جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 10
[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل أي القران تأليف ابى جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار الجزء العاشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 2 ]
جميع الحقوق أعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكس - ص. ب: 7061 / 11 تلفون: 838305 - 838205 - فاكس 0096 1 837898 دولي: 00961 1 860962 - دولي وفاكس: 4782308 - 212 - 001
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبد نا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير) *. قال أبو جعفر: وهذا تعليم من الله عز وجل المؤمنين قسم غنائمهم إذا غنموها، يقول تعالى ذكره: واعلموا أيها المؤمنون أنما غنمتم من غنيمة. واختلف أهل العلم في معنى الغنيمة والفئ، فقال بعضهم: فيهما معنيان كل واحد منهما غير صاحبه. ذكر من قال ذلك: 12484 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، قال: سألت عطاء بن السائب عن هذه الآية: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وهذه الآية: ما أفاء الله على رسوله قال قلت: ما الفئ وما الغنيمة ؟ قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم، وأخذوهم عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة، وأما الارض فهي في سوادنا هذا فئ. وقال آخرون: الغنيمة ما أخذ عنوة. والفئ: ما كان عن صلح. ذكر من قال ذلك: 12485 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان الثوري، قال: الغنيمة: ما أصاب المسلمون عنوة بقتال فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها. والفئ: ما
[ 4 ]
صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس، هو لمن سمى الله. وقال آخرون: الغنيمة والفئ بمعنى واحد. وقالوا: هذه الآية التي في الانفال ناسخة قوله: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول... الآية. ذكر من قال ذلك: 12486 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل قال: كان الفئ في هؤلاء، ثم نسخ ذلك في سورة الانفال، فقال: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الحشر، وجعل الخمس لمن كان له الفئ في سورة الحشر، وسائر ذلك لمن قاتل عليه. وقد بينا فيما مضى الغنيمة، وأنها المال يوصل إليه من مال من خول الله ماله أهل دينه بغلبة عليه وقهر بقتال. فأما الفئ، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك، وهو ما رده عليهم منها بصلح، من غير إيجاف خيل ولا ركاب. وقد يجوز أن يسمى ما ردته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم فيئا، لان الفئ إنما هو مصدر من قول القائل: فاء الشئ يفئ فيئا: إذا رجع، وأفاءه الله: إذا رده. غير أن الذي ورد حكم الله فيه من الفئ يحكيه في سورة الحشر إنما هو ما وصفت صفته من الفئ دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب، لعلل قد بينتها في كتابنا: كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الدين وسنبينه أيضا في تفسير سورة الحشر إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى. وأما قول من قال: الآية التي في سورة الانفال ناسخة الآية التي في سورة الحشر فلا معنى له، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي حكم الاخرى. وقد بينا معنى النسخ، وهو نفي حكم قد ثبت بحكم خلافه، في غير موضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله: من شئ فإنه مراد به كل ما وقع عليه اسم شئ مما خوله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين مما وقع فيه القسم حتى الخيط والمخيط. كما: 12487 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن
[ 5 ]
ليث، عن مجاهد، قوله: واعلموا أنما غنمتم من شئ قال: المخيط من الشئ. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد بمثله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم الفضل، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: قوله: فأن لله خمسه مفتاح كلام، ولله الدنيا والآخرة وما فيهما، وإنما معنى الكلام: فأن للرسول خمسه. ذكر من قال ذلك: 12488 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن عن قول الله: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن بن محمد، عن قوله: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة. 12489 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله (ص) إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة. ثم قرأ: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول. قال: وقوله: فأن لله خمسه مفتاح كلام، لله ما في السموات وما في الارض فجعل سهم الله وسهم الرسول واحدا. 12490 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: فأن لله خمسه قال: لله كل شئ.
[ 6 ]
12491 - حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه قال: لله كل شئ، وخمس لله ورسوله، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم. 12492 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كانت الغنيمة تقسم خمس أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله والرسول. 12493 - حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا أبان، عن الحسن، قال: أوصى أبو بكر رضي الله عنه بالخمس من ماله وقال: ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه. 12494 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول قال: خمس الله وخمس رسوله واحد، كان النبي (ص) يحمل منه ويصنع فيه ما شاء. * - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه قال: كل شئ لله، الخمس للرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وقال آخرون: معنى ذلك: فإن لبيت الله خمسه وللرسول. ذكر من قال ذلك: 12495 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع بن الجراح، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، قال: كان رسول الله (ص) يؤتى بالغنيمة، فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس، فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة، وهو سهم الله، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أبي
[ 7 ]
العالية: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه.... إلى آخر الآية، قال: فكان يجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله (ص) خمسة أسهم، فيجعل أربعة بين الناس ويأخذ سهما، ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم، فما قبض عليه من شئ جعله للكعبة، فهو الذي سمي لله، ويقول: لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم: سهم للنبي (ص)، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. وقال آخرون: ما سمي لرسول الله (ص) من ذلك فإنما هو مراد به قرابته، وليس لله ولا لرسوله منه شئ. ذكر من قال ذلك: 12496 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، فأربعة منها لمن قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربع فربع لله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبي (ص) فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي (ص)، ولم يأخذ النبي (ص) من الخمس شيئا، والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال قوله: فأن لله خمسه افتتاح كلام وذلك لاجماع الحجة على أن الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم، ولو كان لله فيه سهم كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسوما على ستة أسهم. وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأما على أكثر من ذلك فما لا نعلم قائلا قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية، وفي إجماع من ذكرت الدلالة الواضحة على صحة ما اخترنا. فأما من قال: سهم الرسول لذوي القربى، فقد أوجب للرسول سهما وإن كان (ص) صرفه إلى ذوي قرابته، فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم. وقد: 12497 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه... الآية، قال: كان نبي (ص) إذا غنم غنيمة جعلت أخماسا، فكان خمس لله ولرسوله، ويقسم المسلمون ما بقي. وكان الخمس الذي
[ 8 ]
جعل لله ولرسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فكان هذا الخمس خمسة أخماس: خمس لله ورسوله، وخمس لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل. 12498 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سألت يحيى بن الجزار عن سهم النبي (ص)، فقال: هو خمس الخمس. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، وجرير عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله. 12499 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: فأن لله خمسه قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله، وللرسول خمسه يضعه حيث رأى، وخمسه لذوي القربى، وخمسه لليتامى، وخمسة للمساكين، ولابن السبيل خمسه. وأما قوله: ولذي القربى فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم، فقال بعضهم: هم قرابة رسول الله (ص) من بني هاشم. ذكر من قال ذلك: 12500 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد، قال: كان آل محمد (ص) لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد، قال: كان النبي (ص) وأهل بيته لا يأكلون الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس. 12501 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد، قال: قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة. 12502 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، قال: ثنا الصباح بن يحيى المزني، عن السدي، عن ابن الديلمي، قال: قال علي بن الحسين رضي الله عنه لرجل من أهل الشأم: أما قرأت في الانفال: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول... الآية ؟ قال: نعم، قال: فإنكم لانتم هم ؟ قال: نعم. * - حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن خصيف، عن
[ 9 ]
مجاهد، قال: هؤلاء قرابة رسول الله (ص) الذين لا تحل لهم الصدقة. 12503 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: أن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى، فكتب إليه كتابا: نزعم أنا نحن هم، فأبى ذلك علينا قومنا. قال: 12504 - حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: فأن لله خمسه قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله، وللرسول خمسه يضعه حيث رأى، وخمس لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، ولابن السبيل خمسه. وقال آخرون: بل هم قريش كلها. ذكر من قال ذلك: 12505 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرني عبد الله بن نافع، عن أبي معشر، عن سعيد المقبري، قال: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى، قال: فكتب إليه ابن عباس: قد كنا نقول إنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى. وقال آخرون: سهم ذي القربى كان لرسول الله (ص)، ثم صار من بعده لولي الامر من بعده. ذكر من قال ذلك: 12506 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أنه سئل عن سهم ذي القربى، فقال: كان طعمة لرسول الله (ص) ما كان حيا، فلما توفي جعل لولي الامر من بعده. وقال آخرون: بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصة. وممن قال ذلك الشافعي، وكانت علته في ذلك ما: 12507 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم، قال: لما قسم
[ 10 ]
رسول الله (ص) سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد. ثم شبك رسول الله (ص) يديه إحداهما بالاخرى. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: سهم ذي القربى كان لقرابة رسول الله (ص) من بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب، لان حليف القوم منهم، ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله (ص). واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين، أعني سهم رسول الله (ص) وسهم ذي القربى بعد رسول الله (ص) فقال بعضهم: يصرفان في معونة الاسلام وأهله. ذكر من قال ذلك: 12508 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: جعل سهم الله وسهم الرسول واحدا ولذي القربى، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطى غيرهم. 12509 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن عن قول الله: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة. ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله (ص)، فقال قائلون: سهم النبي (ص) لقرابة النبي (ص). وقال قائلون: سهم القرابة لقرابة الخليفة واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. 12510 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن بن محمد، فذكر نحوه. 12511 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن الاعمش، عن إبراهيم،
[ 11 ]
قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي (ص) في الكراع والسلاح، فقلت لابراهيم: ما كان علي رضي الله عنه يقول فيه ؟ قال: كان علي أشدهم فيه. 12512 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين... الآية. قال ابن عباس: فكانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، أربعة بين من قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة: لله، وللرسول، ولذي القربى، يعني قرابة النبي (ص) فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي (ص)، ولم يأخذ النبي (ص) من الخمس شيئا. فلما قبض الله رسوله (ص)، رد أبو بكر رضي الله عنه نصيب القرابة في المسلمين، فجعل يحمل به في سبيل الله، لان رسول الله (ص)، قال: لا نورث، ما تركنا صدقة. 12513 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذي القربى، فقال: كان طعمة لرسول الله (ص)، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله صدقة على رسول الله (ص). وقال آخرون: سهم ذوي القربى من بعد رسول الله (ص) مع سهم رسول الله (ص) إلى ولي أمر المسلمين. ذكر من قال ذلك: 12514 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عمرو بن ثابت، عن عمران بن ظبيان، عن حكيم بن سعد، عن علي رضي الله عنه، قال: يعطى كل إنسان نصيبه من الخمس، ويلي الامام سهم الله ورسوله. 12515 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذوي القربى، فقال: كان طعمة لرسول الله (ص) ما كان حيا، فلما توفي جعل لولي الامر من بعده. وقال آخرون: سهم رسول الله (ص) مردود في الخمس، والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم: على اليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وذلك قول جماعة من أهل العراق. وقال آخرون: الخمس كله لقرابة رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: 12516 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عبد الغفار، قال: ثنا المنهال بن عمرو، قال: سألت عبد الله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس،
[ 12 ]
فقالا: هو لنا. فقلت لعلي: إن الله يقول: واليتامى والمساكين وابن السبيل فقال: يتامانا ومساكيننا. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن سهم رسول الله (ص) مردود في الخمس، والخمس مقسوم على أربعة أسهم على ما روي عن ابن عباس: للقرابة سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم لان الله أوجب الخمس لاقوام موصوفين بصفات، كما أوجب الاربعة الاخماس الآخرين. وقد أجمعوا أن حق الاربعة الاخماس لن يستحقه غيرهم، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه إلى غير أهل السهمان الاخر. وأما اليتامى: فهم أطفال المسلمين الذين قد هلك آباؤهم. والمساكين: هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين. وابن السبيل: المجتاز سفرا قد انقطع به. كما: 12517 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: الخمس الرابع لابن السبيل، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين. القول في تأويل قوله تعالى: إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبد نا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير. يقول تعالى ذكره: أيقنوا أيها المؤمنون أنما غنمتم من شئ فمقسوم القسم الذي بينته، وصدقوا به إن كنتم أقررتم بوحدانية الله وبما أنزل الله على عبده محمد (ص) يوم فرق بين الحق والباطل ببدر، فأبان فلج المؤمنين وظهورهم على عدوهم، وذلك يوم التقى الجمعان. جمع المؤمنين، وجمع المشركين، والله على إهلاك أهل الكفر وإذلا لهم بأيدي المؤمنين، وعلى غير ذلك مما يشاء قدير لا يمتنع عليه شئ أراده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12518 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يوم الفرقان يعني بالفرقان: يوم بدر، فرق الله فيه بين الحق والباطل.
[ 13 ]
12519 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 12520 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير وإسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، يزيد أحدهما على صاحبه في قوله: يوم الفرقان يوم فرق الله بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، وهو أول مشهد شهده رسول الله (ص)، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة. فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأصحاب رسول الله (ص) ثلاث مئة وبضعة عشر رجلا، والمشركون ما بين الالف والتسع مئة، فهزم الله يومئذ المشركين، وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر منهم مثل ذلك. 12521 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن مقسم: يوم الفرقان قال: يوم بدر، فرق الله بين الحق والباطل. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم، في قوله: يوم الفرقان قال: يوم بدر، فرق الله بين الحق والباطل. 12522 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم الفرقان يوم التقى الجمعان يوم بدر، وبدر بين المدينة ومكة. 12523 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثني يحيى بن يعقوب أبو طالب، عن ابن عون، عن محمد بن عبد الله الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب، قال: قال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من شهر رمضان. 12524 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: يوم التقى الجمعان قال ابن جريج: قال ابن كثير: يوم بدر.
[ 14 ]
12525 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وما أنزلنا على عبد نا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان: أي يوم فرق بين الحق والباطل ببدر أي يوم التقى الجمعان منكم ومنهم. 12526 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وما أنزلنا على عبد نا يوم الفرقان وذاكم يوم بدر، يوم فرق الله بين الحق والباطل. القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم) *. يقول تعالى ذكره: أيقنوا أيها المؤمنون واعلموا أن قسم الغنيمة على ما بينه لكم ربكم إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبده يوم بدر، إذ فرق بين الحق والباطل من نصر رسوله، إذ أنتم حينئذ بالعدوة الدنيا يقول: بشفير الوادي الادنى إلى المدينة، وهم بالعدوة القصوى يقول: وعدوكم من المشركين نزول بشفير الوادي الاقصى إلى مكة، والركب أسفل منكم يقول: والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12527 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إذ أنتم بالعدوة الدنيا قال: شفير الوادي الادنى وهي بشفير الوادي الاقصى. والركب أسفل منكم قال: أبو سفيان وأصحابه أسفل منهم. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى وهما شفيرا الوادي، كان نبي الله أعلى الوادي والمشركون بأسفله. والركب أسفل منكم يعني أبا سفيان، انحدر بالعير على حوزته حتى قدم بها مكة. 12528 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى من الوادي إلى مكة. والركب أسفل منكم: أي عير أبي
[ 15 ]
سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها عن غير ميعاد منكم ولا منهم. 12529 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والركب أسفل منكم قال: أبو سفيان وأصحابه مقبلون من الشام تجارا، لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر محمد (ص) بكفار قريش ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه، حتى التقيا على ماء بدر من يسقى لهم كلهم، فاقتتلوا، فغلبهم أصحاب محمد (ص)، فأسروهم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 12530 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: ذكر منازل القوم والعير، فقال: إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب: هو أبو سفيان وعيره، أسفل منكم على شاطئ البحر. واختلفت القراء في قراءة قوله: إذ أنتم بالعدوة فقرأ ذلك عامة قراء المدنيين والكوفيين: بالعدوة بضم العين، وقرأه بعض المكيين والبصريين: بالعدوة بكسر العين. وهما لغتان مشهورتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، ينشد بيت الراعي: وعينان حمر مآقيهما كما نظر العدوة الجؤذر بكسر العين من العدوة، وكذلك ينشد بيت أوس بن حجر: وفارس لو تحل الخيل عدوته ولوا سراعا وما هموا بإقبال القول في تأويل قوله تعالى: ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
[ 16 ]
يعني تعالى ذكره: ولو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه أنتم أيها المؤمنون وعدوكم من المشركين عن ميعاد منكم ومنهم، لاختلفتم في الميعاد لكثرة عدد عدوكم وقلة عددكم ولكن الله جمعكم على غير ميعاد بينكم وبينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وذلك القضاء من الله كان نصره أولياءه من المؤمنين بالله ورسوله، وهلاك أعدائه وأعدائهم ببدر بالقتل والاسر كما: 12531 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم. ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا: أي ليقضي الله ما أراد بقدرته من إعزاز الاسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، عن غير بلاء منكم فعل ما أراد من ذلك بلطفه. 12532 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أخبرني يونس ابن شهاب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب، قال: سمعت كعب بن مالك يقول في غزوة بدر: إنما خرج رسول الله (ص) والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. 12533 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: أقبل أبو سفيان في الركب من الشام، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله (ص) وأصحابه، فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء، حتى التقت السقاة، قال: ونظر الناس بعضهم لبعض. القول في تأويل قوله تعالى: ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم. يقول تعالى ذكره: ولكن الله جمعهم هنالك ليقضي أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينة. وهذه اللام في قوله: ليهلك مكررة على اللام في قوله: ليقضي كأنه قال: ولكن ليهلك من هلك عن بينة، جمعكم.
[ 17 ]
ويعني بقوله: ليهلك من هلك عن بينة ليموت من مات من خلقه عن حجة لله قد أثبتت له، وقطعت عذره، وعبرة قد عاينها ورآها. ويحيا من حي عن بينة يقول: وليعيش من عاش منهم عن حجة لله قد أثبتت له وظهرت لعينه، فعلمها جمعنا بينكم وبين عدوكم هنالك. وقال ابن إسحاق في ذلك بما: 12534 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ليهلك من هلك عن بينة لما رأى من الآيات والعبر، ويؤمن من آمن على مثل ذلك. وأما قوله: وإن الله لسميع عليم فإن معناه: وإن الله أيها المؤمنون لسميع لقولكم وقول غيركم حين يرى الله نبيه في منامه، ويريكم عدوكم في أعينكم قليلا وهم كثير، ويراكم عدوكم في أعينهم قليلا، عليم بما تضمره نفوسكم وتنطوي عليه قلوبكم، حينئذ وفي كل حال. يقول جل ثناؤه لهم ولعباده: واتقوا ربكم أيها الناس في منطقكم أن تنطقوا بغير حق، وفي قلوبكم أن تعتقدوا فيها غير الرشد، فإن الله لا يخفى عليه خافية من ظاهر أو باطن. القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور) *. يقول تعالى ذكره: وإن الله يا محمد سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم في منامك قليلا يقول: يريكهم في نومك قليلا فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم واجترءوا على حرب عدوهم. ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرا لفشل أصحابك، فجبنوا وخافوا، ولم يقدروا على حرب القوم، ولتنازعوا في ذلك ولكن الله سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تخفيه الصدور، لا يخفى عليه شئ مما تضمره القلوب.
[ 18 ]
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: إذ يريكهم الله في منامك قليلا: أي في عينك التي تنام بها، فصير المنام هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم الله في عينك قليلا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12535 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إذ يريكهم الله في منامك قليلا قال: أراه الله إياهم في منامه قليلا، فأخبر النبي (ص) أصحابه بذلك، فكان تثبيتا لهم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. * - وقال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 12536 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إذ يريكهم الله في منامك قليلا... الآية فكان أول ما أراه من ذلك نعمة من نعمه عليهم، شجعهم بها على عدوهم، وكفاهم بها ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ولكن الله سلم فقال بعضهم: معناه: ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم. ذكر من قال ذلك: 12537 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولكن الله سلم يقول: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكن الله سلم أمره فيهم. ذكر من قال ذلك: 12538 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، قال: ثنا معمر، عن قتادة: ولكن الله سلم قال: سلم أمره فيهم. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن عباس، وهو أن الله سلم القوم بما أرى نبيه (ص) في منامه من الفشل والتنازع، حتى قويت قلوبهم واجترءوا على حرب
[ 19 ]
عدوهم وذلك أن قوله: ولكن الله سلم عقيب قوله: ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر فالذي هو أولى بالخبر عنه، أنه سلمهم منه جل ثناؤه ما كان مخوفا منه لو لم ير نبيه (ص) من قلة القوم في منامه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الامور) *. يقول تعالى ذكره: وإن الله لسميع عليم إذ يرى الله نبيه في منامه المشركين قليلا، وإذ يريهم الله المؤمنين إذ لقوهم في أعينهم قليلا، وهم كثير عددهم، ويقلل المؤمنين في أعينهم، ليتركوا الاستعداد لهم فيهون على المؤمنين شوكتهم. كما: 12539 - حدثني ابن بزيع البغدادي، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين ؟ قال أراهم مئة. قال: فأسرنا رجلا منهم، فقلنا: كم هم ؟ قال: كنا ألفا. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بنحوه. 12540 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: إذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا قال ابن مسعود: قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل: أتراهم يكونون مئة ؟ 12541 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: قال ناس من المشركين: إن العير قد انصرفت فارجعوا فقال أبو جهل: الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه ؟ فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم وقال: يا قوم لا تقتلوهم بالسلاح، ولكن خذوهم أخذا، فاربطوهم بالحبال يقوله من القدرة في نفسه. وقوله: ليقضي الله أمرا كان مفعولا يقول جل ثناؤه: قللتكم أيها المؤمنون في أعين المشركين وأريتكموهم في أعينكم قليلا حتى يقضي الله بينكم ما قضي من قتال
[ 20 ]
بعضكم بعضا، وإظهاركم أيها المؤمنون على أعدائكم من المشركين والظفر بهم، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وذلك أمر كان الله فاعله وبالغا فيه أمره. كما: 12542 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه والانعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته. وإلى الله ترجع الامور يقول جل ثناؤه: مصير الامور كلها إليه في الآخرة، فيجازي أهلها على قدر استحقاقهم المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) *. وهذا تعريف من الله جل ثناؤه أهل الايمان به السيرة في حرب أعدائه من أهل الكفر به والافعال التي ترجى لهم باستعمالها عند لقائهم النصرة عليهم والظفر بهم، ثم يقول جل ثناؤه لهم: يا أيها الذين آمنوا، صدقوا الله ورسوله إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر بالله للحرب والقتال، فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الادبار هاربين، إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة منكم. واذكروا الله كثيرا يقول: وادعوا الله بالنصر عليهم والظفر بهم، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره. لعلكم تفلحون يقول: كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم، ويرزقكم الله النصر والظفر عليهم. كما: 12543 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف. 12544 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة يقاتلونكم في سبيل الله، فاثبتوا واذكروا الله كثيرا اذكروا الله الذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم، لعلكم تفلحون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) *.
[ 21 ]
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شئ. ولا تنازعوا فتفشلوا يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا، وتذهب ريحكم وهذا مثل، يقال للرجل إذا كان مقبلا عليه ما يحبه ويسر به: الريح مقبلة عليه، يعني بذلك ما يحبه، ومن ذلك قول عبيد بن الابرص: كما حميناك يوم النعف من شطب والفضل للقوم من ريح ومن عدد يعني من البأس والكثرة. وإنما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوتكم وبأسكم فتضعفوا، ويدخلكم الوهن والخلل. واصبروا يقول: اصبروا مع نبي الله (ص) عند لقاء عدوكم، ولا تنهزموا عنه وتتركوه. إن الله مع الصابرين يقول: اصبروا فإني معكم. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12545 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وتذهب ريحكم قال: نصركم. قال: وذهبت ريح أصحاب رسول الله (ص) حين نازعوه يوم أحد. * - حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وتذهب ريحكم فذكر نحوه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال: ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أحد. 12546 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم قال: حربكم وجدكم. 12547 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وتذهب ريحكم قال: ريح الحرب.
[ 22 ]
12548 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وتذهب ريحكم قال: الريح: النصر. لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدو، فإذا كان ذلك لم يكن لهم قوام. 12549 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولا تنازعوا فتفشلوا أي لا تختلفوا فيتفرق أمركم. وتذهب ريحكم فيذهب جدكم. واصبروا إن الله مع الصابرين: أي إني معكم إذا فعلتم ذلك. 12550 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تنازعوا فتفشلوا قال: الفشل: الضعف عن جهاد عدوه والانكسار لهم، فذلك الفشل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئآء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) *. وهذا تقدم من الله جل ثناؤه إلى المؤمنين به وبرسوله لا يعملوا عملا إلا لله خاصة وطلب ما عنده لا رئاء الناس كما فعل القوم من المشركين في مسيرهم إلى بدر طلب رئاء الناس وذلك أنهم أخبروا بفوت العير رسول الله (ص) وأصحابه، وقيل لهم: انصرفوا فقد سلمت العير التي جئتم لنصرتها، فأبوا وقالوا: نأتي بدرا فنشرب بها الخمر وتعزف علينا القيان وتتحدث بنا العرب لمكانتنا فيها. فسقوا مكان الخمر كؤوس المنايا. كما: 12551 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، قال: ثنا أبان، قال: ثنا هشام بن عروة، عن عروة قال: كانت قريش قبل أن يلقاهم النبي (ص) يوم بدر قد جاءهم راكب من أبي سفيان والركب الذين معه: إنا قد أجزنا القوم فارجعوا فجاء الركب الذين بعثهم أبو سفيان الذين يأمرون قريشا بالرجعة بالجحفة، فقالوا: والله لا نرجع حتى ننزل بدرا فنقيم فيه ثلاث ليال ويرانا من غشينا من أهل الحجاز، فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا وهم الذين قال الله: الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس والتقوا هم والنبي (ص)، ففتح الله على رسوله وأخزى أئمة الكفر، وشفى صدور المؤمنين منهم.
