لواعج الأشجان
السيد محسن الأمين
[1]
لواعج الاشجان في مقتل الحسين تأليف العلامة المجاهد الكبير الحجة السيد محسن الامين العاملي قدس سره ويليه كتاب اصدق الاخبار في قصة الاخذ بالثار للمؤلف وكتاب النصاريات للشيخ محمد النصار قده
[2]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدالله الذى جعل اعظم الناس بلا الانبياء واوصياءهم ثم الا مثل فالا مثل من سائر طبقات الورى، نحمده تعالى على ما بلى وابلى واخذ واعطى والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله حجح الله على اهل الدنيا، الذين امتحنوا باعظم المصائب فصبروا على ما قدر الله وقضى، وبذلوا انفسهم في سبيل الله واحياء دينه بذل الاسخياء فرفعهم الله بذالك إلى الدرجات العلى، وضاعف الاجر لمن ذكر أو ذكر عنده مصابهم فبكى أو تباكى أو ابكى، وبعد فيقول العبد الجاني المتمسك بالعروة الوثقى من ولاء اهل بيت النبي المجتبى صلى الله عليه وعليهم ما اظلم ليل فدجى، وطلع فجر فاضا، انى جامع في هذا الكتاب المسمى (بلواعج الاشجان) خبر مقتل الامام ابي عبد الله الحسين عليه السلام سيد الشهدا، وخامس اصحاب العبا، وأحد ريحانتي الرسول المصطفى، وشبلي الامام المرتضي، وقرتي عين البتول الزهراء وما يرتبط بذلك من امور شتى، على وجه لا يخل ايجازه عند ذوي النهى، ولا يمل اطنابه من استمع أو تلى، قضاء لحق المودة في
[3]
القربى، وتعرضا لمثوبتة تعالى في الدار الاخرى، وشفاعة رسوله واوليائه في يوم الجزاء، اخذا ذلك من الكتب الموثوق بها والروايات المعتمد عليها بين العلما، ورتبته على مقدمة وثلاثة مقاصد وخاتمة سائلا منه جل وعلا ان يجعله خالصا لوجهة وينفع به طول المدى، ومنه تعالى نستمد التوفيق والهداية والعصمة وهو حسبنا وكفى مقدمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال كل عين باكية الا عين بكت على مصاب الحسين عليه السلام فأنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة وقال الرضا عليه السلام للريان بن شبيب ان سرك ان تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا فلو أن رجلا تولى حجرا حشره الله معه يوم القيامة وقال الحسين عليه السلام ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة الا بوأه الله تعالى بها في الجنة حقبا وقال الصادق عليه السلام كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام وكان علي بن الحسين عليهما السلام يقول ايما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام دمعا حتى تسيل على خده بوأه
[4]
الله بها في الجنة غرفا يسكنها احقابا وايما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى تسيل على خده لاذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله تعالى مبوأ صدق في الجنة " الحديث " وقال الصادق عليه السلام لفضيل تجلسون وتتحدثون قال نعم جعلت فداك قال أن تلك المجالس احبها فأحيوا امرنا يا فضيل رحم الله من احيا امرنا يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت اكثر من زبد البحر وقال عليه السلام لابي عمارة المنشد انشدني في الحسين بن علي قال فأنشدته فبكى ثم انشدته فبكى فوالله ما زلت انشده ويبكى حتى سمعت البكاء من الدار فقال يا ابا عمارة من انشد في الحسين بن علي عليهما السلام فابكى خمسين فله الجنه ومن انشد في الحسين " ع " شعرا فابكى ثلاثين فله الجنه ومن انشد في الحسين " ع " شعرا فابكى عشرين فله الجنة ومن انشد في الحسين " ع " شعرا فأبكى عشرة فله الجنة ومن انشد في الحسين " ع " شعرا فبكى فله الجنة ومن انشد في الحسين (ع) شعرا فتباكى فله الجنة وعن آل الرسول " ص " انهم قالوا من بكى وابكى فينا مائة ضمنا له على الله الجنة ومن بكى وابكى خمسين فله الجنة ومن بكى وابكى ثلاثين فله الجنة ومن بكى وابكى عشرة فله الجنة ومن بكى وابكى واحدا فله الجنة رواه في اللهوف وقال الرضا عليه السلام كان ابي إذا دخل شهر المحرم
[5]
لا يرى ضاحكا وكانت الكأبة تغلب عليه حتى تمضى منه عشرة ايام فأذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبتة وحزنة وبكائه " الحديث " وقال الرضا عليه السلام من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ومن ذكر بمصابنا فبكى وابكى لم تبك عينه يوم تبكى العيون ومن جلس مجلسنا يحيى فيه امرنا لم يمت يوم تموت القلوب وقال الصادق عليه السلام نفس المهموم لضلمنا تسبيح وهمه لنا عباده وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله وقال الحسين عليه السلام انا قتيل العبرة قتلت مكروبا وحقيق على الله ان لا يأتيني مكروب الا ورده الله إلى اهله مسرورا وفي خبر آخر انا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن الا استعبر وقال امير المؤمنين عليه السلام ان الله اطلع إلى الارض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون اموالهم وانفسهم فينا اولئك منا والينا فصل ويستحب ترك السعي في الحوائج يوم عاشورا وترك ادخار شئ والتفرغ للحزن والبكاء كما هي سيرة الشيعة المأخوذة عن اهل البيت عليهم السلام وتدل عليه بعض الاحاديث السابقة واما اتخاذ يوم عاشورا يوم عيد وفرح وسرور فهي سنة اموية وقد اتبعها من
[6]
اتبعها غفلة عن الحال والا فلا يظن بمسلم انه يفرح في يوم قتل ابن بنت نبيه الذى لو كان حيا لكان هو المعزى به وهو الباكى عليه كما بكى عليه في حياته وروى الصدوق في الامالى بسنده عن الرضا عليه السلام قال من ترك السعي في حوائجه يوم عاشورا قضي الله له حوائج الدنيا والاخرة ومن كان عاشورا يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزوجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت بنا في الجنان عينه ومن سمى يوم عاشورا يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيدالله بن زياد وعمر بن سعد إلى اسفل درك من النار فصل ولد الحسين عليه السلام بالمدينة في شعبان يوم الثالث منه وقيل لخمس خلون منه سنة ثلاث وقيل اربع من الهجرة وقيل في اواخر شهر ربيع الاول وقيل لثلاث أو خمس خلون من جمادى الاولى وكانت مدة حمله عليه السلام ستة اشهر ولم يولد لستة اشهر الا عيسى ابن مريم والحسين بن علي قيل ويحيى بن زكريا عليهم السلام فلما ولد هبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله ومعه الف ملك يهنونه بولادته ولما ولد جئ به إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
[7]
فاستبشر به واذن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى وحنكه بريقه وتفل في فمه فلما كان اليوم السابع سماه حسينا وعق عنه بكبش وامر امه ان تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت باخيه الحسن فامتثلت ما امرها به وقال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه ويحمله على كتفه ويقبل شفتيه وثناياه قال ودخل عليه يوما جبرئيل وهو يقبله قال اتجه قال نعم قال ان امتك ستقتله قالت ام الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب رأيت فيما يرى النائم كان عضوا من اعضاء رسول الله صلى الله عليه وآله سقط في بيتى وفي رواية في حجري فقلت يا رسول الله رأيت حلما منكرا قال وما هو قلت انه شديد قال وما هو فقصصته عليه فقال خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فتر ضعينه فولدت فاطمة الحسين عليه السلام فكفلته ام الفضل قالت فأتيت به يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فبينا هو يقبله إذ بال على ثوبه فقرصته قرصة بكى منها فقال كالمغضب مهلا يا ام الفضل آذيتنى و ابكيت ابني فهذا ثوبي يغسل وفي رواية لقد اوجع قلبى ما فعلت به قالت فتركته عند جده ومضيت لاتيه بماء فجئت إليه فوجدته يبكى فقلت مما بكاوءك يا رسول الله فقال ان جبرئيل اتانى فأخبر أن امتى تقبل ولدى هذا لا انا لهم الله شفاعتي يوم القيامة وفي رواية واتاني بتربة من تربته حمراء فلما اتت على الحسين عليه
[8]
السلام سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر ملكا احدهم على صورة الاسد والثانى على صورة الثور والثالث على صورة التنين (1) والرابع على صورة ولد آدم والثمانية الباقون على صور شتى محمرة وجوههم باكية عيونهم قد نشروا اجتحتهم وهم يقولون يا محمد انه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل وسيعطى مثل اجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ولم يبق في السماوات ملك الا ونزل إلى النبي صلى الله عليه وآله كل يقرئه السلام ويعزيه بالحسين عليه السلام ويخبره بثواب ما يعطى ويعرض عليه تربته والنبى صلى الله عليه واله يقول اللهم اخذل من خذله واقتل من قتله ولا تمتعه بما طلبه فلما اتى على الحسين عليه السلام من مولده سنتان خرج النبي صلى الله عليه واله في سفر له فوقت في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال هذا جبرئيل يخبرني عن ارض بشط الفرات يقال لها كربلا يقتل فيها ولدي الحسين ابن فاطمة فقيل ومن يقتله قال رجل يقال له يزيد وكأني انظر إلى مصرعه ومدفنه ثم رجع من سفرة ذلك مهموما مغموما فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسن والحسين بين يديه فلما فرغ من خطته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس (1) التنين كسكيت حية عظيمة " قاموس "
[9]
الحسين عليهما السلام ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم ان محمدا عبدك ورسولك ونبيك وهذان اطائب عترتي وخيار ذريتي وارومتى ومن اخلفها وقد اخبرني جبرئيل ان ولدى هذا مقتول مخذول اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله فضبح الناس بالبكاء في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وآله اتبكون ولا تنصرونه ثم رجع وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة اخرى موجزة وعيناه تهملان دموعا ثم قال ايها الناس اني خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتى ومزاج مائى وثمرتي لن يفترقا حتى يردا على الحوض وانى لا أسألكم في ذلك الا ما امرني أن أسألكم المودة في القربى فانظروا أن لا تلقوني غدا على الحوض وقد ابغضتم عترتي وظلمتموهم الا وأنه سترد على يوم القيامة ثلاث وايات من هذه الامة الاولى راية سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة فتقف علي فأقول من انتم فينسون ذكري ويقولون نحن اهل التوحيد من العرب فاقول لهم انا احمد نبي العرب والعجم فيقولون نحن من امتك يا احمد قاقول لهم كيف خلفتموني من بعدي في اهلي وعترتي وكتاب ربي فيقولون اما الكتاب فضيعناه واما عترتك فحرصنا على ان نبيدهم عن جديد الارض فأولي عنهم وجهى فيصدرون ظماء عطاشى مسودة وجوههم ترد على راية اخرى
[10]
اشد سوادا من الاولى فأقول كيف خلفتموني في الثقلين الاكبر والاصغر كتاب ربي وعترتي فيقولون اما الاكبر فخالفناه واما الاصغر فخذلناه ومزقناهم كل ممزق فاقول اليكم عنى فيصدرون ظماء عطاشى مسودة وجوههم ثم ترد علي راية اخرى تلمع وجوههم نورا فاقول لهم من انتم فيفولون نحن اهل كلمة التوحيد والتقوى نحن امة محمد المصطفى نحن بقية اهل الحق حملنا كتاب ربنا فحللنا حلاله وحرمنا حرامه واحببنا ذرية نبينا محمد صلى الله عليه وآله فنصرناهم من كل ما نصرنا منه انفسنا وقاتلنا معهم من ناواهم فاقول لهم ابشروا فانا نبيكم محمد " ص " ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ثم اسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين وكان الناس يتعاودون ذكر قتل الحسين عليه السلام ويستعظمونه ويترقبون قدومه فصل قال رسول الله صلى الله عليه واله حسين منى وانا من حسين احب الله من احب حسينا وقال " ص " من احب ان ينظر إلى احب اهل الارض إلى اهل السماء فلينظر إلى الحسين " ع " وقال " ص " في الحسن والحسين عليهما السلام هما ريحانتاي من الدنيا وقال " ص " الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنه وقال " ص "
[11]
فيهما هذان ابناى فمن احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضنى وقال " ص " فيهما اللهم اني احبهما فأحبهما وكان النبي صلى الله عليه وآله يصلى فإذا سجد وثب الحسنان عليهما السلام على ظهره فأذا ارادوا ان يمنعوهما اشار إليهم ان دعوهما فلما قضى الصلوة وضعهما في حجره وقال من احبني فليحب هذين وكان " ص " يصلي فكان إذا سجد جاء الحسين " ع " فركب ظهره فإذا رفع النبي " ص " رأسه اخذه فوضعه إلى جانبه فإذا سجد عاد على ظهره فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي " ص " من صلاته وكان " ص " يجثو للحسنين عليهما السلام فيركبان على ظهره ويقول نعم الجمل جملكما ونعم العدلان انتما وحملهما " صلى الله عليه وآله وسلم " مرة على عاتقة فقال رجل نعم الفرس لكما فقال " صلى الله عليه وآله وسلم " ونعم الفارسان هما وسمع (صلى الله عليه وآله وسلم) بكاءهما وهو على المنبر فقام فزعاثم كان قال ايها الناس ما الولد الا فتنة لقد قمت اليهما وما معى عقلي وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب على المنبر فجاء الحسنان (عليه السلام) وعليهما قميصان احمران يمشيان ويعثران فنزل (صلى الله عليه وآله وسلم) من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال انما اموالكم واولادكم فتنة وكان ؟ ؟ ؟ يخطب على المنبر أذ خرج الحسين (عليه السلام) فوطا في ثوبه فسقط فبكى فنزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المنبر فضمه إليه وقال قاتل الله الشيطان ان الولد لفتنة والذى نفسي بيده ما دريت اني نزلت عن منبرى ومر (صلى الله عليه وآله وسلم) على بيت فاطمة (عليهما السلام) فسمع الحسين
[12]
(عليه السلام) يبكى فقال الم تعلمي ان بكاءه يؤذيني وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة وجعل ذريتي من صلب علي بن ابي طالب وكانت الزهراء عليها السلام ترقص الحسن (عليه السلام) وتقول اشبه اباك يا حسن * * * واخلع عن الحق الرسن واعبد آلها ذامنن * * * ولا توال ذا الاحن وقالت للحسين عليه السلام انت شبيه بأبي * * * لست شبيها بعلي وحج الحسنان عليهما السلام ما شيين فلما يمرا برجل راكب الا نزل يمشى فقال بعضهم لسعد قد ثقل علينا المشى ولا نستحسن ان نركب وهذان السيدان يمشيان فرغب اليهما سعد في ان يركبا فقال الحسن (عليه السلام) لا نركب قد جعلنا على انفسنا المشى إلى بيت الله الحرام على اقدامنا ولكننا نتنكب عن الطريق فاخذا جانبا من الناس وحج الحسين (عليه السلام) خمسا وعشرين حجة ما شيا وان النجائب لتقا دمعه واقام بعد وفاة اخيه الحسن عليه السلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا واجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن (عليه السلام) على فخذه النبي والحسين على فخذه اليسرى واجلس عليا وفاطمة عليهما السلام بين يديه ثم لف عليهما كساءه أو ثوبه ثم قرأ انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
[13]
اهل البيت ويطهركم تطهيرا ثم قال هولاء اهل بيتى حقا وكان ابن عباس مع علمه وجلالة قدره يمسك بركاب الحسنين عليهما السلام حتى يركبا ويقول هما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام انا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم ونظر (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحسن والحسين (عليه السلام) فقال من احب هذين واباهما وامهما كان معي في درجتي يوم القيامة وعن تاريخ البلادرى عن محمد بن يزيد المبرد النحوي في اسناد ذكره قال انصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى منزل فاطمة (عليهما السلام) فرآها قائمة خلف بابها فقال ما بال حبيبتي ههنا فقالت ابناك خرجا غدوة وقد غبي علي خبرهما فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقفو آثار هما حتى صار إلى كهف جبل فوجد هما نائمنين وحية مطوقة عند رأسيهما فاخذ حجرا واهوى إليها فقالت السلام عليك يا رسول الله ما نمت عند رأسيهما الا حراسة لهما فدعالها بخير ثم حمل الحسن على كتفه اليمنى والحسين على كتفه اليسرى فنزل جيرئيل فاخذ الحسين وحمله فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن حملني خير اهل الارض ويقول الحسين حملني خير اهل السماء وفي ذلك يقول حسان بن ثابت فجاء وقد ركبا عاتقيه * * * - ه فنعم المطية والراكبان وما غسى ان يقول القائل فيمن جده محمد المصطفى وابوه علي
[14]
المرتضى وامه فاطمة الزهراء وجدته خديجة الكبرى واخوه الحسن المجتبى وعمه جعفر الطيار مع ملائكة السما والبيت من هاشم اهل المكارم والعلى مع ماله في نفسه من الفضائل التى لا تحصى (شعر) اتاه المجد من هنا وهنا وكان له بمجتمع السيول " فصل " دخل الحسين (ع) على اسامة بن يزيد وهو مريض وهو يقول واغماه فقال له الحسين (ع) وما غمك يا اخى قال دينى وهو ستون الف درهم فقال الحسين (ع) هو علي قال اني اخشى ان اموت فقال الحسين (ع) لن تموت حتى اقضيها عنك فقضاها قبل موته وكان (ع) يقول شر خصال الملوك الجبن عن الاعداء والقسوة على الضعفاء والبخل عن الاعطاء ولما اخرج مروان الفرزدق من المدينة اتى الفرزدق الحسين (ع) فاعطاء الحسين (ع) اربعمائه دينار فقيل له انه شاعر فاسق فقال (ع) ان خير مالك ما وقيت به عرضك وقد اثاب رسول الله (ص) كعب بن زهيرو قال في العباس بن مرداس اقطعوا لسانه عني وومد اعرابي إلى المدينة فسأل عن اكرم الناس بها فدل على الحسين (ع) فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بازائه وانشأ يقول لم يخب الان من رجاك ومن * * * حرك من دون بابك الحلقة انت جواد وانت معتمد * * * ابوك قد كان قاتل الفسقه
[15]
لولا الذى كان من اوائكم * * * كانت علينا الجحيم منطبقة فسلم الحسين (ع) وقال يا قنبر هل بقى من مال الحجاز شئ قال نعم اربعة الاف دينار فقال هاتها قد جاء من هو احق بها منا ثم نزع بردته ولف الدنانير فيها واخرج يده من شق الباب حياء من الاعرابي وانشأ خذها فاني اليك معتذر * * * واعلم بأني عليك ذو شفقة لو كان في سير نا الغداة عصا (1) * * * امست سمانا عليك مند فقه لكن ريب الزمان ذو غير * * * والكف مني قليلة النفقه فاخذها الاعرابي وبكى فقال له لعلك استقللت ما اعطيناك قال لا ولكن كيف يأكل التراب جودك وبعضهم يروى ذلك عن الحسن (عليه السلام) ووجد على ظهر الحسين (عليه السلام) يوم الطف اثر فسألوا زين العابدين (عليه السلام) عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الارامل واليتامى والمساكين وعلم عبد الرحمن السلمى (1) في البحار لعل العصا كناية عن الامارة والحكم اي لو كان في سيرنا هذه الغداة ولاية وحكم أو قوة " وفيه " ان ذكر السير والغداة حينئذ لا يبقى له مناسبة ويحتمل ان يراد بالسير واحد السيور التى تقد من الادم فانه إذا كان فيه عصا اي كان مشدودا بطرف عصا صار سوطا قابلا للضرب به فيصح ان تكون كناية عن الحكم والقوة " منه "
[16]
ولدا للحسين (عليه السلام) الحمد فلما قرأها على ابيه اعطاه الف دينار وألف حلة وحشافاه درا فقيل له في ذلك فقال واين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه وانشد الحسين (عليه السلام) إذا جادت الدنيا عليك فجد بها * * * على الناس طرا قبل ان تتفلت فلا الجود يفنيها إذا هي اقبلت * * * ولا البخل يبقيها إذا ما تولت ومر (عليه السلام) بمساكين وهم ياكلون كسر اعلى كساء فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال لولا انه صدقة لا كلت معكم ثم قال قوموا إلى منزلي فاطعمهم وكسا هم وامر لهم بدار هم ودخلت على الحسين (عليه السلام) جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها انت حرة لوجه الله تعالى فقيل له تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها قال كذا ادبنا الله قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها أو ردوها وكان احسن منها عتقها وقال عليه السلام صاحب الحاجة لم يكر م وجهه عن سؤ الك فاكرم وجهك عن رده وجاء اعرابي إلى الحسين بن علي عليهما السلام فقال يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن ادائها فقلت في نفسي اسأل اكرم الناس وما رأيت اكرم من اهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال الحسين (عليه السلام) يا اخا العرب اسألك عن ثلاث مسائل فأن اجبت عن واحدة اعطيتك ثلث المال وان اجبت عن اثنتين اعطيتك ثلثى المال وان اجبت عن الكل اعطيتك الكل فقال الاعرابي يا ابن رسول الله
[17]
امثلك يسأل مثلى وانت من اهل العلم والشرف فقال الحسين (عليه السلام) بلى سمعت جدى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول المعروف بقدر المعروفة فقال الاعرابي سل عما بذالك فأن اجبت والا تعلمت منك ولا قوة الا بالله فقال الحسين (ع) اي الاعمال افضل فقال الاعرابي الايمان بالله فقال الحسين (ع) فما النجاة من المهلكة فقال الاعرابي الثقة بالله فقال الحسين (ع) فما يزين الرجل فقال الاعرابي علم معه حلم فقال فأن اخطاه ذلك فقال مال معه مرؤة فقال فأن اخطأه ذلك فقال فقر معه صبر فقال الحسين (ع) فأن اخطأه ذلك فقال الاعرابي فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فانه اهل لذلك فضحك الحسين (ع) ورمى إليه بصرة فيها الف دينار واعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مأتادرهم وقال يا اعرابي اعط الذهب إلى غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك فاخذ الاعرابي ذلك وقال الله اعلم حيث يجعل رسالته وقيل للحسين (ع) ما اعظم خوفك من ربك فقال لا يأمن يوم القيامة الا من خاف الله في الدنيا وجنى غلام له جناية توجب العقاب فامر بضربه فقال يا مولاى والكاظمين الغيظ قال خلوا عنه فقال يا مولاي والعافين عن الناس قال قد عفوت عنك قال يا مولاي والله يحب المحسنين قال انت حرلوجه الله ولك ضعف ما كنت اعطيك وقيل لعلي بن الحسين عليهما السلام ما اقل ولد ابيك فقال العجب كيف ولدت كان يصلى (لوائج الاشجان) (2) (في مقتل الحسين)
[18]
في اليوم والليلة الف ركعة ذكره صاحب العقد الفريد فصل خطب الحسين عليه السلام فقال ايها الناس نافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه واكسبوا الحمد بالنجخ ولا تكسبوا بالمطل ذما فمهما يكن لاحد عند احد صنيعة له رأى انه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته فأنه اجزل عطاء واعظم اجرا واعلموا ان حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما واعلموا ان المعروف مكسب حمدا ومعقب اجرا فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ولو رأيتم اللوءم رأيتموه سمجا مشوها تنفر منه القلوب وتغض دونه الابصار ايها الناس من جاد ساد ومن بخل رذل وان اجود الناس من اعطي من لا يرجوه وان اعفي الناس من عفا عن قدره وان اوصل الناس من وصل من قطعة والاصول على مغارسها بفروعها تسموفمن تعجل لاخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ومن اراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى اخيه كافاه بها في وقت حاجته وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو اكثر منه. ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والاخرة ومن احسن احسن الله إليه والله يحب المحسنين
[19]
وخطب عليه السلام ايضا فقال ان الحلم زينة والوفاء مروءة والصلة نعمه والاستكبار صاف والعجلة سفه والسفه ضعف والغلو ورطة ومجالسة اهل الدناءة شر ومجالسة اهل الدناءة شر ومجالسة اهل الفسق ريبة ومما ينسب إلى الحسين من الشعر قوله ذهب الذين احبهم * * * وبقيت فيمن لا أحبه فيمن اراه يسبنى * * * ظهر المغيب ولا اسبه يبغى فسادي ما استطا * * * ع وامره مما أربه (1) حنقا يدب إلى الضراء * * * ء وذاك مما لا ادبه ويرى ذباب الشر من * * * حولي يطن ولا يذبه وإذا خبا وغر الصدو * * * رفلا يزال به يشبه افلا يعيج بعقله * * * افلا يثوب إليه لبه افلا يرى أن فعله * * * مما يسور إليه غبه حسبى بربي كافيا * * * ما اختشي والبغي حسبه لقل من يبغى علي * * * - ه فما كفاه الله ربه وقوله عليه السلام إذا ما عضك الدهر * * * فلا تجنح إلى خلق ولا تسأل سوى الله * * * تعالى قاسم الرزق (1) رب الامر واربه اصلحه " منه "
[20]
فلو عشت وطوفت * * * من الغرب إلى الشرق لما صادفت من يقدر * * * ان يسعد أو يشقى وقوله عليه السلام الله يعلم ان ما * * * بيدي يزيد لغيره وبانه لم يكتسب * * * - ه بغيره وبميره (1) لو أنصف النفس الخؤو * * * ن لقصرت من سيرة ولكان ذلك منه اد * * * نى شره من خيره فصل روى الصدوق عليه الرحمة في الامالي بسنده عن الصادق عليه السلام قال كان النبي صلى الله عليه واله في بيت ام سلمة فقال لها لا يدخل على احد فجاء الحسين " ع " وهو طفل فما ملكت معه شيئا حتى دخل على النبي " ص " فدخلت ام سلمة على اثره فإذا الحسين " ع " على صدره وإذا النبي (ص) يبكى وبيده شئ يقلبه فقال النبي (ص) يا ام سلمة هذا جبرئيل يخبرني أن أبني هذا مقتول وهذه التربة التى يقتل عليها فضعيها عندك فأذا صارت دما عبيطا فقد قتل حبيبي فقالت ام (1) يقال غار الرجل اهله غيرا ومنارهم ميرا كلاهما من باب سار إذا اتاهم بالميرة بكسر الميم وهي الطعام فالغير والمير متحدان وزنا ومعنى (منه).
[21]
سلمة يا رسول الله سل الله أن يدفع ذلك عنه قال قد فعلت فأوحى الله عزو جل الي ان له درجة لا ينالها احد من المخلوقين وان له شيعة يشفعون وفيشفعون وأن المهدى من ولده فطوبى لمن كان من اولياء الحسين (ع) وشيعته والله الفائزون يوم القيامة وروي عن ام سلمة رضوان الله عليها انها قالت بينا رسول الله (ص) ذات يوم جالس والحسين (ع) جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت يا رسول الله مالي اراك تبكي جعلت فداك فقال جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين واخبرني أن طائفة من امتى تقتله لا انا لهم الله شفاعتي وعن ام سلمة (رض) ايضا انها قالت خرج رسول الله (ص) من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلا ثم جاءنا وهو اشعث اغبر ويده مضمومة فقلت له يا رسول الله مالي اراك اشعث مغبرا فقال اسرى بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلا فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي واهل بيتى فلم ازل القط دماءهم فها هي في يدي وبسطها الي فقال خذيها واحتفظي بها فاخذتها فأذا هي شبه تراب احمر وفي رواية انه (ص) اعطاها ترابا من تربة الحسين " ع " وحمله إليه جبرئيل (ع) وقال لها إذا صار هذا التراب دما فقد قتل الحسين " ع " قالت ام سلمة فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت به فلما خرج الحسين (ع) من مكة متوجها نحو العراق كنت اخراج تلك
[22]
القارورة في كل يوم وليلة فاشمها وانظر إليها ثم ابكى لمصابة فلما كان اليوم العاشر من المحرم وهو اليوم الذى قتل فيه (ع) أخرجتها في اول النهار وهي بحالها ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط فضججت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة ان يسمع اعداءهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة فلم ازل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقق ما رأيت وعن بعضهم قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعيناه تفيضان فقلت بأبى انت وامي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان اغضبك احد قال لابل كان عندي جبرئيل فأخبرني ان الحسين (ع) يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك ان تشم من تربته قلت نعم فأخذ قبضة من تراب واعطانيها فلم املك عينى ان فاضتا واسم الارض كربلا وروى ان النبي صلى الله عليه وآله كان ذات يوم جالسا وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال لهم كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى فقال له الحسين (ع) أنموت موتا أو نقتل قتلا فقال بل تقتل يا بنى ظلما ويقتل اخوك ظلما وتشرد ذراريكم في الارض فقال الحسين (ع) ومن يقتلنا يا رسول الله قال شرار الناس قال فهل يزورنا بعد قتلنا احد قال نعم يا بني طائفة من امتى يريدون بزيارتكم بري وصلتي فأذا كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف حتى آخذ باعضادهم فاخلصهم من اهواله وقال الصادق عليه السلام
[23]
زيارة الحسين (ع) واجبة على كل من يعتقد ويقر للحسين (ع) بالامامة من الله عزوجل وقال عليه السلام زيارة الحسين (ع) تعدل مائة حجة مبرورة ومائة عمرة وعن النبي صلى الله عليه وآله من زار الحسين (ع) بعد موته فله الجنة والاخبار في ذلك كثيرة المقصد الاول في الامور المتقدمة على القتال لما مات معوية (1) وذلك في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة وتخلف بعده ولده يزيد كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن عتبتة بن ابي سفيان وكان واليا على المدينة مع مولى لمعوية يقال له ابن ابي زريق يأمره بأخذ البيعة على اهلها (2) وخاصة على الحسين(هامش)(1) كان الوالي في ذلك الوقت على المدينة الوليد بن عتبة بن ابي سفيان. وعلى مكه عمر بن سعيد بن العاص المعروف بالاشدق وهومن بنى امية. وعلى الكوفة النعمان بن بشير الانصاري. وعلى البصرة عبيدالله بن زياد " منه " (2) كان معوية حذر يزيد من اربعة الحسين بن علي عليهما السلام وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن ابي بكر ولاسيما من الحسين " ع " وابن الزبير اما ابن الزبير فهرب إلى مكة على طريق الفرع هو واخوه جعفر ليس معهما ثالث وارسل الوليد خلفه احد وثماتين راكبا فلم يدركوه وخرج بعده الحسين " ع " وكان عبد الله بن عمر بمكة ولما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة وولاها عمرو بن سعيد الاشدق فقدمها في رمضان " منه "
[24]
عليه السلام ولا يرخص له في التأخر عن ذلك ويقول ان ابي عليك فاضرب عنقه وابعث الي برأسه فاحضر الوليد مروان بن الحكم واستشاره في امر الحسين " ع " فقال انه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد ليتنى لم اك شيئا مذكورا ثم بعث إلى الحسين " ع " في اليل فاستدعاه فعرف الحسين " ع " الذى اراد فدعا بجماعة من اهل بيته ومواليه وكانوا ثلاثين رجلا وامرهم بجمل السلاح وقال لهم ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن ان يكلفني فيه امرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معي فأذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب فأن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني فصارا الحسين " ع " إلى الوليد فوجد عنده مروان ابن الحكم فنعى إليه الوليد معويه فاستر جع الحسين " ع " ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما امره فيه من اخذ البيعة منه ليزيد فقال الحسين عليه السلام اني اراك لا تقنع ببيعتى سرا حتى ابايعه جهرا فيعرف ذلك الناس فقال له الوليد اجل فقال الحسين " ع " تصبح وترى رأيك في ذلك فقال له الوليد انصرف على اسم الله حتى تأتيناع مع جماعة الناس فقال له مروان والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها ابدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب
[25]
الحسين " ع " عند ذلك وقال ويلي عليك يا ابن الرزقاء (1) انت تأمر بضرب عنقي وفي رواية انت تقتلني ام هو كذبت والله ولو لوءمت ثم اقبل على الوليد فقال ايها الامير انا اهل بيت النبوه ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون اينا احق بالخلافة والبيعة ثم خرج يتهادى بين مواليه وهو يتمثل بقول يزيد بن المفرغ لا ذعرت السوام في غسق (2) الص * * * - بح مغيرا ولا دعيت يزيدا يوم اعطي مخافة الموت (3) ضيما * * * والمنايا يرصدنني ان احيدا حتى اتى منزله وقيل انه انشدهما لما خرج من المسجد الحرام متوجها إلى العراق وقيل غير ذلك فقال مروان للوليد عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه ابدا فقال له الوليد ويحك انك اشرت علي بذهاب ديني ودنياي والله ما احب ان املك الدنيا بأسرها واني قتلت حسينا سبحان الله اقتل حسينا لما أن قال لا ابايع والله ما اظن احدا يلقي الله بدم الحسين الا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه اليوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب اليم فقال مروان فإذا كان (1) هي جدة مروان وكانت مشهورة بالفجور " منه " (2) شفق خ ل فلق خ ل (3) من المهانة خ ل
[26]
هذا رأيك فقد اصبحت فيما صنعت يقول هذا وهو غير حامد له على رأية فاقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين فلما اصبح خرج من منزله يستمع الاخبار فلقيه مروان فقال له يا ابا عبد الله اني لك ناصح فاطعني ترشد فقال الحسين عليه السلام وما ذاك قل حتى اسمع فقال مروان اني امرك ببيعة يزيد بن معوية فانه خير لك في دينك ودنياك فقال الحسين عليه السلام انا لله وانا عليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الامة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه واله يقول الخلافة محرمة على ال ابي سفيان وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان فلما كان اخر نهار السبت بعث الوليد الرجال إلى الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع فقال لهم الحسين (ع) اصبحوا ثم ترون ونرى فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه فخرج في تلك الليلة وقيل في غداتها وهي ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة (1) وقال محمد بن ابي طالب (1) قال ابن نما ان توجهه إلى مكه كان لثلاث مضين من شعبان وستعرف ان وصوله عليه السلام إلى مكة كان بذلك التاريخ ولعله وقع اشتباه بينهما كما ان ابن نما قال ان وصول كتاب يزيد إلى الوليد كان في اول شعبان ومقتضي ما تقدم ان يكون وصوله في اواخر رجب لثلاث أو اربع بقين منه " منه "
[27]
خرج الحسين (ع) من منزلة ذات ليلة واقبل إلى قبر جده صلى الله عليه وآله فقال السلام عليك يا رسول الله انا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك الذى خلفتني في امتك فاشهد عليهم يا نبي الله انهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواى اليك حتى القاك ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا وساجدا فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر ايضا وصلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول اللهم هذا قبر نبيك محمد وانا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الامر ما قد علمت اللهم انى احب المعروف وانكر المنكر وانا اسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه الا اخترت لى ما هو لك رضا ولرسولك رضا ثم جعل يبكى عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فاغفى فإذا هو برسول الله (ص) قد اقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتى ضم الحسين (ع) إلى صدره وقبل بين عينيه وقال حبيبي يا حسين كأنى اراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بارض كرب وبلاء من عصابة من امتى وانت مع ذلك عطشان لا تسقى وظلمان لا تروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا انا لهم الله شفاعتي يوم القيامة حبيبي يا حسين ان أباك وامك واخاك قدموا علي وهم مشتاقون اليك وان لك في الجنان لدرجات لا تنالها الا باشهادة فجعل الحسين (ع)
[28]
في منافه ينظر إلى جده ويقول يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني اليك وادخلني معك في قبرك فقال له رسول الله صلى الله عليه واله لابد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتبت الله لك فيها من الثواب العظيم فأنك واباك واخاك وعمك وعم ابيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنه فانتبه الحسين (ع) من نومه فزعا مرعوبا فقص روءياه على اهل بيته وبنى عبد المطلب فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم اشد غما من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله ولا اكثر باك ولا باكية منهم ولما عزم الحسين عليه السلام على الخروج من المدينة مضى في جوف الليل ألى قبر أمه فودعها ثم مضى إلى قبر اخيه الحسن (ع) ففعل كذلك وخرج معه بنو اخيه واخوته وجل اهل بيته الا محمد بن الحنفيه فأنه لما علم عزمه على الخروج من المدينة لم يدر اين يتوجه فقال له يا اخى انت احب الناس الي واعزهم علي ولست والله ادخر النصيحة لاحد من الخلق وليس احد احق منك لانك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير اهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي لان الله قد شرفك علي وجعلك من سادات اهل الجنه تنح ببيعتك عن يزيد وعن الامصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فأن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله
[29]
على ذلك وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب ومرووء تك ولا فضلك اني اخاف عليك ان تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك واخرى عليك فيقتلون فتكون لاول الاسنة غرضا فإذا خير هذه الامة كلها نفسا وابا واما اضيعها دما واذلها أهلا فقال له الحسين عليه السلام فأين اذهب يا اخي قال تخرج إلى مكة فان اطمأنت بك الدار بها فذاك وان تكن الاخرى خرجت إلى بلاد اليمن فأنهم انصار جدك وابيك وهم ارأف الناس وأرقهم قلوبا واوسع الناس بلادا فأن اطمأنت بك الدار والا لحقت بالرمال وشعف (1) " وشعوب خ ل " الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين فأنك اصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الامر استقبالا فقال الحسين عليه السلام يا اخى والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معوية فقطع محمد بن الحنيفة عليه الكلام وبكي فبكى الحسين عليه السلام معه ساعة ثم قال اخي جزاك الله خيرا فقد نصحت واشفقت وارجو ان يكون رأيك سديدا موفقا وانا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك انا واخوتي وبنو اخى وشيعتي (1) الشعف كغرف والشعاف جمع شعفه كغرفه رأس الجبل " منه "
[30]
امرهم امرى ورأيهم رأيي واما انت يا اخي فلا عليك ان تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عنى شيئا من امورهم ثم دعا الحسين عليه السلام بداوة وبياض وكتب هذه الوصية لا خيه محمد بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اوصى به الحسن بن علي بن ابي طالب إلى اخيه محمد المعروف بابن الحنيفة ان الحسين عليه السلام يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق وان الجنة حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور واني لم اخرج أشر اولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي وابي على بن ابى طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بينى وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين وهذه وصيتى يا اخي اليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمة ثم دفعه إلى اخيه محمد ثم ودعه وخرج من المدينة واقلبت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للناحية لما بلغهن ان الحسين عليه السلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسين " ع " فقال انشد كن الله ان تبدين هذا الامر معصية الله ولرسوله قالت له نساء بني عبد المطلب فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا
[31]
كيوم مات فيه رسول صلى الله عليه وآله وفاطمة والحسن ورقية وزينب وام كلثوم جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الابرار من اهل القبور واقبلت بعض عماته تبكى وتقول اشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك وهم يقولون وان قتيل الطف من آل هاشم * اذل رقابا من قريش فذلت واتته ام سلمة فقالت يا بني لا تحزن بخروجك إلى العراق فاني سمعت جدك (ص) يقول يقتل ولدى الحسين بأرض العراق بأرض يقال لها كربلا فقال لها يا أماه وانا والله اعلم ذلك واني مقتول لا محالة وليس لي من هذا بد واني والله لا عرف اليوم الذى اقتل فيه واعرف من يقتلنى واعرف البقعة التى ادفن فيها واعرف من يقتل من اهل بيتى وقرابتي وشيعتي وان اردت يا اماه اريك حفرتي ومضجعي ثم اشار إلى جهة كربلا فانخفضت الارض حتى اراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده فعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديدا وسلمت امرها إلى الله تعالى فقال لها يا اماه قد شآء الله ان يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا وقد شآء ان يرى حرمى ورهطي ونسائي مشردين واطفالي مذبوحين مأسورين مضللومين مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا وخرج عليه السلام من المدينة في جوف الليل وهو يقرأ فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم
[32]
الظالمين ولزم الطريق الاعظم فقال له اهل بيته لو تنكبت الطريق الاعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال لا والله لا افارقة حتى يقضي الله ما هو قاض فلقيه عبد الله بن مطيع فقال له جعلت فداك اين تريد قال اما الان فمكة واما بعد فأنى استخير الله قال خار الله لك وجعلنا فداك فأذا اتيت مكة فأياك ان تقرب الكوفة فأنها بلدة مشوء ومة بها قتل ابوك وخذل اخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه الزم الحرم فانت سيد العرب لا يعدل بك اهل الحجاز احدا ويتداعى اليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي فو الله لئن هلكت لنسترقن بعدك وكان دخوله عليه السلام إلى مكة يوم (ليلة خ ل) الجمعة لثلا مضين من شعبان فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسه ايام لانه خرج من المديهة لليلتين بقيتا من رجب كما مر ودخلها وهو يقرأو لما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل فاقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدم ثمانى ليال من ذي الحجة واقبل اهل مكة ومن كان بها من المعتمرين واهل الافاق يختلفون إليه وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلي عندها عامة النهاد ويطوف ويأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه اليومين المتواليين وبين كل يومين مرة ولا يزال يشير عليه بالرأي وهو اثقل خلق الله على ابن الزبير لانه قد علم ان اهل
[33]
الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين عليه السلام باقيا في البلد وان الحسين عليه السلام اطوع في الناس منه واجل ولما بلغ اهل الكوفة موت معوية وامتناع الحسين عليه السلام من البيعة ارجفوا بيزيد واجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعى فلما تكاملوا قام سليمان فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته يا معشر الشيعة انكم قد علمتم بان معوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكه هاربا من طواغيت آل ابي سفيان وانتم شيعته وشيعتة ابيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فان كنتم تعلمون ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه وان خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل انفسنا دونه فارسلوا وفدا من قبلهم وعليهم أبو عبد الله الجدلي وكتبوا إليه معهم (بسم الله الرحمن الرحيم) للحسين بن علي عليهما السلام من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة (1) ورفاعة بن شداد البجلى وحبيب بن مضاهر وعبد الله بن وال وشيعته من المؤمنين والمسلمين سلام عليك اما بعد فالحمد الله الذى قصم عدوك وعو ابيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم الذي انتزى على هذه الامة فابتزها امرها وغصبها فيأها وتأمر عليها بغير (1) بالئون والجيم والباء الموحدة المفتوحات (كامل ابن الاثير)
[34]
رضا منها ثم قتل خيارها واستسقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدا له كما بعدت ثمود وانه ليس علنا امام غيرك فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير في قصر الامارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا انك اقبلت اخرجناه حتى يلحق بالشام أن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاتة يا ابن رسول الله وعلى ابيك من قبلك ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وقيل انهم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وال وامروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ثم لبثوا يومين وانفذوا قيس بن مسهر الصيداوي (1) وعبد الرحمن بن عبد الله بن شداد الارحبي وعمارة بن عبد الله السلولى إلى الحسين عليه السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر الف كتاب ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن (1) احد بني صيدا قبيلة من بنى اسد واياهم عنى الشاعر بقوله يا بنى الصيداء ردوا فرسي * انما يفعل هذا بالذليل " منه "
[35]
هاني السبيعى (1) وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل وكتبوا إليه (بسم الله الرحمن الرحيم) للحسين بن علي عليهما السلام من شيعته من المؤمنين والمسلمين اما بعد فحيهلا (2) فان الناس ينتظرونك لا رأى لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل والسلام ثم كتب معهما ايضا شبث (3) بن ربعى وحجاربن ابجر (4) ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر وبن الحجاج الزبيدى ومحمد بن عمير التميمي (اما بعد) فقد اخضر الجناب واينعت اثمار فأذا شئت فاقبل على جند لك مجند والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى ابيك من قبلك وفي رواية ان اهل الكوفة كتبوا إليه ان لك هنا مائة الف سيف فلا تتأخر وتلاقت الرسل كلها عنده فقال الحسين عليه السلام لهاني وسعيد خبر اني من اجتمع علي هذا الكتاب الذى سير إلى معكما فقالا يابن رسول الله شبث بن ربعي وحجار بن ابجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن الحجاج (5) ومحمد بن عمير بن عطارد فعندها قام الحسين عليه السلام فصلى (1) نسبة إلى السبيع بوزن امير أبو بطن من همدان " منه " (2) بمعنى اسرع " منه " (3) بفتح الشين المعجمه والباء الموحدة وآخره ثاء مثلثه " منه " (4) حجار بوزن كتان وابجر بوزن احمر " منه " (5) كل هوءلاء خرج لقتال الحسين عليه السلام وهم من اعيان اهل الكوفة ووجوهها " منه "
[36]
ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ثم كتب هاني ابن هاني وسعيد بن عبد الله (بسم الله الرحمن الرحيم) من الحسين ابن علي إلى الملاء من المؤمنين والمسلمين اما بعد فان هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل اذى اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق والهدى وانا باعث اليكم اخى وابن عمى وثقفتى من اهل بيتى مسلما ابن عقيل فان كتب الي انه قد اجتمع رأى ملا كم وذوى الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرات في كتبكم فاني اقدم اليكم وشيكا (1) ان شاء الله تعالى فلعمري ما الامام الا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك الله والسلام ودعا الحسين عليه السلام مسلما ابن عقيل وقيل انه كتب معه جواب كتبهم فسرحه مع قيس بن مسهر صيداوي وعمارة بن عبد الله السلولى وعبد الرحمن بن عبد الله الازدي امره بالتقوى وكتمان امره والطف فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك فاقبل مسلم رحمة الله حتى اتى إلى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وودع من احب من اهله واستأجر (1) اي قريبا " منه "
[37]
دليلين من قيس فاقبل به يتنكبان الطريق واصابهما عطش شديد فعجزا عن السير فأوما له إلى سنن الطريق بعد ان لاح لهما ذالك فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام من الموضع المعروف بالضيق مع قيس بن مسهر اما بعد فأنى اقبلت من المدينة مع دليلين فحادا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا ان ماتا واقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج الا بحشاشة انفسنا وذلك الماء نمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيرت من توجهي هذا فأن رأيت اعفيتني منه وبعثت غيري والسلا م فكتب إليه الحسين عليه السلام اما بعد فقد خشيت ان لا يكون حملك على الكتاب الي في الاستعفاء من الوجه الذى وجهتك له الا الجبن فامض لوجهك الذى وجهتك فيه والسلام فلما قرأ مسلم الكتاب قال اما هذا فلست اتخوفه على نفسي فاقبل حتى مر بما لطئ فنزل ثم ارتحل عنه فأذا برجل يرمي الصيد فنظر إليه وقد رمى ظبيا حين اشرف له فصرعه فقال مسلم نقتل عدونا ان شاء الله ثم اقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن ابي عبيدة الثقفي وقيل في غيرها واقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون وبايعة الناس حتى بايعة منهم ثمانية عشر الفا وفي رواية اثنا عشر الفا فكتب
