بالله وعبادة الاوثان وبخس الناس في المكيال والميزان وترك الانابة والتوبة، فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح من الغر أو قوم هود من العذاب أو قوم صالح من الرجفة. وما قوم لوط الذين ائتفكت بهم الارض منكم ببعيد هلاكهم، أفلا تتعظون به وتعتبرون ؟ يقول: فاعتبروا بهؤلاء، واحذروا أن يصيبكم بشقاقي مثل الذي أصابهم. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا يجرمنكم شقاقي يقول: لا يحملنكم فراقي إن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح... الآية. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: لا يجرمنكم شقاقي يقول: لا يحملنكم شقاقي. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: لا يجرمنكم شقاقي قال عداوتي وبغضائي وفراقي
[ 137 ]
. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وما قوم لوط منكم ببعيد قال: إنما كانوا حديثا منهم قريبا يعني قوم نوح وعاد وثمود وصالح. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: وما قوم لوط منكم ببعيد قال: إنما كانوا حديثي عهد قريب بعنوح وثمود. قال أبو جعفر: وقد يحتمل أن يقال: معناه: وما دار قوم لوط منكم ببعيد. القول في تأويل قوله تعالى: * (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل شعيب لقومه: استغفروا ربكم أيها القوم من ذنوبكم بينكم وبين ربكم التي أنتم عليها مقيمون من عبادة الآلهة والاصنام وبخس الناس حقوقهم في المكاييل والموازين. ثم توبوا إليه يقول: ثم ارجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه. أن ربي رحيم يقول: هو رحيم بمن تاب وأناب إليه أن يعذبه بعد التوبة. ودود يقول: ذو محبة لمن أناب وتاب إليه يوده ويحبه. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا يشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) *. يقول تعالى ذكره: قال قوم شعيب لشعيب: يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول أي ما نعلم حقيقة كثير مما تقول وتخبرنا به. وإنا لنراك فينا ضعيفا ذكر أنه كان ضريرا، فلذلك قالوا له: إنا لنراك فينا ضعيفا. ذكر من قال ذلك: حدثني عبد الاعلى بن واصل، قال: ثنا أسد بن زيد الجصاص، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، في قوله: وإنا لنراك فينا ضعيفا قال: كان أعمى. حدثنا عباس بن أبي طالب، قال: ثني إبراهيم بن مهدي المصيصي، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن سفيان، عن سعيد، مثله.
[ 138 ]
حدثنا أحمد بن الوليد الرملي، قال: ثنا إبراهيم بن زياد وإسحاق بن المنذر، وعبد الملك بن زيد، قالوا: ثنا شريك عن سالم، عن سعيد، مثله. قال: ثنا عمرو بن عون ومحمد بن الصباح، قالا سمعنا شريكا يقول في قوله: وإنا لنراك فينا ضعيفا قال: أعمى. حدثنا سعدويه، قال: ثنا عباد، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، قوله: وإنا لنراك فينا ضعيفا قال: كان ضعيف البصر. قال سفيان: وكان يقال له خطيب الانبياء. قال: ثنا الحماني، قال: ثنا عباد، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: وإنا لنراك فينا ضعيفا قال: كان ضرير البصر. وقوله: ولولا رهطك لرجمناك يقول: يقولون: ولولا أنت في عشيرتك وقومك لرجمناك، يعنون: لسببناك. وقال بعضهم: معناه لقتلناك. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولولا رهطك لرجمناك قال: قالوا: لولا أن نتقي قومك ورهطك لرجمنا ك. وما أنت علينا بعزيز يعنون: ما أنت ممن يكرم علينا، فيعظم علينا إذلاله وهوانه، بل ذلك علينا هين. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال يقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط) *. يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أعززتم قومكم، فكانوا أعز عليكم من الله، واستخففتم بربكم، فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون لامره ولا تخافون عقابه ولا تعظمونه حق عظمته. يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل: نبذ حاجته وراء ظهره: أي تركها لا يلتفت إليها، وإذا قضاها قيل: جعلها أمامه ونصب عينيه ويقال: ظهرت بحاجتي وجعلتها ظهرية: أي خلف ظهرك، كما قال الشاعر:
[ 139 ]
وجدنا بني البرصاء من ولد الظهر بمعنى: أنهم يظهرون بحوائج الناس فلا يلتفتون إليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله، وصغر شأن الله عندهم عز ربنا وجل ثناؤه. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: واتخذتموه وراءكم ظهريا قال: قفا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا يقول: عززتم قومكم، وأظهرتم بربكم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: واتخذتموه وراءكم ظهريا قال: لم تراقبوه في شانما تراقبون قومي. واتخذتموه وراءكم ظهريا يقول: عززتم قومكم وأظهرتم بربكم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: واتخذتموه وراءكم ظهريا قال: لم تراقبوه في شئ، إنما تراقبون قومي، واتخذتموه وراءكم ظهريا لا تخافونه. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: أرهطي أعز عليكم من الله قال: أعززتم قومكم واغتررتم بربكم، سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال: قال سفيان: واتخذتموه وراءكم ظهريا كما يقول
[ 140 ]
الرجل للرجل: خلفت حاجتي خلف ظهرك، فاتخذتموه وراءكم ظهريا: استخففتم بأمره، فإذا أراد الرجل قضاء حاجة صاحبه جعلها أمامه بين يديه ولم يستخف بها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: واتخذتموه وراءكم ظهريا قال: الظهري الفضل، مثل الجمال يخرج معه بابل ظهارية فضل لا يحمل عليها شيئا إلا أن يحتاج إليها، قال: فيقول: إنما ربكم عندكم مثل هذا إن احتجتم إليه، وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشئ. وقال آخرون: معنى ذلك: واتخذتم ما جاء به شعيب وراءكم ظهريا، فالهاء في قوله: واتخذتموه على هذا من ذكر ما جاء به شعيب عليه السلام. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: واتخذتموه وراءكم ظهريا قال: تركتم ما جاء به شعيب. قال: ثنا جعفر بن عون، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، قال: نبذوا أمره. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: واتخذتموه وراءكم ظهريا قال: نبذتم أمره. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: واتخذتموه وراءكم ظهريا قال: هم رهط شعيب تركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. قال: وحدثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابابي نجيح، عن مجاهد: واتخذتموه وراءكم ظهريا قال: استثناؤهم رهط شعيب، وتركهم ما جاء به شعيب وراء ظهورهم ظهريا. وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك لقرب قوله: واتخذتموه وراءكم ظهريا من قوله: أرهطي أعز عليكم من الله فكانت الهاء في قوله واتخذتموه بأن تكون من ذكر الله لقرب جوارها منه أشبه وأولى.
[ 141 ]
وقوله: إن ربي بما تعملون محيط يقول: إن ربي محيط علمه بعملكم، فلا يخفى عليه منه شئ، وهو مجازيكم على جميعه عاجلا وآجلا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل شعيب لقومه: ويا قوم اعملوا على مكانتكم يقول: على تمكنكم، يقال منه: الرجل يعمل على مكينته ومكنته: أي على اتئاده، ومكن الرجل يمكن مكنا ومكانة ومكانا. وكان بعض أهل التأويل يقول في معنى قوله: على مكانتكم: على منازلكم. فمعنى الكلام إذا: ويا قوم اعملوا على تمكنكم من العمل الذي تعملونه، إني عامل على تؤدة من اعمل الذي أعمله، سوف تعلمون أينا الجاني على نفسه والمخطئ عليها والمصيب في فعله المحسن إلى نفسه. القول في تأويل قوله تعالى: من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه شعيب لقومه: الذي يأتيه منا ومنكم أيها القوم عذاب يخزيه يقول: يذله ويهينه ومن هو كاذب يقول: ويخزي أيضا الذي هو كاذب في قيله وخبره منا ومنكم. وارتقبوا: أي انتظروا وتفقدوا من الرقبة، يقال منه: رقبت فلانا أرقبه رقبة. وقوم: إني معكم رقيب يقول: إني أيضا ذو رقبة لذلك العذاب معكم، وناظر إليه بمن هو نازل منا ومنكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) *. يقول تعالى ذكره: ولما جاء قضاؤنا في قوم شعيب بعذابنا نجينا شعيبا رسولنا والذين آمنوا به فصدقوه على ما جاءهم به من عند ربهم مع شعيب، من عذابنا الذي بعثنا على
[ 142 ]
قومه، برحمة منا له ولمن آمن به واتبعه على ما جاءهم به من عند ربهم وأخذت الذين ظلموا الصيحة من السماء أخمدتهم فأهلكتهم بكفرهم بربهم. وقيل: إن جبريل عليه السلام، صاح بهم صيحة أخرجت أرواحهم من أجسامهم. فأصبحوا في ديارهم جاثمين على ركبهم وصرعى بأفنيتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) *. يقول تعالى ذكره: كأن لم يعش قوم شعيب الذين أهلكهم الله بعذابه حين أصبحوا جاثمين في ديارهم قبل ذلك. ولم يغنوا، من قولهم: غنيت بمكان كذا: إذا أقمت به، ومنه قول النابغة: غنيت بذلك إذ هم لي جيرة منها بعطف رسالة وتودد وكما حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كأن لم يغنوا فيها قال: يقول: كأن لم يعيشوا فيها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة مثله. وقوله: ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود يقول تعالى ذكره: ألا أبعد الله مدين من رحمته باحلال نقمته كما بعدت ثمود، يقول: كما بعدت من قبلهم ثمود من رحمته بإنزال سخطه بهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ئ إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) *. يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا على توحيدنا، وحجة تبين لمن عاينها وتأملها بقلب صحيح، أنها تدل على توحيد الله وكذب كل من ادعى الربوبية دونه، وبطول قول من أشرك معه في الالوهة غيره. إلى فرعون وملئه يعني إلى أشراف جنده وتباعه.
[ 143 ]
فاتبعوا أمر فرعون يقول: فكذب فرعون وملؤه موسى، وجحدوا وحدانية الله، وأبوا قبول ما أتاهم به موسى من عند الله، واتبع ملا فرعون دون أمر الله، وأطاعوه في تكذيب موسى ورد ما جاءهم به من عند الله عليه. يقول تعالى ذكره: وما أمر فرعون برشيد يعني: أنه لا يرشد أمر فرعون من قبله منه، في تكذيب موسى، إلى خير، ولا يهديه إلا صلاح، بل يورده نار جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود) *. يقول تعالى ذكره: يقدم فرعون قومه يوم القيامة يقودهم، فيمضي بهم إلى النار حتى يوردهموها ويصليهم سعيرها. وبئس الورد يقول: وبئس الورد الذي يردونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يقدم قومه يوم القيامة قال: فرعون يقدم قومه يوم القيامة يمضي بين أيديهم حتى يهجم بهم على النار. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: يقدم قومه يوم القيامة يقول: يقود قومه فأوردهم النار. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس قوله: يقدم قومه يوم القيامة يقول: أضلهم فأوردهم النار. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله: فأوردهم النار قال: الورد: الدخول. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فأوردهم النار كان ابن عباس يقول: الورد في القرآن أربعة أوراد: في هود قوله: وبئس الورد المورود، وفي مريم: وإن منكم إلا واردها، وورد في الانبياء: حصب جهنم أنتم لها واردون، وورد في مريم
[ 144 ]
أيضا: ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا. كان ابن عباس يقول: كل هذا الدخول، والله يردن جهنم كل بر وفاجر. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) *. يقول الله تعالى ذكره: وأتبعهم الله في هذه، يعني في هذه الدنيا من العذاب الذي عجله لهم فيها من الغرق في البحر، لعنته. ويوم القيامة يقول: وفي يوم القيامة أيضا يلعنون لعنة أخرى. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة قال: لعنة أخرى. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة قال زيدوا بلعنته لعنة أخرى، فتلك لعنتان. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود اللعنة في أثر اللعنة. قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة قال: زيدوا لعنة أخرى، فتلك لعنتان. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: في هذه قال: في الدنيا ويوم القيامة أردفوا بلعنة أخرى زيدوها، فتلك لعنتان. وقوله: بئس الرفد المرفود يقول: بئس العون المعان اللعنة المزيدة فيها أخرى
[ 145 ]
منها. وأصل الرفد: العون، يقال منه: رفد فلان فلانا عند الامير يرفده رفدا بكسر الراء، وإذا فتحت، فهو السقي في القدح العظيم، والرفد: القدح الضخم، ومنه قول الاعشى: رب رفد هرقته ذلك اليوم وأسرى من معشر أقتال ويقال: رفد فلان حائطه، وذلك إذا أسنده بخشبة لئلا يسقط. والرفد بفتح الراء المصدر، يقال منه: رفده يرفده رفدا. والرفد: اسم الشئ الذي يعطاه الانسان وهو المرفد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بئس الرفد المرفود قال: لعنة الدنيا والآخرة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بئس الرفد المرفود قال: لعنهم الله في الدنيا، وزيد لهم فيها اللعنة في الآخرة. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: ويوم القيامة بئس الرفد المرفود قال: لعنة في الدنيا، وزيدوا فيها لعنة في الآخرة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة: وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود يقول: ترادفت عليهم اللعنتان من الله لعنة في الدنيا، ولعنة في الآخرة حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، قال:
[ 146 ]
أصابتهم لعنتان في الدنيا، رفدت إحداهما الاخرى، وهو قوله: ويوم القيامة بئس الرفد المرفود. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): هذا القصص الذي ذكرنا لك في هذه السورة، والنبأ الذي أنبأناكه فيها من أخبار القرى التي أهلكنا أهلها بكفرهم بالله، وتكذيبهم رسله، نقصه عليك فنخبرك به. منها قائم يقول: منها بنيانه بائد بأهله هالك ومنها قائم بنيانه عامر، ومنها حصيد بنيانه خراب متداع، قد تعفى أثره دارس، من قولهم: زرع حصيد: إذا كان قد استؤصل قطعه، وإنما هو محصود، ولكنه صرف إلى فعيل كما قد بينا في نظائره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد يعني بالقائم: قرى عامرة. والحصيد: قرى خامدة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: قائم وحصيد قال: قائم على عروشها، وحصيد: مستأصلة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: منها قائم يرى مكانه، وحصيد لا يرى له أثر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: منها قائم قال: خاو على عروشه، وحصيد: ملزق بالارض. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن سفيان، عن الاعمش: منها قائم وحصيد قال: خر بنيانه. حدثنا الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش: منها قائم وحصيد قال: الحصيد: ما قد خر بنيانه.
[ 147 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: منها قائم وحصيد منها قائم يرى أثره، وحصيد باد لا يرى. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب) *. يقول تعالى ذكره: وما عاقبنا أهل هذه القرى التي اقتصصنا نبأها عليك يا محمد بغير استحقاق منهم عقوبتنا، فتكون بذلك قد وضعنا عقوبتنا هم في غير موضعها، ولكن ظلموا أنفسهم يقول: ولكنهم أوجبوا لانفسهم بمعصيتهم الله وكفرهم به، عقوبته وعذابه، فأحلوا بها ما لم يكن لهم أن يحلوه بها، وأوجبوا لها ما لم يكن لهم أن يوجبوه لها. فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ يقول: فما دفعت عنهم آلهتهم التي يدعونها من دون الله ويدعونها أربابا من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربهم من شئ ولا ردت عنهم شيئا منه. لما جاء أمر ربك يا محمد، يقول: لما جاء قضاء ربك بعذابهم، فحق عليهم عقابه ونزل بهم سخطه. وما زادوهم غير تتبيب يقول: وما زادتهم آلهتهم عند مجئ أمر بك هؤلاء المشركين بعقاب الله غير تخسير وتدمير وإهلاك، يقال منه: تببته أتببه تتبيبا، ومنه قولهم للرجل: تبا لك، قال جرير: عرادة من بقية قوم لوط ألا تبا لما فعلوا تبابا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا سعيد بن سلام أبو الحسن البصري، قال: ثنا
[ 148 ]
سفيان، عن نسير بن ذعلوق، عن ابن عمر في قوله: وما زادوهم غير تتبيب قال: غير تخسير. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: غير تتبيب قال: تخسير. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة: غير تتبيب يقول: غير تخسير. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: غير تتبيب قال: غير تخسير. وهذا الخبر من الله تعالى ذكره، وإن كان خبرا عمن مضى من الامم قبلنا، فإنه وعيد من الله جل ثناؤه لنا أيتها الامة أنا إن سلكنا سبيل الامم قبلنا في الخلاف عليه وعلى رسوله، سلك بنا سبيلهم في العقوبة، وإعلام منه لنا أنه لا يظلم أحدا من خلقه، وأن العباد هم الذين يظلمون أنفسهم. كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: اعتذر يعني ربنا جل ثناؤه إلى خلقه، فقال: وما ظلمناهم مما ذكرنا لك من عذاب من عذبنا من الامم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم حتى بلغ: وما زادوهم غير تتبيب قال: ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) *. يقول تعالى ذكره: وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتهم به من العذاب، على خلافهم أمري وتكذيبهم رسلي وجحودهم آياتي، فكذلك أخذي القرى وأهلها إذا أخذتهم بعقابي وهم ظلمة لانفسهم بكفرهم بالله وإشراكهم به غيره وتكذيبهم رسله. إن أخذه أليم يقول: إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه أليم، يقول: موجع شديد الايجاع، وهذا أمر من الله تحذير لهذه الامة أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الامم الفاجرة، فيحل بهم ما حل بهم من المثلات. كما:
[ 149 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن يزيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله (ص): إن الله يملي وربما قال: يمهل للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: إن الله حذر هذه الامة سطوته بقوله: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد. وكان عاصم الجحدري يقرأ ذلك: وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة. وذلك قراءة لا أستجيز بها لخلافها مصاحف المسلمين وما عليه قرأة الامصار. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) *. يقول تعالى ذكره: إن في أخذنا من أخذنا من أهل القرى التي اقتصصنا خبرها عليكم أيها الناس الآية، يقول: لعبرة وعظة لمن خاف عقاب الله وعذابه في الآخرة من عباده، وحجة عليه لربه، وزاجرا يزجره عن أن يعصي الله ويخالفه فيما أمره ونهاه. وقيل: بل معنى ذلك: إن فيه عبرة لمن خاف عذاب الآخرة بأن الله سيفي له بوعده. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة كما وفينا للانبياء أنا ننصرهم. وقوله: ذلك يوم مجموع له الناس يقول تعالى ذكره: هذا اليوم، يعني يوم القيامة، يوم مجموع له الناس، يقول: يحشر الله الناس من قبورهم،
[ 150 ]
فيجمعهم فيه للجزاء والثواب والعقاب. وذلك يوم مشهود يقول: وهو يوم تشهده الخلائق لا يتخلف منهم أحد، فينتقم حينئذ ممن عصى الله وخالف أمره وكذب رسله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود قال: يوم القيامة. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن عكرمة، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف المكي، عن ابن عباس، قال: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة. ثم قرأ: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن علي بن زيد، عن ابن عباس، قال: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة. ثم تلا هذه الآية: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. حدثت عن المسيب عن جويبر، عن الضحاك، قوله: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود قال: ذلك يوم القيامة، يجتمع فيه الخلق كلهم ويشهده أهل السماء وأهل الارض. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما نؤخره إلا لاجل معدود) *. يقول تعالى ذكره: وما نؤخر يوم القيامة عنكم أن نجيئكم به إلا لآن يقضى، فقضى له أجلا فعده وأحصاه، فلا يأتي إلا لاجله ذلك، لا يتقدم مجيئه قبل ذلك ولا يتأخر. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ئ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ئ خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلا ما شآء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والارض إلا ما شاء ربك عطاءا غير مجذوذ) *.
[ 151 ]
يقول تعالى ذكره: يوم يأتي القيامة أيها الناس، وتقوم الساعة لا تكلم نفس إلا بإذن ربها. واختلفت القراء في قراءة قوله: يوم يأتي فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة بإثبات الياء فيها: يوم يأتي لا تكلم نفس. وقرأ ذلك بعض قراء أهل البصرة وبعض الكوفيين بإثبات الياء فيها في الوصل وجذفها في الوقف. وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بحذف الياء في الوصل والوقف: يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه. والصواب من القراءة في ذلك عندي: يوم يأت بحذف الياء في الوصل والوقف اتباعا لخط المصحف، وأنها لغة معروفة لهذيل، تقول: ما أدر ما تقول، ومنه قول الشاعر: كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما وقيل: لاتكلم وإنما هي لا تتكلم، فحذف إحدى التاءين اجتزاء بدلالة الباقية منهما عليها. وقوله: فمنهم شقي وسعيد وقول: فمن هذه النفوس التي لا تكلم يوم القيامة إلا بإذن ربها، شقي وسعيد وعاد على النفس، وهي في اللفظ واحدة بذكر الجميع في قوله: فمنهم شقي وسعيد يقول: تعالى ذكره: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير لهم، وهو أول نهاق الحمار وشبهه، وشهيق وهو آخر نهيقه إذا ردده في الجوف عند فراغه من نهاقه، كما قال رؤبة بن العجاج: حشرج في الجوف سحيلا أو شهق حتى يقال ناهق وما نهق وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:) حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لهم فيها زفير وشهيق يقول: صوت شديد وصوت ضعيف.
[ 152 ]
قال: ثنا إسحاق ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن أبي العالية، في قوله: لهم فيها زفير وشهيق قال: الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية بنحوه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: صوت الكافر في النار صوت الحمار، أوله زفير وآخره شهيق. حدثنا أبو هشام الرفاعي ومحمد بن معمر البحراني ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار، قالوا: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سليمان بن سفيان، قال: ثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر عن عمر، قال: لما نزلت هذه الآية فمنهم شقي وسعيد سألت النبي (ص)، فقلت: يا نبي الله، فعلام عملنا ؟ على شئ قد فرغ منه أم على شئ لم يفرغ منه ؟ قال: فقال رسول الله (ص): على شئ قد فرغ منه يا عمر وجرت به الاقلام، ولكن كل ميسر لما خلق له. اللفظ لحديث ابن معمر. وقوله: خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد يعني تعالى يعني ذكره بقوله: خالدين فيها لابثين فيها، ويعني بقوله: ما دامت السماوات والارض أبدا وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشئ بالدوام أبدا، قالت: هذا دائم دوام السموات والارض بمعنى أنه دائم أبدا، وكذلك يقولون: هو باق ما اختلف الليل والنهار، وما سمر لنا سمير، وما لالات العفر بأذنابها يعنون بذلك كله أبدا. فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم، فقال: خالدين فيها ما دامت السموات والارض. والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدا. وكان ابن زيد يقول في ذلك بنحو ما قلنا فيه: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيفي قوله:
[ 153 ]
خالدين فيها ما دامت السموات والارض قال: ما دامت الارض أرضا، والسماء سماء. ثم قال: إلا ما شاء ربك. واختلف أهل العلم والتأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: هذا استثناء استثناه الله في أهل التوحيد أنه يخرجهم من النار إذا شاء بعد أن أدخلهم النار. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلا ما شاء ربك قال: الله أعلم بثنياه. وذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع من النار بذنوب أصابوها، ثم يدخلهم الجنة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك والله أعلم بثنيته ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع من النار بذنوب أصابتهم، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم الجهنميون. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا شيبان بفروخ، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، وتلا هذه الآية: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق... إلى قوله: لما يريد فقال عند ذلك: ثنا أنس بن مالك أن رسول الله (ص) قال: يخرج قوم من النار قال قتادة: ولا نقول مثل ما يقول أهل حروراء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن أبي مالك يعني ثعلبة، عن أبي سنان، في قوله: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك قال: استثناء في أهل التوحيد. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك بن مزاحم: فأما الذين شقوا ففي النار... إلى قوله: خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك قال: يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة، فهم الذين استثني لهم.
[ 154 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عامر بن جشب، عن خالد بن معدان في قوله: لابثين فيها أحقابا، وقوله: خالدين فيها إلا ما شاء ربك أنهما في أهل التوحيد. وقال آخرون: الاستثناء في هذه الآية في أهل التوحيد، إلا أنهم قالوا: معنى قوله: إلا ما شاء ربك إلا أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار. ووجهوا الاستثناء إلى أنه من قوله: فأما الذين شقوا ففي النار... إلا ما شاء ربك لا من الخلود. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن جابر أو أبي سعيد يعني الخدري أو عن رجل من أصحاب رسول الله (ص)، في قوله: إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يزيد قال: هذه الآية تأتي على القرآن كله، يقول: حيث كان في القرآن خالدين فيها تأت عليه. قال: وسمعت أبا مجلز يقول: هو جزاؤه، فإن شاء الله تجاوز عن عذابه وقال آخرون: عني بذلك أهل النار وكل من دخلها. ذكر من قال ذلك: حدثت عن المسيب عمن ذكره، عن ابن عباس: خالدين فيها ما دامت السماوات والارض لا يموتون، ولا هم منها يخرجون ما دامت السماوات والارض. إلا ما شاء ربك قال: استثناء الله. قال: يأمر النار أن تأكلهم. قال: وقال ابن مسعود: ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن بيان، عن الشعبي، قال: جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا. وقال آخرون: أخبرنا الله بمشيئته لاهل الجنة، فعرفنا معنى ثنياه بقوله: عطاء غير مجذوذ أنها في الزيادة على مقدار مدة السماوات والارض، قال: ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار، وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة وجائز أن تكون في النقصان. ذكر من قال ذلك:
[ 155 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: خالدين فيها ما دامت السماوات والارض آلا ما شاء ربك فقرأ حتى بلغ: عطاء غير مجذوذ قال: وأخبرنا بالذي يشاء لاهل الجنة، فقال: عطاء غير مجذوذ، ولم يخبرنا بالذي يشاء لاهل النار. وأولى هذه الاقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القول الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك، من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر أنه يدخلهم النار، خالدين فيها أبدا إلا ما شاء من تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة، كما قد بينا في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وإنما قلنا ذلك أولى الاقوال بالصحة في ذلك لان الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الخلود في النار، وتظاهرت بذلك الاخبار عن رسول الله (ص)، فغير جائز أن يكون استثناء في أهل الشرك، وأن الاخبار قد تواترت عن رسول الله (ص) أن الله يدخل قوما من أهل الايمان به بذنوب أصابوها النار ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة فغير جائز أن يكون ذلك استثناء أهل التوحيد قبل دخولها مع صحة الاخبار عن رسول الله (ص) بما ذكرنا، وأنا إن جعلناه استثناء في ذلك كنا قد دخلنا في قول من يقول: لا يدخل الجنة فاسق ولا النار مؤمن، وذلك خلاف مذاهب أهل العلم وما جاءت به الاخبار عن رسول الله (ص). فإذا فسد هذان الوجهان فلا قول قال به القدوة من أهل العلم إلا الثالث. ولاهل العربية في ذلك مذهب غير ذلك سنذكره بعد، ونبينه إن شاء الله تعالى. وقوله: إن ربك فعال لما يريد يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد لا يمنعه مانع من فعل ما أراد فعله بمن عصاه وخالف أمره من الانتقام منه، ولكنه يفعل ما يشاء، فيمضي فعله فيهم وفيمن شاء من خلقه فعله وقضاءه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلا ما شآء ربك عطاء غير مجذوذ) *. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والحجاز والبصرة وبضع الكوفيين: وأما الذين سعدوا بفتح السين، وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة: وأما الذين سعدوا بضم السين، بمعنى: رزقوا السعادة.