[ 23 ]
12552 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق في حديث ذكره، قال: ثني محمد بن مسلم وعاصم بن عمرو، وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا، عن ابن عباس، قال: لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عيره، أرسل إلى قريش أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب، يجتمع لهم بها سوق كل عام فنقيم عليه ثلاثا، وننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا 12553 - قال ابن حميد: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس: أي لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه الذين قالوا: لا نرجع حتى نأتي بدرا وننحر بها الجزر ونسقي بها الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أي لا يكونن أمركم رياء ولا سمعة ولا التماس ما عند الناس، وأخلصوا لله النية والحسبة في نصر دينكم، وموازرة نبيكم أي لا تعملوا إلا لله ولا تطلبوا غيره. 12554 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس قال: أصحاب بدر. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بطرا ورئاء الناس قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر. 12555 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. قال ابن جريج: وقال عبد الله بن كثير: هم مشركو قريش، وذلك خروجهم إلى بدر. 12556 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس يعني
[ 24 ]
المشركين الذي قاتلوا رسول الله (ص) يوم بدر. 12557 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس قال: هم قريش وأبو جهل وأصحابه الذين خرجوا يوم بدر. 12558 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط قال: كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر، وقد قيل لهم يومئذ: ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم قالوا: لا والله حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا. قال: وذكر لنا أن نبي الله (ص)، قال يومئذ: اللهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادك ورسولك. 12559 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: ذكر المشركين وما يطعمون على المياه، فقال: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله. 12560 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الذين خرجوا من ديارهم بطرا قال: هم المشركون خرجوا إلى بدر أشرا وبطرا. 12561 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي، قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر، خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل الله: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط. فتأويل الكلام إذن: ولا تكونوا أيها المؤمنون بالله ورسوله في العمل بالرياء والسمعة
[ 25 ]
وترك إخلاص العمل لله واحتساب الاجر فيه، كالجيش من أهل الكفر بالله ورسوله الذين خرجوا من منازلهم بطرا ومراءاة الناس بزيهم وأموالهم وكثرة عددهم وشدة بطانتهم. ويصدون عن سبيل الله يقول: ويمنعون الناس من دين الله والدخول في الاسلام بقتالهم إياهم وتعذيبهم من قدروا عليه من أهل الايمان بالله، والله بما يعملون من الرياء والصد عن سبيل الله وغير ذلك من أفعالهم محيط، يقول: عالم بجميع ذلك، لا يخفى عليه منه شئ وذلك أن الاشياء كلها له متجلية، لا يعزب عنه منها شئ، فهو لهم بها معاقب وعليها معذب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب) *. يعني تعالى ذكره بقوله: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وحين زين لهم الشيطان أعمالهم. وكان تزيينه ذلك لهم كما: 12562 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجل من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله (ص) قبضة من التراب، فرمى بها في وجوه المشركين، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده، فولى مدبرا هو وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة تزعم أنك لنا جار ؟ قال: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب وذلك حين رأى الملائكة. 12563 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم
[ 26 ]
الكناني الشاعر ثم المدلجي، فجاء على فرس فقال للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس فقالوا: ومن أنت ؟ قال: أنا جاركم سراقة، وهؤلاء كنانة قد أتوكم. 12564 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق، ثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر يعني من الحرب فكاد ذلك أن يثبطهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشئ تكرهونه فخرجوا سراعا. 12565 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق، في قوله: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فذكر استدراج إبليس إياهم وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب التي كانت بينهم. يقول الله: فلما تراءت الفئتان ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم، نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون وصدق عدو الله أنه رأى ما لا يرون. وقال: إني أخاف الله والله شديد العقاب، فأوردهم ثم أسلمهم. قال: فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان، كان الذي رآه حين نكص الحرث بن هشام أو عمير بن وهب الجمحي، فذكر أحدهما فقال: أين سراقة ؟ أسلمنا عدو الله وذهب. 12566 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم... إلى قوله: شديد العقاب قال: ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة، فزعم عدو الله أنه لا يدى له بالملائكة، وقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله. وكذب والله عدو الله، ما به مخافة الله، ولكن علم أن لا قوة له ولا منعة له، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستعاذ به، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم وتبرأ منهم عند ذلك. 12567 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج،
[ 27 ]
قال: قال ابن عباس: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم... الآية، قال: لما كان يوم بدر، سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وإني جار لكم. فلما التقوا ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة نكص على عقبيه، قال: رجع مدبرا وقال: إني أرى ما لا ترون... الآية. 12568 - حدثنا أحمد بن الفرج، قال: ثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون، قال: ثنا مالك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز: أن رسول الله (ص) قال: ما رؤي إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب، إلا ما رأى يوم بدر. قالوا: يا رسول الله: وما رأى يوم بدر ؟ قال: أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة. 12569 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن الحسن، في قوله: إني أرى ما لا ترون قال: رأى جبريل معتجرا ببرد يمشي بين يدي النبي (ص)، وفي يده اللجام، ما ركب. 12570 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، قال: ثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: قال الحسن: وتلا هذه الآية: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم... الآية، قال: سار إبليس مع المشركين ببدر برايته وجنوده، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم، ولن تغلبوا كثرة. فلما التقوا نكص على عقيبه، يقول: رجع مدبرا، وقال: إني برئ منكم، إني أرى ما لا ترون. يعني الملائكة. 12571 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب، قال: لما أجمعت قريش على السير، قالوا: إنما نتخوف من بني بكر. فقال لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم: أنا جار لكم من بني بكر، ولا غالب لكم اليوم من الناس.
[ 28 ]
فتأويل الكلام: وإن الله لسميع عليم في هذه الاحوال وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم أيها المؤمنون لحربكم وقتالكم، وحسن ذلك لهم، وحثهم عليكم وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من بني آدم، فاطمئنوا وأبشروا، وإني جار لكم من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فتغيركم أجيركم وأمنعكم منهم، ولا تخافوهم، واجعلوا جدكم وبأسكم على محمد وأصحابه. فلما تراءت الفئتان يقول: فما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين، ونظر بعضهم إلى بعض نكص على عقبيه يقول: رجع القهقرى على قفاه هاربا، يقال منه: نكص ينكص وينكص نكوصا، ومنه قول زهير: هم يضربون حبيك البيض إذ لحقو الا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا وقال للمشركين إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون يعني: أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددا للمؤمنين، والمشركون لا يرونهم إني أخاف عقاب الله وكذب عدو الله والله شديد العقاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) *. يقول تعالى ذكره: وإن الله لسميع عليم في هذه الاحوال، وإذ يقول المنافقون. وكر بقوله: إذ يقول المنافقون على قوله: إذ يريكهم الله في منامك قليلا. والذين في قلوبهم مرض يعني: شك في الاسلام لم يصح يقينهم، ولم تشرح بالايمان صدورهم. غر هؤلاء دينهم يقول: غر هؤلاء الذين يقاتلون المشركين من أصحاب محمد (ص) من أنفسهم دينهم، وذلك الاسلام. وذكر أن الذين قالوا هذا القول كانوا نفرا ممن كان قد تكلم بالاسلام من مشركي قريش ولم يستحكم الاسلام في قلوبهم. ذكر من قال ذلك: 12572 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم قال: كان ناس من أهل مكة تكلموا بالاسلام، فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة
[ 29 ]
المسلمين قالوا: غر هؤلاء دينهم. * - حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، مثله. 12573 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم قال: فئة من قريش: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحرث بن زمعة بن الاسود بن المطلب، وعلي بن أمية بن خلف، والعاصي بن منبه بن الحجاج خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله (ص) قالوا: غر هؤلاء دينهم حتى قدموا على ما قدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم 12574 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر، فسموا منافقين. قال معمر: وقال بعضهم: قوم كانوا أقروا بالاسلام وهم بمكة، فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: غر هؤلاء دينهم 12575 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض... إلى قوله: فإن الله عزيز حكيم قال: رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لامر الله. وذكر لنا أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد (ص) وأصحابه، قال: والله لا يعبد الله بعد اليوم قسوة وعتوا. 12576 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج في قوله: إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض قال: ناس كانوا من المنافقين بمكة، قالوه يوم بدر، وهم يومئذ ثلاث مئة وبضعة عشر رجلا. قال: 12577 - حدثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض قال: لما دنا القوم بعضهم من بعض، فقلل الله المسلمين في أعين المشركين، وقلل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: غر هؤلاء دينهم وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم، وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك، فقال الله: ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم.
[ 30 ]
وأما قوله: ومن يتوكل على الله فإن معناه: ومن يسلم أمره إلى الله ويثق به ويرض بقضائه، فإن الله حافظه وناصره لانه عزيز لا يغلبه شئ ولا يقهره أحد، فجاره منيع ومن يتوكل عليه يكفه. وهذا أمر من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسول الله وغيرهم أن يفوضوا أمرهم إليه ويسلموا لقضائه، كيما يكفيهم أعداءهم، ولا يستذلهم من ناوأهم لانه عزيز غير مغلوب، فجاره غير مقهور. حكيم يقول: هو فيما يدبر من أمر خلقه، حكيم لا يدخل تدبيره خلل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولو تعاين يا محمد حين يتوفى الملائكة أرواح الكفار فتنزعها من أجسادهم، تضرب الوجوه منهم والاستاه، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12578 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إذ يتوفى في الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم قال: يوم بدر. 12579 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن أسلم، عن إسماعيل بن كثير، عن مجاهد: يضربون وجوههم وأدبارهم قال: وأستاههم ولكن الله كريم يكني. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد، في قوله: يضربون وجوههم وأدبارهم قال: وأستاههم ولكن الله كريم يكني. 12580 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا شعبة، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، في قوله: يضربون وجوههم وأدبارهم قال: إن الله كني، ولو شاء لقال: أستاههم، وإنما عنى بأدبارهم: أستاههم. 12581 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: أستاههم يوم بدر. قال ابن جريج: قال ابن عباس: إذا أقبل المشركون
[ 31 ]
بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم. 12582 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عباد بن راشد، عن الحسن، قال: قال رجل: يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك، فما ذاك ؟ قال: ضرب الملائكة. 12583 - حدثنا محمد، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد: أن رجلا قال للنبي (ص): إني حملت على رجل من المشركين، فذهبت لاضربه، فندر رأسه. فقال: سبقك إليه الملك. 12584 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني حرملة، أنه سمع عمر مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله يقول: يضربون وجوههم وأدبارهم فإنما يريد أستاههم. قال أبو جعفر: وفي الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره، وهو قوله: ويقولون ذوقوا عذاب الحريق حذفت يقولون، كما حذفت من قوله: ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا بمعنى: يقولون ربنا أبصرنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لهؤلاء المشركين الذين قتلوا ببدر أنهم يقولون لهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم: ذوقوا عذاب الله الذي يحرقكم، هذا العذاب لكم بما قدمت أيديكم أي بما كسبت أيديكم من الآثام والاوزار واجترحتم من معاصي الله أيام حياتكم، فذوقوا اليوم العذاب وفي معادكم عذاب الحريق وذلك لكم بأن الله ليس بظلام للعبيد، لا يعاقب أحدا من خلقه إلا بجرم اجترمه، ولا يعذبه إلا بمعصيته إياه، لان الظلم لا يجوز أن يكون منه. وفي فتح أن من قوله: وأن الله وجهان من الاعراب: أحدهما النصب، وهو للعطف على ما التي في قوله: بما قدمت بمعنى:
[ 32 ]
ذلك بما قدمت أيديكم، وبأن الله ليس بظلام للعبيد في قول بعضهم، والخفض في قول بعض. والآخر: الرفع على ذلك بما قدمت وذلك أن الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب) *. يقول تعالى ذكره: فعل هؤلاء المشركون من قريش الذين قتلوا ببدر كعادة قوم فرعون وصنيعهم وفعلهم، وفعل من كذب بحجج الله ورسله من الامم الخالية قبلهم، ففعلنا بهم كفعلنا بأولئك. وقد بينا فيما مضى أن الدأب: هو الشأن والعادة، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. 12585 - حدثني الحرث، قال: ثني عبد العزيز، قال: ثنا شيبان، عن جابر، عن عامر ومجاهد وعطاء: كدأب آل فرعون: كفعل آل فرعون، كسنن آل فرعون. وقوله: فأخذهم الله بذنوبهم يقول: فعاقبهم الله بتكذيبهم حججه ورسله ومعصيتهم ربهم، كما عاقب أشكالهم والامم الذين قبلهم. إن الله قوي لا يغلبه غالب ولا يرد قضاءه راد، ينفذ أمره ويمضي قضاءه في خلقه، شديد عقابه لمن كفر بآياته وجحد حججه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) *. يقول تعالى ذكره: وأخذنا هؤلاء الذين كفروا بآياتنا من مشركي قريش ببدر بذنوبهم وفعلنا ذلك بهم، بأنهم غيروا ما أنعم الله عليهم به من ابتعاثه رسوله منهم وبين أظهرهم، بإخراجهم إياه من بينهم وتكذيبهم له وحربهم إياه فغيرنا نعمتنا عليهم بإهلاكنا إياهم، كفعلنا ذلك في الماضين قبلهم ممن طغى علينا وعصى أمرنا. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12586 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يقول: نعمة الله محمد (ص)، أنعم به على قريش وكفروا، فنقله إلى الانصار.
[ 33 ]
وقوله: وأن الله سميع عليم يقول: لا يخفى عليه شئ من كلام خلقه، يسمع كلام كل ناطق منهم بخير نطق أو بشر، عليم بما تضمره صدورهم، وهو مجازيهم ومثيبهم على ما يقولون ويعملون، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. القول في تأويل قوله تعالى: * (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين) *. يقول تعالى ذكره: غير هؤلاء المشركون بالله المقتولون ببدر، نعمة ربهم التي أنعم بها عليهم، بابتعاثه محمدا منهم وبين أظهرهم، داعيا لهم إلى الهدى، بتكذيبهم إياه وحربهم له. كدأب آل فرعون: كسنة آل فرعون وعادتهم، وفعلهم بموسى نبي الله في تكذيبهم إياه، وتصديهم لحربه وعادة من قبلهم من الامم المكذبة رسلها وصنيعهم. فأهلكناهم بذنوبهم بعضا بالرجفة، وبعضا بالخسف، وبعضا بالريح. وأغرقنا آل فرعون في اليم. وكل كانوا ظالمين يقول: كل هؤلاء الامم التي أهلكناها كانوا فاعلين ما لم يكن لهم فعله من تكذيبهم رسل الله والجحود لآياته، فكذلك أهلكنا هؤلاء الذين أهلكناهم ببدر، إذ غيروا نعمة الله عندهم بالقتل بالسيف، وأذللنا بعضهم بالاسار والسباء. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: إن شر ما دب على الارض عند الله الذين كفروا بربهم فجحدوا وحدانيته، وعبدوا غيره. فهم لا يؤمنون يقول: فهم لا يصدقون رسل الله ولا يقرون بوحيه وتنزيله. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) *. يقول تعالى ذكره: إن شر الدواب عند الله الذين كفروا، الذين عاهدت منهم يا محمد، يقول: أخذت عهودهم ومواثيقهم أن لا يحاربوك ولا يظاهروا عليك محاربا لك كقريظة ونظرائهم ممن كان بينك وبينهم عهد وعقد، ثم ينقضون عهودهم ومواثيقهم، كلما عاهدوا دافعوك وحاربوك وظاهروا عليك، وهم لا يتقون الله ولا يخافون في فعلهم ذلك أن
[ 34 ]
يوقع بهم وقعة تجتاحهم وتهلكهم. كالذي: 12587 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم قال: قريظة مالئوا على محمد يوم الخندق أعداءه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فإما تلقين في الحرب هؤلاء الذين عاهدتهم فنقضوا عهدك مرة بعد مرة من قريظة فتأسرهم، فشرد بهم من خلفهم يقول: فافعل بهم فعلا يكون مشردا من خلفهم من نظرائهم ممن بينك وبينه عهد وعقد. والتشريد: التطريد والتبديد والتفريق. وإنما أمر بذلك نبي الله (ص) أن يفعل بالناقض العهد بينه وبينهم إذا قدر عليهم فعلا يكون إخافة لمن وراءهم ممن كان بين رسول الله (ص) وبينه عهد، حتى لا يجترئوا على مثل الذي اجترأ عليه هؤلاء الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية من نقض العهد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12588 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم يعني: نكل بهم من بعدهم. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فشرد بهم من خلفهم يقول: نكل بهم من وراءهم. 12589 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم يقول: عظ بهم من سواهم من الناس.
[ 35 ]
12590 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم يقول: نكل بهم من خلفهم من بعدهم من العدو، لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك. 12591 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير: فشرد بهم من خلفهم قال: أنذر بهم من خلفهم. 12592 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قال: نكل بهم من خلفهم من بعدهم. قال ابن جريج، قال عبد الله بن كثير: نكل بهم من وراءهم. 12593 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون: أي نكل بهم من وراءهم لعلهم يعقلون. 12594 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: فشرد بهم من خلفهم يقول: نكل بهم من بعدهم. 12595 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم قال: أخفهم بما تصنع بهؤلاء وقرأ: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم. وأما قوله: لعلهم يذكرون فإن معناه: كي يتعظوا بما فعلت بهؤلاء الذين وصفت صفتهم، فيحذروا نقض العهد الذي بينك وبينهم، خوف أن ينزل بهم منك ما نزل بهؤلاء إذا هم نقضوه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوآء إن الله لا يحب الخائنين) *. يقول تعالى ذكره: وإما تخافن يا محمد من عدو لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر. فانبذ إليهم على سواء يقول:
[ 36 ]
فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. إن الله لا يحب الخائنين الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر به، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد. فإن قال قائل: وكيف يجوز نقض العهد بخوف الخيانة والخوف ظن لا يقين ؟ قيل: إن الامر بخلاف ما إليه ذهبت، وإنما معناه: إذا ظهرت آثار الخيانة من عدوك وخفت وقوعهم بك، فألق إليهم مقاليد السلم وآذنهم بالحرب. وذلك كالذين كان من بني قريظة، إذ أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله (ص) ومحاربتهم معه بعد العهد الذي كانوا عاهدوا رسول الله (ص) على المسالمة، ولن يقاتلوا رسول الله (ص). فكانت إجابتهم إياه إلى ذلك موجبا لرسول الله (ص) خوف الغدر به وبأصحابه منهم، فكذلك حكم كل قوم أهل موادعة للمؤمنين ظهر لامام المسلمين منهم من دلائل الغدر مثل الذي ظهر لرسول الله (ص) وأصحابه من قريظة منها، فحق على إمام المسلمين أن ينبذ إليهم على سواء ويؤذنهم بالحرب. ومعنى قوله: على سواء: أي حتى يستوي علمك وعلمهم بأن كل فريق منكم حرب لصاحبه لا سلم. وقيل: نزلت الآية في قريظة. ذكر من قال ذلك: 12596 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فانبذ إليهم على سواء قال قريظة. وقد قال بعضهم: السواء في هذا الموضع: المهل. ذكر من قال ذلك: 12597 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: إنه مما تبين لنا أن قوله: فانبذ إليهم على سواء أنه على مهل. كما حدثنا بكير عن مقاتل بن حيان في قول الله: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر. وأما أهل العلم بكلام العرب، فإنهم في معناه مختلفون، فكان بعضهم يقول: معناه:
[ 37 ]
فانبذ إليهم على عدل يعني حتى يعتدل علمك وعلمهم بما عليه بعضكم لبعض من المحاربة. واستشهدوا لقولهم ذلك بقول الراجز: واضرب وجوه الغدر للاعداء حتى يجيبوك إلى السواء يعني إلى العدل. وكان آخرون يقولون: معناه الوسط، من قول حسان: يا ويح أنصار الرسول ورهطه بعد المغيب في سواء الملحد بمعنى في وسط اللحد. وكذلك هذه المعاني متقاربة، لان العدل وسط لا يعلو فوق الحق ولا يقصر عنه، وكذلك الوسط عدل، واستواء الفريقين فيما عليه بعضهم لبعض بعض المهادنة عدل من الفعل ووسط. وأما الذي قاله الوليد بن مسلم من أن معناه المهل، فما لا أعلم له وجها في كلام العرب. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون) *. اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم بكسر الالف من إنهم وبالتاء في تحسبن، بمعنى: ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم. ثم ابتدأ الخبر عن قدرة الله عليهم، فقيل: إن هؤلاء الكفرة لا يعجزون ربهم إذا طلبهم وأراد تعذيبهم وإهلاكهم بأنفسهم فيفوتوه بها. وقرأ ذلك بعض قراء المدينة والكوفة: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء في يحسبن، وكسر الالف من إنهم، وهي قراءة غير حميدة لمعنيين: أحدهما خروجها من قراءة القراء وشذوذها عنها، والآخر بعدها من فصيح كلام العرب وذلك أن يحسب يطلب في كلام العرب منصوبا وخبره، كقوله: عبد الله يحسب أخاك قائما ويقوم وقام، فقارئ هذه القراءة أصحب يحسب خبرا لغير مخبر عنه مذكور، وإنما كان مراده: ظني ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا أنهم لا يعجزوننا، فلم يفكر في صواب مخرج الكلام وسقمه، واستعمل في قراءته ذلك كذلك ما ظهر له من مفهوم الكلام. وأحسب أن الذي دعاه إلى ذلك الاعتبار بقراءة عبد الله، وذلك أنه فيما ذكر في مصحف عبد الله: ولا
[ 38 ]
يحسبن الذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يعجزون وهذا فصيح صحيح إذا أدخلت أنهم في الكلام، لان يحسبن عاملة في أنهم، وإذا لم يكن في الكلام أنهم كانت خالية من اسم تعمل فيه. وللذي قرأ من ذلك من القراء وجهان في كلام العرب وإن كانا بعيدين من فصيح كلامهم: أحدهما أن يكون أريد به: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، أو أنهم سبقوا، ثم حذف أن وأنهم، كما قال جل ثناؤه: ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا بمعنى: أن يريكم. وقد ينشد في نحو ذلك بيت لذي الرمة: أظن ابن طرثوث عيينة ذاهبا بعاديتي تكذابه وجعائله بمعنى: أظن ابن طرثوث أن يذهب بعاديتي تكذابه وجعائله. وكذلك قراءة من قرأ ذلك بالياء، يوجه سبقوا إلى سابقين على هذا المعنى. والوجه الثاني على أنه أراد إضمار منصوب ب يحسب، كأنه قال: ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا، ثم حذف الهمز وأضمر. وقد وجه بعضهم معنى قوله: أنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه إنما ذلكم الشيطان يخوف المؤمن من أوليائه، وأن ذكر المؤمن مضمر في قوله: يخوف، إذ كان الشيطان عنده لا يخوف أولياءه. وقرأ ذلك بعض أهل الشام: ولا يحسبن الذين كفروا بالتاء من تحسبن سبقوا إنهم لا يعجزون بفتح الالف من أنهم، بمعنى: ولا تحسبن الذين كفروا أنهم لا يعجزون. ولا وجه لهذه القراءة يعقل إلا أن يكون أراد القارئ بلا التي في يعجزون لا التي تدخل في الكلام حشوا وصلة. فيكون معنى الكلام حينئذ: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا أنهم يعجزون. ولا وجه لتوجيه حرف في كتاب الله إلى التطويل بغير حجة يجب التسليم لها وله في الصحة مخرج. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ: لا تحسبن بالتاء الذين كفروا سبقوا إنهم بكسر الالف من إنهم لا يعجزون بمعنى: ولا تحسبن أنت يا محمد الذين جحدوا حجج الله وكذبوا بها سبقونا بأنفسهم، ففاتونا، إنهم لا يعجزوننا:
[ 39 ]
أي يفوتوننا بأنفسهم، ولا يقدرون على الهرب منا. كما: 12598 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون يقول: لا يفوتون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) *. يقول تعالى ذكره: وأعدوا لهؤلاء الذين كفروا بربهم الذين بينكم وبينهم عهد، إذا خفتم خيانتهم وغدرهم أيها المؤمنون بالله ورسوله ما استطعتم من قوة يقول: ما أطقتم أن تعدوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم من السلاح والخيل. ترهبون به عدو الله وعدوكم يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدو الله وعدوكم من المشركين. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12599 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو إدريس، قال: سمعت أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل من جهينة يرفع الحديث إلى رسول الله (ص): وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن الرمي هو القوة، ألا إن الرمي هو القوة. 12600 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا سعيد بن شرحبيل، قال: ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، وعبد الكريم بن الحرث، عن أبي علي الهمداني، أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول: قال الله: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ألا وإني سمعت رسول الله (ص) يقول على المنبر قال الله: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا أن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ثلاثا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا محبوب وجعفر بن عون ووكيع وأبو أسامة وأبو نعيم، عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عقبة بن عامر الجهني قال:
[ 40 ]
قرأ رسول الله (ص) على المنبر: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل فقال: ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ثلاث مرات. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عقبة بن عامر، أن النبي (ص) قرأ هذه الآية على المنبر، فذكر نحوه. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن عقبة بن عامر، عن النبي (ص)، نحوه. * - حدثنا أحمد بن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه محمد بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن عقبة بن عامر، عن النبي (ص)، في قوله: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي. 12601 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن شعبة بن دينار، عن عكرمة، في قوله: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة قال: الحصون. ومن رباط الخيل قال: الاناث. 12602 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن أبي سلمة، قال: لقي رجل مجاهدا بمكة، ومع مجاهد جوالق، قال: فقال مجاهد: هذا من القوة ومجاهد يتجهز للغزو. 12603 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة من سلاح. وأما قوله: ترهبون به عدو الله وعدوكم فقال ابن وكيع: 12604 - حدثنا أبي عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن مجاهد، عن ابن عباس: ترهبون به عدو الله وعدوكم قال: تخزون به عدو الله وعدوكم. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن عثمان، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. * - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس: ترهبون به عدو الله وعدوكم قال: تخزون به
[ 41 ]
عدو الله وعدوكم. وكذا كان يقرأ بها ترهبون. * - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة وخصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس: ترهبون به تخزون به. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. يقال منه: أرهبت العدو ورهبته، فأنا أرهبه وأرهبه إرهابا وترهيبا، وهو الرهب والرهب، ومنه قول طفيل الغنوي: ويل ام حي دفعتم في نحورهم بني كلاب غداة الرعب والرهب القول في تأويل قوله تعالى: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم. اختلف أهل التأويل في هؤلاء الآخرين من هم وما هم، فقال بعضهم: هم بنو قريظة. ذكر من قال ذلك: 12605 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وآخرين من دونهم يعني من بني قريظة. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وآخرين من دونهم قال: قريظة. وقال آخرون: من فارس. ذكر من قال ذلك: 12606 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم هؤلاء أهل فارس. وقال آخرون: هم كل عدو للمسلمين غير الذي أمر النبي (ص) أن يشرد بهم من خلفهم. قالوا: وهم المنافقون. ذكر من قال ذلك:
[ 42 ]
12607 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم قال: أخفهم بهم لما تصنع بهؤلاء. وقرأ: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم. 12608 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم قال: هؤلاء المنافقون لا تعلمونهم لانهم معكم يقولون لا إله إلا الله ويغزون معكم. وقال آخرون: هم قوم من الجن. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين من السلاح والرمي وغير ذلك ورباط الخيل. ولا وجه لان يقال: عني بالقوة معنى دون معنى من معاني القوة، وقد عم الله الامر بها. فإن قال قائل: فإن رسول الله (ص)، قد بين أن ذلك مراد به الخصوص بقوله: ألا إن القوة الرمي. قيل له: إن الخبر وإن كان قد جاء بذلك فليس في الخير ما يدل على أنه مراد بها الرمي خاصة دون سائر معاني القوة عليهم، فإن الرمي أحد معاني القوة، لانه إنما قيل في الخبر: ألا إن القوة الرمي ولم يقل دون غيرها. ومن القوة أيضا السيف والرمح والحربة، وكل ما كان معونة على قتال المشركين، كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية منهم، هذا مع وهي سند الخبر بذلك عن رسول الله (ص). وأما قوله: وآخرين من دونهم لا تعلمونهم فإن قول من قال: عني به الجن، أقرب وأشبه بالصواب لانه جل ثناؤه قد أدخل بقوله: ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم الامر بارتباط الخيل لارهاب كل عدو لله وللمؤمنين يعلمونهم، ولا شك أن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لهم، لعلمهم بأنهم مشركون وأنهم لهم حرب، ولا معنى لان يقال: وهم يعلمونهم لهم أعداء، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ولكن معنى ذلك: إن شاء الله ترهبون بارتباطكم أيها المؤمنون الخيل عدو الله وأعداءكم من بني آدم الذين قد علمتم عداوتهم لكم لكفرهم بالله ورسوله، وترهبون بذلك جنسا آخر من غير بني آدم لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم الله يعلمهم دونكم، لان بني آدم لا يرونهم.