[38]
مسلم إلى الحسين عليه السلام كتابا يقول فيه اما بعد فان الرائد لا يكذب اهله وان جميع اهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر الفا (وفي رواية اثنا عشر الفا) فعجل الاقبال حين تقرأ كتابي هذا والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وارسل الكتاب مع عابس بن شبيب الشاكرى وقيس بن مسهر الصيداوي وعن الشعبي انه بايع الحسين عليه السلام اربعون الفا من اهل الكوفة على ان يحاربوا من حارب ويسلموا من سالم وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم حتى علم بمكانه فبلغ النعمان بن بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معوية فأقره يزيد عليها وكان من الصحابة من الانصار وحضر مع معوية حرب صفين وكان من اتباعه (1) فصعد المنبر وخطب الناس وحذرهم الفتنة فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الخضرمى حليف بني اميه فقال له انه لا يصلح ما ترى الا الغشم ان هذا الذى انت عليه رأى المستضعفين فقال له النعمان ان اكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلى من أن أكون من الا عزين في معصية الله ثم تزل فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفه ومبايعة الناس له ويقول ان كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ امرك ويعمل مثل عملك في عدوك فان النعمان بن (1) وقتله اهل حمص في فتنة ابن ازبير وكان واليا عليها " منه "
[39]
بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف وكتب إليه عمارة بن الوليد بن عقبه عمر بن سعد بنحو ذلك فدعى يزيد سرحون مولى معويه واستشاره فيمن يولي على الكوفة وكان يزيد عاتبا على عبيدالله بن زياد وهو يومئذ وال على البصرة وكان معويه قد كتب لابن زياد عهدا بولاية الكوفة ومات قبل انفاذه فقال سرحون ليزيد لو نشر لك معوية ماكنت آخذا برأيه قال بلى قال هذا عهده لعبيدالله على الكوفة فضم يزيد البصره والكوفة إلى عبيدالله وكنب إليه بعهده وسيره مع مسلم بن عمرو الباهلى وكتب إلى عبيدالله معه اما بعد فأنه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني ان ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسرحين تقرأ كتابي هذا حتى تأتى الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيدالله بالبصرة فأمر عبيدالله بالجهاز من وقته والتهيأ والمسير إلى الكوفة من الغد وكان الحسين عليه السلام قد كتب إلى جماعة من اشرف البصرة كتابا مع دراع السدوسى وقيل مع مولى للحسين عليه السلام اسمه سليمان ويكنى ابارزين منهم. الاحنف بن قيس. ويزيد بن مسعود النهشلي. والمنذر ابن الجارود العبدى. يقول فيه اني ادعوكم إلى الله والى نبيه فأن السنة قد اميتت وان البدعة قد احييت فان تجيبوا دعوتي وتطيعوا
[40]
أمرى أهدكم سبيل الرشاد فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظله وبني سعد فلما حضروا قال يا بنى تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم فقالوا بخ بخ انت والله فقره الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا قال فاني قد جمعتكم لامر اريد ان أشاوركم فيه واستعين بكم عليه فقالوا انا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأى فقل حتى نسمع فقال أن معويه مات فاهون به والله هالكا ومفقودا الا وانه قد انكسر باب الجور والاثم وتضعضعت اركان الظلم وقد كان احدث بيعة عقد بها امرا ظن ان قد احكمه وهيهات الذي اراد اجتهد والله ففشل وشاور فخذل وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطئ قدميه فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين افضل من جهاد المشركين وهذا الحسين بن علي بن رسول الله صلى الله عليه واله ذو الشرف الاصيل والراي الاثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو اولى بهذا الامر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته يعطف على الصغير ويحنو على الكبير فاكرم به راعي رعيه وامام قوم وجبت لله به الحجة وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا (1) (1) النسكع التمادي في الباطل " منه "
[41]
في وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله (ص) ونصرته والله لا يقصر احد عن نصرته الا اورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته وها اناذا قد لبست للحرب لامتها وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب فتكلمت بنو حنظله فقالوا يا ابا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا اصبت وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرد الاخضناها ولا تلقى والله شدد الالقيناها ننصرك باسيافنا ونقيك بابداننا إذا شئت فقم وتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا يا ابا خالد ان ابغض الاشياء الينا خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا امرنا (رأيه خ ل) وبقي عزنا فينا فامهلنا نراجع الرأى ونحسن المشورة ونأتيك برأينا وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا ابا خالد نحن بنو ابيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نقطن ان ظعنت والامر اليك فادعنا بخبك ومرنا نطعك والامر لك إذا شئت فقال والله يا بنى سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم ابدا ولا ذال سيفكم فيكم ثم كتب إلى الحسين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فقد وصل الي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الاخذ بحظى من طاعتك والفوز بنصيبتي من نصرتك وان الله لم
[42]
يخل الارض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وانتم حجة الله على خلقه ووديعته في ارضه تفرعتم من زينوته احمديه هو اصلها وانتم فرعها فاقدم سعدت باسعد طائر فقد ذللت لك اعناق بنى تميم وتركتهم اشد تتابعا في طاعتك من الابل الظلماء لو رود الماء يوم خمسها وقد ذللت لك رقاب بنى سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع فلما قرأ الحسين عليه السلام الكتاب قال مالك آمنك الله يوم الخوف واعزك وارواك يوم العطش الاكبر فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه وكتب إليه الاحنف اما بعد فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون واما المنذر بن الجارود فأنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد في عشية الليلة التى يريد ابن زياد ان يذهب في صبيحتها إلى الكوفة لان المنذر خاف ان يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله وكانت بحرية بنت المنذر زوجه عبيد الله فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه ثم انه خطب الناس وتوعدهم على الخلاف وخرج من البصره واستخلف عليها اخاه عثمان وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمر والباهلي
[43]
رسول يزيد وشريك (1) ابن الاعور الحارثى وقيل كان معه خمسمائه فتأخروا عنه رجاء ان يقف عليهم ويسبقة الحسين عليه السلام إلى الكوفة فلم يقف على احد منهم وسار فلما اشرف على الكوفة نزل حتى امسى ودخلها ليلا مما يلى النجف وعليه عمامة سوداء وهو متلثم قال بعضهم انه دخلها من جهة البادية في زي اهل الحجاز ليوهم الناس انه الحسين " ع " والناس قد بلغهم اقبال الحسين " ع " فهم ينتظرونه فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين عليه السلام فقالت أمرأة الله اكبر ابن رسول الله (ص) فتصايح الناس وقالوا انا معك اكثر من اربعين الفا واخذ لا يمر على جماعة من الناس الا سلموا عليه وقالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين (ع) ماساءة وازدحموا عليه حتى اخذوا بذنب دابته فحسر اللثام وقالذ انا عبيد الله فتساقط القوم ووطأ بعضهم بعضا وفي رواية ان عبد الله بن مسلم قال لهم لما كثروا تأخروا هذا الامير عبيدالله بن زياد وسار حتى وافى القصر بالليل ومعه جماعة قد التفوا (1) قال ابن الاثير كان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الامراء وكان شديد التشيع قد شهد صفين اهوله حكاية مع معوية مشهورة حين قال له انت شريك وليس لله شريك وابوه الحارث الاعور الهمداني من خواص اصحاب امير المؤمنين عليه السلام وهو الذى يقول له يا حار همدان من يمت يرنى * من مؤمن أو منافق قبلا " منه "
[44]
به لا يشكون انه الحسين (ع) فاغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصته فناداه بعض من كان مع ابن زياد ليفتح لهم الباب فاطلع عليه النعمان وهو يظنه الحسين (ع) فقال انشدك الله الا تنحيت والله ما انا بمسلم اليك وامانتي ومالي في قتالك من ارب فجعل لا يكلمه ثم انه دني فتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه فقال ابن زياد افتح لا فتحت فقد طال ليلك وسمعها انسان من خلفه فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من اهل الكوفة على انه الحسين فقال يا قوم ابن مرجانه والذي لا آله غيره ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضوا واصبح ابن زياد فنادى في الناس الصلوة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فان امير المؤمنين يزيد ولاني مصركم وثغركم وامرني وفيئكم وامرني بانصاف مظلومكم واعطاء محرومكم والاحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدة على مريببكم وعاصيكم وانا متبع فيكم امره ومنفذفيكم عهده فانا لمحسنكم ومطيعكم كالولد البر وسوطي وسيفي على من ترك امري وخالف عهدي فليتق امروء على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ثم نزل وفي رواية انه قال فابلغوا هذا الرجل الهاشمي (يعنى مسلما بن
[45]
عقيل) ليتقي غضى واخذ العرفاء (1) والناس اخذا شديدا فقال اكتبوا لي الغرباء ومن فيكم طلبه امير المؤمنين (2) ومن فيكم من الحرورية (3) واهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق ثم يجاء بهم لنرى رأينا فمن يجى لنا بهم فبري ومن لم يكتب لنا احدا فليضمن لنا من في عرافته ان لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمه وحلال لنا دمه وماله وايما عريف وجد في عرافته من بغية امير المؤمنين احد لم يرفعه الينا صلب على باب داره والغيت تلك العرافة من العطاء ولما سمع مسلم بن عقيل مجئ عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التى قالها وما اخذ به العرفاء والناس خرج من دار المختار إلى دار هاني بن عروة في جوف الليل ودخل في امانه فاخذت الشيعة تختلف إليه في دار هاني على تستر واستخفاء من عبيد الله وتواصوا بالكتمان والح عبيد الله في طلب مسلم ولا يعلم اين هو وكان شريك بن الاعور الهمداني لما جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد نزل دار هاني فمرض وكان شريك من (1) جمع عريف كامير وهو الرئيس والظاهر انه كان يجعل لكل قوم رئيس من قبل السلطان يطالب بامورهم يسمى العريف كما هو متعارف إلى اليوم وكان يجعل للعرفاء ايضا رؤساء يقال لهم المناكب " منه " (2) اي الشيعة الذين بايعوا مسلما للحسين عليه السلام " منه " (3) قوم من الخوارج كانوا في اول امرهم اجتمعوا بموضع يقال له حروراء فنسبوا إليه " منه "
[46]
مجي امير المؤمنين " ع " وشيعته عظيم المنزله جليل القدر فارسل إليه ابن زياد انه يريد ان يعوده فقال شريك لمسلم ان هذا الفاجر عائدي فادخل بعض الخزائن فإذا جلس اخرج إليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس احد يحول بينك وبينه فأن برئت سرت إلى البصرة حتى اكفيك امرها وعلامتك ان اقول اسقوني ماء ونهاه هاني عن ذلك وكان مسلم شجاعا مقداما جسورا فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله جعل يقول اسقوني ماء فلما رأى ان احدا لا يخرج خشى ان يفوته فاخذ يقول ما الانتظار بسلمى ان تحييها * كاس المنية بالتعجيل اسقوها فتوهم ابن زياد وخرج فلما خرج دخل مسلم والسيف في كفه فقال له شريك ما منعك من قتله قال هممت بالخروج فتعلقت بي امرأة وقالت لي نشدتك الله ان قتلت ابن زياد في دارنا وبكت في وجهي فرميت السيف وجلست فقال هاني يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها والذي فرت منه وقعت فيه وفي رواية انه قال منعني من قتله خصلتان كراهية هاني ان يقتل في داره وحديث ان الايمان قيد الفتك فقال له هاني اما والله لو قتله لقلت فاسقا فاجرا كافرا ولما خفي على ابن زياد حديث مسلم دعى مولى له يقال له معقل فاعطاه ثلاثه الاف أو اربعة الاف درهم وامره بحسن التوصل إلى اصحاب مسلم وان
[47]
يدفع إليهم المال ويقول لهم استعينوا به على حرب عدوكم ويعلمهم انه من اهل حمص ويظهر لهم انه منهم وقال له انك لو قد اعطيتهم المال اطمأنوا اليك ووثقوا بك فتردد إليهم حتى تعرف مقر مسلم وتدخل عليه فجاء معقل حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الاسدي في المسجد الاعظم وهو يصلى فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسين (ع) فقال له معقل اني امروء من اهل الشام انعم الله على بحب اهل هذا البيت ومن احبهم وتباكى له وقال معي ثلاثة آلاف درهم اردت بها لقاء رجل منهم بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فاغتر ابن عوسجة بذلك فاخذ بيعة واخذ عليه المواثيق المغلظة لينا صحن وليكتمن ثم ادخله على مسلم فاخذ بيعة وامر أبا تمامة الصآئدى بقبض المال منه وهو الذي كان يقبض اموالهم وما يعين به بعضهم بعضا ويشترى لهم به السلاح وكان بصير أو فارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة واقبل معقل يختلف إليهم فهو اول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد فكان يخبره وقتا وقتا وبلغ الذين بايعوا مسلما خمسة وعشرين الف رجل فعزم على الخروج فقال هاني لا تعجل وخاف هاني عبيدالله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض فسأل عنه ابن زياد فقيل هو مريض فقال عن علمت بمرضه لعدته ودعا محمد بن الاشعث واسماء بن خارجه وعمروبن الحجاج الزبيدى
[48]
وكانت رويحة بنت عمرو هذا تحت هاني فقال لهم ما يمنع هاني من اتياننا ما ندري وقد قيل انه مريض قال قد بلغني ذلك بلغني انه برئ وانه يجلس على باب داره قالقوه ومروه ان لا يدع ما عليه من حقنا فاني لا احب ان يفسد عندي مثله من اشراف العرب فأتوه ووقفوا عشية على بابه فقالوا له ما يمنعك من لقاء الامير فأنه قد ذكرك وقال لو اعلم انه مريض لعدته فقال لهم المرض يمنعني فقالوا انه قد بلغه انك تجلس كل عشية على باب دارك وقد استبطأك والابطاء والجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك لانك سيد في قومك ونحن نقسم عليك الا ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببلغته فركبها حتى إذا دنى من القصر كأن نفسه احست ببعض الذى كان فقال لحسان بن اسماء بن خارجه يا ابن الاخ انى والله لهذا الرجل لخائف فما ترى قال يا عم والله ما اتخوف عليك شيئا ولم تجعل على نفسك سبيلا ولم يكن حسان يعلم مما كان محمد بن الاشعث عالما به فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا على عبيدالله فلما طلع قال عبيدالله لشريح القاضى وكان جالسا عنده اتتك بخائن رجلاه تسعى * يقود النفس منها للهوان فلما دنى من ابن زياد التفت إلى شريح واشار إلى هاني وانشد بيت عمرو بن معد يكرب الزبيري
[49]
أريد حياته (حباء ه خ ل) ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد وكان اول ما قدم مكر ماله ملطفا به فقال له هاني وما ذاك ايها الامير قال ايه يا هاني ما هذه الامور التي تربص في دارك لامير المؤمنين وعامة المسلمين جئت بمسلم ابن عقيل فادخلته دارك وجمعت له المجموع والسلاح في الدور حولك وظننت ان ذلك يخفي علي قال ما فعلت ذلك وما مسلم عندي قال بلى قد فعلت فلما كثر ذلك بينهما وابى هاني الا مجاحدته ومنا كرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فقال اتعرف هذا قال نعم وعلم هاني عند ذلك انه كان عينا عليهم وانه قد اتاه باخبارهم فسقط في يده (1) ساعة ثم راجعته نفسه فقال اسمع مني وصدق مقالتي فوالله ما كذبت والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشئ من أمره حتى جاءني يسألنى النزول فاستحييت من رده وداخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته وقد كان من امره ما قد بلغك فأن شئت اعطيتك الان موثقا تطمئن به ورهينة تكون في يدك حتى انطلق واخرجه من دارى فاخرج من ذمامه وجواره فقال له ابن زياد والله لا تفارقني ابدا حتى تأتيني به قال لا والله لا اجيئك به ابدا اجيئك بضيفي تقتله قال والله لتأتينى به قال والله لاآتيك به فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلى وليس بالكوفة (1) اي بهت وتحير ولا يكون الامبنيا للمفعول (منه)
[50]
شامي ولا بصري غيره فقال اصلح الله الامير خلني واياه حتى اكمله فقام فخلى به ناحية فقال له يا هاني انشدك الله ان تقتل نفسك وان تدخل البلاء في عشيرتك فوالله اني لانفس بك عن القتل ان هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه إليهم فانه ليس عليك بذلك مخواة ولا منقصة انما تدفعه إلى السلطان فقال هاني والله ان علي في ذلك الخزي والعار ان ادفع جاري وضيفي وانا صحيح اسمع وارى شديد الساعدين كثير الاعوان والله لو لم اكن الا واحد اليس لي ناصر لم افعه حتى اموت دونه فاخذ يناشده وهو يقول والله لاادفعه ابدا فسمع ابن زياد ذلك فقال ادنوه مني فادنوه منه فقال والله لتأتيني به أو لاضربن عنقك فقال هاني إذا والله لتكثر البارقة حول دارك فقال ابن زياد والهفاه عليك ابا البارقة تخوفني وهاني يظن ان عشيرته سيمنونه ثم قال ادنوه مني فادني منه فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به انفه وجبينه وخده حتى كسر انفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الشرطي ومنعه فقال عبيدالله احروري (1) سائر اليوم قد حل دمك جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار واغلقوا (1) الحروري الخارجي نسبة إلى الحرورية وتقدم تفسيرهم " منه ".
[51]
عليه بابه فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه اسماء بن خارجة وقيل حسان بن اسماء فقال ارسل غدر سائر اليوم أمرتنا ان نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت انفه ووجهه وسيلت ذمآءه على لحيته وزعمت انك تقتله فقال له عبيد الله وانك لههنا فامر به فضرب واجلس ناحية فقال انا لله وانا إليه راجعون إلى نفسي انعاك يا هاني فقال محمد بن الاشعث قد رضينا بما رأى الامير لنا كان ام علينا انما الامير مؤدب وفي رواية ان ابن زياد قال لهاني لما دخل عليه يا هاني اما تعلم ان ابي قدم هذا البلد فلم يترك احدا من هذه الشيعة الاقتله غير ابيك وغير حجر وكان من حجر ما قد علمت ثم لم يزل يحسن صحبتك ثم كتب إلى امير الكوفة ان حاجتي قبلك هاني قال نعم قال فكان جزائي ان خبأت في بيتك رجلا يقتلني قال ما فعلت فعند ذلك اخرج الذي كان عينا عليهم وبلغ عمرو بن الحجاج ان هانيا قد قتل فاقبل في مذحج حتى احاط بالقصر ومعه جمع عظيم ثم نادي وقال انا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم تفارق جماعة وقد بلغهم ان صاحبهم قد قتل فاعظموا ذلك فقيل لابن زياد هذه فرسان مذحج بالباب فقال لشريح القاضي ادخل على صاحبكم فانظر إليه ثم اخرج واعلمهم انه حي لم يقتل فدخل شريح فنظر إليه فقال هاني لما رأي شريحا يا لله يا للمسلمين اهلكت عشيرتي
[52]
ابن اهل المصر والدماء تسيل على لحيته إذ سمع الصيحة على باب القصر فقال اني لاظنها اصوات مذحج وشيعتي من المسلمين انه أن دخل علي عشرة نفر انفذوني فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم فقال لهم ان الامير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم امرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني ان القاكم واعرفكم انه حي وان الذي يلغكم من قتله باطل فقال له عمرو بن الحجاج واصحابه اما إذا لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا ولما ضرب عبيدالله هانئا وحبسه خاف ان يثب به الناس فخرج فصعد المنبر ومعه اشراف الناس وشرطه وحشمه فخطب خطبة موجزة وحذر الناس وهددهم فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون ويقولون قد جاء ابن عقيل فدخل عبيدالله القصر مسرعا واغلق ابوابه قال عبد الله ابن حازم انا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لانظر ما فعل هاني فلما ضرب وحبس ركبت فرسي فكنت اول داخل الدار على مسلم ابن عقيل بالخبر فإذا نسوة من مراد مجتمعات ينادين يا عبر تاه يا ثكلاه فدخلت على مسلم فاخبرته الخبر فأمرني ان انادي في اصحابه وقد ملابهم الدور حوله وكانوا فيها اربعة آلاف رجل فقال لمناديه ناد يا منصور امت وكان ذلك شعارهم فنادي فتنادى اهل الكوفة واجتمعوا عليه فاجتمع إليه اربعة آلاف فعقد لعبد الله بن عزيز
[53]
الكندي على ربع كنده وربيعة * وقال سر أمامي في الخيل وعقد لمسلم بن عوسجة الاسدي على ربع مذحج واسد وقال انزل في الرجال وعقد لابي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة وعبأ ميمنته وميسرته ووقف هو في القلب واقبل نحو القصر وتداعي الناس واجتمعوا فما لبثنا الاقليلا حتى امتلا المسجد من الناس والسوق وما زالوا يتوثبون حتى المساء وبعث عبيد الله إلى وجوه اهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر واحاط مسلم بالقصر فضاق بعبيد الله امره وكان اكثر عمله ان يمسك باب القصر وليس معه الا ثلثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من اشراف الناس واهل بيته وخاصته واقبل من نأى عنه من اشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون على اصحاب مسلم فينظرون إليهم واصحاب مسلم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيدالله وعلى امه وابيه فدعا ابن زياد كثير بن شهاب واسره ان يخرج فيمن اطاعه من مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان وامر محمد بن الاشعث ان يخرج فيمن اطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية امان لمن جاء من الناس وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي التميمي
[54]
وحجار بن ابجر السلمي (العجلي خ ل) وشمر بن ذي الجوشن العامري (الضبابي خ ل) وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم وخرج محمد بن الاشعث حتى وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الاشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني فلما رأى ابن الاشعث كثرة من اتاء تأخر عن مكانه وجعل محمد بن الاشعث وكثير بن شهاب والقعقاع وشبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم للسلطان حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين فقال له كثير اصلح الله الامير معك في القصر ناس كثير فاخرج بنا إليهم فأبي عبيدالله وعقد شبث بن ربعي لواء فاخرجه وقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وامرهم شديد فأمر عبيد الله من عنده من الاشراف أن يشرفوا على الناس فيمنوا اهل الطاعة الزيادة والكرامة ويخوفا اهل المعصية الحرمان والعقوبة ويعلموهم وصول الجند من الشام إليهم وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس ان تغرب فقال ايها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعضوا النفسكم للقتل فأن هذه جنود امير المؤمنين يزيد قد اقبلت وقد اعطى الله الامير عهدا لئن اقمتم على حربه ولم
[55]
تنصرفوا من عشيتكم ان يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام وان يأخذ البرئ منكم بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له بقية من اهل المعصية الا اذاقها وبال ما جنت ايديها وتكلم الاشراف بنحو من ذلك فلما سمع الناس مقالتهم اخذوا يتفرقون وكان المرأة تأتي ابنها واخاها فتقول انصرف الناس يكفونك ويجئ الرجل إلى ابنه واخيه ويقول غدا يأتيك اهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى امسى اين عقيل في خمسمائة فلها اختلط الظلام جعلوا يتفرقون فصلى المغرب وما معه الا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأى انه قد امسى وليس معه الا اولئك النفر خرج متوجها إلى ابواب كنده فلم يبلغ الابواب الا ومعه عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه انسان فالتفت فإذا هو لا يحس احدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضى على وجهه متحيرا في ازقة الكوفة لا يدري اين يذهب حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة فمضى حتى اتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة ام ولد كانت للاشعث بن قيس فاعتقها وتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له فلالا وكان بلال قد خرج مع الناس وامه قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام وطلب منها ماء فسقته وجلس ودخلت
[56]
ثم خرجت فقالت يا عبد الله الم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى اهلك فسكت ثم اعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت في الثالثة سبحان الله يا عبيدالله قم عافاك الله إلى اهلك فأنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا احله لك فقام وقال يا أمة الله مالي في هذا المصر اهل ولا عشيرة فهل لك في اجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم قالت يا عبد الله وما ذاك قال انا مسلم بن قيل كذبني هآولاء القوم وغروني واخرجوني قالت انت مسلم قال نعم قالت ادخل فدخل إلى بيت في دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ولم يكن باسرع من ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه فقال لها والله انه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ان لك لشأنا قالت له يا بني اله عن هذا قال والله لتخبريني قالت له اقبل على شأنك ولا تسألني عن شئ فالح عليها فقالت يا بني لا تخبرن احدا من الناس بشئ مما اخبرك به قال نعم فاخذت عليه الايمان فخلف لها فاخبرته فاضطجع وسكت ولما تفرق الناس عن مسلم طال الامر على ابن زياد وجعل لا يسمع لاصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع اولا فقال لاصحابه اشرفوا فانظروا هل ترون منهم احدا فاشرفوا فلم يجدوا احدا قال
[57]
فانظروا هم لعلهم تحت الظلال (1) قد كمنوا لكم فنزعوا الاخشاب من سقف المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في ايديهم وينظرون وكانت احيانا تضيئ لهم وتارة لا تضيئ كما يريدون فدلوا القناديل واطنان القصب تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلي حتى تنتهي إلى الارض ففعلوا ذلك في اقصى الظلال وادناها واوسطها فلا يرون احدا حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر فلما لم يروا شيئا اعلموا ابن زياد بتفرق القوم ففتح باب السده (2) التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج اصحابه معه وامرهم فجلسوا قبيل العتمة (3) وامر عمر بن نافع فنادي الا برئت الذمة من رجل من الشرط (4) أو العرفاء (5) والمناكب (6) أو المقاتلة صلى العتمة الا في المسجد فلم
[58]
يكن الا ساعة حتى امتلاء المسجد من الناس ثم امر مناديه فاقام الصلوة واقام الحرس خلفه وامرهم بحراسته من ان يدخل إليه من يغتاله وصلى بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فان ابن عقيل السفيه الجاهل قدا تى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله دينه اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على انفسكم سبيلا يا حصين بن نمير وهو صاحب شرطته ثكلتك امك ان ضاع باب من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به وقد سلطتك على دور اهل الكوفة فابعث مراصد على اهل الكوفة ودورهم واصبح غدا واسبرأ الدور وحبس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ثم دخل القصر وقد عقد لعمر وبن حريث راية وامره على الناس فلما اصبح جلس مجلسه واذن للناس فدخلوا عليه واقبل محمد بن الاشعث فقال مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ثم اقعده إلى جنبه واصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث فاخبره بمكان مسلم ابن عقيل من امه فاقبل عبد الرحمن حتى اتى اباه وهو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد في جنبه بالقضيب قم فأتني به الساعه فقام وبعث معه قومه لانه علم ان كل قوم يكروهون ان
[59]
يصاب فيهم مثل مسلم فبعث معه عبيد الله (1) بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى اتوا الدار التي فيها مسلم فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل واصوات الرجال علم انه قداتي فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى اخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فأخرجهم مرارا وقتل منهم جماعة واختلف هو وبكر بن حمران الاحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا واسرع السيف في السفلى وفصلت لها ثنيتاه وضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه باخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه فلما رأوا ذلك اشرفوا عليه من فوق البيت واخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في اطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا سيفه في السكة فقال محمد بن الاشعث لك الامان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن اقست لا اقتل الاحرا * وان رأيت الموت شيئا نكرا اخاف ان اكذب أو اغرا * أو أخلط البارد سخنا مرا
[60]
رد شعاع الشمس فاستقرا * كل امرى يوما ملاقي شرا اضربكم ولا اخاف ضرا فقال له محمد بن الاشعث انك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع ان القوم بنو عملك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك وكان قد اثخن بالحجارة وعجر عن القتال فاسند ظهره إلى جنب تلك الدار فاعاد ابن الاشعث عليه القول لك الامان فقال آمن انا قال نعم فقال للقوم الذين معه إلى الامان قال القوم له نعم الا عبيد الله بن العباس السلمي فانه قال لا ناقة لي في هذا ولاجمل وتنحى فقال مسلم اما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في ايديكم وفي رواية انه لم سمع وقع حوافر الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحاربهم حتى قتل منهم جماعة وفي رواية احد واربعين رجلا فنادي إليه ابن الاشعث لك الامان فقال واي امان للغدرة الفجرة واقبل يقاتلهم ويرتجز بالابيات المتقدمة فنادوا إليه انك لا تكذب ولا تغر فلم يلتفت إلى ذلك وتكاثروا عليه بعد ان اثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الارض فاخذ أسيرا قال الراوي فاتي ببغله فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه وكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال هذا اول الغدر فقال له محمد بن الاشعث ارجو ان لا يكون عليك بأس قال وما هو الا الرجاء اين امانكم انا الله وانا إليه راجعون وبكي فقال
[61]
له عبيد الله بن العباس ان من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل ما نزل بك لم يبك فقال والله ما لنفسي بكيت ولالها من القتل ارثي وان كنت لم احب لها طرفة عين تلفا ولكني ابكي لاهلي المقبلين إلى ابكي لحسين وآل حسين ثم اقبل على محمد بن الاشعث فقال يا عبد الله اني اراك والله ستعجز عن اماني فهل عندك خير تستطيع ان تبعث من عندك رجلا على لساني ان يبلغ حسينا فأني لا اراه الا وقد خرج اليوم أو هو خارج غدا واهل بيته ويقول له ان ابن عقيل بعثني اليك وهو اسير في ايدي القوم لا يرى انه يمسي حتى يقتل وهو يقول لك ارجع فداك ابي وامي باهل بيتك ولا يغررك اهل الكوفة فانهم اصحاب ابيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل ان اهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي فقال ابن الاشعث والله لافعلن ولا علمن ابن زياد اني قد امنتك وأقبل ابن الاشعث بابن عقيل إلى باب القصر واستأذن ودخل على ابن زياد فاخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر إياه وما كان من امانه فقال له عبيدالله وما انت والامان كأنه ارسلناك لتؤمنه انما ارسلناك لتأتينا به فسكت وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد اشتد به العطش وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن فيهم عمارة بن عقبة بن ابي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو
[62]
الباهلي (1) وكثير بن شهاب وإذا قلة (2) فيها ماء بارد موضوعة على الباب فقال مسلم اسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو بن اتراها ما ابردها لا والله لاتذوق منها قطرة ابدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم فقال له مسلم ويلك من انت فقال انا الذي عرف الحق إذا أنكرته ونصح لامامه إذ غششته واطاعه إذ خالفته انا مسلم بن عمرو الباهلي فقال له ابن عقيل لامك الثكل ما الجفاك وافظك واقسى قلبك انت يا ابن باهلة اولى بالحميم والخلود في نار جهنم منى ثم جلس نتساند إلى الحائط وبعث عمرو بن حريث وقيل عمارة بن عقبة غلا ماله فاتاه بقلة عليها مهنديل قدح وفصب فيه ماء فقال له اشرب فاخذ كلما شرب امتلا القدح دما من فمه فلا يقدر ان يشرب ففعل ذلك مرة أو مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح فقال الحمد لله لو كان لى من الرزق المقسوم لشربته وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة يرثى بها مسلما رضى الله عنه يا مسلم بن عقيل لا اغلب ثرى * ضريحك المن هطالا وهتانا بذلت نفسك في مرضاة خالقها * حتى قضيت بسيف البغي ظمآنا كأنما نفسك اختارت لها عطشا * لما درت ان سيقضى السبط عطاشا فلم تطق ان تسيغ الماء عن ظلما * من ضربة ساقها بكر بن حمرانا (1) هو والد قتيبه بن مسلم امير خراسان المشهور " منه ". (2) اي جره " منه ".
[63]
وخرج رسول ابن زياد فامر بادخاله إليه فلما دخل مسلم لم يسلم عليه بالامرة فقال له الحرسي الا تسلم على الامير فقال ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه وان كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن قال فدعني اوصي إلى بعض قومي قال افعل فنظر مسلم إلى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد فقال يا عمر ان بيني وبينك قرابة ولي اليك حاجة وهي سرفامتنع عمران يسمع منه فقال له ابن زياد ولم تمتنع ان تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس بحيث ينظر اليهما ابن زياد فقال له ان علي بالكوفة دينا سبعمائة درهم فبع سيفي ودرعي فاقضها عني وإذا قتلت فاستوهب چثتي من ابن زياد فوارها وابعث إلى الحسين عليه السلام من يريده فأني قد كتبت إليه اعلمه ان الناس معه ولا اراه الا مقبلا فقال عمر لابن زياد اتدري ايها الامير ما قال لي انه ذكر كذا وكذا فقال ابن زياد لا يخونك الامين ولكن قد يؤتمن الخائن اما ماله فهو لو ولسنا نمنعك ان تصنع به ما احب واما جثته فأنا لن نشفعك فيها وفي رواية فانا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها واما حسين فأنه ان لم يردنا لم نرده وفي رواية انه حين دخل قال له الحرسي سلم على الامير فقال اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير، فقال ابن زياد لا عليك سلمت ام لم تسلم فأنك مقتول، فقال
[64]
له مسلم ان قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني. فقال له ابن زياد قتلني الله ان لم اقتلك قتلة لم يقتلها احد في الاسلام. فقال له مسلم اما انك احق من الحدث في الاسلام ما لم يكن وانك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولوءم الغلبة لاحد اولى بها منك. فقال ابن زياد يا عاق يا شاق خرجت على امامك وشققت عصى المسلمين والقحت الفتنة. فقال مسلم كذبت انما شق عصا المسلمين معوية وابنه يزيد واما الفتنة فانما القحتها انت وابوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف وانا ارجو ان يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته. فقال له ابن زياد منتك نفسك امرا حال الله دونه وجعله لاهله، فقال له مسلم ومن اهله يا ابن مرجانه إذا لم نكن نحن اهله، فقال ابن زياد اهله امير المؤمنين يزيد. فقال مسلم الحمد لله على كل حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. فقال له ابن زياد اتظن ان لك في الامر شيئا فقال له مسلم والله ما هو الظن ولكنه اليقين وقال له ابن زياد ايه ابن عقيل اتيت الناس وهم جميع وامرهم ملتئم فشتت امرهم بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض. قال كلا لست لذلك اتيت ولكنكم اظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضي منهم وحملتموهم على غير ما امركم الله به وعملتم فيهم باعمال كسرى وقيصر فاتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف
[65]
وننهى عنى المنكر وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة وكنا اهل ذلك، فقال له ابن زياد وما انت وذاك يا فاسق لم لم تعمل بذلك إذ انت بالمدينة تشرب الخمر، قال مسلم انا اشرب الخمر اما والله ان الله ليعلم انك تعلم انك غير صادق وان احق بشرب الخمر مني واولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ويسفك الدم الذي حرم الله على الغضب والعداوة وسوء الظن وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا، فاقبل ابن زياد يشتمه ويشتم عليا والحسن والحسين وعقيلا واخذ مسلم لا يكلمه " وفي رواية " انه قال له انت وابوك احق بالشتيمة فاقض ما انت قاض يا عدو الله (ثم) قال ابن زياد اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده فقال مسلم والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني (1) فقال ابن زياد اين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعي بكر بن حمران فقال له اصعد فلتكن انت الذي تضرب عنقه فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله ويسبحه ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا فضرب عنقه واتبع رأسه جثته ونزل بكر الذي قتله مذعورا فقال له ابن زياد ما شأنك فقال ايها الامير رأيت ساعة قتله رجلا اسود شنيئ (1) قيل انه يشير إلى انه كابيه دعيان وليسا من قريش " منه "
[66]
الوجه حذائي عاضا على اصبعه أو قال على شفته ففزعت منه فزعا لم افزعه قط فقال ابن زياد لعلك دهشت (فقام) محمد بن الاشعث إلى عبيدالله ابن زياد فكلمه في هاني بن عروة فقال انك قد عرفت منزلة هاني في المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه اني وصاحبي سقناه اليك وانشدك الله لما وهبته لي فأني اكره عداوة المصر واهله فوعده ان يفعل ثم بداله وامر بهاني في الحال وقال اخرجوه إلى السوق فاضربوا عنته فاخرج هاني حتى اتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوب فجعل يقول وامذ حجاه ولا مذحج لي اليوم يا مذحجاه يا مذحجاه اين مذحج فلما رأي ان احدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال اما من عصى أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز بها رجل عن نفسه ووثبوا إليه فشدوه وثاقاثم قيل له امدد عنقك فقال ما انا بها سخي وما انا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال له هاني إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه اخرى فقتله وبصر عبد الرحمن بن الحصين المرادي بعد ذلك بقاتل هاني فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله واخذ بثار هاني " وفي " مسلم وهاني رحمهما الله تعالى يقول عبد الله بن الزبير (1) الاسدي ويقال انها للفرزدق بفتح الزاي وليس للعرب زبير بفتح الزاي غيره " منه "
[67]
وقيل انها لسليمان فأن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل إلى بطل قد هشيم السيف وجهه * وآخر يهوي من طمار (1) قتيل اصابهما فرخ البغي (2) فأصبحا * احاديث من يسري بكل سبيل تري جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل فتى كان احيى من فتاة حيية * واقطع من ذي شفرتين صقيل ايركب اسماء (3) الهما ليج (4) آمنا * وقد طلبته مذحج بذحول تطوف (5) حواليه (6) مرادوكلهم * على رقبة (7) من سائل ومسول فأن انتم لم تثأروا (8) بأخيكم * فكونوا بغايا (9) ارضيت بقليل (1) الطمار بفتح الطاء وكسرها المكان المرتفع " منه " (2) هو ابن زياد لان امه مرجانه وجدته سميه كانتا كذلك وفي نسخة امر اللعين " منه " (3) هو اسماء بن خارجة احد الثلاثة الذين ذهبوا بهاني الي ابن زياد " منه " (4) جمع هملاج وهو نوع من البر اذين " منه " (5) مضارع طاف وفي نسخة تطيف مضارع أطاف " منه " (6) اي حوالي هاني وهو اشارة إلى اجتماعهم حول القصر لتخليص هاني وفي نسخة حفافيه جمع حفاف وهو الجانب " منه " (7) الرقبة بالفتح الارتقاب والانتظار وبالكسر التحفظ اي كلهم مرتقب منتظر لتخليصه أو متحفظ مستعد للقتال وبعضهم يسأل بعظا عن حاله وشأنه " منه " (8) اي تطلبوا بثاره والخطاب لمذحج " منه " (9) اي زواني وفي نسخة ايامي " منه "
[68]
" وقال آخر " يخاطب محمد بن الاشعث وتركت عمك لم تقاتل دونه * فشلا ولو لا انت كان منيعا وقتلت وافد حزب آل محمد * وسلبت اسيافا له ودروعا وكان ابن زياد لما حوصر في لاقصر اتي برجل يسمى عبد الاعلى الكلبي كان قد خرج لنصرة مسلم بن عقيل فاخذه كير بن شهاب وبعث به إلى ابن زياد فقال لابن زياد انما اردتك فامر به فحبس واتي برجل آخر يقال له عمارة الازدي كان خرج ايضا لنصرة مسلم بن عقيل فحبسه ابن زياد ايضا فلما قتل مسلم وهانئ دعا ابن زياد بعبد الاعلى فقال له خرجت لانظر ما يصنع الناس فاخذني كثير بن شهاب فطلب منه ابن زياد ان يحلف على ذلك بالايمان المغلظة فلم يحلف فامر ابن زياد ان يذهبوا به إلى جبانة السبيع ويضربوا عنقه فانطلقوا به إليها وقتلوه وامر بعمارة الازدي ان يذهبوا به إلى قومه فضربت عنقه فيهم " وكان " خروج مسلم في الكوفة يوم الثلاثا لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية وقتله يوم الاربعاء يوم عرفة لتسع خلون منه على رواية المفيد، وفي رواية " ان قتله كان يوم التروية " وامر " ابن زياد بجثة مسلم وهاني فصلبتا بالكناسة وبعث برأسيهما إلى يزيد بن معوية مع الزبير بن الا روح التميمي وهاني بن ابي حية الوداعي واخبره بامرهما " وكان " رأس مسلم اول رأس حمل من روءوس بني هاشم وجثته
[69]
اول جثة صلبت " فاعاد " يزيد الجواب إليه يشكره على فعله وسطوته ويقول له قد بلغني ان حسينا قد سار إلى الكوفة وقد ابتلي به زمانك من بين الازمان وبلدك من بين البلدان وابتليت به من بين العمال وعندها تعتق أو تعود عبدا فظع المناظر والمسالح واحبس على الظنة وخذ على التهمة واكتب الي في كل ما يحدث " وكان " يزيد بن معوية قد انفذ عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة إلى مكة في عسكر عظيم وولاه امر الموسم وامره على الحاج كلهم فحج بالناس واوصاه بقبض الحسين عليه السلم سرا وان لم يتمكن منه يقتله غيلة وامره ان يناجز الحسين عليه السلام القتال ان هو ناجزه فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد إلى مكة في جند كثيف " ثم " ان يزيد دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني امية وامرهم بقتل الحسين عليه السلام على اي حال اتفق (1) فلما علم الحسين عليه السلام بذلك عزم على التوجه إلى العراق وكان قد احرم بالحج وقد وصله قبل ذلك كتاب مسلم بن عقيل ببيعة اهل الكوفة له فطاف (1) نقل انفاذ عمرو بن سعيد ودس الثلاثين رجلا صاحب البحار وقال انه رآه في بعض الكتب المعتبرة ونقل انفاذ عمر وووصوله يوم التروية ابن طاوس في اللهوف عن معمر بن المثنى في مقتل الحسين عليه السلام وعمرو هذا كان اميرا على مكة ثم ولاه يزيد المدينة كما مر ثم انفذه من المدينة إلى مكة وامره على الحاج " منه "
[70]
بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقصر من شعره واحل من احرام الحج وجعلها عمرة مفردة لانه لم يتمكن من اتمام الحج مخافة ان يقبض عليه فخرج من مكة يوم الثلاثا وقيل يوم الاربعاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة فكان الناس يخرجون إلى منى والحسين عليه السلام خارج إلى العراق وقيل خرج عليه السلام يوم الثلاثا لثلاث مضين من ذي الحجة ولم يكن علم بقتل مسلم بن عقيل لان مسلما قتل في ذلك اليوم الذي خرج فيه الحسين عليه السلام إلى العراق أو بعده بيوم أو بخمسة ايام اوستة ولما عزم الحسين عليه السلام على الخروج إلى العراق قام خطيبا " فقال " الحمد لله وما شآء الله ولا قوة الا بالله وصلى الله على رسوله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما اولهني إلى لسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع انا لاقيه كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النوا ويس وكربلا فيملان مني اكراشا جوفا وجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا اهل البيت نصير على بلائه ويوفينا اجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه وينجزبهم وعده من كان باذلافينا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فانني راحل مصبحا أن شاء الله تعالى " وجاءه " أبو بكر عمر بن عبد الرحمن بن
[71]
الحارث بن هشام المخزومي فنهاه عن الخروج إلى العراق فقال له الحسين " ع " جزاك الله خيرا يا ابن عم قد اجتهدت رأيك ومهما يقض الله يكن وجاءه عبد الله بن عباس فنهاه عن الخروج ايضا فقال استخير الله وانظر ما يكون " ثم " اتاه مرة ثانية فاعاد عليه النهي وقال ان ابيت الا الخروج إلى اليمن فقال الحسين عليه السلام يا ابن عم اني والله لاعلم انك ناصح مشفق وقد ازمعت واجمعت المسير ثم خرج ابن عباس فمر بابن الزبير وانشد يالك من قبرة بمعمر * خلالك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت ان تنقري * هذا حسين خارج فأبشري " وجاءه " عبد الله بن الزبير فاشار عليه بالعراق ثم خشي ان يتهمه فقال لو اقمت لما خالفنا عليك فلما خرج ابن الزبير قال الحسين عليه السلام ان هذا ليس شئ احب إليه من ان اخرج من الحجاز " وجاءه " عبد الله بن عباس وعبدا الله بن الزبير فاشارا عليه بالامساك عن المسير إلى الكوفة فقال لهما ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد امرني بأمر وانا ماض فيه فخرج ابن عباس وهو يقول واحسيناه " ثم " جاءه عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح اله الضلال وحذره من القتل والقتال فقال له يا ابا عبد الرحمن اما علمت ان من هو ان الدنيا على الله ان رأس يحي بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني اسرائيل اما
[72]
تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في اسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يجعل الله عليهم بل اخذهم بعد ذلك اخذ عزيز ذي انتقام اتق الله يا ابا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي وكان الحسين عليه لاسلام يقول وايم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا ذلك سلط الله علهيم ومن يذلهم حتى يكونوا اذل من فرام (1). المرأة " وجاءه " محمد بن الحنفية في الليلة التي اراد الحسين عليه السلام الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له يا اخي ان اهل الكوفة قد عرفت غدرهم بابيك واخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضي فأن رأيت ان تقيم فأنك اعز من بالحرم وامنعه فقال يا اخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية فان خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فانك امنع الناس به ولا يقدر عليك احد فقال أنظر فيما قلت فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فاتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال يا اخي الم تعدني الفرام خرقة الحيض " منه "..