[ 156 ]
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. فإن قال قائل: وكيف قيل: سعدوا فيما لم يسم فاعله، ولم يقل: أسعدوا، وأنت لا تقول في الخبر فيما سمى فاعله سعده الله، بل إنما تقول: أسعده الله ؟ قيل: ذلك نظير قولهم: هو مجنون محبوب فيما لم يسم فاعله، فإذا سموا فاعله، قيل: أجنه الله وأحبه، والعرب تفعل ذلك كثيرا. وقد بينا بعض ذلك فيما مضى من كتابنا هذا. وتأويل ذلك: وأما الذين سعدوا برحمة الله، فهم في الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض، يقول: أبدا، إلا ما شاء ربك. فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: إلا ما شاء ربك من قدر ما مكثوا في النار قبل دخولهم الجنة، قالوا: وذلك فيمن أخرج من النار من المؤمنين فأدخل الجنة. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك، في قوله: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والارض، إلاما شاء ربك قال: هو أيضا في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة، يقول: خالدين في الجنة ما دامت السماوات والارض، إلا ما شاء ربك يقول: إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا الجنة. وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما شاء ربك من الزيادة على قدر مدة دوام السماوات والارض، قالوا: وذلك هو الخلود فيها أبدا. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن أبي مالك، يعني ثعلبة، عن أبي سنان: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلا ما شاء ربك قال: ومشيئته خلودهم فيها، ثم أتبعها فقال: عطاء غير مجذوذ. واختلف أهل العربية في وجه الاستثناء في هذا الموضع، فقال بعضهم في ذلك معنيان: أحدهما أن تجعله استثناء يستثنيه ولا يفعله، كقولك: والله لاضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وعزمك على ضربه، قال: فكذلك قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلا ما شاء ربك ولا يشاؤه. قال: والقول الآخر: أن العرب إذا استثنت شيئا
[ 157 ]
كثيرا مع مثله ومع ما هو أكثر منه كان معنى إلا ومعنى الواو سوى فمن ذلك قوله: خالدين فيها ما دامت السماوات والارض سوى ما شاء الله من زيادة الخلود، فيجعل إلا مكان سوى فيصلح، وكأنه قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والارض سوى ما زادهم من الخلود والابد. ومثله في الكلام أن تقول: لي عليك ألف إلا الالفين اللذين قبله. قال: وهذا أحب الوجهين إلي لان الله لا يخلف وعده. وقد وصل الاستثناء بقوله: عطاء غير مجذوذ فدل على أن الاستثناء لهم بقوله في الخلود غير منقطع عنهم. وقال آخر منهم بنحو هذا القول، وقالوا: جائز فيه وجه ثالث، وهو أن يكون استثنى من خلودهم في الجنة احتباسهم عنها ما بين الموت والبعث وهو البرزخ إلى أن يصيروا إلى الجنة. ثم هو خلود الابد، يقول: فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ. وقال آخر منهم: جائز أن يكون دوام السموات والارض بمعنى الابد على ما تعرف العرب وتستعمل وتستثنى المشيئة من داومها لان أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماوات والارض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء، والارض إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب، القول الذي ذكرته عن الضحاك، وهو وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك من قدر مكثهم في النار، من لدن دخلوها إلى أن أدخلوا الجنة، وتكون الآية معناها الخصوص لان الاشهر من كلام العرب في إلا توجيهها إلى معنى الاستثناء وإخراج معنى ما بعدها مما قبلها إلا أن يكون معها دلالة تدل على خلاف ذلك، ولا دلالة في الكلام، أعني في قوله: إلا ما شاء ربك تدل على أن معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام فيوجه إليه. وأما قوله: عطاء غير مجذوذ فإنه يعني عطاء من الله غير مقطوع عنهم، من قولهم: جذذت الشئ أجذه جذا: إذا قطعته، كما قال النابغة: تجذ السلوقي المضاعف نسجه ويوقدن بالصفاح نار الحباحب
[ 158 ]
يعني بقوله: تجذ: تقطع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: عطاء غير مجذوذ قال: غير مقطوع. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: عطاء غير مجذوذ يقول: غير منقطع. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: عطاء غير مجذوذ يقول: عطاء غير مقطوع. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: مجذوذ، قال: مقطوع. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: عطاء غير مجذوذ قال: غير مقطوع. قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج. عن ابن جريج، مثله. قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قوله: عطاء غير مجذوذ قال: أما هذه فقد أمضاها، يقول: عطاء غير منقطع.
[ 159 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عطاء غير مجذوذ غير منزوع منهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فلا تك في شك يا محمد مما يعبد هؤلاء المشركون من قومك من الآلهة والاصنام أنه ضلال وباطل وأنه بالله شرك، ما يعبد هؤلاء إلا كما يعبد آباؤهم من قبل، يقول: إلا كعبادة آبائهم من قبل عبادتهم لها. يخبر تعالى ذكره أنهم لم يعبدوا ما عبدوا من الاوثان إلا اتباعا منهم منهاج آبائهم، واقتفاء منهم آثارهم في عبادتهموها، لا عن أمر الله إياهم بذلك، ولا بحجة تبينوها توجب عليهم عبادتها. ثم أخبر جل ثناؤه نبيه ما هو فاعل بهم لعبادتهم ذلك، فقال جل ثناؤه: وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص يعني: حظهم مما وعدتهم أن أوفيهموه من خير أو شر، غير منقوص، يقول: لا أنقصهم مما وعدتهم، بل أتمم ذلك لهم على التمام والكمال. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس: وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر. حدثنا أبو كريب ومحمد بن بشار، قالا: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله، إلا أن أبا كريب قال في حديثه: من خير وشر. حدثني المثنى، قال: أخبرنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد عن ابن عباس: وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص قال: ما قدر لهم من الخير والشر. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص قال: ما يصيبهم خير أو شر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص قال: نصيبهم من العذاب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 160 ]
* (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب) *. يقول تعالى ذكر مسليا نبيه في تكذيب مشركي قومه إياه فيما أتاهم به من عند الله بفعل بني إسرائيل بموسى فيما أتاهم به من عند الله، يقول له تعالى ذكره: ولا يحزنك يا محمد تكذيب هؤلاء المشركين لك، وامض لما أمرك به ربك من تبليغ رسالته، فان الذي يفعل بك هؤلاء من رد ما جئتهم به عليك من النصيحة من فعل ضربائهم من الامم قبلهم وسنة من سننهم. ثم أخبره جل ثناؤه بما فعل قوم موسى به، فقال: ولقد آتينا موسى الكتاب يعني التوراة، كما آتيناك الفرقان، فاختلف في ذلك الكتاب قوم موسى فكذب به بعضهم وصدق به بعضهم، كما قد فعل قومك بالفرقان من تصديق بعض به وتكذيب بعض. ولولا كلمة سبقت من ربك يقول تعالى ذكره: ولولا كلمة سبقت يا محمد من ربك بأنه لا يعجل على خلقه بالعذاب، ولكن يتأنى حتى يبلغ الكتاب أجله لقضي بينهم يقول: لقضي بين المكذب منهم به والمصدق بإهلاك الله المكذب به منهم وإنجائه المصدق به. وإنهم لفي شك منه مريب يقول: وإن المكذبين به منهم لفي شك من حقيقته أنه من عند الله مريب، يقول: يريبهم فلا يدرون أحق هو أم باطل، ولكنهم فيه ممترون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير) *. اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته جماعة من قراء أهل المدينة والكوفة: وإن مشددة كلا لما مشددة. واختلفت أهل العربية في معن ذلك، فقال بعض نحويي الكوفيين: معناه إذا قرئ كذلك وإن كلا لمما ليوفيه ربك أعمالهم، ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة فبقيت ثنتان، فأدغمت واحدة في الاخرى، كما قال الشاعر: وإني لما أصدر الامر وجهه إذا هو أعيا بالنبيل مصادره
[ 161 ]
ثم تخفف، كما قرأ بعض القراء: والبغي يعظكم يخفف الياء مع الياء، وذكر أن الكسائي أنشده: وأشمت العداة بنا فأضحوا لدي يتباشرون بما لقينا وقال: يريد: لدي يتباشرون بما لقينا، فحذف ياء لحركتهن واجتماعهن قال: ومثله: كان من آخرها إلقادم مخرم نجد فارع المحارم وقال أراد إلى القادم، فحذف اللام عند اللام. وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرئ كذلك: وإن كلا شديدا وحقا ليوفيهم ربك أعمالهم. قال: وإنما يراد إذا قرئ ذلك كذلك: وإن كلا لما بالتشديد والتنوين، ولكن قارئ ذلك كذلك حذف منه التنوين، فأخرجه على لفظ فعلى لما كما فعل ذلك في قوله: ثم أرسلنا رسلنا تترى فقرأ تترى بعضهم بالتنوين، كما قرأ من قرأ: لما بالتنوين، وقرأ آخرون بغير تنوين، كما قرأ لما بغير تنوين من قرأه، وقالوا: أصله من اللم من قول الله تعالى: وتأكلون التراث أكلا لما يعني: أكلا شديدا.
[ 162 ]
وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرئ كذلك: وإن كلا إلا ليوفيهم، كما يقول القائل: لقد قمت عنا، وبالله إلا قمت عنا. ووجدت عامة أهل العلم بالعربية ينكرون هذا القول، ويأبون أن يكون جائزا توجيه لما إلى معنى إلا في اليمين خاصة وقالوا: لو جاز أن يكون ذلك بمعنى إلا جاز أن يقال: قام القوم لما أخاك، بمعنى: إلا أخاك، ودخولها في كل موضع صلح دخول إلا فيه. وأنا أرى أن ذلك فاسد من وجه هو أبين مما قاله الذين حكينا قولهم من أهل العربية إن في فساده، وهو أن إن إثبات للشئ وتحقيق له، وإلا أيضا تحقيق أيضا، وإنما تدخل نقضا لجحد قد تقدمها. فإذا كان ذلك معناها فواجب أن تكون عند متأولها التأويل الذي ذكرنا عنه، أن تكون بمعنى الجحد عنده، حتى تكون إلا نقضا لها. وذلك إن قاله قائل قول لا يخفى جهل قائله، اللهم إلا أن يخفف قارئ إن فيجعلها بمعنى إن التي تكون بمعنى الجحد. وإن فعل ذلك فسدت قراءته ذلك كذلك أيضا من وجه آخر، وهو أنه يصير حينئد ناصبا ل كل بقوله: ليوفيهم، وليس في العربية أن ينصب ما بعد إلا من الفعل الاسم الذي قبلها، لا تقول العرب: ما زيدا إلا ضربت، فيفسد ذلك إذا قرئ كذلك من هذا الوجه إلا أن يرفع رافع الكل، فيخالف بقراءته ذلك كذلك قراءة القراء وخط مصاحف المسلمين، ولا يخرج بذلك من العيب بخروجه من معروف كلام العرب. وقد قرأ ذلك بعض قراء الكوفيين وإن كلا بتخفيف إن ونصب كلا لما مشددة. وزعم بعض أهل العربية أن قارئ ذلك كذلك أراد إن الثقيلة فخففها. وذكر عن أبي زيد البصري أنه سمع: كأن ثدييه حقان، فنصب ب كأن، والنون مخففة من كأن ومنه قول الشاعر: ووجه مشرق النحر كأن ثدييه حقان وقرأ ذلك بعض المدنين بتخفيف إن ونصب كلا وتخفيف لما. وقد يحتمل أن يكون قارئ ذلك كذلك قصد المعنى الذي حكيناه عن قارئ الكوفة من تخفيفه نون إن وهو يريد تشديدها، ويريد بما التي في لما التي تدخل في الكلام صلة، وأن يكون قصد
[ 163 ]
إلى تحميل الكلام معنى: وإن كلا ليوفينهم ويجوز أن يكون معناه كان في قراءته ذلك كذلك: وإن كلا ليوفينهم أي ليوفين كلا، فيكون نيته في نصب كل كانت بقوله: ليوفينهم، فإن كان ذلك أراد ففيه من القبح ما ذكرت من خلافه كلام العرب، وذلك أنها لا تنصب بفعل بعد لام اليمين اسما قبلها. وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والبصرة: وإن مشددة كلا لما مخففة ليوفينهم، ولهذه القراءة وجهان من المعنى: أحدهما: أن يكون قارئها إراد: وإن كلا لمن ليوفيهم ربك أعمالهم، فيوجه ما التي في لما إلى معنى من كما قال جل ثناؤه: فانكحوا ما طاب لكم من النساء وإن كان أكثر استعمال العرب لها في غير بني آدم، وينوي باللام التي في لما اللام التي يتلقى بها وإن جوابا لها، وباللام التي في قوله: ليوفينهم لام اليمين دخلت فيما بين ما وصلتها، كما قال جل ثناؤه: وإن منكم لمن ليبطئن وكما يقال هذا ما لغيره أفضل منه. والوجه الآخر: أن يجعل ما التي في لما بمعنى ما التي تدخل صلة في الكلام، واللام التي فيها اللام التي يجاب بها، واللام التي في: ليوفينهم هي أيضا اللام التيجاب بها إن كررت وأعيدت، إذا كان ذلك موضعها، وكانت الاولى مما تدخلها العرب في غير موضعها ثم تعيدها بعد في موضعها، كما قال الشاعر: فلو أن قومي لم يكونوا أعزة لبعد لقد لا قيت لا بد مصرعي وقرأ ذلك الزهري فيما ذكر عنه: وإن كلا بتشديد إن ولما بتنوينها، بمعنى: شديدا وحقا وجميعا. وأصح هذه القراءات مخرجا على كلام العرب المستفيض فيهم قراءة من قرأ: وإن
[ 164 ]
بتشديد نونها، كلا لما بتخفيف ما ليوفينهم ربك بمعنى: وإن كل هؤلاء الذين قصصنا عليك يا محمد قصصه في هذه السور، لمن ليوفينهم ربك أعمالهم بالصالح منها بالجزيل من الثواب، وبالطالح منها بالتشديد من العقاب، فتكون ما بمعنى من واللام التي فيها جوابا لان واللام في قوله: ليوفينهم لام قسم. وقوله: إنه بما يعملون خبير يقول تعالى ذكره: إن ربك بما يعمل هؤلاء المشركون بالله من قومك يا محمد، خبير، لا يخفى عليه شئ من عملهم بل يخبر ذلك كله ويعلمه ويحيط به حتى يجازيهم على جميع ذلك جزاءهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاستقم كمآ أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فاستقم أنت يا محمد على أمر ربك والدين الذي ابتعثك به والدعاء إليه، كما أمرك ربك. ومن تاب معك يقول: ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره. ولا تطغوا يقول: ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه. إنه بما تعملون بصير يقول: إن ربكم أيها الناس بما تعملون من الاعمال كلها طاعتها ومعصيتهم بصير ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شئ، وهو لجميعها مبصر، يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله أيها الناس أن يطلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره، فإنه ذو علم بما تعلمون، وهو لكم بالمرصاد. وكان ابن عيينة يقول في معنى قوله: فاستقم كما أمرت ما: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان في قوله: فاستقم كما أمرت قال: استقم على القرآن. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تطغوا قال: الطغيان: خلاف الله وركوب معصيته ذلك الطغيان. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) *. يقول تعالى ذكره: ولا تميلوا أيها الناس إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا
[ 165 ]
منهم وترضوا أعمالهم، فتمسكم النار بفعلكم ذلك، وما لكم من دون الله من ناصر ينصركم وولي يليكم. ثم لا تنصرون يقول: فإنكم إن فعلتم ذلك لم ينصركم الله، بل يخليكم من نصرته ويسلط عليكم عدوكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار يعني: الركون إلى الشرك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا يقول: لا ترضون أعمالهم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا يقلو: لا ترضوا أعمالهم، يقول: الركون: الرضا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا قال: لا ترضوا أعمالهم فتمسكم النار. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا قال: قال ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار يقول: لا تلحقوا بالشرك، وهو الذي خرجتم منه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار قال: الركون: الادهان. وقرأ: ودوا لو تدهن فيدهنون قال: تركن إليهم، ولا تنكر عليهم الذي قالوا: وقد قالوا العظيم من كفرهم بالله وكتابه ورسله. قال: وإنما هذا لاهل الكفر وأهل الشرك وليس لاهل الاسلام، أما أهل الذنوب من أهل الاسلام فالله أعلم بذنوبهم وأعمالهم، ما ينبغي لاحد أن يصالح على شئ من معاصي الله ولا يركن إليه فيها. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 166 ]
* (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وأقم الصلاة يا محمد، يعني صل طرفي النهار، يعني الغداة والعشي. واختلف أهل التأويل في التي عنيت بهذه الآية من صلوات العشي بعد إجماع جميعهم على أن التي عنيت من صلاة الغداة: الفجر بعضهم: عنيت بذلك صلاة الظهر والعصر، قالوا: وهما من صلاة العشي. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: أقم الصلاة طرفي النهار قال: الفجر، وصلاتي العشى، يعني الظهر والعصر. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: أقم الصلاة طرفي النهار قال: صلاة الفجر، وصلاة العشي. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: أقم الصلاة طرفي النهار قال: فطرفا النهار: الفجر والظهر والعصر. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: أقم الصلاة طرفي النهار قال: الفجر، والظهر، والعصر. وقال آخرون: بل عني بها صلاة المغرب. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: أقم الصلاة طرفي النهار يقول: صلاة الغداة وصلاة المغرب. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، عن عوف، عن الحسن: أقم الصلاة طرفي النهار قال: صلاة الغداة والمغرب.
[ 167 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أقم الصلاة طرفي النهار الصبح، والمغرب. وقال آخرون: عني بها: صلاة العصر. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: أقم الصلاة طرفي النهار قال: صلاة الفجر والعصر قال: ثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد القبائي، عن محمد بن كعب: أقم الصلاة طرفي النهار الفجر والعصر. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: أقم الصلاة طرفي النهار قال: صلاة الصبح وصلاة العصر. حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا مبارك، عن الحسن، قال: قال الله لنبيه: أقم الصلاة طرفي النهار قال: طرفي النهار: الغداة والعصر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، قتادة، قوله: أقم الصلاة طرفي النهار يعني صلاة العصر والصبح. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن: أقم الصلاة طرفي النهار الغداة والعصر. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب: أقم الصلاة طرفي النهار الفجر والعصر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن: أقم الصلاة طرفي النهار قال: الغداة والعصر. وقال بعضهم: بل عنى بطرفي النهار: الظهر، والعصر وبقوله: زلفا من الليل: المغرب، والعشاء، والصبح. وأولى هذه الاقول في في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هي صلاة المغرب كما ذكرنا عن ابن عباس. وأنما قلنا أولى بالصواب لاجماع الجميع على أن صلاة أحد الطرفين من ذلك صلاة الفجر، وهتصلى قبل طلوع الشمس فالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعا أن
[ 168 ]
تكون صلاة الطرف الآخر المغرب، لانها تصلى بعد غروب الشمس، ولو كان واجبا أن يكون مرادا بصلاة أحد الطرفين قبل غروب الشمس وجب أن يكون مرادا بصلاة الطرف الآخر بعد طلوعها، وذلك ما لا نعلم قائلا قاله إلا من قال: عنى بذلك صلاة الظهر والعصر، وذلك قول لا نخيل فساده، لانهما إلى أن يكونا جميعا من صلاة أحد الطرفين أقرب منهما إلى أن يكونا من صلاة طرفي النهار، وذلك أن الظهر لا شك أنها تصلى بعد مضي نصف النهار في النصف الثاني منه، فمحال أن تكون من طرف النهار الاول وهي في طرفه الآخر. فإذا كان لا قائل من أهل العلم يقول: عني بصلاة طرف النهار الاول صلاة بعد طلوع الشمس، وجب أن يكون غير جائز أن يقال: عنى بصلاة طرف النهار الآخرة صلاة قبل غروبها. وإذا كان ذلك صح ما قلنا في ذلك من القول وفسد ما خالفه. وأما قوله: وزلفا من الليل فإنه يعني: ساعات من الليل، وهي جمع زلفة، والزلفة: الساعة والمنزلة والقربة. وقيل: إنما سميت المزدلفة وجمع من ذلك لانها منزل بهد عرفة. وقيل: سميت بذلك لازدلاف آدم من عرفة إلى حواء وهي بها ومنه قول العجاج في صفة بعير: ناج طواه الاين مما وجفاطي الليالي زلفا فزلفا واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والعراق: وزلفا بضم الزاي وفتح اللام. وقرأه بعض أهل المدينة بضم الزاي واللام، كأنه وجهه إلى أنه واحد وأنه بمنزلة الحلم. وقرأه بعض المكيين: وزلفا بضم الزاي وتسكين اللام. وأعجب القراءات في ذلك إلي أن أقرأها: وزلفا ضم الزاي وفتح اللام، على معنى جمع زلفة، كما تجمع غرفة غرف، وحجرة حجر. وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك،
[ 169 ]
لان صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضي زلف من الليل، وهي التي عنيت عندي بقوله: وزلفا من الليل وبنحو الذي قلنا في قوله: وزلفا من الليل قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وزلفا من الليل قال الساعات من الليل صلاة العتمة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: زلفا من الليل يقول: صلاة العتمة. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، عن عوف، عن الحسن: وزلفا من الليل قال: العشاء. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: كان ابن عباس يعجبه التأخير بالعشاء، ويقرأ وزلفا من الليل. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وزلفا من الليل قال: ساعة من الليل، صلاة العتمة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وزلفا من الليل قال: العتمة، وما سمعت أحدا من فقهائنا ومشايخنا، يقول العشاء، ما يقولون إلا العتمة. وقال قوم: الصلاة التي أمر النبي (ص) بإقامتها زلفا من الليل، صلاة المغرب والعشاء. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع، واللفظ ليعقوب، قالا: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء عن الحسن: وزلفا من الليل قال: هما زلفتان من الليل: صلاة المغرب، وصلاة العشاء.
[ 170 ]
حدثنا ابن جميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن، في قوله: وزلفا من الليل قال: المغرب، والعشاء. حدثني الحسن بن علي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا مبارك، عن الحسن: قال الله لنبيه (ص): أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل قال: زلفا من الليل: المغرب، والعشاء، قال رسول الله (ص): هما زلفتا الليل: المغرب والعشاء. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: وزلفا من الليل قال: المغرب، والعشاء. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قد بين الله مواقيت الصلاة القرآن، قال: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل قال: دلوكها: إذا زالت عن بطن السماء وكان لها في الارض فئ، وقال: أقم الصلاة طرفي النهار الغداة، والعصر. وزلفا من الليل المغرب، والعشاء. قال: فقال رسول الله (ص): هما زلفتا الليل المغرب والعشاء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وزلفا من الليل قال: يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: زلفا من الليل المغرب والعشاء. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب، مثله.
[ 171 ]
حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: وزلفا من الليل المغرب والعشاء. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عاصم بن سليمان، عن الحسن، قال: زلفتا الليل: المغرب، والعشاء. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: وزلفا من الليل قال: المغرب والعشاء. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن عاصم، عن الحسن: وزلفا من الليل قال: المغرب والعشاء. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك: وزلفا من الليل قال: المغرب والعشاء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن الحسن: زلفا من الليل صلاة المغرب والعشاء. وقوله: إن الحسنات يذهبن السيئات يقول تعالى ذكره: إن الانابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه، يذهب آثام معصية الله ويكفر الذنوب. ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى الله في هذا الموضع اللاتي يذهبن السيئات، فقال بعضهم: هن الصلوات الخمس المكتوبات. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن أبي محمد ابن الحضرمي، قال: ثنا كعب في هذا المسجد، قال: والذي نفس كعب بيده إن الصلوات الخمس لهن الحسنات التي بذهبن السيئات كما يغسل الماء الدرن. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول في قوله: إن الحسنات يذهبن السيئات قال: هن الصلوات الخمس. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إن الحسنات يذهبن السيئات قال: الصلوات الخمس.
[ 172 ]
قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد: إن الحسنات الصلوات. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة جميعا، عن عوف، عن الحسن: إن الحسنات يذهبن السيئات قال: الصلوات الخمس. حدثني زريق بن السخت، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إن الحسنات يذهبن السيئات قال: الصلوات الخمس. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات قال: الصلوات الخمس. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن، قال: الصلوات الخمس. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: إن الحسنات يذهبن السيئات قال: الصلوات الخمس. قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد الجريري، قال: ثني أبو عثمان، عن سلمان، قال: والذي نفسي بيده، إن الحسنات التي يمحو الله بهن السيئات كما يغسل الماء الدرن: الصلوات الخمس. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص بن غياث، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إن الحسنات يذهبن السيئات قال: الصلوات الخمس. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مزيدة بن زيد، عن مسروق: إن الحسنات يذهبن السيئات قال: الصلوات الخمس.
[ 173 ]
حدثني محمد بن عمارة الاسدي، وعبد الله بن أبي زياد القطوني، قالا: ثنا عبد الله بن يزيد، قال: أخبرنا حيوة، قال: أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رحمه الله يقول: جلس عثمان يوما وجلسنا معه، فجاء المؤذن فدعا عثمان بماء في إناء أظنه سيكون فيه قدر مد فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله (ص) يتوضأ وضوئي هذا ثم قال: من توضأ وضوئي هذا ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينه وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب، ثم لعله يبيت ليلة يتمرغ، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهن الحسنات يذهبن السيئات. حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكيم، قال: ثنا أبو زرعة، قال: ثنا حيوة، قال: ثنا أبو عقيل، زهرة بن معبد، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد، فذكر نحوه عن رسول الله (ص) إلا أنه قال: وهن الحسنات، إن الحسنات يذهبن السيئات. حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن زيد، ورشدين بن سعد، قالا ثنا زهرة بن معبد، قال: سمعت الحرث مولى عثمان بن عفان، يقول: جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد، ثم ذكر نحو ذلك عن رسول الله (ص)، إلا أنه قال: وهن الحسنات إن الحسنات يذهبن السيئات. حدثنا محمد بن عوف، قال: ثنا محمد بن إسماعيل قال: ثنا أبي، قال: ثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الاشعري، قال: قال رسول الله (ص): جعلت الصلوات كفارات لما بينهن، فإن الله قال: إن الحسنات يذهبن السيئات.
[ 174 ]
حدثنا ابن سيار القزار، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي، قال: كنت مع سلمان تحت شجرة، فأخذ غصنا من أغصانها يابسا فهزه حتى تحات ورقه، ثم قال: هكذا فعل رسول الله (ص)، كنت معه تحت شجرة فأخذ غصنا من أغصانها يابسا فهزه حتى تحارت ورقه، ثم قال: ألا تسألني لم أفعل هذا يا سلمان ؟ فقلت: ولم تفعله ؟ فقال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس، تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق ثم تلا هذه الآية: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل... إلى آخر الآية. وقال آخرون: هو قوله: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد: إن الحسنات يذهبن السيئات قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وأولى التأويلين بالصواب ذلك قول من قال في ذلك: هن الصلوات الخمس، لصحة الاخبار عن رسول الله (ص) وتواترها عنه أنه قال: مثل الصلوات الخمس مثل نهر جار على باب أحدكم ينغمس فيه كل يوم خمس مرات، فماذا يبقين من درنه، وإن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات، والوعد على إقامتها الجزيل من الثواب عقيبها أولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الاعمال إذا خص بالقصد بذلك بعض دون بعض. وقوله: ذلك ذكرى للذاكرين يقول تعالى: هذا الذي أوعدت عليه من الركون إلى الظلم وتهددت فيه، والذي وعدت فيه من إقامة الصلوات اللواتي يذهبن السيئات تذكرة ذكرت بها قوما يذكرون وعد الله، فيرجون ثوابه ووعيده فيخافون عقابه، لا من قد طبع على قلبه فلا يجيب داعيا ولا يسمع زاجرا. وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب رجل نال من غير زوجته ولا ملك يمينه بعض ما يحرم عليه، فتاب من ذنبه ذلك. ذكر الرواية بذلك:
[ 175 ]
حدثنا هناد بن السري قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة والاسود، قالا: قال عبد الله بن مسعود: جاء رجل إلى النبي (ص)، فقال إني عالجت امرأة في بعض أقطار المدينة، فأصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا فاقض في ما شئت فقال عمر: لقد سترك الله، لو سترت على نفسك. قال: ولم يرد النبي (ص) شيئا. فقام الرجل، فانطلق، فأتبعه النبي (ص) رجلا، فدعاه، فلما آتاه قرأ عليه: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين فقال رجل من القوم: هذا له يا رسول الله خاصة ؟ قال: بل للناس كافة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، عن علقمة والاسود، عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان، فضممتها إلي وباشرتها وقبلتها، وفعلت بها كل شي غير أني لم أجامعها فسكت عنه النبي (ص)، فنزلت هذه الآية: إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين، فدعاه النبي (ص) فقرأها عليه، فقال عمر: يا رسول الله، أله خاصة، أم للناس كافة ؟ قال: لا، بل للناس كافة ولفظ الحديث لابن وكيع. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، أنه سمع إبراهيم بن زيد، يحدث عن علقة والاسود، عن ابن مسعود، قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شئ غير أني لم أجامعها، قبلتها ولزمتها ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت فلم يقل له رسول الله (ص) شيئا، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو سترت على نفسه فأتبعه رسول الله (ص) بصره، فقال: ردوه علي فردوه، فقرأ عليه: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين قال: فقال معاذ بن جبل: أله وحده يا نبي الله، أم للناس كافة ؟ فقال: بل للناس كافة.