[ 43 ]
وقيل: إن صهيل الخيل يرهب الجن، وإن الجن لا تقرب دارا فيها فرس. فإن قال قائل: فإن المؤمنين كانوا لا يعلمون ما عليه المنافقون، فما تنكر أن يكون عني بذلك المنافقون ؟ قيل: فإن المنافقين لم يكن تروعهم خيل المسلمين ولا سلاحهم، وإنما كان يروعهم أن يظهر المسلمون على سرائرهم التي كانوا يستسرون من الكفر، وإنما أمر المؤمنون بإعداد القوة لارهاب العدو، فأما من لم يرهبه ذلك فغير داخل في معنى من أمر بإعداد ذلك له المؤمنون، وقيل: لا تعلمونهم، فاكتفي للعلم بمنصوب واحد في هذا الموضع، لانه أريد لا تعرفونهم، كما قال الشاعر: فإن الله يعلمني ووهبا وأنا سوف يلقاه كلانا القول في تأويل قوله تعالى: وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون. يقول تعالى ذكره: وما أنفقتم أيها المؤمنون من نفقة في شراء آلة حرب من سلاح أو حراب أو كراع أو غير ذلك من النفقات في جهاد أعداء الله من المشركين يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويدخر لكم أجوركم على ذلك عنده، حتى يوفيكموها يوم القيامة. وأنتم لا تظلمون يقول: يفعل ذلك بكم ربكم فلا يضيع أجوركم عليه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12609 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون: أي لا يضيع لكم عند الله أجره في الآخرة وعاجل خلفه في الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وإما تخافن من قوم خيانة وغدرا، فانبذ إليهم على سواء وآذنهم بالحرب. وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وإن مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك
[ 44 ]
الحرب، إما بالدخول في الاسلام، وإما بإعطاء الجزية، وإما بموادعة، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح فاجنح لها يقول: فمل إليها، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه. يقال منه: جنح الرجل إلى كذا يجنح إليه جنوحا، وهي لتميم وقيس فيما ذكر عنها، تقول: يجنح بضم النون. وآخرون: يقولون: يجنح بكسر النون، وذلك إذا مال، ومنه قول نابغة بني ذبيان: جوانح قد أيقن أن قبيله إذا ما التقى الجمعان أول غالب جوانح: موائل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12610 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وإن جنحوا للسلم قال: للصلح. ونسخها قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. 12611 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن جنحوا للسلم إلى الصلح فاجنح لها قال: وكانت هذه قبل براءة، كان نبي الله (ص) يوادع القوم إلى أجل، فإما أن يسلموا وإما أن يقاتلوا، ثم نسخ ذلك بعد في براءة فقال: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال: قاتلوا المشركين كافة ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمره بقتالهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويسلموا، وأن لا يقبل منهم إلا ذلك، وكل عهد كان في هذه السورة وفي غيرها، وكل صلح يصالح به المسلمون المشركين يتوادعون به فإن براءة جاءت بنسخ ذلك، فأمر بقتالهم على كل حال حتى يقولوا: لا إله إلا الله.
[ 45 ]
12612 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسن، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها نسختها الآية التي في براءة قوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر... إلى قوله: وهم صاغرون. 12613 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها يقول: وإن أرادوا الصلح فأرده. 12614 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها: أي إن دعوك إلى السلم إلى الاسلام، فصالحهم عليه. 12615 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها قال: فصالحهم. قال: وهذا قد نسخه الجهاد. فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن هذه الآية منسوخة، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفي حكم المنسوخ من كل وجه، فأما ما كان بخلاف ذلك فغير كائن ناسخا. وقول الله في براءة: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم غير ناف حكمه حكم قوله: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها لان قوله: وإن جنحوا للسلم إنما عني به بنو قريظة، وكانوا يهودا أهل كتاب، وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم. وأما قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فإنما عني به مشركو العرب من عبدة الاوثان الذين لا يجوز قبول الجزية منهم، فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الاخرى، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه. 12616 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وإن جنحوا للسلم قال: قريظة. وأما قوله: وتوكل على الله يقول: فوض إلى الله يا محمد أمرك، واستكفه واثقا به أنه يكفيك. كالذي: 12617 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وتوكل على الله إن الله كافيك.
[ 46 ]
وقوله: إنه هو السميع العليم يعني بذلك: إن الله الذي تتوكل عليه سميع لما تقول أنت، ومن تسالمه وتتاركه الحرب من أعداء الله وأعدائك عند عقد السلم بينك وبينه، ويشرط كل فريق منكم على صاحبه من الشروط، والعليم بما يضمره كل فريق منكم للفريق الآخر من الوفاء بما عاقده عليه، ومن المضمر ذلك منكم في قلبه والمنطوي على خلافه لصاحبه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) *. يقول تعالى ذكره: وإن يرد يا محمد هؤلاء الذين أمرتك بأن تنبذ إليهم على سواء، إن خفت منهم خيانة، وبمسالمتهم إن جنحوا للسلم خداعك والمكر بك فإن حسبك الله يقول: فإن الله كافيكهم وكافيك خداعهم إياك، لانه متكفل بإظهار دينك على الاديان ومتضمن أن يجعل كلمته العليا وكلمة أعدائه السفلى. هو الذي أيدك بنصره يقول: الله الذي قواك بنصره إياك على أعدائه، وبالمؤمنين يعني بالانصار. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12618 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وإن يريدوا أن يخدعوك قال: قريظة. 12619 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو من وراء ذلك. 12620 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: هو الذي أيدك بنصره قال: بالانصار. القول في تأويل قوله تعالى: * (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الارض جميعا مآ ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) *. يريد جل ثناؤه بقوله: وألف بين قلوبهم وجمع بين قلوب المؤمنين من الاوس والخزرج بعد التفرق والتشتت على دينه الحق، فصيرهم به جميعا بعد أن كانوا أشتاتا، وإخوانا بعد أن كانوا أعداء.
[ 47 ]
وقوله: لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): لو أنفقت يا محمد ما في الارض جميعا من ذهب وورق وعرض، ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيلك، ولكن الله جمعها على الهدى، فأتلفت واجتمعت تقوية من الله لك وتأييدا منه ومعونة على عدوك. يقول جل ثناؤه: والذي فعل ذلك وسببه لك حتى صاروا لك أعوانا وأنصارا ويدا واحدة على من بغاك سوءا هو الذي إن رام عدو منك مراما يكفيك كيده وينصرك عليه، فثق به وامض لامره وتوكل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12621 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وألف بين قلوبهم قال: هؤلاء الانصار ألف بين قلوبهم من بعد حرب فيما كان بينهم. 12622 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن بشير بن ثابت رجل من الانصار، أنه قال في هذه الآية: لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم يعني الانصار. 12623 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وألف بين قلوبهم على الهدى الذي بعثك به إليهم. لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم بدينه الذي جمعهم عليه، يعني الاوس والخزرج. 12624 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن إبراهيم الجزري، عن الوليد بن أبي مغيث، عن مجاهد قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما. قال: قلت لمجاهد: بمصافحة يغفر لهما ؟ فقال مجاهد: أما سمعته يقول: لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ؟ فقال الوليد لمجاهد: أنت أعلم مني. 12625 - حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثني الوليد، عن أبي عمرو، قال: ثني عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد، ولقيته وأخذ بيدي، فقال: إذا تراءى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه، تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر. قال عبدة: فقلت له: إن هذا ليسير قال: لا تقل ذلك، فإن الله يقول: لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم. قال عبدة: فعرفت أنه أفقه مني.
[ 48 ]
12626 - حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا فضيل بن غزوان، قال: أتيت أبا إسحاق، فسلمت عليه فقلت: أتعرفني ؟ فقال فضيل: نعم لولا الحياء منك لقبلتك. 12627 - حدثني أبو الاحوص، عن عبد الله، قال: نزلت هذه الآية في المتحابين في الله: لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم. 12628 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس أو قال عن الناس الالفة. * - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن الاوزاعي، قال: ثني عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد، ثم ذكر نحو حديث عبد الكريم، عن الوليد. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة وابن نمير وحفص بن غياث، عن فضيل بن غزوان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، قال: سمعت عبد الله يقول: لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم... الآية، قال: هم المتحابون في الله. وقوله: إنه عزيز حكيم يقول: إن الله الذي ألف بين قلوب الاوس والخزرج بعد تشتت كلمتهما وتعاديهما وجعلهم لك أنصارا عزيز لا يقهره شئ ولا يرد قضاءه راد، ولكنه ينفذ في خلقه حكمه. يقول: فعليه فتوكل، وبه فثق، حكيم في تدبير خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا أيها النبي حسبك الله، وحسب من اتبعك من المؤمنين الله. يقول لهم جل ثناؤه: ناهضوا عدوكم، فإن الله كافيكم أمرهم، ولا يهولنكم كثرة عددهم وقلة عددكم، فإن الله مؤيدكم بنصره. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12629 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، عن شوذب بن معاذ، عن الشعبي في قوله: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين قال: حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين الله.
[ 49 ]
* - حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم الاودي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا سفيان، عن شوذب، عن الشعبي، في قوله: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين قال: حسبك الله وحسب من معك. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن سفيان، عن شوذب، عن عامر، بنحوه، إلا أنه قال: حسبك الله وحسب من شهد معك. 12630 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، في قوله: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين قال: يا أيها النبي حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين، إن حسبك أنت وهم الله. ف " من " من قوله: ومن اتبعك من المؤمنين على هذا التأويل الذي ذكرناه عن الشعبي نصب عطفا على معنى الكاف في قوله: حسبك الله لا على لفظه، لانها في محل خفض في الظاهر وفي محل نصب في المعنى، لان معنى الكلام: يكفيك الله، ويكفي من اتبعك من المؤمنين. وقد قال بعض أهل العربية في من: إنها في موضع رفع على العطف على اسم الله، كأنه قال: حسبك الله ومتبعوك إلى جهاد العدو من المؤمنين دون القاعدين عنك منهم. واستشهد على صحة قوله ذلك بقوله: حرض المؤمنين على القتال. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ئ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال حث متبعيك ومصدقيك على ما جئتهم به من الحق على قتال من أدبر وتولى عن الحق من المشركين. إن يكن منكم عشرون رجلا صابرون عند لقاء العدو، يحتسبون أنفسهم
[ 50 ]
ويثبتون لعدوهم يغلبوا مئتين من عدوهم ويقهروهم. وإن يكن منكم مئة عند ذلك يغلبوا منهم ألفا. بأنهم قوم لا يفقهون يقول: من أجل أن المشركين قوم يقاتلون على غير رجاء ثواب ولا لطلب أجر ولا احتساب لانهم لم يفقهوا أن الله موجب لمن قاتل احتسابا وطلب موعودا لله في المعاد ما وعد المجاهدين في سبيله، فهم لا يثبتون إذا صدقوا في اللقاء خشية أن يقتلوا فتذهب دنياهم. ثم خفف تعالى ذكره عن المؤمنين إذ علم ضعفهم فقال لهم: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا يعني أن في الواحد منهم عن لقاء العشرة من عدوهم ضعفا، فإن يكن منكم مئة صابرة عند لقائهم للثبات لهم، يغلبوا مئتين منهم، إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين منهم بإذن الله يعني بتخلية الله إياهم لغلبتهم ومعونته إياهم. والله مع الصابرين لعدوهم وعدو الله، احتسابا في صبره وطلبا لجزيل الثواب من ربه، بالعون منه له والنصر عليه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12631 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن محبب، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن عطاء في قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين قال: كان الواحد لعشرة، ثم جعل الواحد باثنين لا ينبغي له أن يفر منهما. 12632 - حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: جعل على المسلمين على الرجل عشرة من الكفار، فقال: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين فخفف ذلك عنهم، فجعل على الرجل رجلان. قال ابن عباس: فما أحب أن يعلم الناس تخفيف ذلك عنهم. 12633 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، ثني عبد الله بن أبي نجيح المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مئتين ومئة ألفا، فخفف الله عنهم، فنسخها بالآية الاخرى فقال: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين قال: وكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم، وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم أن
[ 51 ]
يقاتلوا، وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم. 12634 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين قال: كان لكل رجل من المسلمين عشرة لا ينبغي له أن يفر منهم، فكانوا كذلك حتى أنزل الله: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين فعبأ لكل رجل من المسلمين رجلين من المشركين، فنسخ الامر الاول. وقال مرة أخرى في قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين فأمر الله الرجل من المؤمنين أن يقاتل عشرة من الكفار، فشق ذلك على المؤمنين ورحمهم الله، فقال: إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين فأمر الله الرجل من المؤمنين أن يقاتل رجلين من الكفار. 12635 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال... إلى قوله: بأنهم قوم لا يفقهون وذلك أنه كان جعل على كل رجل من المسلمين عشرة من العدو يؤشبهم، يعني يغريهم بذلك ليوطنوا أنفسهم على الغزو، وإن الله ناصرهم على العدو، ولم يكن أمرا عزمه الله عليهم ولا أوجبه، ولكن كان تحريضا ووصية أمر الله بها نبيه. ثم خفف عنهم فقال: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فجعل على كل رجل رجلين بعد ذلك تخفيفا، ليعلم المؤمنون أن الله بهم رحيم، فتوكلوا على الله وصبروا وصدقوا، ولو كان عليهم واجبا الغزو إذن بعد كل رجل من المسلمين عمن لقي من الكفار إذا كانوا أكثر منهم فلم يقاتلوهم. فلا يغرنك قول رجال، فإني قد سمعت رجالا يقولون: إنه لا يصلح لرجل من المسلمين أن يقاتل حتى يكون على كل رجل رجلان، وحتى يكون على كل رجلين أربعة، ثم بحساب ذلك، وزعموا أنهم يعصون الله إن قاتلوا حتى يبلغوا عدة ذلك، وإنه لا حرج عليهم أن لا يقاتلوا حتى يبلغوا عدة أن يكون على كل رجل رجلان، وعلى كل رجلين أربعة، وقد قال الله: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد وقال الله: فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين فهو
[ 52 ]
التحريض الذي أنزل الله عليهم في الانفال، فلا يعجزك قائل: قد سقطت بين ظهري أناس كما شاء الله أن يكونوا. 12636 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحصين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن قالا: قال في سورة الانفال: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ثم نسخ فقال: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا... إلى قوله: والله مع الصابرين. 12637 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عكرمة، في قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون قال: واحد من المسلمين وعشرة من المشركين، ثم خفف عنهم فجعل عليهم أن لا يفر رجل من رجلين. 12638 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون... إلى قوله: وإن يكن منكم مئة قال: هذا لاصحاب محمد (ص) يوم بدر، جعل على الرجل منهم عشرة من الكفار، فضجوا من ذلك، فجعل على الرجل رجلين تخفيفا من الله. 12639 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار وأبي معبد عن ابن عباس، قال: إنما أمر الرجل أن يصبر نفسه لعشرة، والعشرة لمئة إذ المسلمون قليل فلما كثر المسلمون خفف الله عنهم، فأمر الرجل أن يصبر لرجلين، والعشرة للعشرين، والمئة للمئتين. 12640 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مئتين أن لا يفروا فإنهم إن لم يفروا غلبوا، ثم خفف الله عنهم وقال: إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين فيقول: لا ينبغي أن يفر ألف من ألفين، فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم. 12641 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف
[ 53 ]
يغلبوا ألفين جعل الله على كل رجل رجلين بعد ما كان على كل رجل عشرة. وهذا الحديث عن ابن عباس. 12642 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الخريت، عن عكرمة، عن ابن عباس: كان فرض على المؤمنين أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين، قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا فشق ذلك عليهم، فأنزل الله التخفيف، فجعل على الرجل أن يقاتل الرجلين، قوله: إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين فخفف الله عنهم، ونقصوا من الصبر بقدر ذلك. 12643 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين يقول: يقاتلوا مئتين، فكانوا أضعف من ذلك، فنسخها الله عنهم، فخفف فقال: فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين فجعل أول مرة الرجل لعشرة، ثم جعل الرجل لاثنين. 12644 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مئتين أن لا يفروا، فإنهم إن لم يفروا غلبوا، ثم خفف الله عنهم فقال: إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله فيقول: لا ينبغي أن يفر ألف من ألفين، فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم. 12645 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كان هذا واجبا أن لا يفر واحد من عشرة. 12646 - وبه قال: أخبرنا الثوري، عن ليث، عن عطاء، مثل ذلك. وأما قوله: بأنهم قوم لا يفقهون فقد بينا تأويله. وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ما: 12647 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: بأنهم قوم لا يفقهون: أي لا يقاتلون على نية، ولا حق فيه، ولا معرفة لخير ولا شر. وهذه الآية، أعني قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن كان مخرجها مخرج الخبر، فإن معناها الامر، يدل على ذلك قوله: الآن خفف الله عنكم
[ 54 ]
فلم يكن التخفيف إلا بعد التثقيل، ولو كان ثبوت العشرة منهم للمئة من عدوهم كان غير فرض عليهم قبل التخفيف وكان ندبا لم يكن للتخفيف وجه لان التخفيف إنما هو ترخيص في ترك الواحد من المسلمين الثبوت للعشرة من العدو، وإذا لم يكن التشديد قد كان له متقدما لم يكن للترخيص وجه، إذ كان المفهوم من الترخيص إنما هو بعد التشديد. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن حكم قوله: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ناسخ لحكم قوله: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا، وقد بينا في كتابنا لطيف البيان عن أصول الاحكام أن كل خبر من الله وعد فيه عباده على عمل ثوابا وجزاء، وعلى تركه عقابا وعذابا، وإن لم يكن خارجا ظاهره مخرج الامر، ففي معنى الامر بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. واختلفت القراء في قراءة قوله: وعلم أن فيكم ضعفا فقرأه بعض المدنيين وبعض البصريين: وعلم أن فيكم ضعفا بضم الضاد في جميع القرآن وتنوين الضعف على المصدر من ضعف الرجل ضعفا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: وعلم أن فيكم ضعفا بفتح الضاد على المصدر أيضا من ضعف. وقرأه بعض المدنيين: ضعفاء على تقدير فعلاء، جمع ضعيف على ضعفاء كما يجمع الشريك شركاء والرحيم رحماء. وأولى القراءة في ذلك بالصواب قراءة من قرأه: وعلم أن فيكم ضعفا وضعفا، بفتح الضاد أو ضمها، لانهما القراءتان المعروفتان، وهما لغتان مشهورتان في كلام العرب فصيحتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب الصواب. فأما قراءة من قرأ ذلك: ضعفاء فإنها عن قراءة القراء شاذة، وإن كان لها في الصحة مخرج، فلا أحب لقارئ القراءة بها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) *. يقول تعالى ذكره: ما كان لنبي أن يحتبس كافرا قدر عليه وصار في يده من عبدة الاوثان للفداء أو للمن. والاسر في كلام العرب: الحبس، يقال منه: مأسور، يراد به: محبوس، ومسموع منهم: أناله لله أسرا. وإنما قال الله جل ثناؤه لنبيه محمد (ص) يعرفه أن قتل المشركين الذين أسرهم (ص) يوم بدر ثم فادى بهم كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.