[73]
النظر فيما سألتك قال بلى قال فما حداك على الخروج عاجلا قال اتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فأن الله قد شآء ان يراك قتيلا فقال محمد بن الحنفية انا لله وانا إليه راجعون فما معنى حملك هآوءلاء النسوة معك وانت تخرج على مثل هذا الحال فقال ان الله قد شآء ان يراهن سبايا فسلم عليه ومضى " وفي " رواية ان محمد بن الحنفية كان يومئذ بالمدينة فبلغه خبر الحسين عليه السلام وهو يتوضأ في طست فبكى حتى سمع وكف دموعه في الطست " قال " أبو محمد الواقدي وزرارة بن خلج (1) لقينا الحسين بن علي عليهما السلام قبل ان يخرج إلى العراق فاخبرناه ضعف الناس بالكوفة وان قلوبهم معه وسيوفهم عليه فأومى بيده نحو السماء ففتحت ابواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيه الا الله عزوجل فقال لو لا تقارب الاشيآء وحبوط الاجر لقاتلتهم بهاء ولا ولكن اعلم علما ان من هناك مصعدي وهناك مصارع اصحابي لاينجو منهم الا ولدي علي " وسمع " عبد الله بن عمر بخروجه فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فادركه في بعض المنازل فقال ابن تريد يا ابن رسول الله قال العراقي مهلا ارجع إلى حرم جدك فأبي (1) ذكر ذلك في اللهوف عن ابي جعفر محمد بن جرير الطبري الامامي في دلائل الامامة عن ابي محمد سفيان بن وكيع عن ابيه وكيه عنهما " منه ".
[74]
الحسين عليه السلام فلما رأى ابن عمر إبآءه قال يا ابا عبد الله الكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبله منك فكشف الحسين عليه السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى وقال استودعك الله يا ابا عبد الله فانك في وجهك هذا " وفي رواية " انه قبل ما بين عينيه وبكى وقال استودعك الله من قتيل " ولما " خرج الحسين عليه السلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص امير الحجاز من قبل يزيد (1) عليهم اخوه يحيي بن سعيد ليردوه فابى عليهم وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسيطا ثم امتنع عليهم الحسين عليه السلام واصحابه امتناعا شديدا ومضى الحسين (ع). على وجهه فبادروا وقالوا يا حسين الا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الامة فقال لي عملي ولكم عملكم انتم بريئون مما اعمل وانا برئ مما تعملون " وعن " علي بن الحسين عليهما السلام قال خرجنا مع الحسين (ع) فما نزل منزلا ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقتله وقال يوما ومن هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا اهدي إلى بغي من بغايا بني اسرائيل وعن الصادق عليه السلام قال لما سار أبو عبد الله الحسين بن علي صلوات عليهما من مكة ليدخل (1) وذلك لانه كان بمكة عند سفر الحسين عليه السلام إلى العراق كما مر في الحواشى السابقة " منه " (*)
[75]
المدينة لقيته افواج من الملائكة المسومين والمردفين في ايديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا وقالوا بالحجة الله على خلقه بعد جده وابيه ان الله عزوجل امد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة وان الله امدك بنا فقال لهم الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها وهي كربلا فإذا وردتها فاتوني فقالوا يا حجة الله ان الله امرنا ان نسمع لك ونطيع فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك فقال لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو اصل إلى بقعتي واتته الفواح من مؤمني الجن فقالواله يا مولانا نحن شيعتك وانصارك فمرنا بما تشاء فلو امرتنا بقتل كل عدو لك وانت بمكانك لكفيناك ذلك فجزاهم خيرا وقال لهم اما قرأتهم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وقوله قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم فإذا اقمت في مكاني فبماذا يمتحن هذا الخلق المتعوس وبماذا يختبرون ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحي الارض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا تقبل بها اعمالهم وصلواتهم ويجاب دعاؤهم وتسكن إليها شيعتنا فتكون لهم امانا في الدنيا والاخرة ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشورا الذي في آخره اقتل ولا يبقي بعدي
[76]
مطلوب من اهلي ونسبي واخواني واهل بيتي ويسار برأسي إلى يزيد بن معوية فقالت الجن نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبة لولا أن امرك طاعة وانه لا يخوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع اعدائك قبل ان يصلوا اليك فقال لهم لحن والله اقدر عليهم منكم ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة " وكتب " عمرو بن سعيد وهو والي المدينة بأمر الحسين عليه السلام إلى يزيد فلما قرأ الكتاب تمثل بهذا البيت فان لاتزر ارض العدو وتأته يزرك عدو أو يلومنك كاشح " ثم " سار عليه السلام حتى مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير (1) بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معوية وعلهيا الورس والحلل فاخذ الهدية وقال لاصحاب الجمال من احب ان ينطلق معنا إلى العراق وفينا كراه واحسنا معه صحبته ومن احب ان يفارقنا اعطيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق فمضى معه قومه وامتنع آخرون فمن فارق اعطاه حقه ومن سار معه اعطاه كراه وكساه " ثم " سار عليه السلام حتى اتى الصفاح (2) فلقيه (1) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة " منه " (2) الصفاح بوزن كتاب قال ياقوت في معجم البلدان انه موضع بين حنين وانصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش وهناك لقي الفرزدق الحسين بن علي عليهما السلام اه وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص انه لقيه ببستان بني عامر " منه ".
[77]
الفرزدق الشاعر " قال " الفرزدق حججت بامي سنة ستين ستين فبينما انا اسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة معه اسيافه واتراسه فقلت لمن هذا القنطار ؟ ؟ فقيل للحسين بن علي عليهما السلام فاتيته وسلمت عليه وقلت له اعطاك الله سؤلك واملك فيما تحب بابي انت وامي يا ابن رسول الله ما اعجلك عن الحج فقال لو لم أعجل لاخذت ثم قال لي من انت قلت رجل من العرب فلا والله ما فتشني عن اكثر من ذلك ثم قال لي اخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سألت قلوب الناس معك واسيافهم عليك والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشآء فقال صدقت لله الامر من قبل ومن بعد وكل يوم ربنا هو في شان ان نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على اداء الشكر وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته فقلت له اجل بلغك الله ما تجب وكفاك ما تحذر وسألته عن اشياء من نذور ومناسك فاخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام عليك " والحق " عبد الله بن جعفر الحسين عليه السلام بابنيه عون ومحمد وكتب على ايديهما إليه كتاب يقول فيه " اما بعد " فأني اسألك بالله لما انصرفت ؟ حين تنظر في كتابي فأني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له ان يكون فيه هلاكك واستئصال اهل بيتك وان هلكت
[78]
اليوم طفئ نور الارض فأنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجبل بالمسير فأني في اثر كتابي والسلام وصار عبد الله إلى عمرو بن سعيد فسألته ان يكتب للحسين عليه السلام امانا ويمنيه البر والصلة فكتب له وانفذه مع اخيه يحيي بن سعيد فلحقه يحيي وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه وجهدا به في الرجوع فقال اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وامرني بما انا ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما حدثت بها احدا وما انا محدث بها احدا حتى القى ربي عزوجل فلما ايس منه عبد الله بن جعفر امر بنيه عونا ومحمد بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع هو إلى مكة وسار الحسين عليه السلام نحو العراق مسرعا لا يلوي على شئ حتى بلغ وادي العقيق فنزل ذات عرق فلقيه رجل من بني اسد يسمى بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن اهلها فقال خلفت القلوب معك والسيوف مع بني اميه فقال صدق اخو بني اسد ان الله يفعل ما يشآء ويحكم ما يريد " ولما " بلغ الحسين عليه السلام إلى الحاجز من بطن الرمة (1). كتب كتابا إلى جماعة من اهل الكوفة منهم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وغيرهم وارسله مع قيس بن مسهر الصيداوي وذلك قبل ان يعلم بقتل مسلم يقول فيه * بسم الله الرحمن (1) بتخفيف الميم (منه عفي عنه).
[79]
الرحيم من الحسين بن علي إلى اخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فأني احمد اليكم الله الذي لا اله الا هو " اما بعد " فأن كتاب مسلم ابن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملاكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله ان يحسن لنا الصنيع وان يثيبكم على ذلك اعظم الاجر وقد شخصت اليكم من مكة يوم الثلاثا لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في امركم وجدوا فاني قادم عليكم في ايامي هذه ان شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (وكان) مسلم بن عقيل قد كتب إليه قبل ان يقتل بسبع وعشرين ليلة فاقبل قيس بكتاب الحسين عليه السلام إلى الكوفة (وكان) ابن زياد لما بلغه مسير الحسين عليه السلام من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطته حتى نزل القادسية ونظم الخليل ما بين القادسية إلى خفان وما بين القادسية إلى القطقطانه (القطقطانيه خ ل) والى جبل لعلع قال الناس هذا الحسين يريد العراق (فلما) انتهى قيس إلى القادسية اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فاخرج قيس الكتاب وخرقه فحمله الحصين إلى ابن زياد فلما مثل بين يديه قال له من انت قال انارجل من شيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب وابنه قال فلما ذا خرقت الكتاب قال لئلا تعلم ما فيه قال وممن الكتاب ولى ؟ من
[80]
قال من الحسين عليه السلام إلى جماعة من اهل الكوفة لا اعرف اسماء هم فضغب ابن زياد وقال والله لا تفارقني حتى تخبرني باسمآء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتسب الحسين بن علي واباه واخاه والا قطعتك اربا اربا فقال قيس اما القوم فلا اخبرك باسمائهم واما سب الحسين وابيه واخيه فافعل (وفي رواية) انه قال له اصعد المنبر فسب الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي فصعد قيس فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واكثر من الترحم على علي والحسن والحسين ولعن عبيد الله بن زياد واباه ولعن عتاة بني امية ثم قال ايها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وانا رسوله اليكم وقد خلفته بالحاجز فاجيبوه فأمر به ابن زياد فرمي من اعلى القصر فتقطع فمات فبلغ الحسين عليه السلام قتله فاسترجع واستعبر بالبكاء ولم يملك دمعته ثم قرأ فمنهم من قضى نخبه ؟ ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ثم قال جعل الله له الجنة ثوابا اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك وغائب (1) مذخور ثوابك انك على كل شئ قدير ثم اقبل الحسين عليه السلام من الحاجز يسير نحو العراق حتى انتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عبد الله بن مطيع العدوى وهو نازل به فلما رأي الحسين عليه السلام قام إليه فقال بأبي (1) در غائب " خ ل ".
[81]
انت وامي أيا ابن رسول الله ما اقدمك واحتمله فانزله فقال له الحسين " ع " كان من موت معويه ما قد بلغك فكتب الي اهل العراق يدعونني إلى انفسهم فقال له عبد الله اذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام ان تنتهك انشدك الله في حرمة قريش انشدك الله في حرمة العرب فوالله لئن طلبت ما في ايدي بني امية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك احدا ابدا والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني امية فأبي الحسين عليه السلام الا ان يمضي (وكان) عبيد الله ابن زياد امر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يدعون احدا يلج ولا احدا يخرج واقبل الحسين عليه السلام لا يشعر بشئ حتى لقي الاعراب فسألهم فقالوا لا والله ما ندرى غير انا لا نستطيع ان نلج ولا نخرج فسار تلقاء وجهه (وكان) زهير بن القين البجلي قد حج في تلك السنة وكان عثمانيا فلما رجع من الحج جمعه الطريق مع الحسين عليه السلام (فحدث) جماعة من فزارة وبجيلة قالوا كنا مع زهير بن القين حين اقبلنا من مكة فكنا نساير الحسين عليه السلام فلم يكن شئ ابغض الينا من ان نسير معه في مكان واحد أو ننزل معه في منزل واحد فإذا سار الحسين تخلف زهير بن القين وإذا نزل الحسين تقدم زهير فنزلنا يوما في منزل لم بخد بدا من
[82]
أن ننزل معه فيه فنزل هو في جانب ونزلنا في جانب آخر فبينا نحن جلوس نتغدي من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم ثم دخل فقال يا زهير ان ابا عبد الله بعثني اليك لتأتيه فطرح كل انسان منا ما في يده كأن على رؤسنا الطير كراهة ان يذهب زهير إلى الحسين عليه السلام فقالت له امرأته وهى ديلم بنت عمرو سبحان الله ايبعث اليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فلو اتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت فاتاه زهير على كره فما لبث ان جاء مستبشرا قد اشرق وجهه فار بفسطاطه وثقله ورحله فحول إلى الحسين عليه السلام ثم قال لامرأته انت طالق الحقي باهل فأني لا احب ان يصيبك بسببي الا خيرا وقد عزمت علي صحبة الحسين عليه السلام لافديه بروحي واقيه بنفسي ثم اعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى اهلها فقامت إليه وبكت وودعته وقالت خار الله لك اسئلك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام وقال لاصحابه من احب منكم ان يتبعني والا فهو آخر العهد مني اني سأحدثكم حديثا انا غزونا بلنجر (1) وهي بلدة ببلاد الخزر ففتح الله علينا واصبنا غنائم ففرحنا فقال لنا سلمان الفارسي إذا ادركتم قتال (1) في القاموس بلنجر كغضنفر بلدة بالخزر خلف باب الابواب اه وفي بعض النسخ غزونا وهو تصحيف من النساخ " منه ".
[83]
شباب آل محمد فكونوا اشد فرحا بقتالهم معهم مما اصبتم من الغنائم فاما انا فاستودعكم الله ولزم الحسين عليه السلام حتى قتل معه " ولما نزل الحسين عليه السلام الخزيمية اقام بها يوما وليلة فلما اصبح اقبلت إليه اخته زينب فقالت يا اخي ألا اخبرك بشئ سمعته البارحة فقال الحسين عليه السلام وما ذاك فقالت خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف ويقول الا يا عين فاحتفلي بجهد * * ومن يبكي على الشهداء بعدي على قوم تسوقهم المنايا * بمقدار إلى انجاز وعد فقال لها الحسين عليه السلام يا اختاه كل الذي قضي فهو كائن " ثم " سار عليه السلام حتى نزل الثعلبية (1). وقت الظهيرة وقيل ممسيافو ضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال رأيت هاتفا يقول انتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة فقال له ابنه علي يا ابه افلسنا على الحق فقال بلى يا بني والذي إليه مرجع العباد فقال يا ابه إذا لا نبالي بالموت فقال الحسين عليه السلام جزاك الله يا بني خير ما جزى ولدا عن والده ثم بات في الموضع فلما اصبح إذا برجل من اهل الكوفة يكنى ابا هرة الازدي قد اتاه فسلم عليه ثم قال يا ابن رسول الله ما الذي اخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد صلى الله عليه وآله (1) بالثاء المثلثة والعين المهملة (منه).
[84]
فقال الحسين عليه السلام ويحك يا ابا هرة ان بني امية اخذوا مالي فصبرت وشتموا عرضي فصبرت وطلبوا دمي فهربت وايم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا اذل من قوم سبا إذ ملكتهم امرأة فحكمت في اموالهم ودمائهم (وروى) عبد الله بن سليمان والمنذر ابن المشمعل الا سديان قالا لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة الا اللحاق بالحسين عليه السلام لننظر ما يكون من امره فاقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود فلما دنونا منه إذا نحن برجل من اهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين عليه السلام فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى ومضينا نحوه فقال احدنا لصاحبه اذهب بنا إلى هذا لنسئله فأن عنده خبر الكوفة فمضينا إليه فقلنا السلام عليك فقال وعليكما السلام قلنا ممن الرجل قال اسندي قلنا له ونحن اسديان فمن انت قال انا بكر بن فلان وانتسبنا له ثم قلنا له اخبرنا عن الناس من ورائك قال لم اخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما يجران بارجلهما في السوق فاقبلنا حتى لحقنا الحسين عليه السلام فسا يرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئنا حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له رحمك الله ان عندنا خبرا ان شئت حدثناك علانية وان شئت سرافنظر الينا والى
[85]
اصابحه ثم قال ما دون هاؤلا سر فقلنا له رأيت الراكب الذي استقبلته عشية امس قال نعم وقد اردت مسألته فقلنا قد والله استبرأنا لك خبره وكفينا مسألته وهو امرؤ منا ذورأي وصدق وعقل وانه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ورأهما يجران في السوق بارجلهما فقال انا لله و انا إليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا فقلنا له ننشدك الله في نفسك واهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولاشيعة بل نتخوف ان يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ماذاق فاقبل علينا الحسين عليه السلام وقال لاخير في العيش بعد هآولاء فعلمنا انه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال رحمكما الله فقال له اصحابه انك والله ما انت مثل مسلم ولو قدمت الكوفة لكان الناس اليك اسرع فسكت وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع عليه كل مسيل ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه اكثروا من الماء فاستقوا واكثروا وكان لا يمر بماء الا اتبعه من عليه (ثم) ارتحلوا فسار حتى انتهى إلى زبالة فأتاه بها خبر عبد الله بن يقطر وهو اخو الحسين عليه السلام من الرضاعة وكان سرحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يعلم بقتله فاخذته خيل
[86]
الحصين فسيره من القادسية إلى ابن زياد فقال له اصعد فوق القصر والعن الكذاب ابن الكذاب ثم انزل حتى ارى فيك رأيي فصعد فاعلم الناس بقدوم الحسين عليه السلام ولعن ابن زياد واباه فالقاه من القصر فتكسرت عظامة وبقي به رمق فاتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه فعيب عليه فقال اردت ان اريحه فلما بلغ الحسين عليه السلام خبره اخرج إلى الناس كتابا فقرأ عليهم وفيه بسم الله الرحمن الرحيم " اما بعد " فأنه قداتاني خبر فظيع قتل مسلم ابن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن احب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام فتفرق الناس عنه واخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في اصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه وكان قد اجتمع إليه مدة مقامه بمكة نفر من اهل الحجاز ونفر من اهل البصرة وانما فعل ذلك لعلمه بأن اكثر من اتبعوه انما اتبعوه ظنا منهم انه يقدم بلدا قد استقامت له طاعة اهله فكره ان يسيروا معه الا وهم يعلمون ما يقدمون عليه وقد علم انه إذا بين لهم لم يصحبه الا من يريد مواساته والموت معه (وقيل) ان خبر مسلم وهاني اتاه في زبالة
[87]
ايضا (وقال) السيد (1) ان الفرزدق لقي الحسين عليه السلام فسلم عليه وقال يا ابن رسول الله كيف تركن إلى اهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا ثم قال رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحياته ورضوانه اما انه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ثم انشأ يقول. فان تكن الدنيا تعد نفسية * فان ثواب الله اعلى وانبل وان تكن الابدان للموت انشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله افضل وان تكن الارزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في السعي اجمل وان تكن الاموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل (فلما) كان وقت السحر امر الحسين عليه السلام اصحابه فاستقوا ماء واكثروا ثم سار من زبالة حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن يوذان (لوذان خ ل) فسأله اين تريد فقال له الحسين عليه السلام الكوف فقال الشيخ انشدك الله لما انصرفت فوالله ما تقدم الا على الاسنة وحد السيوف وان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطأوا (1) ظاهر كلام السيد ان لقاء الفرزدق للحسين عليه السلام كان بعد خروجه من زبالة وقد تقدم انه لقيه في الحرم وهي رواية المفيد ويمكن ان يكون لقاء الفرزدق له ثانيا بعد رجوعه من الحج (منه).
[88]
لك الاشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فاما على هذا الحال التي تذكر فاني لا ارى لك أن تفعل فقال له الحسين عليه السلام يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على امره ثم قال عليه السلام والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا اذل فرق الامم (ثم) سار عليه السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا ثم سار منها حتى انتصف النهار فبينا هو يسير إذ كبر رجل من اصحابه فقال الحسين عليه السلام الله اكبر لم كبرت قال رأيت النخل فقال له جماعة من اصحابه والله ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط فقال لهم الحسين عليه السلام فما ترونه قالوا نراه والله اسنة الرماح وآذان الخيل فال وانا والله ارى ذلك ثم قال عليه السلام مالنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد فقالوا له بلى هذا ذوجشم (حسم خ ل) خشب خ ل) وهو جبل إلى جنبك فمل إليه عن يسارك فان سبقت إليه فهو كما تريد فاخذ إليه ذات اليسار وملنا معه فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادي (1) الخيل فتبيناها وعدلنا فلما رأونها ؟ ؟ جمع هادي وهو العنق (منه). (*)
[89]
عدلنا عن الطريق عدلوا الينا كأن اسنتهم اليعا سيب (1) وكأن راياتهم اجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي جشم (خشب خ ل) فسبقناهم إليه وامر الحسين عليه السلام بابنيته فضربت وجاء القوم زهاء (2) الف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيره والحسين عليه السلام واصحابه معتمون متقلدوا اسيافهم فقال الحسين عليه السلام لفتيانه اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا اي اسقوها قليلا فاقبلوا يملاون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو اربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها فقال علي بن الطعان المحاربي كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من اصحابه فلما رأى الحسين عليه السلام مابي وبفرسي من العطش قال انخ الراوية والراوية عندي السقاء ثم قال يا ابن الاخ انخ الجمل فانخته (3) فقال اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين عليه السلام اخنث السقاء اي اعطفه فلم ادر (1) جمع يعسوب وهو امير النحل وذكرها وضرب من الحجلان وطائر صغير " منه ". (2) اي قدر " منه " (3) الراوية في لسان اهل الحجاز اسم للجمل الذي يستقي عليه وفي لسان اهل العراق اسم للسقآء الذي فيه الماء فلذلك لم يفهم مراد الحسين عليه السلام حتى قال له انخ الجمل " منه ".
[90]
كيف افعل فقام فخنثه بيده فشربت وسقيت فرسي وكانت ملاقاة الحر للحسين عليه السلام على مرحلتين من الكوفة " ولما " التقي الحر مع الحسين عليه السلام قال له الحسين (ع) النا ام علينا فقال بل عليك يا ابا عبد الله فقال الحسين (ع) لاحول ولا قوة الا بالل العلي العظيم " وكان " مجئ الحر من القادسية " وكان " عبيدالله بن زياد بعث الحصين بن نمير وامره ان ينزل القادسية وتقدم الحر بين يديه في الف فارس يستقبل بهم لاحسين عليه السلام فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتى حضرت صلوة الظهر فامر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق ان يؤذن فلما حضرت الاقامة خرج الحسين " ع " في ازار ورداء ونعلين فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس انها معذرة إلى الله واليكم اني لم آتكم حتى اتنتي كتبكم وقدمت علي رسلكم ان اقدم علينا فانه ليس لنا امام لعل الله ان يجمعنا بك على الهدي والحق فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما اطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم وان لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه اليكم فسكتوا فقال للمؤذن اقم فاقم الصلاة فقال للحر التريد ان تصلي باصحابك قال لا بل تصلي انت ونصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين عليه السلام ثم دخل فاجتمع إليه اصحابه وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه
[91]
فدخل حيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من اصحابه وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه فاعدوه ثم اخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها " فلما " كان وقت العصر امر الحسين عليه السلام ان يتهيأوا للرحيل ففعلوا ثم امر مناديه فنادي بالعصر واقام فاستقدم الحسين عليه السلام وقام فصلى ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد ايها الناس فانكم ان تتقوا الله وتعرفوا الحق لاهله يكن ارضى لله عنكم ونحن اهل بيت محمد اولى بولاية هذا الامر علكيم من هآولاء المدعين ما ليس لهم والسائر بن فيكم بالجور والعدوان وان ابيتم الا الكراهى لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الان غير ما اتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم قتال له الحر انا والله ما ادري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فقال الحسين (ع) لبعض اصحابه يا عقبة ابن سمعان (1) اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الي فاخرج خرجين مملؤين صحفا فنثرت بين يديه فقال له الحر انا لسنا من هآو لاء (1) هو مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكبية زوجة الحسين " ع " ولما قتل الحسين " ع " اخذه عمر بن سعد فقال ما انت فقال انا عبد مملوك فخلى سبيله ولم ينج من اصحابه الحسين عليه السلام غيره وغير رجل آخر ولذلك كان كثير من روايات الطف منقولا عنه " منه ".
[92]
الذين كتبوا اليك وقد امرنا إذا نحن لقينانك ان لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيدالله فقال له الحسين عليه السلام الموت ادنى اليك من ذلك ثم قال لاصحابه قوموا فاركبوا وانتظر حتى ركبت نساؤه فقال لاصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال السحين عليه السلام للحر ثكلتك امك ما تريد فقال له الحر اما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي انت عليها ما تركت ذكرا مه بالثكل كائنا من كان ولكن مالي إلى ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه فقال له الحسين عليه السلام فما تريد قال اريد ان انطلق بك إلى الامير عبيد الله ابن زياد فقال إذا والله لااتبعك فقال إذا والله لاادعك فترادا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحراني لم اوءمر بقتالك انما امرت ان لاافارقك حتى اقدمك الكوفة فإذا ابيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى اكتب إلى الامير عبيدالله بن زياد فلعل الله ان يرزقني العافية من ان ابتلى بشئ من امرك فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية فتياسر الحسين " ع " وسار والحر يسايره " ثم " ان الحسين عليه السلام خطبهم (1) فحمد الله وانثى روى الطبري في تاريخه وابن الاثير في الكامل. وفي المناقب.
[93]
عليه ثم قال ايها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله يعمل في عبدا الله بالاثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقا على الله ان يدخله مدخله الاوان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ واحلوا الحرام الله وحرموا حلاله واني احق بهذا الامر (لقرابتي من رسول الله " ص " خ) وقد اتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني ولا تخذلوني فأن وفيتم لي ببيعتكم فقد اصبتم حظكم ورشدكم وانا الحسين بن = ان الحسين عليه السلام كتب من كربلا اول نزوله بها لا اشراف الكوفة ممن كان يظن انه على رأيه بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيب بن نجبه ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المؤمنين اما بعد فقد علمتهم ان رسول الله (ص) قد قال في حياته من رأى سلطانا جائرا الخ وانه ارسل الكتاب مع قيس بن مسهر الصيداوي ثم ذكر قصة قيس المتقدمة وذكر لفظة والسلام في آخر الكلام على رواية الطبري وابن الاثير يؤيد أنه كتاب لاخطبة لان ذلك متعارف في الكتب لافي الخطب ولكن كثيرا من الروايات دل على ان ارسال قيس كان من الطريق لامن كربلا مع ان التمكن من ارساله من كربلا بعيد والله اعلم اي ذلك كان " منه ".
[94]
علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ونفسي مع انفسكم واهلي وولدي مع اهاليكم واولادكم ولكم بي اسوة وان لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم ببيعتي فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي واخي وابن عمي مسلم بن عقيل والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فأنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام " فقال " له الحراني اذكرك الله في نفسك فأني اشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال له الحسين عليه السلام افبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني وسأقول كما قال اخو الاوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فخوفه ابن عمه وقال اين تذهب فانك مقتول فقال سامضي وما بالموت عار على الفتي * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما وواسي الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وودع مجرما اقدم نفسي لااريد بقاءها * لتلقي خميسا في الوغي وعرمرما فان عشت لم اندم وان مت لم الم * كفى بك ذلا ان تعيش وترغما " فلما " سمع الحر ذلك تنحى عنه وجعل يسير ناحية عن الحسين عليه السلام " ولم " يزل الحسين عليه السلام سائرا حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات (1) فاذاهم بأربعة قد اقبلوا من الكوفة لنصرة الحسين (1) العذيب موضع كان النعمان بن المنذر يضع فيه هجانه لترعى فسمى عذيب الهجانات " منه ".
[95]
عليه السلام على رواحلهم وفيهم نافع بن هلال البجلي وهو يجنب فرسا له يقال له الكامل ومعهم دليل يقال له الطرماح بن عدي (حكم خ ل) الطائي وكان قد امتار لاهله من الكوفة ميرة فاراد الحر حبسهم اوردهم إلى الكوفة فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك وقال لامنعنهم مما امنع منه نفسي انما هآولاء انصاري وهم بمنزلة من جاء معي فان بقيت على ما كان بيني وبينك والا ناجزتك فكف الحر عنهم ثم سئلهم الحسين عليه السلام عن خبر الناس فقالوا اما الاشراف فقد استمالهم ابن زياد بالاموال فهم الب واحد عليك واما سائر الناس فافئدتهم لك وسيوفهم مشهورة عليك قال فهل لكم علم برسولي قيس بن مسهر قالوا نعم قتله ابن زياد فترقرقت عينا الحسين عليه السلام ولم يملك دمعته ثم قال منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك " وقال " له الطرماح بن عدي اذكرك الله في نفسك لا يغرنك اهل الكوفة فوالله ان دخلتها لتقتلن واني لاخاف ان لا تصل إليها وما ارى معك كثير احد ولو لم يقاتلك الاهآولاء لكفى ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة جمعا عظيما يريدون المسير اليك فانشدك الله ان قدرت ان لاتقدم إليهم شبرا فافعل وطلب منه ان يذهب معه إلى بلاد
[96]
قومه (1) حتى يرى رأيه وان ينزل جبلهم أجاء ويبعث إلى من بأجاء وسلمى وهما جبلان لطئ تكفل له بعشرين الف طائي يضربون بين يديه باسيافهم فجزاه الحسين عليه السلام وقومه خيرا وقال له اين بيننا وبين القوم قولا لا نقدر معه على الانصراف فأن يدفع الله عنا فقديما ما انعم علينا وكفى وان يكن مالابد منه ففوز وشهادة ان شآء الله وسار الطرماح مع الحسين عليه السلام ثم ودعه ووعده ان يوصل الميرة لاهله ويعود لنصره فلما علا بلغه خبر قتله في عذيب الهجانات فرجع وقال الحسين عليه السلام لاصحابه هل فيكم احد يعرف الطريق على غير الجاده فقال الطرماح بن عدي نعم يا ابن رسول الله انا اخبر الطريق قال سر بين ايدينا فسار الطرماح امامهم وجعل يرتجز ويقول يا ناقتي لا تذعري من زجر * وامضي بنا قبل طلوع الفجر بخير فتيان وخير سفر * آل رسول الله آل الفخر السادة البيض الوجوه الزهر * الطاعنين بالرماح السمر الضاربين بالسيوف البتر * حتى تجلي بكريم النجر (1) وهي المعروفة الان بجبل شمر وحيث انها على طريق الذاهب إلى العراق فلا يمنعهم الحر من التوجه نحوها بعدان رضى باخذهم طريقا لا يدخلهم الكوفة ولا يرجعهم إلى المدينة " منه ".
[97]
الماجد الجدار الرحيب الصدر * اصابه الله بخير امر عمره الله بقاء الدهر * يا مالك النفع معا والضر اين ؟ حسينا سيدي بالنصر * على الطغاة من بقايا الكفر على اللعينين سليلي صخر * يزيد لا زال حليف الخمر. وابن زياد العهر بن العهر " ولم يزل الحسين عليه السلام سائرا حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل (1) فنزل به وقيل إلى القطقطانه (2) فرأى فسطاطا مضروبا فسأل عنه فقيل انه لعبيد الله بن الحر الجعفي وكان من شجعان اهل الكوفة فارسل إليه الحسين عليه السلام يدعوه فاسترجع وقال والله ما خرجت من الكوفة الاكراهية ان يدخلها الحسين وانا بها وأبي ان يأتي فجاء إليه الحسين السلام ودعاه إلى نصرته فاستعفاه فقال (1) في معجم البلدان قصر مقاتل بين عين التمر والشام وقال السكوني هو قرب القطقطانة وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان انتهى المعجم ولم يذكر قصر بني مقاتل فاما ان لفظة بني من زيادة النساخ أو انه صار اخيرا ينسب ألى بني مقاتل وعين التمر هي المعروفة الان بشفاثا " منه ". (2) بقافين مضمومين بينهما طآء ساكنة فطاء فالف فنون فهاء قال ياقوت ورواه الازهري بالفتح موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف كان به سجن النعمان بن المنذر وقال أبو عبيد الله السكوني القطقطانة بالطف بينهما وبين الرهيمة مغربا نيف وعشرون ميلا إذا خرجت من القادسية تريد الشام ومنه إلى قصر مقاتل " منه "
[98]
له الحسين (ع) فأن لم تكن ممن ينصرنا فاتق ان تكون ممن يقاتلنا فوالله لا يسمع واعيتنا احد ثم لا ينصرنا الا هلك فقال اما هذا فلا يكون ابدا ان شاء الله تعالى " وفي رواية " انه قال للحسين عليه السلام ولكن هذا فرسي خذه اليك فوالله ما ركبته قط وانا اروم شيئا الا بلغته ولا ارادني احد الانجوت عليه فاعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه وقال لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ثم تلاوما كنت متخذ المضلين عضدا " فلما " كان آخر الليل امر الحسين عليه السلام فتيانه فاستقوا من الماء ثم امر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل ليلا قال عقبة بن سمعان فسرنا معه ساعة فخفق وهو على ظهر فرسه خفقته ثم انتبه وهو يقول انا الله وانا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فاقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال يا أبه جعلت فداك مم حمدت واسترجعت قال يا بني اني خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم فعلمت انها انفسنا نعيت الينا فقال له ابه لا اراك الله سوءا السنا على الحق قال بلى والذي إليه مرجع العباد قال إذا لا نبالي ان نموت محقين فقال له الحسين عليه السلام جزاك الله من ولد خير ما جزي ولدا عن والده " فلما " اصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فاخذ يتياسر باصحابه يريد ان يفرقهم فيأتيه الحر فيرده واصحابه
[99]
فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه وارتفعوا فلم يزالو يتياسرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى فإذا راكب على نجيب له عليه السلام متنكب قوسا مقبل من الكوفة وهو مالك بن بشير (1) الكندي فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين (ع) واصحابه ودفع إلى الحر كتابا من ابن زياد فإذا فيه اما بعد فججعع (2) بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله الا بالعراء (3) في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك امرى والسلام فعرض لهم الحر واصحابه ومنعوهم من السير واخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا قرية فقال له الحسين (ع) الم تأمرنا بالعدول عن الطريق قال بلى ولكن كتاب الامير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك وقد جعل علي عينا يطالبني بذلك فقال له الحسين عليه السلام دعنا ويحك ننزل (1) لعل صوابه مالك بن بشير ؟ فيكون هو الذي ضرب الحسين عليه السلام على رأسه وسلبه البرنس فالظاهر انه صحف احدهما بالاخر " منه ". (2) في الصحاح الجعجعة الحبس وكتب عبيدالله بن زياد عليه ما يستحق إلى عمر بن سعد عليه اللعنة ان جعجع بحسين قال الاصمعي يعني احبسه وقال ابن الاعرابي يعني ضيق عليه انتهي " منه ". (3) في الصحاح العراء الفضاء لاستربه " منه "
[100]
في هذه الاقرية أو هذه يعني نينوى والغاضرية أو هذه يعني شفية فقال لا استطيع هذا رجل قد بعث علي عينا " فقال " زهير بن القين للحسين (ع) اني والله لا ارى ان يكون بعد الذي ترون الا اشد مما ترون يا ابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة اهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم فلعمري ليأتينا من بعدهم مالا قبل لنا به فقال الحسين (ع) ما كنت لابدأهم بالقتال فقال له زهير سربنا إلى هذه القرية حتى تنزلها فانها حصينة وهي على شاطئ الفرات فان منعونا قاتلناهم فقتالهم اهون علينا من قتال من يجئ بعدهم فقال الحسين عليه السلام ما هي قال العقر قال اللهم اعوذ بك من العقر وفي رواية " ان زهيرا قال له فسربنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلا فانها على شاطئ الفرات فنكون هناك فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم قال فدمعت عينا الحسين عليه السلام ثم قال اللهم اني اعوذ بك من الكرب والبلاء " ثم " قام الحسين عليه السلام خطيبا في اصحابه فحمد الله واثنى عليه " ثم قال " انه قد نزل بنا من الامر ما قد ترون وان الدنيا تغيرت وتنكرت وادبر معروفها واستمرت حذاء (1) ولم يبق منها الاصبابة (2) كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعي الوبيل (3) الا ترون إلى (1) لعله من قولهم رحم حذاء وجذاء بالحاء والجيم اي لم توصل " منه (2) الصبابة بالضم بقية من الماء في الاناء " منه " (3) الوخيم (منه)
[101]
الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فاني لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الابرما (1) " وقيل " انه خطب بهذه الخطبة بذي جشم حين التقى مع الحر وقيل بكربلا والله اعلم فقام زهير بن القين فقال قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقاتلك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لاثرنا النهوض معك على الاقامة فيها " ووثب " هلال بن نافع (نافع بن هلال خ ل) البجيلي فقال والله ما كرهنا لقاء ربنا وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك " وقام برير بن خضير (2) فقال والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا ان نقاتل بين يديك وتقطع فيك اعضاونا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيمة " ثم " ان الحسين عليه السلام قام وركب وكلما اراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه اخرى حتى بلغ كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة احدى وستين فلما وصلها قال ما اسم هذه الارض فقيل كربلا فقال اللهم اين اعوذ بك من الكرب والبلاء " ثم " اقبل على (1) البرم بالتحريك ما يوجب السآمة والضجر (منه). (2) برير بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وآخره راء مهملة وخضير بالخا والضاد المعجمتين (منه).