[ 176 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا أبو عوانة، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة والاسود عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله، أخذت امرأة في البستان فأصبت منها كل شئ، غير أني لم أنكحها، فاصنع بي ما شئت فسكت النبي (ص)، فلما ذهب دعاه، فقرأ عليه هذه الآية: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت إبراهيم يحدث عن خاله الاسود، عن عبد الله: أن رجلا لقي امرأة في بعض طرق المدينة، فأصاب منها ما دون الجماع. فأتى النبي (ص)، فذكر ذلك له، فنزلت: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله، لهذا خاصة أو لنا عامة ؟ قال: بل لكم عامة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: أنبأني سماك، قال: سمعت إبراهيم يحدث عن خاله، عن ابن مسعود: أن رجلا قال للنبي (ص): لقيت امرأة في حش بالمدينة، فأصبت منها ما دون الجماع... نحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم البغدادي، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم عن خاله، عن ابن مسعود، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: جاء فلان بن معتب رجل من الانصار، فقال: يا رسول الله دخلت علي امرأة، فنلت منها ما ينال الرجل من أهله، إلا أني لم أواقعها فلم يدر رسول الله (ص) ما يجيبه حتى نزلت هذه الآية: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات... الآية، فدعاه فقرأها عليه. حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية وحدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل وحدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان جميعا، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود: أن رجلا أصاب من امرأة شيئا لا أدري ما بلغ، غير أنه ما دون الزنا. فأتى النبي (ص)، فذكر ذلك له، فنزلت: أقم الصلاة طرفي
[ 177 ]
النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات فقال الرجل: ألي هذه يا رسول الله ؟ قال: لمن أخذ بها من أمتي، أو لمن عمل بها. حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، قال: كنت مع سلمان، فأخذ غصن شجرة يابسة فحته وقال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من توضأ فأحسن الوضوء تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق ثم قال: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل... إلى آخر الآية. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة وحسين الجعفي عن زائدة، قال: ثنا عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ، قال: أتى رجل النبي (ص) فقال: يا رسول الله ما ترى في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها غير أنه لم يجامعها ؟ فأنزل الله هذا الآية: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين فقال له رسول الله (ص): توضأ ثم صل قال معاذ: قلت يا رسول الله، أله خاصة أم للؤمنين عامة ؟ قال: بل للمؤمنين عامة. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن رجلا أصاب من امرأة ما دون الجماع، فأتى النبي (ص) يسأله عن ذلك. فقرأ رسول الله (ص)، أو أنزلت: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل... الآية، فقال معاذ: يا رسول الله، أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال: هي للناس عامة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: أتى رجل النبي (ص)، فذكر نحوه. حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: ثني عمرو بن الحرث، قال: ثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، قال: ثنا سليم بن عامر، أنه سمع أبا أمامة يقول: إن رجلا أتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله أقم في حد الله مرة
[ 178 ]
واثنتين. فأعرض عنه رسول الله (ص). ثم أقيمت الصلاة فلما فرغ رسول الله (ص) من الصلاة، قال: أين هذا القائل: أقم في حد الله ؟ قال: أناذا قال: هل أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا ؟ قال: نعم. قال: فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك، فلا تعد وأنزل الله حينئذ على رسوله: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل... الآية. حدثنا ابن وكيع، قال: ثني جرير، عن عبد الملك، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أنه كان جالسا عند النبي (ص)، فجاء رجل فقال: يا رسول الله، رجل أصاب من امرأة ما لا يحل له، لم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا أتاه إلا أنه لم يجامعها ؟ قال: يتوضأ وضوءا حسنا ثم يصلي. فأنزل الله هذه الآية: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل... الآية، فقال معاذ: هي يا رسول الله خاصة، أم للمسلمين عامة ؟ قال: بل للمسلمين عامة. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة: أن رجلا من أصحاب النبي (ص) ذكر امرأة وهو جالس مع النبي (ص)، فاستأذنه لحاجة، فأذن له، فذهب يطلبها فلم يجدها. فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي (ص) بالمطر، فوجد المرأة جالسة على غدير، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها، فصار ذكره مثل الهدبة، فقام نادما حتى أتى النبي (ص) فأخبره بما صنع، فقال له النبي (ص): استغفر ربك وصل أربع ركعات قال: وتلا عليه: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل... الآية. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن وهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر بن عمرو الانصاري قال: أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا، فقلت: إن في البيت تمرا أجود من هذا، فدخلت فأهويت إليها فقبلتها. فأتيت أبا بكر فسألته، فقال: استر على نفسك وتب واستغفر الله فأتيت رسول الله (ص)، فقال: أخلفت رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا ؟ حتى ظننت
[ 179 ]
أني من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ. قال: فأطرق رسول الله (ص) ساعة فنزل جبرئيل فقال: أين أبو اليسر ؟ فجئت، فقرأ علي: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل... إلى ذكرى للذاكرين قال: إنسان له: يا رسول الله خاصة أم للناس عامة ؟ قال: للناس عامة. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر قال: لقيت امرأة فالتزمتها، غير أني لم أنكحها، فأتيت عمر بن الخطاب فقال: اتق الله واستر على نفسك، ولا تخبرن أحدا فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر رضي الله عنه، فسألته، فقال: اتق الله واستر على نفسك ولا تخبرن أحدا قال: فلم أصبر حتى أتيت النبي (ص)، فأخبرته، فقال له: هل جهزت غازيا ؟ قلت: لا، قال: فهل خلفت غازيا في أهله ؟ قلت: لا، فقال لي حتى تمنيت أني كنت دخلت في الاسلام تلك الساعة. قال: فلما وليت دعاني، فقرأ علي: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل فقال له أصحابه: ألهذا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال: بل للناس عامة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثني سعيد، عن قتادة: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي (ص) فقال: يا نبي الله هلكت فأنزل الله: إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن سليمان التيمي، قال: ضرب رجل على كفل امرأة، ثم أتى أبا بكر وعمرو رضي الله عنهما، فكلما سأل رجلا منهما عن كفارة ذلك قال: أمغزية هي ؟ قال: نعم، قال: لا أدري. ثم أتى النبي (ص) فسأله عن ذلك فقال: أمغزية هي ؟ قال: نعم. قال: لا أدري. حتى أنزل الله: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن عطاء، في قول الله تعالى: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من
[ 180 ]
الليل أن امرأة دخلت على رجل يبيع الدقيق، فقبلها فأسقط في يده. فأتى عمر، فذكر ذلك له، فقال: اتق الله ولا تكن امرأة غاز فقال الرجل: هي امرأة غاز. فذهب إلى أبي بكر فقال مثل ما قال عمر. فذهبوا إلى النبي (ص) جميعا، فقال له: كذلك، ثم سكت النبي (ص) فلم يجبهم، فأنزل الله: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل الصلوات المفروضات إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء بن أبي رباح، قال: أقبلت امرأة حتى جاءت إنسانا يبيع الدقيق لتبتاع منه، فدخل بها البيت، فلما خلا له قبلها. قال: فسقط في يديه، فانطلق إلى أبي بكر، فذكر ذلك له فقال: أبصر لا تكونن امرأة رجل غاز فبينما هم على ذلك، نزل في ذلك: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل قيل لعطاء: المكتوبة هي ؟ قال: نعم هي المكتوبة. فقال ابن جريج، وقال عبد الله بن كثير: هي المكتوبات. قال ابن جريج، عن يزيد بن رومان: إن رجلا من بني غنم، دخلت عليه امرأة فقبلها ووضع يده على دبرها. فجاء إلى أبي بكر رضي الله عنه، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه، ثم أتى إلى النبي (ص)، فنزلت هذه الآية: أقم الصلاة... إلى قوله: ذلك ذكرى للذاكرين فلم يزل الرجل الذي قبل المرأة يذكر، فذلك قوله: ذكرى للذاكرين. القول في تأويل قوله تعالى: * (واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) *. يقول تعالى ذكره: واصبر يا محمد على ما تلقى من مشركي قومك من الاذى في الله والمكروه رجاء جزيل ثواب الله على ذلك، فإن الله لا يضيع ثواب عمل من عمل فأطاع الله واتبع أمره فيذهب به، بل يوفره أحوج ما يكون إليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الارض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا مآ أترفوا فيه وكانوا مجرمين) *. يقول تعالى ذكره: فهلا كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم في هذه السورة الذين أهلكتهم بمعصيتهم إياي وكفرهم برسلي من قبلكم. أولو بقية يقول: ذو بقية من
[ 181 ]
الفهم والعقل، يعتبرون مواعظ الله وبتدبرون حججه، فيعرفون ما لهم في الايمان بالله وعليهم في الكفر به ينهون عن الفساد في الارض يقول: ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم أهل الكفر بالله عن كفرهم به في أرضه. إلا قليلا ممن أنجينا منهم يقول: لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الارض إلا يسيرا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الارض، فنجاهم الله من عذابه، حين أخذ من كان مقيما على الكفر بالله عذابه، وهم أتباع الانبياء والرسل. ونصب قليلا لان قوله: إلا قليلا استثناء منقطع مما قبله، كما قال: إلا قوم يونس لما آمنوا، وقد بينا ذلك في غير موضع بما أغنى عن إعادته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: اعتذر فقال: فلولا كان من القرون من قبلكم... حتى بلغ: إلا قليلا ممن أنجينا منهم فإذا هم الذين نجوا حين نزل عذاب الله. وقرأ: واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية... إلى قوله: إلا قليلا ممن أنجينا منهم قال: يستقلهم الله من كل قوم. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، قال: سألني بلال، عن قول الحسن في العذر، قال: فقال: سمعت الحسن يقول: قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم قال: بعث الله هودا إلى عاد، فنجى الله هودا والذين آمنوا معه وهلك المتمتعون. وبعث الله صالحا إلى ثمود، فنجى الله صالحا وهلك المتمتعون. فجعلت أستقريه الامم، فقال: ما أراه إلا كان حسن القول في العذر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الارض إلا قليلا ممن أنجينا منهم. أي لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الارض، إلا قليلا ممن أنجينا منهم. وقوله: واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه يقول تعالى ذكره: واتبع الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله ما أترفوا فيه. ذكر من قال ذلك:
[ 182 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه قال: ما أنظروا فيه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه من دنياهم. وكأن هؤلاء وجهوا تأويل الكلام: واتبعوا الذين ظلموا الشئ الذي أنظرهم فيه ربهم من نعيم الدنيا ولذاتها، إيثارا له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب الله. وقال آخرون: معنى ذلك: واتبع الذين ظلموا ما تجبروا فيه من الملك وعتوا عن أمر الله. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه قال: في ملكهم وتجبرهم، وتركوا الحق. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال: وتركهم الحق. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بالله، اتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا فاستكبروا وكفروا بالله واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا، فاستكبروا عن أمر الله وتجبروا وصدوا عن سبيله وذلك أن المترف في كلام العرب: هو المنعم الذي قد غذى باللذات، ومنه قول الراجز: تهدي رءوس المترفين الصداد إلى أمير المؤمنين الممتاد وقوله: وكانوا مجرمين يقول: وكانوا مكتسي الكفر بالله. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 183 ]
* (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) *. يقول تعالى ذكره: وما كان ربك يا محمد ليهلك القرآن التي أهلكها، التي قص عليك نبأها، ظلما وأهلها مصلحو في أعمالهم، غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربهم ظلما، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله وتماديهم في غيهم وتكذيبهم رسلهم وركوبهم السيئات. وقد قيل: معنى ذلك لم يكن ليهلكهم بشركهم بالله، وذلك قوله بظلم، يعني: بشرك، وأهلها مصلحون فيما بينهم لا يتظالمون، ولكنهم يتعاطون الحق بينهم وإن كانوا مشركين، وإنما يهلكهم إذا تظالموا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو شآء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ئ إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين) *. يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربك يا محمد لجعل الناس كلها جماعة واحدة على ملة واحدة ودين واحد. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة يقول: لجعلهم مسلمين كلهم. وقوله: ولا يزالون مختلفين يقول تعالى ذكره: ولا يزال الناس مختلفين، إلا من رحم ربك. ثم اختلف أهل التأويل في الاختلاف الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به فقال بعضهم: هو الاختلاف في الاديان. فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتى من بين يهودي ونصراني ومجوسي، ونحو ذلك. وقال قائل هذه المقالة: استثنى الله من ذلك من رحمهم، وهم أهل الايمان. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء: ولا يزالو مختلفين قال: اليهود والنصارى والمجوس. والحنيفية هم الذين رحم ربك. حدثني المثنى، قال: ثنا قبيصة، قال: ثنا سفيان، عن طلحة بن عمرو، عن
[ 184 ]
عطاء: ولا يزالون مختلفين قال: اليهود والنصارى والمجوس إلا من رحم ربك قال: هم الحنيفية. حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا منصور بن عبد الرحمن، قال: قلت للحسن، قوله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك. قال: الناس مختلفون على أديان شتى، إلا من رحم ربك، فمن رحم غير مختلفين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن حسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد: ولا يزالون مختلفين قال: أهل الباطل. إلا من رحم ربك قال: أهل الحق. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا يزالون مختلفين قال: أهل الباطل. إلا من رحم ربك قال: أهل الحق. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. قال: ثنا معلي بن أسد، قال: ثنا عبد العزيز، عن منصور بن عبد الرحمن، قال: سئل الحسن عن هذه الآية: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك قال: الناس كلهم مختلفون على أديان شتى. إلا من رحم ربك فمن رحم غير مختلف فقلت له: ولذلك خلقهم ؟ فقال: خلق هؤلاء لجنته وهؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته وخلق هؤلاء لعذابه. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: ثنا أبو جعفر، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: ولا يزالون مختلفين قال: أهل الباطل. إلا من رحم ربك قال: أهل الحق. قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد، قوله: ولا يزالون مختلفين قال: أهل الحق وأهل الباطل. إلا من رحم ربك قال: أهل الحق. قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك: إلا من رحم ربك قال: أهل الحق ليس فيهم اختلاف.
[ 185 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا بن يمان، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عكرمة: ولا يزالون مختلفين قال: اليهود والنصارى. إلا من رحم ربك قال: أهل القبلة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة، عن ابن عباس: ولا يزالون مختلفين قال: أهل الباطل. إلا من رحم ربك قال: أهل الحق. حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك قال: لا يزالون مختلفين في الهوى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك فأهل رحمة الله أهجماعة وإن تفرقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك قال: من جعله على الاسلام. قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا الحسن بن واصل، عن الحسن: ولا يزالون مختلفين قال: أهل الباطل إلا من رحم ربك. قال: ثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله: ولا يزالون مختلفين قال: أهل الباطل. إلا من رحم ربك قال: أهل الحق. حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفين في الرزق، فهذا فقير وهذا غنى. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا معتمر، عن أبيه، أن الحسن قال: مختلفين في الرزق، سخر بعضهم لبعض. وقال بعضهم: مختلفين في المغفرة والرحمة، أو كما قال. وأولى الاقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا يزال الناس
[ 186 ]
مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتى، إلا من رحم ربك فآمن بالله وصدق رسله، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله وتصديق رسله وما جاءهم من عند الله. وإنما قلت ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك، لان الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين ففي ذلك دليل واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس، إنما هو خبر عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار، ولو كان خبرا عن اختلافهم في الرزق لم يعقب ذلك بالخبر عن عقابهم وعذابهم. وأما قوله: ولذلك خلقهم فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وللاختلاف خلقهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن: ولذلك خلقهم قال: للاختلاف. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا منصور بن عبد الرحمن، قال: قلت للحسن، ولذلك خلقهم ؟ فقال: خلق هؤلاء لجنته وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته وخلق هؤلاء لعذابه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عليه، عن منصور، عن الحسن، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا المعلى بن أسد، قال: ثنا عبد العزيز، عن منصور بن عبد الرحمن، عن الحسن. بنحوه. قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن خالد الحذاء، أن الحسن قال في هذه الآية: ولذلك خلقهم قال: خلق هؤلاء لهذه، وخلق هؤلاء لهذه. حدثنا محمد ببشار، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، قال: ولذلك خلقهم قال: أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافا يضرهم. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولذلك خلقهم قال: خلقهم فريقين: فريقا يرحم فلا يختلف، وفريقا لا يرحم يختلف، وذلك قوله: فمنهم شقي وسعيد.
[ 187 ]
حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، في قوله: ولا يزالون مختلفين قال: يهود ونصارى ومجوس. إلا من رحم ربك قال: من جعله على الاسلام. ولذلك خلقهم قال: مؤمن وكافر. حدثني يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك عن قول الله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم قال: خلقهم ليكونوا فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللرحمة خلقهم. ذكر من قال ذلك: حدثني أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن حسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد: ولذلك خلقهم قال: للرحمة. حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: ولذلك خلقهم قال للرحمة. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو حفص، عن ليث، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: للرحمة خلقهم. حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولذلك خلقهم قال: للرحمة خلقهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عمن ذكره عن ثابت، عن الضحاك: ولذلك خلقهم قال: للرحمة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة: ولذلك خلقهم قال: أهل الحق ومن اتبعه لرحمته حدثني سعد بن عبد الله، قال: ثنا حفص بن عمر، ثنا الحكم بن
[ 188 ]
أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك قال: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب. وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم لان الله جل ذكره ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلاف وباطل، والآخر أهل حق ثم عقب ذلك بقوله: ولذلك خلقهم، فعم بقوله: ولذلك خلقهم صفة الصنفين، فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له. فإن قال قائل: فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون المختلفون غير ملومين على اختلافهم، إن كان لذلك خلقهم ربهم، وأن يكونوا المتمتعون هم الملومين ؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت وإنما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم إلا من رحم ربك فهداه للحق ولعلمه، وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكافر، والشقي والسعيد خلقهم، فمعنى اللام في قوله: ولذلك خلقهم بمعنى على كقولك للرجل: أكرمتك على برك بي، وأكرمتك لبرك بي. وأما قوله: وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين لعلمه السابق فيهم أنهم يستوجبون صليها بكفرهم بالله، وخلافهم أمره. وقوله: وتمت كلمة ربك قسم كقول القائل: حلفى لازورنك، وبدا لي لآتينك ولذلك تلقيت بلام اليمين. وقوله: من الجنة وهي ما اجتن عن أبصار بني آدم والناس، يعني: وبني آدم. وقيل: إنهم سموا جنة، لانهم كانوا على الجنان. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك: وإنما سموا الجنة أنهم كانوا على الجنان، والملائكة كلهم جنة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك، قال: الجنة: الملائكة. وأما معنى قول أبي مالك هذا: أن إبليس كان من الملائكة، والجن ذريته، وأن الملائكة تسمى عنده الجن، لما قد بينت فيما مضى من كتابنا هذا القول في تأويل قوله تعالى:
[ 189 ]
* (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) *. يقول تعالى ذكره: وكلا نقص عليك يا محمد من أنباء الرسل الذين كانوا قبلك، ما نثبت به فؤادك فلا تجزع من تكذيب من كذبك من قومك ورد عليك ما جئتهم به، ولا يضق صدرك فتترك بعض ما أنزلت إليك من أجل أن قالوا: لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إذا علمت ما لقى معن قبلك من رسلي من أممها. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤداك قال: لتعلم ما لقيت الرسل قبلك من أممهم. وأختلف أهل العربية في وجه نصب كلا، فقال بعض نحويي البصرة: نصب على معنى: ونقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك كلا كأن الكل منصوب عنده على المصدر من نقص بتأويل: ونقص عليك ذلك كل القصص وقد أنكر ذلك قوله بعض أهل العربية، وقال: ذلك غير جائز وقال إنما نصبت كلا ب نقص، لان كلا بنيت على الاضافة كان معها إضافة أو لم يكن. وقال: أراد: كله نقص عليك، وجعل ما نثبت ردا على كلا. وقد بينت الصواب من القول في ذلك. وأما قوله: وجاءك في هذه الحق فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وجاءك في هذه السورة الحق. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن خليد بن جعفر، عن أبي إياس، عن أبي موسى: وجاءك في هذه الحق قال: في هذه السورة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن خليد بن جعفر، عن أبي إياس معاوية بن قرة، عن أبي موسى، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثني سعيد بن عامر، قال: ثنا عوف، عن أبي رجاء، عن ابن عباس، في قوله: وجاءك في هذه الحق قال: في هذه السورة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن عمرو العنبري، عن ابن عباس: وجاءك في هذه الحق قال: في هذه السورة.
[ 190 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن رجل من بني العنبر، قال: خطبنا ابن عباس فقال: وجاءك في هذا لحق قال: في هذه السورة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، قال: سمعت ابن عباس قرأ هذه السورة على الناس حتى بلغ: وجاءك في هذه الحق قال في هذه السورة. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عوف، عن مروان الاصغر، عن ابن عباس أنه قرأ على المنبر: وجاءك في هذه الحق فقال: في هذه السورة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد: وجاءك في هذه الحق قال: في هذه السورة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وجاءك في هذه السورة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: هذه السورة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعيد، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: وجاءك في هذه الحق قال: في هذه السورة.
[ 191 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، بمثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع. وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن أبي رجاء عن الحسن. مثله. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، عن أبان بن تغلب، عن مجاهد، مثله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وجاءك في هذه الحق قال: في هذه السورة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن البصري يقول في قول الله تعالى: وجاءك في هذه الحق قال: يعني في هذه السورة. وقال آخرون: معنى ذلك: وجاءك في هذه الدنيا الحق. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة وجاءك في هذه الحق قال: في هذه الدنيا. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة: وجاءك في هذه الحق قال: كان الحسن يقول: في الدنيا. وأولى التأويلين بالصواب في تأويل ذلك، قول من قال: وجاءك في هذه السورة الحق لاجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله. فإن قال قائل: أو لم يجئ النبي (ص) الحق من سورة القرآن إلا في هذه السورة فيقال وجاءك في هذه السورة الحق ؟ قيل له: بلى قد جاءه فيها كلها. فإن قال: فما وجه خصوصه إذن في هذه السورة بقوله: وجاءك في هذه الحق ؟ قيل: إن معنى الكلام: وجاءك في هذه السورة الحق مع ما جاءك في سائر سور القرآن، أو إلى ما جاءك من الحق في سائر سور القرآن، لا أن معناه: وجاءك في هذه السورة الحق دون سائر سور القرآن. وقوله: وموعظة يقول: وجاءك موعظة تعظ الجاهلين بالله وتبين لهم عبره ممن
[ 192 ]
كفر به وكذب رسله. وذكرى للمؤمنين يقول: وتذكرة تذكر المؤمنين بالله ورسله كي لا يغفلوا عن الواجب لله عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون ئ وانتظروا إنا منتظرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وقل يا محمد للذين لا يصدقونك ولا يقرون بوحدانية الله: اعملوا على مكانتكم يقول: على هينتكم وتمكنكم ما أنتم عاملوه، فإنا عاملون ما نحن عاملوه من الاعمال التي أمرنا الله بها، وانتظروا ما وعدكم الشيطان، فإنا منتظرون ما وعدنا الله من حربكم ونصرتنا عليكم. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، في قوله: وانتظروا إنا منتظرو قال: يقول: انتظروا مواعيد الشيطان إياكم على ما يزين لكم إنا منتظرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولله غيب السماوات والارض وإليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولله يا محمد ملك كل ما غاب عنك في السماوات والارض، فلم تطلع عليه ولم تعلمه، كل ذلك بيده وبعلمه، لا يخفى عليه منه شئ، وهو عالم بما يعمله مشركو قومك وما إليه مصير أمرهم من إقامة على الشرك أو إقلاع عنه وتوبة. وإليه يرجع الامر كله يقول: وإلى الله معاد كل عامل وعمله، وهو مجاز جميعهم بأعمالهم. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: وإليه يرجع الامر كله قال: فيقضي بينهم بحكمه بالعدل. يقول: فاعبده يقول: فاعبد ربك يا محمد، وتوكل عليه يقول: وفوض أمرك إليه وثق به وبكفايته، فإنه كافى من توكل عليه. وقوله: وما ربك بغافل عما تعملون يقول تعالى ذكره: وما ربك يا محمد بساه عما يعمل هؤلاء المشركون من قومك، بل هو محيط به لا يعز ب عنه شئ منه، وهو لهم
[ 193 ]
بالمرصاد، فلا يحزنك إعراضهم عنك ولا تكذيبهم بما جئتهم بمن الحق، وامض لامر ربك فإنك بأعيننا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن الحباب، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب، قال: خاتمة التوراة، خاتمة هود، اخر تفسير سورة هود والحمد الله المعبود المقصود.
[ 194 ]
سورة يوسف مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة القول في تفسير السورة التي يذكر فيها يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم * (الر تلك آيات الكتاب المبين) *. قال أبو جعفر محمد بن جرير: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: الر تلك آيات الكتاب المبين، والقول الذي نختاره في تأويل ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته ههنا. وأما قوله: تلك آيات الكتاب المبين فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: تلك آيات الكتاب المبين: بين حلاله وحرامه، ورشده وهداه. ذكر من قال ذلك: حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا الوليد بن سلمة الفلسطيني، قال: أخبرني عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، في قول الله تعالى: الر تلك آيات الكتاب المبين قال: بحلاله وحرامه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله الر تلك آيات الكتاب المبين أي والله لمبين تركيبه هداه ورشده. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: الر تلك آيات الكتاب المبين قال: بين الله رشده وهداه. وقال آخرون في ذلك بما:
[ 195 ]
حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا الوليد بن سلمة، قال: ثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ أنه قال في قول الله عزوجل: الكتاب المبين قال بين الحروف التي سقطت عن ألسن الاعاجم وهي ستة أحرف. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معناه: هذه آيات الكتاب المبين، لمن تلاه وتدبر ما فيه من حلاله وحرامه ونهيه وسائر ما حواه من صنوف معانيه لان الله جل ثناؤه أخبر أنه مبين، ولم يخص إبانته عن بعض ما فيه دون جميعه، فذلك على جميعه، إذ كان جميعه مبينا عما فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنآ أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) *. يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين قرآنا عربيا على العرب، لان لسانهم وكلامهم عربي، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه، وذلك قوله عزوجل: لعلكم تعقلون. القول في تأويل قوله تعالى: * (نحن نقص عليك أحسن القصص بمآ أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) *. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): نحن نقص عليك يا محمد أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن، فنخبرك فيه عن الاخبار الماضية وأنباء الامم السالفة والكتب التي أنزلناها في العصور الخالية. وإن كنت من قبله لمن الغافلين يقول تعالى ذكره: وإن كنت يا محمد من قبل أن نوحيه إليك لمن الغافلين عن ذلك، لا تعلمه ولا شيئا منه. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: نحن نقص عليك أحسن القصص من الكتب الماضية وأمور الله السالفة في الامم، وإن كنت من قبله لمن الغافلين. وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) لمسألة أصحابه إياه أن يقص عليهم. ذكر الرواية بذلك: حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا حكام الرازي، عن
[ 196 ]
أيوب، عن عمرو الملائي، عن ابن عباس، قال: قالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا قال: فنزلت: نحن نقص عليك أحسن القصص. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، قال: قالوا يا نبي الله، فذكر مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن المسعودي، عن عون بن عبد الله، قال: مل أصحاب رسول الله (ص) ملة، فقالوا: يا رسول الله حدثنا فأنزل الله عزوجل: ألله نزل أحسن الحديث. ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: يارسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص. فأنزل الله: الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين. فأرادوا الحديث فدلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص. حدثنا محمد بن سعيد العطار، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا خلاد الصفار، عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أنزل على النبي (ص) القرآن، قال: فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا فأنزل الله: الر تلك آيات الكتاب المبين... إلى قوله: لعلكم تعقلون... الآية. قال: ثم تلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله تعالى: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها قال خلاد: وزادوا فيه رجلا آخر، قالوا: يا رسول الله، أو قال أبويحيى: ذهبت من كتابي كلمة، فأنزل الله: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ قال يوسف لابيه يأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) *.
[ 197 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإن كنت يا محمد لمن الغافلين عن نبإ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، إذ قال لابيه يعقوب بن إسحاق: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا يقول: إني رأيت في منامي أحد عشر كوكبا. وقيل: إن رؤيا الانبياء كانت وحيا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال: كانت رؤيا الانبياء وحيا. وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إني رأيت أحد عشر كوكب قال: كانت الرؤيا فيهم وحيا. وذكر أن الاحد العشر الكواكب التي رآها في منامه ساجدة مع الشمس والقمر، ما: حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، قال: أتى النبي (ص) رجل من يهود يقال له بستانة اليهودي، فقال له: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له، ما أسماؤها ؟ قال: فسكت رسول الله (ص)، فلم يجبه بشئ، ونزل عليه جبرئيل وأخبره بأسمائها. قال: فبعث رسول الله (ص) إليه، فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها ؟ قال: نعم، فقال: جربان والطارق، والذيال، وذو الكتفين، وقابس، ووثاب وعمودان، والفليق، والمصبح، والضروح، ودو الفرغ، والضياء، والنور. فقال اليهودي: والله إنها لاسماؤها. وقوله: والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين يقول: والشمس والقمر رأيتهم في منامي سجودا. وقال ساجدين والكواكب والشمس والقمر إنما يخبر عنها بفاعلة وفاعلات، لا بالواو والنون، إنما هي علامة جمع أسماء ذكور بني آدم أو الجن أو الملائكة. وإنما قيل ذلك كذلك، لان السجود من أفعال من يجمع أسماء ذكورهم بالياء
[ 198 ]
والنون، أو الواو والنون، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك، كما قيل: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم. وقال: رأيتهم وقد قيل: إني رأيت أحد عشر كوكبا، فكرر الفعل، وذلك على لغة من قال: كلمت أخاك كلمته، توكيدا للفعل بالتكرير. وقد قيل: إن الكواكب الاحد عشر كانت إخوته، والشمس والقمر أبويه. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إذ قال يوسف لابيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا إخوته أحد عشر كوكبا، والشمس والقمر، يعني بذلك: أبويه. حدثني الحارث، قال: ثني عبد العزيز، قال: ثنا شريك، عن السدي، في قوله: إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر... الآية، قال: رأى أبويه وإخوته سجودا له. فإذا قيل له عمن قال إن كان حقا، فإن ابن عباس فسره. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال: الكواكب: إخوته، والشمس والقمر: أبواه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: إني رأيت أحد عشر كوكب إخوته والشمس أمه والقمر أبوه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: قال سفيان: كان أبويه وإخوته. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، قوله: إني رأيت أحد عشر كوكبا هم إخوة يوسف والشمس والقمر هما أبواه. حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا.... الآية، قال: أبواه وإخوته. قال: فنعاه إخوته وكانوا أنبياء، فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه حين بلغهم.