[ 55 ]
وقوله: حتى يثخن في الارض يقول: حتى يبالغ في قتل المشركين فيها، ويقهرهم غلبة وقسرا، يقال منه: أثخن فلان في هذا الامر إذا بالغ فيه، وحكي أثخنته معرفة، بمعنى: قتلته معرفة. تريدون: يقول للمؤمنين من أصحاب رسول الله (ص): تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأسركم المشركين، وهو ما عرض للمرء منها من مال ومتاع، يقول: تريدون بأخذكم الفداء من المشركين متاع الدنيا وطعمها. والله يريد الآخرة يقول: والله يريد لكم زينة الآخرة، وما أعد للمؤمنين وأهل ولايته في جناته بقتلكم إياهم وإثخانكم في الارض، يقول لهم: واطلبوا ما يريد الله لكم وله اعملوا لا ما تدعوكم إليه أهواء أنفسكم من الرغبة في الدنيا وأسبابها. والله عزير يقول: إن أنتم أردتم الآخرة لم يغلبكم عدو لكم، لان الله عزيز لا يقهر ولا يغلب، وإنه حكيم في تدبيره أمره خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12648 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم، أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الاسارى: فإما منا بعد وإما فداء فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الاسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم. 12649 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا... الآية، قال: أراد أصحاب نبي الله (ص) يوم بدر الفداء، ففادوهم بأربعة آلاف، ولعمري ما كان أثخن رسول الله (ص) يومئذ وكان أول قتال قاتله المشركين. 12650 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، قال: الاثخان: القتل. 12651 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا شريك، عن الاعمش،
[ 56 ]
عن سعيد بن جبير، في قوله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض قال: إذا أسرتموهم فلا تفادوهم حتى تثخنوا فيهم القتل. قال: 12652 - حدثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: ما كان لنبي أن يكون له أسرى... الآية، نزلت الرخصة بعد، إن شئت فمن وإن شئت ففاد. 12653 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض يعني: الذين أسروا ببدر. 12654 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ما كان لنبي أن يكون له أسرى من من عدوه. حتى يثخن في الارض: أي يثخن عدوه، حتى ينفيهم من الارض. تريدون عرض الدنيا: أي المتاع والفداء بأخذ الرجال. والله يريد الآخرة بقتلهم لظهور الدين الذي يريدون إطفاءه، الذي به تدرك الآخرة. 12655 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: لما كان يوم بدر وجئ بالاسرى، قال رسول الله (ص): ما تقولون في هؤلاء الاسرى ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم، لعل الله أن يتوب عليهم وقال عمر: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك، قدمهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا قال: فقال له العباس: قطعت رحمك. قال: فسكت رسول الله (ص) فلم يجبهم، ثم دخل فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. ثم خرج عليهم رسول الله (ص)، فقال: إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، قال: من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى، قال: إن تعذبهم فإنهم عبادك... الآية، ومثلك يا عمر مثل نوح قال: رب لا تذر على الارض
[ 57 ]
من الكافرين ديارا، ومثلك يا ابن رواحة كمثل موسى، قال: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم. قال رسول الله (ص): أنتم اليوم عالة، فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء، فإني سمعته يذكر الاسلام فسكت رسول الله (ص)، فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم، حتى قال رسول الله (ص): إلا سهيل بن بيضاء قال: فأنزل الله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض... إلى آخر الثلاث الآيات. 12656 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: ثنا أبو زميل، قال: ثني عبد الله بن عباس، قال: لما أسروا الاسارى يعني يوم بدر قال رسول الله (ص): أين أبو بكر وعمر وعلي ؟ قال: ما ترون في الاسارى ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة، وأرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للاسلام. فقال رسول الله (ص): ما ترى يا ابن الخطاب ؟ فقال: لا والذي لا إله إلا هو ما أرى الذي رأى أبو بكر يا نبي الله، ولكن أرى أن تمكننا منهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوي رسول الله (ص) ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت. قال عمر: فلما كان من الغد حئت إلى رسول الله (ص)، فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شئ تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت فقال رسول الله (ص): أبكي للذي عرض لاصحابي من أخذهم الفداء، ولقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من رسول الله (ص) فأنزل الله عز وجل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في
[ 58 ]
الارض... إلى قوله: حلالا طيبا وأحل الله الغنيمة لهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) *. يقول تعالى ذكره لاهل بدر الذين غنموا وأخذوا من الاسرى الفداء: لولا كتاب من الله سبق يقول: لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ بأن الله محل لكم الغنيمة، وأن الله قضى فيما قضى أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، وأنه لا يعذب أحدا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسول الله (ص) ناصرا دين الله لنالكم من الله بأخذكم الغنيمة والفداء عذاب عظيم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12657 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: لولا كتاب من الله سبق... الآية، قال: إن الله كان مطعم هذه الامة الغنيمة، وإنهم أخذوا الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤمروا به. قال: فعاب الله ذلك عليهم، ثم أحله الله. 12658 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن، في قول الله: لولا كتاب من الله سبق... الآية، وذلك يوم بدر، أخذ أصحاب النبي (ص) المغانم والاسارى قبل أن يؤمروا به، وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أم الكتاب المغانم والاسارى حلال لمحمد وأمته، ولم يكن أحله لامة قبلهم. وأخذوا المغانم، وأسروا الاسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك، قال الله: لولا كتاب من الله سبق يعني في الكتاب الاول أن المغانم والاساري حلال لكم لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. 12659 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لولا كتاب من الله سبق... الآية، وكانت الغنائم قبل أن يبعث النبي (ص) في الامم إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان، وحرم الله عليهم أن يأكلوا منه
[ 59 ]
قليلا أو كثيرا، حرم ذلك على كل نبي وعلى أمته، فكانوا لا يأكلون منه ولا يغلون منه ولا يأخذون منه قليلا ولا كثيرا إلا عذبهم الله عليه. وكان الله حرمه عليهم تحريما شديدا، فلم يحله لنبي إلا لمحمد (ص). وكان قد سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولامته حلال، فذلك قوله يوم بدر في أخذ الفداء من الاسارى: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. 12660 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن عروة، عن الحسن: لولا كتاب من الله سبق قال: إن الله كان معطي هذه الامة الغنيمة، وفعلوا الذي فعلوا قبل أن تحل الغنيمة. 12661 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمرة قال: قال الاعمش، في قوله: لولا كتاب من الله سبق قال: سبق من الله أن أحل لهم الغنيمة. 12662 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بشير بن ميمون، قال: سمعت سعيدا يحدث عن أبي هريرة، قال: قرأ هذه الآية: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم قال: يعني: لولا أنه سبق في علمي أني سأحل الغنائم، لمسكم فيما أخذتم من الاسارى عذاب عظيم. 12663 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، وأبو معاوية، بنحوه، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): ما أحلت الغنائم لاحد سود الرؤوس من قبلكم، كانت تنزل نار من السماء وتأكلها، حتى كان يوم بدر، فوقع الناس في الغنائم، فأنزل الله لولا كتاب من الله سبق لمسكم... حتى بلغ حلالا طيبا. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي
[ 60 ]
هريرة، عن النبي (ص)، بنحوه، قال: فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم. 12664 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين، فقال رسول الله (ص): اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء فتقووا به على عدوكم، وإن قبلتموه قتل منكم سبعون، أو تقتلوهم فقالوا: بل نأخذ الفدية منهم، وقتل منهم سبعون. قال عبيدة: وطلبوا الخيرتين كلتيهما. 12665 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: كان فداء أسارى بدر: مئة أوقية والاوقية أربعون درهما ومن الدنانير: ستة دنانير. 12666 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، أنه قال في أسارى بدر: قال رسول الله (ص): إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم فقالوا: بلى، نأخذ الفداء فتستمتع به ويستشهد منا بعدتهم. 12667 - حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا همام بن يحيى، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال: أمر عمر رضي الله عنه بقتل الاسارى، فأنزل الله: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. 12668 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لولا كتاب من الله سبق قال: كان المغنم محرما على كل نبي وأمته، وكانوا إذا غنموا يجعلون المغنم لله قربانا تأكله النار، وكان سبق في قضاء الله وعلمه أن يحل المغنم لهذه الامة يأكلون في بطونهم.
[ 61 ]
12669 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء في قول الله: لولا كتاب من الله سبق لمسكم قال: كان في علم لله أن تحل لهم الغنائم، فقال: لولا كتاب من الله سبق بأنه أحل لكم الغنائم، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. وقال آخرون: معنى ذلك: لولا كتاب من الله سبق لاهل بدر أنه لا يعذبهم لمسهم عذاب عظيم. ذكر من قال ذلك: 12670 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: لولا كتاب من الله سبق قال: لاهل بدر من السعادة. 12671 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لولا كتاب من الله سبق لاهل بدر مشهدهم. 12672 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: لولا كتاب من الله سبق قال: سبق من الله خير لاهل بدر. 12673 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم كان سبق لهم من الله خير، وأحل لهم الغنائم. * - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن: لولا كتاب من الله سبق قال: سبق أن لا يعذب أحدا من أهل بدر. * - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لولا كتاب من الله سبق لاهل بدر ومشهدهم إياه. 12674 - حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم لمسكم فيما أخذتم من الغنائم يوم بدر قبل أن أحلها لكم. فقال: سبق من الله العفو عنهم، والرحمة لهم سبق أن لا يعذب المؤمنين، لانه لا يعذب رسوله ومن آمن به وهاجر معه ونصره. وقال آخرون: معنى ذلك: لولا كتاب من الله سبق أن لا يؤاخذ أحدا بفعل أتاه على
[ 62 ]
جهالة، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. ذكر من قال ذلك: 12675 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: لولا كتاب من الله سبق لاهل بدر ومشهدهم إياه، قال: كتاب سبق لقوله: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون سبق ذلك وسبق أن لا يؤاخذ قوما فعلوا شيئا بجهالة. لمسكم فيما أخذتم قال ابن جريج: قال ابن عباس: فيما أخذتم مما أسرتم. ثم قال بعد: فكلوا مما غنمتم. 12676 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: عاتبه في الاسارى وأخذ الغنائم، ولم يكن أحد قبله من الانبياء يأكل مغنما من عدو له. 12677 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد، قال: ثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله (ص): نصرت بالرعب وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا، وأعطيت جوامع الكلم، وأحلت لي المغانم ولم تحل لنبي كان قبلي، وأعطيت الشفاعة، خمس لم يؤتهن نبي كان قبلي. قال محمد: فقال: ما كان لنبي أي قبلك أن يكون له أسرى... إلى قوله: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم أي من الاسارى والمغانم. عذاب عظيم: أي لولا أنه سبق مني أن لا أعذب إلا بعد النهي ولم أكن نهيتكم لعذبتكم فيما صنعتم، ثم أحلها له ولهم رحمة ونعمة وعائدة من الرحمن الرحيم. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك بالصواب ما قد بيناه قبل، وذلك أن قوله: لولا كتاب من الله سبق خبر عام غير محصور على معنى دون معنى. وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت مما قد سبق في كتاب الله أنه لا يؤاخذ بشئ منها هذه الامة، وذلك ما عملوا من عمل بجهالة، وإحلال الغنيمة والمغفرة لاهل بدر، وكل ذلك مما كتب لهم. وإذ كان ذلك كذلك فلا وجه لان يخص من ذلك معنى دون معنى، وقد عم الله الخبر بكل ذلك بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه. 12678 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: لم يكن من
[ 63 ]
المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب، جعل لا يلقي أسيرا إلا ضرب عنقه، وقال: يا رسول الله مالنا وللغنائم، نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يعبد الله فقال رسول الله (ص): لو عذبنا في هذا الامر يا عمر ما نجا غيرك. قال الله: لا تعودوا تستحلون قبل أن أحل لكم. 12679 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: لما نزلت: لولا كتاب من الله سبق... الآية، قال رسول الله (ص): لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله: يا نبي الله كان الاثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال. القول في تأويل قوله تعالى: * (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أهل بدر: فكلوا أيها المؤمنون مما غنمتم من أموال المشركين حلالا بإحلاله لكم طيبا. واتقوا الله يقول: وخافوا الله أن تعودوا أن تفعلوا في دينكم شيئا بعد هذه من قبل أن يعهد فيه إليكم، كما فعلتم في أخذ الفداء وأكل الغنيمة وأخذتموهما من قبل أن يحلا لكم. إن الله غفور رحيم وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، وتأويل الكلام: فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا، إن الله غفور رحيم، واتقوا الله. ويعني بقوله: إن الله غفور لذنوب أهل الايمان من عباده، رحيم بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا أيها النبي قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يقول: إن يعلم الله في قلوبكم إسلاما يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفداء. ويغفر لكم يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جرمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبي الله وأصحابه وكفركم بالله. والله غفور لذنوب عباده إذا تابوا، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. وذكر أن العباس بن عبد المطلب كان يقول: في نزلت هذه الآية. ذكر من قال ذلك: 12680 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن ابن أبي
[ 64 ]
نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال العباس: في نزلت: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض، فأخبرت النبي (ص) بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الاوقية التي أخذ مني فأبى، فأبدلني الله بها عشرين عبدا كلهم تاجر، مالي في يديه. * - وقد حدثنا بهذا الحديث ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال محمد، ثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رباب، قال: كان العباس بن عبد المطلب يقول: في والله نزلت حين ذكرت لرسول الله (ص) إسلامي. ثم ذكر نحو حديث ابن وكيع. 12681 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قل لمن في أيديكم من الاسرى... الآية، قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا، وقد توضأ لصلاة الظهر، فما أعطى يومئذ شاكيا ولا حرم سائلا وما صلى يومئذ حتى فرقه، وأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي، فأخذ. قال: وكان العباس يقول: هذا خير مما أخذ منا وأرجو المغفرة. 12682 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى... الآية، وكان العباس أسر يوم بدر، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب، فقال العباس حين نزلت هذه الآية: لقد أعطاني الله خصلتين ما أحب أن لي بهما الدنيا: أني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية، فأتاني أربعين عبدا وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله. 12683 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى... إلى قوله: والله غفور رحيم يعني بذلك من أسر يوم بدر، يقول: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لرسولي، آتيتكم خيرا مما أخذ منكم وغفرت لكم.
[ 65 ]
12684 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى عباس وأصحابه، قال: قالوا للنبي (ص): آمنا بما جئت به، ونشهد أنك لرسول الله، لننصحن لك على قومنا فنزل: إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم إيمانا وتصديقا، يخلف لكم خيرا مما أصيب منكم، ويغفر لكم الشرك الذي كنتم عليه. قال: فكان العباس يقول: ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي الدنيا، لقد قال: يؤتكم خيرا مما أخذ منكم فقد أعطاني خيرا مما أخذ مني مئة ضعف، وقال: ويغفر لكم وأرجو أن يكون قد غفر لي. 12685 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى... الآية، يعني العباس وأصحابه أسروا يوم بدر، يقول الله: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي أعطيتكم خيرا مما أخذ منكم وغفرت لكم. وكان العباس بن عبد المطلب يقول: لقد أعطانا الله خصلتين ما شئ هو أفضل منهما: عشرين عبدا. وأما الثانية: فنحن في موعود الصادق، ننتظر المغفرة من الله سبحانه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن يرد هؤلاء الاسارى الذين في أيديكم خيانتك: أي الغدر بك والمكر والخداع، بإظهارهم لك بالقول خلاف ما في نفوسهم، فقد خانوا الله من قبل يقول: فقد خالفوا أمر الله ممن قبل وقعة بدر، وأمكن منهم ببدر المؤمنين. والله عليم بما يقولون بألسنتهم ويضمرونه في نفوسهم، حكيم في تدبيرهم وتدبير أمور خلقه سواهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12686 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن
[ 66 ]
عطاء الخراساني، عن ابن عباس: وإن يريدوا خيانتك يعني: العباس وأصحابه في قولهم: آمنا بما جئت به، ونشهد أنك رسول الله، لننصحن لك على قومنا يقول: إن كان قولهم خيانة فقد خانوا الله من قبل، فأمكن منهم يقول: قد كفروا وقاتلوك، فأمكنك الله منهم. 12687 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن يريدوا خيانتك... الآية. قال: ذكر لنا أن رجلا كتب لنبي الله (ص)، ثم عمد فنافق، فلحق بالمشركين بمكة، ثم قال: ما كان محمد يكتب إلا ما شئت فلما سمع ذلك رجل من الانصار، نذر لئن أمكنه الله منه ليضربنه بالسيف. فلما كان يوم الفتح أمن رسول الله (ص) الناس إلا عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ومقيس بن صبابة، وابن خطل، وامرأة كانت تدعو على النبي (ص) كل صباح. فجاء عثمان بابن أبي سرح، وكان رضيعه أو أخاه من الرضاعة، فقال: يا رسول الله هذا فلان أقبل تائبا نادما، فأعرض نبي الله (ص). فلما سمع به الانصاري أقبل متقلدا سيفه، فأطاف به، وجعل ينظر إلى رسول الله (ص) رجاء أن يومئ إليه. ثم إن رسول الله (ص) قدم يده فبايعه، فقال: أما والله لقد تلومتك فيه لتوفي نذرك، فقال: يا نبي الله إني هبتك، فلولا أومضت إلي فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن يومض. 12688 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم يقول: قد كفروا بالله ونقضوا عهده، فأمكن منهم ببدر. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله. وهاجروا يعني: هجروا قومهم
[ 67 ]
وعشيرتهم ودورهم، يعني: تركوهم وخرجوا عنهم، وهجرهم قومهم وعشيرتهم. وجاهدوا في سبيل الله يقول: بالغوا في إتعاب نفوسهم وإنصابها في حرب أعداء الله من الكفار في سبيل الله، يقول في دين الله الذي جعله طريقا إلى رحمته والنجاة من عذابه. والذين آووا ونصروا يقول: والذين آووا رسول الله والمهاجرين معه يعني أنهم جعلوا لهم مأوى يأوون إليه، وهو المثوى والمسكن، يقول: أسكنوهم وجعلوا لهم من منازلهم مساكن، إذ أخرجهم قومهم من منازلهم ونصروا يقول: ونصروهم على أعدائهم وأعداء الله من المشركين. أولئك بعضهم أولياء بعض يقول: هاتان الفرقتان، يعني المهاجرين والانصار، بعضهم أنصار بعض، وأعوان على من سواهم من المشركين، وأيديهم واحدة على من كفر بالله، وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار. وقد قيل: إنما عنى بذلك أن بعضهم أولى بميراث بعض، وأن الله ورث بعضهم من بعض بالهجرة والنصرة دون القرابة والارحام، وأن الله نسخ ذلك بعد بقوله: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. ذكر من قال ذلك: 12689 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض يعني في الميراث. جعل الميراث للمهاجرين والانصار دون ذوي الارحام، قال الله: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا يقول: ما لكم من ميراثهم من شئ، وكانوا يعملون بذلك، حتى أنزل الله هذه الآية: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله في الميراث، فنسخت التي قلبها، وصار الميراث لذوي الارحام. 12690 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يقول: لا هجرة بعد الفتح، إنما هو الشهادة بعد ذلك والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض... إلى قوله: حتى يهاجروا وذلك أن المؤمنين كانوا على
[ 68 ]
عهد رسول الله (ص) على ثلاث منازل. منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم، وآووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة، وشهروا السيوف على من كذب وجحد، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض، فكانوا يتوارثون بينهم إذا توفي المؤمن المهاجر ورثه الانصاري بالولاية في الدين، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر. فبرأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال الله: ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وكان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي (ص) ميثاق، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذين لا ميثاق لهم. ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا بقوله: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم، وبقوله: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض. 12691 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الثلاث الآيات خواتيم الانفال فيهن ذكر ما كان من ولاية رسول الله (ص) بين مهاجري المسلمين وبين الانصار في الميراث، ثم نسخ ذلك آخرها: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم. 12692 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، قوله: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا... إلى قوله: بما تعملون بصير قال: بلغنا أنها كانت في الميراث لا يتوارث المؤمنون الذين هاجروا والمؤمنون الذين لم يهاجروا، قال: ثم نزل بعد: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم فتوارثوا ولم يهاجروا. قال ابن جريج، قال مجاهد: خواتيم الانفال الثلاث الآيات فيهن ذكر ما كان والي رسول الله (ص) بين المهاجرين المسلمين وبين الانصار في الميراث، ثم نسخ ذلك آخرها: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.
[ 69 ]
12693 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا... إلى قوله: ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا قال: لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة، والاعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئا، فنسخ ذلك بعد ذلك قول الله: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا أي من أهل الشرك. فأجيزت الوصية، ولا ميراث لهم، وصارت المواريث بالملل، والمسلمون يرث بعضهم بعضا من المهاجرين والمؤمنين، ولا يرث أهل ملتين. 12694 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسن، عن يزيد، عن عكرمة والحسن، قالا: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله... إلى قوله: ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا كان الاعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجر، فنسخها فقال: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم. 12695 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض في الميراث، والذين آمنوا ولم يهاجروا وهؤلاء الاعراب، ما لكم من ولايتهم من شئ في الميراث، وإن استنصروكم في الدين يقول بأنهم مسلمون، فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق. والذين كفروا بعضهم أولياء بعض في الميراث، والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم الذين توارثوا على الهجرة في كتاب الله، ثم نسختها الفرائض والمواريث، فتوارث الاعراب والمهاجرون. القول في تأويل قوله تعالى: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير. يعني بقوله تعالى ذكره: والذين آمنوا الذين صدقوا بالله ورسوله، ولم
[ 70 ]
يهاجروا قومهم الكفار، ولم يفارقوا دار الكفر إلى دار الاسلام. ما لكم أيها المؤمنون بالله ورسوله المهاجرون قومهم المشركين وأرض الحرب، من ولايتهم يعني: من نصرتهم وميراثهم. وقد ذكرت قول بعض من قال: معنى الولاية ههنا الميراث، وسأذكر إن شاء الله من حضرني ذكره بعد. من شئ حتى يهاجروا قومهم ودورهم من دار الحرب إلى دار الاسلام. وإن استنصروكم في الدين يقول: إن استنصركم هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا في الدين، يعني بأنهم من أهل دينكم على أعدائكم وأعدائهم من المشركين، فعليكم أيها المؤمنون من المهاجرين والانصار النصر، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق، يعني عهد قد وثق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه. والله بما تعملون بصير يقول: والله بما تعملون فيما أمركم ونهاكم من ولاية بعضكم بعضا أيها المهاجرون والانصار، وترك ولاية من آمن ولم يهاجر، ونصرتكم إياهم عند استنصاركم في الدين، وغير ذلك من فرائض الله التي فرضها عليكم. بصير يراه ويبصره، فلا يخفى عليه من ذلك ولا من غيره شئ. 12696 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا قال: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، وآخى النبي (ص) بينهم، فكانوا يتوارثون بالاسلام والهجرة، وكان الرجل يسلم ولا يهاجر لا يرث أخاه، فنسخ ذلك قوله: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين. 12697 - حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن النبي (ص) أخذ على رجل دخل في الاسلام، فقال: تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، وأنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت حرب. 12698 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وإن استنصروكم في الدين يعني: إن استنصركم الاعراب المسلمون أيها المهاجرون والانصار على عدوهم فعليكم أن تنصروهم. إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق. 12699 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال:
[ 71 ]
قال ابن عباس: ترك النبي (ص) الناس يوم توفي على أربع منازل: مؤمن مهاجر، والانصار، وأعرابي مؤمن لم يهاجر إن استنصره النبي (ص) نصره وإن تركه فهو إذن له وإن استنصر النبي (ص) في الدين كان حقا عليه أن ينصره، فذلك قوله: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر. والرابعة: التابعون بإحسان. 12700 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إن الذين آمنوا وهاجروا... إلى آخر السورة، قال: إن رسول الله (ص) توفي وترك الناس على أربع منازل: مؤمن مهاجر، ومسلم أعرابي، والذين آووا ونصروا، والتابعون بإحسان. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير) *. يقول تعالى ذكره: والذين كفروا بالله ورسوله، بعضهم أولياء بعض يقول: بعضهم أعوان بعض وأنصاره، وأحق به من المؤمنين بالله ورسوله. وقد ذكرنا قول من قال: عنى بيان أن بعضهم أحق بميراث بعض من قرابتهم من المؤمنين، وسنذكر بقية من حضرنا ذكره. 12701 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، قال: قال رجل: نورث أرحامنا من المشركين فنزلت: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض... الآية. 12702 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير نزلت في مواريث مشركي أهل العهد. 12703 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا... إلى قوله:
[ 72 ]
وفساد كبير قال: كان المؤمن المهاجر، والمؤمن الذي ليس بمهاجر لا يتوارثان وإن كانا أخوين مؤمنين. قال: وذلك لان هذا الدين كان بهذا البلد قليلا حتى كان يوم الفتح فلما كان يوم الفتح وانقطعت الهجرة توارثوا حيثما كانوا بالارحام، وقال النبي (ص): لا هجرة بعد الفتح. وقرأ: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. وقال آخرون: معنى ذلك: إن الكفار بعضهم أنصار بعض وإنه لا يكون مؤمنا من كان مقيما بدار الحرب ولم يهاجر. ذكر من قال ذلك: 12704 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض قال: كان ينزل الرجل بين المسلمين والمشركين فيقول: إن ظهر هؤلاء كنت معهم، وإن ظهر هؤلاء كنت معهم. فأبى الله عليهم ذلك، وأنزل الله في ذلك فلا تراءى نار مسلم ونار مشرك إلا صاحب جزية مقرا بالخراج. 12705 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حض الله المؤمنين على التواصل، فجعل المهاجرين والانصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض. وأما قوله: إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: إلا تفعلوا أيها المؤمنون ما أمرتم به من موارثة المهاجرين منكم بعضهم من بعض بالهجرة والانصار بالايمان دون أقربائهم من أعراب المسلمين ودون الكفار تكن فتنة يقول: يحدث بلاء في الارض بسبب ذلك، وفساد كبير يعني: ومعاصي الله. ذكر من قال ذلك: 12706 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير إلا تفعلوا هذا تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون، تكن فتنة في الارض وفساد كبير. قال: ولم يكن رسول الله (ص) يقبل الايمان إلا بالهجرة، ولا يجعلونهم منهم إلا بالهجرة. 12707 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض يعني في الميراث. إلا تفعلوه يقول: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به. تكن فتنة في الارض وفساد كبير.