[102]
اصحابه فقال الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه مادرت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون " ثم " قال اهذه كربلا قالوا نعم يا ابن رسول الله فقال هذا موضوع كرب وبلاء انزلوا ههنا مناخ ركبنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا فنزلوا جميعا ونزل الحر واصحابه ناحية " ثم " ان الحسين عليه السلام جمع ولده واخوته واهل بيته ثم نظر إليهم فبكى ساعة ثم قال اللهم انا عترة نبيك محمد (ص) وقد ازعجنا وطردنا واخرجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو امية علينا اللهم فخذلنا بحقنا وانصرفا على القوم الظالمين " وجلس " الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول يا دهر اف لك من خليل * * كم لك بالاشراق والاصيل من طالب وصاحب قتيل * * والدهر لا يقنع بالبديل وكل حي سالك سبيلي * * ما اقرب الوعد من الرحيل وانما الامر إلى الجليل " فسمعت " اخته زينب بنت فاطمة ذلك فقالت يا اخي هذا كلام من ايقن بالقتل فقال نعم يا اختاه فقالت زينب واثكلاه ينعى الحسين الي نفسه وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب " وجعلت ام كلثوم تنادي وامحمداه واعلياه واأماه وااخاه واحسيناه واضيعتنا بعدك يا ابا عبد الله " فقال " لها الحسين عليه السلام يا اختاه تعزي
[103]
بعزاء الله فان سكان السموات يفنون واهل الارض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون " ثم " قال يا اختاه يا ام كلثوم وانت يا زينب وانت يا فاطمه وانت يا رباب انظران إذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجرا " وفي رواية " عن زين العابدين عليه السلام ان الحسين عليه السلام قال هذه الابيات عشية اليوم التاسع من المحرم قال علي بن الحسين عليهما السلام آني لجالس في تلك الليلة التي قتل ابي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذ اعتزل ابي في خباء له وعنده جون مولى ابي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وابي يقول (يا دهر اف لك من خليل) إلى آخر الابيات المتقدمة فاعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرف ما اراد فخنقتني العبرة فرددها ولزمت السكوت وعلمت ان البلاء قد نزل واما عمتي فانها لما سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع لم تملك نفسها ان وثبت تجر ثوبها حتى انتهت إليه ونادت واثكلاه ليت الموت اعدمني الحياة اليوم ماتت امي فاطمة وابي علي واخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال لها يا اخية لا يذهبن حلمك الشيطان فقالت بابي وامي تستقل نفسي لك الفداء فردت عليه غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال (لو ترك القطا ليلا لنام) فقالت يا ويلتاه افتغتصب نفسك اغتصابا
[104]
فذلك اقرح لقلبي واشد على نفسي ثم لطمت وجهها واهوت إلى جبيبها فشقته وخرت مغشية عليها فقام إليها الحسين عليه السلام فصب على وجهها الماء حتى افاقت ثم عزاها بما مر ثم قال وكل شئ هالك الا وجهه الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده جدي خبر مني وابي خير مني واخي خير مني ولي ولكل مسلم برسول الله صلى الله عليه وآله اسوة فعزاها بهذا ونحوه وقال لها يا اختاه اني اقسمت عليك فابري قسمي لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا انا هلكت " وكتب " الحر إلى عبيد الله بن زياد يعلمه بنزول الحسين عليه السلام بكربلا " فكتب " ابن زياد إلى الحسين عليه السلام " اما بعد " فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلا وقد كتب الي امير المؤمنين يزيد ان لا اتوسد الوثير (1) ولا اشبع من الحمير أو الحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد والسلام " فلما " قرأ الحسين عليه السلام الكتاب القاه من يده وقال لا افلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق فقال له الرسول الجواب يا ابا عبد الله فقال ماله عندي جواب لانه قد حقت عليه كلمة العذاب فرجع الرسول (1) في الصحاح الوثير الفراش الوطئ (منه).
[105]
إلى ابن زياد فاخبره فاشتد غضبه وجهز إليه العساكر وجمع الناس في مسجد الكوفة وخطبهم ومدح يزيدا واباه وذكر حسن سيرتهما ووعد الناس بتوفير العطاء وزادهم في عطائهم مائة مائة وامر بالخروج إلى حرب الحسين عليه السلام (المقصد الثاني في صفة القتال) فلما كان من الغد وهو اليوم الثالث من المحرم قدم عمر بن سعد بن ابي وقاص في اربعة آلاف وكان ابن زياد قد ولاه الري وارسل معه اربعة آلاف لقتال الديلم فلما جاء الحسين عليه السلام قال له سر إليه فإذا فرغت سرت إلى عملك فاستعفاه فقال نعم على ان ترد الينا عهدنا فاستمهله واستشار نصحا فنهوه عن ذلك فبات ليلته مفكرا فسمعوه وهو يقول دعاني عبيد الله من دون قومه * * إلى خطة فيها خرجت لحيني (1) فوالله لا ادري واني لواقف * * على خطر لا ارتضيه ومين (2) أأثرك ملك الري والري رغبة * * ام ارجع مذموما بقتل حسين وفي قتله النار التي ليس دونها * * حجاب وملك الري قرة عين وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته فقال له انشدك (1) الحين بالفتح الهلاك " منه ". (2) أفكر في امري علي خطرين خ ل.
[106]
الله يا خال ان تصير إلى الحسين فتأثم عند ربك تقطع رحمك فوالله لان تخرج من دنياك ومالك وسلطان الارض كلها لو كان لك خير لك من ان تلقى الله بدم الحسين فقال له ابن سعد فاني افعل ان شاء الله (وجاء) ابن سعد إلى ابن زياد فقال انك وليتني هذا العمل يعني الري وتسامع به الناس فان رايت ان تنفذ لي ذلك وتبعث إلى الحسين من اشراف الكوفة من لست خير منه وسمى له اناسا فقال له ابن زياد لست استشيرك في من ابعث ان سرت بجندنا والا فابعث الينا بعهدنا قال فاني سائر وقبل ان يحارب الحسين عليه السلام " قال " سبط ابن الجوزي قال محمد بن سيرين وقد ظهرت كرامات علي بن ابي طالب عليه السلام في هذا فانه لقي عمر بن سعد يوما وهو شاب فقال ويحك يا ابن سعد كيف بك إذا قمت يوما مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار " وسار " ابن سعد إلى قتال الحسين عليه السلام بالاربعة آلاف التي كانت معه " وانضم " إليه الحر واصحابه فصار في خمسة آلاف (ثم) جاءه شمر في اربعة آلاف " ثم " اتبعه ابن زياد بيزيد ابن ركاب الكلبي في الفين والحصين بن نمير السكوني في اربعة آلاف وفلان المازني في ثلاثة آلاف ونصر ابن فلان في الفين " فذلك " عشرون الف فارس تكملت عنده إلى ست ليال خلون من
[107]
المحروم وبعث كعب بن طلحة في ثلاثة آلاف وشبث بن ربعي الرياحي في الف وحجار بن ابجر في الف فذلك خمسة وعشرون الفا وما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون الفا ما بين فارس وراجل (ثم) كتب إليه اني لم اجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال فانظر لا اصبح ولا امسى الا وخبرك عندي غدوة وعشية وكان يستحثه لستة ايام مضين من المحرم " وقال " حبيب بن مظاهر للحسين عليه السلام يا ابن رسول الله ههنا حي من بني اسد بالقرب منا تأذن لي في المصير إليهم لادعوهم إلى نصرتك فعسى الله ان يدفع بهم عنك فاذن له فخرج إليهم في جوف الليل وعرفهم بنفسه انه اسدي وقال اني قد اتيتكم بخير ما اتى به وافد إلى قوم اتيتكم ادعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم فأنه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من الف رجل لن يخذلوه ولن يسلموه ابدا وهذا عمر بن سعد قد احاط به وانتم قومي وعشيرتي وقد اتيتكم بهذه النصيحة فاطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والاخرة فاني اقسم بالله لا يقتل احد منكم في سيل الله مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمد صلى الله عليه وآله في عليين فوثب إليه رجل منهم اسمه عبد الله بن بشر فقال انا اول من يجيب إلى هذه الدعوة ثم جعل يرتجز ويقول
[108]
قد علم القوم إذا توا كلوا * * واحجم الفرسان أو تثاقلوا اني شجاع بطل مقاتل * * كأنني ليث عرين باسل ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فاقبلوا يريدون الحسين عليه السلام وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي إلى ابن سعد فاخبره بالحال فارسل إليهم اربعمائة فارس مع الازرق فالتقوا معهم قبل وصولهم إلى الحسين عليه السلام بيسير فتناوشوا واقتتلوا فصاح حبيب بالازرق ويلك مالك ومالنا انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك فأبى الازرق ان يرجع وعلمت بنو اسد انه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيهم وارتهلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد ان يبيتهم ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فاخبره فقال لاحول ولا قوة الا بالله واراد ابن سعدان يبعث إلى الحسين عليه السلام رسولا يسأله ما الذي جاء به فعرض ذلك على جماعة من الروساء فكلهم ابى استحياء من الحسين عليه السلام لانهم كاتبوه فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا لايرد وجهه شئ فقال انا اذهب إليه والله لان شئت لافتكن به فقال عمر ما اريد ان تفتك به ولكن اذهب فسله ما الذي جاء به فأقبل فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين عليه السلام اصلحك الله يا ابا عبد الله قد جاءك شر اهل الارض واجرأه على دم وافتكه
[109]
وقام إليه فقال له ضع سيفك قال لا والله ولا كرامة انما انا رسول فان سمعتم مني والا انصرفت قال فآخذ بقائم سيفك ثم تكلم قال لا والله لا تمسه قال اخبرني بما جئت به وانا ابلغه عنك ولا ادعك تدنو منه فانك فاجر فاستبا وانصرف إلى عمر بن سعد فاخبره فارسل قرة بن قيس الحنظلي فلما رآه الحسين عليه السلام مقبلا قال اتعرفون هذا قال حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن اختنا وقد كنت اعرفه بحسن الرأي وما كنت اراه يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين عليه السلام وبلغه رسالة عمر بن سعد فقال له الحسين عليه السلام كتب الي اهل مصركم هذا ان اقدم فأما إذا كرهتموني فاني انصرف عنكم فقال له حبيب بن مظاهر ويحك يا قرة اين يرجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه ايدك الله بالكرامة فقال له ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وارى رأيي فانصرف إلى ابن سعد فاخبره فقال ارجو ان يعافيني الله من امره وكتب إلى ابن زياد بذلك فلما قرأ الكتاب قال الان إذ علقت مخالبنا به (1) يرجو النجاة (2) ولات حين مناص ثم كتب إلى ابن سعد ان اعرض على الحسين ابن يبايع ليزيد هو وجميع اصحابه فإذا هو فعل ذلك رأينا رأينا فقال ابن سعد قد (1) الان حين تعلقته حبالنا خ ل. (2) الخلاص خ ل.
[110]
خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية " وورد " كتاب ابن زياد في الاثر إلى ابن سعد ان حل بين الحسين واصحابه وبين المآ فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان فبعث عمر في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين عليه السلام واصحابه وبين الماء ومنعوهم ان يستقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة ايام " ونادي " عبد الله بن حصين الازدي باعلى صوته يا حسين تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا فقال الحسين عليه السلام اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا. قال حميد بن مسلم والله لعدته بعد ذلك في مرضه فوالله الذي لا اله غيره لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر (1) ثم يقئ ويصيح العطش ثم يعود فيشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشا فما زال ذلك دأبه حتى هلك " فلما " اشتد العطش على الحسين " ع " واصحابه امر اخاه العباس بن علي عليهما السلام فسار في عشرين راجلا يحملون القرب وثلاثين فارسا فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا وامامهم نافع بن هلال البجلي يحمل اللواء فقال عمرو بن الحجاج من الرجل قال نافع قال ما جاء بك قال جئنا (1) بغر البعير كفرح ومنع شرب ولم يرو فاخذه داء من الشرب والبغر بالتحريك كثرة شرب الماء أو داء وعطش كذا في القاموس (منه).
[111]
نشرب من هذا الماء الذي حلاتمونا عنه قال فاشرب هنيئا قال لا والله لا اشرب منه قطرة والحسين عطشان هو واصحباه فقالوا لا سبيل إلى سقي هاء ولاء انما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء فقال نافع لرجاله املاوا قربكم فملا وها وثار إليهم عمر بن الحجاج واصحابه فحمل عليهم العباس ونافع بن هلال فكشفوهم واقبلوا بالماء ثم عاد عمرو بن الحجاج واصحابه وارادوا ان يقطعوا عليهم الطريق فقاتلهم العباس واصحابه حتى ردوهم وجاءوا بالماء إلى الحسين عليه السلام " وضيق " القوم على الحسين عليه السلام حتى نال منه العطش ومن اصحابه فقال له يزيد بن الحصين (1) الهمداني يا ابن رسول الله اتأذن لي ان اخرج إلى القوم فاذن له فخرج إليهم فقال يا معشر الناس ان الله عزوجل بعث محمدا (ص) بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه وقد حيل بينه وبين ابنه فقالوا يا يزيد قد اكثرت الكلام فاكفف والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله فقال الحسين عليه السلام اقعد يا يزيد (ثم) وثب الحسين عليه السلام متوكئا على قائم سيفه ونادى (1) كذا وجد ويحتمل ان يكون الصواب برير بن خضير وقد وقع في عدة مواضع يرير بن خضير في بعض الكتب ويزيد بن حصين في بعض آخر فالظاهر انه صحف احدهما بالاخر والتعدد ممكن " منه "
[112]
با على صوته فقال انشدكم الله هل تعرفونني قالوا نعم انت ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطه قال انشدكم الله هل تعلمون ان جدي رسول الله (ص) قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان امي فاطمة بنت محمد (ص) قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون ان ابي علي بن طالب عليه السلام قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد اول نساء هذه الامة اسلاما قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان سيد الشهداء حمزة عن ابي قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان الطيار في الجنة عمي قالوا اللهم نعم قال فانشدكم الله هل تعلمون ان هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله انا متقلده قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله انا لابسها قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان عليا كان اول القوم اسلاما واعلمهم علما واعظمهم حلما وانه ولي كل مؤمن ومؤمنة قالوا اللهم نعم قال فبم تستحلون دمي وابي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد في يد ابي يوم القيامة قالوا قد علمنا ذلك كله ونحن غير تار كيك حتى تذوق الموت عطشا " فلما " خطب هذه الخطبة وسمع بنانه واخته زينب كلامه بكين وارتفعت اصواتهن
[113]
فوجه اليهن اخاه العباس وعليا ابنه وقال لهما سكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن " وارسل " الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد مع عمربن قرطة الانصاري اني اريد ان اكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج الحسين عليه السلام في مثلها فامر الحسين (ع) اصحابه فتنحوا وبقي معه اخوه العباس وابنه علي الاكبر وامر ابن سعد اصحابه فتنحوا وبقي معه ابنه حفص وغلام له فقال له الحسين عليه السلام ويلك يا ابن سعد اما تتقي الله الذي إليه معادك اتقاتلني وانا ابن من علمت ذرها وءلاء القوم وكن معي فانه اقرب لك إلى الله فقال ابن سعد اخاف ان تهدم داري فقال الحسين عليه السلام انا ابنيها لك فقال اخاف ان تؤخذ ضيعتي فقال الحسين عليه السلام انا اخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز فقال لي عيال واخاف عليهم ثم سكت ولم يجبه إلى شئ فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول مالك ذبحك الله علي فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فو الله اني لارجو ان لا تأكل من بر العراق الا يسيرا فقال في الشعير كفاية عن البر مستهزا بذلك القول " وفي رواية " انه (ع) لما رأي نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله انفذ إلى عمر بن سعد اني اريد ان القاك فاجتمعا ليلا بين العسكرين وتناجيا طويلا ثم التقي
[114]
الحسين عليه السلام وعمر بن سعد مرارا ثلاثا أو اربعا ثم كتب عمر إلى ابن زياد " اما بعد " فان الله قد اطفأ النائرة وجمع الكلمة واصلح امر الامة هذا الحسين قد اعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه اتى أو ان يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له مالهم وعليه ما علهيم أو ان يأتي امير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبنيه رأيه وفي هذا لك رضا وللامة صلاح " وعن " عقبة بن سمعان انه قال والله ما اعطاهم الحسين عليه السلام ان يضع يده في يد يزيد ولا يسير أن إلى ثغر من الثغور ولكنه قال دعوني ارجع إلى المكان الذي اقبلت منه أو اذهب في هذه الارض العريضة " يقول المؤلف " وهذا هو الذي يقوي في نفسي " قال " فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال هذا كتاب ناصح لاميره مشفق على قومه فقام إليه شمر بن ذي الجوشن وقال اتقبل هذا منه وقد نزل بارضك والى جنبك والله لان رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك اليكونن اولى بالقوة والعزة ولتكونن اولى بالضعف والعجز اولى باضعف والعجز ولكن لينزل على حكمك هو واصحابه فان عقابت فانت اولى بالعقوبة وان عفوت كان ذلك لك فقال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رايك اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين واصحابه النزول على حكمي فإذا فعلوا فليبعث بهم الي سلما وان ابوا فليقاتهلم
[115]
فان فعل فاسمع له واطع وان ابى فأنت امير الجيش فاضرب عنقه وابعث الي برأسه وكتب إلى ابن سعد اني لم ابعثك إلى الحسين (ع) لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شافعا انظر فان نزل الحسين واصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إلى سلما وان ابوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فأنهم لذلك مستحقون فان قتلت الحسين (ع) فاوطى الخيل صدره وظهره فأنه عاق شاق قاطع ظلوم ولست ارى ان هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به فان انت مضيت لامرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وان ابيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد امرناه بامرنا والسلام فلما قرأ ابن سعد الكتاب قال له مالك ويلك لاقرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي والله اني لاظنك انت نهيته ان يقبل ما كتبت به إليه وافسدت علينا امرا كنا قد رجونا ان يصلح لا يستسلم والله حسين ان نفس ابيه لبين جنبيه فقال له شمر بن ذي الجوشن الخبرني بما انت صانع اتمضي لامر اميرك وتقاتل عدوه والا فخل بيني وبين الجند والعسكر قال لا ولا كرامة لك ولكن انا اتولى ذلك فدونك فكن انت على الرجالة " ونهض " عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عشية يوم الخميس
[116]
لتسع مضين من المحرم " وجاء " شمرختى وقف على اصحاب الحسين " ع " فقال اين بنو اختنا يعني العباس وجعفر و عبد الله وعثمان ابناء علي عليه السلام فقال الحسين عليه السلام اجيبوه وان كان فاسقا فانه بعض اخوالكم (1) فقالوا له ما تريد فقال لهم انتم يا بني اختي آمنون فلا تقتلوا انفسكم مع اخيكم الحسين عليه السلام والزموا طاعة يزيد فقالوا له لعنك الله ولعن امانك اتوء مننا وابن رسول الله لا امان له " وفي رواية " فناداه العباس بن امير المؤمنين عليهما السلام تبت يداك ولعن ما جئتنا به من امانك يا عدو الله اتأمرنا ان نترك اخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء واولاد اللعنآء فرجع الشمر إلى عسكره مغضبا " وكان " ابن خالهم عبد الله بن ابي المحل بن حزام وقيل جرير بن عبد الله بن مخلد الكلابي قد اخذ لهم امانا من ابن زياد وارسله إليهم مع مولى له وذلك ان امهم ام البنين بنت حزام زوجة علي عليه السلام هي عمة عبد الله هذا فلما رأوا الكتاب قالوا لا حاجة لنا في امانكم امان الله خير من امان ابن سمية " ثم " نادي عمر بن سعد يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين عليه السلام جالس امام بيته (1) وذلك ان امهم ام البنين كانت من بني كلاب والشمر من بني كلاب " منه ".
[117]
محتب بسيفه إذ خفق براسه على ركبتيه فسمعت اخته زينب الضجة فدنت من اخيها فقالت يا اخي اما تسمع هذه الاصوات قد اقتربت فرفع الحسين عليه السلام راسه فقال اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله الساعة في المنام فقال انك تروح الينا فاطمت اخته وجهها ونادت بالويل فقال لها الحسين عليه السلام ليس لك الويل يا اخيه اسكتي رحمك الله " وفي رواية " انه عليه السلام جلس فرقد ثم استيقظ وقال يا اختاه رأيت الساعة جدي محمدا وابي عليا وامي فاطمة واخي الحسن وهم يقولون يا حسين انك رائح الينا عن قريب " وفي " بعض الروايات غدا فلطمت زينب وجهها وصاحت فقال لها الحسين عليه السلام مهلا لا تشمتي القوم بنا " وقال " له العباس يا اخي اتاك القوم فنهض ثم قال يا عباس اركب انت حتى تلقاهم وتقول لهم ما بالكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاء بهم فأتاهم في نحو عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا قد جاء امر الامير ان نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى ارجع إلى ابي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف اصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين عليه السلام فلما اخبره العباس بقولهم قال له ارجع إليهم فان استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلى
[118]
لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم اني كنت احب الصلوة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار واراد الحسين عليه السلام ايضا ان يوصي اهله فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي سبحان الله والله لو انهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لاجبناهم فكيف وهم آل محمد وقال له قيس بن الاشعث بن قيس اجبهم لعمري ليصبحنك بالقتال فاجابوهم إلى ذلك " فجمع " الحسين عليه السلام اصحابه عند قرب المساء ؟ ؟ " قال " علي بن الحسين عليهما السلام فدنوت منه لاسمع ما يقول لهم وانا إذ ذاك مريض فسمعت ابي يقول لاصحابه: اثني على الله احسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم اني احمدك على ان اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا اسماعا وابصارا وافئدة فاجعلنا لك من الشاكرين " اما بعد " فاني لا اعلم اصحابا اوفي ولا خيرا من اصحابي ولا اهل بيت ابر ولا اوصل من اهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا الا واني لاظن يوما لنا من هاء ولاء الا واني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذه كل واحد منكم بيد رجل من اهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهاء ولاء القوم فأنهم لا يريدون غيري فقال له اخوته وابناؤه وبنو اخيه وابناء عبد الله بن جعفر
[119]
ولم نفعل ذلك لنبقي بعدك لا ارانا الله ذلك ابدا بدأهم بهذا القول العباس بن امير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه " ثم " نظر إلى بني عقيل فقال حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا فقد اذنت لكم قالوا سبحان الله فما يقول الناس لنا وماذا تقول انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله ما نفعل ولكنا نفديك بانفسنا واموالنا واهلينا ونقاتل معك حتى ترد موردك فقبح الله العيش بعدك " وقام " إليه مسلم بن عوسجة الاسدي فقال انحن نخلي عنك وقد احاط بك هذا العدو وبما نعتذر إلى الله في اداء حقك والله لايراني الله ابدا وانا افعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي واضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولم لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم افارقك أو اموت معك " وقام " سعيد بن عبد الله الحنفي فقال لا والله يا ابن رسول الله لا نخليك ابدا حتى يعلم الله انا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم والله لو علمت اني اقتل فيك ثم احيا ثم احرق حيا ثم اذري يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى القي حمامي دونك وكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم ؟ ؟ نال الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا " وقام " زهير بن القين وقال والله
[120]
يا ابن رسول الله صلى الله لوددت اني قتلت ثم نشرت الف مرة وان الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هاوء لاء الفتيان من اخوانك وولدك واهل بيتك " وتكلم " جماعة اصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا وقالوا انفسنا لك الفداء نقيك بايدينا ووجوهنا فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا " ووصل " الخبر إلى محمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال بأن ابنه قد اسر بثغر الري فقال عند الله احتسبه ونفسي ما كنت احب ان يؤسر وابقي بعده فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال رحمك الله انت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال اكلتني السباع حيا ان فارقتك قال فاعط ابنك هذا هذه الاثواب البرود يستعين بها في فداء اخيه فاعطاه خمسة اثواب برود قيمتها الف دينار فحملها مع ولده وامر الحسين عليه السلام اصحابه ان يقربوا بين بيوتهم ويدخلوا الاطناب بعضها في بعض ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم الا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم " وقام " الحسين عليه السلام واصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون وباتوا ولهم دوي كدوي النحل مابين راكع وساجد وقائم وقاعد سمة العبيد من الخشوع عليهم * * لله ان ضمتهم الاسحار
[121]
فإذا ترجلت الضحى شهدت لهم * * بيض القواضب انهم احرار فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا " قال " بعض اصحاب الحسين عليه السلام مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسين عليه السلام يقرأ ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم فقال له برير بن خضير يا فاسق انت يجعلك الله من الطيبين فقال له من انت ويلك قال انا برير بن خضير فتسابا " فلما " كان وقت السحر خفق الحسين عليه السلام برأسه خفقة ثم استيقظ فقال رأيت كأن كلا با قد شهدت لتنهشني وفيها كلب ابقع رأيته اشدها علي واظن ان الذي يتولى قتلي رجل ابرص ثم اني رأيت جدي رسول الله (ص) ومعه جماعة من اصحابه وهو يقول يا بني انت شهيد آل محمد وقد استبشر بك اهل السموات واهل الصفيح الاعلى فليكن اقطارك عندي الليلة عجل ولا تتأخر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء " واصبح " الحسين عليه السلام فعبأ اصحابه بعد صلوة الغداة " وكان " معه اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا وقيل ثمان واربعون راجلا " وفي رواية " ثمانون
[122]
راجلا " وعن " الباقر عليه السلام انهم كانوا خمسة واربعين فارسا ومأة راجل " وقيل " كانوا سبعين فارسا ومأة راجل " فجعل " زهير ابن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة واعطى رايته العباس اخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم " وامر " بحطب وقصب كان من وراء البيوت ان يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم فنفعهم ذلك " واصبح " ابن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة أو يوم السبت فعبأ اصحابه فجعل على ميمنته عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة (عزرة خ ل) بن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي واعطى الرأية دريدا مولاه وجعل على ربع اهل المدينة عبد الله الازدي وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الاشعث وعلى ربع مذحج واسد عبد الرحمن الجعفي وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي " وامر " الحسين عليه السلام بفسطاط فضرب وامر بجفنة فيها مسك كثير وعجل عندها نورة ثم دخل ليطلي فروي ان برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا برير ما هذه ساعة باطل فقال برير لقد علم قومي اني ما احببت الباطل كهلا ولا شابا وانما افعل ذلك استبشارا بما نصير
[123]
إليه فو الله ما هو الا ان نلقى هاوء لاء القوم باسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين " ثم " ركب الحسين عليه السلام دابته ودعا بمصحف فوضعه امامه فروي عن علي بن الحسين عليهما السلام انه قال لما صبحت الخيل الحسين (ع) رفع يديه وقال اللهم انت ثقتي في كل كرب وانت رجائي في كل شدة وانت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو انزلته بك وشكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك ففرجته عني وكشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة " وركب " اصحاب عمر ابن سعد واقبلوا يجولون حول بيوت الحسين عليه السلام فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان القي فيه فنادي شمر با على صوته يا حسين اتعجلت النار قبل يوم القيمة فقال الحسين (ع) من هذا كأنه شمر فقالوا نعم قال يا ابن راعية المعزى انت اولى بها صليا ورام مسلم بن عوسجة ان يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك فقال له دعني حتى ارميه فانه الفاسق من اعداء الله وعظما الجبارين وقد امكن الله منه فقال له الحسين عليه السلام لا ترمه فأني اكره ان ابدأهم بقتال " واقبل " رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن ابي جويريه المزني فلما رأي النار تتقد نادي يا حسين
[124]
ابشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا فقال الحسين عليه السلام اللهم اذقه عذاب النار في الدنيا فنفر به فرسه والقاد في تلك النار فاحترق " ثم " برز تميم بن حصين الفزاري فنادي يا حسين ويا اصحاب حسين اما ترون ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لاذقتم منه قطرة حتى تذقوا الموت جرعا فقال الحسين عليه السلام هذا وابوه من اهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه ووطأته الخيل بسنابكها فمات " ولما " ركب اصحاب ابن سعد قرب إلى الحسين عليه السلام فرسه فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من اصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه السلام كلم القوم فتقدم برير فقال يا قوم اتقوا الله فان ثقل محمد صلى الله عليه واله قد اصبح بين اظهركم هاء ولاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون ان تصنعوه بهم فقالوا نريد ان نمكن منهم الامير ابن زياد فيرى رأيه فيهم فقال لهم برير افلا تقبلون منهم ان يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ويلكم يا اهل الكوفة انسيتم كتبكم وعهودكم التي اعطيتموها واشهدتم الله عليها يا ويلكم ادعوتم اهل بيت نبيكم وزعمتم انكم تقتلون انفسكم دونهم حتى إذا اتوم اسلمتموهم وحلئتموهم (1) (1) طردتموهم ومنعتمهم " منه "
[125]
عن ماء الفرات يئس ما خلفتم نبيكم في ذريته مالكم لاسقاكم الله يوم القيمة فبئس القوم انتم " فقال " له نفر منهم يا هذا ما ندري ما تقول فقال برير ؟ ؟ الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم اني ابرا اليك من فعل هؤلاء القوم اللهم الق بأسهم بينهم حتى يلقوك وانت عليهم غضبان ذحبل ؟ القوم يردونه بالسهام فرجع إلى ورائه " وتقدم " الحسين عليه السلام حتى وقف بازاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل ونظر إلى ابن سعد ؟ واقفا في صنا ديد الكوفة " فقال " الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة باهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فأنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها واراكم قد اجتمعتم على امر قد استخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم واحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد انتم اقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (ص) ثم انكم زحفتم على ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فانساكم ذكر الله العظيم فتبالكم ولما تريدون انا لله وانا إليه راجعون هاء ولاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين " فقال " ابن سعد ويلكم كلموه فأنه ابن ابيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انتقطع ولما حصر " فتقدم " شمر فقال يا حسين ما هذا الذي تقول
[126]
افهمنا حتى نفهم فقال اقول اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فأنه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ولعله قد بلغكم قول نبيكم الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة (1) " وفي رواية " انه دعاء الحسين براحلته فركبها ونادي يا علي صوته يا هل العراق وكلهم (وجلهم خ ل) يسمعون فقال ايها الناس اسمعوا قولي ولا تجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي وحتي اعذر اليكم فان اعطيتموني النصف كنتم بذلك اسعد وان لم تعطوني النصف عن انفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين فلما سمع اخواته وبناته كلامه هذا صحن وبكين وارتفعت اصواتهن فارسل اليهن اخاه العباس وابنه عليا وقال اسكتاهن فلعمري ليكتثرن بكاؤهن ثم انه حمد الله واثني عليه وذكره بما هو اهله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ملائكته وانبيائه وقال مالا يحصي كثرة فلم يسمع متكلم قط قبله ولابعده ابلغ في منطق منه له من علي في الحروف شجاعة * * ومن احمد عند الخطابة قيل (1) وسيأتي تمام كلامه عليه السلام في الرواية الاتية بعد هذا " منه عفي عنه "
[127]
ثم قال اما بعد فانسبوني فانظروا من اناثم ارجعوا إلى انفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي الست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه واول المؤمنين بالله والمصدق برسول الله صلى الله عليه وآله وبما جاء به من عند ربه اوليس حمزة سيد الشهداء عمي اوليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي اولم يبلغكم ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولاخي هذان سيدا شباب اهل الجنة فان صدقتموني بما اقول وهو الحق والله ما تعمدت كذبا مذ علمت ان الله يمقت عليه اهله وان كذبتموني فأن فيكم من أن سألتموه عن ذلك اخبركم سلوا جابر بن عبد الله الانصاري وابا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبرآء بن عازب (1) وزيدا بن ارقم وانس بن مالك يخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولاخي اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف ان كان يدري ما تقول " فقال " له حبيب بن مظاهر والله اني لاراك تعبد الله على سبعين حرفا (سبعين الف حرف خ ل) وانا اشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك " ثم قال " لهم الحسين عليه السلام فان كنتم في شك من هذا افتشكون في اني (1) البراء موجود في مقتل ابن نما خاصة " منه "
[128]
ابن بنت نبيكم فوالله مابين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ويحكم اتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص من جراحة فاخذوا لا يكلمونه " فنادي " يا شبث بن ربعي ويا حجار بن ابجر ويا قيس بن الاشعث ويا يزيد ابن الحارث الم تكتبوا إلى ان قد اينعت الثمار واخضرت الجنان وانما تقدم على جندلك مجند فقال له قيس بن الاشعث ما ندري ما تقول ولكن نزل علي حكم بني عمك فانهم لن يروك الا ما تجب " فقال " له الحسين عليه السلام لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار (اقر اقرار خ ل) العبيد " ثم نادي يا عباد الله اني عذت بربي وربكم ان ترجمون اعوذ بربي وربكم من كل متكبر لايؤمي من بيوم الحساب " ثم " انه اناخ راحلته وامر عقبة بن سمعان فعقلها ثم ركب فرسه وتهيأ للقتال " وفي رواية " انه عليه السلام ركب ناقته وقيل فرسه وخرج إلى الناس فاستنصتهم فابوا ان ينصتوا (1) حتى قال لهم ويلكم ما عليكم ان تنصتوا لي فتسمعوا قولي وانما ادعو كم إلى سبيل الرشاد فمن اطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين (1) رواية ابن طاوس في اللهوف فاستنصتهم فانصتوا ويمكن حملها على انهم انصتوا بعد ان قال لهم ما ذكر ان ابن طاوس " ره " كثير الاختصار " منه ".
[129]
وكلكم عاص لامري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع علي قلوبكم ويلكم الا تنصتون الا تسمعون فتلاوم اصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا انصتوا له فحمد الله واثني عليه وذكره بما هو اهله وصلى على محمد " ص " وعلى الملائكة والانبياء والرسل وابلغ في المقال ثم قال تبا (1) لكم ايتها الجماعة وترحا (2) احين استصر ختمونا والهين (3) (ولهين متحيرين خ ل) فاصرخنا كم موجفين (4) (مؤدين (5) مستعدين خ ل) سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم وحششتم (6) علينا نارا قدحناها (اججناها خ ل) على عدوكم وعدونا فاصبحتم البا (7) على اوليائكم ويدا عليهم لاعدائكم بغير عدل افشوه فيكم ولا امل اصبح لكم فيهم الا الحرام من الدنيا انالو كم وخسيس عيش طمعتم فيه من ير حدث كان منا ولا رأي تفيل (8) لنا فهلا لكم الويلات اذكرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها (9) (1) التب الهلاك " منه ". (2) الترح محركة الهم (منه). (3) الوله بالتحريك الحزن " منه ". (4) وجيف الفرس والبعير عدوه واوجفته اعديته " منه " (5) يقال آدي للسفر بالمد اي تهيأ فهو مؤدو آداه على كذا اعانه وفلان مؤداي شاك في السلاح " منه " (6) اوقدتم " منه " (7) مجتمعين " منه ". (8) اي ضعف وأخطأ " منه ". (9) الضمير للحرب أو الفتنة والتجهز التهيؤ اي هلا اظهرتم ارادة الحرب من اول الامر حيث كانت الحال قابلة للتدارك وكان القياس تجهزتم لها لان تجهز لا يتعدي
[130]
والسيف مشيم (1) (لم يشهر خ ل) والجاش (2) طامن (3) والرأي لما يستحصف (4) ولكن اسرعتم إليها كطيرة الدبا (5) وتداعيتم إليها كتداعي (كتهافت خ ل) الفراش فسحقا (فقبحا خ ل) لكم يا عبيد الامة (فانما انتم من طواغيت الامة خ ل) وشذاذ (6) الاحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الاثام ومحرفي الكتاب (الكلم خ ل) ومطفئي السنن وقتلة اولاد الانبياء ومبيدي عترة الاوصياء وملحقي العهار (7) بالنسب ومؤذي المؤمنين وصراخ ائمة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عصين ولبئس ما قدمت لهم انفسهم وفي العذاب هم خالدون وانتم ابن حرب واشياعه تعضدون (أهاوء لاء تعضدون خ ل) وعنا تخاذلون اجل والله الخذل فيكم معروف (غدر فيكم قديم خ ل) وشجت عليه اصولكم وتأزرت عليه فروعكم (وشجت عليه عروقكم وتوارثته اصولكم وفروعكم خ ل) وثبتت عليه قلوبكم وغشيت صدوركم فكنتم اخبث ثمر (شئ خ ل) شجا للناظر واكلة = بنفسه ولم صحت روايتها عنه عليه السلام لكفي بها شاهدا على الجواز لكن احتمال الخطأ من النساخ موجود " منه ". (1) مغمد " منه ". (2) الجأش بالهمز والجاش بدونه رواغ القلب إذا اضطرب عند الفزع ونفس الانسان " منه ". (3) مطمئن " منه ". (4) استحصف الرأي استحكم " منه " (5) الدبا بالفتح الجراد قبل ان يطير " منه ". (6) شذاذ الناس الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم " منه ". (7) عاهرها عهارا تاها للفجور " منه ".
[131]
للغاصب الالعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فانتم والله هم الا ان المدعي ابن الدعي قدر كزبين اثنتين بين السلة (1) والذلة وهيهات منا الذلة (وهيهات ما آخذ الدنية خ ل) يأبي الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود (وحجور خ ل) طابت وحجور (وحجر خ ل) طهرت وانوف حمية ونفوس ابية لا تؤثر (من ان توثر خ ل) طاعة اللئام على مصارع الكرام الا قد اعذرت وانذرت الا واني زاحف بهذه الاسرة مع قلة العدد (العتاد خ ل) وكثرة العدو وخذلان الناصر (وخذلة الاصحاب (الناصر خ ل) ثم وصل عليه السلام كلامه بابيات فروة بن مسيك المرادي فقال فان نهزم فهزامون قدما * * وان نغلب فغير مغلبينا (2) وما إن طبنا (3) جبن ولكن * * منايانا ودولة آخرينا إذا ما الموت رفع عن اناس * * كلا كله (4) انا خ بآخرينا فافنى ذلكم سروات قومي * * كما افني القرون الاولينا فلو خلد الملوك اذن خلدنا * * ولو بقي الكرام اذن بقينا فقل للشامتين بنا افيقوا * * سيلقى الشامتون كما لقينا (1) السلة بالفتح والكسرا ستلال السيوف " منه ". (2) وان نهزم فغير مهزمينا خ ل. (3) بالكسر عادتنا " منه ". (4) جمع كلكل وهو الصدر " منه ". (*)
[132]
" ثم " قال اما والله لا تلبثون بعدها الاكريث (1) ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور (2) عهد عهده الي ابي عن جدي فاجمعوا امركم وشركائكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون (ثم كيدوني جميعا فلا تنظرون خ ل) اني توكلت على الله ربي وربكم مامن دابة الاهو آخذ بناصيتا ان ربي على صراط مستقيم اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف (3) يسقيهم كاسا مصبرة ولا يدع فيهم احدا الا قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولا وليائي واهل بيتي واشياعي منهم فانهم غرونا وكذبونا وخذلونا وانت ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير ثم قال ادعوا لي عمر بن سعد فدعي له وكان كارها لا يجب ان يأتيه فقال يا عمر أنت تقتلني وتزعم ان يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري وجرجان والله لاتتهني بذلك ابدا عهدا معهودا فاصنع ما انت صانع فانك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ولكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم فاغتاظ ابن سعد من كلامه ثم صرف بوجهه عنه ونادي باصحابه ما تنتظرون به احملوا باجمعكم انما هي اكلة واحدة (1) كمقدار " مئة ". (2) المحور كمنبر العود الذي تدور عليه البكرة وربما كان من حديد " منه ". (3) هو المختار بن ابي عبيدة الثقفي " منه ".