[ 199 ]
وروى عن ابن عباس أنه قال: الكواكب إخوته، والشمس والقمر: أبوه وخالته، من وجه غير محمود، فكرهت ذكره. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال يبني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للانسان عدو مبين) *. يقول جل ذكره قال يعقوب لابنه يوسف: يا بني لا تقصص رؤياك هذه على إخوتك فيحسدوك فيكيدوا لك كيدا يقول: فيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان. إن الشيطان للانسان عدو مبين يقول: إن الشيطان لآدم وبنيه عدو، وقد أبان لهم عداوته وأظهرها. يقول: فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بالحسد منهم لك إن أنت قصصت عليهم رؤياك. وإنما قال يعقوب ذلك، لانه قد كان تبين له من أخوته قبل ذلك حسده. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي، قال: نزل يعقوب الشام، فكان همه يوسف وأخاه، فحسده إخوته لما رأوا حب أبيه له، ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين، فحدث بها أباه فقال: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا.... الآية. واختلف أهل العربية في وجه دخول اللام في قوله: فيكيدوا لك كيدا فقال بعض نحويي البصرة: معناه: فيتخذوا لك كيدا، وليست مثل: إن كنتم للرؤيا تعبرون تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام كما يوصل بالباء، كما تقول: قدمت له طعاما، تريد قدمت إليه. وقال: يأكلن ما قدمتم لهن، ومثله قوله: قل الله يهدي للحق قال: وإن شئت كان: فيكيدوا لك كيدا، في معنى: فيكيدوك، وتجعل اللام مثل: لربهم يرهبون وقد قال لربهم يرهبون إنما هو بمكان: ربهم يرهبون. وقال بعضهم: أدخلت اللام في ذلك، كما تدخل في قولهم: حمدت لك وشكرت لك، وحمدتك
[ 200 ]
وشكرتك، وقال: هذه لام عليها الفعل، فكذلك قوله: فيكيدوا لك كيدا تقول: فيكيدوك، ويكيدوا لك فيقصدوك، ويقصدوا لك، قال: وكيدا: توكيد. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كمآ أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم) *.: يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل يعقوب لابنه يوسف لما قص عليه رؤياه: وكذلك يجتبيك ربك وهكذا يجتبيك ربك. يقول: كما أراك ربك الكواكب والشمس والقمر لك سجودا، فكذلك يصطفيك ربك. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو العنقزي، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة: وكذلك يجتبيك ربك قال: يصطفيك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث فاجتباه واصطفاه وعلمه من عبر الاحاديث، وهو تأويل الاحاديث. وقوله: ويعلمك من تأويل الاحاديث يقول: ويعلمك ربك من علم ما يؤول إليه أحاديث الناس عما يرونه في منامهم، وذلك تعبير الرؤيا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ويعلمك من تأويل الاحاديث قال: عبارة الرؤيا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويعلمك من تأويل الاحاديث قال: تأويل الكلام: العلم والحلم، وكان يوسف أعبر الناس. وقرأ: ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما. وقوله: ويتم نعمته عليك باجتبائه إياك واخيتاره وتعليمه إياك تأويل الاحاديث. وعلى آل يعقوب يقول: وعلى أهل دين يعقوب وملته من ذريته وغيرهم. كما أتمها
[ 201 ]
على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق باتخاذه هذا خليلا وتنجيته من النار، وفدية هذا بذبح عظيم. كالذي: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن عكرمة، في قوله: ويتم نعمته عليك وعلى آيعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق قال: فنعمته على إبراهيم أن نجاه من النار، وعلى إسحاق أن نجاه من الذبح. وقوله: إن ربك عليم حكيم يقول: إن ربك عليم بمواضع الفضل، ومن هو أهل للاجتباء والنعمة، حكيم في تدبيره خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) *. يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته الاحد عشر آيات يعني عبر وذكر للسائلين يعني السائلين عن أخبارهم وقصصهم. وإنما أراد جل ثناؤه بذلك نبيه محمدا (ص)، وذلك أنه يقال: إن الله تبارك وتعالى إنما أنزل هذه السورة على نبيه يعلمه فيها ما لقي يوسف من إخوته وإذايته من الحسد، مع تكرمة الله إياه، تسلية له بذلك مما يلقى من إذايته وأقاربه من مشركي قريش. كذلك كان ابن إسحاق يقول. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: إنما قص الله تبارك وتعالى على محمد خبر يوسف وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه لما رأى رسول الله (ص) من بغي قومه وحسده حين أكرمه الله عزوجل بنبوت ليتأسى به. واختلفت القراء في قراءة قوله: آيات للسائلين فقرأته عامة قراء الامصار آيات على الجماع. وروى عن مجاهد وابن كثير أنهما قرءا ذلك على التوحيد. والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ذلك على الجماع، لاجماع الحجة من القراء عليه. ] القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين) *. يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قالوا
[ 202 ]
إخوة يوسف ليوسف وأخوه من أمه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة يقولون: ونحن جماعة ذوو عدد أحد عشر رجلا. والعصبة من الناس هم عشرة فصاعدا، قيل إلى خمسة عشر فصاعدا عشر، ليس لها واحد من لفظها، كالنفر والرهط. إن أبانا لفي ضلال مبين يعنون: إن أبانا يعقوب لفي خطأ من فعله في إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة، ويعني بالمبين أنه خطأ، يبين عن نفسه أنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي: إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلي أبينا منا قال: يعنون بنيامين. قال: وكانوا عشرة. قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: إن أبانا لفي ضلال مبين قال: في ضلال من أمرنا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ونحن عصبة قال: العصبة: الجماعة. القول في تأويل قوله تعالى: * (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) *. يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: اقتلوا يوسف أو اطرحوه في أرض من الارض، يعنون مكانا من الارض. يخل لكم وجه أبيكم يعنون: يخل لكم وجه أبيكم من شغله بيوسف، فإنه قد شغله عنا وصرف وجهه عنا إليه. وتكونوا من بعده قوما صالحين يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف وذنبهم الذي يركبونه فيه، فيكونون بتوبتهم من قتله من بعد هلاك يوسف قوما صالحين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال: تتوبون مما صنعتم، أو من صنيعكم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 203 ]
* (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين) *. يقول تعالى ذكره: قال قائل من إخوة يوسف: لا تقتلوا يوسف، وقيل إن قائل ذلك روبيل كان ابن خالة يوسف. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: لا تقتلوا يوسف ذكر لنا أنه روبيل كان أكبر القوم، وهو ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: اقتلوا يوسف... إلى قوله: إن كنتم فاعلين قال: ذكر لي والله أعلم أن الذي قال ذلك منهم روبيل الاكبر من بني يعقوب، وكان أقصدهم فيه رأيا. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: لا تقتلوا يوسف قال: كان أكبر إخوته، وكان ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله. وقيل: كان قائل ذلك منهم شمعون. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف قال: هو شمعون. وقوله: وألقوه في غيابت الجب يقول: وألقوه في قعر الجب حيث يغيب خبره. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة: غيابات الجب على الجماع. وقرأ ذلك عامة قراء سائر الامصار: غيابة الجب بتوحيد الغيابة. وقراءة ذلك بالتوحيد أحب إلي. والجب: بئر. وقيل: إنه اسم بئر ببيت المقدس. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: في غيابة الجب قال: بئر ببيت المقدس.
[ 204 ]
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: غيابة الجب قال: بئر ببيت المقدس. والغيابة: كل شئ غيب شيئا فهو غيابة، والجب: البئر غير المطوية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: في غيابة الجب في بعض نواحيها: في أسفلها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وألقوه في غيابة الجب يقول: في بعض نواحيها حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: وألقوه في غيابة الجب قال: قالها كبيرهم الذي تخلف. قال: والجب: بئر بالشأم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ألقوه في غيابة الجب يعني: الركية. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: الجب: البئر. وقوله: يلتقطه بعض السيارة يقول: يأخذه بعض مارة الطريق من المسافرين. إن كنتم فاعلين يقول: إن كنتم فاعلين ما أقول لكم. فذكر أنه التقطه بعض الاعراب. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: يلتقطه بعض السيارة قال: التقطه ناس من الاعراب. وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ: تلتقطه بعض السيارة بالتاء. حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن هارون، عن مطر الوراق، عن الحسن. وكأن الحسن ذهب في تأنيثه بعض السيارة إلى أن فعل بعضها فعلها، والعرب تفعل
[ 205 ]
ذلك في خبر كان عن المضاف إلى مؤنث يكون الخبر عن بعضه خبرا عن جميعه، وذلك كقول الشاعر: أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال فقال: أخذن مني، وقد ابتدأ الخبر عن المراد، إذ كان الخبر عن المر خبرا عن السنين، وكما قال الآخر: إذا مات منهم سيد قام سيد فدانت له أهل القرى والكنائس فقال: دانت له، والخبر عن أهل القرى، لان الخبر عنهم كالخبر عن القرى. ومن قال ذلك، لم يقل: فدانت له غلام هند، لان الغلام لو ألقى من الكلام لم تدل هند عليه، كما يدل الخبر عن القرية على أهلها. وذلك أنه لو قيل: فدانت له القرى، كان معلوما أنه خبر عن أهلها، وكذلك بعض السيارة، لو ألقى البعض، فقيل: تلتقطه السيارة، علم أنه خبر عن البعض أو الكل، ودل عليه الخبر عن السيارة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا يأبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون) *. يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف إذ تآمروا بينهم، وأجمعوا على الفرقة بينه وبين والده يعقوب لوالدهم يعقوب: يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف فتتركه معنا إذا نحن خرجنا خارج المدينة إلى الصحراء، ونحن له ناصحون نحوطه ونكلؤه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) *. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة: يرتع ويلعب بكسر
[ 206 ]
العين من يرتع وبالياء في يرتع ويلعب، على معنى يفتعل من الرعي: ارتعيت فأنا أرتعي. كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى: أرسله معنا غدا يرتع الابل، ويلعب. وإنا له لحافظون. وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب بالياء في الحرفين جميعا وتسكين العين، من قولهم: رتع فلان في ماله: إذا لهى فيه ونعم وأنفقه في شهواته، ومن ذلك قولهم في مثل من الامثال: القيد والرتعة ومنه قول القطامي: أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المئة الرتاعا وقرأ بعض أهل البصرة: نرتع بالنون ونلعب بالنون فيهما جميعا، وسكون العين من نرتع. حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: كان أبو عمرو يقرأ: نرتع ونلعب بالنون، قال: فقلت لابي عمرو: كيف يقولون نلعب وهم أنبياء ؟ قال: لم يكونوا يومئذ أنبياء. وأولى القراءة في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأه في الحرفين كليهما بالياء وبجزم العين في يرتع. لان القوم إنما سألوا إياه إرسال يوسف معهم، وخدعوه بالخبر عن مسألتهم إياه ذلك عما ليوسف في إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك، بالخبر عن أنفسهم. وبذلك أيضا جاء تأويل أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب يقول: يسع وينشط. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: يرتع ويلعب قال: يلهو، وينشط، ويسعى.
[ 207 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب قال: ينشط، ويلهو. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، بنحوه. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يرتع ويلعب قال: يسعى، ويلهو. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قوله: يرتع ويلعب قال: يتلهى ويلعب. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يرتع ويلعب قال: يتلهى ويلعب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يرتع ويلعب قال: ينشط ويلعب. قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب: يلهو. قال: ثنا حسين بن علي، عن شيبان، عن قتادة: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب قال: ينشط، ويلعب. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال ثنا نعيم بن ضمضم العامري، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، في قوله: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب قال: يسعى، وينشط. وكأن الذين يقرءون ذلك: يرتع ويلعب بكسر العين من يرتع، يتأولونه على الوجه الذي: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب قال: يرعي غنمه، وينظر ويعقل، فيعرف ما يعرف الرجل. وكان مجاهد يقول في ذلك بما:
[ 208 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: نرتع: يحفظ بعضنا بعضا، نتكالا، نتحارس. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: نرتع قال: يحفظ بعضنا بعضا، نتكالا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، بنحوه. فتأويل الكلام: أرسله معنا غدا نلهو ونلعب وننعم، وننشط في الصحراء، ونحن حافظوه من أن يناله شئ يكرهه أو يؤذيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) *. يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لهم: إني ليحزنني أن تذهبوا به معكم إلى الصحراء، مخافة عليه من الذئب أن يأكله وأنتم عنه غافلون لا تشعرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنآ إذا لخاسرون) *. يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئب في الصحراء، ونحن أحد عشر رجلا معه نحفظه، وهم العصبة إنا إذا لخاسرون يقول: إنا إذا لعجزة هالكون. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) *.
[ 209 ]
وفي الكلام متروك حذف ذكره اكتفاء بما ظهر عما ترك، وهو: فأرسله معهم، فلما ذهبوا به، وأجمعوا يقول: وأجمع رأيهم وعزموا على أن يجعلوه في غيابت الجب. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قوله: إني ليحزنني أن تذهبوا به... الآية، قال: قال: لن أرسله معكم، إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون. قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا أذا لخاسرون فأرسله معهم، فأخرجوه وبه عليهم كرامة. فلما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه، فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيما، فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه يا يعقوب، لو تعلم ما صنع بابنك بنو الاماء فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ؟ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه، فجعلوا يدلونه في البئر، فيتعلق بشفير البئر، فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في الجب فقالوا: ادع الشمس والقمر والاحد عشر كوكبا تؤنسك قال: إني لم أر شيئا. فدلوه في البئر. حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت، وكان في البئر ماء، فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرة فيها، فقام عليها. قال: فلما ألقوه في البئر جعل يبكي، فنادوه، فظن أنها رحمة أدركتهم، فلباهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه، فقام يهوذا فمنعهم، وقال: قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه وكان يهوذا يأتيه بالطعام. وقوله: فلما ذهبوا به وأجمعوا فأدخلت الواو في الجواب، كما قال امرؤ القيس: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل فأدخل الواو في جواب لما، وإنما الكلام: فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا، وكذلك: فلما ذهبوا به وأجمعوا لان قوله أجمعوا هو الجواب.
[ 210 ]
وقوله: وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم يقول: وأوحينا إلى يوسف لتخبرن إخوتك بأمرهم هذا يقول: بفعلهم هذا الذي فعلوه بك. وهم لا يشعرون يقو: وهم لا يعلمون ولا يدرون. ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عزوجل بقوله: وهم لا يشعرون فقال بعضهم: عني بذلك: أن الله أوحى إلى يوسف أن يوسف سينبئ إخوته بفعلهم به ما فعلوه من إلقائه في الجب، وبيعهم إياه، وسائما صنعوا به من صنيعهم، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وأوحينا إليه إلى يوسف. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا قال: أوحينا إلى يوسف: لتنبئن إخوتك. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون قال: أوحى إلى يوسف وهو في الجب أن سينبئهم بما صنعوا، وهم لا يشعرون بذلك الوحي. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: وأوحينا إليه قال: إلى يوسف. وقال آخرون: معنى ذلك: وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إياه بذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم يشعرون بما أطلع الله عليه ويوسف من أمرهم وهو في البئر. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون قال: أوحى الله إلى يوسف وهو في الجب أن ينبئهم بما صنعوا به، وهم لا يشعرون بذلك الوحي. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة بنحوه، إلا أنه قال: أن سينبئهم.
[ 211 ]
وقال اخرون: بل معنى ذلك: أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به وهم لا يشعرون أنه يوسف. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: وهم لا يشعرون يقول: وهم لا يشعرون أنه يوسف. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا صدقة بن عبادة الاسدي، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما دخل إخوة يوسف فعرفهم وهم له منكرون، قال: $ جئ‌د بالصواع فوضعه على يده، ثم نقره فطن فقال: إنه ليخبرني في هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه هونكم، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب قال: ثم نقره فطن فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدم كذب. قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم. قال ابن عباس: فلا نرى هذه اية نزلت إلا فيهم: لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرو. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجاءوا أباهم عشاء يبكون ئ قالوا يأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) *. يقول جل ثناؤه: وجاء إخوة يوسف أباهم بعد ما ألقوا يوسف في غيابة الجب عشاء يبكون. وقيل: إن معنى قوله: نستبق ننتضل من السباق. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أقبلوا على أبيهم عشاء يبكون. فلما سمع أصواتهم فزع وقال: ما لكم يا بني ؟ هل أصابكم في غنمكم شئ ؟ قالوا: لا قال: فما فعل يوسف ؟ قالوا: يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب فبكى الشيخ وصاح بأعلى صوته وقال: أين القميص ؟ فجاءوه بالقميص عليه دم كذب، فأخذ القميص فطرحه على وجهه، ثم بكى حتي تخضب وجهه من دم القميص. وقوله: وما أنت بمؤمن لنا يقولون: وما أنت بمصدقنا على قيلنا إن يوسف أكله الذئب ولو كنا صادقين. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي:
[ 212 ]
وما أنت بمؤمن لنا قال: بمصدق لنا... ولو كنا صادقين إما خبر عنهم أنهم غير صادقين فذلك تكذيب منهم أنفسهم، أو خبر منهم عن أبيهم أنه لا يصدقهم لو صدقوه، فقد علمت أنهم لو صدقوا أباهم الخبر صدقهم ؟ قيل: ليس معنى ذلك بواحد منهما، وإنما معنى ذلك: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يتهمون لسوء ظنك بنا وتهمتك لنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) *. يقول تعالى ذكره: وجاءوا على قميصه بدم كذب وسماه الله كذبا لان الذين جاءوا بالقميص وهو فيه كذبوا، فقالوا ليعقوب: هو دم يوسف، ولم يكن دمه، وإنما كان دم سخلة فيما قيل. ذكر من قال ذلك: حدثني أحمد بن عبد الصمد الانصاري، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وجاءوا على قميصه بدم كذب قال: دم سخلة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وجاءوا على قميصه بدم كذب قال: دم سخلة شاة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: بدم كذب قال: دم سخلة، يعني: شاة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: بدم كذب قال: دم سخلة شاة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بدم كذب قال: كان ذلك الدم كذبا، لم يكن دم يوسف.
[ 213 ]
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: بدم كذب قال: دم سخلة شاة. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: بدم كذب قال: بدم سخلة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال: ذبحوا جديا من الغنم، ثم لطخوا القميص بدمه، ثم أقبلوا إلى أبيهم، فقال يعقوب: إن كان هذا الذئب لرحيما كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه يا بني يا يوسف ما فعل بك بنو الاماء. ؟ حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وجاءوا على قميصه بدم كذب قال: لو أكله السبع لخرق القميص. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو خالد، قال: ثناد سفيان بإسناده عن ابن عباس مثله، إلا أنه قال: لو أكله الذئب لخرق القميص حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: وجاءوا على قميصه بدم كذب قال: لو كان الذئب أكله لخرقه. حدثني عبيد الله بن أبي زياد، قال: ثنا عثمان بن عمرو، قال: ثنا قرة، عن الحسن، قال: جئ بقميص يوسف إلى يعقوب، فجعل ينظر إليه فيرى أثر الدم ولا يرى فيه خرقا، قال: يا بني ما كنت أعهد الذئب حليما حدثنا أحمد بن عبد الصمد الانصاري، قال: ثنا أبو عاصم العقدي، عن قرة، قال: سمعت الحسن يقول: لما جاءوا بقميص يوسف، فلم ير يعقوب شقا، قال: يا بني، والله ما عهدت الذئب حليما حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا حماد بن مسعدة، عن عمران بن مسلم، عن الحسن، قال: لما جاء إخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم، قال: جعل يقلبه، فيقول: ما عهدت الذئب حليما، أكل ابني وأبقى على قميصه حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجاءوا
[ 214 ]
على قميصه بدم كذب قال: لما أتوا نبي الله يعقوب بقميصه، قال: ما أرى أثر سبع ولا طعن ولا خرق. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بدم كذب الدم كذب، لم يكن دم يوسف. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي، قال: ذبحوا جديا ولطخوه من دمه فلما نظر يعقوب إلى القميص صحيحا، عرف أن القوم كذبوه، فقال لهم: إن كان هذا الذئب لحليما، حيث رحم القميص ولم يرحم ابني فعرف أنهم قد كذبوه. حدثنا ابن وكيع، ثنا أبا أسامة، عن سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وجاءوا على قميصه بدم كذب قال: لما أتي يعقوب بقميص يوسف، فلم ير فيه خرقا، قال: كذبتم، لو أكله السبع لخرق قميصه حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق الازرق، ويعلى، عن زكريا، عن سماك، عن عامر، قال: كان في قميص يوسف ثلاث ايات حين جاءوا على قميصه بدم كذب. قال: وقال يعقوب: لو أكله الذئب لخرق قميصه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا زكريا، عن سماك، عن عامر، قال: إنه كان يقول: في قميص يوسف ثلاث ايات، حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرا، وحين قد من دبر، وحين جاءوا على قميصه بدم كذب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عامر، قال: كان في قميص يوسف ثلاث ايات: الشق، والدم، وألقاه على وجه أبيه فارتد بصيرا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، قال: لما جئ بقميص يوسف إلى يعقوب، فرأى الدم ولم ير الشق، قال: ما عهدت الذئب حليما. قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرة، عن الحسن، بمثله. فإن قال قائل: كيف قيل: بدم كذب وقد علمت أنه كان دما لا شك فيه، وإن لم يكن كان دم يوسف ؟ قيل: في ذلك من القول وجهان: أحدهما: أن يكون قيل بدم
[ 215 ]
كذب لانه كذب فيه كما يقال: الليلة الهلال، وكما قيل: فما ربحت تجارتهم وذلك قول كان بعض نحويي البصرة يقوله. والوجه اخر: وهو أن يقال: هو مصدر بمعنى مفعول، وتأويله: وجاءوا على قميصه بدم مكذوب، كما يقال: ما له عقل ولا معقول، وله جلد ولا له مجلود. والعرب تفعل ذلك كثيرا، تضع مفعو في موضع المصدر، والمصدر في موضع مفعول، كما قال الراعي: حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا وذلك كان يقوله بعض نحويي الكوفة. وقوله: قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذبا لهم في خبرهم ذلك: ما الامر كما تقولون بل سولت لكم أنفسكم أمرا يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرا في يوسف وحسنته ففعلتموه. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا قال: يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرا.
[ 216 ]
وقوله: فصبر جميل يقول: فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف صبر جميل، أو فهو صبر جميل. والله المستعان على ما تصفون يقول: والله أستعين على كفايتي شر ما تصفون من الكذب. وقيل: إن الصبر الجميل: هو الصبر الذي لا جزع فيه ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فصبر جميل قال: ليس فيه جزع. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثني المثني قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن مجاهد فصبر جميل في غير جزع. قال ثنا اسحاق قال ثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله قال ثنا عمرو بن عون قال ثنا أخبرنا هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة قال شئل رسول الله (ص) عن قوله فصبر جميل قال صبر لا شكوى فيه قال من بث فلم يصبر. حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثنا هشيم قال أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة أن النبي (ص) سئل عن قوله فصبر جميل قال صبر لا شكوى فيه. قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد فصبر جميل ليس فيه جزع. حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا شبابة قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله. حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن رجل عن مجاهد في قوله صبر جميل قال في غير جزع.
[ 217 ]
حدثني الحرث قال ثنا عبد العزيز قال ثنا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله. حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن بعض أصحابه قال يقال ثلاث من الصبر أن لا تحدث بوجعك ولا بمصيبتك ولا تزكي نفسك. قال أخبرنا الثوري عن حبيب ابن أبي ثابت أن يعقوب النبي (ص) كان قد سقط حاجباه فكان يرفعهما بخرقة فقيل له ما هذه قال طول الزمان وكثرة الاحزان فأوحى الله تبارك وتعالى إليه يا يعقوب أتشكوني قال يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي وقوله والله المستعان على ما تصفون. > ب 2 > حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة والله المستعان على ما تصفون أي على ما تكذبون. تأويل قوله تعالى: * (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يبشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) * يقول تعالى ذكره وجاءت مارة الطريق من المسافرين فأرسلوا واردهم وهو الذي يرد المنهل والمنزل ووروده إياه مصيره إليه ودخوله فأدلى دلوه يقول أرسل دلوه في البئر يقال أدليت الدلو في البئر إذا أرسلتها فيها فإذا استقيت فيها قلت دلوت أدلو دلوا وفي الكلام محذوف استغنى بدلالة ما ذكر عليه فترك وذلك فأدلى دلوه فتعلق به يوسف فخرج فقال المدلى يا بشرى هذا غلام وبالذي قلنا في ذلك جاءت الاخبار عن أهل التأويل ذكر من قال ذلك. حدثنا ابن وكيع قال ثنا عمرو بن محمد عن أسباط عن السدى وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه فتعلق يوسف بالحبل فخرج فما رآه صاحب الحبل نادى رجلا من أصحابه يقال له بشرى يا بشرى هذا غلام. حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن
[ 218 ]
قتادة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه فتشبث الغلام بالدلو فما خرج قال يا بشرى هذا غلام. حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله فأرسلوا واردهم يقال أرسلوا رسولهم فلما أدلى دلوه تشبث بها الغلام قال يا بشرى هذا غلام واختلفوا في معنى قوله يا بشرى هذا غلام فقال بعضهم ذلك تبشير من المدلى دلوه أصحابه في اصابته يوسف بأنه أصاب عبدا ذكر من قال ذلك. حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قال يا بشرى هذا غلام تباشروا به حين أخرجوه وهي بئر بأرض بيت المقدس معلوم مكانها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة يا بشرى هذا غلام قال بشرهم واردهم حين وجد يوسف. وقال آخون بل ذلك اسم رجل من السيارة بعينه ناداه المدلى لما خرج يوسف من البئر متعلقا بالحبل ذكر من قال ذلك. حدثنا ابن وكيع قال ثنا عمرو بن محمد قال ثنا أسباط عن السدى يا بشرى هذا غلام قال نادى رجلا من أصحابه يقال له بشرى فقال يا بشرى هذا غلام. حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا خلف بن هشام قال ثنا خلف بن هشام قال ثنا يحيى بن آدم عن قيس بن الربيع عن السدى في قوله يا بشرى هذا غلام قال كان اسم صاحبه بشرى. حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا عبد الرحمن بن أبي حما قال ثنا الحكم بن ظهير عن السدى في قوله يا بشرى هذا غلام قال اسم الغلام بشرى قال يا بشرى كما تقول يا زيد واختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة يا بشرى بإثبات ياء الاضافة غير أنه أدغم الالف في الياء طلبا للكسرة التي تلزم ما قبل ياء الاضافة من المتكلم في قولهم غلامي وجاريتي في كل حال وذلك من لغة طئ كما قال أبو ذؤيب.