[ 73 ]
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا تناصروا أيها المؤمنون في الدين تكن فتنة في الارض وفساد كبير. ذكر من قال ذلك: 12708 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: جعل المهاجرين والانصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض، ثم قال: إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير أن يتولى المؤمن الكافر دون المؤمن. ثم رد المواريث إلى الارحام. 12709 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير قال: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين، تكن فتنة في الارض وفساد كبير. قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل قوله: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض قول من قال: معناه: أن بعضهم أنصار بعض دون المؤمنين، وأنه دلالة على تحريم الله على المؤمن المقام في دار الحرب وترك الهجرة لان المعروف في كلام العرب من معنى الولي أنه النصير والمعين أو ابن العم والنسيب. فأما الوارث فغير معروف ذلك من معانيه إلا بمعنى أنه يليه في القيام بإرثه من بعده، وذلك معنى بعيد وإن كان قد يحتمله الكلام. وتوجيه معنى كلام الله إلى الاظهر الاشهر، أولى من توجيهه إلى خلاف ذلك. وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن أولى التأويلين بقوله: إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير تأويل من قال: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التعاون والنصرة على الدين تكن فتنة في الارض، إذ كان متبدأ الآية من قوله: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله بالحث على الموالاة على الدين والتناصر جاء، وكذلك الواجب أن يكون خاتمتها به. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم) *. يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا آووا رسول الله (ص) والمهاجرين معه ونصروهم ونصروا دين الله، أولئك هم أهل الايمان بالله ورسوله حقا، لا من آمن ولم يهاجر دار الشرك وأقام بين أظهر أهل الشرك ولم
[ 74 ]
يغز مع المسلمين عدوهم. لهم مغفرة يقول: لهم ستر من الله على ذنوبهم بعفوه لهم عنها، ورزق كريم يقول: لهم في الجنة طعم ومشرب هني كريم، لا يتغير في أجوافهم فيصير نجوا، ولكنه يصير رشحا كرشح المسك. وهذه الآية تنبئ عن صحة ما قلنا أن معنى قول الله: بعضهم أولياء بعض في هذه الآية، وقوله: ما لكم من ولايتهم من شئ إنما هو النصرة والمعونة دون الميراث لانه جل ثناؤه عقب ذلك بالثناء على المهاجرين والانصار والخبر عما لهم عنده دون من لم يهاجر بقوله: والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا... الآية، ولو كان مرادا بالآيات قبل ذلك الدلالة على حكم ميراثهم لم يكن عقيب ذلك إلا الحث على مضي الميراث على ما أمر، وفي صحة ذلك كذلك الدليل الواضح على أن لا ناسخ في هذه الآيات لشئ ولا منسوخ. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم) *. يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا بالله ورسوله من بعد تبياني ما بينت من ولاية المهاجرين والانصار بعضهم بعضا وانقطاع ولايتهم ممن آمن ولم يهاجر حتى يهاجر وهاجروا دار الكفر إلى دار الاسلام وجاهدوا معكم أيها المؤمنون، فأولئك منكم في الولاية يجب عليكم لهم من الحق والنصرة في الدين والموارثة مثل الذي يجب لكم عليهم ولبعضكم على بعض. كما: 12710 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم رد المواريث إلى الارحام التي بينها فقال: والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله أي في الميراث، إن الله بكل شئ عليم. القول في تأويل قوله تعالى: وألوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم. يقول تعالى ذكره: والمتناسبون بالارحام بعضهم أولى ببعض في الميراث، إذا كانوا ممن قسم الله له منه نصيبا وحظا من الحليف والولي، في كتاب الله يقول: في حكم الله الذي كتبه في اللوح المحفوظ والسابق من القضاء. إن الله بكل شئ عليم يقول: إن
[ 75 ]
الله عالم بما يصلح عباده في توريثه بعضهم من بعض في القرابة والنسب دون الحلف بالعقد، وبغير ذلك من الامور كلها، لا يخفى عليه شئ منها. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12711 - حدثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: ثنا أبي، قال: ثنا قتادة أنه قال: كان لا يرث الاعرابي المهاجر حتى أنزل الله: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. 12712 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا معاذ بن معاذ، قال: ثنا ابن عون، عن عيسى بن الحرث، أن أخاه شريح بن الحرث كانت له سرية فولدت منه جارية، فلما شبت الجارية زوجت، فولدت غلاما، ثم ماتت السرية، واختصم شريح بن الحرث والغلام إلى شريح القاضي في ميراثها، فجعل شريح بن الحرث يقول: ليس له ميراث في كتاب الله. قال: فقضى شريح بالميراث للغلام. قال: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فركب ميسرة بن يزيد إلى ابن الزبير، وأخبره بقضاء شريح وقوله، فكتب ابن الزبير إلى شريح أن ميسرة أخبرني أنك قضيت بكذا وكذا وقلت: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وإنه ليس كذلك، إنما نزلت هذه الآية: أن الرجل كان يعاقد الرجل يقول: ترثني وأرثك، فنزلت: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. فجاء بالكتاب إلى شريح، فقال شريح: أعتقها جنين بطنها وأبى أن يرجع عن قضائه. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، قال: ثني عيسى بن الحرث، قال: كانت لشريح بن الحرث سرية، فذكر نحوه، إلا أنه قال في حديثه: كان الرجل يعاقد الرجل يقول: ترثني وأرثك فلما نزلت ترك ذلك.
[ 76 ]
سورة التوبة مدنية وآياتها تسع وعشرون ومائة القول في تفسير السورة التي يذكر فيها التوبة. * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ئ فسيحوا في الارض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين) *. يعني بقوله جل ثناؤه: براءة من الله ورسوله هذه براءة من الله ورسوله. فبراءة مرفوعة بمحذوف، وهو هذه، كما في قوله: سورة أنزلناها مرفوعة بمحذوف هو هذه، ولو قال قائل: براءة مرفوعة بالعائد من ذكرها في قوله: إلى الذين عاهدتم وجعلها كالمعرفة ترفع ما بعدها، إذ كانت قد صارت بصلتها وهي قوله: من الله ورسوله كالمعرفة، وصار معنى الكلام: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين كان مذهبا غير مدفوعة صحته، وإن كان القول الاول أعجب إلي، لان من شأن العرب أن يضمروا لكل معاين نكرة كان أو معرفة ذلك المعاين، هذا وهذه، فيقولون عند معاينتهم الشئ الحسن: حسن والله، والقبيح: قبيح والله، يريدون: هذا حسن والله، وهذا قبيح والله فلذلك اخترت القول الاول. وقال: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم والمعنى: إلى الذين عاهد رسول الله (ص) من المشركين لان العهود بين المسلمين والمشركين على عهد رسول الله (ص) لم يكن يتولى عقدها إلا رسول الله (ص) أو من يعقدها بأمره، ولكنه خاطب المؤمنين بذلك لعلمهم بمعناه، وأن عقود النبي (ص) على أمته كانت عقودهم، لانهم كانوا لكل أفعاله فيهم راضين، ولعقوده عليهم مسلمين، فصار عقده عليهم كعقودهم على أنفسهم، فلذلك قال: إلى الذين عاهدتم من المشركين لما كان من عقد رسول الله (ص) وعهده.
[ 77 ]
وقد اختلف أهل التأويل فيمن برئ الله ورسوله إليه من العهد الذي كان بينه وبين رسول الله من المشركين فأذن له في السياحة في الارض أربعة أشهر، فقال بعضهم: صنفان من المشركين: أحدهما: كانت مدة العهد بينه وبين رسول الله (ص) أقل من أربعة أشهر، وأمهل بالسياحة أربعة أشهر، والآخر منهما كانت مدة عهده بغير أجل محدود فقصر به على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه، ثم هو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيثما أدرك ويؤسر إلا أن يتوب. ذكر من قال ذلك: 12713 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بعث رسول الله (ص) أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرا على الحاج من سنة تسع ليقيم للناس حجهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم. فخرج أبو بكر ومن معه من المسلمين، ونزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله (ص) وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم: أن لا يصد عن البيت أحد جاءه، وأن لا يخاف أحد في الشهر الحرام. وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين الناس من أهل الشرك، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله (ص) وبين قبائل من العرب خصائص إلى أجل مسمى، فنزلت فيه وفيمن تخلف عنه من المنافقين في تبوك وفي قول من قال منهم، فكشف الله فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون، منهم من سمي لنا، ومنهم من لم يسم لنا، فقال: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين أي لاهل العهد العام من أهل الشرك من العرب، فسيحوا في الارض أربعة أشهر... إلى قوله: أن الله برئ من المشركين ورسوله أي بعد هذه الحجة. وقال آخرون: بل كان إمهال الله عز وجل بسياحة أربعة أشهر من كان من المشركين بينه وبين رسول الله (ص) عهد، فأما من لم يكن له من رسول الله عهد فإنما كان أجله خمسين ليلة، وذلك عشرون من ذي الحجة والمحرم كله. قالوا: وإنما كان ذلك كذلك، لان أجل الذين لا عهد لهم كان إلى انسلاخ الاشهر الحرم، كما قال الله: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم... الآية، قالوا: والنداء ببراءة كان يوم الحج الاكبر، وذلك يوم النحر في قول قوم وفي قول آخرين: يوم عرفة، وذلك خمسون يوما. قالوا: وأما تأجيل الاشهر الاربعة، فإنما كان لاهل العهد بينهم وبين رسول الله (ص) من يوم نزلت براءة. قالوا: ونزلت في أول شوال، فكان انقضاء مدة أجلهم انسلاخ الاشهر الحرم.
[ 78 ]
وقد كان بعض من يقول هذه المقالة يقول: ابتداء التأجيل كان للفريقين واحدا، أعني الذي له العهد والذي لا عهد له غير أن أجل الذي كان له عهد كان أربعة أشهر، والذي لا عهد له: انسلاخ الاشهر الحرم، وذلك انقضاء المحرم. ذكر من قال ذلك: 12714 - حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر قال: حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون فيها حيثما شاءوا، وحد أجل من ليس له عهد انسلاخ الاشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم، فذلك خمسون ليلة فإذا انسلخ الاشهر الحرم أمره بأن يضع السيف فيمن عاهد. 12715 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لما نزلت براءة من الله... إلى: وأن الله مخزي الكافرين يقول: براءة من المشركين الذين كان لهم عهد، يوم نزلت براءة. فجعل مدة من كان له عهد قبل أن تنزل براءة أربعة أشهر، وأمرهم أن يسيحوا في الارض أربعة أشهر، وجعل مدة المشركين الذين لم يكن لهم عهد قبل أن ينزل براءة انسلاخ الاشهر الحرم، وانسلاخ الاشهر الحرم من يوم أذن ببراءة إلى انسلاخ المحرم وهي خمسون ليلة: عشرون من ذي الحجة، وثلاثون من المحرم. فإذا انسلخ الاشهر الحرم إلى قوله: واقعدوا لهم كل مرصد يقول: لم يبق لاحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة، وانسلخ الاشهر الحرم، ومدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنزل براءة أربعة أشهر من يوم أذن ببراءة إلى عشر من أول ربيع الآخر، فذلك أربعة أشهر. 12716 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين قبل أن تنزل براءة عاهد ناسا من المشركين من أهل مكة وغيرهم، فنزلت براءة من الله إلى كل أحد ممن كان عاهدك من المشركين فإني أنقض العهد الذي بينك
[ 79 ]
وبينهم، فأؤجلهم أربعة أشهر يسيحون حيث شاءوا من الارض آمنين، وأجل من لم يكن بينه وبين النبي (ص) عهد انسلاخ الاشهر الحرم من يوم أذن ببراءة وأذن بها يوم النحر، فكان عشرين من ذي الحجة والمحرم ثلاثين، فذلك خمسون ليلة. فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبين نبي الله (ص) عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الاسلام، وأمر بمن كان له عهد إذا انسلخ أربعة من يوم النحر أن يضع فيهم السيف أيضا يقتلهم حتى يدخلوا في الاسلام. فكانت مدة من لا عهد بينه وبين رسول الله (ص) خمسين ليلة من يوم النحر، ومدة من كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر يخلون من شهر ربيع الآخر. 12717 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: براءة من الله ورسوله... إلى قوله: وبشر الذين كفروا بعذاب أليم قال: ذكر لنا أن عليا نادى بالاذان، وأمر على الحاج أبو بكر رضي الله عنهما، وكان العام الذي حج فيه المسلمون والمشركون، ولم يحج المشركون بعد ذلك العام. قوله: الذين عاهدتم من المشركين... إلى قوله: إلى مدتهم قال: هم مشركو قريش الذين عاهدهم رسول الله (ص) زمن الحديبية، وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر وأمر الله نبيه أن يوفي بعهدهم إلى مدتهم ومن لا عهد له انسلاخ المحرم، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا يقبل منهم إلا ذلك. وقال آخرون: كان ابتداء تأخير المشركين أربعة أشهر، وانقضاء ذلك لجميعهم وقتا واحدا. قالوا: وكان ابتداؤه يوم الحج الاكبر، وانقضاؤه انقضاء عشر من ربيع الآخر. ذكر من قال ذلك: 12718 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين قال: لما نزلت هذه الآية، برئ من عهد كل مشرك، ولم يعاهد بعدها إلا من كان عاهد، وأجرى لكل مدتهم. فسيحوا في الارض أربعة أشهر لمن دخل عهده فيها من عشر ذي الحجة والمحرم، وصفر وشهر ربيع الاول، وعشر من ربيع الآخر. 12719 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، قال: ثنا محمد بن كعب القرظي وغيره، قالوا: بعث رسول الله (ص) أبا بكر أميرا على الموسم سنة
[ 80 ]
تسع، وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بثلاثين أو أربعين آية من براءة، فقرأها على الناس يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الارض، فقرأ عليهم براءة يوم عرفة أجل المشركين عشرين من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الاول، وعشرا من ربيع الآخر، وقرأها عليهم في منازلهم، وقال: لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان. 12720 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فسيحوا في الارض أربعة أشهر عشرون من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع الاول، وعشر من ربيع الآخر كان ذلك عهدهم الذي بينهم. 12721 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: براءة من الله ورسوله إلى أهل العهد: خزاعة، ومدلج، ومن كان له عهد من غيرهم. أقبل رسول الله (ص) من تبوك حين فرغ، فأراد رسول الله (ص) الحج، ثم قال: إنه يحضر المشركون فيطوفون عراة، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك. فأرسل أبا بكر وعليا رضي الله عنهما، فطافا بالناس بذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالمواسم كلها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر، فهي الاشهر المتواليات عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر يخلون من شهر ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم. وآذن الناس كلها بالقتال إلا أن يؤمنوا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين قال: أهل العهد مدلج، والعرب الذين عاهدهم، ومن كان له عهد. قال: أقبل رسول الله (ص) من تبوك حين فرغ منها وأراد الحج، ثم قال: إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك فأرسل أبا بكر وعليا رضي الله عنهما، فطافا بالناس بذي المجاز، وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالموسم كله، وآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر، في الاشهر الحرم المنسلخات المتواليات: عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر يخلون من شهر ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم. وآذان الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا، فآمن الناس أجمعون حينئذ ولم يسح أحد. وقال: حين رجع من الطائف مضى من فوره ذلك، فغزا تبوك بعد إذ جاء إلى المدينة. وقال آخرون ممن قال: ابتداء الاجل لجميع المشركين وانقضاؤه كان واحدا. كان
[ 81 ]
ابتداؤه يوم نزلت براءة، وانقضاؤه انقضاء الاشهر الحرم، وذلك انقضاء المحرم. ذكر من قال ذلك: 12722 - حدثنا محمد بن الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: فسيحوا في الارض أربعة أشهر قال: نزلت في شوال، فهذه الاربعة الاشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة والمحرم. وقال آخرون: إنما كان تأجيل الله الاشهر الاربعة المشركين في السياحة لمن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد مدته أقل من أربعة أشهر، أما من كان له عهد مدته أكثر من أربعة أشهر فإنه أمر (ص) أن يتم له عهده إلى مدته. ذكر من قال ذلك: 12723 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال الكلبي: إنما كانت الاربعة الاشهر لمن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد دون الاربعة الاشهر، فأتم له الاربعة. ومن كان له عهدا أكثر من أربعة أشهر فهو الذي أمر أن يتم له عهده، وقال: أتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم. قال أبو جعفر رحمه الله: وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: الاجل الذي جعله الله لاهل العهد من المشركين وأذن لهم بالسياحة فيه بقوله: فسيحوا في الارض أربعة أشهر إنما هو لاهل العهد الذين ظاهروا على رسول الله (ص) ونقضوا عهدهم قبل انقضاء مدته فأما الذين لم ينقضوا عهدهم ولم يظاهروا عليه، فإن الله جل ثناؤه أمر نبيه (ص) بإتمام العهد بينه وبينهم إلى مدته بقوله: إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين. فإن ظن ظان أن قول الله تعالى ذكره: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم يدل على خلاف ما قلنا في ذلك، إذ كان ذلك ينبئ عن أن الفرض على المؤمنين كان بعد انقضاء الاشهر الحرم قتل كل مشرك، فإن الامر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن الآية التي تتلو ذلك تنبئ عن صحة ما قلنا وفساد ما ظنه من ظن أن انسلاخ الاشهر الحرم كان يبيح قتل كل مشرك كان له عهد من رسول الله (ص) أو لم يكن له منه عهد، وذلك قوله: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم
[ 82 ]
عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين فهؤلاء مشركون، وقد أمر الله نبيه (ص) والمؤمنين بالاستقامة لهم في عهدهم ما استقاموا لهم بترك نقض صلحهم وترك مظاهرة عدوهم عليهم. وبعد: ففي الاخبار المتظاهرة عن رسول الله (ص) أنه حين بعث عليا رضي الله عنه ببراءة إلى أهل العهود بينه وبينهم أمره فيما أمره أن ينادي به فيهم، ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد، فعهده إلى مدته أوضح الدليل على صحة ما قلنا وذلك أن الله لم يأمر نبيه (ص) بنقض عهد قوم كان عاهدهم إلى أجل فاستقاموا على عهده بترك نقضه، وأنه إنما أجل أربعة أشهر من كان قد نقض عهده قبل التأجيل أو من كان له عهد إلى أجل غير محدود، فأما من كان أجل عهده محدودا ولم يجعل بنقضه على نفسه سبيلا، فإن رسول الله (ص) كان بإتمام عهده إلى غاية أجله مأمورا، بذلك بعث مناديه ينادي به في أهل الموسم من العرب. 12724 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا قيس، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: ثني محرر بن أبي هريرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت مع علي رضي الله عنه حين بعثه النبي (ص) ينادي، فكان إذا صحل صوته ناديت، قلت: بأي شئ كنتم تنادون ؟ قال: بأربع: لا يطف بالكعبة عريان، ومن كان له عند رسول الله (ص) عهد فعهده إلى مدته، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا عفان، قال: ثنا قيس بن الربيع، قال: ثنا الشيباني، عن الشعبي، قال: أخبرنا المحرر بن أبي هريرة، عن أبيه، قال: كنت مع علي رضي الله عنه، فذكر نحوه، إلا أنه قال: ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فعهده إلى أجله. وقد حدث بهذا الحديث شعبة، فخالف قيسا في الاجل. * - فحدثني يعقوب بن إبراهيم ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي، عن المحرر بن أبي هريرة، عن أبيه، قال: كنت مع
[ 83 ]
علي حين بعثه رسول الله (ص) ببراءة إلى أهل مكة، فكنت أنادي حتى صحل صوتي، فقلت: بأي شئ كنت تنادي ؟ قال: أمرنا أن ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فأجله إلى أربعة أشهر، فإذا حل الاجل فإن الله برئ من المشركين ورسوله، ولا يطف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك. قال أبو جعفر رحمه الله: وأخشى أن يكون هذا الخبر وهما من ناقله في الاجل، لان الاخبار متظاهرة في الاجل بخلافه مع خلاف قيس شعبة في نفس هذا الحديث على ما بينته. 12725 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن الحرث الاعور عن علي رضي الله عنه، قال: أمرت بأربع: أمرت أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطف رجل بالبيت عريانا، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مسلمة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده. 12726 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع قال: نزلت براءة، فبعث بها رسول الله (ص) أبا بكر، ثم أرسل عليا فأخذها منه. فلما رجع أبو بكر، قال: هل نزل في شئ ؟ قال: لا، ولكني أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي. فانطلق إلى مكة، فقام فيهم بأربع: أن لا يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا، ولا يطف بالكعبة عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي، قال: بعثني النبي (ص) حين أنزلت براءة بأربع: أن لا يطف بالبيت
[ 84 ]
عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فهو إلى مدته، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عبد الاعلى، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي رضي الله عنه، قال: بعثت إلى أهل مكة بأربع، ثم ذكر الحديث. 12727 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا حسين بن محمد، قال: ثنا سليمان بن قرم، عن الاعمش عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رسول الله (ص) بعث أبا بكر ببراءة، ثم أتبعه عليا، فأخذها منه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله حدث في شئ ؟ قال: لا، أنت صاحبي في الغار وعلى الحوض، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي، وكان الذي بعث به عليا أربعا: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فهو إلى مدته. 12728 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن عامر، قال: بعث النبي (ص) عليا رضي الله عنه، فنادى: ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فأجله إلى مدته، والله برئ من المشركين ورسوله. 12729 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن علي، قال: لما نزلت براءة على رسول الله (ص)، وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم الحج للناس قيل له: يا رسول الله لو بعثت إلى أبي بكر فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ثم دعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى: أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله (ص) عهد فهو إلى مدته فخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقة رسول الله (ص) العضباء، حتى أدرك أبا بكر الصديق بالطريق فلما رآه أبو بكر، قال: أمير أو مأمور ؟ قال: مأمور. ثم مضيا رضي الله عنهما، فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من
[ 85 ]
الحج التي كانوا عليها في الجاهلية، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله (ص)، فقال: يا أيها الناس لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان له عهد رسول الله (ص) فهو له إلى مدته فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان. ثم قدما على رسول الله (ص)، وكان هذا من براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام وأهل المدة إلى الاجل المسمى. 12730 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما نزلت هذه الآيات إلى رأس أربعين آية، بعث بهن رسول الله (ص) مع أبي بكر وأمره على الحج، فلما سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة أتبعه بعلي فأخذها منه، فرجع أبو بكر إلى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شئ ؟ قال: لا، ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني أما ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار، وأنك صاحبي على الحوض ؟ قال: بلى يا رسول الله. فسار أبو بكر على الحاج، وعلي يؤذن ببراءة، فقام يوم الاضحى، فقال: لا يقربن المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فله عهده إلى مدته، وإن هذه أيام أكل وشرب، وإن الله لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما. فقالوا: نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب فرجع المشركون فلام بعضهم بعضا، وقالوا: ما تضعون وقد أسلمت قريش ؟ فأسلموا. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي، قال: أمرت بأربع: أن لا يقرب البيت بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده قال معمر: وقاله قتادة. قال أبو جعفر رحمه الله، فقد أنبأت هذه الاخبار ونظائرها عن صحة ما قلنا، وأن أجل الاشهر الاربعة إنما كان لمن وصفنا، فأما من كان عهده إلى مدة معلومة فلم يجعل لرسول الله (ص) وللمؤمنين لنقضه ومظاهرة أعدائهم عليهم سبيلا، فإن رسول الله (ص) قد وفى له بعهده إلى مدته عن أمر الله إياه بذلك، وعلى ذلك دل ظاهر التنزيل وتظاهرت به
[ 86 ]
الاخبار عن الرسول (ص). وأما الاشهر الاربعة فإنها كانت أجل من ذكرنا، وكان ابتداؤها يوم الحج الاكبر وانقضاؤها انقضاء عشر من ربيع الآخر، فذلك أربعة أشهر متتابعة، جعل لاهل العهد الذين وصفنا أمرهم فيها السياحة في الارض، يذهبون حيث شاءوا، لا يعرض لهم فيها من المسلمين أحد بحرب ولا قتل ولا سلب. فإن قال قائل: فإذا كان الامر في ذلك كما وصفت، فما وجه قوله: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقد علمت أن انسلاخها انسلاخ المحرم، وقد زعمت أن تأجيل القوم من الله ومن رسوله كان أربعة أشهر، وإنما بين الحج الاكبر وانسلاخ الاشهر الحرم خمسون يوما أكثره، فأين الخمسون يوما من الاشهر الاربعة ؟ قيل: إن انسلاخ الاشهر الحرم إنما كان أجل من لا عهد له من المشركين من رسول الله (ص)، والاشهر الاربعة لمن له عهد، إما إلى أجل غير محدود وإما إلى أجل محدود قد نقضه، فصار بنقضه إياه بمعنى من خيف خيانته، فاستحق النبذ إليه على سواء غير أنه جعل له الاستعداد لنفسه والارتياد لها من الاجل الاربعة الاشهر، ألا ترى الله يقول لاصحاب الاشهر الاربعة، ويصفهم بأنهم أهل عهد براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله ووصف المجعول لهم انسلاخ الاشهر الحرام أجلا بأنهم أهل شرك لا أهل عهد، فقال: وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله... الآية إلا الذين عاهدتم من المشركين... الآية، ثم قال: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ؟ فأمر بقتل المشركين الذين لا عهد لهم بعد انسلاخ الاشهر الحرم، وبإتمام عهد الذين لهم عهد إذا لم يكونوا نقضوا عهدهم بالمظاهرة على المؤمنين وإدخال النقص فيه عليهم. فإن قال قائل: وما الدليل على أن ابتداء التأجيل كان يوم الحج الاكبر دون أن يكون كان من شوال على ما قاله قائلوا ذلك ؟ قيل له: إن قائلي ذلك زعموا أن التأجيل كان من وقت نزول براءة، وذلك غير جائز أن يكون صحيحا لان المجعول له أجل السياحة إلى وقت محدود إذا لم يعلم ما جعل له، ولا سيما مع عهد له قد تقدم قبل ذلك بخلافه، فكمن لم يجعل له ذلك لانه إذا لم يعلم ماله في الاجل الذي جعل له وما عليه بعد انقضائه فهو كهيئته قبل الذي جعل له من الاجل، ومعلوم أن القوم لم يعلموا بما جعل لهم من ذلك إلا
[ 87 ]
حين نودي فيهم بالموسم، وإذا كان ذلك كذلك صح أن ابتداءه ما قلنا وانقضاءه كان ما وصفنا. وأما قوله: فسيحوا في الارض أربعة أشهر فإنه يعني: فسيروا فيها مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين من رسول الله (ص) وأتباعه، يقال منه: ساح فلان في الارض يسيح سياحة وسيوحا وسيحانا. وأما قوله: واعلموا أنكم غير معجزي الله فإنه يقول لاهل العهد من الذين كان بينهم وبين رسول الله (ص) عهد قبل نزول هذه الآية: إعلموا أيها المشركون أنكم إن سحتم في الارض واخترتم ذلك مع كفركم بالله على الاقرار بتوحيد وتصديق رسوله، غير معجزي الله يقول: غير مفيتيه بأنفسكم لانكم حيث ذهبتم وأين كنتم من الارض ففي قبضته وسلطانه، لا يمنعكم منه وزير ولا يحول بينكم وبينه إذا أرادكم بعذاب معقل ولا موئل إلا الايمان به وبرسوله والتوبة من معصيته. يقول: فبادروا عقوبته بتوبة، ودعوا السياحة التي لا تنفعكم. وأما قوله: وأن الله مخزي الكافرين يقول: واعلموا أن الله مذل الكافرين، ومورثهم العار في الدنيا والنار في الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: وإعلام من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر. وقد بينا معنى الاذان فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده. وكان سليمان بن موسى يقول في ذلك ما: 12731 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: زعم سليمان بن موسى الشامي أنه قوله: وأذان من الله ورسوله قال: الاذان القصص، فاتحة براءة حتى تختم: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله فذلك ثمان وعشرون آية.