[133]
" ثم " ان الحسين عليه السلام نزل عن راحلته ودعا بفرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز فركبه " وخرج " زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فقال يا اهل الكوفة بدار (نذار خ ل) لكم من عذاب الله بدار (نذار خ ل) ان حقا على المسلم نصيحة المسلم ونحن حتى الان اخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا نحن امة وانتم امة ان الله قد ابتلانا (1) واياكم بذرية محمد صلى الله عليه وآله لينظر ما نحن وانتم عاملون انا ندعوكم إلى نصره وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد فسبوه واثنوا على ابن زياد فقال لهم يا عباد الله ان ولد فاطمة احق بالود والنصر من ابن سمية فان كنتم لم تنصروهم فاعيذكم بالله ان تقتلوهم فلعمري ان يزيد يرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام فرماه شمر بسهم وقال اسكت اسكت الله نامتك (2) ابر متنا (3) بكثرة كلامك فقال زهير يا ابن البوال على عقبيه ما ايكاك اخاطب انما انت بهيمة والله ما اظنك تحكم من كتاب الله آيتين وابشر بالخزي يوم القيمة والعذاب الاليم فقال شمر ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة قال افبالموت تخوفني والله لموت معه احب الي من الخلد معكم ثم رفع صوته (1) اختبرنا " منه " (2) في الصحاح قولهم اسكت الله نامته اي ماينم عليه من حركته " منه " (3) يقال ابرمه اي امله واضجره " منه "
[134]
وقال عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي فوالله لا تنال شفاعة محمد قوما اهرقوا دماء ذريته واهل بيته وقتوا من نصرهم وذب عن حريمهم فأمره الحسين عليه السلام فرجع " ولما " رأى الحر ابن يزيد ان القوم قد صمموا على قتال الحسين عليه السلام قال لعمر ابن سعدا مقاتل انت هذا الرجل قال اي والله قتالا ايسره ان تسقط الرؤس وتطيح الايدي قال فمالكم فيما عرضه عليكم رضى قال اما لو كان الامر الي لفعلت ولكن اميرك قد ابي فاقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد ان تسقيه قال قرة فظننت والله انه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال فكره ان اراه حين يصنع ذلك فقلت له لم اسقه وانا منطلق فاسقيه فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين عليه السلام فاخذ الحر يدنو من الحسين عليه السلام قليلا قليلا فقال له المهاجر بن اوس ما تريد يا ابن يزيد أتريد ان تحمل فلم يحبه واخذه مثل الا فكل وهي الرعده فقال له المهاجر ان امرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من اشجع اهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي ارى منك فقال الحر اني والله اخير نفسي بين الجنة والنار فو الله اني لاختار على الجنة
[135]
شيئا ولو قطعت وحرقت ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول اللهم اليك انيب فتب علي فقد ارعبت قلوب اوليائك واولاد بنت نبيك وقال للحسين عليه السلام جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطرق وجعجعت بك في (إلى خ ل) هذا المكان وما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة والله لو علمت انهم ينتهون بك إلى ما ارى ماركتب مثل الذي ركتب واني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي مواسيا لك بنفسي حتى اموت بين يديك فهل ترى لي من توبة فقال له الحسين عليه السلام نعم يتوب الله عليك فانزل قال انا لك فارسا خير مني واجلا اقاتلهم علي فرسه ساعة والى النزول يصير آخر امري فقال له الحسين عليه السلام فاصنع يرحمك الله مابدا لك فاستقدم امام الحسين عليه السلام فقال يا اهل الكوفة لامكم الهبل (1) والعبر ادعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاء كم اسلمتموه وزعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه ثم عدوتم عليه لقتلوه وامسكم بنفسه واخذتم بكظمه واحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة فصار كالاسير في ايديكم لا يملك لنفسه نفعنا ولا يدفع (1) الهبل الثكل " منه ".
[136]
عنها ضرا وحلا تموه ونساءه وصبيته واهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصاري والمجوس وتتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه فهاهم قد صرعهم العطش بئس ما خلفتم محمدا في ذريته لاسقاكم الله يوم الظلما فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فرجع حتى وقف امام الحسين عليه السلام " وروى " ابن نما انه قال للحسين عليه السلام لما وجهني عبيدالله اليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي ابشر يا حر بخير فالتفت فلم ار احدا فقلت والله ما هذه بشارة وانا اسير إلى. الحسين عليه السلام وما كنت احدث نفسي باتباعك فقال لقد اصبت اجرا وخيرا " ونادي " عمر بن سعد يا دريد ادن رايتك فادناها ثم وضع سهما في كبد قوسه فرمى به نحو عسكر الحسين عليه السلام وقال اشهدوا لي عند الامير اني اول من رمي واقبلت السهام من القوم كأنها القطر فلم يبق من اصحاب الحسين عليه السلام احد الا اصابه من سهامهم فقال " عليه السلام لاصحابه قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه فان هذه السهام رسل القوم اليكم فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من اصحاب الحسين عليه السلام جماعة فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده على لحيته وجعل يقول اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا واشتد غضبه على النصاري إذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتد غضبه على المجوس
[137]
إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتد غضبه على قوم التفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم اما والله لا اجيبهم إلى شئ مما يريدون حتى القي الله تعالى وانا مخضب بدمي " فروي " عن مولانا الصادق عليه السلام انه قال سمعت ابي يقول لما التقي الحسين عليه السلام وعمر بن سعد وقامت الحرب على ساق النزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على اعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء الله ثم صاح الحسين عليه السلام اما من مغيث يغيثنا لوجه الله اما من ذاب يذب عن حرم رسول الله (ص) " وكان " يزيد بن زياد بن المهاجر (مهاصر خ ل) الكندي ويكني ابا الشعثاء في اصحاب ابن سعد فلما ردوا على الحسين عليه السلام ما عرضه عليهم عدل إليه فقاتل بين يديه وجعل يرتجز ويقول انا يزيد وابي الماجر (1) * * اشجع من ليث بغيل خادر يا رب اني للحسين ناصر * * ولابن سعد تارك وهاجر وجثا بين يدي الحسين عليه السلام فرمى بمأة سهم ما سقط منها خمسة اسهم وكان راميا وكلما رمى يقول له الحسين عليه السلام اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة فقتل خمسة من اصحاب عمر بالنشاب وكان اول من قتل (ثم) ارتمي الناس وتبار زوا فكان اصحاب (1) (مهاصر خ ل)
[138]
الحسين عليه السلام كما قيل فيهم قوم إذا نودوا لدفع ملمة * * والخيل بين مدعس ومكردس لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا * * يتهافتون على ذهاب الانفس " فرز " يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد وقالا من يبارز فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير فقال لهما الحسين عليه السلام اجلسا فقام عبد الله بن عمير الكلبي فاستأذن الحسين عليه السلام في مبارزتهما وكان طويلا بعيد مابين المنكبين فنظر إليه الحسين عليه السلام وقال اني احسبه للاقران قتالا واذن له وكان قد خرج من الكوفة ليلا ومعه امرأته ام وهب إلى الحسين عليه السلام لانه لما رأي العساكر تعرض بالنخيلة لتسير إلى حرب الحسين عليه السلام قال والله لقد كنت على جهاد اهل الشرك حريصا واني لارجو ان لا يكون جهاد هاولاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم اقل ثوابا عند الله من جهاد المشركين فاخبر زوجته فقالت اصبت اخرج واخرجني معك فلما برز قال له يسار من انت فانتسب له فقال له لست اعرفك ليخرج الي زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو بريربن خضير فقال له ابن عمير يا ابن الفاعلة وبك رغبة عن مبارزة احد من الناس ولا يبرز اليك احد الا وهو خير منك ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد وهو اول من قتل من اصحاب ابن سعد فانه لمشتغل بضربه
[139]
إذ شد عليه سالم مولى عبيدالله فصاحوا به قد رهقك العبد فلم يعبأ به حتى غشيه فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسري فاطارت اصابع كفه ثم شد عليه ابن عمير فضربه حتى قتله فرجع وقد قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول ان تنكروني فانا ابن كلب * * حسبي ببيتي في عليم حسبي اني امرو ذو مرة (1) وعضب (2) * * ولست بالخوار (3) عند النكب (4) اني زعيم (5) لك ام وهب * * بالطعن فيهم صادقا (6) والضرب ضرب غلام مؤمن بالرب ثم قاتل قتالا شديدا حتى قتل رجلين آخرين فقتله هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التيمي وخرجت امرأته فجلست عند راسه تمسح التراب عن وجهه وتقول هنيئا لك الجنة فامر شمر غلاما له يقال له رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها (7) " وبرز " عمر بن (1) المرة بالكسر قوة الخلق وشدته والعقل ؟ ؟ والاحكام والقوة " منه " (2) العضب الطعن والضرب " منه ". (3) الخوار الضعيف " منه ". (4) النكب المصيبة " منه ". (5) كفيل " منه ". (6) (مقدما خ ل). (7) الظاهر انه وقع خلط من المؤرخين بين قصة وهب بن حباب الكلبي الاتي ذكره وقصة عبيد الله هذا كما يظهر من التتبع فاطبري وابن الاثير نسبا قتل غلام شمر للمرأة إلى زوجة عبيدالله كما ذكرناه هنا وبعض نسبه إلى زوجة وهب ونسبا ايضا اخذ العمود إلى آخر القصة الاتية عند ذكر وهب بن حباب إلى
[140]
خالد الصيداوي فقال له الحسين عليه السلام تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة فحمل هو وسعد مولاه وجبار بن الحارث السلماني ومجمع بن عبيد الله العائذي فاوغلوا في اصحاب عمر بن سعد فعطف عليهم اصحاب ابن سعد فقطعوهم عن اصحابهم فحمل العباس بن علي عليهما السلام فاستنقذهم وقد جرحوا ثم حملوا فقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة اصحاب الحسين عليه السلام فيمن كان معه من اهل الكوفة فلما دنا من اصحاب الحسين عليه السلام جثوا له على الركب واشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على = زوجة عبيد. وابن طاوس وغيره يسبوا اخذ العمود إلى زوجة وهب والطبري وابن الاثير قالا ان زوجة عبيد الله اسمها ام وهب فيحتمل الاشتباه بام وهب ابن حباب وان يكونا اخذا ذلك من بعض الاراجيز المنسوبة لعبيد الله وفيها اني زعيم لك ام وهب. كما نقلناه هنا. والمفيد لم يذكر في رجز عبيدالله اني زعيم البيت وحسبي بيتي الخ واقتصر على الباقي ولعله اقرب إلى الصواب والطبري نسب إلى عبيدالله الرجز كما نسبناه هنا وعنه نقلناه وكذا ابن نما عدا الشطر الاخير، وبعضهم نسب إلى وهب انه ارتجز وقال اني زعيم لك ام وهب * بالطعن فيهم تارة والضرب ضرب غلام مؤمن بالرب * حتى يذيق القوم مر الحرب اني امروء ذو مرة وعضب * ولست بالخوار قبل النكب حسبي الهي من عليم حسبي مع ان اكثر ذلك هو في الرجز المنسوب إلى عبيد الله والله اعلم " منه ".
[141]
الرماح فذهب الخيل ترجع فرشقهم اصحاب الحسين عليه السلام بالنبل فصرعوا منهم رجالا وجرجوا آخرين " وجاء " رجل من بني تميم يقال له عبد الله بن حوزة فقال يا حسين ابشر بالنار فقال له الحسين عليه السلام كذبت بل اقدم على رب رحيم وشفيع مطاع ثم رفع الحسين عليه السلام يديه فقال اللهم حزه (جره خ ل) إلى النار فاضطرب به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسري بالركاب وارتفعت اليمنى فشد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمني فطارت وعدابه فرسه يضرب رأسه بكل حجر ومدر حتى مات وعجل الله بروحه إلى النار " وكان " مسروق بن وائل الحضرمي قد خرج مع ابن سعد وقال لعلي اصيب رأس الحسين فاصيب به منزلة عند ابن زياد فلما رأي ما صنع بابن حوزة بدعاء الحسين عليه السلام رجع وقال لقد رأيت من اهل هذا البيت شيئا لا اقاتلهم ابدا " ونشب " القتال " فخرج " برير بن خضير الهمداني وكان زاهدا عابدا وكان اقرأ اهل زمانه وكان يقال له سيد القراء وهو يقول انا برير وابي خضير * لاخير فيمن ليس فيه خير " وجعل " يحمل على القوم وهو يقول اقتربوا مني ياقتلة المؤمنين اقتربوا مني يا قتلة اولاد البدريين اقتربوا مني يا قتلة اولاد رسول رب العاملين وذرية الباقين فخرج إليه يزيد بن معقل لبرير هل تذكر
[142]
وانت تقول ان فلانا كان على نفسه مسرفا وان معوية ضال مضل وان امام الهدي والحق علي بن أبي طالب فقال له برير اشهد ان هذا ارأيي وقولي فقال يزيد اشهد انك من الضالين فقال له برير هلم ابا هلك ولندع الله ان يلعن الكاذب منا وان يقتل المحق منا المبطل فتباهلا ثم تبارزوا فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة فلم يضره شيئا وضربه برير ضربة قدت المغفر ووصلت إلى دماغه فسقط والسيف في رأسه فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريرا واعتركا ساعة ثم ان بريرا رمي به إلى الارض وقعد على صدره فحمل كعب بن جابر الازدي على برير وطعنه بالرمح في ظهره فنزل برير عن ابن منقذ بعد ان عض انفه فقطعه واقبل إليه كعب بن جابر فضربه بسيفه حتى قتله رضوان الله عليه " وفي " بعض الروايات ان بريرا قتل ثلاثين رجلا فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته أعنت على ابن فاطمة وقتلت بريرا سيد القراء لا اكلمك ابدا " وقيل " ان الذي قتل بريرا رجل يقال له بحير بن اوس الضبي فلما قتله يقول وقيل بل قالها كعب بن جابر سلي تخبري عني وانت ذميمة * غداة حسين والرماح شوارع الم آت اقصى ما كرهت ولم يخل * غداة الوغي والروع ما انا صانع في ؟ يزني لم تخنه كلوبه ؟ * وابيض مشحوذ الخراء لان قاطع
[143]
فجردته في عصبة ليس دينهم * كديني واني بعد ذاك (1) لقانع ولم تر عيني مثلهم في زمانهم * ولا قبلهم في الناس إذا انا يافع اشد قراعا بالسيوف لدى الوغى * الاكل من يحمي الذمار مقارع وقد صبروا للطعن والضرب حسرا * وقد جالدوا لو ان ذلك نافع فابلغ عبيد الله إذ ما لقيته * باني مطيع للخليفة سامع قتلت بريرا ثم جلت بهمة * غداة الوغى لما دعا من يقارع (قتلت بريرا ثم حملت نعمة * ابا منقذ لما دعا من يماصع خ ل) " ثم " ذكر له بعد ذلك ان بريرا كان من عباد الله الصالحين " وجاء " ابن عم له وقال ويحك يا بحير قتلت بريرا بن خضير فبأي وجه تلقى ربك غدا فندم الشقي وقيل ان رضي بن منقذا جاب كعب بن جابر فقال فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم * ولا جعل النعماء عندي ابن جابر لقد كان ذا عارا علي وسبة * يعيرها الابناء عند المعاشر فياليت اني كنت في الرحم حيضة * ويوم حسين كنت ضمن المقابر فيا سوأتا ماذا اقول لخالقي * وما حجتي يوم الحساب القماطر " ثم برز " وهب بن حباب الكلبي (2) ويقال انه كان نصرانيا فاسلم (1) (بابن حرب خ ل). (2) قد عرفت ان الظاهر وقوع خلط من المؤرخين بين قصة الكلبي هذا وعبيد الله الكلبي المتقدم قاتل يسار وسالم فراجع (منه).
[144]
على يدي الحسين عليه السلام وكانت معه امه وزوجته فقالت امه قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال افعل يا اماه ولا اقصر فبرز وهو يقول ان تنكروني فانا ابن الكلبي * سوف تروني وترون ضربي وحملتي وصولتي في الحرب * ادرك ثاري بعد ثار صحبي وادفع الكرب امام الكرب * ليس جهادي في الوغي باللعب " ثم " حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة ثم رجع إلى امرأته وامه وقال يا اماه ارضيت فقالت ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام فقالت امرأته بالله عليك لا تفجعني بنفسك فقالت له امه يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيمة فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه واخذت امرأته عمودا واقبلت نحوه وهي تقول فداك ابي وامي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله فاقبل كي يردها إلى النساء فاخذت بجانب ثوبه وقالت لن اعود دون ان اموت معك فقال الحسين عليه السلام جزيتم من اهل بيت خيرا ارجعي إلى النساء رحمك الله فانصرفت اليهن ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه " وقال " الحر للحسين عليه السلام فإذا كنت اول من خرج عليك فأذن لي ان اكون اول قتيل بين
[145]
يديك (1) لعلي اكون ممن يصافح جدك محمدا صلى الله عليه وآله غدا في القيمة فحمل على اصحاب عمر بن سعد وهو يتمثل بقول عنترة ما زلت ارميهم بغرة وجهه * ولبانه (2) حتى تسربل بالدم ثم جعل يرتجز ويقول اني انا الحر ومأوي الضيف * اضرب في اعناقكم (3) بالسيف عن خير من حل بارض الخيف * اضربكم ولا ارى من حيف * وروى انه كان يرتجز ايضا ويقول آليت لاأقتل حتى اقتلا * ولن اصاب اليوم الا مقبلا اضربهم بالسيف ضربا معضلا (4) * لاناكلا عنهم ولا معللا (5) لا عاجزا عنهم ولا مبدلا * احمي الحسين الماجد المؤلا وقاتل قتالا شديدا " فروي " انه لما لحق بالحسين عليه السلام قال رجل من بني تميم بني تميم الحرث يقال له يزيد بن سفيان اما والله (1) (1) لا يخفى ان مقتضى بعض الروايات انه قتل جماعة قبل الحر وهو المستفاد من تاريخ ابن الاثير فلذلك حمل على ان المراد اول قتيل من المبارزين ويمكن كون الحر اول المقتولين وعدم صحة مادل على خلاف ذلك كما لعله يفهم من تاريخ المفيد فأنه لم يذكر ان احدا تقدم الحر في القتل سوى ان ابن عوسجه صرع قبله " منه ". (2) اللبان الصدر " منه ". (3) اعراضكم خ ل. (4) (مقصلا خ ل). (5) مهللا خ ل.
[146]
لو لحقته لاتبعته السنان فبينما الحر يقاتل وان فرسه لمضروب على اذنيه وحاجبيه وان الدماء لتسيل إذ قال الحصين يا يزيد هذا الحر الذي كنت تتمناه قال نعم فما لبث الحر ان قتله وقتل اربعين فارسا وراجلا حتى عقر فرسه فقاتلهم راجلا قتالا شديدا وهو يقول ان تعقروا بي فانا ابن الحر * اشجع من ذي لبد هزبر وفي رواية انه كان يرتجز ويقول اني انا الحر ونجل الحر * اشجع من ذي لبد هزبز ولست بالجبان عند الكر * لكنني الوقاف عند الفر وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا واربعين رجلا " وفي " رواية ثمانية عشر رجلا " وكان " يحمل هو وزهير بن القين فإذا حمل احدهما وغاص فيهم حمل الاخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة وفي ذلك يقول عبيدالله بن عمرو البدائي من بني البداء وهم من كندة سعيد بن عبد الله لاتنسينه * ولا الحراذ آسى زهيرا على قسر " ثم " حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه فاشترك في قتله ايوب ابن مسرح ورجل آخر من فرسان اهل الكوفة فاحتمله اصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام وبه رمق فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول انت الحر كما سمتك امك حر في الدنيا والاخرة " وروي " انه اتاه
[147]
الحسين عليه السلام ودمه يشخب فقال بخ بخ لك يا حر انت حر كما سميت في الدنيا والاخرة " وخرج " من اصحاب الحسين عليه السلام نافع بن هلال البجلي وقيل هلالي بن نافع قتالا شديدا وجعل يقول انا ابن هلال البجلي * انا علي دين علي * ودينه دين النبي " فبرز " إليه رجل من بني فظيعة يقال له مزاحم (واجم خ ل) بن حريث فحمل عليه نافع فقتله وكان قد كتب اسمه على فوق (1) نبله وكانت مسمومة فقتل بها اثني عشرا وثلاثة عشر رجلا سوى من جرح فجعل يقول ارمي بها معلمة افواقها * والنفس لا ينفعها اشفاقها مسمومة تجري بها اخفاقها * ليملان ارضها رشاقها فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ثم ضرب يده إلى سيفه فأشتبله وجعل يقول انا الغلام اليمني البجلي * ديني على دين حسين وعلي ان اقتل اليوم فهذا املي * فذلك رأيي والاقي عملي فكسروا عضديه واخذ اسيرا فأخذه شمر واتي به إلى ابن سعد فقال له ابن سعد ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك قال (1) الفوق بالضم موضع الوتر من السهم والجمع افواق " منه ".
[148]
ان ربي يعلم ما اردت والدماء تسيل على وجهه ولحيته وهو يقول لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ولو بقيت لي عضد وساعد ما اسرتموني فانتضى شمر سيفه ليقتله فقال له نافع والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك ان تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه فقتله شمر " وخرج " عمرو ابن قرطة الانصاري فاستأذن الحسين عليه السلام فاذن له فبرز وهو يرتجز ويقول قد علمت كتيبة الانصار * اني ساحمي حوزة الذمار ضرب غلام غير نكس شاري (1) دون حسين مهجتي وداري (2) فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهم الا اتقاه بيده ولا سيف الا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل إلى الحسين عليه السلام سوء حتى اثخن بالجراح فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال يا ابن رسول الله اوفيت قال نعم انت امامي في الجنة فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله (1) ليس بالفرار خ ل (2) قال ابن نما عليه الرحمة قوله وداري اشار إلى عمر بن سعد لما التمس منه الحسين عليه السلام المهادنة فقال داري اه وهو استنباط حسن " منه ".
[149]
عني السلام واعلمه اني في الاثر فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه " وكان " له اخ مع عمر بن سعد فقال للحسين عليه السلام اضللت اخي وغررته حتى قتلته فقال الحسين عليه السلام ان الله لم يضل اخاك بل هداه واضلك قال قتلني الله ان لم اقتلك أو اموت دونك فحمل واعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه نافع فصرعه فحمل اصحابه فاستقذوه " وبرز " جون مولى ابي ذر الغفاري وكان عبدا اسود فقال له الحسين عليه السلام انت في اذن مني فانما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا فقال يا ابن رسول الله انا في الرخاء الحسن قصاعكم وفي الشدة اخذ لكم والله ان ريحي لنتن وان حسبي لئيم وان لوني لاسود فتنفس علي بالجنة فيطيب رحيي ويشرف حسبي ويبيض وجهي لا والله لاافارقكم حتى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم ثم برز وهو يقول كيف ترى الكفار ضرب الاسود * بالسيف ضربا عن بني محمد اذب عنهم باللسان واليد * ارجوبه الجنة يوم المورد ثم قاتل حتى قتل فوقف عليه السلام فقال اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الابرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد " وعن " الباقر عليه السلام ان الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى فوجدوا جونا بعد عشرة ايام تفوح منه رائحة المسك
[150]
" وبرز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين عليه السلام يا ابا عبد الله قد هممت ان الحق باصحابي وكرهت ان اتخلف واراك وحيدا من اهلك قتيلا فقال له الحسين عليه السلام تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة فتقدم حتى قتل " وجاء " حنظلة بن سعد (اسعد خ ل) الشبامي و 1) فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره فما احقه بقول عرقلة بن حسان الدمشقي ويرد صدر السمهري بصدره * ماذا يؤثر ذابل في يذبل وكأنه والمشرفي بكفه * بحر يكر على الكماة بجدول واخذ ينادي يا قوم اني اخاف عليكم مثل يوم الاحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد يا قوم اني اخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من الفترى فقال له الحسين يا ابن سعد (اسعد خ ل) رحمك الله انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا اليك يشتمونك واصحابك فكيف بهم الان وقد قتلوا اخوانك الصالحين قال صدقت جعلت فداك افلا نروح إلى ربنا ونلحق باخواننا قال بلى رح إلى ما هو لك خير من الدنيا وما (1) نسبة إلى شبام بالشين المعجمة المكسورة والباء الموحدة بطن من همدان " منه "
[151]
فيها والى ملك لايبلي فقال السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله عليك وعلى اهل بيتك وجمع (وعرف خ ل) بيننا وبينك في الجنة فقال الحسين عليه السلام آمين آمين وتقدم فقاتل قتالا شديدا فحملوا عليه فقتلوه " وجاء " رجل فقال اين الحسين فقال ها اناذا قال ابشر بالنار تردها الساعة قال ابشر برب رحيم وشفيع مطاع من انت قال انا محمد بن الاشعث قال اللهم ان كان عبدك كاذبا فخذه إلى النار واجعله اليوم آية لاصحابه فما هو الا ان ثنى عنان فرسه فرمي به وثبتت رجله في الركاب فضربه حتى قطعه ووقعت مذاكيره في الارض قال الراوي فوالله لقد عجبنا من سرعة اجابة دعائه " وفي رواية " ان محمد بن الاشعث قال يا حسين اي حرمة لك من رسول الله " ص " ليست لغيرك فتلا الحسين عليه السلام ان الله اصطفى آدم ونوح وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ثم قال وان محمدا لمن آل ابراهيم وان العترة الهادية لمن آل محمد ثم رفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء فقال اللهم ار محمدا بن الاشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد ابدا فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلدغه فمات بادي العورة " ثم " جاء آخر فقال اين الحسين فقال ها انا ذا قال ابشر يالنار قال ابشر برب رحيم وشفيع مطاع من انت قال انا شمر بن ذي
[152]
الجوشن قال الحسين عليه السلام الله اكبر قال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت كأن كلبا ابقع يلغ في دماء اهل بيتي وقال الحسين عليه السلام رأيت كأن كلابا تنهشني وكان فيها كلب ابقع كان اشدها علي وهو انت وكان شمر ابرص " وبرز " مسلم بن عوسجة وهو يرتجز ويقول ان تسألوا عني فاني ذو لبد * من فرع قوم من ذرى بني اسد فمن بغانا حائد عن الرشد * وكافر بدين جبار صمد فقاتل قتالا شديدا " وصاح " عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقاء التدرون من قتاتلون تقاتلون فرسان اهل المصر واهل البصائر وقوما مستميتين لايبرز إليهم منكم احد والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم فقال ابن سعد صدقت ثم ارسل إلى الناس من يعزم عليهم ان لا يبارز رجل منكم رجلا منهم " وصاح " عمرو بن الحجاج يا اهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الامام فسمعه الحسين عليه السلام فقال يا عمروا علي تحرض الناس انحن مرقنا من الدين ام انتم والله لتعلمن لو قبضت ارواحكم ومتم على اعمالكم اينا المارق " ثم " حمل عمرو ابن الحجاج في اصحابه على الحسين عليه السلام من نحو الفرات فاضطربوا ساعة " فصرع " مسلم بن عوسجة الاسدي رحمة الله عليه
[153]
وبقي به رمق وانصرف عمرو بن الحجاج واصحابه وانقطعت الغبرة فإذا مسلم صريح فمشي إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر فقال الحسين عليه اللام رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال عز علي مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة فقال له مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير ثم قال له حبيب لو لا اني اعلم اني في الاثر من ساعتي هذه لاحببت أن توصيني بكل ما أهمك فقال له مسلم فأني اوصيك بهذا واشار إلى الحسين عليه السلام فقاتل دونه حتى تموت فقال له حبيب لانعمنك عينا ثم مات رضوان الله عليه وصاحت جارية له يا سيداه يا ابن عوسجاه فنادي اصحاب ابن سعد مستبشرين قتلنا مسلما ابن عوسجة فقال شبث بن ربعي ثكلتكم امهاتكم اما انكم تقتلون انفسكم بايديكم وتذلون انفسكم لغيركم اتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة اما والذي اسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم لقد رأيته يوم اذربايجان قتل ستة من المشركين قبل ان تلتئم خيول المسلمين " ثم " تراجع القوم إلى الحسين عليه السلام فحمل شمر في الميسرة على ميسرة اصحاب الحسين عليه السلام فثبتوا له وطاعنوه وحملوا على الحسين عليه السلام واصحابه من كل جانب وقاتلهم اصحاب الحسين عليه السلام قتالا شديدا فاخذت
[154]
خيلهم تحمل وانما هي اثنان وثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة الا كشفته فلما رأى ذلك عروة (غزرة خ ل) بن قيس وهو على خيل اهل الكوفة بعث إلى ابن سعد اما ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال والرماة وقاتل اصحاب الحسين عليه السلام القوم اشد قتال خلقه الله حتى انتصف النهار فبعث ابن سعد الحصين بن نمير في خمسماية من الرماة فاقتتلوا حتى دنوا من الحسين عليه السلام واصحابه فلما رأوا صبر اصحاب الحسين عليه السلام تقدم الحصين إلى اصحابه ان يرشقوا اصحاب الحسين عليه السلام بالنبل فرشقوهم فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وبقي الحسين عليه السلام وليس معه فارس واشتد القتال بينهم فقاتلوهم اشد قتال خلقه الله ولم يقدروا ان ياتوهم الا من جانب واحد لاجتماع ابيتهم وتقارب بعضها من بعض فارسل عمر بن سعد الرجال ليقوضها عن ايمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم واخذ الثلاثة والاربعة من اصحاب الحسين عليه السلام يتخللون البيوت فيقتلون الرجال وهو يقوض وينهب فير مونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه فقال ابن سعد احرقوها بالنهار فاحرقت فقال لهم الحسين عليه السلام دعوهم يحرقوها فأنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا اليكم فكان كما قال " وقيل " ان شمرا حمل حتى بلغ فسطاط
[155]
الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ونادي علي بالنار حتى احرق هذا البيت على اهله فصاحت النساء وخرجن وصاح به الحسين عليه السلام انت تحرق بيتي على اهلي احرقك الله بالنار فقال حميد بن مسلم اتقتل الولدان والنساء والله ان في قتل الرجال لمأ يرضى به اميرك فلم يقبل فاتاه شبث بن ربعى فقال افزغنا النساء ثكلتك امك فاستحيا وانصرف وحمل شمر بن ذي الجوشن في اصحابه على اصحاب الحسين عليه السلام فحمل عليهم زهير بن القين في عشرة رجال من اصحاب الحسين عليه السلام فكشفوهم عن البيوت وقتلوا ابا عذرة (عزرة خ ل) الضبابي من اصحاب شمر وعطف عليهم شمر فقتل منهم ورد الباقين إلى مواضعهم " وكان " يقتل من اصحاب الحسين عليه السلام الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ويقتل من اصحاب ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم " وقتل " أبو ثمامة الصائدي ابن عم له كان عدوه " وحضر " وقت صلوة الظهر فقال أبو ثمامة الصيداوي للحسين عليه السلام يا ابا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هاؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى اقتل دونك واحب ان القى الله ربي وقد صليت هذه الصلوة فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء وقال ذكرت الصلوة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا اول وقتها ثم قال
[156]
سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن نمير انها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت لاتقبل الصلوة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وانصارهم وتقبل منك يا خمار فحمل عليه الحصين وحمل عليه حبيب فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاستنقذه اصحابه وشدوا على حبيب فقتل رجلا منهم " وقال " الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي تقدما امامي حتى اصلي الظهر فقتدما امامه في نحو من نصف اصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين عليه السلام سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى بالنبل حتى سقط إلى الارض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم ابلغ نبيك عني السلام وابلغه ما لقيت من الم الجراح فاني اردت ثوابك في نصر ذرية نبيك " وفي رواية " انه قال اللهم لا يعجزك شئ تريده فابلغ محمدا صلى الله عليه وآله نصرتي ودفعي عن الحسين عليه السلام وارزقني مرافقته في دار الخلود ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح " وقيل صلى الحسين عليه السلام واصحابه فرادى بالايماء " وتقدم " سويد ابن عمرو بن ابي المطاع وكان شريفا كثيرا الصلوة ثم جعل يرتجز ويقول
[157]
اقدم حسين اليوم تلقى احمد * وشيخك الحبر عليا ذا الندى وحسنا كالبدر وافي الا سعدا * وعمك القرم الهام الارشدا حمزة ليث الله يدعي اسدا * وذا الجناحين تبوا مقعدا في جنة الفردوس يعلو صعدا فقاتل قتال الاسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلي وقد اثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين (ع) فتحامل واخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه فكان آخر من بقي من اصحاب الحسين عليه السلام " وخرج " زهير بن القين وهو يرتجز ويقول انا زهير وانا ابن القين * اذودكم (1) بالسيف عن حسين ان حسينا احد السبطين * من عترة البر التقي الزين ذاك رسول الله غير المين * اضربكم ولا ارى من شين يا ليث نفسي قسمت قسمين ثم قال مخاطبا للحسين عليه السلام (2) اقدم هديت هاديا مهديا * اليوم تلقى جلدك النبيا اردكم خ ل. (2) سيأتي نسبة ابيات تشبه هذه الابيات مع بعض التغيير إلى الحجاج بن مسروق " منه ".
[158]
وذا الجناحين الفتى الكميا * واسد الله الشهيد الحيا وحسنا والمرتضى عليا فقاتل قتالا شديد حتى قتل على رواية تسعة عشر رجلا وعلى رواية اخرى مائة وعشرين رجلا فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير لا يبعدك الله يا زهير ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير " وجاء " عابس بن شبيب (ابي شبيب خ ل) الشاكرى ومعه شوذب مولى بني شاكر فقال يا شوذب ما في نفسك ان تصنع قال ما اصنع اقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى اقتل قال ذلك الظن بك فتقدم بين يدي ابي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى احتسبك انا فان هذا يوم ينبغي لنا ان نطلب فيه الاجر بكل ما نقدر عليه فأنه لاعمل بعد اليوم وانما هو الحساب " وتقدم " شوذب فقال السلام عليك يا ابا عبد الله ورحمة الله وبركاته استودعك الله ثم قاتل حتى قتل " وتقدم " عابس فقال يا ابا عبد الله اما والله ما امسى على وجه الارض قريب ولا بعيد اعز علي ولا احب إلى منك ولو قدرت على ان ادفع عنك الضميم أو القتل بشئ اعز من نفسي ودمي لفعلت السلام عليك يا ابا عبد الله اشهد الله اني على هداك وهدي ابيك ثم مضى بالسيف مصلتا
[159]
نحوهم وبه ضربة على جبينه قال ربيع بن تميم الحارثي فلما رأيته مقبلا عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي وكان اشجع الناس فقلت ايها الناس هذا الاسد الاسود هذا ابن شبيب (ابي شبيب خ ل) القوي لا يخرجن إليه احد منكم ارموه بالحجارة فرمود حتى قتل " وفي رواية " انه اخذ ينادي الارجل لرجل فتحاماه الناس لشجاعته فقال لهم ابن سعد ارضخوه بالحجارة فرمود بالحجارة من كل جانب فلما رأي ذلك القي درعه ومغفرة وشد على الناس فهزمهم بين يديه قال الراوي فوالله لقد رأيته يطرد اكثر من مأتين من الناس ثم احاطوا به من كل جانب فقتلوه فرأيت رأسه في ايدي رجال ذوى عدة كل يقول انا قتلته فقال ابن سعد لا تختصموا هذا لم يقتله انسان واحد حتى فرق بينهم بهذا القول (وبرز) حبيب بن مظاهر الاسدي وهو يقول انا حبيب وابي مظاهر * فارس هيجاء وحرب تسعر انتم اعد عدة واكثر * ونحن اعلى حجة واظهر وانتم عند الوفاء اغدر * ونحن اوفى منكم واصبر حقا واتقى منكم واعذر وقال ايضا اقسم لو كان لكم اعدادا * وشطركم وليتم الاكتادا (1) (1) جمع كتد وهو مابين الكاهل إلى الظهر " منه ".
[160]
ياشر قوم حسبا وآدا (1) * وشرهم قد علموا اندادا فقاتل قتالا شديدا فقتل رجلا من بني تميم اسمه بدليل بن صريم وحمل عليه آخر من تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميمي فاختز رأسه فهد مقتله الحسين عليه السلام وقال عند الله احتسب نفسي وحماة اصحابي " وقال " الحصين للتميمي انا شريكك في قتله قال لا والله قال اعطني الرأس اعلقه في عنق فرسي ليرى الناس اني شاركتك في قتله ثم خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك ابن زياد فاعطاه الرأس فجال به في الناس ثم رده إليه فلما رجع إلى الكوفة علقه في عنق فرسه " وكان " لحبيب ابن يسمى القاسم قد راهق فجعل يتبع الفارس الذي معه رأس ابيه فارتاب به فقال مالك تتبعني قال ان هذا الرأس الذي معك رأس ابي فاعطني اياه حتى الدفنه فقال ان الامير لا يرضى ان يدفن وارجو ان يثيبني فقال لكن الله لا يثيبك الا اسوأ الثواب وبكى الغلام ثم لم يزل يتبع اثر قاتل ابيه بعد ما ادرك حتى قتله واخذ بثار ابيه وذلك انه كان في عسكر فهجم عليه وهو في خيمة له نصف النهار فقتله واخذ رأسه وقيل ان حبيبا قتل من اصحاب ابن سعد اثنين وسبعين رجلا " وبرز " عمرو بن خالد الازدي وهو يقول (1) الاد الصلب كأنه اردا ان اصلاب ابآئهم التي خرجت منها نطفهم خبيثة " منه ".
[161]
اليك يا نفس إلى الرحمن * فابشري بالروح والريحان اليوم تجزين على الاحسان * قد كان منك غابر الزمان ما خط في اللوح لدى الديان * لا تجزعي فكل حي فاني والصبر احظى لك بالامان * يا معشر الازد بني قحطان ثم قاتل حتى قتل رحمة الله " فتقدم " ابنه خالد بن عمرو وهو يرتجز ويقول: صبرا على الموت بني قحطان * كيما تكونوا في رضى الرحمن ذي المجد والعزة والبرهان * وذي العلى والطول والاحسان يا ابتا قد صرت في الجنان * في قصر در حسن البنيان ثم تقدم فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى " وبرز " سعد بن حنظلة التميمي وهو يقول صبرا على الاسياف والاسنة * صبرا عليها لدخول الجنه وحور عين ناعمات هنه * لمن يريد الفوز لا بالظنة يا نفس للراحة فاجهدنه * وفي طلاب الخير فارغبنه ثم حمل وقاتل قتالا شديدا حتى قتل رضوان الله عليه " وخرج " عمير بن عبد الله المذحجي وهو يرتجز ويقول قد علمت سعد وحي مذحج * اني لدي الهيجاء ليث محرج اعلو بسيفي هامة المدجج * واترك القرن لدى التعرج
[162]
فريسة الضع الاذل الاعرج ولم يزل يقاتل حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي " وخرج " عبد الرحمن بن عبد الله اليزني وهو يقول انا ابن عبد الله من آل يزن * ديني على دين حسين وحسن اضربكم ضرب فتى من اليمن * ارجو بذاك الفوز عند المؤتمن ثم حمل فقاتل حتى قتل " وخرج " يحيى بن سليم المازني وهو يرتجز ويقول لاضربن القوم ضربا فيصلا * ضربا شديدا في العداة معجلا لا عاجزا فيه ولا مولولا * ولا اخاف اليوم موتا مقبلا لكنني كالليث احمي اشبلا تم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله " وخرج " قرة بن ابي قرة الغفاري وهو يرتجز ويقول (1) قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بني نزاد بأني الليث لدي الغبار * لاضربن معشر الفجار بكل عضب ذكر بتار * ضربا وجيعا عن بني الاخيار رهط النبي السادة الابرار ثم حمل فقاتل حتى قتل " وخرج " مالك بن انس المالكى (الكاهلى خ ل) وقيل انس بن حارث الكاهلى وهو يرتجز ويقول (1) سيأتي ابيات لبعض الغفاريين فيها بعض من هذه (منه)
[163]
قد علمت مالك (1) والذودان (2) * والخندفيون وقيس عيلان بان قومي آفة الاقران (3) * لدى الوغى وسادة الفرسان مباشر الموت بطعن ان (4) * لسنا نرى العجز عن الطعان آل علي شيعة الرحمن * آل زياد (5) شيعة الشيطان ثم حمل فقاتل حتى قتل على رواية ابن شهر اشوب اربعة عشر رجلا وعلى رواية الصدوق في الامالي ثمانية عشر رجلا ثم قتل رحمه الله " وخرج " عمرو بن مطاع الجعفي وهو يقول انا ابن جعف وابي مطاع * وفي يميني مرهف قطاع واسمر في راسه لماع * يرى له من ضوئه شعاع اليوم قد طاب لنا القراع * دون حسين الضرب والسطاع (كذا) يرجى بذاك الفوز والدفاع * عن حر نار حين لا انتفاع ثم حمل فقاتل حتى قتل " وخرج " انيس بن معقل الاصبحي وهو يقول انا انيس وانا ابن معقل * وفي يميني نصل سيف مصقل اعلوبه الهامات وسط القسطل * عن الحسين الماجد المفضل ابن رسول الله خير مرسل (1) كاهلنا خ ل. (2) كاهلها وذودان خ ل. (3) يا قوم كونوا كأسود خفان * واستقبلوا القوم بطعن آن خ ل. (4) اي حان (منه). (5) وآل حرب خ ل.
[164]
فقاتل حتى قتل (1) " وخرج " الحجاج بن مسروق الجعفي وهو مؤذن الحسين عليه السلام وهو يقول (2). اقدم حسينا هاديا مهديا * اليوم نلقي جدك النبيا ثم اباك ذا الندي عليا * ذاك الذي نعرفه وصيا والحسن الخير الرضا الوليا * وذا الجناحين الفتى الكميا واسد الله الشهيد الحيا ثم حمل فقاتل حتى قتل (3) " وخرج " شاب قتل ابوه في المعركة وكانت امه معه فقالت له امه اخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله فخرج فقال الحسين عليه السلام هذا شاب قتل ابوه ولعل امه تكره خروجه فقال الشاب امي امرتني بذلك فبرز وهو يقول اميري حسين ونعم الامير * سرور فؤاد البشير النذير علي وفاطمة والدا * ه فهل تعلمون له من نظير له طلعة مثل شمس الضحى * له غرة مثل بدر منير وقاتل حتى قتل وحز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام فحملت امه رأسيه وقالت احسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة (1) بعد ان قتل على رواية ابن شهر اشوب نيفا وعشرين رجلا (منه) (2) قد تقدم نسبة بعض هذه الابيات إلى زهير بن القين (منه) (3) بعدان قتل على رواية ابن شهر اشوب خمسا وعشرين رجلا (منه).