[ 219 ]
سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين يا بشرى بارسال الياء وترك الاضافة وإذا قرئ ذلك كذلك احتمل وجهين من التأويل أحدهما ما قاله السدى وهو أن يكون اسم رجل دعاه المستقى باسمه كما يقال يا زيد ويا عمرو فيكون بشرى في موضع رفع بالنداء والآخر أن يكون أراد اضافة البشرى إلى نفسه فحذف الياء وهو يريدها فيكون مفرادا وفيه نية الاضافة كما تفعل العرب في النداء فتقول يا نفس اصبري ويا نفسي اصبري ويا بني لا تفعل ويا بني لا تفعل فتفرد وترفع وفيه نية الاضافة وتضيف أحيانا فتكسر كما تقول يا غلام أقبل ويا غلامي أقبل وأعجب القراءة في ذلك إلى قراءة من قرأه بارسال الياء وتسكينها لانه ان كان اسم رجل بعينه كان معروفا فيهم كما قال السدى فذلك هي القراية الصحيحة لا شك فيها وان كان من التبشير فإنه يحتمل ذلك إذا قرئ كذلك على ما بينت وأما التشديد والاضافة في الياء فقراءة شاذة لا أرى القراءة بها وإن كانت لغة معروفة لاجماع الحجة من القراء على خلافها وأما قوله وأسروه بضاعة فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله فقال بعضهم وأسره الوارد المستقي وأصحابه من التجار الذين كانوا معهم وقالوا لهم هو بضاعة استبضعناها بعض أهل مصر لانهم خافوا ان علموا أنهم اشتروه بما اشتروه به أن يطلبوا منهم فيه الشركة ذكر من قال ذلك. حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأسروه بضاعة قال صاحب الدلو ومن معه قالوا لاصحابهم إنما استبضعناه خيفة أن يشركوهم فيه أن علموا بثمنه وتبعهم اخوته يقولون
[ 220 ]
للمدلى وأصحابه استوثق منه لا يأبق حتى وقفوه بمصر فقال من يبتاعني ويبشر فاشتراه الملك والملك مسلم. حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا شبابة قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه غير أنه قال خيفة أن يستشركوهم ان علموا به واتبعهم اخوته يقولونه للمدلي وأصحابه استوثقوا منه لا يأبق حتى أوقفوه بمصر وسائر الحديث مثل ديث محمد بن عمرو. حدثني المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قال وثنا إسحاق قال ثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه غير أنه قال خيفة أن يشاركوهم فيه ان علموا بثمنه. حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثنى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد بنحوه إلا أنه قال خيفة أن يستشركوهم فيه ان علموا ثمنه وقال أيضا حتى أوقفوه بمصر. حدثنا ابن وكيع قال ثنا عمرو بن محمد قال ثنا أسباط عن السدى وأسروه بضاعة قال لما اشتراه الرجلان فرقا من الرفقة أن يقولوا اشتريناه فيسألونهم الشركة فقالا ان سألونا ما هذا قلنا بضاعة استبضعناه أهل الماء فدلك قوله وأسروه بضاعة بينهم. وقال آخرون بل معنى ذلك وأسره التجار بعضهم من بعض ذكر من قال ذلك. حدثنا أبو كريب قال ثنا وكيع عن سفيان عن رجل عن مجاهد وأسروه بضاعة قال أسره التجار بعضهم من بعض. حدثنا المثنى قال ثنا أبو نعيم الفضل قال ثنا أبو نعيم الفضل قال ثنا سفيان عن مجاهد وأسروه بضاعة قال أسره التجار بعضهم من بعض. وقال آخرون معنى ذلك وأروا بيعه ذكر من قال ذلك. حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وأسروه بضاعة قال أسروا بيعه. حدثني الحرث قال ثنا عبد العزيز قال ثنا قيس عن جابر عن مجاهد وأسروه بضاعة قال قالوا لاهل الماء إنما هو بضاعة
[ 221 ]
. وقال آخرون إنما عنى بقوله وأسروه بضاعة إخوة يوسف أنهم أسروا شأن يوسف أن يكون أخاهم قالوا هو عبد لنا ذكر من قال ذلك. حدثني محمد بن سعد قال ثنى أبي قال ثنى عمي قال ثنى أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله وأسروه بضاعة يعني اخوة يوسف أسروا شأنه وكتموا أن يكون أخاهم فكتم يوسف شأنه مخافة أن تقتله إخوته واختار البيع فذكره إخوته لوارد القوم فنادى أصحابه قال يا بشرى هذا غلام يباع فباعه إخوته. وأولى هذه الاقوال بالصواب قول من قال وأسر وارد القوم المدلى دلوه ومن معه من أصحابه من رفقته السيارة أمر يوسف أنهم اشتروه خيفة منهم أن يستشركوهم وقالوا لهم هو بضاعة أبضعها معنا أهل الماء وذلك أنه عقيب الخبر عنه فلان يكون ما وليه من الخبر خبرا عنه أشبه من أن يكون خبرا عمن هو بالخب عنه غير متصل وقوله والله عليم بما يعملون يقول تعالى ذكره والله ذو عليم بما يعمله باعة يوسف ومشتروه في أمره لا يخفى عليه من ذلك شئ ولكنه ترك تغيير ذلك ليمضى فيه وفيهم حكمة السابق في علمه وليرى اخوة يوسف ويوسف وأباه قدرته فيه وهذا وإن كان خبرا من الله تعالى ذكره عن يوسف نبيه (ص) فإنه تذكير من الله نبيه محمدا (ص) وتسلية منه له عما كان يلقى من أقر بائه وأنسبائه المشركين من الاذى فيه يقول له فاصبر يا محمد على ما نالك في الله فأنى قادر على تغيير ما ينالك به هؤلاء المشركون كما كنت قادرا على تغيير ما لقي يوسف من إخوته في حال ما كانوا يفعلون به ما فعلوا ولم يكن تركي ذلك لهوان يوسف على ولكن ماضي علمي فيه وفي إخوته فكذلك تركي تغيير ما ينالك به هؤلاء المشرككون لغير هوان بك على ولكن لسابق علمي فيك وفيهم ثم يصير أمرك وأمرهم إلى علوك عليهم وإذعانهم لك كما صار أمر إخوة يوسف إلى الاذعان ليوسف بالسؤدد عيهم وعلو يوسف عليهم. القول في تأويل قوله تعالى (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) يعني تعالى ذكره بقوله وشروه به وباع إخوة يوسف يوسف فأما إذا أرد الخبر عن أنه ابتاعه قال اشتريته ومنه قول ابن مفرغ الحميري.
[ 222 ]
وشريت بردا ليتني من قبل برد كنت هامة يقول بعت بردا وهو عبد كان له وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك. حدثني يعقوب قال ثنا ابراهيم قال ثنا هشيم عن مغيرة عن أبي معشر عن ابراهيم أنه كره الشراء والبيع للبدوي قال والعرب تقول اشر لي كذا وكذا أي بع لي كذا وكذا وتلا هذه الآية وشروه بثمن بخس دراهم معدودة يقول باعوه وكان بيعه حراما. حدثنا الحسن بن محمد قال ثنا شبابة قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إخوة يوسف أحد عشر رجلا باعوه حين أخرجه المدلي بدلوه. حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بمثله. حدثني المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. وثنا إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله.
[ 223 ]
حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله. قال ثنى حجاج عن ابن جريج وشروه قال قال ابن عباس فبيع بينهم. حدثني المثنى قال ثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن جويبر عن الضحاك في قوله وشروه بثمن بخس قال باعوه. حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك مثله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فباعه إخوته بثمن بخس. وقال آخرون: بل عني بقوله: وشروه بثمن بخس السيارة أنهم باعوا يوسف بثمن بخس. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وشروه بثمن بخس وهم السيارة الذين باعوه. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس، وذلك أن الله عزوجل قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسروا شراء يوسف من أصحابهم خيفة أن يستشركوهم بادعائهم أنه بضاعة، ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلص لهم دونهم واستر خاصا لثمنه الذي ابتاعه به، لانهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه بثمن بخس. ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين لم يكن لقيلهم لرفقائهم هو بضاعة معنى، ولا كان لشرائهم إياه وهم فيه من الزاهدين وجه، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبا على عقولهم لانه محال أن يشترى صحيح العقل ما هو فيه زاهد من غير إكراه مكره له عليه، ثم يكذب في أمره الناس بأن يقول: هو بضاعة لم أشتره مع زهده فيه، بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنين لنفاستها عنده، ولما يرجو من نفيس الثمن لها وفضل الربح. وأما قوله: بخس فإنه يعني: نقص، وهو مصدر من قول القائل: بخست فلانا حقه: إذ ظلمته، يعني: ظلمه فنقصه عما يجب له من الوفاء، أبخسه بخسا ومنه قوله:
[ 224 ]
ولا تبخسوا الناس أشياءهم. وإنما أريد بثمن مبخوس: منقوص، فوضع البخس وهو مصدر مكان مفعول، كما قيل: بدم كذب وإنما هو بدم مكذوب فيه. واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: قيل بثمن بخس لانه كان حراما عليهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: وشروه بثمن بخس قال: البخس: الحرام. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا علي بن عاصم، عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: كان ثمنه بخسا حراما، لم يحل لهم أن يأكلوه حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: وشروه بثمن بخس قال: باعوه بثمن بخس، قال: كان بيعه حرام وشراؤه حراما. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: بثمن بخس قال: حرام. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: بثمن بخس يقول: لم يحل لهم أن يأكلوا ثمنه. وقال آخرون: معنى البخس هنا: الظلم. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وشروه بثمن بخس قال: البخس: هو الظلم، وكان بيع يوسف وثمنه حراما عليهم. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال قتادة: وشروه بثمن بخس قال: ظلم. وقال آخرون: عني بالبخس في هذا الموضع: القليل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن جابر، عن عامر، قال: البخس: القليل.
[ 225 ]
حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس، عن جابر، عن عكرمة، مثله. وقد بينا الصحيح من القول في ذك وأما قوله دراهم معدودة فإنه يعني عزوجل أنهم باعوه بدراهم غير موزونة ناقصة غير وافية لزهدهم كان فيه. وقيل: إنما قيل معدودة ليعلم بذلك أنها كانت أقل من الاربعين، لانهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقل من أربعين درهما لان أقل أوزانهم وأصغرها كان الاوقية، وكان وزن الاوقية أربعين درهما. قالوا: وإنما دل بقوله: معدودة على قلة الدراهم التي باعوه بها، فقال بعضهم: كان عشرين درهما. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: إن ما اشتري به يوسف عشرون درهما. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله: وشروه بثمن بخس دراهم معدودة قال: عشرون درهما. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف البكالي، في قوله: وشروه بثمن بخس دراهم معدودة قال: عشرو درهما. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع: وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف البكالي: بخس دراهم قال: كانت عشرين درهما. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن نوف، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: بثمن بخس دراهم معدودة قال: عشرون درهما. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: دراهم معدودة قال: كانت عشرين درهما. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنه بيع بعشرين درهما، وكانوا فيه من الزاهدين.
[ 226 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أبي إدريس، عن عطية، قال: كانت الدراهم عشرين درهما اقتسموها درهمين درهمين. وقال آخرون: بل كان عددها اثنين وعشرين درهما، أخذ كل واحد من إخوة يوسف وهم أحد عشر رجلا درهمين درهمين منها. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أسباط، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: دراهم معدودة قال: اثنين وعشرين درهما. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: دراهم معدودة قال: اثنان وعشرون درهما لاخوة يوسف أحد عشر رجلا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: دراهم معدودة. قال: وثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. وقال آخرون: بل كانت أربعين درهما. ذكر من قال ذلك: حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس، عن جابر، عن عكرمة: دراهم معدودة قال: أربعين درهما. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: باعوه ولم يبلغ ثمنه الذي باعوه به أوقية، وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمان بالاواقي، فما قصر عن الاوقية فهو عدد يقول الله: وشروه بثمن بخس دراهم معدودة أي لم يبلغ الاوقية. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعوه بدراهم
[ 227 ]
معدودة غير موزونة، ولم يحد مبلغ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول (ص). وقد يحتمل أن يكون كان عشرين، ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين، وأن يكون كان أربعين، وأقل من ذلك وأكثر، وأي ذلك كان فإنها كانت معدودة غير موزونة وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين ولا في الجهل به دخول ضر فيه، والايمان بظاهر التنزيل فرض، وما عداه فموضوع عنا تكلف علمه. وقوله: وكانوا فيه من الزاهدين يقول تعالى ذكره: وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين، لا يعلمون كرامته عند الله، ولا يعرفون منزلته عنده، فهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بينه وبين والده ليخلو لهم وجهه منه، ويقطعوه عن القرب منه لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم مصروفة إليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: وكانوا فيه من الزاهدين قال: لم يعلموا بنبوته ومنزلته من الله. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، في قوله: وجاءت سيارة فنزلت على الجب، فأرسلوا واردهم فاستقى من الماء فاستخرج يوسف، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه، فزهدوا فيه فباعوه وكان بيعه حراما، وباعوه بدراهم معدودة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: وكانوا فيه من الزاهدين قال إخوته زهدوا، فلم يعلموا منزلته من الله ونبوته ومكانه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: إخوته زهدوا فيه، لم يعلموا منزلته من الله عزوجل. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنآ أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الارض ولنعلمه من تأويل الاحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *.
[ 228 ]
يقول جل ثناؤه: وقال الذي اشترى يوسف مبائعه بمصر، وذكر أن اسمه قطفير. حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان اسم الذي اشتراه قطفير. وقيل: إن اسمه إطفير بن روحيب، وهو العزيز، وكان على خزائن مصر، وكان الملك يومئذ الريان بن الوليد، رجل من العماليق. كذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق. وقيل: إن الذي باعه بمصر كان مالك بن ذعبن ثويب بن عنقاء بن مديان بن إبراهيم. كذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس. وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته واسمها فيما ذكر ابن إسحاق: راعيل بنت رعائيل. حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق. أكرمي مثواه يقول: أكرمي موضع مقامه وذلك حيث يثوي ويقيم فيه، يقال: ثوى فلان بمكان كذا: إذا أقام فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أكرمي مثواه منزلته، وهي امرأة العزيز. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه قال: منزلته. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. اشتراه الملك، والملك مسلم. وقوله: عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ذكر أن مشتري يوسف قال هذا القول لامرأته حين دفعه إليها، لانه لم يكن له ولد ولم يأت النساء، فقال لها: أكرميه عسى أن
[ 229 ]
يكفينا بعض ما نعاني من أمورنا إذا فهم الامور التي نكلفها وعرفها، أو نتخذه ولدا يقول: أو نتبناه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان إطفير فيما ذكر لي رجلا لا يأتي النساء وكانت امرأته راعيل امرأة حسناء ناعمة طاعمة في ملك ودنيا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته: أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وأبو بكر حين تفرس في عمر. والتي قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمر بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: انطلق بيوسف إلى مصر، فاشتراه العزيز ملك مصر، فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته: أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: أكرمي مثواه والقوم فيه زاهدون. وأبو بكر حين تفرس في عمر فاستخلفه. والمرأة التي قالت: يا أبت استأجره. وقوله: وكذلك مكنا ليوسف في الارض يقول عزوجل: وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد هموا بقتله، وأخرجناه من الجب بعد أن ألقي فيه، فصيرناه إلى الكرامة والمنزلة الرفيعة عند عزيز مصر، كذلك مكنا له في الارض فجعلناه على خزائنها. وقوله: ولنعلمه من تأويل الاحاديث يقول تعالى ذكره: وكي نعلم يوسف من عبارة الرؤيا مكنا له في الارض. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من تأويل الاحاديث قال: عبارة الرؤيا. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
[ 230 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولنعلمه من تأويل الاحاديث قال: تعبير الرؤيا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح: ولنعلمه من تأويل الاحاديث قال: عبارة الرؤيا. وقوله: والله غالب على أمره يقول تعالى ذكره: والله مستول على أمر يوسف يسوسه ويدبره ويحوطه. والهاء في قوله: على أمره عائدة على يوسف. وروى عن سعيد بن جبير في معنى غالب، ما: حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: والله غالب على أمره قال: فعال. وقوله: ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول: ولكن أكثر الناس الذين زهدوا في يوسف فباعوه بثمن خسيس، والذي صار بين أظهرهم من أهل مصر حين بيع فيهم، لا يعلمون ما الله بيوسف صانع وإليه يوسف من أمره صائر. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين) *. يقول تعالى ذكره: لما بلغ يوسف أشده، يقول: لما بلغ منتهى شدته وقوته في شبابه وحده. وذلك فيما بين ثماني عشرة إلى ستين سنة، وقيل إلى أربعين سنة، يقال منه: مضت أشد الرجل: أي شدته، وهو جمع مثل الاضر والاسر لم يسمع له بواحد من لفظه، ويجب في القياس أن يكون واحده شد، كما واحد الاضر ضر، وواحد الاسر سر، كما قال الشاعر: هل غير أن كثر الاشد وأهلكت حرب الملوك أكاثر الاموال
[ 231 ]
وقال حميد: وقد أتى لو تعتب العواذل بعد الاشد أربع كوامل وقد اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله به في هذا الموضع من مبلغ الاشد، فقال بعضهم: عني به ثلاث وثلاثون سنة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد، قالا: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولما بلغ أشده قال: ثلاثا وثلاثين سنة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، مثله. حدثت عن علي بن الهيثم، عن بشر بن المفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: ولما بلغ أشده قال: بضعا وثلاثين سنة. وقال آخرون: بل عني به عشرون سنة. ذكر من قال ذلك: حدثت عن علي بن المسيب، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله: ولما بلغ أشده قال: عشرين سنة. وروي عن ابن عباس من وجه غير مرضي أنه قال: ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين. وقد بينت معنى الاشد.
[ 232 ]
وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتي يوسف لما بلغ أشده حكما وعلما. والاشد: هو انتها قوته وشبابه. وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثماني عشرة سنة، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، ولا دلالة في كتاب الله ولا أثر عن الرسول (ص) ولا في إجماع الامة على أي ذلك كان. وإذا لم يكن ذلك موجودا من الوجه الذي ذكرت، فالصواب أن يقال فيه كما قال عزوجل، حتى تثبت حجة بصحة ما قيل في ذلك من الوجه الذي يجب التسليم له فيسلم لها حينئذ. وقوله: آتيناه حكما وعلما يقول تعالى ذكره: أعطيناه حينئذ الفهم والعلم. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: حكما وعلما قال: العقل والعلم قبل النبوة. وقوله: وكذلك نجزي المحسنين يقول تعالى ذكره: وكما جزيت يوسف فأتيته بطاعته إياي الحكم والعلم، ومكنته في الارض، واستنقذته من أيدي إخوته الذين أرادوا قتله، كذلك نجزي من أحسن في عمله، فأطاعني في أمري وانتهى عما نهيته عنه من معاصي. وهذا وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن، فإن المراد به محمد نبي الله (ص). يقول له عزوجل: كما فعلت هذا بيوسف من بعد ما لقي من إخوته ما لقي وقاسى من البلاء ماقاسى، فمكنته في الارض ووطأت له في البلاد، فكذلك أفعل بك فأنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأمكن لك في الارض وأوتيك الحكم والعلم، لان ذلك جزائي أهل الاحسان في أمري ونهيي. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: وكذلك نجزي المحسنين يقول: المهتدين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) *. يقول تعالى ذكره: وراودت امرأة العزيز وهي التي كان يوسف فبيتها عن نفسه أن يواقعها. كما:
[ 233 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولما بلغ أشده راودته التي هو في بيتها عن نفسه: امرأة العزيز. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وراودته التي هو فبيتها عن نفسه قال: أحبته. قال: ثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: قالت تعاله. وقوله: وغلقت الابواب يقول: وغلقت المرأة أبواب البيوت، عليها وعلى يوسف لما أرادت منه وراودته عليه، بابا بعد باب. وقوله: وقالت هيت لك اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة: هيت لك بفتح، الهاء والتاء، بمعنى: هلم لك وادن وتقرب، كما قال الشاعر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا أن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا يعني: تعال واقرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك تأوله من قرأه كذلك: حدثني محمد بن عبد الله المخرمي، قال: ثنا أبو الجواب، قال: ثنا عمار بن زريق، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: هيت لك قال: هلم لك. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: هيت لك قال: هلم لك. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: هيت لك تقول: هلم لك.
[ 234 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، أنه كان يقرأ هذا الحرف: هيت لك نصبا: أي هلم لك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس، قوله: هيت لك قال: تقول: هلم لك. حدثني أحمد بن سهيل الواسطي، قال: ثنا قرة بن عيسى، قال: ثنا النضر بن علي الجزري، عن عكرمة، مولى ابن عباس، في قوله: هيت لك قال: هلم لك. قال: هي بالحورانية. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وقالت هيت لك قال: كان الحسن يقول: هلم لك. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن هيت لك يقول بعضهم: هلم لك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: وقالت هيت لك قال: هلم لك. وهي بالقبطية. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن عمرو، عن الحسن: هيت لك قال: كلمة بالسريانية: أي عليك. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن: هيت لك قال: هلم لك. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا خلف بن هشام، قال: ثنا محبوب، عن قتادة، عن الحسن: هيت لك قال: هلم لك. قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، عن عاصم، عن زر: هيت لك: أي هلم. حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا الثوري، قال: بلغني في قوله: هيت لك قال: هلم لك.
[ 235 ]
حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، عن عكرمة عن ابن عباس أقرأ: هيت لك وقال: تدعوه إلى نفسها. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: هيت لك قال: لغة عربية تدعوه بها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: لغة بالعربية تدعوه بها إلى نفسها. حدثنا الحسن، قال: ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن: هيت لك بفتح الهاء والتاء، وقال: تقول: هلم لك. حدثني الحارث، قال أبو عبيدة: كان الكسائي يحكيها، يعني: هيت لك قال: وقال: وهي لغة لاهل حوران وقعت إلى الحجاز، معناها: تعال. قال: وقال أبو عبيد: سألت شيخا عالما من أهل حوران، فذكر أنها لغتهم يعرفها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: هيت لك قال: تعال. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وقالت هيت لك قال: هلم لك إلي. وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين: وقالت هيت لك بكسر الهاء وضم التاء والهمز، بمعنى: تهيأت لك، من قول القائل: هئت للامر أهئ هيئة. وممن روي ذلك عنه ابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة غيرهما. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا الحجاج، عن هارون، عن أبان العطار، عن قتادة: أن ابن عباس قرأها كذلك مكسورة الهاء مضمومة التاء. قال أحمد: قال أبو عبيد: لا أعلمها إلا مهموزة.
[ 236 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن أبان العطار، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن السلمي: هئت لك أي تهيأت لك. قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرمة يقول: تهيأت لك. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: هئت لك قال عكرمة: تهيأت لك. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، قال: كان أبو وائل يقول: هئت لك: أي تهيأت لك. وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة. حدثت عن علي بن المغيرة، قال: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى، شهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد، أو أحمد، وكان عالما بالقرآن، عن قول من قال: هئت لك بكسر الهاء وهمز الياء، فقال: أبو عمرو. ينسي أي باطل جعلها، فعلت من تهيأت، فهذا الخندق، فاستعرض حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحدا يقول هئت لك ؟ حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: لم يكن الكسائي يحكي هئت لك عن العرب. وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة هيت لك بكسر الهاء وتسكين الياء وفتح التاء. وقرأه بعض المكيين: هيت لك بفتح الهاء وتسكين الياء وضم التاء. وقرأه بعض البصريين، وهو عبد الله بن إسحاق: هيت لك بفتح الهاء وكسر التاء. وقد أنشد بعض الرواة بيتا لطرفة بن العبد في هيت بفتح الهاء وضم التاء، وذلك:
[ 237 ]
ليس قومي بالابعدين إذا ما قال داع من العشيرة هيت وأولى القراءة في ذلك، قراءة من قرأه: هيت لك بفتح الهاء والتاء، وتسكين الياء، لانها اللغة المعروفة في العرب دون غيرها، وأنها فيما ذكر قراءة رسول الله (ص). حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الاعمش، عن أبي وائل، قال ابن مسعود: قد سمعت القرأة فسمعتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال. ثم قرأ عبد الله: هيت لك فقلت: يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يقرءونها: هيت لك فقال عبد الله: إني أقرؤها كما علمت أحب إلي. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن أبي وائل، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ هذه الآية: وقالت هيت لك قال: فقالوا له: ما كنا نقرؤها إلا هيت لك. فقال عبد الله إني أقرؤها كما علمت أحب إلي. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن منصور، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: هيت لك فقال له مسروق: إن ناسا يقرءونها: هيت لك فقال: دعوني، فإني أقرأ كما أقرئت أحب إلي. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا شعبة، عن الاعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود قال: هيت لك بنصب الهاء والتاء وبلا همز. وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى، أن العرب لا تثني هيت لك ولا تجمع ولا تؤنث، وأنها تصوره في كل حال، وإنما يتبين العدد بما بعد، وكذلك التأنيث والتذكير، وقال: تقول للواحد: هيت لك، وللاثنين: هيت لكما، وللجمع: هيت لكم، وللنساء: هيت لكن.
[ 238 ]
وقوله: قال معاذ الله يقول جل ثناؤه: قال يوسف إذ دعته المرأة إلى نفسها وقالت له هلم إلي: أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه وأستجير به منه. وقوله: إنه ربي أحسن مثواي يقول: إن صاحبك وزوجك سيدي. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: معاذ الله إنه ربي قال: سيدي. قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح إنه ربي قال: سيدي. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي قال: سيدي. يعني: زوج المرأة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال معاذ الله إنه ربي يعني: إطفير، يقول: إنه سيدي. وقوله: أحسن مثواي يقول: أحسن منزلتي وأكرمني وائتمنني، فلا أخونه. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أحسن مثواي أمنني على بيته وأهله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أحسن مثواي فلا أخونه في أهله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: أحسن مثواي قال: يريد يوسف سيده زوج المرأة. وقوله: إنه لا يفلح الظالمون يقول: إنه لا يدرك البقاء، ولا ينجح من ظلم ففعل
[ 239 ]
ما ليس له فعله، وهذا الذي تدعوني إليه من الفجور ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منزله. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إنه لا يفلح الظالمون قال: هذا الذي تدعوني إليه ظلم، ولا يفلح من عمل به. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) *. ذكر أن امرأة العزيز لما همت بيوسف وأرادت مراودته، جعلت تذكر له محاسن نفسه، وتشوقه إلى نفسها. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولقد همت به وهم بها قال: قالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك قال: هو أول ما ينتثر من جسدي. قالت: يا يوسف ما أحسن وجهك قال: هو للتراب يأكله. فلم تزل حتى أطمعته، فهمت به وهم بها. فدخلا البيت، وغلقت الابواب، وذهب ليحل سراويله، فإذا هو بصورة يعقوب قائما في البيت قد عض على أصبعه يقول: يا يوسف تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الارض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يعمل عليه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه. فربط سراويله، وذهب ليخرج يشتد، فأدركته، فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه، فخرقته حتى أخرجته منه، وسقط، وطرحه يوسف، واشتد نحو الباب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أكبت عليه يعني المرأة تطمعه مروتخيفه أخرى، وتدعوه إلى لذة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها، وهو شاب مستقبل يجد من شبق الرجال ما يجد الرجل حتى رق لها مما يرى من كلفها به، ولم يتخوف منها حتى هم بها وهمت به، حتى خلوا في بعض بيوته.
[ 240 ]
ومعنى الهم بالشئ في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعته، ما لم يواقع. فأما ما كامن هم يوسف بالمرأة وهمها به، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره، وذلك ما: حدثنا أبو كريب وسفيان بن وكيع، وسهل بن موسى الرازي، قالوا: ثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، سئل عن هم يوسف ما بلغ ؟ قال: حل الهميان، وجلس منها مجلس الخاتن. لفظ الحديث لابي كريب. حدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا: ثنا ابن عيينة، قال: سمع عبيدالله بن أبي يزيد ابن عباس في: ولقد همت به وهم بها قال: جلس منها مجلس الخاتن، وحل الهميان. حدثنا زياد بن عبد الله الحساني، وعمرو بن علي، والحسن بن محمد، قالوا: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس سئل: ما بلغ من هم يوسف ؟ قال: حل الهميان، وجلس منها مجلس الخاتن. حدثني زياد بن عبد الله، قال: ثنا محمد بن أبي عدي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من هم يوسف ؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة: ولقد همت به وهم بها قال: استلقت له، وحل ثيابه. حدثني المثنى، قال: ثنا قبيصة بن عقبة، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: ولقد همت به وهم بها ما بلغ ؟ قال: استلقت له وجلس بين رجليها، وحل ثيابه، أو ثيابها. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من هم يوسف ؟ قال: استلقت على قفاها، وقعد بين رجليها لينزع ثيابه.
[ 241 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: سئل ابن عباس، عن قوله: ولقد همت به وهم بها ما بلغ من هم يوسف ؟ قال: حل الهيمان، يعني السراويل. حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت الاعمش، عن مجاهد، في قوله: ولقد همت به وهم بها قال: حل السراويل حتى التبان، واستلقت له. حدثنا زياد بن عبد الله الحساني، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الاعمش، عن مجاهد، في قوله: ولقد همت به وهم بها قال: حل سراويله، حتى وقع على التبان. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولقد همت به وهم بها قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، قال: ثني القاسم بن أبي بزة: ولقد همت به وهم بها قال: أما همها به، فاستلقت له، وأما همه بها: فإنه قعد بين رجليها ونزع ثيابه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثني حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، قال: قلت لابن عباس: ما بلغ من هم يوسف ؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها ينزع ثيابه. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا يحيى بن اليمان، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير وعكرمة، قالا: حل السراويل، وجلس منها مجلس الخاتن. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد: ولقد همت به وهم بها قال: استلقت، وحل ثيابه حتى بلغ التبان.