[ 88 ]
12732 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأذان من الله ورسوله قال: إعلام من الله ورسوله. ورفع قوله: وأذان من الله عطفا على قوله: براءة من الله كأنه قال: هذه براءة من الله ورسوله، وأذان من الله. وأما قوله: يوم الحج الاكبر فإنه قيل اختلافا بين أهل العلم، فقال بعضهم: هو يوم عرفة. ذكر من قال ذلك: 12733 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: أخبرنا أبو زرعة، وهبة الله بن راشد، قالا: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا أبو صخر، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصهباء البكري، وهو يقول: سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن يوم الحج الاكبر، فقال: إن رسول الله (ص) بعث أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه يقيم للناس الحج، وبعثني معه بأربعين آية من براءة، حتى أتى عرفة، فخطب الناس يوم عرفة فلما قضى خطبته التفت إلي، فقال قم يا علي وأد رسالة رسول الله (ص) فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من براءة ثم صدرنا حتى أتينا منى، فرميت الجمرة، ونحرت البدنة، ثم حلقت رأسي، وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة، فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم، فمن ثم إخال حسبتم أنه يوم النحر، ألا وهو يوم عرفة. 12734 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، قال: سألت أبا جحيفة عن يوم الحج الاكبر، فقال: يوم عرفة، فقلت: أمن عندك أو من أصحاب محمد ؟ قال: كل ذلك. 12735 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: الحج الاكبر: يوم عرفة. 12736 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن عمر بن الوليد الشني، عن شهاب بن عباد العصري، عن أبيه، قال: قال عمر رضي الله عنه: يوم الحج الاكبر: يوم عرفة. فذكرته لسعيد بن المسيب، فقال: أخبرك عن ابن عمر أن عمر قال: الحج الاكبر: عرفة.
[ 89 ]
12737 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عمر بن الوليد الشني، قال: ثنا شهاب بن عباد العصري، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب رحمة الله عليه يقول: هذا يوم عرفة يوم الحج الاكبر فلا يصومنه أحد قال: فحججت بعد أبي، فأتيت المدينة، فسألت عن أفضل أهلها، فقالوا: سعيد بن المسيب. فأتيته فقلت: إني سألت عن أفضل أهل المدينة، فقالوا: سعيد بن المسيب، فأخبرني عن صوم يوم عرفة فقال: أخبرك عمن هو أفضل مني أضعافا: عمر أو ابن عمر، كان ينهى عن صومه، ويقول: هو يوم الحج الاكبر. 12738 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عبد الصمد بن حبيب، عن معقل بن داود، قال: سمعت ابن الزبير يقول: يوم عرفة هذا يوم الحج الاكبر فلا يصمه أحد. 12739 - حدثنى الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا غالب بن عبيد الله، قال: سألت عطاء عن يوم الحج الاكبر: فقال: يوم عرفة، فأفض منها قبل طلوع الفجر. 12740 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: أخبرني محمد بن قيس ابن مخرمة قال: خطب النبي (ص) عشية عرفة، ثم قال: أما بعد وكان لا يخطب إلا قال: أما بعد فإن هذا يوم الحج الاكبر. 12741 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن مجاهد، قال: يوم الحج الاكبر: يوم عرفة. 12742 - حدثني الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، عن سلمة بن محب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: يوم الحج الاكبر يوم عرفة. 12743 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني طاوس، عن أبيه، قال: قلنا: ما الحج الاكبر ؟ قال: يوم عرفة. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، أن رسول الله (ص) خطب يوم عرفة فقال: هذا يوم الحج الاكبر.
[ 90 ]
وقال آخرون: هو يوم النحر. ذكر من قال ذلك: 12744 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مصعب بن سلام، عن الاجلح، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، عن الحرث، قال: سألت عليا عن الحج الاكبر، فقال: هو يوم النحر. 12745 - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا سليمان الشيباني، قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى، عن الحج الاكبر، قال: فقال يوم النحر. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عياش العامري، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. * - قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. 12746 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك، قال: دخلت أنا وأبو سلمة على عبد الله بن أبي أوفى، قال: فسألته عن يوم الحج الاكبر، فقال: يوم النحر، يوم يهراق فيه الدم. * - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. * - حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، عن الشيباني، قال: سألت ابن أبي أوفى عن يوم الحج الاكبر ؟ قال: يوم النحر. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. 12747 - قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك بن عمير، قال: سمعت
[ 91 ]
عبد الله بن أبي أوفى، وسئل عن قوله: يوم الحج الاكبر قال: هو اليوم الذي يراق فيه الدم ويحلق فيه الشعر. 12748 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن علي: أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة، فجاءه رجل فأخذ بلجام بغلته، فسأله عن الحج الاكبر، فقال: هو يومك هذا، خل سبيلها. * - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: ثنا إسحاق، عن مالك بن مغول وشتير، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي، قال: سئل عن يوم الحج الاكبر، قال: هو يوم النحر. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي، أنه لقيه رجل يوم النحر، فأخذ بلجامه، فسأله عن يوم الحج الاكبر، قال: هو هذا اليوم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن عبد الملك بن عمير وعياش العامري، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: هو اليوم الذي يهراق فيه الدماء. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي أوفى، قال: الحج الاكبر، يوم تهراق فيه الدماء، ويحلق فيه الشعر، ويحل فيه الحرام. 12749 - حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن عبد الله بن يسار، قال: ثنا المغيرة بن شعبة يوم الاضحى على بعير، فقال: هذا يوم الاضحى، وهذا يوم النحر، وهذا يوم الحج الاكبر. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الاعمش، عن عبد الله بن يسار، قال: خطبنا المغيرة بن شعبة يوم الاضحى على بعير، وقال: هذا يوم الاضحى، وهذا يوم النحر، وهذا يوم الحج الاكبر.
[ 92 ]
* - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الاعمش، عن عبد الله بن يسار، قال: خطبنا المغيرة بن شعبة، فذكر نحوه. 12750 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن حماد بن سلمة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الحج الاكبر يوم النحر. 12751 - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا سليمان الشيباني، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: الحج الاكبر يوم النحر. 12752 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، قال: الحج الاكبر: يوم النحر. 12753 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: اختصم علي بن عبد الله بن عباس ورجل من آل شيبة في يوم الحج الاكبر، قال علي: هو يوم النحر، وقال الذي من آل شيبة: هو يوم عرفة. فأرسل إلى سعيد بن جبير فسألوه، فقال: هو يوم النحر، إلا ترى أن من فاته يوم عرفة لم يفته الحج، فإذا فاته يوم النحر فقد فاته الحج ؟ * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن سعيد بن جبير، أنه قال: الحج الاكبر: يوم النحر. قال: فقلت له: إن عبد الله بن شيبة ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس اختلفا في ذلك، فقال محمد بن علي: هو يوم النحر، وقال عبد الله: هو يوم عرفة. فقال سعيد بن جبير: أرأيت لو أن رجلا فاته يوم عرفة أكان يفوته الحج ؟ وإذا فاته يوم النحر فاته الحج. * - حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير، قال: الحج الاكبر يوم النحر. 12754 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: قال: المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: ثني رجل، عن أبيه، عن قسس بن عبادة، قال: ذو الحجة العاشر النحر، وهو يوم الحج الاكبر. 12755 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن شداد، قال: يوم الحج الاكبر: يوم النحر، والحج الاصغر: العمرة.
[ 93 ]
12756 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: الحج الاكبر يوم النحر. 12757 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن مسلم الحجبي، قال: سألت نافع بن جبير بن مطعم، عن يوم الحج الاكبر، قال: يوم النحر. 12758 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: كان يقال: الحج الاكبر يوم النحر. 12759 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: يوم الحج الاكبر يوم يهراق فيه الدم، ويحل فيه الحرام. 12760 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر الذي يحل فيه كل حرام. * - قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، عن علي، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. 12761 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن ابن عون، قال: سألت محمدا عن يوم الحج الاكبر فقال: كان يوما وافق فيه حج رسول الله (ص) وحج أهل الوبر. 12762 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكيم بن بشير، قال: ثنا عمر بن ذر، قال: سألت مجاهدا عن يوم الحج الاكبر، فقال: هو يوم النحر. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، يوم الحج الاكبر يوم النحر. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن ثور، عن مجاهد يوم الحج الاكبر يوم النحر. 12763 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر وقال عكرمة: يوم الحج الاكبر: يوم النحر، يوم يهراق فيه الدماء، ويحل فيه الحرام. قال: وقال مجاهد: يوم يجمع فيه الحج كله، وهو يوم الحج الاكبر. 12764 - قال: ثنا إسرائيل، عن عبد الاعلى، عن محمد بن علي: يوم الحج الاكبر يوم النحر.
[ 94 ]
* - قال: ثنا إسرائيل، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. * - قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. 12765 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، قال: قال علي الحج الاكبر: يوم النحر. قال: وقال الزهري: يوم النحر: يوم الحج الاكبر. 12766 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا عمي عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس وعمرو عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: بعثني رسول الله (ص) مع أبي بكر في الحجة التي أمره رسول الله (ص) عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان قال الزهري: فكان حميد يقول: يوم النحر: يوم الحج الاكبر. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الشعبي، عن أبي إسحاق، قال: سألت عبد الله بن شداد عن الحج الاكبر والحج الاصغر، فقال: الحج الاكبر: يوم النحر، والحج الاصغر: العمرة. قال: أخبرنا عبد الرزاق، * - قال: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، قال: سألت عبد الله بن شداد، فذكره نحوه. * - قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت عبد الله بن أبي أو في يقول: يوم الحج الاكبر: يوم يوضع فيه الشعر، ويهراق فيه الدم، ويحل فيه الحرام. * - قال: ثنا الثوري، عن أبي إسحاق، عن علي، قال: الحج الاكبر يوم النحر. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا قيس، عن عياش العامري، عن عبد الله بن أبي أوفى، أنه سئل عن يوم الحج الاكبر، فقال: سبحان الله، هو يوم يهراق فيه الدماء، ويحل فيه الحرام، ويوضع فيه الشعر وهو يوم النحر.
[ 95 ]
* - قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن عبد الله بن يسار، قال: خطبنا المغيرة بن شعبة على ناقة له، فقال: هذا يوم النحر، وهذا يوم الحج الاكبر. * - قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا حسن بن صالح، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. * - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، عن إبراهيم بن طهمان، عن مغيرة، عن إبراهيم: يوم الحج الاكبر: يوم النحر، ويحل فيه الحرام. 12767 - حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا ابن عون، عن محمد ابن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: لما كان يوم ذلك، قعد على بعير له النبي، وأخذ إنسان بخطامه أو زمامه، فقال: أي يوم هذا ؟ قال: فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه غير اسمه، فقال: أليس يوم الحج ؟. 12768 - حدثنا سهل بن محمد الحساني، قال: ثنا أبو جابر الحرثي، قال: ثنا هشام بن الغازي الجرشي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: وقف رسوله الله (ص) يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع، فقال: هذا يوم الحج الاكبر. 12769 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمداني، عن رجل من أصحاب النبي (ص) قال: قام فينا رسول الله (ص) على ناقة حمراء مخضرمة، فقال: أتدرون أي يوم يومكم ؟ قالوا: يوم النحر، قال: صدقتم يوم الحج الاكبر. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمرو بن مرة، قال: ثنا مرة، قال: ثنا رجل من أصحاب النبي (ص)، قال: قام فينا رسول الله (ص) فذكره نحوه.
[ 96 ]
12770 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، قال: بعث رسول الله (ص) عليا بأربع كلمات حين حج أبو بكر بالناس، فنادى ببراءة: إنه يوم الحج الاكبر، ألا إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ألا ولا يطوف بالبيت عريان، ألا ولا يحج بعد العام مشرك، ألا ومن كان بينه وبين محمد عهد فأجله إلى مدته، والله برئ من المشركين ورسوله. 12771 - حدثني يعقوب، قال: ثني هشيم، عن حجاج بن أرطاة، عن عطاء، قال: يوم الحج الاكبر يوم النحر. 12772 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يوم الحج الاكبر قال: يوم النحر: يوم يحل فيه المحرم، وينحر فيه البدن. وكان ابن عمر يقول: هو يوم النحر، وكان أبي يقوله. وكان ابن عباس يقول: هو يوم عرفة. ولم أسمع أحدا يقول إنه يوم عرفة إلا ابن عباس. قال ابن زيد: والحج يفوت بفوت يوم النحر ولا يفوت بفوت يوم عرفة، إن فاته اليوم لم يفته الليل، يقف ما بينه وبين طلوع الفجر. 12773 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: يوم الاضحى: يوم الحج الاكبر. * - حدثنا سفيان، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: ثني رجل من أصحاب رسول الله (ص) في غرفتي هذه، حسبته قال: خطبنا رسول الله (ص) يوم النحر على ناقة حمراء مخضرمة، فقال: أتدرون أي يوم هذا ؟ هذا يوم النحر وهذا يوم الحج الاكبر. وقال آخرون: معنى قوله: يوم الحج الاكبر حين الحج الاكبر ووقته. قال: وذلك أيام الحج كلها لا يوم بعينه. ذكر من قال ذلك: 12774 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يوم الحج الاكبر حين الحج، أيامه كله. 12775 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: الحج الاكبر: أيام مني كلها، ومجامع المشركين حين كانوا بذي المجاز وعكاظ ومجنة، حين نودي فيهم: أن لا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم
[ 97 ]
هذا وأن لا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فعهده إلى مدته. 12776 - حدثني الحرث، قال: ثنا أبو عبيد، قال: كان سفيان يقول: يوم الحج، ويوم الجمل، ويوم صفين: أي أيامه كلها. * - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: يوم الحج الاكبر قال حين الحج، أي أيامه كلها. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك بالصحة عندنا: قول من قال: يوم الحج الاكبر: يوم النحر لتظاهر الاخبار عن جماعة من أصحاب رسول الله (ص) أن عليا نادى بما أرسله به رسول الله (ص) من الرسالة إلى المشركين، وتلا عليهم براءة يوم النحر. هذا مع الاخبار التي ذكرناها عن رسول الله (ص) أنه قال يوم النحر: أتدرون أي يوم هذا ؟ هذا يوم الحج الاكبر. وبعد: فإن اليوم إنما يضاف إلى معنى الذي يكون فيه، كقول الناس: يوم عرفة، وذلك يوم وقوف الناس بعرفة، ويوم الاضحى، وذلك يوم يضحون فيه ويوم الفطر، وذلك يوم يفطرون فيه وكذلك يوم الحج، يوم يحجون فيه. وإنما يحج الناس ويقضون مناسكهم يوم النحر، لان في ليلة نهار يوم النحر الوقوف بعرفة كان إلى طلوع الفجر، وفي صبيحتها يعمل أعمال الحج فأما يوم عرفة فإنه وإن كان الوقوف بعرفة فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، والحج كله يوم النحر. وأما ما قال مجاهد من أن يوم الحج إنما هو أيامه كلها، فإن ذلك وإن كان جائزا في كلام العرب، فليس بالاشهر الاعرف في كلام العرب من معانيه، بل غلب على معنى اليوم عندهم أنه من غروب الشمس إلى مثله من الغد، وإنما محمل تأويل كتاب الله على الاشهر الاعرف من كلام من نزل الكتاب بلسانه. واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لهذا اليوم: يوم الحج الاكبر، فقال بعضهم: سمي بذلك لان ذلك كان في سنة اجتمع فيها حج المسلمين والمشركين. ذكر من قال ذلك: 12777 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، قال: إنما سمي الحج الاكبر من أجل أنه حج أبو بكر الحجة التي حجها، واجتمع فيها المسلمون والمشركون، فلذلك سمي الحج الاكبر، ووافق أيضا عيد اليهود والنصارى.
[ 98 ]
12778 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن الحرث بن نوفل، قال: يوم الحج الاكبر كانت حجة الوداع اجتمع فيه حج المسلمين والنصارى واليهود ولم يجتمع قبله ولا بعده. 12779 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن، قال قوله: يوم الحج الاكبر قال: إنما سمي الحج الاكبر لانه يوم حج فيه أبو بكر، ونبذت فيه العهود. وقال آخرون: الحج الاكبر: القران، والحج الاصغر: الافراد. ذكر من قال ذلك: 12780 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا أبو بكر النهشلي، عن حماد، عن مجاهد، قال: كان يقول: الحج الاكبر والحج الاصغر فالحج الاكبر: القران، والحج الاصغر: إفراد الحج. وقال آخرون: الحج الاكبر: الحج، والحج الاصغر: العمرة. ذكر من قال ذلك: 12781 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: الحج الاكبر: الحج، والحج الاصغر: العمرة. 12782 - قال: ثنا عبد الاعلى، عن داود، عن عامر، قال: قلت له: هذا الحج الاكبر، فما الحج الاصغر ؟ قال: العمرة. 12783 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: كان يقال: الحج الاصغر: العمرة في رمضان. 12784 - قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان يقول: الحج الاصغر: العمرة. 12785 - قال: ثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي أسماء، عن عبد الله بن شداد، قال: يوم الحج الاكبر: يوم النحر، والحج الاصغر: العمرة. 12786 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن أهل الجاهلية كانوا يسمون الحج الاصغر: العمرة. قال أبو جعفر: وأولى هذه الاقوال بالصواب في ذلك عندي قول من قال: الحج الاكبر الحج لانه أكبر من العمرة بزيادة عمله على عملها، فقيل له الاكبر لذلك. وأما
[ 99 ]
الاصغر فالعمرة، لان عملها أقل من عمل الحج، فلذلك قيل لها الاصغر لنقصان عملها عن عمله. وأما قوله: أن الله برئ من المشركين ورسوله فإن معناه: أن الله برئ من عهد المشركين ورسوله بعد هذه الحجة. ومعنى الكلام: وإعلام من الله ورسوله إلى الناس في يوم الحج الاكبر، أن الله ورسوله من عهد المشركين بريئان كما: 12787 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: أن الله برئ من المشركين ورسوله أي بعد الحجة. القول في تأويل قوله تعالى: فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم. يقول تعالى: فإن تبتم من كفركم أيها المشركون، ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والانداد، فالرجوع إلى ذلك خير لكم من الاقامة على الشرك في الدنيا والآخرة. وإن توليتم يقول: وإن أدبرتم عن الايمان بالله وأبيتم إلا الاقامة على شرككم. فاعلموا أنكم غير معجزي الله يقول: فأيقنوا أنكم لا تفيتون الله بأنفسكم من أن يحل بكم عذابه الاليم وعقابه الشديد على إقامتكم على الكفر، كما فعل بذويكم من أهل الشرك، من إنزال نقمه به وإحلاله العذاب عاجلا بساحته. وبشر الذين كفروا يقول: واعلم يا محمد الذين جحدوا نبوتك وخالفوا أمر ربهم بعذاب موجع يحل بهم. 12788 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قوله: فإن تبتم قال آمنتم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين) *. يقول تعالى ذكره: وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله، إلا من عهد الذين عاهدتم من المشركين أيها المؤمنون، ثم لم ينقصوكم شيئا من عهدكم الذي عاهدتموهم، ولم يظاهروا عليكم أحدا من عدوكم، فيعينوهم بأنفسهم وأبدانهم، ولا بسلاح ولا خيل ولا رجال. فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم يقول: قفوا لهم بعهدهم الذي عاهدتموهم عليه، ولا تنصبوا لهم حربا إلى انقضاء أجل عهدهم الذي بينكم وبينهم. إن الله يحب المتقين يقول: إن الله يحب
[ 100 ]
من اتقاه بطاعته بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. 12789 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم يقول: إلى أجلهم. 12790 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إلا الذين عاهدتم من المشركين: أي العهد الخاص إلى الاجل المسمى. ثم لم ينقصوكم شيئا... الآية. 12791 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا... الآية، قال: هم مشركو قريش الذين عاهدهم رسول الله (ص) زمن الحديبية. وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر، فأمر الله نبيه أن يوفي لهم بعهدهم إلى مدتهم، ومن لا عهد له إلى انسلاخ المحرم، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمره بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن لا يقبل منهم إلا ذلك. 12792 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: مدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنزل براءة أربعة أشهر من يوم أذن ببراءة إلى عشر من شهر ربيع الآخر، وذلك أربعة أشهر، فإن نقض المشركون عهدهم وظاهروا عدوا فلا عهد لهم، وإن وفوا بعهدهم الذي بينهم وبين رسول الله (ص) ولم يظاهروا عليه عدوا، فقد أمر أن يؤدي إليهم عهدهم ويفي به. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) *. يعني جل ثناؤه بقوله: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فإذا انقضى ومضى وخرج، يقال منه: سلخنا شهر كذا نسلخه سلخا وسلوخا، بمعنى: خرجنا منه، ومنه قولهم: شاة
[ 101 ]
مسلوخة، بمعنى: المنزوعة من جلدها المخرجة منه ويعني بالاشهر الحرم: ذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، أو إنما أريد في هذا الموضع انسلاخ المحرم وحده، لان الاذان كان ببراءة يوم الحج الاكبر، فمعلوم أنهم لم يكونوا أجلوا الاشهر الحرم كلها وقد دللنا على صحة ذلك فيما مضى. ولكنه لما كان متصلا بالشهرين الآخرين قبله الحرامين وكان هولهما ثالثا وهي كلها متصل بعضها ببعض، قيل: فإذا انسلخ الاشهر الحرم. ومعنى الكلام: فإذا انقضت الاشهر الحرم الثلاثة عن الذين لا عهد لهم، أو عن الذين كان لهم عهد، فنقضوا عهدهم بمظاهرتهم الاعداء على رسول الله وعلى أصحابه، أو كان عهدهم إلى أجل غيره معلوم فاقتلوا المشركين يقول: فاقتلوهم حيث وجدتموهم يقول: حيث لقيتوهم من الارض في الحرم وغير الحرم في الاشهر الحرم وغير الاشهر الحرم. وخذوهم يقول: وأسروهم واحصروهم يقول: وامنعوهم من التصرف في بلاد الاسلام ودخول مكة. واقعدوا لهم كل مرصد يقول: واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو أسرهم كل مرصد، يعني: كل طريق ومرقب، وهو مفعل من قول القائل رصدت فلانا أرصده رصدا، بمعنى: رقبته. فإن تابوا يقول: فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك بالله وجحود نبوة نبيه محمد (ص) إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، دون الآلهة والانداد، والاقرار بنبوة محمد (ص) وأقاموا الصلاة يقول: وأدوا ما فرض الله عليهم من الصلاة بحدودها وأعطوا الزكاة التي أوجبها الله عليهم في أموالهم أهلها. فخلوا سبيلهم يقول: فدعوهم يتصرفون في أمصاركم ويدخلون البيت الحرام. إن الله غفور رحيم لمن تاب من عباده، فأناب إلى طاعته بعد الذي كان عليه من معصيته، ساتر على ذنبه، رحيم به أن يعاقبه على ذنوبه السالفة قبل توبته، بعد التوبة. وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في الذين أجلوا إلى انسلاخ الاشهر الحرم. وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12793 - حدثنا عبد الاعلى بن واصل الاسدي، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع، عن أنس، قال: قال رسول الله (ص): من فارق الدنيا على الاخلاص لله وحده وعبادته لا يشرك به شيئا، فارقها والله عنه راض قال: وقال أنس: هو دين الله الذي جاءت به الرسل، وبلغوه عن ربهم قبل هرج الاحاديث واختلاف الاهواء، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل الله، قال الله: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم قال: توبتهم خلع الاوثان وعبادة ربهم، وإقام الصلاة، وإيتاء
[ 102 ]
الزكاة. ثم قال في آية أخرى: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين. 12794 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم حتى ختم آخر الآية. وكان قتادة يقول: خلوا سبيل من أمركم الله أن تخلوا سبيله، فإنما الناس ثلاثة رهط: مسلم عليه الزكاة، ومشرك عليه الجزية، وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عشور ماله. 12795 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فإذا انسلخ الاشهر الحرم وهي الاربعة التي عددت لك، يعني عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيعا الاول وعشرا من شهر ربيع الآخر. وقال قائلوا هذه المقالة: قيل لهذه الاشهر الحرم لان الله عزوجل حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين والعرض لهم إلا بسبيل خير. ذكر من قال ذلك: 12796 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي بكر، أنه أخبره، عن مجاهد وعمرو بن شعيب، في قوله: فإذا انسلخ الاشهر الحرم أنها الاربعة التي قال الله: فسيحوا في الارض قال: هي الحرم من أجل أنهم أومنوا فيها حتى يسيحوها. 12797 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر قال: ضرب لهم أجل أربعة أشهر، وتبرأ من كل مشرك، ثم أمر إذا انسلخت تلك الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد لا تتركوهم يضربون في البلاد، ولا يخرجون للتجارة، ضيقوا عليهم. بعدها أمر بالعفو: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم.