[165]
عيني ثم رمت براس ابنها رجلا فقتلته واخذت عمود خيمة وحملت عليهم وهي تقول انا عجوز سيدي ضعيفة * خاوية بالية نحيفه اضربكم بضربة عنيفة * دون بني فاطمة الشريفة وضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها " وخرج " جنادة بن الحارث الانصاري وهو يقول انا جناد وانا ابن الحارث لست بخوار ولا بناكث عن بيعتي حتى يرثني وارث * اليوم شلوي في الصعيد ماكث وحمل فلم يزل يقاتل حتى قتل (1) * وخرج عمرو بن جناده وهو يقول اضق الخناق من ابن سعد وارمه * من عامه بفوارس الانصار ومهاجرين مخضبين رماحهم * تحت العجاجة من دم الكفار خضبت على عهد النبي محمد * فاليوم تخضب من دم الفجار ثم قاتل حتى قتل رحمه الله تعالى " ولما " رأي اصحاب الحسين عليه السلام انهم قد غلبوا وانهم لا يقدرون ان يمنعوا الحسين عليه السلام ولا انفسهم تنافسوا في ان يقتلوا بين يديه " فجاءه " عبد الله وعبد الرحمن ابناء عروة (غزرة خ ل) الغفاريان فقالا يا ابا عبد الله عليك السلام قد حازنا الناس اليك فاحبينا ان نقتل بين يديك قال (1) بعد ان قتل على رواية ابن شهر آشوب سنتة عشر رجلا " منه ".
[166]
مرحبا بكما ادنوا مني فدنوا منه وجعلا يقاتلان وجعل عبد الرحمن يرتجز ويقول قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بني نزار لنضر بن معشر الفجار * بكل عضب ذكر (2) بتار يا قوم ذودوا عن بني الاخيار (1) * بالمشرفي والقنا الخطار فقاتل حتى قتل " وفي " رواية الصدوق في الامالي انه برز عبد الله بن عروة الغفاري وهو يقول قد علمت حقا بنو غفار * اني اذب في طلاب الثار بالمشرفي والقنا الخطار رواتاه فتيان وهما سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد الله بن سريع الجابريان (3) وهما ابناء عم واخوان لام وهما يبكيان فقال لهما يا ابني اخي (صح) ما يبكيكما فوالله اني لارجو ان تكونا بعد ساعة قريري العين فقالا جعلنا الله فداك والله ما على انفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك وقد احيط بك ولا نقدر على ان ننفعك (نمنعك خ ل) فقال جزا كما الله يا ابني اخي بوجد كما من ذلك ومواساتكما اياي بأنفسكما احسن جزاء المتقين (4) ثم استقدما وقالا السلام عليك يا ابن رسول (1) الاحرار خ ل. (2) صارم خ ل. (3) نسبة إلى بني جابر من بطن همدان " منه ". (4) في رواية ان هذا الكلام كان منه عليه السلام مع الغفاريين (منه).
[167]
الله فقال وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته فقاتلا حتي قتلا " وخرج " غلام تركي كان للحسين عليه السلام وكان قارئا للقرآن فجعل يقاتل ويرتجز ويقول البحر من طعني وضربي يصطلي ؟ * والجو من سهمي ونبلي يمتلي إذا حسامي في يميني ينجلي * ينشق قلب الحاسد المبجل فقتل جماعة (1) ثم سقط صريعا فجاء إليه الحسين عليه السلام فبكي ووضع خده على خده ففتح عينيه فرأي الحسين عليه السلام فتبسم ثم صار إلى ربه " وحدث " مهران مولى بني كاهل قال شهدت كربلا مع الحسين عليه السلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل على قوم الاكشفهم ثم يرجع إلى الحسين عليه السلام وهو يرتجز ويقول ابشر هديت الرشد تلقى احمدا * في جنة الفردوس تعلو صعدا (2) فقلت من هذا فقالوا أبو عمر النهشلي وقيل الخثعمي فاعترضه عامر بن نهشل فقتله واختز رأسه وكان أبو عامر هذا متهجدا كثير الصلوة " وبرز " مالك بن ذودان وانشأ يقول (1) في رواية ابن شهر اشوب انه قتل سبعين رجلا " منه ". (2) تقدمت ابيات منسوبة إلى سويد بن عمرو وفيها الشطر الثاني وقريب من الشطر الاول كما انا بعدان وجدناها منسوبة إلى سويد المذكور وجدنا ابن شهر آشوب نسبها إلى سعيد بن عبد الله الحنفي " منه ".
[168]
اليكم من مالك الضرغام * ضرب فتى يحمي عن الكرام يرجو ثواب الله ذي الانعام فقاتل حتى قتل " وبرز " ابراهيم بن الحصين الاسدي وهو يرتجز ويقول اضرب منكم مفصلا وساقا * ليهرق اليوم دمي اهراقا ويرزق الموت ابواسحقا * اعني بني الفاجرة الفساقا (1) وقاتل حتى قتل " وكان " يأتي الرجل بعد الرجل إلى الحسين عليه السلام فيقول السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين عليه السلام ويقول وعليك السلام ونحن خلفك ثم يقرأ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر حتى قتلوا عن آخرهم ولم يبق مع الحسين عليه السلام سوى اهل بيته وهم ولد علي وولد جعفر. وولد عقيل. وولد الحسن. وولد الحسين فاجتمعوا يودع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب " وكانوا " سبعة عشر رجلا في المتفق عليه (2) وقيل ازيد من ذلك وفيهم يقول سراقة الباهلي عين بكي بعبرة وعويل * واندبي ان ندبت آل الرسول (1) فقتل على رواية ابن شهر اشوب اربعة وثمانين رجلا " منه ". (2) في حديث الرضا عليه السلام مع ابن شبيب وقتل معه من اهل بيته ثمانية عشر رجلا فيمكن ان يكون عد معهم مسلما بن عقيل فانه وان لم يقتل مع الحسين عليه السلام فكأنه قتل معه " منه "..
[169]
سبعة (1) منهم لصلب علي * قد ابيدوا وسبعة (2) لعقيل وابن عم النبي عونا اخاهم * ليس فيما ينوبهم بخذول واندبي كلهم فليس إذا ما * ضن بالخير كلهم بالخيل (4) وسمي النبي غودر فيهم * قد علوه بصارم مسلول لعن الله حيث حل زيادا * وابنه والعجوز ذات البعول (3) " فخرج علي بن الحسين الاكبر وقيل الاصغر وامه ليلى بنت ابي قرة (مره خ ل) بن عروة بن مسعود الثقفيه وامها ميمونة بنت ابي سفيان بن حرب وكان من اصبح الناس وجها وأحسنهم خلقا وكان عمره تسع عشرة سنة وقيل ثمان عشرة سنة وقيل خمس وعشرون سنة وهو اول قتيل يوم كربلا من آل ابي طالب فاستأذن اباه في القتال فاذن له ثم نظر إليه نظرة آيس منه وارخي عينيه فبكى ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال اللهم كن انت الشهيد عليهم فقد برز إليهم غلام اشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه اللهم امنعهم بركات الارض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم ابدا فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا وصاح يا ابن سعد (1) تسعة خ ل. (2) وستة خ ل وخمسة خ ل. (3) وهي سمية ام زياد أو مرجانة ام عبيد الله وكانتا من البغايا وقصتهما مشهورة (منه). (4) - الصواب تقديم البيت الخامس على الرابع..
[170]
قطع الله رحمك ولا بارك لك في امرك وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (ص) ثم رفع صوته وتلا ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم فشد علي على الناس وهو يقول انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله (1) اولي بالنبي تالله لا يحكم فينا ابن الدعي * اضرب بالسيف احامي عن ابي ضرب غلام هاشمي علوي فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى ابيه فيقول يا اباه العطش فيقول له الحسين عليه السلام اصبر حبيبي فانك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله صلى الله عليه وآله بكأسه " وفي رواية " انه قال يا ابه العطش قتلني وثقل الحديد اجهدني فهل إلى شربة من الماء سبيل فبكي الحسين عليه السلام وقال واغوثاه يا بني من اين آتي لك بالمآء قاتل قليلا فما اسرع ما تلقى جدك محمد صلى الله عليه وآله فيسقيك بكأسه الاوفي شربة لا تظمأ بعدها ابدا فجعل يكر كرة بعد كرة واهل الكوفة يتقون قتله فقتل اربعة واربعين رجلا على رواية الصدوق في الامالي وعلى رواية محمد بن ابي طالب تمام المأتين ولم يذكره غيره فيما علمناه فنظر (1) ورب البيت خ ل.
[171]
إليه مرة بن منقذ العبدي فقال علي اثام العرب ان هو فعل مثل ما اراه يفعل ومربي ان لم اثكله امه فمر يشد على الناس كما كان يفعل فاعترضه مرة بن منقذ وطعنه بالرمح وقيل بل رماه بسهم فصرعه فنادي يا ابتاه عليك السلام هذا جدي يقرئك السلام ويقول لك عجل القدوم علينا واعتوره الناس فقطعوه باسيافهم فجاء الحسين عليه السلام حتى وقف عليه وقال قتل الله قوما قتلوك يا بني ما اجراهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا وخرجت زينب بنت علي عليهما السلام وهي تنادي يا حبيباه ويا ابن اخاه وجاءت فاكبت عليه فجاء الحسين عليه السلام فاخذ بيدها وردها إلى الفسطاط واقبل بفتيانه وقال احملوا اخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون امامه " وبرز " عبد الله بن مسلم بن عقيل بن ابي طالب وامه رقية بنت علي بن ابي طالب عليه السلام وهو يرتجز ويقول اليوم القى مسلما وهو ابى * وفتية بادوا على دين النبي ليسوا عرفوا بالكذب * لكن خيار وكرام النسب من هاشم السادات اهل الحسب فقتل ثلاثة رجال (1) فرماه عمرو بن صبيح الصيداوي (الصدائي (1) قال ابن شهر آشوب انه قتل ثمانية وتسعين رجلا في ثلاث حملات
[172]
خ ل) بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فاصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فسمرها فلم يستطع ان يحركها ثم طعنه اسيد ابن مالك بالرمح في قلبه فقتله وعمروبن صبيح هذا اخذه المختار وطعنه بالرماح حتى مات " وقيل " ان قاتل عبد الله بن مسلم زيد بن رقاد (ورقاء خ ل) وكان يقول رميته بسهم وكفه على جبهته يتقى النبل فاثبت كفه في جبهته فما استطاع ان يزيل كفه عن جبهته وقال حين رميته اللهم انهم لستقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا ثم رماه بسهم آخر وكان يقول جئته وهو ميت فنزعت سهمي من جوفه ولم ازل انضنض الاخر عن جبهته حتى اخذته وبقي النصل وهذا اتاه اصحاب المختار فلم يطعنوه ولم يضربوه ولكن جعلوا يرمونه بالنبل والحجارة حتى سقط فاحرقوه حيا " وخرج " محمد بن مسلم بن عقيل بن ابي طالب فقاتل حتى قتل قتله أبو جرهم الازدي ولقيط ابن ياسر الجهني " وخرج " محمد بن ابي سعيد بن قيل بن ابي طالب فقاتل حتى قتل رماه لقيط بن ياسر الجهني بسهم فقتله " وخرج " جعفر بن عقيل بن ابي طالب وهو يرتجز ويقول انا الغلام الابطحي الطالبي * من معشر في هاشم وغالب ونحن حقا سادة الذوائب * هذا حسين اطيب الاطائب = ولم يذكر ذلك غيره فيما علمناه " منه "
[173]
من عترة البر التقي الغالب فقتل خمسة عشر فارسا على رواية محمد بن ابي طالب ورجلين على رواية ابن شهر اشوب فقتله عبد الله بن عروة الخثعمي وقيل بشر بن سوط (حوط خ ل) الهمداني " وخرج " عبد الرحمن بن عقيل بن ابي طالب وهو يقول ابي عقيل فاعرفوا مكاني * من هاشم وهاشم اخواني كهول صدق سادة الاقران * هذا حسين شامخ البنيان وسيد الشيب مع الشبان فقتل على رواية محمد بن ابي طالب وابن شهر اشوب سبعة عشر فارسا فحمل عليه عثمان بن خالد الجهني وبشر بن سوط (حوط خ ل) الهمداني فقتلاه وهذان اخذهما المختار فضرب اعناقهما واحرقهما بالنار " وخرج " عبد الله الاكبر بن عقيل بن ابي طالب (1) فقتله عثمان بن خالد وبشر بن سوط (حوط خ ل) ايضا وقيل عمرو بن صبيح " وحمل " الناس على الحسين عليه السلام واهل بيته من كل جانب فخرج " محمد بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وامه زينب بنت امير المؤمنين عليه السلام وقيل الخوصاء من بني تيم اللات بن (1) على هذا يكون المقتول بالطف من ولد عقيل ستة وبعضهم اقتصر على ذكر اربعة " منه ".
[174]
ثعلبة وهو يقول اشكو إلى الله من العدوان * قتال قوم في الردي عميان قد تركوا معالم القرآن * ومحكم التنزيل والتبيان واظهروا الكفر مع الطغيان ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فقتله " وخرج " اخوه عون بن عبد الله بن جعفر (ع) وامه ايضا زينب بنت امير المؤمنين عليه السلام وقيل جمانة بنت المسيب بن نجبة وهو يقول ان تنكروني فأنا ابن جعفر * شهيد صدق في الجنان ازهر يطير فيها بجناح اخضر * كفي بهذا شرفا في المحشر ثم قاتل حتى قتل على رواية ابن شهر آشوب ثلاثة فوارس وثمانية عشر رجلا فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطائي فقتله (1) " وخرج " اخوهما عبيدالله بن عبد الله بن جعفر (2) فقاتل حتى قتل " وخرج " القاسم بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام وامه ام ولد وهو غلام لم يبلغ الحلم فلما نظر الحسين عليه السلام (1) في تاريخ الطبري ان قاتله عامر بن نهشل وقاتل اخيه عبد الله بن قطبة عكس ما ذكرنا " منه ". (2) ذكره أبو الفرج ولم يذكره غيره من الرواة والمؤرخين بل اقتصروا على ذكر عون ومحمد " منه ".
[175]
إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليها ثم استاذن عمه في المبارزة فابى ان ياذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى اذن له فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول ان تنكروني ابن (1) الحسن * سبط النبي المصطفي والمؤتمن هذا حسين كالاسير المرتهن * بين اناس الاسقوا صوب المزن فقاتل قتالا شديدا حتى قتل على صغر سنه على بعض الروايات خمسة وثلاثين رجلا وعلى رواية الصدوق في الامالي انه برز وهو يقول لا تجزعي نفسي فكل فاني * اليوم تلقين ذوي الجنان فقتل منهم ثلاثة " قال " حميد بن مسلم خرج علينا غلام كأن وجهه شقة قمر وفي يده سيف وعليه قميص وازار ونعلان قد انقطع شسع احدهما ما انسى انها كانت اليسرى فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الازدي والله لاشدن عليه فقلت سبحان الله وما تريد بذلك والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي دعه يكفيكه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه فقال والله لاشدن عليه فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ففلقه ووقع الغلام الى الارض لوجهه ونادي يا عماه فجلى الحسين عليه السلام كما يجلي الصقر ثم شد شدة ليث اغضب فضرب عمرو بن سعد بن نفيل بالسيف فاتقاها بالساعد فقطعها من لدن
[176]
المرفق فصاح صيحة سمعها اهل العسكر ثم تنحى عنه الحسين عليه السلام وحمل اهل الكوفة ليستنقذوه فوطئت الخيل عمرا بأرجلها حتى مات وانجلت الغبرة فإذا بالحسين عليه السلام قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين عليه السلام يقول بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيمة فيك جدك وابوك ثم قال عليه السلام عزو الله على عمك ان تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك صوت والله كثر واتره وقل ناصره ثم حمله ووضع صدره على صدره وكأني انظر الى رجلي الغلام يخطان الارض فجاء به حتى القاه مع ابنه علي والقتلي من اهل بيته ثم قال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم احدا فسألت عنه فقيل لي هو القاسم بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام " وصاح " الحسين عليه السلام في تلك الحال صبرا يا بني عمومتي صبرا يا اهل بيتي فوالله لا رأيتم هو انا بعد هذا اليوم ابدا " وخرج " أبو بكر بن الحسن بن علي بن ابي طالب وامه ام ولد فقاتل حتى قتل رماه عبد الله بن عقبة الغنوي وقيل حرملة بن كاهل بسهم فقتله " وخرج " عبد الله بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام وامه ام ولد فقاتل حتى قتل رماه حرملة بن كاهل بسهم فقتله " وتقدمت " اخوة الحسين عليه السلام عازمين على ان يموتوا
[177]
دونه " فاول " من خرج منهم أبو بكر (1) بن علي واسمه عبيد الله وامه ليلى بنت مسعود من بني نهشل فتدم وهو يرتجز ويقول شيخي علي ذو الفخار الاطول * من هاشم الصدوق الكريم المفضل هذا حسين ابن النبي المرسل * عنه نحامي بالحسام المصقل تفديه نفسي من اخ مبجل فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر النخعي " ثم " برز من بعده اخوه عمر بن علي وهو يقول اضربكم ولا ارى فيكم زجر * ذاك الشقي بالنبي قد كفر يا زجر يا زجر تداني من عمر * لعلك اليوم تبوء من سقر شر مكان في حريق وسعر * لانك الجاحد ياشر البشر ثم حمل على زجر قاتل اخيه فقتله واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا وهو يقول خلوا عداة الله خلوا عن عمر * خلوا الليث الهصور المكفهر يضربكم بسيفه ولا يفر * وليس فيها كالجبان المنحجر فلم يزل يقاتل حتى قتل " وخرج " محمد الاصغر بن علي بن ابي طالب وامه ام ولد فرماه رجل من تميم من بني ابان بن دارم فقتله وجاء برأسه " وخرج " عبد الله بن علي وامه ليلى بنت مسعود (1) قال الطبري في تاريخه وابن الاثير في الكامل وقد شك في قتله " منه ".
[178]
النهشلية (1) فقاتل حتى قتل " ولما " رأي العباس بن علي كثرة القتلي من اهله قال لاخوته من ابيه وامه وهم عبد الله وجعفر وعثمان وامهم ام البنين بنت خالد بن حزام الكلابية واسمها فاطمة يا بني امي تقدموا حتى اراكم قد نصحتم لله ولرسوله فانه لاولدلكم " فبرز " عبد الله بن علي وكان عمره خمسا وعشرين سنة وهو يقول انا ابن ذي النجدة والافضال * ذلك علي الخير ذو الفعال سيف رسول الله ذو النكال * في كل يوم ظاهر الاهوال فاختلف هو وهاني بن ثبيت (2) الحضرمي ضربتين فقتله هاني " ثم " برز بعده اخوه جعفر بن علي وكان عمره تسع عشرة سنة وهو يقول اني انا جعفر ذو المعالي * ابن علي الخير ذي النوال حسبي بعمي شرفا وخالي فحمل عليه هاني بن ثبيب الحضرمي ايضا فقتله وجاء برأسه وقيل رماه خولى فاصاب شقيقته أو عينه " ثم " برز بعده اخوه عثمان بن علي فقام مقام اخوته وكان عمره احدي وعشرين سنة وهو يقول (1) فهو اخو ابي بكر بن علي لامه وابيه وهو غير عبد الله بن علي اخي العباس لامه وابيه وقد صرح بذلك المفيد في ارشاده " منه ". (2) بضم الثاء المثله وبفتح الباء للوحدة وسكون الياء المثناة من تحتها وآخره تاء مثناة من فوقها " كامل ابن الاثير "
[179]
اني انا عثمان ذو المفاخر * شيخي علي ذو الفعال الطاهر هذا حسين خيرة الاخاير * وسيد الصغار والاكابر (وسيد الكبار والاصاغر خ ل) بعد الرسول والوصي الناصر فرماه خولى بن يزيد الاصبحي على جبينه فسقط عن فرسه وحمل عليه رجل من بني ابان بن دارم فقتله وجاء برأسه " وبرز " من بعدهم اخوهم العباس بن علي وهو اكبرهم ويكنى ابا الفضل ويلقب بالسقا وقمر بني هاشم وهو صاحب لواء الحسين عليه السلام وكان العباس عليه السلام وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الارض فيروي انه خرج يطلب الماء وحمل على القوم وهو يقول لا ارهب الموت إذا الموت رقا حتى اوارى في المصاليت لقا نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا * اني انا العباس اغدو بالسقا ولا اخاف الشر يوم الملتقى ففرقهم وضربه زيد بن ورقاء على يمينه فقطعها فاخذ السيف بشماله وحمل وهو يرتجز ويقول والله ان قطعتهم يميني * اني احامي أبدا عن ديني وعن امام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الامين فضربه حكيم بن الطفيل على شماله فقطعها فقال يا نفس لا تخشي من الكفار * وابشري برحمة الجبار
[180]
مع النبي السيد المختار * قد قطعوا ببغيهم يساري فاصلهم يا رب حر النار فضربه آخر بعمود من حديث فقتله فبكى الحسين عليه السلام لقتله بكاء شديدا ولنعم ما قال القائل احق الناس ان يبكى عليه * فتى ابكى الحسين بكربلاء اخوه وابن والده علي * أبو الفضل المضرج بالدماء ومن واساه لا يثنيه شئ * وجاد له على عطش بماء وللمؤلف " ايضا من قصيدة اخرى واذكر ابا الفضل هل تنسى فضائله * في كربلا حين جد الامر والتبسا واسى اخاه وفاداه بمهجته * وخاض في غمرات الموت منغمسا آلى بان لايذونى الماء وهو يرى * اخاه ظمآن من ورد له يئسا ففز ابا الفضل بالفضل الجسيم بما * اسديته فعليك الفضل قد حبسا " ويروي " في كيفية قتله عليه السلام غير ذلك وسيأتى قريبا " وكانت (1) وانما قد منا ذكره هنا حتى يرتبط بمقتل اخوته لامه " منه ". (2) تك هنا بيت برمته وهو: قضيت حق الاضا والدين مبتذلا للنفس في سقى اطفال له ونسا
[181]
ام البنين ام هؤلاء الاخوة الاربعة القتلى تخرج الى البقيع فتندبهم اشجى ندبة واحرقها فيجتمع الناس إليها فكان مروان بن الحكم يجئ فيمن يجئ فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي " وبرز " احمد بن محمد الهاشمي وهو يقول اليوم ابلو حسبي وديني * بصارم تحمله يميني فقاتل حتى قتل " وخرج " غلام من خباء من اخبية الحسين عليه السلام وفي اذنيه درتان فاخذ بعود من عيدانه وهو مذعور فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فضربه بالسيف وقرطاه يتذ بذبان فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فضربه بالسيف فقتله فصارت امه شهر بانويه تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة " ونادي " الحسين عليه السلام هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله هل من موحد يخاف الله فينا هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا هل من معين يرجو ما عند الله في اعانتنا قارتفعت اصوات النساء بالعويل " فتقدم " الى باب الخيمة وقال لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى اودعه فأتي بابنه عبد الله وامه الرباب بنت امرى القيس فأخذ واجلسه في حجره واومأ إليه ليقبله فرماه حرملة بن كاهل الاسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب خذيه ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلا تارمى بالدم نحو السماء ثم قال هون علي ما نزل به انه بعين الله. وفي رواية انه قال اللهم
[182]
لا يكن اهون عليك من فصيل " قال " الباقر عليه السلام فلم يسقط من ذلك الدم قطرة الى الارض وفي رواية انه صبه في الارض ثم قال يا رب ان كنت حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير منه وانتقم لنا من هاؤلاء القوم الظالمين ثم حمله حتى وضعه مع قتلى اهل بته " وفي رواية " انه حفر له بجفن سيفه ورمله بدمه فدفنه وحرملة هذا اخذه المختار فقطع يديه ثم احرقه بالنار " وعطش " الحسين عليه السلام حتى اشتد عليه العطش فدنا ليشرب من الماء فرماه الحصين بن نمير بسهم فوقع في فمه الشريف فجعل يتلقى الدم من فمه ويرمي به الى السماء " وحمل " القوم على الحسين عليه السلام فغلبوه على عسكره وقد اشتد به العطش فركب المسناة يريد الفرات وبين يديه العباس اخوه فاعترضتهما خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني ابان بن دارم فقال لهم ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء فحالوا بينه وبين الفرات فقال الحسين عليه السلام اللهم اظمأه وفي رواية اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له فغضب الدارمي ورماه بسهم فاثبته في حنكه الشريف فانتزع الحسين عليه السلام السهم وبسط يديه تحت حنكه فامتلاءت راحتاه من الدم فرمى به نحو السماء ثم حمد الله واثنى عليه ثم قال اللهم اني اشكو اليك ما يفعل بابن بنت نبيك اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا
[183]
تبق منهم احدا " فمكث " ذلك الرجل يسيرا ثم صب الله عليه الظما فجعل لا يروى وكان يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره وبين يديه المراوح والثلج وخلفه كانون وكان برد له الماء فيه السكر وعساس فيها اللبن وهو يقول اسقوني اهلكني العطش فيؤتي بالعس أو القلة فيه الماء واللبن والسويق يكفي جماعة فيشربه ويضطجع هنيئته ثم يقول اسقوني قتلني الظما فما زال كذلك حتى انقدت بطنه انقداد بطن البعير ذكر ذلك الطبري وابو الفرج بن عبد الرحمن الجوزي وابن الاثير في الكامل بتفاوت يسير وغيرهم " ثم " ان الحسين عليه السلام رجع الى مكانه وقد اشتد به العطش واحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عنه فجعل العباس عليه السلام يقاتلهم وحده حتى قتل وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنيفي وحكيم بن الطفيل السنبسي بعد ان اثخن بالجراح فلم يستطع حراكا فبكى الحسين لقتله بكاء شديدا " ثم " ان الحسين عليه السلام دعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة ثم حمل على الميمنة وهو يقول القتل اولى من ركوب العار * والعار اولى من دخول النار والله ما هذا وهذا جارى ثم حمل على الميسرة وهو يقول
[184]
انا الحسين بن علي * آليت ان لا انثني احمي عيالات ابي * امضي على دين النبي " ولما " بقي الحسين عليه السلام في ثلاثة أو اربعة من اصحاه وفي رواية ثلاثة رهط من اهله قال ابغوني ثوبا لا يرغب فيه احد اجعله تحت ثيابي لئلا اجرد منه بعد قتلي فاني مقتول مسلوب فأتي بتبان قال لاذاك لعباس من ضرب على الذلة ولا ينبغي لي ان البسه وفي رواية انه قال هذا لباس اهل الذمة فاخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله تحت ثيابه وفي رواية انه اتي بشئ أو سع منه دون السراويل وفوق التبان فلبسه فلما قتل جردوه منه " ثم " استدعي بسراويل من حبرة يمانيه يلمع فيها البصر ففزرها ولبسها وانما فزرها لئلا يسلبها بعد قتله فلما قتل عليه السلام سلبها منه بحر (ابجر خ ل) بن كعب وتركه مجردا فكانت يدا بحر بعد ذلك تيبسان في الصيف كأنهما عودان وترطبان في الشتاء فتنضحان دما وقيحا الى ان اهلكه الله تعالى واقبل الحسين عليه السلام على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة الذين معه يحمونه حتى قتل الثلاثة وبقي وحده وقد اثخن بالجراح في رأسه وبدنه فجعل يضاربهم بسيفه وحمل الناس علبيه عن يمينه وشماله فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا " قال " بعض الرواة فوالله ما رأيت مكثورا قط قد
[185]
قتل ولده واهل بيته واصحابه اربط جاشا ولا امضى جنانا ولا اجراء مقدما منه والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وان كانت الرجالة لتشد عليه فيشهد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين الفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع الى مركزه وهو يقول لاحول ولا قوة الا بالله " فلما " رأي شمر ذلك استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة وامر الرماة ان يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فاحجم عنهم فوقفوا بازائه وجاء شمر في جماعة من اصحابه فحالوا بينه وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله " فصاح " الحسين عليه السلام ويلكم يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا احرارا في دنياكم هذه وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون فنادا شمر ما تقول يا ابن فاطمة فقال اقول اني اقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي مادمت حيا فقال شمر لك ذلك يا ابن فاطمة ثم صاح اليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري هو كفو كريم فقصدوه بالحرب وجعل شمر يحرضهم على الحسين عليه السلام فجعلوا يحملون على الحسين (ع) والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه وهو في ذلك
[186]
يطلب شربة من ماء فلا يجد وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه باجمعهم حتى اجلوه عنه " ولما " اثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عليه السلام من فرسه الى الارض على خده الايمن ثم قام وخرجت اخته زينب الى باب الفسطاط وهي تنادي واأخاه واسيداه واأهل بيتاه ليت السماء اطبقت على الارض وليت الجبال تدكدكت على السهل " وقد " دنا عمر بن سعد فقالت يا عمر ايقتل أبو عبد الله وانت تنظر إليه فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها ولم يجيبها بشئ فنادت ويلكم اما فيكم مسلم فلم يجبها احد بشئ " وقاتل " عليه السلام راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول اعلى قتلي تجتمعون اما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله الله اسخط عليكم لقتله مني وايم الله اني لارجو ان يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون اما والله لو قتلتموني لا لقي الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الاليم " وكان " على الحسين عليه السلام جبة من خز وكان معتما مخضوبا بالوسمة " ولم " يزل يقاتل حتى اصابه اثنان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال فبينا هو واقف إذا اتاه
[187]
حجر فوقع على جبهته فأخذ الثوب ليسمح الدم عن جبهته فاتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال عليه السلام بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رفع راسه الى السماء وقال آلهي تعلم انهم يقتلون رجلا ليس على وجه الارض ابن بنت نبي غيره ثم اخذ السهم فاخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كانه ميزاب فضعف ووقف " ولما " رجع الحسين عليه السلام من المسناة الى فسطاطه بعد قتل اخيه العباس اقبل الشمر في جماعة من اصحابه فأحاطوا به فاسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين عليه السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف وكان على رأسه برنس وقيل قلنسوة فقطع البرنس ووصل السيف الى رأسه فامتلاأ البرنس دما فقال له الحسين عليه السلام لا اكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين ثم القى البرنس أو القلنوسة ودعا بخرقة فشد بها رأسه واستدعي بقلنسوة اخرى فلبسها واعتم عليها " واخذ " الكندي البرنس وكان من خز فلما قدم على اهله اخذ يغسل عنه الدم فقالت له امرأته اسلب ابن رسول الله تدخل بيتي اخرجه عني " فلم " يزل ذلك الرجل فقيرا بشر طول عمره " وهذا " اخذه المختار وقطع يديه ورجليه وتركه يضطرب حتى مات " ورجع شمر ومن معه عن الحسين عليه السلام الى مواضعهم فمكثوا هنيئة
[188]
ثم عادوا إليه فاخذ الحسين عليه السلام يشد عليهم فينكشفون عنه ثم انهم احاطوا به " فخرج " عبد الله بن الحسن بن علي عليهما السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء فلحقته زينب بنت علي عليهما السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء فلحقته زينب بنت علي عليهما السلام لتحبسه فقال لها الحسين عليه السلام احبسيه يا اختى فابي وامتنع عليها امتناعا شديدا وجاء يشتد الى عمه الحسين حتى وقف الى جنبه وقال لا افارق عمي فاهوى بحر (ابجر خ ل) بن كعب الى الحسين عليه السلام بالسيف فقال له الغلام ويلك يا ابن الخبيثة اتقتل عمي فضربه بحر (ابجر خ ل) بالسيف فاتقاها الغلام بيده فاطنها الى الجلد فإذا هي معلقة فنادي الغلام يا عماه أو يا اماه فاخذه الحسين عليه السلام فضمه الى صدره وقال يا ابن اخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول الله صلى الله عليه وآله وعلى وحمزة وجعفر والحسن صلى الله عليهم اجمعين فرماه حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه فرفع الحسين عليه السلام يديده وقال اللهم امسك عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الارض اللهم فان متعتهم الى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة منهم ابدا فأنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلوا ثم ضارب عدوا علينا فقتلونا ثم ضارب رجالة حتى انكشفوا عنه وكان قد ضعف عن القتال " وتحاماه " الناس فمكث طويلا من النهار وكلما جاءه احد انصرف عنه كراهية
[189]
ان يلقي الله بدمه " قال " هلال بن نافع اني لواقف مع اصحاب عمر ابن سعد إذ صرخ صارح ابشر ايها الامير فهذا شمر قد قتل الحسين فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وانه ليجود بنفسه فوالله ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه احسن منه ولا انور وجها ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال ماء فسمعت رجلا يقول والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فسمعته يقول انا ارد الحامية فاشرب من حميمها لا والله بل ارد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله واسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر واشرب من ماء غير آسن واشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي فغضبوا باجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب احد منهم من الرحمة شيئا " وصاح " شمر بالفرسان والرجالة ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلواه ثكلتكم امهاتكم فحملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسري وضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبابها لوجهه وكان قد اعيا وجعل يقوم ويكبو وطعنه سنان بن انس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني (1) صدره ورماه بسهم فوقع في نحره فسقط وجلس قاعدا (1) البواني اضلاع الزور كذا في القاموس " منه ".
[190]
فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعا فكلما امتلاتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول: هكذا القى الله مخضبا بدمي مغصوبا علي حقي " وقال " عمر بن سعد لرجل عن يمينه انزل ويحك الى الحسين فارحه " وقيل " بل قال سنان لخولي بن يزيد اختز رأسه فبدر خولى ليحتز رأسه فضعف وارعد فقال له سنان وقيل شمر فت الله في عضدك مالك ترعد ونزل سنان وقيل شمر إليه فذبحه ثم احتزر رأسه الشريف وهو يقول والله اني لاحتز رأسك واعلم انك السيد المقدم وابن رسول الله وخير الناس ابا واما ثم دفع الرأس الشريف الى خولى فقال احمله الى الامير عمر بن سعد وفي ذلك يقول الشاعر فاي رزية عدلت حسينا * غداة تبيره كفا سنان " وسنان " هذا اخذه المختار فقطع انامله انملة انملة ثم قطع يديه ورجليه واغلى له قدرا فيها زيت ورماه فيها وهو يضطرب وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين عليه السلام فقال رجل يا امة الله ان سيدك قتل قالت الجارية فاسرعت الى سبيداتي وانا اصيح فقمن في وجهي وصحن " وارتفعت " في السماء عند قتل الحسين عليه السلام غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا يري فيها عين ولا اثر حتى ظن القوم ان العذاب قد جاء هم فلبشوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم " وفي رواية " انها اظلمت الدنيا ثلاثة ايام بعد قتل الحسين عليه السلام
[191]
السلام ثم ظهرت الحمرة في السماء " ولم " تر الحمرة في السماء قبل قتل الحسين عليه السلام وقال السدي لما قتل الحسين عليه السلام بكت السماء وبكاؤها حمرتها " وأمطرت " السماء دما يوم قتله وبقي اثره في الثياب مدة حتى تقطعت وكان جماعة في سفر قالوا فمطرنا مطرا بقي اثره في ثيابنا مثل الدم وما قلع حجر بالشام وفي رواية في الدنيا الا وجد تحته دم عبيط ومكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنما تلطخ الحيطان بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع وفي رواية من صلاة الفجر إلى غروب الشمس " وقال " عبد المطلب بن مروان للزهري اي رجل انت ان اخبرتني اي علامة كانت يوم الحسين بن علي عليهما السلام قال لا يرفع حصاة بيت المقدس الا وجد تحتها دم عبيط فقال عبد الملك اني واياك في هذا الحديث غريبان " وروي " عن ابي حباب الكلبي قال حدثنا الجصاصون قالوا كنا نخرج إلى الجبانة في الليل. عند مقتل الحسين عليه السلام فنسمع الجن ينوحون عليه ويقولون مسح النبي جبينه * فله بريق في الخدود ابواه من عليا قريش * وجده خير الجدود " ورأي " ابن عباس النبي صلى الله عليه وآله في الليلة التي قتل فيها الحسين عليه السلام وبيده قارورة وهو يجمع فيها دما قال فقلت يا رسول الله ما هذا قال هذه دماء الحسين عليه السلام واصحابه
[192]
ارفعها إلى الله تعالى فأصبح ابن عباس واعلم الناس بقتل الحسين عليه السلام وقص روياه فوجد قد قتل في ذلك اليوم " وكان " سن الحسين عليه السلام يوم قتل سبعا وخمسين سنة أو ستا وخمسين سنة وخمسة اشهر وسبعة ايام أو خمسة ايام أو تسعة اشهر وعشرة ايام أو ثمانية اشهر وسبعة ايام أو خمسة ايام على اختلاف الروايات والاقوال المتقدمة في مولده عليه السلام " وقيل " ثمان وخمسون سنة وقيل خمس وخمسون سنة وستة اشهر المقصد الثالث في الامور المتأخرة عن قتله (ع) واقبل القوم على سلب الحسين عليه السلام فاخذ فميصه اسحق ابن حويه الحضرمي فلبسه فصار ابرص وامتعط شعره ووجد في قميصه (ع) مأة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة وقيل وجد في ثيابه مأة وعشرون رمية بسهم وفي جسده الشريف ثلاث وثلاثون طعنه برمح واربع وثلاثون ضربة بسيف " وعن " الصادق عليه السلام انه وجد بالحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة واربع وثلاثون ضربة (1) وعن الباقر عليه السلام انه وجدبه (1) لا يخفي ان هذه الرواية لاتنا في ما سبق وما يأتي من الاقوال والروايات لانه لم يعين فيها قدر الرميات بل هي من المؤيدات (منه).