[ 242 ]
حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: ولقد همت به وهم بها قال: أطلق تكة سراويله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي ملكية، قال: شهدت ابن عباس سئل عن هم يوسف ما بلغ ؟ قال: حل الهميان، وجلس منها مجلس الخاتن. فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا وهو لله نبي ؟ قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: كان ممن ابتلي من الانبياء بخطيئة، فإنما ابتلاه الله بها ليكون من الله عزوجل على وجل إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقا منها، ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته. وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك ليعرفهم موضع نعمته عليهم، بصفحة عنهم وتركه عقوبته عليه في الآخرة. وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لاهل الذنوب في رجاء رحمة الله، وترك الاياس من عفوه عنه إذا تابوا. وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأولوا القرآن بآرائهم، فأنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة، فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهم بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمها به مما أرادته من المكروه، لولا أن يوسف رأى برهان ربه، وكفه ذلك عما هم به من أذاها، لا أنها ارتدعت من قبل نفسها. قالوا: والشاهد علصحة ذلك قوله: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء قالوا: فالسوء: هو ما كان هبه من أذاها، وهو غير الفحشاء. وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به. فتناهى الخبر عنها، ثم ابتدئ الخبر عن يوسف، فقيل: وهم بها يوسف، لولا أأرى برهان ربه. كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى أن يوسف لم يهم بها، وأن الله إنما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهم بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهم بها، كما قيل: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا. ويفسد هذين القولين أن العرب لا تقدم جواب لولا قبلها،
[ 243 ]
لا تقول: لقد قمت لولا زيد، وهي تريد: لولا زيد لقد قمت، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله. وقال آخرون منهم: بل قد همت المرأة بيوسف وهم يوسف بالمرأة، غير أن همهما كان تمثيلا منهما بين الفعل والترك، لا عزما ولا إراد قالوا: ولا حرج في حديث النفس ولا في ذكر القلب إذا لم يكن معهما عزم ولا فعل. وأما البرهان الذي رآه يوسف فترك من أجله مواقعة الخطيئة، فإن أهل العلم مختلفون فيه، فقال بعضهم: نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي ملكية، عن ابن عباس: لولا أن رأى برهان ربه قال: نودي: يا يوسف أتزني، فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له. قال: ثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي ملكية، عن ابن عباس، قال: لم يتعظ على الندا حتى رأى برهان ربه، قال: تمثال صورة وجه أبيه قال سفيان: عاضا على أصبعه فقال: يا يوسف تزني، فتكون كالطير ذهب ريشة ؟. حدثني زياد بن عبد الله الحساني، قال: ثني محمد بن أبي عدي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب لا تكن كالطائر له ريش، فإذا زنى ذهب ريشه أو قعد لا ريش له قال: فلم يتعظ على النداء، فلم يزد على هذا، قال ابن جريج: وحدثني غير واحد، أنه رأى أباه عاضا على أصبعه. حدثني أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا أبي، عن نافع عن ابن عمر، عن ابن أبي ملكية، قال: قال ابن عباس: لولا أن رأى برهان ربه قال: نودي فلم يسمع، فقيل له: يا ابن يعقوب تريد أن تزني. فتكون كالطير نتف فلا ريش له ؟ حدثنا ابن حميد. قال: ثنا سلمة، عن طلحة، عن عمرو الحضرمي، عن ابن أبي مليكة، قال: بلغني أن يوسف لما جلس بين رجلي المرأة فهو يحل هميانه. نودي: يا يوسف بن يعقوب لا تزن، فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه فأعرض. ثم نودي فأعرض. فتمثل له يعقوب عاضا على أصبعه، فقام. حدثني المثنى، قال: ثنا قبيصة بن عقبة، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن
[ 244 ]
ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: نودي: يا ابن يعقوب لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه وبقي لا ريش له فلم يتعظ على النداء، ففزع. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي ملكية، قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب لا تكونن كالطائر له ريش، فإذا زنى ذهب ريشه قال: أو قعد لا ريش له فلم يتعظ على النداء شيئا، حتى رأى برهان ربه، ففرق ففر. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب أتزني فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له ؟ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن همام بن يحيى، عن قتادة قال: نودي يوسف فقيل: أنت مكتوب في الانبياء تعمل عمل السفهاء حدثنا ابن وكيع، قال: يحيى بن يمان. عن ابن جريج، عن ابن أبي ملكية، قال: نودي: يوسف بن يعقوب تزني، فتكون كالطير نتف فلا ريش له ؟ وقال آخرون: البرهان الذي رأى يوسف فكف عن مواقعة الخطيئة من أجله صور يعقوب عليهما السلام يتوعده. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى صورة أو تمثال وجه يعقوب عاضا على أصبعه، فخرجت شهوته من أنامله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن العنقزي، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: لولا أن رأى برهان ربه قال: مثل له يعقوب، فضرب في صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
[ 245 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، عن مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى تمثال وجه أبيه قائلا بكفه، هكذا وبسط كفه، فخرجت شهوته من أنامله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد جبير: لولا أن رأى برهان ربه قال: مثل له يعقوب عاضا على أصابعه، فضرب صدره، فخرجت شهوته من أنامله. حدثنا يونس بن عبد الاعلى، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، في قوله: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى صورة يعقوب واضعا أنملته على فيه يتوعده، ففر. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا جرير بن حازم، قال سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث، عن ابن عباس، في قوله: ولقد همت به وهم بها قال: حين رأى يعقوب في سقف البيت، قال: فنزعت شهوته التي كان يجدها حتى خرج يسعى إلى باب البيت، فتبعته المرأة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع. وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن قرة بن خالد السدوسي، عن الحسن قال: زعموا والله أعلم أن سقف البيت انفرج، فرأى يعقوب عاضا على أصابعه. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، في قوله: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى تمثال يعقوب عاضا على أصبعه يقول: يوسف، يوسف حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، نحوه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو العنقزي، قال: أخبرنا سفيان الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى تمثال وجه يعقوب، فخرجت شهوته من أنامله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، قال: رأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا على أصابعه، فدفع
[ 246 ]
في صدره، فخرجت شهوته من أنامله. فكل ولد يعقوب ولد له اثنا عشر رجلا إلا يوسف، فإنه نقص بتلك الشهوة ولم يولد له غير أحد عشر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن زيد، عن ابن شهاب، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره: أن البرهان الذي رأى يوسف يعقوب. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عيسى بن المنذر، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا يونس بن يزيد الايلي، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: لولا أن رأى برهان ربه قال: مثل له يعقوب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لولا أن رأى برهان ربه قال: يعقوب. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: مثل له يعقوب. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته حتى رأى صورة يعقوب في الجدار. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: لولا أن رأى برهان ربه قال: مثل له يعقوب. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن القاسم بن أبي بزة، قال: نودي: يا ابن يعقوب، لا تكونن كالطير له ريش فإذا زنى قعد ليس له ريش فلم يعرض للنداء وقعد، فرفع رأسه، فرأى وجه يعقوب عاضا على أصبعه، فقام مرعوبا
[ 247 ]
استحياء من الله تعالى ذكره. فذلك قول الله سبحانه وتعالى: لولا أن رأى برهان ربه وجه يعقوب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، قال: مثل له يعقوب عاضا على أصابعه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، مثله. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: مثل له يعقوب، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من أنامله. قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، قال: كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر ابنا إلا يوسف، ولد له أحد عشر من أجل ما خرج من شهوته. حدثني يونس، قال: أخبرنا: ابن وهب، قال: قال أبو شريح: سمعت عبيد الله بن أبي جعفر يقول: بلغ من شهوة يوسف أن خرجت من بنانه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يعلي بن عبيد، عن محمد الخراساني، قال: سألت محمد بن سيرين، عن قوله: لولا أن رأى برهان ربه قال: مثل له يعقوب عاضا على أصابعه يقول: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، اسمك في الانبياء وتعمل عمل السفهاء ؟ حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن الحسن، في قوله: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى يعقوب عاضا على أصبعه يقول: يوسف حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال قتادة: رأى صورة يعقوب، فقال: يا يوسف تعمل عمل الفجار، وأنت مكتوب في الانبياء ؟ فاستحيا منه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: لولا أن رأى برهان ربه رأى آية من آيات ربه، حجزه الله بها عن معصيته ذكر لنا أنه مثل له يعقوب حتى كلمه، فعصمه الله ونزع كل شهوة كانت في مفاصله. قال: ثنا سعيد عن قتادة، عن الحسن: أنه مثل له يعقوب وهو عاض على أصبع من أصابعه.
[ 248 ]
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي سالم، عن أبي صالح، قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت عاضا على إصبعه يقول: يا يوسف يعني قوله: لولا أن رأى برهان ربه. حدثني المثنى قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور ويونس عن الحسن، في قوله: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت عاضا على أصبعه. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي سالم، عن أبي صالح مثله، وقال عاضا على أصبعه يقول: يوسف، يوسف حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمى، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضا على أصبعه يقول: يا يوسف فذاك حيث كف، وقام فاندفع. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سالو أبي حصين، عن سعيد بن جبير: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا على أصابعه، فدفع في صدره فخرجت شهوته من بين أنامله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: لولا أن رأى برهان ربه قال: رأى تمثال وجه أبيه، فخرجت الشهوة من أنامله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يحيى بن عباد، قال: ثنا أبو عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: لولا أن رأى برهان ربه قال: تمثال صورة يعقوب في سقف البيت. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: رأى يعقوب عاضا على يده. قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، في قوله: لولا أن رأى برهان ربه قال: يعقوب ضرب بيده على صدره، فخرجت شهوته من أنامله. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد بن
[ 249 ]
سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لولا أن رأى برهان ربه آية من ربه يزعمون أنه مثل له يعقوب، فاستحيا. وقال آخرون: بل البرهان الذي رأى يوسف ما أوعد الله عزوجل على الزنا أهله. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي مودود، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت، فإذا كتاب في حائط البيت: لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مودود، عن محمد بن كعب، قال: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين هم، فرأى كتابا في حائط البيت: لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا. قال: ثنا زيد بن الحباب، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: لولا أن رأى برهان ربه قال: لولا ما رأى في القرآن من تعظيم الزنا. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن أبي صخر، قال: سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رأى يوسف: ثلاث آيات من كتاب الله: إن عليكم لحافظين... الآية، وقوله: وما تكون في شأن... الآية، وقوله: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت. قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي، وزاد آية رابعة: ولا تقربوا الزنا. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي لولا أن رأى برهان ربه فقال: ما حرم الله عليه من الزنا. وقال آخرون: بل رأى تمثال الملك. ذكر من قال ذلك:
[ 250 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه يقول: آيات ربه أرى تمثال الملك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان بعض أهل العلم فيما بلغني يقول: البرهان الذي رأى يوسف فصرف عنه السوء والفحشاء: يعقوب عاضا على أصبعه، فلما رآه انكشف هاربا. ويقول بعضهم: إنما هو خيال إطفير سيده حين دنا من الباب، وذلك أنه لما هرب منها واتبعه ألفياه لدى الباب. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن هم يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آية من آيات الله، زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة. وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب، وجائز أن تكون صورة الملك، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا، ولا حجة للعذر قاطعة بأي ذلك من أي. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والايمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه. وقوله: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء يقول تعالى ذكره: كما رأينا يوسف برهاننا على الزجر عما هم بمن الفاحشة، كذلك نسبب له في كل ما عرض له من هم يهم به فيما لا يرضاه ما يزجره ويدفعه عنه كي نصرف عنه ركوب ما حرمنا عليه وإتيان الزنا، لنطهره من دنس ذلك. وقوله: إنه من عبادنا المخلصين اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة: إنه من عبادنا المخلصين بفتح اللام من المخلصين، بتأويل: إن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لانفسنا واخترناهم لنبوتنا ورسالتنا. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة: إنه من عبادنا المخلصين بكسر اللام، بمعنى: أن يوسف من عبادنا الذين أخلصوا توحيدنا وعبادتنا، فلم يشركوا بنا شيئا، ولم يعبدوا شيئا غيرنا. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من من القراء، وهما متفقتا المعنى وذلك أن من أخلصه الله لنفسه فاختاره، فهو مخلص لله التوحيد والعبادة، ومن أخلص توحيد الله وعبادته فلم يشرك بالله شيئا، فهو ممن أخلصه الله، فبأيتهما قرأ القارئ فهو الصواب مصيب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 251 ]
* (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) *. يقول جل ثناؤه: واستبق يوسف وامرأة العزيز باب البيت. أما يوسف ففرارا من ركوب الفاحشة لما رأى برهان ربه فزجره عنها. وأما المرأة فطلبها يوسف لتقضي حاجتها منه التي راودته عليها، فأدركته فتعلقت بقميصه، فجذبته إليها مانعة له من الخروج من الباب، فقدته من دبر، يعني: شقته من خلف لا من قدام، لان يوسف كان هو الهارب وكانت هي الطالبة. كما: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: واستبقا الباب قال: استبق هو والمرأة الباب، وقدت قميصه من دبر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رأى برهان ربه انكشف عنها هاربا، واتبعته، فأخذت قميصه من دبر فشقته عليه. وقوله: وألفيا سيدها لدى الباب يقول جل ثناؤه: وصادفا سيدها وهو زوج المرأة لدى الباب يعني: عند الباب. كالذي: حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد: وألفيا سيدها قال: سيدها: زوجها، لدى الباب قال: عند الباب. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن الحسن، عن زيد بن ثابت، قال: السيد: الزوج. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وألفيا سيدها لدى الباب أي عند الباب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: وألفيا سيدها لدى الباب قال: جالسا عند الباب وابن عمها معه. فلما رأته قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إنه راودني عن نفسي، فدفعته عن نفسي، فشققت قميصه قال يوسف: بل هي راودتني عن نفسي، وفررت منها فأدركتني، فشق قميصي فقال ابن عمها: تبيان هذا في القميص، فإن كان القميص قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين. فأتي بالقميص، فوجده قد من دبر قال
[ 252 ]
إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك أنك كنت من الخاطئين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وألفيا سيدها لدى الباب إطفير قائما على باب البيت. فقالت وهابته: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم ولطخته مكانها بالسيئة فرقا أن يتهمها صاحبها على القبيح. فقال هو، وصدقة الحديث: هي راودتني عن نفسي. وقوله: قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز لزوجها لما ألفياه عند الباب، فخافت أن يتهمها بالفجور: ما ثواب رجل أراد بامرأتك الزنا إلا أن يسجن في السجن أو إلا عذاب أليم ؟ يقول: موجع وإنما قال: إلا أن يسجن أو عذاب أليم لان قوله: إلا أن يسجن بمعنى إلا السجن، فعطف العذاب عليه وذلك أن أن وما عملت فيه بمنزلة الاسم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ئ وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ئ فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم) *. يقول تعالى ذكره: قال يوسف لما قذفته امرأة العزيز بما قذفته من إرداته الفاحشة منها مكذبا لها فيما قذفته به ودفعا لما نسب إليه: ما أنا راودتها عن نفسها، بل هي راودتني عن نفسي. وقد قيل: إن يوسف لم يرد ذكر ذلك لو لم تقذفه عند سيدها بما قذفته به. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا شيبان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي، قال: ما كان يوسف يريد أن يذكره حتى قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا... الآية، قال: فغضب فقال: هي راودتني عن نفسي.
[ 253 ]
وأما قوله: وشهد شاهد من أهلها فإن أهل العلم اختلفوا في صفة الشاهد، فقال بعضهم: كان صبيا في المهد. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو العلاء بن عبد الجبار، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: تكلم أربعة في المهد وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم عليه السلام. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: عيسى، وصاحب يوسف، وصاحب جريج. يعني تكلموا في المهد. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا زائدة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: وشهد شاهد من أهلها قال: صبي. حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: وشهد شاهد من أهلها قال: كان في المهد صبيا. حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أيوب بن جابر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، في قوله: وشهد شاهد من أهلها قال: صبي. حدثني يحيى بن طلحة البربوعي، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، بمثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: كان صبيا في مهده. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إدريس، عن حصين، عن هلال بن يساف: وشهد شاهد من أهلها قال: صبي في المهد. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أبي مزوق، عن جويبر، عن الضحاك: وشهد شاهد من أهلها قال: صبي أنطقه الله. ويقال: ذو رأي برأيه. حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا عفان، قال: ثنا حماد، قال:
[ 254 ]
أخبرني عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي (ص) قال: تكلم أربعة وهم صغار فذكر فيهم شاهد يوسف حدثت عن الحسين بن الفرج. قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وشهد شاهد من أهلها يزعمون أنه كان صبيا في الدار. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثنا عمي. قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وشهد شاهد من أهلها قال: كان صبيا في المهد. وقال آخرون: كان رجلا ذا لحية. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان ذا لحية. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: وشهد شاهد من أهلها قال: كان من خاصة الملك. وبه قال: حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، سمع عكرمة يقول: وشهد شاهد من أهلها قال: ما كان يصبي، ولكن رجل حكيما. حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا عبد الملك بن الصباح، قال: ثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، وذكره عنده: وشهد شاهد من أهلها فقالوا: كان صبيا، فقال: إنه ليس بصبي ولكنه رجل حكيم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: وشهد شاهد من أهلها قال: كان رجلا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: وشهد شاهد من أهلها قال: رجل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وشهد شاهد من أهلها قال: رجل.
[ 255 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: وشهد شاهد من أهلها قال: رجل. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عباس: وشهد شاهد من أهلها قال: ذو لحية. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: ابن عمها كان الشاهد من أهلها. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عباس: وشهد شاهد من أهلها قال: ذو لحية. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان ذا لحية. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس، عن جابر، عن ابن أبي مليكة: وشهد شاهد من أهلها قال: كان من خاصة الملك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وشهد شاهد من أهلها قال: رجل حكيم كان من أهلها. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: وشهد شاهد من أهلها قال: رجل حكيم من أهلها. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: وشهد شاهد من أهلها قال: كان رجلا. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن الحسن، في قوله: وشهد شاهد من أهلها قال رجل له رأي أشار برأيه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وشهد شاهد من أهلها قال: يقال: إنما كان الشاهد مشيرا رجلا من أهل إطفير، وكان يستعين برأيه. إلا أنه قال: أشهد إن كان قميصه قد من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبين. وقيل: معنى قوله: وشهد شاهد: حكم حاكم.
[ 256 ]
حدثت بذلك عن الفراء، عن معلي بن هلال، عن أبي يحيى، عن مجاهد. وقال آخرون: إنما عني بالشاهد القميص المقدود. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وشهد شاهد من أهلها قال: قميصه مشقوق من دبر، فتلك الشهادة. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وشهد شاهد من أهلها قميصه مشقوق من دبر، فتلك الشهادة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد: وشهد شاهد من أهلها لم يكن من الانس. قال: ثنا حفص، عن ليث، عن مجاهد: وشهد شاهد من أهلها قال: كان من أمر الله، ولم يكن إنسيا. والصواب من القول في ذلك، قول من قال: كان صبيا في المهد للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله (ص) أنه ذكر من تكلم في المهد، فذكر أن أحدهم صاحب يوسف. فأما ما قاله مجاهد من أنه القميص المقدود فما لا معنى له لان الله تعالى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل المرأة فقال: وشهد شاهد من أهلها ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا المرأة. وقوله: إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين لان المطلوب إذا كان هاربا فإنما يؤتى من قبل دبره، فكان معلوما أن الشق لو كان من قبل لم يكن هاربا مطلوبا، ولكن كان يكون طالبا مدفوعا، وكان ذلك شهادة على كذبه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال: أشهد إن كان قميصه قد من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبين، وذلك أن الرجل إنما يريد المرأة مقبلا. إن كان قميصه قد من دبر وهو من الصادقين وذلك أن الرجل لا يأتي المرأة من دبر. وقال: إنه لا ينبغي أن يكون في الحق إلا ذاك. فلما رأى إطفير قميصه قد من دبر عرف أنه من كيدها، فقال: إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال: يعني
[ 257 ]
الشاهد من أهلها: القميص يقضي بينهما إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم. وإنما حذفت أن التي تتلقى بها الشهادة، لانه ذهب بالشهادة إلى معنى القول، كأنه قال: وقال قائل من أهلها: إن كان قميصه، كما قيل: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين لانه ذهب بالوصية إلى القول. وقوله: فلما رأى قميصه قد من دبر خبر عن زوج المرأة، وهو القائل لها: إن هذا الفعل من كيدكن: أي صنيعكن، يعني من صنيع النساء، إن كيدكن عظيم. وقيل: إنه خبر عن الشاهد أنه القائل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) *. وهذا فيما ذكر ابن عباس، خبر من الله تعالى ذكره عن قيل الشاهد أنه قال للمرأة وليوسف، يعني بقوله: يوسف يا يوسف أعرض عن هذا يقول: أعرض عن ذكر ما كان منها إليك فيما راودتك عليه فلا تذكره لاحد. كما: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: يوسف أعرض عن هذا قال: لا تذكره، واستغفري أنت زوجك، يقول: سليه أن لا يعاقبك على ذنبك الذي أذنبت، وأن يصفح عنه فيستره عليك. إنك كنت من الخاطئين، يقول: إنك كنت من المذنبين في مراودة يوسف عن نفسه، يقال منه: خطئ في الخطيئة يخطأ خطأ وخطأ، كما قال جل ثناؤه: إنه كان خطأ كبيرا والخطأ في الامر، وحكى في الصواب أيضا الصوب، والصوب كما قال: الشاعر:
[ 258 ]
لعمرك إنما خطئي وصوبي علي وإن ما أهلكت مال وينشد بيت أمية: عبادك يخطئون وأنت رب بكفيك المنايا والحتوم من خطئ الرجل. وقيل: إنك كنت من الخاطئين لم يقل: من الخاطئات، لانه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء، وإنما قصد به الخبر عمن يفعل ذلك فيخطئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) *. يقول تعالى ذكره: وتحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز في مدينة مصر، وشاع من أمرهما فيها ما كان، فلم ينكتم، وقلن: امرأة العزيز تراود فتاها، عبدها، عن نفسه: كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وشاع الحديث في القرية،. وتحدث النساء بأمره وأمرها، وقلن: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه أي عبدها.
[ 259 ]
وأما العزيز فإنه الملك في كلام العرب ومنه قول أبي دؤاد: درة غاص عليها تاجر جليت عند عزيز يوم طل يعني بالعزيز: الملك، وهو من العزة. وقوله: قد شغفها حبا يقول قد وصل حث يوسف إلى شغاف قلبها، فدخل تحته حتى غلب على قلبها. وشغاف القلب: حجابه وغلافه الذي هو فيه، وإياه عنى النابغة الذبياني بقوله: وقد حال هم دون ذلك داخل دخول شغاف تبتغيه الاصابع وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجابن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة يقول في قوله: شغفها حبا قال: دخل حبه تحت الشغاف. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنشبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: قد شغفها حبا قال: دخل حبه في شغافها، حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قد شغفها حبا قال: دخل حبه في شغافها.
[ 260 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قد شغفها حبا قال: كان حبه في شغافها. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث الحسن بن محمد، عن شبابة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: قد شغفها حبا يقول: علقها حبا. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: قد شغفها حبا قال: غلبها. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبيه عن أيوب بن عائذ الطائي عن الشعبي: قد شغفها حبا قال: المشغوف: المحب، والمشعوف: المجنون. وبه قال: حدثنا أبي، عن أبي الاشهب، عن أبي رجاء والحسن: قد شغفها حبا قال: أحدهما: قد بطنها حبا، وقال الآخر: قد صدقها حبا. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: قد شغفها حبا قال: قد بطنها حبا. قال يعقوب: قال أبو بشر: أهل المدينة يقولون: قد بطنها حبا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن أبرجاء، عن الحسن، قال: سمعته يقول في قوله: قد شغفها حبا قال: بطنها حبا. وأهل المدينة يقولون ذلك. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن قرة، عن الحسن: قد شغفها حبا قال: قد بطن بها حبا. حدثنا الحسن، قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا أبو الأشهب، عن الحسن: قد شغفها حبا قال: بطنها حبه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة. عن الحسن: قد شغفها حبا قال: بطن بها.
[ 261 ]
حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: قد شغفها حبا قال: استبطنا حبها إياه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قد شغفها حبا أي قد علقها. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: قد شغفها حبا قال: قد علقها حبا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: هو الحب اللازق بالقلب. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، في قوله: قد شغفها حبا يقول: هلكت عليه حبا، والشغاف: شغاف القلب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قد شغفها حبا قال: والشغاف: جلدة من على القلب يقال لها: لسان القلب، يقول: دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب. وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار بالغين: قد شغفها على معنى ما وصفت من التأويل. وقرأ ذلك أبو رجاء: قد شعفها بالعين. حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا أبو الأشهب، عن أبي رجاء: قد شعفها. قال: ثنا خلف، قال: ثنا هشيم، عن أبي الاشهب، أو عوف عن أبي رجاء: قد شعفها حبا بالعين. قال: ثنا خلف، قال: ثنا محبوب، قال: قرأه عوف: قد شعفها. قال: ثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن أسيد، عن الاعرج: قد شعفها حبا وقال: شعفها إذا كان هو يحبها. ووجه هؤلاء معنى الكلام إلى أن الحب قد عمها. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: هو من قول القائل: قد شعف بها، كأنه ذهب بها كل مذهب من شغف الجبال، وهي رؤوسها.
[ 262 ]
وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الشغف: شغف الحب. والشعف: شعف الدابة حين تذعر. حدثني بذلك الحارث، عن القاسم، أنه قال: يروى ذلك عن أبي عوانة، عن مغيرة عنه. قال الحارث: قال القاسم، يذهب إبراهيم إلى أن أصل الشغف: هو الذعر. قال: وكذلك هو كما قال إبراهيم في الاصل، إلا أن العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها قال امرؤ القيس: أتقتلني وقد شعفت فؤادهاكما شعف المهنوءة الرجل الطالي قال: وشعف المرأة. من الحب، وشعف المهنوءة من الذعر، فشبه لوعة الحب وجواه بذلك. وقال ابن زيد في ذلك ما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: ابن زيد، في قوله: قد شغفها حبا قال أن الشغف والشعف مختلفان، والشعف في البغض، والشغف في الحب. وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له، لان الشعف في كلام العرب بمعنى عموم الحب أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم. والصواب في ذلك عندنا من القراءة: قد شغفها بالغين لاجماع الحجة من القراء عليه.
[ 263 ]
وقوله: إنا لنراها في ضلال مبين قلن: إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه وغلبة حبه عليها لفي خطأ من الفعل وجور عن قصد السبيل مبين لمن تأمله وعلمه أنه ضلال وخطأ غير صواب ولا سداد. وإنما كان قيلهن ما قلن من ذلك وتحدثهن بما تحدثن به من شأنها وشأن يوسف مكرا منهن فيمذكر لتريهن يوسف. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم) *. يقول تعالى ذكره: فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عزوجل عنهن. وكان مكرهن ما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلما سمعت بمكرهن يقول: بقولهن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما أظهر النساء ذلك من قولهن: تراود عبدها مكرا بها لتريهن يوسف، وكان يوصف لهن بحسنه وجماله فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلما سمعت بمكرهن: أي بحديثهن، أرسلت إليهن يقول: أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف. وأعتدت أفعلت من العتاد، وهو العدة، ومعناه: أعدت لهن متكئا يعني مجلسا للطعام، ومايتكئن عليه من النمارق والوسائد، وهو مفتعل من قول القائل: اتكأت، يقال: ألق له متكئا، يعني: ما يتكئ عليه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن اليمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سيعد: وأعتدت لهن متكئا قال: طعاما وشرابا ومتكئا.
[ 264 ]
قال: ثنا عمر وبن محمد، عن أسباط، عن السدي: وأعتدت لهن متكأ قال: يتكئن عليه. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية. عن علي، عن ابن عباس: وأعتدت لهن متكأ قال: مجلسا. قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي الاشهب، عن الحسن أنه كان يقرأ: متكأ ويقول: هو المجلس والطعام. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن يزيد: من قرأ: متكأ خفيفة، يعني طعاما ومن قرأ متكأ يعني المتكأ. فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه من تأويل هذه الكلمة، هو معنى الكلمة وتأويل المتكأ، وأنها أعدت للنسوة مجلسا فيه متكأ وطعام وشراب وأترج. ثم فسر بعضهم المتكأ بأنه الطعام على وجه الخبر عن الذين أعد من أجله المتكأ، وبعضهم عن الخبر عن الاترج، إذ كان في الكلام: وآتت كل واحدة منهن سكينا، لان السكين إنما تعد للاترج وما أشبهه مما يقطع به. وبعضهم على البزماورد: حدثني هارون بن حاتم المقرئ، قال: ثنا هشيم بن الزبرقان، عن أبي روق عن الضحاك، في قوله: وأعتدت لهن متكئا قال: البزماورد. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: المتكأ: هو النمرق يتكأ عليه. وقال: زعم قوم أنه الاترج، قال: وهذا أبطل باطل في الارض، لكن عسى أن يكون مع المتكإ أترج يأكلونه. وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة، ثم قال: والفقهاء أعلم بالتأويل منه ثم قال: ولعله بعض ما ذهب من كلام العرب، فإن الكسائي كان يقول: قد ذهب من كلام العرب شئ كثير انقرض أهله. والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة كما قال أبو عبيدة لا شك فيه، غير أن أبا عبيدة لم يبعد من الصواب في هذا القول، بل القول كما قال من أن من قال للمتكإ هو الاترج إنما بين المعد في المجلس الذي فيه المتكأ والذي من أجله أعطين السكاكين، لان السكاكين معلوم أنها لا تعد للمتكإ إلا لتخريقه، ولم يعطين
[ 265 ]
السكاكين لذلك. ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، من أن المتكإ هو المجلس. ثم روى عن مجاهد عنه، ما: حدثني به سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: وأعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا قال: أعطتهن أترجا، وأعطت كل واحدة منهن سكينا. فبين ابن عباس في رواية مجاهد هذه ما أعطت النسوة، وأعرض عن ذكر بيان معنى المتكإ، إذا كان معلوما معناه. ذكر من قال في تأويل المتكإ ما ذكرنا: حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: وأعتدت لهن متكئا قال: الترنج. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن عوف، قال: حدثت عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: متكا مخففة، ويقول: هو الاترج. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: وأعتدت لهن متكأ قال الطعام. حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وأعتدت لهن متكأ قال: طعاما. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله. حدثنا ابن بشار وابن وكيع، قالا: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: وأعتدت لهن متكأ قال: طعاما. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرة نحوه. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: من قرأ متكأ فهو الطعام، ومن قرأها متكا فخففها، فهو الاترج.