[ 103 ]
12798 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فإذا انسلخ الاشهر الحرم يعني الاربعة التي ضرب الله لهم أجلا لاهل العهد العام من المشركين. فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن استأمنك يا محمد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الاشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك، وهو القرآن الذي أنزله الله عليه. فأجره يقول: فأمنه، حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه. ثم أبلغه مأمنه يقول: ثم رده بعد سماعه كلام الله إن هو أبى أن يسلم ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن إلى مأمنه، يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك حتى يلحق بداره وقومه من المشركين. ذلك بأنهم قوم لا يعلمون يقول: تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم الامان، ليسمعوا القرآن، وردك إياهم إذا أبوا الاسلام إلى مأمنهم، من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة ولا يعلمون ما لهم بالايمان بالله لو آمنوا وما عليهم من الوزر والاثم بتركهم الايمان بالله. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12799 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وإن أحد من المشركين استجارك: أي من هؤلاء الذين أمرتك بقتالهم، فأجره. 12800 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فأجره حتى يسمع كلام الله أما كلام الله: فالقرآن. 12801 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره قال: إنسان يأتيك فيسمع ما تقول ويسمع ما أنزل عليك فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء.
[ 104 ]
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. 12802 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: خرج رسول الله (ص) غازيا، فلقي العدو، وأخرج المسلمون رجلا من المشركين وأشرعوا فيه الاسنة، فقال الرجل: ارفعوا عني سلاحكم، وأسمعوني كلام الله تعالى فقالوا: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وتخلع الانداد وتتبرأ من اللات والعزى ؟ فقال: فإني أشهدكم أني قد فعلت. 12803 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ثم أبلغه مأمنه قال: إن لم يوافقه ما تقول عليه وتحدثه، فأبلغه. قال: وليس هذا بمنسوخ. واختلف في حكم هذه الآية، وهل هو منسوخ أو هو غير منسوخ ؟ فقال بعضهم: هو غير منسوخ، وقد ذكرنا قول من قال ذلك. وقال آخرون: هو منسوخ. ذكر من قال ذلك: 12804 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن جويبر، عن الضحاك: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم نسختها: فإما منا بعد وإما فداء. 12805 - قال: ثنا سفيان، عن السدي، مثله. وقال آخرون: بل نسخ قوله: فاقتلوا المشركين قوله: فإما منا بعد. ذكر من قال ذلك: 12806 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق نسخها قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. وقال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: ليس ذلك بمنسوخ، وقد دللنا على أن معنى النسخ هو نفي حكم قد كان ثبت بحكم آخر غيره، ولم
[ 105 ]
تصح حجة بوجوب حكم الله في المشركين بالقتل بكل حال ثم نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء ولا على وجه المن عليهم. فإذا كان ذلك كذلك فكان الفداء والمن والقتل لم يزل من حكم رسول الله (ص) فيهم من أول حرب حاربهم، وذلك من يوم بدر كان معلوما أن معنى الآية: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم للقتل أو المن أو الفداء واحصروهم، وإذا كان ذلك معناه صح ما قلنا في ذلك دون غيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين) *. يقول تعالى ذكره: أنى يكون أيها المؤمنون بالله ورسوله، وبأي معنى يكون للمشركين بربهم عهد وذمة عند الله وعند رسوله، يوفي لهم به، ويتركوا من أجله آمنين يتصرفون في البلاد وإنما معناه: لا عهد لهم، وأن الواجب على المؤمنين قتلهم حيث وجدوهم إلا الذين أعطوا العهد عند المسجد الحرام منهم، فإن الله جل ثناؤه أمر المؤمنين بالوفاء لهم بعهدهم والاستقامة لهم عليه، ما داموا عليه للمؤمنين مستقيمين. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فقال بعضهم: هم قوم من جذيمة بن الديل. ذكر من قال ذلك: 12807 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم هم بنو جذيمة بن الديل. 12808 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر، قوله: إلا الذين عاهدتم من المشركين قال: هم جذيمة بكر من كنانة. 12809 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: كيف يكون للمشركين الذين كانوا وأنتم على العهد العام بأن لا تمنعوهم ولا يمنعوكم من الحرم ولا في الشهر الحرام، عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام
[ 106 ]
وهي قبائل بني بكر الذين كانوا دخلوا في عهد قريش وعقدهم يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله (ص) وبين قريش، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش وبنو الديل من بكر، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض عهده من بني بكر إلى مدته فما استقاموا لكم... الآية. وقال آخرون: هم قريش. ذكر من قال ذلك: 12810 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام هم قريش. 12811 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام يعني: أهل مكة. 12812 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام يقول: هم قوم كان بينهم وبين النبي (ص) مدة، ولا ينبغي لمشرك أن يدخل المسجد الحرام ولا يعطي المسلم الجزية. فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم يعني: أهل العهد من المشركين. 12813 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم قال: هؤلاء قريش. وقد نسخ هذا الاشهر التي ضربت لهم، وغدروا بهم فلم يستقيموا، كما قال الله فضرب لهم بعد الفتح أربعة أشهر يختارون من أمرهم: إما أن يسلموا، وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاءوا قال: فأسلموا قبل الاربعة الاشهر، وقبل قتل. 12814 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر عن قتادة: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم قال: هم قوم جذيمة. قال: فلم يستقيموا، نقضوا عهدهم أي أعانوا بني بكر حلف قريش على خزاعة حلف النبي (ص).
[ 107 ]
وقال آخرون: هم قوم من خزاعة. ذكر من قال ذلك: 12815 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام قال: أهل العهد من خزاعة. قال أبو جعفر: وأولى هذه الاقوال بالصواب عندي قول من قال: هم بعض بني بكر من كنانة، ممن كان أقام على عهده ولم يكن دخل في نقض ما كان بين رسول الله (ص) وبين قريش يوم الحديبية من العهد مع قريش حين نقضوه بمعونتهم حلفاءهم من بني الديل على حلفاء رسول الله (ص) من خزاعة. وإنما قلت هذا القول أولى الاقوال في ذلك بالصواب لان الله أمر نبيه والمؤمنين بإتمام العهد لمن كانوا عاهدوه عند المسجد الحرام، ما استقاموا على عهدهم. وقد بينا أن هذه الآيات إنما نادى بها علي في سنة تسع من الهجرة، وذلك بعد فتح مكة بسنة، فلم يكن بمكة من قريش ولا خزاعة كافر يومئذ بينه وبين رسول الله (ص) عهد فيؤمر بالوفاء له بعهده ما استقام على عهده، لان من كان منهم من ساكني مكة كان قد نقض العهد وحورب قبل نزول هذه الآيات. وأما قوله: إن الله يحب المتقين فإن معناه: إن الله يحب من اتقى وراقبه في أداء فرائضه، والوفاء بعهده لمن عاهده، واجتناب معاصيه، وترك الغدر بعهوده لمن عاهده. القول في تأويل قوله تعالى: * (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون) *. يعني جل ثناؤه بقوله: كيف يكون لهؤلاء المشركين الذين نقضوا عهدهم أو لمن لا عهد له منهم منكم أيها المؤمنون عهد وذمة، وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم، لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة. واكتفى ب كيف دليلا على معنى الكلام، لتقدم ما يراد من المعنى بها قبلها وكذلك تفعل العرب إذا أعادت الحرف بعد مضي معناه استجازوا حذف الفعل، كما قال الشاعر:
[ 108 ]
وخبرتماني أنما الموت في القرى فكيف وهذي هضبة وكثيب فحذف الفعل بعد كيف لتقدم ما يراد بعدها قبلها. ومعنى الكلام: فكيف يكون الموت في القرى وهذي هضبة وكثيب لا ينجو فيهما منه أحد. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة فقال بعضهم: معناه: لا يراقبوا الله فيكم ولا عهدا. ذكر من قال ذلك: 12816 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لا يرقبون في مؤمن إلا قال الله. 12817 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان، عن أبي مجلز، في قوله: لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة قال: مثل قوله جبرائيل ميكائيل إسرافيل، كأنه يقال: يضاف جبر وميكا وإسراف إلى إيل، يقول: عبد الله لا يرقبون في مؤمن إلا كأنه يقول: لا يرقبون الله. * - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثني محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلا ولا ذمة لا يرقبون الله ولا غيره. وقال آخرون: الال: القرابة. ذكر من قال ذلك: 12818 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة يقول: قرابة ولا عهدا. وقوله: وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة قال: الال: يعني القرابة، والذمة: العهد. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: لا يرقبوا إلا ولا ذمة الال: القرابة، والذمة: العهد. يعني: أهل العهد من المشركين، يقول: ذمتهم.
[ 109 ]
12819 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، وعبدة عن حوشب، عن الضحاك: الال: القرابة. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا محمد بن عبد الله، عن سلمة بن كهيل، عن عكرمة، عن ابن عباس: لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة قال: الال: القرابة، والذمة: العهد. 12820 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة الال: القرابة، والذمة: الميثاق. 12821 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كيف وإن يظهروا عليكم المشركون، لا يرقبوا فيكم عهدا ولا قرابة ولا ميثاقا. وقال آخرون: معناه: الحلف. ذكر من قال ذلك: 12822 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة قال: الال: الحلف، والذمة: العهد. وقال آخرون: الال: هو العهد ولكنه كرر لما اختلف اللفظان وإن كان معناهما واحدا. ذكر من قال ذلك: 12823 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلا قال: عهدا. 12824 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة قال: لا يرقبوا فيكم عهدا ولا ذمة. قال: إحداهما من صاحبتها كهيئة غفور رحيم، قال: فالكلمة واحدة وهي تفترق، قال: والعهد هو الذمة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن خصيف، عن مجاهد: ولا ذمة قال: العهد. * - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قيس، عن خصيف، عن
[ 110 ]
مجاهد: ولا ذمة قال: الذمة العهد. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المشركين الذين أمر نبيه والمؤمنين بقتلهم بعد انسلاخ الاشهر الحرم وحصرهم والقعود لهم على كل موصد أنهم لو ظهروا على المؤمنين لم يرقبوا فيهم إلا، والال: اسم يشتمل على معان ثلاثة: وهي العهد والعقد، والحلف، والقرابة، وهو أيضا بمعنى الله. فإذ كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة، ولم يكن الله خص من ذلك معنى دون معنى، فالصواب أن يعم ذلك كما عم بها جل ثناؤه معانيها الثلاثة، فيقال: لا يرقبون في مؤمن الله، ولا قرابة، ولا عهدا، ولا ميثاقا. ومن الدلالة على أنه يكون بمعنى القرابة قول ابن مقبل: أفسد الناس خلوف خلفوا قطعوا الال وأعراق الرحيم بمعنى: قطعوا القرابة وقول حسان بن ثابت: لعمرك إن إلك من قريش كإل السقب من رأل النعام وأما معناه: إذا كان بمعنى العهد. فقول القائل: وجدناهم كاذبا إلهم وذو الال والعهد لا يكذب وقد زعم بعض من ينسب إلى معرفة كلام العرب من البصريين، أن الال والعهد والميثاق واليمين واحد، وأن الذمة في هذا الموضع: التذمم ممن لا عهد له، والجمع: ذمم. وكان ابن إسحاق يقول: عنى بهذه الآية: أهل العهد العام. 12825 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: كيف وإن يظهروا
[ 111 ]
عليكم أي المشركون الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل العهد العام لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة. وأما قوله: يرضونكم بأفواههم فإنه يقول: يعطونكم بألسنتهم من القول خلاف ما يضمرونه لكم في نفوسهم من العداوة والبغضاء. وتأبى قلوبهم: أي تأبى عليهم قلوبهم أن يذعنوا لكم بتصديق ما يبدونه لكم بألسنتهم. يحذر جل ثناؤه أمرهم المؤمنين ويشحذهم على قتلهم واجتياحهم حيث وجدوا من أرض الله، وألا يقصروا في مكروههم بكل ما قدروا عليه. وأكثرهم فاسقون يقول: وأكثرهم مخالفون عهدكم ناقصون له، كافرون بربهم خارجون عن طاعته. القول في تأويل قوله تعالى: * (اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون) *. يقول جل ثناؤه: ابتاع هؤلاء المشركون الذين أمركم الله أيها المؤمنون بقتلهم حيث وجدتموهم بتركهم اتباع ما احتج الله به عليهم من حججه يسيرا من العوض قليلا من عرض الدنيا وذلك أنهم فيما ذكر عنهم كانوا نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله (ص) بأكلة أطعمهموها أبو سفيان بن حرب. 12826 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا قال: أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه، وترك حلفاء محمد (ص). * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وأما قوله: فصدوا عن سبيله فإن معناه: فمنعوا الناس من الدخول في الاسلام، وحاولوا رد المسلمين عن دينهم. إنهم ساء ما كانوا يعلمون يقول جل ثناؤه: إن هؤلاء المشركين الذين وصفت صفاتهم، ساء عملهم الذي كانوا يعملون من اشترائهم الكفر بالايمان والضلالة بالهدى، وصدهم عن سبيل الله من آمن بالله ورسوله أو من أراد أن يؤمن. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون) *. يقول تعالى ذكره: لا يتقي هؤلاء المشركون الذين أمرتكم أيها المؤمنون بقتلهم
[ 112 ]
حيث وجدتموهم في قتل مؤمن لو قدورا عليه إلا ولا ذمة يقول: فلا تبقوا عليهم أيها المؤمنون، كما لا يبقون عليكم لو ظهروا عليكم. وألئك هم المعتدون يقول: المتجاوزون فيكم إلى ما ليس لهم بالظلم والاعتداء. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون) *. يقول جل ثناؤه: فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم أيها المؤمنون بقتلهم عن كفرهم وشركهم بالله إلى الايمان به وبرسوله وأنابوا إلى طاعته وأقاموا الصلاة المكتوبة فأدوها بحدودها وآتوا الزكاة المفروضة أهلها فإخوانكم في الدين يقول: فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به، وهو الاسلام. ونفصل الآيات يقول: ونبين حجج الله وأدلته على خلقه، لقوم يعلمون ما بين لهم فنشرحها لهم مفصلة دون الجهال الذين لا يعقلون عن الله بيانه ومحكم آياته. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12827 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين يقول: إن تركوا اللات والعزى، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون. 12828 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن رجل، عن ابن عباس: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة قال: حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة. 12829 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: افترضت الصلاة والزكاة جميعا لم يفرق بينهما وقرأ: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة. وقال: رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه.
[ 113 ]
12830 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: أمرتم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له. وقيل: فإخوانكم فرفع بضمير: فهم إخوانكم، إذ كان قد جرى ذكرهم قبل، كما قال: فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) *. يقول تعالى ذكره: فإن نقض هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم من قريش عهودهم من بعد ما عاقدوكم، أن لا يقاتلوكم ولا يظاهروا عليكم أحدا من أعدائكم وطعنوا في دينكم يقول: وقدحوا في دينكم الاسلام، فثلموه وعابوه. فقاتلوا أئمة الكفر يقول: فقاتلوا رؤساء الكفر بالله. إنهم لا أيمان لهم يقول: إن رؤساء الكفر لا عهد لهم. لعلهم ينتهون لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم. وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف بينهم في المعنيين بأئمة الكفر، فقال بعضهم: هم أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب ونظراؤهم. وكان حذيفة يقول: لم يأت أهلها بعد. ذكر من قال هم من سميت: 12831 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم... إلى: لعلهم ينتهون يعني: أهل العهد من المشركين، سماهم أئمة الكفر، وهم كذلك. يقول الله لنبيه: وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم فقاتل أئمة الكفر، لانهم لا أيمان لهم، لعلهم ينتهون. 12832 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم... إلى: ينتهون، فكان من أئمة الكفر: أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان، وسهيل بن عمرو، وهم الذين هموا بإخراجه.
[ 114 ]
12833 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أئمة الكفر: أبو سفيان، وأبو جهل، وأمية بن خلف، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن ربيعة. 12834 - حدثنا ابن وكيع وابن بشار، قال ابن وكيع: ثنا غندر، وقال ابن بشار: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد: فقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا أيمان لهم قال أبو سفيان منهم. 12835 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإن نكثوا أيمانهم... إلى: ينتهون هؤلاء قريش، يقول: إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الاسلام وطعنوا فيه، فقاتلوهم. 12836 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فقاتلوا أئمة الكفر يعني: رأس المشركين أهل مكة. 12837 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: فقاتلوا أئمة الكفر أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وسهيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول، وليس والله كما تأوله أهل الشبهات والبدع والفري على الله وعلى كتابه. ذكر الرواية عن حذيفة بالذي ذكرنا عنه: 12838 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة: فقاتلوا أئمة الكفر قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا حبيب بن حسان، عن زيد بن وهب، قال: كنت عند حذيفة، فقرأ هذه الآية: فقاتلوا أئمة الكفر فقال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا الاعمش، عن زيد بن وهب، قال: قرأ حذيفة: فقاتلوا أئمة الكفر قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد.
[ 115 ]
12839 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر: إنهم لا أيمان لهم لا عهد لهم. 12840 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: وإن نكثوا أيمانهم قال: عهدهم. 12841 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإن نكثوا أيمانهم عهدهم الذي عاهدوا على الاسلام. 12842 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن عمار بن ياسر، في قوله: لا أيمان لهم قال: لا عهد لهم. 12843 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو الاحوص، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة في قوله: فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم قال: لا عهد لهم. وأما النكث فإن أصله: النقض، يقال منه: نكث فلان قوي حبله إذا نقضها، والايمان: جمع اليمين. واختلفت القراء في قراءة قوله: إنهم لا أيمان لهم فقرأه قراء الحجاز والعراق وغيرهم: إنهم لا أيمان لهم بفتح الالف من أيمان بمعنى: لا عهود لهم على ما قد ذكرنا من قول أهل التأويل فيه. وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: إنهم لا إيمان لهم بكسر الالف، بمعنى: لا إسلام لهم. وقد يتوجه لقراءته كذلك وجه غير هذا، وذلك أن يكون أراد بقراءته ذلك كذلك: أنهم لا أمان لهم: أي لا تؤمنوهم، ولكن اقتلوهم حيث وجدتموهم، كأنه أراد المصدر من قول القائل: آمنته، فأنا أو منه إيمانا. قال أبو جعفر: والصواب من القراءات في ذلك الذي لا أستجيز القراءة بغيره، قراءة من قرأ بفتح الالف دون كسرها، لاجماع الحجة من القراء على القراءة به ورفض خلافه، ولاجماع أهل التأويل على ما ذكرت من أن تأويله لا عهد لهم. والايمان التي هي بمعنى العهد، لا تكون إلا بفتح الالف، لانها جمع يمين كانت على عقد كان بين المتوادعين.
[ 116 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله حاضا لهم على جهاد أعدائهم من المشركين: ألا تقاتلون أيها المؤمنون هؤلاء المشركين الذين نقضوا العهد الذي بينكم وبينهم وطعنوا في دينكم وظاهروا عليكم أعداءكم وهموا بإخراج الرسول من بين أظهرهم فأخرجوه وهم بدءوكم أول مرة بالقتال، يعني فعلهم ذلك يوم بدر. وقيل: قتالهم حلفاء رسول الله (ص) من خزاعة. أتخشونهم يقول: أتخافونهم على أنفسهم، فتتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم ؟ فالله أحق أن تخشوه يقول: فالله أولى بكم أن تخافوا عقوبته بترككم جهادهم، وتحذروا سخطه عليكم من هؤلاء المشركين الذين لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا إلا بإذن الله. إن كنتم مؤمنين يقول: إن كنتم مقرين أن خشية الله لكم أولى من خشية هؤلاء المشركين على أنفسكم. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12844 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وهموا بإخراج الرسول يقول: هموا بإخراجه فأخرجوه. وهم بدءوكم أول مرة بالقتال. 12845 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وهم بدءوكم أول مرة قال: قتال قريش حلفاء محمد (ص). * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 117 ]
12846 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أمر الله رسوله بجهاد أهل الشرك ممن نقض من أهل العهد ومن كان من أهل العهد العام بعد الاربعة الاشهر التي ضرب لهم أجلا، إلا أن يعودوا فيها على دينهم فيقبل بعد. ثم قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول... إلى قوله: والله خبير بما تعملون. القول في تأويل قوله تعالى: * (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) *. يقول تعالى ذكره: قاتلوا أيها المؤمنون بالله ورسوله هؤلاء المشركين الذين نكثوا أيمانهم ونقضوا عهودهم بينكم وبينهم، وأخرجوا رسول الله (ص) من بين أظهرهم. يعذبهم الله بأيديكم يقول: يقتلهم الله بأيديكم. ويخزهم يقول: ويذلهم بالاسر والقهر. وينصركم عليهم فيعطيكم الظفر عليهم والغلبة. ويشف صدور قوم مؤمنين يقول: ويبرئ داء صدور قوم مؤمنين بالله ورسوله بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم وإذلالكم وقهركم إياهم، وذلك الداء هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموجدة بما كانوا ينالونهم به من الاذى والمكروه. وقيل: إن الله عنى بقوله: ويشف صدور قوم مؤمنين: صدور خزاعة حلفاء رسول الله (ص)، وذلك أن قريشا نقضوا العهد بينهم وبين رسول الله (ص) بمعونتهم بكرا عليهم. ذكر من قال ذلك: 12847 - حدثنا محمد بن المثنى وابن وكيع قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في هذه الآية: ويشف صدور قوم مؤمنين قال: خزاعة. 12848 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي: ويشف صدور قوم مؤمنين قال خزاعة يشف صدورهم من بني بكر. * - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، مثله. 12849 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ويشف صدور قوم مؤمنين خزاعة حلفاء محمد (ص).