[193]
ثلثمأة وبضعة وعشرون جراحة " وفي " رواية ثلثمأة وستون جراحه واخذ سراويله بحر (ابجر خ ل) بن كعب التميمي فصار زمنا مقعدا من رجليه " واخذ " ثوبه أخ لاسحق بن حويه ولبسه فتغير وجهه وحص شعره وبرص بدنه " واخذ " قطيفة له كانت من خز قيس بن الاشعث بن قيس " واخذ " عمامته الاخنس بن مرثد وقيل جابر بن يزيد فاعتم بها فصار معتوها " واخذ " برنسه مالك بن النسر كما مر (واخذ) نعليه الاسود بن خالد (واخذ) درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل عمر اعطاها المختار لقاتله (واخذ) سيفه الفلافس النهشلي من بني دارم وقيل جميع بن الخلق الاودي وقيل الاسود بن حنظلة التميمي (واخذ) القوس والحلل الرجيل بن خيثمة الجعفي (واخذ) خاتمه بجدل بن سليم الكلبي وقطع اصبعه مع الخاتم وهذا اخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك (ومال) الناس على الفرش (الورس خ ل) والحلل والابل فانتهبوها وانتهبوا رحله وثقله وسلبوا نساءه ونحرت الابل التي كانت مع الحسين عليه السلام فلم يوء كل لحمها لانه كان امر من الصبر " وروي " انه لما جعل اللحم في القدر صار نارا " وكان " مع الحسين عليها السلام ورس وطيب فاقتسموه فلما صاروا إلى بيوتهم صار دما " وعن " مشائخ من طئ انهم قالوا وجد شمر بن ذي الجوشن في رحل الحسين عليه السلام
[194]
السلام ذهبا فدفع بعضه إلى ابنته فدفعته إلى صائغ يصوغ منه حليا فلما ادخله النار صار نحاسا وقيل نارا " وما " تطيبت امرأة من ذلك الطيب الا برصت " قال " حميد بن مسلم رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في اصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام في فسطاطهن وهم يسلبونهن اخذت سيفا واقبلت نحو الفسطاط وقالت يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله لاحكم الا لله يا لثارات رسول الله فاخذها زوجها وردها إلى رحله " وانتهوا " إلى علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض وكان مريضا بالذرب اي الاسهال وقد اشرف على الموت ومع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له الانقتل هذا العليل فاراد شمر قتله فقال له حميد ابن مسلم سبحان الله اتقتل الصبيان انما هو صبي وانه لما به فلم يزل يدفعهم عنه حتى " جاء " عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين فقال لاصحابه لايدخل احد منكم بيوت هؤلاء ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض ومن اخذ من متاعهن شيئا فليرده فلم يرد احد شيئا " وفي رواية " انهم اشعلوا النار في الفسطاط فخرجن منه النساء باكيات مسلبات " ونادي " عمر بن سعد في اصحابه من ينتدب للحسين فيوطي الخيل ظهره وصدره فانتدب منهم عشرة وهم اسحق بن
[195]
حويه (حيوة خ ل) الذي سلب قميص الحسين عليه السلام، والا خنس ابن مرثد الذي سلب عمامة الحسين عليه السلام، وحكيم بن الطفيل الذي اشترك في قتل العباس عليه السلام، وعمرو بن صبيح الصيداوي الذي رمي عبد الله بن مسلم بسهم فسمريده في جبهته. ورجاء بن منقذ العبدي، وسالم بن حثيمة الجعفي، وصالح بن وهب الجعفي. وواحظ بن غانم. وهاني بن ثبيت الحضرمي الذي قتل جماعة من الطالبيين كما مر. واسيد بن مالك فداسوا الحسين عليه السلام بجوافر خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره " وجاء " هاؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال اسيد بن مالك احدهم نحن رضضنا الصدر بعد الظهر * بكل يعبوب شديد الاسر فقال ابن زياد من انتم قالوا نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسين عليه السلام حتى طحنا جناجن صدره فأمر لهم بجائزة يسيرة " قال " ابو عمرو الزاهد فنطرنا في هاؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا اولاد زنا وهؤلاء اخذهم المختار فشد ايديهم وارجلهم بسكك الحديد واوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا وفي خبر ان احدهم وهو الاخنس كان واقفا بعد ذلك في قتال فجاء سهم لم يعرف راميه ففلق قلبه فهلك " وسرح " عمر بن سعد من يومه ذلك وهو يوم عاشورا برأس الحسين عليه السلام مع خولى بن يزيد الاصبحي وحميد بن
[196]
مسلم الازدي إلى عبيد الله بن زياد " قال " الطبري وابن الاثير فوجد القصر مغلقا فاتي بالرأس إلى منزله فوضعه تحت اجانه ودخل فراشه وقال لامرأته النوار جئتك بغني الدهر هذا رأس الحسين عليه السلام معك في الدار فقالت ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله صلى الله عليه وآله والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت وقامت من الفراض فخرجت إلى الدار قالت فما زالت انظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الاجانة ورأيت طيرا ابيض يرفرف حولها " وذكر " ابن نما نحوا من ذلك " وخولى " هذا قتله اصحاب المختار واحرقوه وكان مختفيا في مخرجه فدلت عليه امرأته العيوب بنت مالك وكانت تعاديه منذ جاء برأس الحسين عليه السلام فلما سألوها عنه قالت لاادري واشارت بيدها إلى المخرج " وامر " ابن سعد برؤوس الباقين من اصحاب الحسين عليه السلام واهل بيته فقطعت (فنظفت خ ل) وكانت اثنين وسبعين رأسا وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الاشعث بن قيس وعمرو ابن الحجاج فاقبلوا حتي قدموا بها علي ابن زياد " وروي " ان الرؤوس كانت سبعين رأسا " وروي " ثمانية وسبعين رأسا فاقتسمتها القبائل لتتقرب بها إلى ابن زياد والى يزيد لعنهما الله تعالى فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الاشعث. وجاءت هوازن بأثني
[197]
عشر رأسا. وقيل بعشرين وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا. وجاءت بنو اسد بستة عشر رأسا وقيل بستة اروءس. وجاءت مذحج بسبعة ارؤس. وجاء سائر الناس بثلاثة عشر رأسا وقيل بسبعة " ثم " ان ابن سعد صلى على القتلى من اصحابه ودفنهم وترك الحسين عليه السلام واصحابه بغير دفن واقام بقية اليوم العاشر واليوم الثاني إلى زوال الشمس ثم نادي في الناس بالرحيل وتوجه إلى الكوفة وحمل معه نساء الحسين عليه السلام وبناته واخواته ومن كان معه من الصبيان وفيهم علي بن الحسين عليهما السلام قدنهكته العله والحسن بن الحسن المثني وكان قدواسي عمه في الصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح وكان قد نقل من المعركة وقد اثخن بالجراح وبه رمق فبرأ واخواه زيد وعمر ابناء الحسن السبط عليه السلام " وتدل " بعض الروايات على وجود الباقر عليه السلام معهم وساقوهم كما يساق سبي الترك والروم " فقال " النسوة بحق الله الا ما مررتم بنا على مصرع الحسين عليه السلام فمروا بهم على الحسين " ع " واصحابه وهم صرعى فلما نظر النسوة إلى القتلي صحن وضربن وجوهن " قال " الراوي فوالله لا انسي زينب بنت علي وهي تندب الحسين " ع " وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب يا محمداه صلى عليك مليك السماء هذا حسينك مرمل بالدماء مقطع
[198]
الاعضاء وبناتك سبايا إلى الله المشتكى والى محمد المصطفي والى علي المرتضى والى فاطمة الزهراء والى حمزة سيد الشهداء يا محمداه هذا حسين بالعرى تسفى عليه ريح الصبا قتيل اولاد البغايا واحزناه واكرباه عليك يا ابا عبد الله اليوم مات جدي رسول الله يا اصحاب محمد هاؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا " وفي " بعض الروايات وامحمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا وهذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والردي بابي من اضحى عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا غائب فيرتجي ولا جريح فيداوي بأبي من نفسي له الفدي بابي المهموم حتى قضى بابي العطشان حتى مضي بابي من شيبته تقطر بالدما بابي من جده رسول آله السما بابي من هو سبط نبي الهدي بابي محمد المصطفي بابي خديجة الكبرى بابي علي المرتضى بابي فاطمة الزهراء بابي من ردت له الشمس حتى صلى " قال " فابكت والله كل عدو وصديق ثم ان سكينة بنت الحسين " ع " اعتنقت جسد ابيها فاجتمع عدة من الاعراب حتى جروها عنه " ولما " رحل ابن سعد عن كربلا خرج قوم من بني اسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين عليه السلام واصحابه فصلوا على تلك الجثث الطواهر ودفنوها فدفنوا الحسين عليه السلام حيث قبره الان ودفنوا ابنه
[199]
عليا الاكبر عند رجليه وحفروا للشهداء من اهل بيته ولاصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام فجمعوهم فدفنوهم جميعا في حفيرة واحدة وسووا عليهم التراب " ويقال " ان اقربهم دفنا إلى الحسين عليهم السلام ولده علي الاكبر فيزورهم الزائر من عند قبر الحسين عليه السلام ويومي إلى الارض التي نحو رجليه بالسلام عليهم ودفنوا العباس بن علي عليهما السلام في موضعه الذي قتل فيه على المسناة بطريق الغاضرية حيث قبره الان ودفنوا بقية الشهداء حول الحسين عليه السلام في الحائر " قال " المفيد عليه الرحمة ولسنا نحصل لهم اجداثا على التحقيق والتفصيل الا انا لانشك ان الحائر محيط بهم رضي الله عنهم وارضاهم " وسار ابن سعد بسبايا اهل بيت الرسول صلى الله عليه واله فلما قاربوا الكوفة اجتمع اهلها للنظر اليهن فاشرفت امرأة من الكوفيات وقالت من اي الاساري انتن فقلن لها نحن اساري آل محمد " ص " فنزلت من سطحها فجمعت لهن ملاء وازرا ومقانع وجعل اهل الكوفة ينوحون ويبكون فقال علي بن الحسين عليهما السلام اتنوحون وتبكون من اجلنا فمن ذا الذي قتلنا قال بشر بن خزيم الاسدي ونظرت إلى زينب بنت علي عليهما السلام يومئذ فلم ارخفرة انطق منها كأنها تفرغ عن لسان امير أمؤمنين عليه السلام وقد أو مأت إلى الناس
[200]
ان اسكتوا فارتدت الانفاس وسكنت الاجراس (1) ثم قالت: (خطبة زينب بنت امير المؤمنين عليهما السلام بالكوفة) الحمد لله والصلوة على محمد وآله الطاهرين " اما بعد " يا اهل الكوفة يا اهل الختل والغدر اتبكون فلا رقأت الدمعة ولا قطعت الرنة انما مثلكم كمثل التي نقضت غرلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم الاوهل فيكم الا الصلف (2) النطف (3) والصدر الشنف (4) (الا الصلف والعجب والشنف والكذب خ ل) وملق (5) الاماء وغمز (6) الاعداء أو كمرعي على دمنة (7) أو كفضة على ملحودة (8) الاساء ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون اتبكون وتنتحبون اي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد قهبتم بعارها وشنارها (9) ولن ترحضوها (10) بغسل بعدها ابدا واني ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب اهل الجنة وملاذ حيرتكم (1) جمع جرس وهو الصوت أو خفيه (منه). (2) الصلف بفتحتين اداعاء الانسان فوق ما فيه تكبرا وهو صلف ككتف (منه). (3) النطف بالتحريك التلطخ بالعيب وهو نطف اي متلطخ بالعيب " منه ". (4) الشنف بالتحريك البغض والتنكر وصدر شنف اي مبغض متنكر " منه " (5) الملق ان تعطي باللسان ما ليس في القلب " منه " (6) الغمز الطعن " منه ". (7) الدمنة بالكسر الموضع القريب من الدار (منه). اي ميتة موضوعة في اللحد " منه ". (9) الشنار العيب " منه ". (10) تغسلوا " منه ".
[201]
ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم (محجتكم خ ل) ومدرة (1) سنتكم الاساء ما تزرون وبعدالكم وسحقا فلقد خاب السعي وتبت الايدي وخسرت الصفقة وبوءتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا اهل الكوفة اتدرون اي كبد لرسول الله صلى الله عليه واله فريتم (فرثتم خ ل) (2) واي كريمة له ابرزتم واي دم له سفكتم واي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعا (3) عنقاء (4) سوءاء (5) فقهاء (6) نأنأء (7) وفي رواية خرقاء (8) شوهاء (9) كطلاع الارض (10) أو ملئ السماء افعجبتم ان مطرت السماء دما فلعذاب الاخرة اخزي وانتم لا تنصرون فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه (11) البدار ولا يخاف فوت الثار وان ربكم لبالمرصاد " قال " فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حياري يبكون وقد وضعوا ايديهم في افواهم ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضت لحيته وهو يقول بابي انتم وامي كهولكم خير الكهول وشبابكم (1) المدرة بالكسر زعيم القوم والمتكلم عنهم والذي يرجعون إلى رأيه " منه ". (2) الفري القطع والفرث التفتيت " منه ". (3) الصلعاء الداهية القبيحة المكشوفة " منه ". (4) العنقاء الداهية " منه ". (5) قبيحة " منه. (6) عظيمة " منه ". (7) النأنأة العجز والضعف " منه ". (8) الخرق ضد الرفق " منه ". (9) قبيحة " منه ". (10) اي ملئها " منه ". (11) لا يعجله " منه ".
[202]
خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزي ولا يبزي (1) " وروي " زيد بن موسى عن ابيه عن جده عليهم السلام قال خطبت فاطمة الصغرى بعد أن وردت من كربلا فقالت: (خطبة فاطمة الصغرى عليها السلام بالكوفة) الحمد لله عدد الرمل والحصى وزنة العرش إلى الثرى احمده واؤ من به واتوكل عليه واشهد ان لا آله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وان اولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات اللهم اني اعوذ بك ان افتري عليك الكذب أو ان اقول عليك خلاف ما انزلت عليه من اخذ العهود لوصيه علي بن ابي طالب (ع) المسلوب حقه المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالامس في بيت (2) من بيوت الله فيه معشر مسلمة بالسنتهم تعسا لروءوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته حتى قبضته اليك محمود النقيبة (3) طيب العريكة (4) معروف المناقب مشهور المذاهب لم تأخذه فيك اللهم لومة لائم ولا عذل عاذل هديته اللهم للاسلام صغيرا وحمدت مناقبه كبيرا ولم يزل ناصحا لك ولرسولك حتى قبضته اليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها راغبا في الاخرة مجاهدا لك في سبيلك (1) اي لا يغلب ولا يقهر " منه ". (2) متعلق بالمقتول (منه). (3) النفس " منه ". (4) الطبيعة " منه ".
[203]
رضيته فهديته إلى صراط مستقيم " اما بعد " يا أهل الكوفة يا اهل المكر والغدر والخيلاء فانا اهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجته على الارض في بلاده لعباده اكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله على كثير ممن خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا وكفرتمونا ورأيتم قتالنا حلالا واموالنا نهبا كأنا اولاد ترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالامس وسيوفكم تقطر من دمائنا اهل البيت لحقد متقدم قرت لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم افتراء (اجتراء خ ل) على الله ومكرا مكرتم والله خير الماكرين فلا تدعونكم انفسكم إلى الجذل بما اصبتم من دمائنا ونالت ايديكم من اموالنا فان ما اصابنا من المصائب الجليلة والرزء العظيم في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذنك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم والله لا يحب كل مختال فخور تبا لكم فنتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات فتسحتكم (1) بما كسبتم (فيسحتكم بعذاب خ ل) ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الاليم يوم القيامة بما ظلمتمونا الا لعنة الله على الظالمين ويلكم اتدرون اية يدطا عنتنا (1) سحته استأصله " منه ".
[204]
منكم واية نفس نزعت إلى قتالنا ام بأية رجل مشيتم الينا تبغون محاربتنا والله قست قلوبكم وغلظت اكبادكم وطبع على افئدتكم وختم على سمعكم وعلى بصركم غشاوة فانتم لا تهتدون فتبالكم يا اهل الكوفة اي ترات لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم وذحول له لديكم بما غدرتم باخيه علي بن ابي طالب جدي وبنيه وعترته الطيبين الاخيار وافتخر بذلك مفتخر من الظالمين فقال نحن قتلنا عليا وبني علي * بسيوف هندية ورماح وسبينا نساء هم سبي ترك * ونطحناهم فاي نطاح بفيك ايها القائل الكثكث والاثلب (1) افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم واذهب عنهم الرجس فاكظم (2) واقع (3) كما اقعى ابوك فانما لكل امرء ما اكتسب وما قدمت يداه احسدتمونا ويلكم على ما فضلنا الله عليكم فماذ نبنا ان جاش دهرا بحورنا * وبحرك ساج (4) ما يواري الدعا مصا (5) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له (1) الكثكث والاثلب بالضم والكسر فيهما فتات الحجارة والتراب (منه). (2) اسكت على غيضك (منه). (3) الاقعاء جلوس الكلب على استه (منه). (4) ساكن (منه). (5) جمع دعموص وهي دويبة تغوص في الماء والبيت للاعشي (منه).
[205]
من نور (فارتفعت) الاصوات بالبكاء والنحيب وقالوا حسبك يا ابنة الطيبين فقد احرقت قلوبنا وانضجت نحورنا واضرمت اجوافنا فسكتت (وخطبت) ام كلثوم بنت علي عليهما السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت: * (خطبة ام كلثوم عليها السلام بالكوفة) * يا اهل الكوفة سوأة لكم مالكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم امواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه فتبالكم وسحقا لكم اي دواه دهتكم واي وزر على ظهوركم حملتم واي دماء سفكتموها واي كريمة اصبتموها واي صبية سلبتموها وأي اموال انتهبتموها قتلتم خير رجالات بعي النبي صلى الله عليه واله ونزعت الرحمة من قلوبكم الا ان حزب الله هم المفلحون الشيطان هم الخاسرون ثم قالت: قتلتم اخي ظلما فويل لامكم * ستجزون نارا حرها يتوقد سفكتم دماء حرم الله سفكها * وحرمها القرآن ثم محمد فضج الناس بالبكاء والنحيب ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤسهن وخمشن وجوههن ولطمن خدودهن ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال فلم يرباك وباكية اكثر من ذلك اليوم ثم ان زين العابدين عليه السلام أو مأ الناس ان اسكتوا فسكتوا
[206]
فقام قائما فحمد الله واثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وآله بما هو اهله فصلى عليه ثم قال: (خطبة علي بن الحسين عليه السلام بالكوفة) ايها الناس من عرفني فقد عرفي ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي انا علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب انا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله انا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات انا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا ايها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون انكم كتبتم إلى ابي وخدعتموه واعطيتموه من انفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه فتبا لما قد متم لانفسكم وسوأة لرأيكم بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله على وآله إذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من امتي (فارتفعت) اصوات النساء بالبكاء من كل ناحية وقال بعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون فقال عليه السلام رحم الله امرءا قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله ورسوله واهل بيته فان لنا في رسول الله اسوة حسنة " فقالوا " باجمعهم نحن كلنا سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا رغبين عنك فمرنا بامرك يرحمك الله فانا حرب لحربك وسلم لسلمك لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلنا " فقال " عليه السلام هيهات هيهات
[207]
ايها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين انفسكم اتريدون ان تأتوا الي كما اتيتم الى آبائي من قبل كلا ورب الراقصات فان الجرح لما يندمل قتل ابي بالامس واهل بيته معه ولم ينسني ثكل رسول الله صلى الله عليه وآله وثكل ابي وبني ابي ووجده بين لهاتي (1) ومرارته بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش (2) صدري ومسألتي ان لا تكونوا لنا ولا علينا ثم قال: لاغروا ان قتل الحسين فشيخه * قد كان خير من حسين واكرما فلا تفرحوا يا اهل كوفان بالذي * اصاب حسينا كان ذلك اعظما قتيل بشط النهر روحي فداوءه * جزاء الذي اراده نار جهنما ثم قال رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا وولا علينا " وجاء " سنان بن انس النخعي الى باب ابن زياد فقال اوقر ركابي فضة أو ذهبا * اني قتلت السيد المحجبا قتلت خير الناس اما وابا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا فلم يعطه ابن زياد شيئا " وقيل " ان سنانا انشد هذه الابيات على باب فسطاط عمر بن سعد فحذفه بالقضيب وقال أبو مجنون انت والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك " وقيل " المنشد لها عند ابن (1) اللهاة اللحمة في اقصى الفم (منه). (2) الفراش كل عظم رقيق يقال فراش وفراشة كسحاب وسحابة (منه).
[208]
سعد هو الشمر " وقيل " ان قاتل الحسين عليه السلام انشدها عند يزيد لعنه الله والله اعلم (ثم) ان ابن زياد لعنه الله جلس في قصر الامارة واذن للناس اذنا عاما وامر باحضار رأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسم وكان في يده قضيب فجعل يضرب به ثناياه ويقول انه كان حسن الثغر (وفي) رواية انه قال لقد اسرع الشيب اليك يا ابا عبد الله ثم قال يوم بيوم بدر " وكان " عنده انس بنمالك فبكى وقال كان اشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وكان مخضوبا بالوسمه " وكان " الى جانبه زيد بن ارقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا آله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وآله مالا احصيه كثرة يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد ابكى الله عينيك اتبكي لفتح الله والله لو لا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بنارقم من بين يديه وصار الى منزله (وفي رواية) انه نهض وهو يقول ايها الناس انتم العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وامرتم ابن مرجانة والل ليقتلن خياركم وليستعبدن شراركم فبعدا لمن رضي بالذل والعار ثم قال يا ابن زياد لاحدثنك حديثا اغلظ عليك من هذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
[209]
اقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسري ثم وضع يده على يافو خيهما ثم قال اللههم اني استودعك اياهما وصالح المؤمنين فكيف كانت وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله عندك يا ابن زياد " وادخل " نساء الحسين عليه السلام وصبيانه على ابن زياد فلبست زينب عليها السلام ارذل ثيابها وتنكرت ومضت حتى جلست ناحية من القصر وحف بها اماؤها فقال ابن زياد من هذه فلم تجبه فاعاد الكلام ثانيا وثالثا يسأل عنها فلم تجبه فقال له بعض امائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فاقبل عليها ابن زياد فقال لها الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم واكذب احد وثتكم فقالت زينب الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وطهرنا من الرجس تطهيرا انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا فقال كيف رأيت فعل الله ياخيك واهل بيتك فقالت ما رأيت الا جميلا هاؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم (فتتحاجون إليه وتختصمون عنده خ ل) فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك امك يا ابن مرجانة فغضب ابن زياد واستشاط وكأنه هم بها فقال عمرو بن حريث ايها الامير انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ولا تذم على خطائها فقال لها ابن زياد لقد شفى الله قلبي (نفسي خ ل)
[210]
من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من اهل بيتك فرقت زينب وبكت وقالت له لعمري لقد قتلت كهلي وابرزت اهلي وقطعت فرعي واجتثثت اصلي فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت فقال ابن زياد هذه سجاعة (1) ولعمري لقد كان ابوها سجاعا شاعرا فقالت ما للمرأة والسجاعة ان لي عن السجاعة لشغلا ولكن صدري نفث بما قلت ولنعم ما قال الشاعر تصان بنت الدعي في كلل الملك وبنت رسول الله تبتذل يرجي رضى المصطفي فواعجبا * تقتل اولاده ويحتمل " وعرض " عليه علي بن الحسين عليهما السلام فقال من انت فقال انا علي بن الحسين فقال اليس قد قتل الله عليا بن الحسين فقال له علي قد كان لي اخ يسمى عليا قتله الناس فقال بل الله قتله فقال علي ابن الحسين الله يتوفى الانفس حين موتها فغضب ابن زياد وقال وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي اذهبوا به فاضربوا عنقه فتعلقت به عمته زينب وقالت يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت لا والله لا افارقه فان قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد إليها واليه ساعة ثم قال عجب للرحم والله اني لا ظنها ودت اني قتلتها معه (1) في نسخة شجاعة بالشين والمعجمة وكذا ما بعدها (منه)
[211]
دعوه فاني اراه لما به (1) " وفي رواية " ان عليا بن الحسين عليهما السلام قال لعمته اسكتي يا عمه حتى اكلمه ثم اقبل عليه فقال ابالقتل تهددني يا ابن زياد اما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ثم امر ابن زياد بعلي بن الحسين " ع " واهل بيته فحملوا الى دار بجنب المسجد الاعظم فقالت زينب بنت علي عليهما السلام لا تدخلن علينا عربية الا ام ولداو مملوكة فانهن سبين كما سبينا (قال) ابن الاثير قال بعض حجاب ابن زياد دخلت معه القصر حين قتل الحسين عليه السلام فاضطرم في وجهه نارا فقال بكمه هكذا على وجهه وقال لا تحدثن بهذا احدا ثم ان ابن زياد قام من مجلسه ودخل المسجد فصعد المنبر فقال الحمد لله الذي اظهر الحق واهله ونصر امير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب بن الكذاب وشعيته فما زاد على هذا الكلام شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الازدي وكان من خيار الشيعة وزهادها وكانت عينه اليسري ذهبت في يوم الجمل والاخرى في يوم صفين وكان يلازم المسجد الاعظم يصلي فيه الى الليل ثم ينصرفه فقال يا ابن مرجانة ان الكذاب ابن الكذاب انت وابوك ومن استعملك وابوه يا عدو الله اتقتلون ابناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين " فغضب " ابن زياد وقال من هذا التكلم (1) اي هو شديد المرض (منه).
[212]
فقال انا المتكلم يا عدو الله اتقتل الذرية الطاهرة التي قد اذهب الله عنها الرجس وطهرهم تطهيرا وتزعم انك على دين الاسلام واغوثاه اين اولاد المهاجرين والانصار ينتقمون منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين " فزداد " غضب ابن زياد حتى انتفخت اوداجه وقال علي بن فتبادرت إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه فنادى بشعار الازد يا مبرور وفي الكوفة يومئذ من الازد سبعمائة مقاتل فاجتمعوا وانتزعوه من الجلاوزة وقيل وثب إليه فتيان منهم وقيل قامت الاشراف من الازد من بني عمه فلصوه منهم واخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به الى منزله " فقال " ابن زياد اذهبوا الى هذا الاعمي اعمى الازد اعمى الله قلبه كما اعمى عينيه فأتوني به فلما بلغ ذلك الازد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم وبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمهم الى محمد بن الاشعث وامره بقتال القوم فاقتتوا قتالا شديدا حتى قتل بينهم جماعة من العرب ووصل اصحاب ابن زياد الى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه فصاحت ابنته اتاك القوم من حيث تحذر فقال لا عليك ناوليني سيفي فناولته اياه فجعل يذب عن نفسه ويقول انا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر * عفيف شيخي وابن ام عامر
[213]
كم دارع من قومكم وحاسر * وبطل جدلته مغاور وجعلت ابنته تقول يا ابت كنت رجلا اخاصم بين يديك اليوم هاؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة. وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة وهو يذب عن نفسه فليس يقدم عليه احد وكلما جاءوه من جهة قالت ابنته يا ابه جاءوك من جهة كذا حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به فقالت ابنته واذ لا ه يحاط بابي وليس له ناصر يستعين به فجعل يدير سيسه ويقول اقسم لو يفسح لي عن بصري * ضاق عليكم موردي ومصدري (1) فقال له ابن زياد يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان قال يا عبد بني علاج يا ابن مرجانة وشتمه ما انت وعثمان اساءه ام احسن واصلح ام افسد والله تبارك وتعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ولكن سلني عن ابيك وعنك وعن يزيد وابيه فقال ابن زياد والله لا اسألك عن شئ أو تذوق الموت غصة بعد غصة فقال عبد الله بن عفيف الحمد لله رب العالمين اما اني قد كنت اسأل الله ربي ان يرزقني الشهادة من قبل ان تلدك امك وسألت الله ان يجعل ذلك على يد العن خلقه وابغضهم إليه فلما كف بصري يئست من الشهادة الى الان فالحمد لله الذي رزقنيها بعد الياس منها وعرفني الاجابة منه في قديم فقال ابن زياد اضربوا عنقه فضربت (1) هذه العبارة من متن الكتاب: قال فما زالوا به حتى اخذوه ثم حمل فأدخل على ابن زياد فلما رآه قال الحمد لله الذي اخزاك فقال له عبد الله يا عدو الله وبماذا اخزاني والله لو فرج لي عن بصري ضاق عليكم وردي ومصدري
[214]
عنقه وصلب في السبخه ثم دعا ابن زياد بجندب بن عبد الله الازدي وكان شيخا فقال يا عدو الله الست صاحب ابي تراب قال بلى لا اعتذر منه قال ما اراني الا متقربا الى الله بدمك قال اذن لا يقربك الله منه بل يباعدك قال شيخ قد ذهب عقله وخلى سبيله (ولما) اصبح ابن زياد امر برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة كلها وقبائلها " فروي " عن زيد بن ارقم انه قال مر به علي وهو على رمح وانا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ (ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) فقف والله شعري وناديت رأسك والله يا ابن رسول الله اعجب واعجب ولما فرغ القوم من التطواف به في الكوفة ردوه الى باب القصر ويحق التمثل هن بقول بعض الشعراء يرثي قتيلا من آل رسول الله صلى الله عليه وآله رأس ابن بنت محمد ووصيه * للناظرين على قناة يرفع والمسلمون بمنظر وبسمع * لا منكر منهم ولا متفجع كحلت بمنظرك العيون عماية * واصم رزوءك كل اذن تسمع ايقظت اجفانا وكنت لها كرى * وانت عينا لم تكن بك تهجع ما روضة الا تمنت انها * لك حفرة ولخط قبرك مضجع ثم ان ابن زياد نصب الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب وهي اول روءوس نصبت في الاسلام بعد رأس مسلم بن عقيل
[215]
بالكوفة. (وكتب) ابن زياد الى يزيد يخبروه بقتل الحسين عليه السلام وخبر اهل بيته " وتقدم " الى عبد الملك بن الحارث السلمي فقال انطلق حتى تاتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة (وكان اميرا عليها وهو من بني امية) فتبشره بقتل الحسين عليه السلام وقال لا يسبقنك الخبر إليه قال عبد الملك فركبت راحلتي وسرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش فقال ما الخبر قلت الخبر عند الامير تسمعه قال انا لله وانا إليه راجعون قتل والله الحسين " ولما " دخلت على عمرو بن سعيد قال ما وراءك فقلت ما يسر الامير قتل الحسين بن علي فقال اخرج فناد بقتله فناديت فلم اسمع واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله فدخلت على عمرو بن سعيد فلما رآني تبسم الي ضاحكا ثم تمثل بقول عمرو بن معديكرب الزبيدي وقيل انه لم سمع اصوات نساء بني هاشم ضحك وتمثل بذلك فقال عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الارنب (1) " ثم " قال عمرو هذه واعية عثمان ثم صعد المنبر وخطب الناس واعلمهم قتل الحسين عليه السلام وقال في خطبته انها الدمة بلدمة وصدمة بصدمة كم خطبة بعد خطبة وموعظة بعد موعظة حكمة الارنب وقعة كانت لبني زبيد علي بني زياد من بني الحارث بن كعب " منه ".
[216]
بالغة فما النذر والله لوددت أن رأسه في بدنه وروحه في جسده احيانا كان يسبنا ونمدحه ويقطعنا ونصله كعادتنا وعادته ولم يكن من امره ما كان ولكن كيف نصنع بمن سل سيفه يريد قتلنا الا ان ندفعه عن انفسنا " فقام " عبد الله بن السائب فقال لو كانت فاطمة حية فرأت رأس الحسين عليه السلام لبكت عليه فجبهه عمرو بن سعيد وقال نحن احق بفاطمة منك ابوها عمنا وزوجها اخونا وابنها ابننا لو كانت فاطمة حية لبكت عينها وحرت كبدها وما لامت من قتله ودفعه عن نفسه " وخرجت " ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب حين سمعت نعي الحسين عليه السلام حاسرة ومعها اخواتها ام هاني واسماء ورمله وزينب بنات عقيل بن ابي طالب تبكي قتلاها بالطف وهي تقول ماذا تقولون ان قال النبي لكم * ماذا فعلتم وانتم آخر الامم بعترتي وباهلي بعد مفتقدي * منهم اساري وقتلى ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي " فلما " كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد سمع اهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته ولا يرون شخصه ايها القاتلون جهلا حسينا * ابشروا بالعذاب واتنكيل كل اهل السماء يدعو عليكم * من نبي وملاك وقبيل
[217]
قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وصاحب الانجيل رواه الطبري وغيره " ودخل " بعض موالي عبد الله بن جعفر فنعي إليه ابنيه عونا وجعفرا فاسترجع وجعل الناس يعزونه فقال مولى له يسمى أبو السلاسل هذا ما لقينا من الحسين فحذفه عبد الله ابن جعفر بنعله ثم قال يا ابن اللخناء اللحسين تقول هذا والله لو شهدته لاحببت ان لا افارقه حتى اقتل معه والله انه لمما يسخي نفسي ظ عنهما ويهون علي المصاب بهما انهما اصيبا مع اخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه " ثم " اقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز علي مصرع الحسين ان لا اكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي (ولدي خ ل) " وقال " شهر بن حوشب بينما انا عند ام سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ وقالت قتل الحسين (ع) قالت ام سلمه فعلوها ملا الله قبورهم نارا ووقعت مغشيا عليها " واما يزيد " فأنه لما وصله كتاب ابن زياد اجابه عليه يأمره بجمل راس الحسين عليه السلام ورؤوس من قتل معه وحمل اثقاله ونسائه وعياله " فارسل " ابن زياد الرؤوس مع زجر بن قيس وانفذ معه ابا بردة بن عوف الازدي وطارق بن ابي ظبيان في جماعة من اهل الكوفة الى يزيد " ثم " امر ابن زياد بنساء الحسين عليه السلام وصبيانه فجهزوا وأمر بعلي بن الحسين عليهما السلام فغل بغل الى عنقه " وفي رواية " في يديه ورقبته ثم سرح بهم في اثر الرؤوس
[218]
مع محفر (1) بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن وحملهم على الاقتاب وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرؤوس فلم يكلم علي بن الحسين عليه السلام احدا منهم في لا طريق بكلمة حتى بلغوا الشام " فلما " انتهوا الى باب يزيد رفع محفر بن ثعلبة صوته فقال هذا محفر بن ثعلبة اتى امير المؤمنين باللثام الفجرة فاجابه علي بن الحسين عليهما السلام ما ولدت ام محفر اشروا الام " وعن " الزهري انه لما جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة على جيرون فانشد لنفسه لما بدت تلك الحمول واشرقت * تلك الشموس على ربي جيرون نعب الغراب فقلت صح اولا تصح (2) * فلقد قضيت من الغريم ديوني ولما قربوا من دمشق دنت ام كلثوم من شمر فقالت له لي اليك حاجة فقال ما حاجتك قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة وتقدم إليهم ان يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر الينا ونحن في هذه الحال فأمر في جواب سؤالها ان تجعل الرؤوس على الرماح في اوساط المحامل بغيا منه وكفرا وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى (1) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الفاء المكسورة وآخره راء كذا في الكامل لابن الاثير " منه ". (2) نح اولا تنح " منه "
[219]
اتى بهم باب دمشق " فوقفوا " على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي " وجاء " شيخ فدنا من نساء الحسين عليه السلام عياله وقال الحمد لله الذي اهلككم وقتلكم واراح البلاد من رجالكم وامكن امير المؤمنين منكم فقال له علي بن الحسين يا شيخ هل قرأت القرآن قال نعم قال فهل عرفت هذه الاية قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى قال قد قرأت ذلك فقال له علي فنحن القربى يا شيخ فهل قرأت في بني اسرائيل وآت ذا القربى حقه فقال قد قرأت ذلك فقال علي فنحن القربى يا شيخ فهل قرإت هذه الاية واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى قال نعم فقال له علي فنحن القربى يا شيخ ولكن هل قرأت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا قال قد قرأت ذلك فقال علي فنحن اهل البيت الذين اختصنا الله بآية الطهارة يا شيخ قال فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال بالله انكم هم فقال علي بن الحسين عليهما السلام تالله انا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول الله (ص) انا لنحن هم فبكى الشيخ ورمي عمامته ثم رفع رأسه الى السماء وقال اللهم اني ابرأ اليك من عدو آل محمد من جن وانس ثم قال هل لي من توبة فقال له نعم ان تبت تاب الله عليك وانت معنا فقال انا تائب
[220]
فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فامر به فقتل " وعن " سهل بن سعد انه قال خرجت الى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا انا بمدينة مطردة الانهار كثيرة الاشجار وقد علقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول فقلت في نفسي ترى لاهل الشام عيدا لا نعرفه نحن فرأيت قوما يتحدثون فقلت يا قوم لكم بالشام عيدا لا نعرفه نحن قالوا يا شيخ فذاك غريبا فقلت انا سهل بن سعد قد رأيت محمدا صلى الله عليه واله قالوا يا سهل ما اجعبك السماء لا تمطر دما والارض لا يخفف باهلها قلت ولم ذاك فالوا هذا رأس الحسين عترة محمد صلى الله عليه وآله واهله يهدي من ارض العراق فقلت واعجبا يهدي رأس الحسين عليه السلام والناس يفرحون قلت من اي باب يدخل فأشاروا الى باب يقال له باب الساعات فبينا انا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من اشبه الناس وجها برسول الله صلى الله عليه وآله فإذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء فدنوت من اولهن فقلت يا جارية من انت فقالت انا سكينة بنت الحسين فقلت لها الك حاجة الي فانا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه قالت يا سهل قل لصاحب هذا الرأس ان يقدم الرأس امامنا حتى يشتغل الناس
[221]
بالنظر إليه ولا ينظروا الى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله قال سهل فدنوت من صاحب الرأس فقلت له هل لك ان تقتلني حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار قال ما هي قلت تقدم الرأس امام الحرم ففعل ذلك ودفعت إليه ما وعدته " وروي " ان بعض فضلاء التابعين وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسين عليه السلام بالشام اخفى نفسه شهرا من جميع اصحابه فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك فقال ألا ترون ما نزل بنا ثم انشأ يقول جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا وكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا قتلوك عطاشانا ولما يرقبوا * في قتلك التأويل والتنزيلا ويكبرون بان قتلت وانما * قتلوا بك التكير والتهليلا ثم ادخل ثقل الحسين عليه السلام ونساوءه ومن تخلف من اهله على يزيد وهم مقرنون في الحبال وزين العابدين عليه السلام مغلول فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسين عليه السلام انشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله لو رآنا على هذه الصفة فلم يبق في القوم احد الا وبكى فأمر يزيد بالجبال فقطعت وامر بفك الغل عن زين العابدين عليه السلام " ثم " وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه واجلس النساء
[222]
خلفه لئلا ينظرن إليه " وفى رواية " انه لما ادخل نساء الحسين عليه السلام على يزيد والرأس بين يديه جعلت فاطمة وسكينته يتطاولان لينظران الى الرأس وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس فلما رأين الرأس صحن فصاح نساء يزيد وولولت بنات معاوية فقالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام ابنات رسول الله سبايا يا يزيد فبكى الناس وبكى اهل داره حتى علت الاصوات ورآه على بن الحسين عليهما السلام فلم ياكل الرؤوس بعد ذلك ابدا " واما " زينب عليها السلام فانها لما رأته اهوت الى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى فابكت والله كل من كان حاضرا في المجلس ويزيد ساكت ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه السلام وتنادي يا حبيباه يا سيد اهل بيتاه يا ابن محمداه يا ربيع الارامل واليتامى يا قتيل اولاد الادعياء فابتكت كل من سمعها " وكان " في السبايا الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين عليه السلام وهي ام سكينة بنت الحسين " ع " وهي التي يقول فيها الحسين " ع ". لعمرك انني لاحب دارا * تحل بها سكينة والرباب احبهما وابذل فوق جهدي * وليس لعاذل عندي عتاب
[223]
ولست لهم وان عتبوا مطيعا * حياتي أو يغيبني التراب " فقيل " ان الرباب اخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبلته وقالت واحسينا فلا نسيت حسينا * اقصدته اسنة الاعداء غادروه بكربلاء صريعا * لاسقي الله جانبي كربلاء " والرباب " هذه بعد رجوعها إلى المدينة خطبها الاشراف من قريش فقالت والله لاكان لي حمو بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وعاشت بعد الحسين عليه السلام سنة ثم ماتت كمدا على الحسين عليه السلام ولم تستظل بعده بسقف " ولما " وضعت الرؤوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين عليه السلام جعل يتمثل بقول الحصين بن الحمام المري صبرنا وكان الصبر منا سجية * باسيافنا تفرين هاما ومعصما ابي قومنا ان ينصفونا فانصفت * قواضب في ايماننا تقطر الدما نفلق (1) هاما من رجال اعزة * علينا (2) وهم كانوا اعق واظلما " ودعا " بقضيب خيزران وجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام ثم قال يوم بيوم بدر " وكان " عنده أبو برزة الاسلمي فقال ويحك يا يزيد اتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة اشهد لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله يرشف ثناياه وثنايا اخيه الحسن ويقول انتما سيدا شباب اهل الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه واعد له جهنم وساءت (1) يفلقن خ ل. (2) احبة الينا خ ل.
[224]
مصيرا فغضب يزيد وامر باخراجه فاخرج سحبا " وفي رواية " انه قال اما انك يا يزيد تجئ يوم القيمة وابن زياد شفيعك ويجي هذا ومحمد شفيعه ثم قام فولى " وقال " يحيى بن الحكم اخو مروان بن الحكم وكان جالسا مع يزيد لهام بجنب (1) الطف ادني قرابة * من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل (2) سمية اضحى نسلها عدد الحصى * وبنت رسول الله ليس لها نسل فضرب يزيد في صدره وقال اسكت " وفي رواية انه اسر إليه وقال سبحان الله افي هذا الموضع ما يسعك السكوت " وكان " يحيى قد سأل اهل الكوفة الذين جاءوا بالسبايا والرؤوس ما صنعتم فأخبروه فقال حجبتم عن محمد صلى الله عليه وآله يوم القيامة اجامعكم على امر ابدا " وفي رواية " ان يزيد دعا اشراف اهل الشام فاجلسهم حوله ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه فادخلوا عليه والناس ينظرون ثم قال يزيد لعلي بن الحسين عليهما السلام يا ابن الحسين ابوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت فقال علي بن الحسين عليهما السلام ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا (1) بادني خ ل. (2) الرذل.
[225]
علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم والله لا يحب كل مختال فخور فقال يزيد لابنه خالد اردد عليه فلم يدر خالد ما يرد عليه فقال له يزيد ما اصابكم من مصيبة فيما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير فقال علي بن الحسين (ع) يا ابن معاوية وهند وصخر لم تزل النبوة والامرة لآبائي واجدادي من قبل ان تولد ولقد كان جدي علي بن ابي طالب في يوم بدر واحد والاحزاب في يده راية رسول الله صلى الله عليه وآله وابوك وجدك في ايديهما رايات الكفار ثم قال علي بن الحسين (ع) ويلك يا يزيد انك لو تدري ماذا صنعت وما الذي ارتكبت من ابي واهل بيتي واخي وعمومتي إذا لهربت في الجبال وافترشت الرماد ودعوت بالويل والثبور ان يكون رأس ابي الحسين بن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله عليكم فابشر بالخزي والندامة إذا اجتمع الناس ليوم القيمة " وفي رواية " انه لما انشد يزيد الابيات السابقة قال له علي بن الحسين عليهما السلام بل ما قال الله اولى ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها فقال يزيد ما اصابكم من مصيبة فيما كسبت ايديكم ويعفو عن كثيرة " وجعل " يزيد يتمثل بابيات ابن الزبعري وزاد يزيد فيها البيتين الاخيرين (1) (1) كذا رواه سبط بن الجوزي عن الشعبي وينبغي ان يكون زاد فيها البيت=
[226]
ليت اشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لاتشل قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلناه (1) ببدر فاعتدل (فجزيناهم ببدر مثلها * واقمنا ميل بدر فاعتدل خ ل) لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل لست من خندف (2) ان لم انتقم * من بني احمد ما كان فعل " فقامت " زينب بنت علي عليه السلام فقالت (3) (خطبة زينب علهيا السلام بالشام) الحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه رسوله وآله اجمعين (4) صدق الله (سبحانه خ) كذلك حيث يقول ثم كان عاقبة الذين اساءوا السؤى ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون اظننت يا يزيد حيث (حين خ ل) اخذت علينا اقطار الارض وآفاق (5) السماء = الثاني ايضا ولكنه غير مذكور في رواية ابن الجوزي " منه ". (1) وعدلنا ميل بدر خ ل. (2) عتبة خ ل. (3) هذه رواية السيد ابن طاوس ورواها الطبرسي في الاحتجاج بتفاوت كثير اشرنا إليه في الهامش " منه ". (4) على جدي رسول الله سيد المرسلين خ ل. (5) وضيقت علينا آفاق خ ل.
[227]
فاصبحنا نساق كما يساق الاماء (1) ان بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة (2) وان ذلك لعظم خطرك (3) عنده فشمخت بانفك ونظرت في عطفك (4) جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة والامور (5) متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا (6) فمهلا مهلا (لا تطش جهلا خ) انسيت قول الله تعالى ولا تحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيرا لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين امن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك واماءك وسوقك بنات رسول الله (ص) سبايا قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن تحدو بهن الاعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن اهل المناهل والمناقل (7) ويتصفح وجوهن القريب والبعيد (8) الدني والشريف ليس معهن من حماتهن حمي ولامن رجالهن ولي (9) وكيف ترتجى مراقبة آبن من لفظ (10) فوه اكباد الازكياء (11) (1) فاصبحنا لك في اسار نساق اليك سوقا في قطار وانت علينا ذو اقتدار خ ل. (2) ان بنا من الله هو انا وعليك منه كرامة وامتنانا خ ل. (3) وجلالة قدرك خ. (4) تضرب اصدريك فرحا وتنفض مذرويك مرحا حين رأيت خ. (5) لديك خ. (6) وخلص لك سلطاننا خ ل. (7) ويستشرفهن اهل المناقل ويبرزن لاهل المناهل خ ل. (8) والغائب والشهيد والشريف والوضيع والدني والرفيع خ. (9) وليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حميم عتوا منك على الله وجحودا لرسول الله صلى الله عليه وآله ودفعا لما جاء به من عند الله ولا غرو منك ولا عجب من فعلك خ ل. (10) واني يرتجى من لفظ خ ل. (11) الشهداء خ ل.
[228]
ونبت لحمه بدماء الشهداء (1) وكيف يستبطي (2) في بغضنا اهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنآن والاحن والاضغان (3) ثم تقول غير متأثم (4) ولا مستعظم. لاهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لاتشل منحنيا على ثنايا ابي عبد الله (5) سيد شباب اهل الجنة تنكتها بمخصرتك (6) وكيف لا تقول ذلك وقد (7) نكأت القرحة واستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله ونجوم الارض من آل عبد المطلب (8) وتهتف باشياخك زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن انك شللت وبكمت (1) السعداء خ ل ونصب الحرب لسيد الانبياء وجمع الاحزاب وشهر الحراب وهز السيوف في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله اشد العرب لله جحودا وانكرهم له رسولا واظهرهم له عدوانا واعتاهم على الرب كفرا وطغيانا الا انها نتيجة خلال الكفر وضب يجرجر في الصدر لقتلي يوم بدر (خ) الضب الحقد الكامن في الصدر " منه ". (2) فلا يستبطئ خ ل. (3) من كان نظره الينا شنفا وشنآنا واحنا واضغانا يظهر كفره برسوله ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول فرحا بقتل ولده وسبي ذريته خ. (4) متحوب خ ل. (5) ومكان مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله خ. (6) ينكتها بمخصرته قدالتمع السرور بوجهه خ ل. (7) لعمري لقد خ ل. (8) باراقتك دم سيد شباب اهل الجنة وابن يعسوب العرب وشمس آل عبد المطلب خ ل.