[ 266 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: متكأ قال: طعاما. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو خالد القرشي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: من قرأ: متكأ خفيفة، فهو الاترج. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن ليث، قال سمعت بعضهم يقول: الاترج. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وأعتدت لهن متكأ: أي طعاما. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة مثله. قال: ثنا يزيد، عن أبي رجاء، عن عكرمة، في قوله: متكأ قال: طعاما. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وأعتدت لهن متكأ يعني الاترج. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وأعتدت لهن متكأ والمتكأ: الطعام. قال: ثنا جرير عن ليث، عن مجاهد: وأعتدت لهن متكأ قال: الطعام. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابوهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأعتدت لهن متكأ قال: طعاما.
[ 267 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: متكأ فهو كل شئ يجز بالسكين. قال الله تعالى ذكره مخبرا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدثن بشأنها في المدينة: وآتت كل واحدة منهن سكينا يعني بذلك جل ثناؤه: وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها سكينا لتقطع به من الطعام ما تقطع به، وذلك ما ذكرت أنها آتتهن إما من الاترج، وإمامن البزماورد، أو غير ذلك مما يقطع بالسكين. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: وآتت كل واحدة منهن سكينا وأترجا يأكلنه. حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: وآتت كل واحدة منهن سكينا قال: أعطتهن أترجا، وأعطت كل واحدة منهن سكينا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وآتت كل واحدة منهن سكينا ليحتززن به من طعامهن. حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وآتت كل واحدة منهن سكينا وأعطتهن ترنجا وعسلا، فكن يحززن الترنج بالسكين، ويأكلن بالعسل. وفي هذه الكلمة بيان صحة ما قلنا واخترنا في قوله: وأعتدت لهن متكأ وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوة السكاكين، وترك ماله آتتهن السكاكين، إذا كان معلوما أن السكاكين لا تدفع إلى من دعى إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل إذا قطع بها، فاستغني بفهم السامع بذكر إيتائها صواحباتها السكاكين عن ذكر ماله آتتهن ذلك، فكذلك استغني بذكر اعتدادها لهن المتكأ عن ذكر ما يعتد له المتكأ مما يحضر المجالس من الاطعمة والاشربة والفواكه وصنوف لالتهاء لفهم السامعين بالمراد من ذلك، ودلالة قوله: وأعتدت لهن متكأ عليه. فأما نفس المتكأ فهو ما وصفنا خاصة دون غيره. وقوله: وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه يقول تعالى ذكره: وقالت امرأة
[ 268 ]
العزيز ليوسف: اخرج عليهن فخرج عليهن يوسف، فلما رأينه أكبرنه يقول جل ثناؤه: فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أكبرنه أعظمنه. [ / رق ] حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلما رأينه أكبرنه: أي أعظمنه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: وقالت اخرج عليهن ليوسف، فلما رأينه أكبرنه: عظمنه. حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي، قال: ثنا علي بن عابس، قال: سمعت السدي يقول في قوله: فلما رأينه أكبرنه قال: أعظمنه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: اخرج عليهن فخرج فلما رأينه أعظمنه وبهتن. حدثنا إسماعيل بن سيف، قال: ثنا عبد الصمد بن علي الهاشمي، عن أبيه، عن جده، في قوله: فلما رأينه أكبرنه قال: حضن. حدثنا علي بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: فلما رأينه أكبرنه يقول: أعظمنه. حدثني الحارث قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. وهذا القول، أعني القول الذي روي عن عبد الصمد، عن أبيه، عن جده، في معنى أكبرنه أنه حضن، إن لم يكن عنى به أنهن حضن من إجلالهن يوسف وإعظامهن لما
[ 269 ]
كان الله قسم له من البهاء والجمال، ولما يجد من مثل ذلك النساء عند معاينتهن إياه، فقول لا معنى له لان تأويل ذلك: فلما رأين يوسف أكبرنه، فالهاء التي في أكبرنه من ذكر يوسف، ولا شك أن من المحال أن يحضن يوسف، ولكن الخبر إن كان صحيحا عن ابن عباس على ما روي، فخليق أن يكون كان معناه في ذلك أنهن حضن لم أكبرن من حسن يوسف وجماله في أنفسهن ووجدن ما يجدد النساء من مثل ذلك. وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في أكبرن بمعنى حضن، بيتا لا أحسب أن له أصلا، لانه ليس بالمعروف عند الرواة، وذلك: نأتي النساء على أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا وزعم أن معناه: إذا حضن. وقوله: وقطعن أيديهن اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: أنهن حززن بالسكين في أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الاترج. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وقطعن أيديهن حزا حزا بالسكين. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وقطعن أيديهن قال: حزا حزا بالسكاكين.
[ 270 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: وثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وقطعن أيديهن قال: حزا حزا بالسكين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وقطعن أيديهن قال: جعل النسوة يحززن أيديهن، يحسبن أنهن يقطعن الاترج. حدثنا إسماعيل بن سيف، قال: ثنا علي بن عابس، قال: سمعت السدي يقول: كانت في أيديهن سكاكين مع الاترج، فقطعن أيديهن، وسالت الدماء، فقلن: نحن نلومك على حب هذا الرجل، ونحن قد قطعنا أيدينا وسالت الدماء حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: جعلن يحززن أيديهن بالسكين، ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج، قد ذهبت عقولهن مما رأين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وقطعن أيديهن وحززن أيديهن. حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا ابن كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: جعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الاترج. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وقطعن أيديهن قال: جعلن يحززن أيديهن، ولا يشعرن بذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت ليوسف: اخرج عليهن فخرج عليهن، فلما رأينه أكبرنه، وغلبت عقولهن عجبا حين رأينه، فجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن ما يعقلن شيئا مما يصنعن، وقلن حاش لله ما هذا بشرا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهن قطعن أيديهن حتى أبنها وهن لا يشعرن. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينها.
[ 271 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: وقطعن أيديهن قال قطعن أيديهن حتى ألقينها. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عنهن أنهن قطعن أيديهن وهن لا يشعرن لاعظام يوسف، وجائز أن يكون ذلك كان قطعا بإبانة، وجائز أن يكون كان قطع حز وخدش، ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنزيل. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص عن عبد الله، مثله. وبه عن أبي الاحوص، عن عبد الله، قال: قسم ليوسف وأمه ثلث الحسن. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الخلق. حدثني أحمد بن ثابت، وعبد الله بن الرازيان، قالا: ثنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس، عن النبي (ص)، قال: أعطي يوسف وأمه شطر الحسن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي معاذ، عن يونس، عن الحسن، أن النبي (ص) قال: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا، وأعطي الناس الثلثين أو قال: أعطي يوسف وأمه الثلثين، وأعطي الناس الثلث. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن، والنصف الآخر بين سائر الخلق.
[ 272 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي قال: قسم الحسن نصفين: فقسم ليوسف وأمه النصف، والنصف لسائر الناس. حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين، فجعل ليوسف وسارة النصف، وجعل لسائر الخلق نصف. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الحسن: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا، وأعطي الناس الثلثين. وقوله: وقلن حاش لله اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفيين: حاش لله بفتح الشين وحذف الياء. وقرأه بعض البصريين بإثبات الياء حاشى لله. وفيه لغات لم يقرأ بها: حاشى الله كما قال الشاعر: حاشى أبي ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتم وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة: حاش الله بتسكين السين والالف يجمع بين الساكنين. وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الاوليين، فمن قرأ: حاش لله بفتح الشين وإسقاط الياء فإنه أراد لغة من قال: حاشى لله، بإثبات الياء، ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب، كما حذفت العرب الالف من قولهم: لا أب لغيرك، ولا أب لشانيك، وهم يعنون: لا أبا لغيرك، ولا أبا لشانيك. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أن لقولهم: حاشى لله، موضعين في
[ 273 ]
الكلام: أحدهما: التنزيه، والآخر: الاستثناء، وهو في هذا الموضع عندنا بمعنى التنزيه لله، كأنه قيل: معاذ الله. وأما القول في قراءة ذلك، فإنه يقال للقارئ، في قراءته بأي القراءتين شاء، إن شاء بقراءة الكوفيين وإن شاء بقراءة البصريين، وهو: حاش لله وحاشى لله لانهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بمعنى واحد، وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها، لانا لا نعلم قارئا قرأ بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وقلن حاش لله قال: معاذ الله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: حاش لله: معاذ الله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وقلن حاش لله: معاذ الله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: حاش لله: معاذ الله. قال: ثنا عبد الوهاب، عن عمرو، عن الحسن: حاش لله: معاذ الله. حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا يحيى، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقوله: ما هذا بشرا يقول: قلن ما هذا بشرا، لانهن لم يرين في حسن صورته من البشر أحدا، فقلن: لو كان من البشر لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر، ولكنه من الملائكة لا من البشر. كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وقلن حاش لله ما هذا بشرا: ما هكذا تكون البشر. وبهذه القراءة قرأ عامة قراء الامصار. وقد: حدثت عن يحيى بن زياد الفراء، قال: ثني دعامة بن رجاء التيمي، وكان
[ 274 ]
غرا، عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأ: ما هذا بشرى: أي مهذا بمشترى، يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثله مستعبدا يشتري ويباع. وهذا لقراءة لا أستجيز القراءة بها لاجماع قراء الامصار على خلافها. وقد بينا أن ما أجمعت عليه فغير جائز خلافها فيه. وأما نصب البشر، فمن لغة أهل الحجاز إذا أسقطوا الباء من الخبر نصبوه، فقالوا: ما عمرو قائما. وأما أهل نجد، فإن من لغتهم رفعه، يقولون: ما عمرو قائم ومنه قول بعضهم حيث يقول: لشتان ما أنوي وينوي بنو أبي جميعا، فما هذان مستويان تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى وكفتى والموت يلتقيان وأما القرآن، فجاء بالنصب في كل ذلك، لانه نزل بلغة أهل الحجاز. وقوله: إن هذا إلا ملك كريم يقول: قلن ما هذا إلا ملك من الملائكة. كما: [ / رق ] حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إن هذا إلا ملك كريم قال: قلن: ملك من الملائكة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل مآ آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) *. يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن، فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه وفي نظر منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وغروب الفهم ولها إليه حتى قطعتن أيديكن، هو الذي لمتنني في حبي إياه وشغف فؤادي به، فقلتن: قد شغف امرأة العزيز فتاها حبا إنا لنراها في ضلال مبين. ثم أقرت لهن بأنها قد راودته عن نفسه، وأن الذي تحدثن به عنها في أمره حق، فقالت: ولقد راودته عن نفسه فاستعصم مما راودته عليه من ذلك.
[ 275 ]
كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قالت: فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم: تقول: بعد ما حل السراويل استعصى، لا أدري ما بدا له. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فاستعصم: أي فاستعصى. حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فاستعصم يقول: فامتنع. وقوله: لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين تقول: ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه ليسجنن، تقول: ليحبسن في السجن، وليكونا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن، ولاهيننه. والوقف على قوله: ليسجنن بالنون لانها مشددة، كما قيل: ليبطئن. وأما قوله: وليكونا فإن الوقف عليه بالالف لانها النون الخفيفة، وهي شبيهة نون الاعراب في الاسماء في قول القائل: رأيت رجلا عندك، فإذا وقف على الرجل قيل: رأيت رجلا، فصارت النون ألفا، فكذلك ذلك في: وليكونا، ومثله قوله: لنسفعا بالناصية ناصية الوقف عليه بالالف لما ذكرت ومنه قول الاعشى: وصل على حين العشيات والضحى ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا وإنما هو: فاعبدن، ولكن إذا وقف عليه كان الوقف بالالف. [ ] / شا ] القول في تأويل قوله تعالى:
[ 276 ]
* (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) *. وهذا الخبر من الله يدل على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه، وتوعدته بالسجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك لانها لو لم تكن عاودته وتوعدته بذلك، كان محالا أن يقول: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وهو لا يدعى إلى شئ ولا يخوف بحبس. والسجن هو الحبس نفسه، وهو بيت الحبس. وبكسر السين قرأه قراء الامصار كلها، والعرب تضع الاماكن المشتقة من الافعال مواضع الافعال فتقول: طلعت الشمس مطلعا، وغربت مغربا، فيجعلونها وهي أسماء خلفا من المصادر، فكذلك السجن، فإذا فتحت السين من السجن كان مصدرا صحيحا. وقد ذكر عن بعض المتقدمين أنه يقرؤه: السجن أحب إلي بفتح السين. ولا أستجيز القراءة بذلك لاجماع الحجة من القراء على خلافها. وتأويل الكلام: قال يوسف: يا رب الحبس في السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من معصيتك ويراودنني عليه من الفاحشة. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه: من الزنا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف، وأضاف إلى ربه واستعانه على منزل به: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه: أي السجن أحب إلي من أن آتي ما تكره. وقوله: وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن يقول: وإن لم تدفع عني يا رب فعلهن الذي يفعلن بي في مراودتهن إياي على أنفسهن أصب إليهن، يقول: أميل إليهن، وأتابعهن على ما يردن مني، ويهوين من قول القائل: صبا فلان إلى كذا ومنه قول الشاعر: إلى هند صبا قلبي وهند مثلها يصبي
[ 277 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثن سعيد، عن قتادة: أصب إليهن يقول: أتابعهن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلم، عن ابن إسحاق: وإلا تصرف عني كيدهن: أي ما أتخوف منهن أصب إليهن. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين قال: إلا يكن منك أنت العون والمنعة، لا يكن مني ولا عندي. وقوله: وأكن من الجاهلين يقول: وأكن بصبوتي إليهن من الذين جهلوا حقك وخالفوا أمرك ونهيك. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وأكن من الجاهلين: أي جاهلا إذا ركبت معصيتك. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم) *. إن قال قائل: وما وجه قوله: فاستجاب له ربه ولا مسألة تقدمت من يوسف لربه، ولا دعا بصرف كيدهن عنه، وإنما أخبر ربه أن السجن أحب إليه من معصيته ؟ قيل: إن في إخباره بذلك شكاية منه إلى ربه مما لقي منهن، وفي قوله: وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن معنى دعاء ومسألة منه ربه صرف كيدهن، ولذلك قال الله تعالى ذكره: فاستجاب له ربه وذلك كقول القائل لآخر: إن لا تزرني أهنك، فيجيبه الآخر: إذن أزورك، لان في قوله: إن لا تزرني أهنك، معني الامر بالزيارة. وتأويل الكلام: فاستجاب الله ليوسف دعاءه، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم: أي نجاه من أن يركب المعصية فيهن، وقد نزل به بعض ما حذر منهن. وقوله: إنه هو السميع دعاء يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه ودعاء كل
[ 278 ]
داع من خلقه. العليم بمطلبه وحاجته، وما يصلحه، وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) *. يقول تعالى ذكره: ثم بدا للعزيز زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه. وقيل: بدا لهم، وهو احد، لانه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه، وذلك نظير قوله: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم وقيل: إن قائل ذلك كان واحدا. وقيل: معنى قوله: ثم بدا لهم في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقا، ورأوا أن يسجنوه من بعد ما رأوا الآيات ببراءته مما قدفته به امرأة العزيز. وتلك الآيات كانت: قد القميص من دبر، وخمشا في الوجه، وقطع أيديهن، كما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن نصر بن عوف، عن عكرمة، عن ابن عباس: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات قال: كان من الآيات قد في القميص وخمش في الوجه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي وابن نمير، عن نصر، عن عكرمة، مثله حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات قال: قد القميص من دبر. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من بعد ما رأوا الآيات قال: قد القميص من دبر. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: وثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: من بعدما رأوا الآيات قال: الآيات: حزهن أيديهن، وقد القميص.
[ 279 ]
حدثنا القاسم ح، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قد القميص من دبر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ببراءته مما اتهم به من شق قميصه من دبر، ليسجننه حتى حين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: من بعد ما رأوا الآيات قال: الآيات: القميص، وقطع الايدي. وقوله: ليسجننه حتى حين يقول: ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم. وجعل الله ذلك الحبس ليوسف فيما ذكر عقوبة له من همه بالمرأة وكفارة لخطيئته. حدثت عن يحيى بن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: ليسجننه حتى حين عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات: حين هم بها فسجن، وحين قال: اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين وأنساه الشيطان ذكر ربه، وقال لهم: إنكم لسارقون فقالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل. وذكر أن سبب حبسه في السجن: كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمره وأمرها. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حى قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فذلك قول الله تعالى: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين. وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه اللام في: ليسجننه فقال بعض البصريين: دخلت هاهنا لانه موضع يقع فيه أي، فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون، لان النون تكون في الاستفهام، تقول: بدا لهم أيهم يأخذن: أي استبان لهم. وأنكر ذلك بعض أهل العربية، فقال: هذا يمين، وليس قوله: هل تقومن بيمين، ولتقومن، لا يكون إلا يمينا. وقال بعض نحويي الكوفة: بدا لهم، بمعنى: القول، والقول يأتي بكل: الكلام
[ 280 ]
بالقسم وبالاستفهام، فلذلك جاز: بدا لهم قام زيد، وبدا لهم ليقومن. وقيل: إن الحين في هذا الموضع معني به سبع سنين. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن داود، عن عكرمة: ليسجننه حتى حين قال: سبع سنين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) *. يقول تعالى ذكره: ودخل مع يوسف السجن فتيان، فدل بذلك على متروك قد ترك من الكلام وهو: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فسجنوه وأدخلوه السجن ودخل معه فتيان، فاستغنى بدليل قوله: ودخل معه السجن فتيان على إدخالهم يوسف السجن من ذكره. وكان الفتيان فيما ذكر: غلامين من غلمان ملك مصر الاكبر: أحدهما صاحب شرابه، والآخر صاحب طعامه. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فطرح في السجن، يعني يوسف، ودخل معه السجن فتيان، غلامان كانا للملك الاكبر: الريان بن الوليد، كان أحدهما على شرابه، والآخر على بعض أمره، في سخطة سخطها عليهما، اسم أحدهما مجلث والآخر نبو، ونبو الذي كان على الشراب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ودخل معه السجن فتيان قال: كان أحدهما خبازا للملك على طعامه، وكان الآخر ساقيه على شرابه. وكان سبب حبس الملك الفتيين فيما ذكر، ما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط عن السدي، قال: إن الملك غضب على خبازه، بلغه أنه يريد أن يسمه، فحبسه وحبس صاحب شرابه، ظن أنه مالاه على ذلك فحبسهما جميعا فذلك قول الله تعالى ودخل معه السجن فتيان. وقوله: قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ذكر أن يوسف صلوات الله وسلامه عليه لما أدخل السجن، قال لمن فيه من المحبسين، وسألوه عن عمله: إني أعبر الرؤيا، فقال أحد الفتيين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه: تعال فلنجربه. كما:
[ 281 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال: لما دخل يوسف السجن قال: أنا أعبر الاحلام. فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلم نجرب هذا العبد العبراني نتراءى له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا. فقال الخباز: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، وقال الآخر: إني أراني أعصر خمرا. حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئا، وإنما كانا تحالما ليجربا علمه. وقال قوم: إنما سأله الفتيان عن رؤيا كانا رأياها على صحة وحقيقة، وعلى تصديق منهما ليوسف لعلمه بتعبيرها. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رأى الفتيان يوسف، قالا: والله يافتى لقد أحببناك حين رأيناك. قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن يوسف قال لهم حين قالا له ذلك: أنشدكما الله أن لا تحباني فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل علي من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء، ثم لقد أحبني أبي فدخل علي بحبه بلاء، ثم لقد أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل علي بحبها إياي بلاء، فلا تحباني بارك الله فيكما قال فأبيا إلا حبه وإلفه حيث كان، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله، وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا، فرأى مجلث أنه يحمل فوق رأسه، خبزا تأكل الطير منه، ورأى نبو أنه يعصر خمرا، فاستفتياه فيها وقالا له: نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين إن فعلت. وعني بقوله: أعصر خمرا أي إني أرى في نومي أني أعصر عنبا. وكذلك ذلك في قراءة ابن مسعود فيما ذكر عنه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي سلمة الصائغ، عن إبراهيم بن بشير الانصاري، عن محمد بن الحنفية قال في قراءة ابن مسعود: إني أراني أعصر عنبا. وذكر أن ذلك من لغة أهل عمان، وأنهم يسمون العنب خمرا. ذكر من قال ذلك: حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إني أراني أعصر خمرا يقول: أعصر عنبا، وهو بلغة أهل عمان، يسمون العنب خمرا.
[ 282 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: إني أراني أعصر خمرا قال: عنبا، أرض كذا وكذا يدعون العنب خمرا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: إني أراني أعصر خمرا قال: عنبا. حدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي حمزة، عن عكرمة، قال: أتاه فقال: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب، فنبتت، فخرج فيه عناقيد فعصرتهن، ثم سقيتهن الملك، فقال: تمكث في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتسقيه خمرا. وقوله: وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله يقول تعالى ذكره: وقال الآخر من الفتيين: إني أراني في منامي أحمل فوق رأسي خبزا يقول: أحمل على رأسي، فوضعت فوق مكان على تأكل الطير منه يعني من الخبز. وقوله: نبئنا بتأويله يقول: أخبرنا بما يؤول إليه ما أخبرناك أنا رأيناه في منامنا ويرجع إليه. كما: حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا يزيد، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: نبئنا بتأويله قال: به. قال الحارث، قال أبو عبيد: يعني مجاهد: أن تأويل الشئ: هو الشئ. قال: ومنه تأويل الرؤيا، إنما هو الشئ الذي تئول إليه. وقوله: إنا نراك من المحسنين اختلف أهل التأويل في معنى الاحسان الذي وصف به الفتيان يوسف، فقال بعضهم: هو أنه كان يعود مريضهم، ويعزي حزينهم، وإذا احتاج منهم إنسان جمع له. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم، قال: كنت جالسا معه ببلخ، فسئل
[ 283 ]
عن قوله: نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال: قيل له: ما كان إحسان يوسف ؟ قال: كان إذا مرض إنسان قام عليه، وإذا احتاج جمع له، وإذا ضاق أوسع له. حدثنا إسحاق، عن أبي إسرائيل، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: سأل رجل الضحاك عن قوله: إنا نراك من المحسنين ما كان إحسانه ؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه، وإذا احتاج جمع له، وإذا ضاق عليه المكان أوسع له. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن قتادة، قوله: إنا نراك من المحسنين قال: بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم، ويعزي حزينهم، ويجتهد لربه. وقال: لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم واشتد بلاؤهم، فطال حزنهم، فجعل يقول: أبشروا واصبروا تؤجروا، إن لهذا أجرا، إن لهذا ثوابا فقالوا: يا فتى بارك الله فيك ما أحسن وجهك وأحسن خلقك، لقد بورك لنا في جوارك، ما نحب أنا كنا في غير هذا منذ حبسنا لما تخبرنا من الاجر والكفارة والطهارة، فمن أنت يا فتى ؟ قال: أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وكانت عليه محبة، وقال له عامل السجن: يا فتى والله لو استطعت لخليت سبيلك، ولكن سأحسن جوارك وأحسن إسارك، فكن في أي بيوت السجن شئت. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن خلف الاشجعي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك في: إنا نراك من المحسنين قال: كان يوسع للرجل في مجلسه، ويتعاهد المرضى. وقال آخرون: معناه: إنا نراك من المحسنين إذ نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: استفتياه في رؤياهما، وقالا له: نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين إن فعلت. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة. فإن قال قائل: وما وجه الكلام إن كان الامر إذن كما قلت، وقد علمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما ليست من الخبر عن صفته بأنه يعود المريض ويقوم عليه
[ 284 ]
ويحسن إلى من احتاج في شئ، وإنما يقال للرجل: نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم، وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم لا بغيره ؟ قيل: إن وجه ذلك أنهما قالا له: نبئنا بتأويل رؤيانا محسنا إلينا في إخبارك إيانا بذلك، كما نراك تحسن في سائر أفعالك، إنا نراك من المحسنين. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون) *. يقول تعالى ذكره: قال يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا: لا يأتيكما أيها الفتيان في منامكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله في يقظتكما قبل أن يأتيكما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: قال يوسف لهما: لا يأتيكما طعام ترزقانه في النوم إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف لهما: لا يأتيكما طعام ترزقانه يقول: في نومكما إلا نبأتكما بتأويله. ويعني بقوله بتأويله: ما يئول إليه ويصير ما رأيا فيى منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه. وقوله ذلكما مما علمني ربي يقول: هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا مما علمني ربي فعلمته. إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وجاء الخبر مبتدأ: أي تركت ملة قوم، والمعنى: ما ملت. وإنما ابتدأ بذلك لان في الابتداء الدليل على معناه وقوله: إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله يقول: إني برئت من ملة من لا يصدق بالله، ويقر بوحدانيته. وهم بالآخرة هم كافرون يقول: وهم مع تركهم الايمان بوحدانية الله لا يقرون بالمعاد والبعث ولا بثواب ولا عقاب. وكررت هم مرتين، فقيل: وهم بالآخرة هم كافرون لما دخل بينهما قوله: بالآخرة فصارت هم الاولى كالملغاة،
[ 285 ]
وصار الاعتماد على الثانية، كما قيل: وهم بالآخرة هم يوقنون وكما قيل: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون. فإن قال قائل: ما وجه هذا الخبر ومعناه من يوسف، وأين جوابه الفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما من هذا الكلام ؟ قيل له: إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما لما علم من مكروه ذلك على أحدهما، فأعرض عن ذكره وأخذ في غيره ليعرضا عن مسألته الجواب بما سألاه من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله. قال: فكره العبارة لهما، وأخبرهما بشئ لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علما. وكان الملك إذا أراد قتل إنسان، صنع له طعاما معلوما، فأرسل به إليه، فقال يوسف: لا يأتيكما طعام ترزقانه.... إلى قوله: تشكرون. فلم يدعاه، فعدل بهما، وكره العبارة لهما، فلم يدعاه حتى يعبر لهما، فعدل بهما وقال: يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار... إلى قوله: يعلمون فلم يدعاه حتى عبر لهما، فقال: يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه. قالا: ما رأينا شيئا، إنما كنا نلعب قال: قضي الامر الذي فيه تستفتيان. وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج. فقوله: لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة لا في النوم. وإنما أعلمهما على هذا القول أن عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره، لانه قد علم النوع الذي إذا أتاهما كان علامة لقتل من أتاه ذلك منهما، والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك، فأخبرهما أنه عنده علم ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 286 ]
* (واتبعت ملة آبآئي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ماكان لنآ أن نشرك بالله من شئ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) *. يعني بقوله: واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب واتبعت دينهم لا دين أهل الشرك. ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ يقول: ما جاز لنا أن نجعل لله شريكا في عبادته وطاعته، بل الذي علينا إفراده بالالوهة والعبادة. ذلك من فضل الله علينا يقول: اتباعي ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب على الاسلام، وتركي ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون، من فضل الله الذي تفضل به علينا، فأنعم إذ أكرمنا به. وعلى الناس يقول: وذلك أيضا من فضل الله على الناس، إذ أرسلنا إليهم دعاة إلى توحيده وطاعته. ولكن أكثر الناس لا يشكرون يقول: ولكن من يكفر بالله لا يشكر ذلك من فضله عليه، لانه لا يعلم من أنعم به عليه ولا يعرف المتفضل به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهذالتأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ذلك من فضل الله علينا أن جعلنا أنبياء وعلى الناس يقول: أن بعثنا إليهم رسلا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: يا رب شاكر نعمة غير منعم عليه لا يدري، ورب حامل فقه غير فقيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) *. ذكر أن يوسف صلوات الله وسلامه عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن، لان أحدهما كان مشركا، فدعاه بهذا القول إلى الاسلام وترك عبادة الآلهة والاوثان، فقال: يا صاحبي السجن يعني: يا من هو في السجن. وجعلهما صاحبيه لكونهما فيه، كما قال الله تعالى لسكان الجنة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون وكذلك قال لاهل النار، وسماهم أصحابها لكونهم فيها.