[229]
ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت (1) اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن (2) سفك دماءنا (3) وقتل حماتنا (4) فوالله ما فريت (5) الا جلدك ولا حززت الا لحمك ولتردن (6) على رسول الله صلى الله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته (7) وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته (8) حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم (9) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون (10) وحسبك بالله حاكما (11) وبمحمد (12) خصيما وبجبرئيل ظهيرا وسيعلم من سول سلك (13) ومكنك من رقاب المسلمين بئس (14) للظالمين بدلا وايكم شر مكانا واضعف جندا (15). (1) وهتفت باشياخك وتقربت بدمه إلى الكفرة من اسلافك ثم صرحت بذلك ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك ووشيكا تشهدهم ولن يشهدوك ولتودن يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها وجذت واحببت امك لم تحملك واباك لم يلدك حين تصير إلى سخط الله ويخاصمك رسول الله " ص " خ ل. (2) على من خ ل. (3) ونقض ذمامنا خ. (4) وهتك عناسدولنا خ (5) وفعلت فعلتك التي فعلت وما فريت خ ل. (6) وسترد خ ل (7) من ذريته خ ل. (8) وسفكت من دماء عترته ولحمته خ ل (9) حيث يجمع به شملهم ويلم به شعثهم وينتقم من ظالمهم ويأخذ لهم بحقهم من اعدائهم فلا يستفزنك الفرح بقتله خ ل. (10) فرحين بما اتاهم الله من فضله خ. (11) وليا وحاكما خ ل. (12) وبرسول الله خ ل. (13) بواك خ ل. (14) ان بئس خ ل. (15) واضل ؟ ؟ سبيلا خ ل.
[230]
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكبر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى (1) الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء فهذه الايدي تنطف من دمائنا والافواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها امهات الفراعل (2) ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حين لاتجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد فالى الله المشتكى وعليه المعول (3) فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا (1) وما استصغاري قدرك ولا استعظامي تقريعك توهما لانتجاع الخطاب فيك بعد ان تركت عيون المسلمين به عبرى وصدورهم عند ذكره حرى فتلك قلوب قاسية ونفوس طاغية واجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول صلى الله عليه وآله قد عشش فيها الشيطان وفرخ ومن هناك مثلك ما درج ونهض خ ل. (2) فالعجب كل العجب لقتل الاتقياء واسباط الانبياء وسليل الاوصياء بايدي الطلقاء الخبيثة ونسل العهرة الفجرة ننطف اكفهم من دمائنا وتتحلب افواهم من لحومنا وللجثث الزاكية على الجنوب الضاحية تنتابها العواسل وتعفرها الفراعل خ ل العواسل جمع عاسل وهو الذئب من عسل الذئب إذا اضطرب في عدوه والفراعل جمع فرعل بالضم وهو ولد الضبع وام فرعل اسم للضبع والجمع امهات فراعل " منه ". (3) واليه الملجأ والموئل خ..
[231]
تميت وحينا ولا تدرك امدنا (1) ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك الافند وايامك الا عدد وجمعك الا بدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين (2) فالحمد لله الذي ختم لاولنا بالسعادة والمغفرة ولاخرنا بالشهادة والرحمة ونسئل الله ان يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل (3) فقال يزيد مجيبا لها يا صيحة تحمد من صوائح * ما اهون النوح على النوائح " واستشار " يزيد اهل الشام فيما يصنع بهم فقال له بعضهم لا تتخذ من كلب سؤ جروا فقال له النعمان بن بشير انظر ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصنعه بهم فاصنعه بهم " ونظر " رجل من اهل الشام احمر إلى فاطمة بنت الحسين عليهما السلام فقال يا امير هب لي هذه الجارية قالت فاطمة فارتعدت وظننت ان ذلك جائز عندهم (1) ثم كد كيدك واجهد جهدك فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب والنبوة والانتجاب لا تدرك امدنا ولا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا خ ل. (2) الا لعن الله الظالم خ ل. (3) فالحمد لله الذي حكم لاوليائه بالسعادة وختم لاصفيائه ببلوغ الارادة ونقلهم إلى الرحمة والرأفة والرضوان والمغفرة ولم يشق بهم غيرك ولا ابتلى بهم سواك ونسئله ان يكمل لهم الاجر ويجزل لهم الثواب والذخر ونسئله حسن الخلافة وجميل الانابة انه رحيم ودود خ ل.
[232]
فاخذت بثياب عمتي زينب وقلت يا عمتاه أو تمت واستخدم وكانت عمتي تعلم ان ذلك لا يكون فقالت عمتي لاحبا ولا كرامة لهذا الفاسق وقالت للشامي كذبت والله ولوءمت والله ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد وقال كذبت ان ذلك لي ولو شئت ان افعل لفعلت قالت زينب كلا والله ما جعل الله لك ذلك الا ان تخرج من ملتنا وتدين بغيرها فاستطار يزيد غضبا وقال اياي تستقبلين بهذا انما خرج من الدين ابوك واخوك قالت زينب بدين الله ودين ابي ودين اخي اهتديت انت وجدك وابوك ان كنت مسلما قال كذبت يا عدوة الله قالت له انت امير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك فكأنه استحيا وسكت فعاد الشامي فقال هب لي هذه الجارية فقا له يزيد اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا " وفي رواية " فقال الشامي من هذه الجارية فقال هذه فاطمة بنت الحسين عليه السلام وتلك زينب بنت علي فقال الشامي الحسين بن فاطمة وعلي بن ابي طالب فقال نعم فقال الشامي لعنك الله يا يزيد تقتل عترة نبيك وتسبي ذريته والله ما توهمت الا انهم سبي الروم فقال يزيد والله لالحقنك بهم ثم امر به فضربت عنقه " ثم " دخل نساء الحسين عليه السلام وبناته على نساء يزيد فقمن اليهن وصحن وبكين واقمن المأتم على الحسين عليه السلام " ثم " امر لهم يزيد بدار تتصل بداره " وقيل " امر بهم إلى منزل لايكنهم من
[233]
حر ولا برد فاقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم " وكانوا " مدة مقامهم بالشام ينوحون على الحسين عليه السلام " وامر " يزيد بمنبر وخطيب وامر الخطيب ان يصعد المنبر فيذم الحسين واباه صلوات الله عليهما فصعد الخطيب المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم بالغ في ذم امير المؤمنين والحسين الشهيد واطنب في مدح معوية ويزيد فذكرهما بكل جميل ولقد اجاد ابن سنان الخفاجي حيث يقول يا امة كفرت وفي افواهها * القرآن فيه ضلالها ورشادها اعلى المنابر تعلنون بسبه * وبسيفه نصبت لكم اعوادها تلك الخلائق بينكم بدرية * قتل الحسين وما خبت احقادها " فصاح " به علي بن الحسين عليهما السلام ويلك ايها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوء مقعدك من النار " ثم قال " علي بن الحسين عليهما السلام يا يزيد اتأذن لي حتى اصعد هذه الاعواد فاتكلم بكلمات لله فيهن رضاه ولهؤلاء الجلساء فيهن اجر وثواب فابي يزيد عليه ذلك فقال الناس يا امير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا فقال انه ان صعد لم ينزل الا بفضيحتي وبفضيحة آل ابي سفيان فقيل له وما قدر ما يحسن هذا فقال انه من اهل بيت زقوا العلم زقا فلم يزالوا به حتى اذن له فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم خطب خطبة ابكى فهيا العيون
[234]
واوجل منها القلوب ثم قال * (من خطبة لزين العابدين عليه السلام بالشام) * ايها الناس اعطينا ستا وفضلنا بسبع اعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلى الله عليه وآله ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا اسد الله واسد رسوله ومنا سبطا هذه الامة. من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني انبأته بحسبي ونسبي ايها الناس انا ابن مكة ومنى انا ابن زمزم والصفا انا ابن من حمل الركن باطراف الردا انا ابن خير من ائتزر وارتدي وانا ابن خير من انتعل واحتفى وانا ابن خير من طاف وسعى انا ابن خير من حج ولبي انا ابن من حمل على الراق في الهوا انا ابن من اسري به من المسجد الحرام إلى السمجد الاقصى انا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى انا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو ادني انا ابن من صلى بملائكة السما انا ابن من اوحى إليه الجليل ما اوحى انا ابن محمد المصطفى انا ابن علي المرتضى انا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا اله الا الله انا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين انا ابن صالح المؤمنين
[235]
ووارث النبيين وقامع المحدثين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وزين العابدين وتاج البكائين واصبر الصابرين وافضا القائمين من آل يس رسول رب العالمين انا ابن المؤيد بجبرئيل المنصور بميكائيل انا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين والمجاهد اعداءه الناصبين وافخر من مشي من قريش اجمعين واول من اجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين واول السابقين وقاصم المعتدين ومبيد المشركين وسهم من مرامي الله على المنافقين ولسان حكمة العابدين وناصر دين الله وولي امر الله ولسان حكمة الله وعيبة علمه سمح سخي بهي بهلول زكي ابطحي رضي مقدام همام صابر صوام مهذب قوام قاطع الاصلاب ومفرق الاحزاب اربطهم عنانا واثبتهم جنانا وامضاهم عزيمة واشدهم شكيمة اسد باسل يطحنهم في الحروف إذا ازدلفت الاسنة وقربت الاعنة طحن الرحى ويدروهم ذرو الريح الهشيم ليث الحجاز وكبش العراق مكي مدني حنيفي عقبي بدري احدي شجري مهاجري من العرب سيدها ومن الوغي ليثها وارث المشعرين وابو السبطين الحسن والحسين ذاك جدي علي بن ابي طالب عليه السلام ثم قال انا ابن فاطمة الزهراء انا ابن سيدة النساء " فلم " يزل يقول انا انا حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب وخشي يزيد ان يكون فتنة فأمر المؤذن فقطع
[236]
عليه الكلام فلما قال المؤذن الله اكبر الله اكبر قال علي عليه السلام لا شئ اكبر من الله فلما قال اشهد أن لا اله الا الله قال علي بن الحسين شهد بها شعرى وبشري ولحمي ودمي فلما قال المؤذن اشهد ان محمد رسول الله التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال محمد هذا جدي ام جدك يا يزيد فان زعمت انه جدك فقد كذبت وكفرت وان زعمت انه جدي فلم قتلت عترته ولله در القائل يصلي على المبعوث من آل هاشم * ويغزى بنوه ان ذا لعجيب " وعن " ابن لهيعة عن ابي الاسود محمد بن عبد الرحمن قال لقيني رأس الجالوت فقال والله ان بيني وبين داود لسبعين ابا وان اليهود تلقاني فتعظمني وانتم ليس بين ابن نبيكم وبينة الااب واحد قتلتم ولده " وعن " زين العابدين عليه السلام قال لما اتي برأس الحسين عليه لاسلام إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين عليه السلام ويضعه بين يديه ويشرب عليه فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم وكان من اشراف الروم وعظمائهم فقال يا ملك العرب هذا رأس من فقال له يزيد مالك ولهذا الراس فقال اني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شئ رأيته فاحببت ان اخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتى يشاركك في الفرح والسرور فقال يزيد هذا رأس الحسين بن علي بن ابي طالب فقال الرومي ومن
[237]
امه فقال فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال النصراني اف لك ولدينك لي دين احسن من دينك ان ابي من حوافد داود وبيني وبينه آباء كثيرة والنصاري يعظمونني ويأخذون من تراب قدمي تبركا بي بان ابي من حوافد داود وانتم تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وما بينه وبين نبيكم الا ام واحد فأي دين دينكم ثم قال ليزيد هل سمعت حديث كنيسة الحافر فقال له قل حتى اسمع فقال ان بين عمان والصين بحرا مسيرة ستة اشهر ليس فيها عمران الا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا ما على وجه الارض بلدة اكبر منها ومنها يحمل الكافور والياقوت اشجارهم العود والعنبر وهي في ايدي النصاري لا ملك لاحد من الملوك فيها سواهم وفيها كنائس كثيرة اعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر يقولون ان هذا حافر حمار كان يركبه نبيهم عيسى عليه السلام وقد زينوا حول الحقة بالذهب والديباج يقصدها في كل عام عالم من النصاري يطوفون حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى هذا شأنهم ودأبهم بحافر يزعمون انه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم وانتم تقتلون ابن بنت نبيكم فلا بارك الله فيكم ولا في دينكم فقال يزيد اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده فلما احسن النصراني
[238]
بذلك قال له اترپد ان تقتلني قال نعم قال اعلم اني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول يا نصراني انت من اهل الجنة فتعجبت من كلامه وانا اشهد ان لا آله الا الله وان محمدا رسول الله ثم وثب إلى رأس الحسين عليه السلام فضمه إلى صدره وجعل يقبله ويبكي حتى قتل " وخرج " زين العابدين عليه السلام يوما يمشي في اسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو فقال له كيف امسيت يا ابن رسول الله قال امسينا كمثل بني اسرائيل في آل فرعون يذبحون ابنائهم ويستحيون نسائهم يا منهال امست العرب تفتخر على العجم بان محمدا عربي وامست قريش تفتخر على سائر العرب بان محمدا منها وامسينا معشر اهل بيته ونحن مغصوبون مقتولون مشردون انا لله وانا إليه راجعون مما امسينا فيه يا منهال ولله در مهيار حيث قال يعظمون له اعواد منبره * وتحت ارجلهم اولاده وضعوا بأي حكم بنوه يتبعونكم * وفخركم انكم صحب له تبع " ودعا " يزيد يوما بعلي بن الحسين عليهما السلام وعمرو بن الحسن عليه السلام وكان عمرو غلاما صغيرا يقال ان عمره احدي عشرة سنة فقال له اتصارع هذا يعني ابنه خالدا فقال له عمرو لا ولكن اعطني سكينا واعطه سكينا ثم اقاتله فقال يزيد (شنشنة اعرفها من اخزم هل تلد الحية الاحية) " وكان " يزيد وعد عليا بن الحسين
[239]
عليهما السلام يوم دخولهم عليه ان يقضي له ثلاث حاجات فقال له اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن فقال له " الاولى " ان تريني وجه سيدي ومولاي وابي الحسين عليه السلام فاتزود منه وانظر إليه واودعه " والثانية " ان ترد علينا ما اخذ منا " والثالثة " ان كنت عزمت علي قتلي ان توجه مع هاؤلاء النساء من يردهن إلى حرم جدهم صلى الله عليه وآله فقال اما وجه ابيك فلن تراه ابدا واما قتلك فقد عفوت عنك واما النساء فما يردهن غيرك إلى المدينة واما ما اخذ منكم فانا اعوضكم عنه اضعاف قيمته فقال عليه السلام اما مالك فلا نريده وهو موفر عليك وانما طلبت ما اخذ منا لان فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله ومقنعتها وقلادتها وقميصها فامر برد ذلك وزاد فيه من عنده مأتي دينار فاخذها زين العابدين وفرقها في الفقراء والمساكين " وفي رواية " ان يزيد قال لعلي بن الحسين عليهما السلام ان شئت اقمت عندنا فبررناك وان شئت رددناك إلى المدينة فقال لا اريد الا المدينة ثم ان يزيد " لع " امر برد السبايا والا ساري إلى المدينة وارسل معهم النعمان بن بشير الانصاري في جماعة " فلما " بلغوا إلى العراق قالوا للدليل مر بنا على طريق كربلا فلما وصلوا إلى موضع المصرع وجدوا جابرا بن عبد الله الانصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول " ص " قد
[240]
وردو الزيارة قبر الحسين عليه السلام فتوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم واقواموا المأتم واجتمع عليهم اهل ذلك السواد واقاموا على ذلك اياما " وعن " كتاب بشارة المصطفى وغيره بسنده عن الاعمش بن (عن خ ل) عطية العوفي قال خرجت مع جابر بن عبد الله الانصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسين عليه السلام فلما وردنا كربلا دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم أتزر بازار وارتدى بآخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة الا ذكر الله تعالى حتى إذا دنا من القبر قال المسنيه فالمسته اياه فخر على القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فلما افاق قال يا حسين ثلاثا ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال واني لك بالجواب وقد شخبت اوداجك على اثباجك وفرق بين بدنك ورأسك اشهد انك ابن خير النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس اصحاب الكسا وابن سيد النقبا وابن فاطمة سيدة النسا ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الايمان وفطمت بالاسلام فطبت حيا وطبت ميتا غير ان قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا شاكة في حياتك فعليك سلام الله ورضوانه واشهد انك فضيت على ما مضى عليه اخوك يحيى بن زكريا ثم جال ببصره حول
[241]
القبر وقال السلام عليكم ايتها الارواح التي حلت بفناء الحسين عليه السلام وانا اخت برحله اشهد انكم اقمتم الصلوة واتيتم الزكوة وامرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى اتاكم اليقين والذي بعث محمدا بالحق لقد شاركنا كم فيما دخلتم فيه قال عطية (ابن عطية خ ل) فقلت لجابر فكيف ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين روءسهم وابدانهم واوتمت اولادهم وارملت الازواج فقال لي يا عطية (يا ابن عطية خ ل) سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من احب قوما حشر معهم ومن احب عمل قوم اشرك في عملهم والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق ان نيتي ونية اصحابي على مامضي عليه الحسين عليه السلام واصحابه قال عطية (ابن عطية خ ل) فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام فقلت يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام فقال جابر لعبده انطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره فان كانوا من اصحاب عمربن سعد فارجع الينا لعلنا نلجا إلى ملجأ وان كان زين العابدين فانت حر لوجه الله تعالى قال فمضي العبد فما كان باسرع من ان رجع وهو يقول يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله هذا زين العابدين قد جاء بعماته واخواته فقام جابر يمشي حافي الاقدام مكشوف الرأس إلى ان دنا من زين العابدين عليه السلام فقال الامام انت جابر فقال نعم يا ابن رسول
[242]
الله فقال يا جابر ههنا والله قتلت رجالنا وذبحت اطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا " ثم " انفصلوا من كربلا طالبين المدينة " قال " بشير بن جذلم فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليهما السلام فحط رحله وضرب فسطاطه وانزل نساءه وقال يا بشير رحم الله اباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شئ منه قلت بلي يا ابن رسول الله اني لشاعر قال فادخل المدينة وانع ابا عبد الله قال بشير فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة لما بلغت مسجد النبي صلى الله عليه وآله رفعت صوتي بالبكاء وانشأت اقول يا اهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فادمعي مدرار الجسم منه بكربلا مضرج * والرأس منه على القناة يدار ثم قلت يا اهل المدينة هذا علي بن الحسين مع عماته واخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وانا رسوله اليكم اعرفكم مكانه قال فما بقيت بالمدينة مخدرة ولا محجبة الا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن وهن يدعون بالويل والثبور ولم يبق بالمدينة احد الا خرج وهم يضبحون بالبكاء فلم اربايكا اكثر ممن ذلك اليوم ولا يوما امر على المسلمين منه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعت جارية تنوح على الحسين عليه السلام وتقول
[243]
نعي سيدي ناع نعاه فاوجعا * وامرضني ناع نعاه فافجعا فعيني جودا بالدموع واسكبا * وجودا بدمع بعد دمعكما معا على من دهى عرش الجليل فزعزعا * فاصبح هذا المجدو الدين اجدعا على ابن نبي الله وابن وصيه * وان كان عنا شاحط الدار اشسعا ثم قالت ايها الناعي جددت حزننا بابي عبد الله (ع) وخدشت منا قروحا لما تندمل فمن انت رحمك الله فقلت انا بشير بن جذلم وجهني مولاي علي بن الحسين عليهما السلام وهو نازل بموضع كذا وكذا مع عيال ابي عبد الله الحسين عليه السلام ونسائه قال فتركوني مكاني وبادروني فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطأت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان علي بن الحسين عليهما السلام داخلا فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه وخلفه خادم معه كرسي فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة وارتفعت اصوات الناس بالبكاء من كل ناحية يعزونه فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فاومأ بيده ان اسكتوا فسكنت فورتهم فقال (خطبة زين العابدين عليه السلام بالمدينة) الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين بارى
[244]
الخلائق اجمعين الذي بعد فارتفع في السموات العلى وقرب فشهد النجوي نحمده على عظائم الامور وفجائع الدهور والم الفجائع ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاضعة الكاظة الفادحة الجائحة الجائحة ايها القوم ان الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الاسلام عظيمة قتل أبو عبد الله وعترته وسبي نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان وهذه الرزية التي لامثلها رزية ايها الناس فاي رجالات منكم يسرون بعد قتله ام اي فؤاد لا يحزن من اجله ام اي عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهما لها فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بامواجها والسموات باركانها والارض بارجائها والاشجار باغصانها والحيتان في لجج البحار والملائكة المقربون واهل السموات اجمعون يا ايها الناس اي قلب لا ينصدع لقتله ام اي فؤاد لا يحن إليه ام اي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصم ايها الناس اصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الامصار كأنا اولاد ترك وكابل من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين ان هذا الاختناق والله لو ان النبي صلى الله عليه وآله تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا فانا لله إليه راجعون من
[245]
مصيبة ما اعظمها واوجعها واكظها وافظها وامرها وافدحها فعند الله نحتسب فيما اصابنا وما بلغ بنا انه عزيز ذو انتقام " فقام " صوحان بن صعصعة بن صوحان وكان زمنا فاعتذر إليه بما عنده من زمانة رجليه فاجابه بقبول معذرته وحسن الظن فيه وترحم على ابيه " ثم " دخل زين العابدين عليه السلام إلى المدينة قرأها موحشة باكية ووجد ديار اهله خالية تنعى اهلها وتندب سكانها ولنعم ما قال الشاعر مررت على ابيات آل محمد * فلم ارها امثالها يوم حلت فلا يبعد الله الديار واهلها * وان اصبحت منهم برغم تخلت وقال آخر ولما وردنا ماء يثرب بعدما * اسلنا على السبط الشهيد المدامعا ومدت لما نلقاه من الم الجوى * رقاب المطايا واستلانت خواضعا وجرع كأس الموت بالطف انفس * كرام وكانت للرسول ودائعا وبدل سعد الشم من آل هاشم * بنحس فكانوا كالبدور طوالعا وقفنا على الاطلال نندب اهلها * اسى ونبكي الخاليات البلاقعا " ولم " يزل زين العابدين عليه السلام وهو ذو الحلم الذي لا يبلغ الوصف إليه حزينا باكيا على تلك الرزية العظيمة حتى قبضه الله تعالى إليه " وعن " الصادق عليه السلام انه قال ان زين العابدين عليه السلام بكى على ابيه اربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا حضره الافطار جاء غلامه
[246]
بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي فيقول قتل ابن رسول الله جائعا قتل ابن رسول الله عطشانا فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزوجل " وفي رواية " انه كان إذا حضر الطعام لافطاره ذكر قتلاه وقال واكرباه يكرر ذلك ويقول قتل ابن رسول الله جائعا قتل ابن رسول الله عطشانا حتى يبل بالدموع ثيابه " وحدث " مولى له انه برز يوما إلى الصحراء قال فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة فوقفت وانا اسمع شهيقه وبكاءه واحصيت عليه الف مرة وهو يقول (لا آله الا الله حقا حقا لا آله الله تعبدا ورقا لا آله الا الله ايمانا وصدقا) ثم رفع رأسه من سجوده وإذا لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه فقلت يا سيدي اما آن لحزنك ان ينقضي ولبكائك ان يقل فقال لي ويحك ان يعقوب بن اسحق بن ابراهيم كان نبيا ابن نبي له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منه فشاب رأسه من الحزن واحد ودب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا وانا رأيت ابي واخي وسبعة عشر من اهل بيتي صرعي مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي.
[247]
(خاتمة فيها فصلان) (فصل في مدفن رأس الحسين عليه السلام) اختلاف الروايات والاقوال في ذلك على وجوه " الاول " انه عند ابيه امير المؤمنين عليه السلام بالنجف ذهب إليه بعض علماء الشيعة استنادا إلى اخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما من طرق الشيعة عن الائمة عليهم السلام " وفي " بعضها ان الصادق عليه السلام قال لولده اسماعيل انه لما حمل إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب امير المؤمنين عليه السلام وهذا القول مختص بالشيعة " الثاني " انه مدفون مع جسده الشريف " وفي " البحار انه المشهور بين علمائنا الامامية رده علي بن الحسين عليهما السلام " انتهي " " وفي " اللهوف انه اعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف وكان عمل الطائفة علي هذا المعني المشار إليه " انتهي " واعتمده هو ايضا في كتاب الاقبال " وقال " ابن نما الذي عليه المعول من الاقوال انه اعيد إلى الجسد بعد ان طيف به في البلاد ودفن معه " انتهي " وعن المرتضى في بعض مسائله انه رد إلى بدنه بكربلا من الشام وقال الطوسي ومنه زيارة الاربعين " وقال " سبط بن الجوزي في
[248]
تذكرة الخواص اختلفوا في الرأس على اقوال اشهرها انه يعني يزيد رده إلى المدينة مع السبايا ثم رد إلى الجسد بكربلا فدفن معه قاله هشام وغيره انتهى فهذا القول مشترك بين الشيعة واهل السنة " الثالث " انه مدفون بظهر الكوفة دون قبر امير المؤمنين عليه السلام رواه في الكافي بسنده عن الصادق عليه السلام " الرابع " انه دفن بالمدينة المنورة عند قبر امه فاطمة عليها السلام وان يزيد ارسله إلى عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند امه الزهراء عليها السلام وان مروان بن الحكم كان يومئذ بالمدينة فاخذه وتركه بين يديه وقال يا حبذا بردك في اليدين * ولو نك الاحمر في الخدين والله لكأني انظر إلى ايام عثمان. حكاه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات " الخامس " انه بدمشق قال سبط بن الجوزي حكى ابن ابي الدنيا قال وجد رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس وكذا ذكر البلاذري في تاريخه قال هو بدمشق في دار الاماره وكذا ذكر الواقدي ايضا انتهى " ويروى " ان سليمان بن عبد الملك قال وجدت رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسة اثواب من الديباج وصليت عليه في جماعة من اصحابي وقبرته " وفي رواية " انه مكث في خزائن بني امية حتى ولي سليمان
[249]
ابن عبد الملك فطلب فجئ به وهو عظم ابيض فجعله في سفط وطيبه وجعل عليه ثوبا ودفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز سأل عن موضعه فنبشه واخذه والله اعلم ما صنع به " وقال " بعضهم الظاهر من دينه انه بعث به إلى كربلا فدفنه مع الجسد الشريف " وروي " ابن نما عن منصور بن جمهور انه دخل خزانة يزيد لما فتحت فوجد بها جونة حمراء فقال لغلامه سليم اختفظ بهذه الجونه فانها كنز من كنوز بني امية فلما فتحها إذ فيها رأس الحسين عليه السلام وهو مخضوب بالسواد فلفه في ثوب ودفنه عند باب الفراد يس عند البرج الثالث مما يلي المشرق انتهى " اقول " وكأنه هو الموضع المعروف الان بمسجد أو مقام أو مشهد رأس الحسين عليه السلام بجانب المسجد الاموى بدمشق وهو مشهد مشيد معظم " السادس " انه بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة حكى سبط بن الجوزي عن عبد الله بن عمر الوراق ان يزيد لعنه الله قال لابعثنه إلى آل ابي معيط عن رأس عثمان وكانوا بالرقة فبعثه إليهم فدفنوه في بعض دورهم ثم ادخلت تلك الدار في المسجد الجامع قال وهو إلى جنب سدرة هناك وعليه شبه النيل لا يذهب شتاء ولا صيفاء " السابع " انه بمصر نقله الخلفاء الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ثم نقلوه إلى القاهره وله فيها مشهد عظيم يزار نقله سبط بن الجوزي " اقول "
[250]
حكى غير واحد من المؤرخين ان الخليفه العلوي بمصر ارسل إلى عسقلان وهي مدينة كانت بين مصر والشام والان هي خراب فاستخرج رأسا زعم انه رأس الحسين عليه السلام وجئ به إلى مصر فدفن فيها في المشهد المعروف الان وهو مشهد معظم يزار والى جانبه مسجد عظيم رأيته في سنة احدى وعشرين بعد الثلثمائة والف والمصريون يتوافدون إلى زيارته افواجا رجالا ونساء ويدعون ويتضرعون عنده. واخذ العلويين لذلك الرأس من عسقلان ودفنه بمصر كأنه لاريب فيه لكن الشأن في كونه رأس الحسين عليه السلام " وهذه " الوجوه الاربعة الاخيرة كلها من روايات اهل السنة واقوالهم خاصة والله اعلم فصل قد يسئل عن وجه خروج الحسين عليه السلام باهله وعياله إلى الكوفة وهي في يد اعدائه وقد علم صنع اهلها بأبيه واخيه مع ان جميع نصحائه كانوا يشيرون عليه بعدم الخروج ومنهم ابن عباس وكثير ممن لاقاه في الطريق وكيف لم يرجع حين علم بقتل مسلم بن عقيل " وكيف " استجاز ان يحارب بنفر قليل جموعا عظيمة لها مدد " ولم " القى بيده إلى التهلكة وما الجمع بين فعله وفعل اخيه
[251]
الحسن عليهما السلام الذي سلم الامر إلى معوية بدون هذا الخوف " وهذا السؤال يتوجه على مذهب القائلين بعصمة الائمة عليهم السلام فيسئل عن وجه ذلك حتى لا ينافي العصمة ويتوجه على مذهب القائلين بعدم العصمة فيقال ان مثل ذلك ما كان ليخفى على مثل الحسين عليه السلام وفضله مسلم عند الكل ولو فرض عدم القول بالعصمة وقد اورد هذا السؤال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه الانبياء عليهم السلام " واجاب " عنه بما حاصله ان الحسين عليه السلام غلب على ظنه بمقتضى ما جرى من الامور انه يصل إلى حقه بالمسير فوجب عليه وذلك بمكاتبة وجوه الكوفة واشرافها وقرائها مع تقدم ذلك منهم في ايام الحسن عليه السلام وبعد وفاته واعطائهم العهود والمواثيق طائعين مبتدئين مكررين للطلب مع تسلطهم على واليهم في ذلك الوقت وقوتهم عليه وضعفه عنهم وقد جرى الامر في اوله على ما ظنه عليه السلام ولاحت اسباب الظفر فبايع مسلما اكثر اهل الكوفة وكتب إلى الحسين عليه السلام بذلك وتمكن مسلم من قتل ابن زياد غيلة في دار هاني لكنه لم يفعل معتذرا ؟ بأن الاسلام قيد الفتك ولما حبس ابن زياد هانيا حصره مسلم في قصره وكاد يستولي عليه لكن الاتفاق السئ عكس الامر " اما " الجمع بين فعله وفعل اخيه الحسن عليهما السلام فالحسن عليه السلام لما احسن بالغدر من
[252]
اصحابه سلم كفا للفتنة وابقاء على نفسه واهله وشيعته والحسين عليه السلام طلب بحقه حين قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وعاهده ورأى قوة انصار الحق وضعف انصار الباطل فلم انعكس الامر رام الرجوع فمنع منه وطلب الموادعة والتسليم كما فعل اخوه الحسن عليهما السلام فلم يجب وطلبت نفسه فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جوار جده صلى الله عليه وآله انتهى ملخص جواب السيد رحمة الله عليه بتصرف " والامر " كما ذكره رحمه الله تعالى من انهم لم يجيبوه إلى الموادعة بل طلب ابن زياد ان ينزل هو واصحابه على حكمه ولو فعل ذلك لكان المظنون قويا ان يقتله ابن زياد مع اصحابه صبرا فاختار عليه السلام الموت عزيزا في مجال الطراد على ميتة الذل بيد ابن زياد " بل " المتيقن من حال ابن زياد في خبثه وعداوته لاهل البيت الطاهر ونسبه المعلوم انه لابد ان يفعل ما قلناه لو نزل الحسين عليه لاسلام على حكمه " وفي بعض المخاطبات طلب ابن زياد ان يبايع هو واصحابه ليزيد فإذا فعل ذلك رأى ابن زياد رأيه " هذا " ولكن الذي يظهر من تصفح مجموع ما جرى للحسين عليه السلام هو خلاف ما اجاب به السيد قدس سره إذ يظهر منه ان الحسين عليه السلام كان عازما على عدم مبايعة يزيد على كل حال ولو ادى ذلك إلى قتله وكان مقدما على ذلك في حالة ظن السلامة ان وجدت وفي
[253]
حال ظن العطب بل تيقنه لانه كان مأمورا بذلك من قبل جده صلى الله عليه وآله وابيه عليه السلام بامر آلهي كما تدل عليه الاخبار الكثيرة كما ان اخاه الحسن عليه السلام كان مأمورا بالصلح والتسليم عند خوف القتل ولا يلزم ان يكون تكليفهما في ذلك واحدا لجواز اختلاف الاحكام بحسب الاوقات لاختلاف الحكم والمصالح كما انه لا يجب اتفاقنا معهم في الاحكام التي من هذا القبيل ولا مانع عقلا ولا شرعا من اختلافنا معهم في ذلك وهذه الانبياء عليهم السلام كانت تبعث فرادى إلى الالوف من الكفرة تدعوهم إلى دينها وتسب آلهتهم وتصبر على انواع الاذى والوان العذاب والقتل والحرق والمثلة " مع " امكان دعوى ظهور الحكمة في فعل الحسن وفعل اخيه الحسين عليهما السلام باختلاف حالة معوية وولده يزيد الظاهرية في الجملة فلو بايع الحسين عليه السلام يزيدا وسلم إليه الامر ولم ينازعه لخفي حاله على اكثر الناس واعتقدوه امام حق فكان يتمكن من تبديل الدين وقلب الشريعة ظهرا لبطن وطمس اعلام النبوة ومحو اثرها ويأتي من بعده فيبنون على ما اسس ويضيفون إلى ما فعل فالحسين عليه السلام قد فدى دين جده بنفسه واهله وولده " وما " تزلزلت اركان دولة بني امية الا بقتل الحسين عليه السلام ولا ظهر للناس حالهم الا بعد شهادته " ومما " يدل على ان الحسين عليه
[254]
السلام كان موطنا نفسه على القتل وظانا أو عالما في بعض الحالات بأنه يقتلى في سفره ذلك " خطبته " التي خطبها حين عزم على الخروج إلى العراق التي يقول فيها خط الموت على ولد آدم الخ فان اكثر فقراتها يدل على ذلك " ونهى " عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام له بمكة عن الخروج واقامته البرهان على ان ذلك ليس من الرأى بقوله انك تأتى بلدا فيه عماله وامراوءه ومعهم بيوت الاموال وانما الناس عبيد الدينار والدرهم فلا آمن عليك ان يقاتلك من وعدك نصره ومن انت احب إليه ممن يقاتلك معه وعدم اخذ الحسين عليه السلام بقوله مع اعتذاره إليه واعترافه بنصحه " ونهي " ابن عباس له ايضا محتجا بنحو ذلك من ان الذين دعوه لم يقتلوا اميرهم وينفوا عدوهم ويضبطوا بلادهم بل دعوه واميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فكأنهم دعوه إلى الحرب ولا يؤمن ان يخذلوه ويكونوا اشد الناس عليه " ومعاودته " للنهي ذاكرا له نحو من ذلك ومشيرا عليه باليمن فلم يقبل " وجوابه " لمحمد بن الحنفيه حين اشار عليه بعدم الخروج إلى العراق فوعده النظر ثم ارتحل في السحر فسأله ابن الحنفية فقال له الحسين عليه السلام اتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فأن الله قد شاء ان يراك قتيلا قال ما معنى حملك هذه النسوة معك قال ان الله قد شاء ان يراهن سبايا " وقول " ابن
[255]
عمر له حين نهاه عن الخروج فأبي انك مقتول في وجهك هذا فأنه دال على ان ظاهر الحال كان كذلك وما ظهر لابن عمر ما كان ليخفى على الحسين عليه السلام " وقول " الفرزدق له قلوب الناس معك واسيافهم عليك " وقول " بشر بن غالب له اني خلفت القلوب معك والسيوف مع بني امية وتصديق الحسين عليه السلام له " ونهى " عبد الله بن جعفر له وقوله اني مشفق عليك من هذا الوجه ان يكون فيه هلاكك واستئصال اهل بيتك وقول الحسين عليه السلام له اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وامرني بما انا ماض له وامتناعه من أن يحدث بتلك الرؤيا " ونهي " عبد الله بن مطيع له وقوله والله لئن طلبت ما في ايدي بني امية ليقتلنك واباء الحسين عليه السلام الا ان يمضي " وقول " الاعراب له انا لا نستطيع ان نلج ولا نخرج القاضي باستيلاء بني امية استيلاء تاما وخطورة الامر " واخبار " اخته زينب عليها السلام بما سمعته حين نزل الخزيمية " وما " رآه في منامه بالثعلبية " وقوله " لابي هره وايم الله لتقتلني الفئة الباغية " ونظره " إلى بني عقيل حين اخبره الاسديان بقتل مسلم وهاني واشارا عليه بالرجوع واخبراه انه ليس له بالكوفة ناصر بل هو عليه وقوله لهم ما ترون فقد مسلم وامتناعهم عن الرجوع حتى يموتوا أو يدركوا ثارهم وقوله للاسديين لاخير في العيش بعد هاؤلاء.
[256]
فان الذي يظهر انه عليه السلام كان يريد ان يجيبوا بالامتناع عن الرجوع ليعتذر بذلك إلى الاسديين وانه عازم على عدم الرجوع على كل حال " وقوله " لاصحابه حين جاءه خبر مسلم وهاني وعبد الله بن يقطر انه قد خذلنا شيعتنا فمن احب منكم الانصراف فلينصرف " وعدم " رجوعه بعد تفرقهم عنه وبقائه في اصحابه الذين صحبوه من المدينة ويسير من غيرهم " واشارة " عمرو بن يوذان عليه بالرجوع وقوله له والله ما تقدم الا على الاسنة وحد السيوف ونهيه اياه عن المسير لان الذين كتبوا إليه لم يكفوه مؤنة القتال وقول الحسين عليه السلام له ليس يخفى على الرأى ولكن الله تعالى لا يغلب على امره وقوله عليه السلام والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي " وقوله عليه السلام وايم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني " وكتابه " الذي كتبه إلى بني هاشم حين توجه إلى العراق اما بعد فأنه من لحق بي استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع المتأمل وهذه كلها ما بين صريح أو ظاهر في المطلوب كما لا يخفى " والى " هذا الذي ذكرناه ذهب ابن طاوس عليه الرحمة ايضا في اللهوف حيث قال الذي تحققناه ان الحسين عليه السلام كان عالما بما انتهت حاله إليه وكان تكليفه ما اعتمد عليه ثم اورد بعض الاخبار الدالة على ذلك ثم قال لعل
[257]
بعض من لايعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد ان الله لايتعبد بمثل هذه الحالة ورده بأن الله تعالى تعبد قوما بقتل انفسهم فقال فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم انتهى ملخصا " مع " انه إذا كان في ذلك من الفوائد مثل احياء الدين وكشف قبائح المنافقين وردع الناس عن الاقتداء بهم كان التعبد به اولى من التعبد بقتل النفس عند التوبة ولا يقصر عن التعبد به في الجهاد والقصاص " اما " توهم ان ذلك القاء باليد إلى التهلكة ففاسد لان بذل النفس في سبيل الله تعالى للحصول على الحياة الدائمة والنعيم الخالد القاء باليد إلى اعظم السعادات " واما " ما جاء في بعض الروايات من ان الحسين عليه السلام طلب منهم احد امور اما ان يرجع إلى المكان الذي منه اتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين أو ان يأتي يزيد فيضع يده في يده فلم يثبت وقد جاء في بعض الاخبار ما يكذبه ويدل على ذلك الاعتبار ايضا وملاحظة سائر الاحوال قال ابن الاثير في الكامل وقد روي عن عقبة بن سمعان انه قال صحبت الحسين من المدينة إلى المكة ومن مكة إلى العراق ولم افارقه حتى قتل وسمعت جميع مخاطباته الناس إلى يوم مقتله فوالله ما اعطاهم ما يتذاكر به الناس انه يضع يده في يد يزيد ولا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني ارجع
[258]
إلى المكان الذي اقبلت منه أو دعوني اذهب في هذه الارض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير إليه الناس فلم يفعلوا انتهى " واما " دعاؤه انه قال صحبت الحسين من المدينة إلى المكة ومن مكة إلى العراق ولم افارقه حتى قتل وسمعت جميع مخاطباته الناس إلى يوم مقتله فوالله ما اعطاهم ما يتذاكر به الناس انه يضع يده في يد يزيد ولا ان يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني ارجع
[258]
إلى المكان الذي اقبلت منه أو دعوني اذهب في هذه الارض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير إليه الناس فلم يفعلوا انتهى " واما " دعاؤه الناس إلى نصرته مثل عبد الله بن الحر الجعفي وغيره وكتابه إلى اهل البصره فكل ذلك من باب اقامة الحجة وقطع المعذرة والحمد لله الذي وفق لجمع هذا الكتاب المميز بين القشر واللباب والحاوي من شوارد الاخبار ما لم يجتمع مثله في كتاب مع مراعاة الحد الوسط بين الايجاز والاطناب والقارئ المنصف يعلم امتيازه عن غيره مما صنف في هذا الباب فاسأله تعالى ان يكون وسيلة لشفاعة الحسين وجده وابيه واهل بيته عليهم السلام في يوم الحساب وامنا من العقاب وزيادة في الثواب وقد فرغ من تسويده جامعه العبد الجاني على نفسه محسن بن المرحوم السيد عبد الكريم الحسيني العالمي نزيل دمشق الشام عفى الله عن جرائمه عصر يوم الجمعة المبارك الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام الذي هو من شهور سنة تسع وعشرين بعد الالف وثلثمائة من هجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ببلدة دمشق الشام صانها الله عن طوارق الحدثان والحمد لله وحده (وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم) (تم كتاب لواعج الاشجان)