[ 287 ]
وقوله: أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار يقول: أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر خير، أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه، الذي قهر كل شئ فذلله وسخره فأطاعه طوعا وكرها. وبنحو الذ قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون... إلى قوله: لا يعلمون لما عرف نبي الله يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلى حظهما من ربهما وإلى نصيبهما من آخرتهما. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يا صاحبي السجن يوسف يقوله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم دعاهما إلى الله وإلى الاسلام، فقال: يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار: أي خير أن تعبدوا إلها واحدا، أو آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئا ؟. القول في تأويل قوله تعالى: * (ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم مآ أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *. يعني بقوله: ما تعبدون من دونه: ما تعبدون من دون الله. وقال: ما تعبدون وقد ابتدأ الخطاب بخطاب اثنين فقال: يا صاحبي السجن لانه قصد المخاطب به ومن هو على الشرك بالله مقيم من أهل مصر، فقال للمخاطب بذلك: ما تعبد أنت ومن هو على مثل ما أنت عليه من عبدة الاوثان إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة أربابا، شركا منهم وتشبيها لها في أسمائها التي سموها بها بالله، تعالى عن أن يكون له مثل أو شبيه. ما أنزل الله بها من سلطان يقول: سموها بأسماء لم يأذن لهم
[ 288 ]
بتسميتها، ولا وضع لهم على أن تلك الاسماء أسماؤها دلالة ولا حجة، ولكنها اختلاق منهم لها وافتراء. وقوله: إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتم وجميع خلقه إلا الله الذي له الالوهة والعبادة خالصة دوكل ما سواه من الاشياء. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية، في قوله: الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا أياه قال: أسس الدين على الاخلاص لله وحده لا شريك له. وقوله: ذلك الدين القيم يقول: هذا الذي دعوتكما إليه من البراءة من عبادة ما سوى الله من الاوثان، وأن تخلصا العبادة لله الواحد القهار، هو الدين القويم الذي لا أعوجاج فيه، والحق الذي لا شك فيه. ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول: ولكن أهل الشرك بالله يجهلون ذلك، فلا يعلمون حقيقته. القول في تأويل قوله تعالى: * (يصاحبي السجن أمآ أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي فيه تستفتيان) *. يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل يوسف للذين دخلا معه السجن: يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا هو الذي رأى أنه يعصر خمرا، فيسقي ربه: يعني سيده وهو ملكهم، خمرا: يقول: يكون صاحب شرابه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فيسقي ربه خمرا قال: سيده. وأما الآخر، وهو الذي رأى أن على رأسه خبزا تأكل الطير منه فيصلب فتأكل الطير من رأسه فذكر أنه لما عبر ما أخبراه به أنهما رأياه في منامهما، قالا له: ما رأينا شيئا، فقال لهما: قضي الامر الذي فيه تستفتيان يقول: فرغ من الامر الذي فيه استفتيتما، ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر مقال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن
[ 289 ]
عمارة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: قال اللذان دخلا السجن على يوسف: ما رأينا شيئا فقال: قضي الامر الذي فيه تستفتيان. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد الله: قضي الامر الذي فيه تستفتيان قال: لما قالا ما قالا، أخبرهما، فقالا: ما رأينا شيئا فقال: قضي الامر الذي فيه تستفتيان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن عمارة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، في الفتيين اللذين أتيا يوسف والرؤيا: إنما كانا تحالما ليجرباه. فلما أول رؤياهما قالا: إنما كنا نلعب قال: قضي الامر الذي فيه تستفتيان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن عمارة، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئا، إنما كانا تحالما ليجربا علمه فقال أحدهما: إني أراني أعصر عنبا، وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال: يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه. فلما عبر، قالا: ما رأينا شيئا، قال: قضي الامر الذي فيه تستفتيان على ما عبر يوسف. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال لمجلث: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك، وقال لنبو: أما أنت فترد على عملك، فيرضى عنك صاحبك. قضي الامر الذي فيه تستفتيان. أو كما قال. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: فيه تستفتيان. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قضي الامر الذي فيه تستفتيان عند قولهما: ما رأينا رؤيا إنما كنا نلعب قال: قد وقعت الرؤيا على ما أولت. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: الذي فيه تستفتيان فذكر مثله. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 290 ]
* (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) *. يقول تعالى ذكره: قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا اذكرني عند ربك يقول: اذكرني عند سيدك، وأخبره بمظلمتي وأني محبوس بغير جرم. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال، يعني لنبو: اذكرني عند ربك: أي اذكر للملك الاعظم مظلمتي وحبسي في غير شئ. قال: أفعل. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: اذكرني عند ربك قال للذي نجا من صاحبي السجن، يوسف يقول: اذكرني عند الملك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن أسباط: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك قال: عند ملك الارض. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: اذكرني عند ربك يعني بذلك الملك. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك الذي نجا من صاحبي السجن للملك يقول يوسف: اذكرني. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي أنه لما انتهى به إلى باب السجن قال له صاحب له. حاجتك أوصني بحاجتك قال: حاجتي أن تذكرني عند ربك. ينوي الرب ملك يوسف. وكان قتادة يوجه معنى الظن في هذا الموضع إلى الظن الذي هو خلاف اليقين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وقال للذي ظن
[ 291 ]
أنه ناج منهما اذكرني عند ربك وإنما عبارة الرؤيا بالظن، فيحق الله ما يشاء ويبطل ما يشاء. وهذا الذي قاله قتادة من أن عبارة الرؤيا ظن، فإن ذلك كذلك من غير الانبياء. فأما الانبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون، أو أنه غير كائن ثم يكون مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن لان ذلك لو جاز عليها في أخبارها لم يؤمن مثل ذلك في كل أخبارها، وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها سقطت حجتها على من أرسلت إليه. فإذا كان ذلك كذلك كان غير جائز عليها أن تخبر بخبر إلا وهو حق وصدق. فمعلوم إذ كان الامر على ما وصفت أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن، فيقول لاحدهما: أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ثم يؤكد ذلك بقوله: قضي الامر الذي فيه تستفتيان عند قولهما: لم نر شيئا، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه أنه كائن لا محالة لا شك فيه، وليقينه بكون ذلك قال للناجي منهما: اذكرني عند ربك. فبين إذن بذلك فساد القول الذي قاله قتادة في معنى قوله: وقال للذي ظن أنه ناج منهما، وقوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لاسرع بما هو فيه خلاصة، ولكنه زل بها، فأطال من أجلها في السجن حبسه وأوجع لها عقوبته. كما: حدثني الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن بسطام بن مسلم، عن مالك بن دينار، قال: لما قال يوسف للساقي: اذكرني عند ربك قال: قيل: يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا ؟ لاطيلن حبسك فبكى يوسف وقال: يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى، فقلت كلمة، فويل لاخوتي. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: قال رسول الله (ص): لولا أنه يعني يوسف قال الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث. حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، قال: ثنا يونس، عن الحسن، قال: قال نبي الله (ص): رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في
[ 292 ]
السجن طول ما لبث، يعني قوله: اذكرني عند ربك. قال: ثم يبكي الحسن فيقول: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال: لولا كلمة يوسف ما لبث في السجن طول ما لبث. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال النبي (ص): لو لم يقل يوسف يعني الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغني أن النبي (ص) قال: لو لم يستعن يوسف على ربه ما لبث في السجن طول ما لبث. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: لولا أن يوسف استشفع على ربه ما لبث في السجن طول ما لبث، ولكن إنما عوقب باستشفاعه على ربه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال له اذكرني عند ربك قال: فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده. فلبث في السجن بضع سنين بقوله: اذكرني عند ربك. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه، غير أنه قال: فلبث في السجن بضع سنين عقوبة لقوله: اذكرني عند ربك.
[ 293 ]
قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث المثنى، عن أبي حذيفة. وكان محمد بن إسحاق يقول: إنما أنسى الشيطان الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما خرج، يعني الذي ظن أنه ناج منهما، رد على ما كان عليه، ورضي عنه صاحبه. فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين. يقول جل ثناؤه: فلبث يوسف في السجن لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل: اذكرني عند سيدك بضع سنين، عقوبة له من الله بذلك. واختلف أهل التأويل في قدر البضع الذي لبث يوسف في السجن، فقال بعضهم: هو سبع سنين. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد أبو عثمة، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لبث يوسف في السجن سبع سنين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلبث في السجن بضع سنين قال: سبع سنين. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمران أبو الهذيل الصنعاني، قال: سمعت وهبا يقول: أصاب أيوب البلاء سبع سنين، وترك في السجن يوسف سبع سنين، وعذب بختنصر يجول في السباع سبع سنين. حدثني المثنى، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: زعموا أنها، يعني البضع: سبع سنين، كما لبث يوسف. وقال آخرون: البضع: ما بين الثلاث إلى التسع. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: سمعت قتادة يقول: البضع: ما بين الثلاث إلى التسع.
[ 294 ]
حدثنا وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد: بضع سنين قال: ما بين الثلاث إلى التسع. وقال آخرون: بل هو ما دون العشر. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس: بضع سنين دون العشرة. وزعم الفراء أن البضع لا يذكر إلا مع عشر، ومع العشرين إلى التسعين، وهو نيف ما بين الثلاثة إلى التسعة. وقال كذلك رأيت العرب تفعل ولا يقولون بضع ومئة، ولا بضع وألف، وإذا كانت للذكران قيل: بضع. والصواب في البضع من الثلاث إلى التسع إلى العشر، ولا يكون دون الثلاث، وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة، وما زاد على المئة فلا يكون فيه بضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يأيها الملا أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون) *. يعني جل ذكره بقوله: وقال ملك مصر إني أرى في المنام سبع بقرات سمان يأكلهن سبع من البقر عجاف. وقال: إني أرى، ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره، لتعارف العرب بينها في كلامها إذا قال القائل منهم: أرى أني أفعل كذا وكذا أنه خبر عن رؤيته ذلك في منامه وإن لم يذكر النوم. وأخرج الخبر جل ثناؤه على ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بينهم. وسبع سنبلات خضر يقول: وأرى سبع سنبلات خضر في منامي. وأخر يقول: وسبعا أخر من السنبل يابسات يأيها الملا يقول: يا أيها الاشراف من رجالي وأصحابي أفتوني في رؤياي فاعبروها إن كنتم للرؤيا عبرة.
[ 295 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال إن الله أرى الملك في منامه رؤيا هالته، فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات. فجمع السحرة والكهنة والحزاة والقافة، فقصها عليهم. فقالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم إن الملك الريان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى، فهالته، وعرف أنها رؤيا واقعة، ولم يدر ما تأويلها فقال للملا حوله من أهل مملكته: إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف... إلى قوله: بعالمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين) *. يقول تعالى ذكره: قال الملا الذين سألهم ملك مصر عن تعبير رؤياه: رؤياك هذه أضغاث أحلام يعنون أنها أخلاط رؤيا كاذبة لا حقيقة لها وهي جمع ضغث، والضغث: أصله الحزمة من الحشيش، يشبه بها الاحلام المختلطة التي لا تأويل لها. والاحلام جمع حلم، وهو ما لم يصدق من الرؤيا، ومن الاضغاث قول ابن مقبل: خود كأن فراشها وضعت به أضغاث ريحان غداة شمال ومنه قول الآخر: يحمي ذمار جنين قل مانعه طاو كضغث الخلا في البطن مكتمن
[ 296 ]
وبنحو الذي قلنا فذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أضغاث أحلام يقول: مشتبهة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أضغاث أحلام كاذبة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما قص الملك رؤياه التي رأى على أصحابه، قالوا: أضغاث أحلام: أي فعل الاحلام. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أضغاث أحلام قال: أخلاط أحلام، وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك، قال: أضغاث أحلام كاذبة. قال: ثني المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قالوا: أضغاث، قال: كذب. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أضغاث أحلام: هي الاحلام الكاذبة. وقوله: وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين يقول: وما نحن بما تئول إليه الاحلام الكاذبة بعالمين. والباء الاولى التي في التأويل من صلة العالمين، والتي في العالمين الباء التي تدخل في الخبر مع ما التي بمعنى الجحد. ورفع أضغاث أحلام، لان معنى الكلام: ليس هذه الرؤيا بشئ إنما هي أضغاث أحلام. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ئ يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون) *.
[ 297 ]
يقول تعالى ذكره: وقال الذي نجا من القتل من صاحبي السجن اللذين استعبرا يوسف الرؤيا وادكر يقول: وتذكر ما كان نسي من أمر يوسف، وذكر حاجته للملك التي كان سأله عند تعبيره رؤياه أن يذكرها له بقوله: اذكرني عند ربك بعد أمة يعني بعد حين. كالذي: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس: وادكر بعد أمة قال: بعد حين حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين عن ابن عباس، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش: وادكر بعد أمة: بعد حين. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين قال: وادكر بعد أمة قال: بعد حين. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس مثله. قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وادكر بعد أمة يقول: بعد حين. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وادكر بعد أمة قال: ذكر بعد حين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: وادكر بعد أمة بعد حين. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن، مثله. حدثني الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، مثله.
[ 298 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وادكر بعد أمة: بعد حين. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن كثير بعد أمة: بعد حين. قال: قال ابن جريج، وقال ابن عباس: بعد أمة قال: بعد سنين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: وادكر بعد أمة قال: بعد حين. حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، وعن سماك، عن عكرمة: وادكر بعد أمة أي بعد حقبة من الدهر. وهذا التأويل على قراءة من قرأ: بعد أمة بضم الالف وتشديد الميم، وهي قراءة القراء في أمصار الاسلام. وقد روى عن جماعة من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك: بعد أمة بفتح الالف وتخفيف الميم وفتحها بمعنى بعد نسيان. وذكر بضهم أن العرب تقول من ذلك: أمه الرجل يأمه أمها: إذا نسي. وكذلك تأوله من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قا: ثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: بعد أمه ويفسرها: بعد نسيان. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا بهز بن أسد، عن همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قرأ: بعد أمه يقول: بعد نسيان. حدثني أبو غسان مالك بن الخليل اليحمدي، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة أنه قرأ: بعد أمه والامه: النسيان. حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو هارون الغنوي، عن عكرمة، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: قال هارون، وثنى أبو هارون الغنوي، عن عكرمة: بعد أمه: بعد نسيان. قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة: وادكر بعد أمة: بعد نسيان.
[ 299 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس: أي بعد نسيان. حدثنا محمد بن عبد الاعلى،: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وادكر بعد أمة قال: من بعد نسيانه. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو النعمان عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عبد الكريم أبي أمية المعلم، عن مجاهد، أنه قرأ: وادكر بعد أمة. حدثني ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: وادكبعد أمة قال: بعد نسيان. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وادكر بعد أمة يقول: بعد نسيان. وقد ذكر فيها قراءة ثالثة، وهي ما: حدثني به المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن حميد، قال: قرأ مجاهد: وادكر بعد أمة مجزمة الميم مخففة. وكأن قارئ ذلك كذلك أراد به المصدمن قولهم: أمه يأمه أمها، وتأويل هذه القراءة، نظير تأويل من فتح الالف والميم. وقوله: أنا أنبئكم بتأويله يقول: أنا أخبركم بتأويله. فأرسلون يقول: فأطلقوني أمضى لآتيكم بتأويله من عند العالم به. وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره استغناء بما ظهر عما ترك وذلك: فأرسلوه فأتى يوسف، فقال له: يا يوسف يا أيها الصديق. كما: حدثنا حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال الملك للملا حوله: إني أرى سبع بقرات سمان... الآية، وقالوا له ما قال وسمع نبو من ذلك ما سمع ومسألته عن تأويلها ذكر يوسف وما كان عبر له ولصاحبه وما جاء من ذلك على ما قال من قوله، قال: أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يقول الله تعالى: وادكر بعد أمة: أي حقبة من الدهر، فأتاه فقال: يا يوسف إن الملك قد رأى كذا وكذا فقص عليه الرؤيا، فقال فيها يوسف ما ذكر الله تعالى لنا في الكتاب فجاءهم مثل فلق الصبح تأويلها، فخرج نبو من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك، وأخبره بما قال.
[ 300 ]
وقيل: إن الذي نجا منهما إنما قال: أرسلوني لان السجن لم يكن في المدينة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون قال ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة، فانطلق الساقي إلى يوسف، فقال: أفتنا في سبع بقرات سمان... الآيات. قوله: أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات فإن معناه: أفتنا في سبع بقرات سمان رئين في المنام يأكلهن سبع منها عجاف، وفي سبع سنبلات خضر رئين أيضا، وسبع أخر منهن يابسات. فأما السمان من البقر: فإنها السنون المخصبة. كما: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف قال: أما السمان: فسنون منها مخصبة. وأما السبع العجاف: فسنون مجدبة لا تنبت شيئا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أفتنا في سبع بقرات سمان فالسمان المخاصيب، والبقرات العجاف: هي السنون المحول الجدوب. قوله: وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات أما الخضر: فهن السنون المخاصيب، وأما اليابسات: فهن الجدوب المحول. والعجاف: جمع عجف، وهي المهازيل. وقوله: لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون يقول: كي أرجع إلى الناس فأخبرهم، لعلهم يعلمون يقول: ليعلموا تأويل ما سألتك عنه من الرؤيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون) *. يقول تعالى ذكره: قال يوسف لسائله عن رؤيا الملك: تزرعون سبع سنين دأبا
[ 301 ]
يقول: تزرعون هذه السبع السنين، كما كنتم تزرعون سائر السنين قبلها على عادتكم فيما مضى. والدأب: العادة ومن ذلك قول امرئ القيس: كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل يعني كعادتك منها. وقوله: فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون وهذا مشورة أشار بها نبي الله (ص) على القوم، ورأى رآه لهم صلاحا يأمرهم باستبقاء طعامهم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال لهم نبي الله يوسف تزرعون سبع سنين دأبا... الآية، فإنما أراد نبي الله (ص) البقاء. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون) *. يقول: ثم يجئ من بعد السنين السبع التي تزرعون فيها دأبا، سنون سبع شداد يقول: جدوب قحطه يأكلن ما قدمتم لهيقول: يؤكل فيهن ما قدمتم في إعداد ما أعددتم لهن في السنين السبعة الخصبة من الطعام والاقوات. وقال جل ثناؤه: يأكلن فوصف السنين بأنهن يأكلهن، وإنما المعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فيهن، كما قيل: نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم فوصف النهار بالسهو والغفلة والليل بالنوم، وإنما يسهى في هذا ويغفل فيه وينام في
[ 302 ]
هذا، لمعرفة المخاطبين بمعناه، والمراد منه: إلا قليلا مما تحصنون، يقول: إلا يسيرا مما تحرزونه. والاحصان: التصيير في الحصن وإنما المراد منه: الاحراز. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: يأكلن ما قدمتم لهن يقول يأكلن ما كنتم اتخذتم فيهن من القوت، إلا قليلا مما تحصنون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتاد: ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد وهن الجدوب المحول، يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد وهن الجدوب، يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنو: مما تدخرون. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: إلا قليلا مما تحصنون يقول: تخزنون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: تحصنون: تحرزون. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون قال: مما ترفعون. وهذه الاقوال في قوله: تحصنون وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيه، فإن معانيها متقاربة، وأصل الكلمة وتأويلها على ما بينت. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) *. وهذا خبر من يوسف عليه السلام للقوم عما لم يكن في رؤيا ملكهم، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله دلالة على نبوته وحجة على صدقة. كما: حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ثم زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها، فقال: ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون.
[ 303 ]
ويعني بقوله: فيه يغاث الناس بالمطر والغيث. وبنحو ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس قال: فيه يغاثون بالمطر. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: فيه يغاث الناس قال: بالمطر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: ثم يأتي من بعد ذلك عام قال: أخبرهم بشئ لم يسألوه عنه، وكان الله قد علمه إياه عام فيه يغاث الناس بالمطر. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فيه يغاث الناس بالمطر. وأما قوله: وفيه يعصرون فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وفيه يعصرون العنب والسمسم وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: وفيه يعصرون قال: الاعناب والدهن. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: وفيه يعصرون السمسم دهنا، والعنب خمرا، والزيتون زيتا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يقول: يصيبهم غيث، فيعصرون فيه العنب، ويعصرون فيه الزيت، ويعصرون من كل الثمرات، حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وفيه يعصرون قال: يعصرون أعنابهم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: وفيه يعصرون قال: العنب.
[ 304 ]
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: وفيه يعصرون قال: كانوا يعصرون الاعناب والثمرات. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وفيه يعصرون قال: يعصرون الاعناب والزيتون والثمار من الخصب، هذا علم آتاه الله يوسف لم يسئل عنه. وقال آخرون: معنى قوله: وفيه يعصرون وفيه يحلبون. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني فضالة، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وفيه يعصرون قال: فيه يحلبون. حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا الفرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة، قال: كان ابن عباس يقرأ: وفيه تعصرون بالتاء، يعني تحتلبون. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل المدينة والبصرة والكوفة: وفيه يعصرون بالياء، بمعنى ما وصفت من قول من قال: عصر الاعناب والادهان. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: وفيه تعصرون بالتاء. وقرأه بعضهم: وفيه يعصرون بمعنى: يمطرون، وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها ما عليه من قراء الامصار. والصواب من القراءة في ذلك أن لقارئه الخيار في قراءته بأي القراءتين الاخريين شاء، إن شاء بالياء ردا على الخبر به عن الناس، على معنى: فيه يغاث الناس وفيه يعصرون أعنابهم وأدهانهم. وإن شاء بالتاء ردا على قوله: إلا قليلا مما تحصنون وخطابا به لمن خاطبه بقوله: يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون لانهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الامصار باتفاق المعنى، وإن اختلفت الالفاظ بهما. وذلك أن المخاطبين بذلك كان لا شك أنهم أغيثوا وعصروا: أغيث الناس الذين كانوا بناحيتهم وعصروا، وكذلك كانوا إذا أغيث الناس بناحيتهم وعصروا، أغيث المخاطبون وعصروا، فهما متفقتا المعنى، وإن اختلفت الالفاظ بقراءة ذلك. وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل ممن يفسر القرآن برأيه على مذهب كلام العرب يوجه معنى قوله:
[ 305 ]
وفيه يعصرون إلى: وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث، ويزعم أنه من العصر والعصر التي بمعنى المنجاة، من قول أبي زبيد الطائي: صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود أي المقهور، ومن قول لبيد: فبات وأسرى القوم آخر ليلهم وما كان وقافا بغير معصر وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين. وأما القول الذي روى الفرج بن فضالة عن علي بن أبي طلحة، فقول لا معنى له، لانه خلاف المعروف من كلام العرب وخلاف ما يعرف من قول ابن عباس رضي الله عنهما. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم) *. يقول تعالى ذكره: فلما رجع الرسول الذي أرسلوه إلى يوسف، الذي قال: أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون فأخبرهم بتأويل رؤيا الملك عن يوسف، علم الملك حقيقة من أفتاه به من تأويل رؤياه وصحة ذلك، وقال الملك: ائتوني بالذي عبر رؤياي هذه. كالذي:
[ 306 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فخرج نبو من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك حتى أتى الملك، فأخيره بما قال، فلما أخبره بما في نفسه كمثل النهار وعرف أن الذي قال كائن كما قال، قال: ائتوني به. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما أتى الملك رسوله، قال: ائتوني به. وقوله: فلما جاءه الرسول يقول: فلما جاءه رسول الملك يدعوه إلى الملك، قال ارجع إلى ربك يقول: قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن. وأبى أن يخرج من الرسول وإجابة الملك حتى يعرف صحة أمره عندهم مما كانوا قذفوه به من شأن النساء، فقال للرسول: سل الملك ما شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن، والمرأة التي سجنت بسببها كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن والمرأة التي سجنت بسبب أمرها عما كان من ذلك. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما أتى الملك رسوله فأخبره قال ائتوني به فلما أتا الرسول ودعاه إلى الملك أبى يوسف الخروج معه، وقال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن... الآية، قال السدي، قال ابن عباس: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه، ما زالت في نفس العزيز منه حاجة، يقول: هذا الذي راود امرأته. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجل، عن أبي الزناد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): يرحم الله يوسف إن كان ذا أناة، لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إلي لخرجت سريعا، إن كان لحليما ذا أناة. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي (ص): لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الداعي لاجبته، إذ جاءه الرسول فقال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن... الآية.
[ 307 ]
حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني سليمان بن بلاد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، بمثله. حدثنا زكريا بن أبان المقرئ، قال: ثنا سعيد بن تليد، قال: ثنا عبد الرحمن بن القاسم، قال: ثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لاجبت الداعي. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، بمثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص)، وقرأ هذه الآية: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال النبي (ص): لو كنت أنا لاسرعت الاجابة، وما ابتغيت العذر. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن النبي (ص). ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) أنه قرأ: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن.... الآية، فقال النبي (ص): لو بعث إلي لاسرعت في الاجابة وما ابتغيت العذر. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: قال رسول الله (ص): لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم بشئ حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب، ولكنه أراد أن يكون له العذر.
[ 308 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة أراد نبي الله (ص) أن لا يخرج حتى يكون له العذر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن قال: أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن. وقوله: إن ربي بكيدهن عليم يقول: إن الله تعالى ذكره ذو علم بصنيعهن وأفعالهن التي فعلن بي ويفعلن بغيري من الناس، لا يخفي عليه ذلك كله، وهو من وراء جزائهن على ذلك. وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدي إطفير العزيز زوج المرأة التي راودتني عن نفسي ذو علم ببرأتي مما قذفتني به من السوء. القول في تأويل قوله تعالى: * (قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) *. وفي هذا الكلام متروك قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عنه، وهو: فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته، فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز، فقال لهن: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ؟ كالذي: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما جاء الرسول الملك من عند يوسف بما أرسله إليه جميع النسوة وقال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه. ويعني بقوله: ما خطبكن ما كان أمركن، وما كان شأنكن إذ راودتن يوسف عن نفسه، فأجبنه: فقلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء، قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق تقول: الآن تبين الحق وانكشف فظهر، أنا راودته عن نفسه وإن يوسف لمن الصادقين في قوله هي راودتني عن نفسي. وبمثل ما قلنا في معنى: الآن حصحص الحق قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 309 ]
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: الآن حصحص الحق قال: تبين. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: الآن حصحص الحق تبين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: الآن حصحص الحق الآن تبين الحق. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: الآن حصحص الحق قال: تبين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: الآن حصحص الحق قال: تبين. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت راعيل
[ 310 ]
امرأة إطفير العزيز: الآن حصحص الحق: أي الآن بر الحق وتبين، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين فيما كان قال يوسف مما دعت عليه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: قال الملك: ائتوني بهن، فقال: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء. ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنا راودته عن نفسه، ودخل معها البيت وحل سراويله ثم شده بعد ذلك، فلا تدري ما بدا له. فقال امرأة العزيز: الآن حصحص الحق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الآن حصحص الحق تبين. وأصل حصحص: حص ولكن قيل: حصح، كما قيل: فكبكبوا في كبوا، وقيل: كفكف في كف، وذرذر في ذر. وأصل الحال: استئصال الشئ، يقال منه: حص شعره: إذا استأصله جزا. وإنما أريد في هذا الموضع: حصحص الحق: ذهب الباطل والكذب، فانقطع، وتبين الحق فظهر. القو في تأويل قوله تعالى: * (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) *. يعني بقوله: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب هذا الفعل الذي فعلته من ردي رسول الملك إليه، وتركي إجابته والخروج إليه، ومسألتي إياه أن يسأل النسوة اللاتي قطعن أيديهن، عن شأنهن إذ قطعن أيديهن، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته بالغيب: يقول: لم أركب منها فاحشة في حال غيبته عني. وإذا لم يركب ذلك بمغيبه، فهو في حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدا عن ركوبه. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: يقول يوسف: ذلك ليعلم إطفير سيده، أني لم أخنه بالغيب أني لم أكن لاخالفه إلى أهله من حيث لا يعلمه.
[ 311 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب يوسف يقوله. حدثي المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب يوسف يقوله: لم أخن سيدي. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال يوسف يقوله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثو، عن معمر، عن قتادة: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال: هذا قول يوسف. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب يوسف يقوله. حدثي المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب يوسف يقوله: لم أخن سيدي. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال يوسف يقوله. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثو، عن معمر، عن قتادة: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال: هذا قول يوسف. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب هو يوسف يقول، لم أخن املك في الغيب. وقوله: وأن الله لا يهدي كيد الخائنين يقول: فعلت ذلك ليعلم سيدي أني لم أخنه بالغيب، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين: يقول: وأن الله لا يسدد صنيع من خان الامانات، ولا يرشد فعالهم في خيانتهموها. واتصل قوله: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب بقول امرأة العزيز: أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين المعرفة السامعين لمعناه، كاتصال قول الله تعالى: وكذلك يفعلون بقول المرأة: وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وذلك أن قوله: وكذلك يفعلون خبر مبتدإ، وكذلك قول فرعون لاصحابه في سورة الاعراف: فماذا تأمرون وهو متصل بقول الملا: يريد أن يخرجكم من أرضكم. والله أعلم. تم الجزء الثاني عشر من تفسير الامام ابن جرير الطبري ويليه الجزء الثالث عشر وأوله: القول في تأويل قوله تعالى (وما أبرئ نفسي)