[ 118 ]
* - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: ويشف صدور قوم مؤمنين قال: حلفاء رسول الله (ص) من خزاعة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشآء والله عليم حكيم) *. يقول الله تعالى ذكره: ويذهب وجد قلوب هؤلاء القوم المؤمنين من خزاعة، على هؤلاء القوم الذين نكثوا أيمانهم من المشركين وغمها وكربها بما فيها من الوجد عليهم، بمعونتهم بكرا عليهم. كما: 12850 - حدثني ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي: ويذهب غيظ قلوبهم حين قتلهم بنو بكر وأعانتهم قريش. * - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، مثله، إلا أنه قال: وأعانهم عليهم قريش. وأما قوله: ويتوب الله على من يشاء فإنه خبر مبتدأ، ولذلك رفع وجزم الاحرف الثلاثة قبل ذلك على وجه المجازاة، كأنه قال: قاتلوهم فإنكم إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ويخزهم، وينصركم عليهم. ثم ابتدأ فقال: ويتوب الله على من يشاء لان القتال غير موجب لهم التوبة من الله، وهو موجب لهم العذاب من الله والخزي وشفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم، فجزم ذلك شرطا وجزاء على القتال، ولم يكن موجبا القتال التوبة، فابتدئ الحكم به ورفع. ومعنى الكلام: ويمن الله على من يشاء من عباده الكافرين، فيقبل به إلى التوبة بتوفيقه إياه، والله عليم بسرائر عباده ومن هو للتوبة أهل فيتوب عليه، ومن منهم غير أهل لها فيخذله، حكيم في تصريف عباده من حال كفر إلى حال إيمان بتوفيق من وفقه لذلك، ومن حال إيمان إلى كفر بخذلانه من خذل منهم عن طاعته وتوحيده، وغير ذلك من أمرهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون) *.
[ 119 ]
يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين، الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم... الآية، حاضا على جهادهم: أم حسبتم أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها وبغير اختبار يختبركم به، فيعرف الصادق منكم في دينه من الكاذب فيه. ولما يعلم الله الذين جاهدوا يقول: أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله، من المضيعين أمر الله في ذلك المفرطين. ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله يقول: ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله، ولا من دون المؤمنين وليجة هو الشئ يدخل في آخر غيره، يقال منه: ولج فلان في كذا يلجه فهو وليجة. وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين، نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء يفشون إليهم أسرارهم. والله خبير بما تعملون يقول: والله ذو خبرة بما تعملون من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياء وبطانة بعد ما قد نهاكم عنه، لا يخفى ذلك عليه ولا غيره من أعمالكم، والله مجازيكم على ذلك إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. وبنحو الذي قلت في معنى الوليجة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12851 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا المؤمنين وليجة يتولجها من الولاية للمشركين. 12852 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: وليجة قال: دخلا. 12853 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أم حسبتم أن تتركوا إلى قوله: وليجة قال: أبي أن يعدهم دون التمحيص، وقرأ: أم حسبتم أن تتركوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم وقرأ: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم... الآيات كلها، أخبرهم أن لا يتركهم حتى يمحصهم ويختبرهم، وقرأ: الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون لا يختبرون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أبى الله إلا أن يمحص.
[ 120 ]
12854 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: وليجة قال: هو الكفر والنفاق، أو قال أحدهما. وقيل: أم حسبتم ولم يقل: أحسبتم، لانه من الاستفهام المعترض في وسط الكلام، فأدخلت فيه أم ليفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ وقد بينت نظائر ذلك في غير موضع من الكتاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) *. يقول تعالى ذكره: ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر. يقول: إن المساجد إنما تعمر لعبادة الله فيها لا للكفر به، فمن كان بالله كافرا فليس من شأنه أن يعمر مساجد الله. وأما شهادتهم على أنفسهم بالكفر، فإنها كما: 12855 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر يقول: ما ينبغي لهم أن يعمروها. وأما شاهدين على أنفسهم بالكفر فإن النصراني يسأل: ما أنت ؟ فيقول: نصراني، واليهودي، فيقول: يهودي، والصابئ، فيقول: صابئ، والمشرك يقول إذا سألته: ما دينك ؟ فيقول: مشرك لم يكن ليقوله أحد إلا العرب. 12856 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو العنقزي، عن أسباط، عن السدي: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله قال: يقول: ما كان ينبغي لهم أن يعمروها. 12857 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: شاهدين على أنفسهم بالكفر قال: النصراني يقال له: ما أنت ؟ فيقول: نصراني، واليهودي يقال له: ما أنت ؟ فيقول: يهودي، والصابئ يقال له: ما أنت ؟ فيقول: صابئ. وقوله: أولئك حبطت أعمالهم يقول: بطلت وذهبت أجورها، لانها لم تكن لله، بل كانت للشيطان. وفي النار هم خالدون يقول: ماكثون فيها أبدا، لا أحياء ولا أمواتا. واختلفت القراء في قراءة قوله: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله فقرأ
[ 121 ]
ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة: مساجد الله على الجمع. وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: مسجد الله على التوحيد، بمعنى المسجد الحرام. وهم جميعا مجمعون على قراءة قوله: مساجد الله على الجمع، لانه إذا قرئ كذلك احتمل معنى الواحد والجمع، لان العرب قد تذهب بالواحد إلى الجمع وبالجمع إلى الواحد، كقولهم: عليه ثوب أخلاق. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) *. يقول تعالى ذكره: إنما يعمر مساجد الله المصدق بوحدانية الله، المخلص له العبادة واليوم الآخر، يقول: الذي يصدق ببعث الله الموتى أحياء من قبورهم يوم القيامة، وأقام الصلاة المكتوبة بحدودها، وأدى الزكاة الواجبة عليه في ماله إلى من أوجبها الله له. ولم يخش إلا الله يقول: ولم يرهب عقوبة شئ على معصيته إياه سوى الله. فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين يقول: فخليق بأولئك الذين هذه صفتهم أن يكونوا عند الله ممن قد هداه الله للحق وإصابة الصواب. 12858 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر يقول: من وحد الله. وآمن باليوم الآخر يقول: أقر بما أنزل الله. وأقام الصلاة يعني الصلوات الخمس. ولم يخش إلا الله يقول: ثم لم يعبد إلا الله، قال: فعسى أولئك يقول: إن أولئك هم المفلحون، كقوله لنبيه: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا يقول: إن ربك سيبعثك مقاما محمودا، وهي الشفاعة، وكل عسى في القرآن فهي واجبة. 12859 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم ذكر قول قريش: إنا أهل الحرم، وسقاة الحاج، وعمار هذا البيت، ولا أحد أفضل منا فقال: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر: أي إن عمارتكم ليست على ذلك، إنما يعمر مساجد الله: أي من عمرها بحقها، من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم
[ 122 ]
يخش إلا الله فأولئك عمارها. فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين وعسى من الله حق. القول في تأويل قوله تعالى: * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) *. وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت، فأعلمهم جل ثناؤه أن الفخر في الايمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله لا في الذي افتخروا به من السدانة والسقاية. وبذلك جاءت الآثار وتأويل أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12860 - حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثني معاوية بن سلام، عن جده أبي سلام الاسود، عن النعمان بن بشير الانصاري، قال: كنت عند منبر رسول الله (ص) في نفر من أصحابه، فقال رجل منهم: ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الاسلام، إلا أن أسقي الحاج وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله (ص) وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله (ص)، فاستفتيته فيما اختلفتم فيه قال: ففعل، فأنزل الله تبارك وتعالى: أجعلتم سقاية الحاج... إلى قوله: والله لا يهدي القوم الظالمين. 12861 - حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالاسلام والهجرة والجهاد، لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج، ونفك العاني قال الله:
[ 123 ]
أجعلتم سقاية الحاج... إلى قوله: الظالمين. يعني أن ذلك كان في الشرك، ولا أقبل ما كان في الشرك. 12862 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: أجعلتم سقاية الحاج... إلى قوله: الظالمين وذلك أن المشركين قالوا: عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره. فذكر الله استكبارهم وإعراضهم، فقال لاهل الحرم من المشركين: قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون يعني أنهم يستكبرون بالحرم، وقال: به سامرا لانهم كانوا يسمرون ويهجرون القرآن والنبي (ص). فخير الايمان بالله والجهاد مع نبي الله (ص) على عمران المشركين البيت وقيامهم على السقاية. ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به أن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه، قال الله: لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن النعمان بن بشير، أن رجلا قال: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الاسلام إلا أن أسقي الحاج وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الاسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله (ص) وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صلى الجمعة دخلنا عليه. فنزلت: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام... إلى قوله: لا يستوون عند الله. 12863 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر،
[ 124 ]
عن عمرو، عن الحسن، قال: نزلت في علي وعباس وعثمان وشيبة، تكلموا في ذلك فقال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا فقال رسول الله (ص): أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا. 12864 - قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال: نزلت في علي والعباس، تكلما في ذلك. 12865 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرت عن أبي صخر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار، وعباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه، لو أشاء بت فيه وقال عباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو أشاء بت في المسجد وقال علي: ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام... الآية كلها. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، قال: لما نزلت أجعلتم سقاية الحاج قال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا، فقال النبي (ص): أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا. 12866 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله قال: افتخر علي وعباس وشيبة بن عثمان، فقال العباس: أنا أفضلكم، أنا أسقي حجاج بيت الله وقال شيبة: أنا أعمر مسجد الله وقال علي: أنا هاجرت مع رسول الله (ص)، وأجاهد معه في سبيل الله فأنزل الله: الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله... إلى: نعيم مقيم. 12867 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أجعلتم سقاية الحاج... الآية، أقبل
[ 125 ]
المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك، فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونفك العاني، ونحجب البيت، ونسقي الحاج فأنزل الله: أجعلتم سقاية الحاج... الآية. فتأويل الكلام إذن: أجعلتم أيها القوم سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، لا يستوون هؤلاء وأولئك، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما لان الله تعالى لا يقبل بغير الايمان به وباليوم الآخر عملا. والله لا يهدي القوم الظالمين يقول: والله لا يوفق لصالح الاعمال من كان به كافرا ولتوحيده جاحدا. ووضع الاسم موضع المصدر في قوله: كمن آمن بالله إذ كان معلوما معناه، كما قال الشاعر: لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتى ندي فجعل خبر الفتيان أن، وهو كما يقال: إنما السخاء حاتم والشعر زهير. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون) *. وهذا قضاء من الله بين فرق المفتخرين الذين افتخر أحدهم بالسقاية، والآخر بالسدانة، والآخر بالايمان بالله والجهاد في سبيله. يقول تعالى ذكره: الذين آمنوا بالله: صدقوا بتوحيده من المشركين، وهاجروا دور قومهم، وجاهدوا المشركين في دين الله بأموالهم وأنفسهم، أعظم درجة عند الله وأرفع منزلة عنده من سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام وهم بالله مشركون. وأولئك يقول: وهؤلاء الذين وصفنا صفتهم أنهم آمنوا وهاجروا وجاهدوا وهم الفائزون بالجنة الناجون من النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) *. يقول تعالى ذكره: يبشر هؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ربهم
[ 126 ]
برحمة منه لهم أنه قد رحمهم من أن يعذبهم وبرضوان منه لهم، بأنه قد رضي عنهم بطاعتهم إياه وأدائهم ما كلفهم. وجنات يقول: وبساتين لهم فيها نعيم مقيم لا يزول ولا يبيد، ثابت دائم أبدا لهم. 12868 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الموسوي، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله سبحانه: أعطيكم أفضل من هذا، فيقولون: ربنا أي شئ أفضل من هذا ؟ قال: رضواني. القول في تأويل قوله تعالى: * (خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم) *. يقول تعالى ذكره: خالدين فيها ماكثين فيها، يعني في الجنات. أبدا لا نهاية لذلك ولا حد. إن الله عنده أجر عظيم يقول: إن الله عنده لهؤلاء المؤمنين الذين نعتهم جل ثناؤه النعت الذي ذكر في هذه الآية أجر: ثواب على طاعتهم لربهم وأدائهم ما كلفهم من الاعمال عظيم، وذلك النعيم الذي وعدهم أن يعطيهم في الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبآءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الايمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسراركم وتطلعونهم على عورة الاسلام وأهله، وتؤثرون المكث بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الاسلام. إن استحبوا الكفر على الايمان يقول: إن اختاروا الكفر بالله على التصديق به والاقرار بتوحيده. ومن يتولهم منكم يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين، ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله ودار الاسلام فأولئك هم الظالمون يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمر الله، فوضعوا الولاية في غير موضعها وعصوا الله في أمره. وقيل: إن ذلك نزل نهيا من الله
[ 127 ]
المؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الاسلام. ذكر من قال ذلك: 12869 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام قال: أمروا بالهجرة، فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج وقال طلحة أخو بني عبد الدار: أنا صاحب الكعبة فلا نهاجر فأنزلت: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء... إلى قوله: يأتي الله بأمره بالفتح، في أمره إياهم بالهجرة، هذا كله قبل فتح مكة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) *. يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد (ص): قل يا محمد للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الاسلام المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم، وكانت أموال اقترفتموها يقول: اكتسبتموها، وتجارة تخشون كسادها بفراقكم بلدكم، ومساكن ترضونها فسكنتموها أحب إليكم من الهجرة إلى الله ورسوله من دار الشرك ومن جهاد في سبيله، يعني في نصرة دين الله الذي ارتضاه. فتربصوا يقول: فتنظروا، حتى يأتي الله بأمره حتى يأتي الله بفتح مكة. والله لا يهدي القوم الفاسقين يقول: والله لا يوفق للخير الخارجين عن طاعته وفي معصيته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12870 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: حتى يأتي الله بأمره بالفتح. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: فتربصوا حتى يأتي الله بأمره فتح مكة.
[ 128 ]
12871 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها يقول: تخشون أن تكسد فتبيعوها. ومساكن ترضونها قال: هي القصور والمنازل. 12872 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأموال اقترفتموها يقول: أصبتموها. القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) *. يقول تعالى ذكره: لقد نصركم الله أيها المؤمنون في أماكن حرب توطنون فيها أنفسكم على لقاء عدوكم ومشاهد تلتقون فيها أنتم وهم كثيرة. ويوم حنين يقول: وفي يوم حنين أيضا قد نصركم. وحنين: واد فيما ذكر بين مكة والطائف وأجري لانه مذكر اسم لمذكر، وقد يترك إجراؤه ويراد به أن يجعل اسما للبلدة التي هو بها، ومنه قول الشاعر: نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين يوم تواكل الابطال 12873 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا هشام بن عروة، عن عروة، قال: حنين: واد إلى جنب ذي المجاز. إذ أعجبتكم كثرتكم وكانوا ذلك اليوم فيما ذكر لنا اثني عشر ألفا. وروي أن النبي (ص) قال ذلك اليوم: لن نغلب من قلة. وقيل: قال ذلك رجل من المسلمين من
[ 129 ]
أصحاب رسول الله (ص)، وهو قول الله: إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا يقول: فلم تغن عنكم كثرتكم شيئا. وضاقت عليكم الارض بما رحبت يقول: وضاقت الارض بسعتها عليكم. والباء ههنا في معنى في، ومعناه: وضاقت عليكم الارض في رحبها وبرحبها، يقال منه: مكان رحيب: أي واسع وإنما سميت الرحاب رحابا لسعتها. ثم وليتم مدبرين عن عدوكم منهزمين مدبرين، يقول: وليتموهم الادبار، وذلك الهزيمة. يخبرهم تبارك وتعالى أن النصر بيده ومن عنده، وأنه ليس بكثرة العدد وشدة البطش، وأنه ينصر القليل على الكثير إذا شاء ويخلي القليل فيهزم الكثير. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12874 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين حتى بلغ: وذلك جزاء الكافرين قال: وحنين ماء بين مكة والطائف قاتل عليها نبي الله هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف أخو بني نصر، وعلى ثقيف عبد يا ليل بن عمرو الثقفي. قال: وذكر لنا أنه خرج يومئذ مع رسول الله (ص) اثنا عشر ألفا، عشرة آلاف من المهاجرين والانصار، وألفان من الطلقاء، وذكر لنا أن رجلا قال يومئذ: لن نغلب اليوم بكثرة قال: وذكر لنا أن الطلقاء انجفلوا يومئذ بالناس، وجلوا عن نبي الله (ص) حتى نزل عن بغلته الشهباء. وذكر لنا أن نبي الله قال: أي رب آتني ما وعدتني قال: والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله (ص)، فقال له النبي (ص): ناد يا معشر الانصار ويا معشر المهاجرين فجعل ينادي الانصار فخذا فخذا، ثم نادي: يا أصحاب سورة البقرة قال: فجاء الناس عنقا واحدا. فالتفت نبي الله (ص)، وإذا عصابة من الانصار، فقال: هل معكم غيركم ؟ فقالوا: يا نبي الله، والله لو عمدت إلى برك الغماد من ذي يمن لكنا معك ثم أنزل الله نصره، وهزم عدوهم، وتراجع المسلمون. قال: وأخذ رسول الله كفا من تراب، أو قبضة من حصباء، فرمى بها وجوه الكفار، وقال: شاهت الوجوه فانهزموا. فلما جمع رسول الله (ص) الغنائم، وأتى الجعرانة، فقسم بها مغانم حنين، وتألف أناسا من الناس فيهم أبو سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو والاقرع بن حابس، فقالت الانصار: حن الرجل إلى
[ 130 ]
قومه فبلغ ذلك رسول الله (ص) وهو في قبة له من أدم، فقال: يا معشر الانصار، ما هذا الذي بلغني ؟ ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله، وكنتم أذلة فأعزكم الله وكنتم وكنتم قال: فقال سعد بن عبادة رحمه الله: ائذن لي فأتكلم قال: تكلم قال: أما قولك: كنتم ضلالا فهداكم الله، فكنا كذلك، وكنتم أذلة فأعزكم الله، فقد علمت العرب ما كان حي من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منا فقال الرسول: يا سعد أتدري من تكلم ؟ فقال: نعم أكلم رسول الله (ص). فقال رسول الله (ص): والذي نفسي بيده لو سلكت الانصار واديا والناس واديا لسلكت وادي الانصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار. وذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: الانصار كرشي وعيبتي، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. ثم قال رسول الله (ص): يا معشر الانصار أما ترضون أن ينقلب الناس بالابل والشاء، وتنقلبون برسول الله إلى بيوتكم ؟ فقالت الانصار: رضينا عن الله ورسوله، والله ما قلنا ذلك إلا حرصا على رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص): إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم. 12875 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن أم رسول الله (ص) التي أرضعته أو ظئره من بني سعد بن بكر أتته فسألته سبايا يوم حنين، فقال رسول الله (ص): إني لا أملكهم وإنما لي منهم نصيبي، ولكن ائتيني غدا فسليني والناس عندي، فإني إذا أعطيتك نصيبي أعطاك الناس فجاءت الغد فبسط لها ثوبا، فقعدت عليه، ثم سألته، فأعطاها نصيبه فلما رأى ذلك الناس أعطوها أنصباءهم. 12876 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة... الآية: إن رجلا من أصحاب رسول الله (ص) يوم حنين قال: يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة وأعجبته كثرة الناس، وكانوا اثني عشر ألفا. فسار رسول الله (ص)، فوكلوا إلى كلمة الرجل، فانهزموا عن رسول الله (ص)، غير العباس وأبي سفيان بن الحرث وأيمن ابن أم أيمن، قتل يومئذ بين يديه. فنادى رسول الله (ص): أين الانصار ؟ أين الذين بايعوا تحت الشجرة ؟ فتراجع الناس، فأنزل الله الملائكة بالنصر، فهزموا المشركين يومئذ، وذلك قوله: ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها... الآية.
[ 131 ]
12877 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن كثير بن عباس بن عبد المطلب، عن أبيه، قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون، فولى المسلمون يومئذ. قال: فلقد رأيت النبي (ص) وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، آخذا بغرز النبي (ص)، لا يألو ما أسرع نحو المشركين. قال: فأتيت حتى أخذت بلجامه وهو على بغلة له شهباء، فقال: يا عباس ناد أصحاب السمرة وكنت رجلا صيتا، فأذنت بصوتي الاعلى: أين أصحاب السمرة ؟ فالتفتوا كأنها الابل إذا حنت إلى أولادها، يقولون: يا لبيك يا لبيك يا لبيك وأقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون، وتنادت الانصار: يا معشر الانصار ثم قصرت الدعوة في بني الحرث بن الخزرج، فتنادوا: يا بني الحرث بن الخزرج فنظر رسول الله (ص) وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم، فقال: هذا حين حمي الوطيس. ثم أخذ بيده من الحصباء فرماهم بها، ثم قال: انهزموا ورب الكعبة انهزموا ورب الكعبة قال: فوالله ما زال أمرهم مدبرا وحدهم كليلا حتى هزمهم الله. قال: فلكأني أنظر إلى رسول الله (ص) يركض خلفهم على بغلته. 12878 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب. أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك، فقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا. فقال النبي (ص): إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه، اختاروا إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم قالوا: ما كنا نعدل بالاحساب شيئا. فقام رسول الله (ص)، فقال: إن هؤلاء قد جاءوني مسلمين، وإنا خيرناهم بين الذراري والاموال فلم يعدلوا بالاحساب شيئا، فمن كان بيده منهم شئ فطابت نفسه أن يرده فليفعل ذلك، ومن لا فليعطنا، وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه فقالوا: يا نبي الله رضينا وسلمنا. فقال: إني لا أدري، لعل منكم من لا يرضى، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا وسلموا.
[ 132 ]
12879 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا يعلى بن عطاء، عن أبي همام، عن أبي عبد الرحمن، يعني الفهري، قال: كنت مع النبي (ص) في غزوة حنين فلما ركدت الشمس لبست لامتي وركبت فرسي، حتى أتيت النبي (ص) وهو في ظل شجرة، فقلت: يا رسول الله قد حان الرواح، فقال: أجل فنادى: يا بلال يا بلال فقام بلال من تحت سمرة، فأقبل كأن ظله ظل طير، فقال: لبيك وسعديك، ونفسي فداؤك يا رسول الله فقال له النبي (ص): أسرج فرسي فأخرج سرجا دفتاه حشوهما ليف، ليس فيهما أشر ولا بطر. قال: فركب النبي (ص)، فصاففناهم يومنا وليلتنا فلما التقى الخيلان ولى المسلمون مدبرين، كما قال الله، فنادى رسول الله (ص): يا عباد الله، يا معشر المهاجرين قال: ومال النبي (ص) عن فرسه، فأخذ حفنة من تراب فرمى بها وجوههم، فولوا مدبرين. قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا وقد امتلات عيناه من ذلك التراب. 12880 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء، وسأله رجل من قيس: فررتم عن رسول الله (ص) يوم حنين ؟ فقال البراء: لكن رسول الله (ص) لم يفر، وكانت هوازن يومئذ رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله (ص) على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان بن الحرث آخذ بلجامها، وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: سأله رجل: يا أبا عمارة، وليتم يوم حنين ؟ فقال البراء وأنا أسمع: أشهد أن رسول الله لم يول يومئذ دبره، وأبو سفيان يقود بغلته، فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول:
[ 133 ]
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فما رؤي يومئذ أحد من الناس كان أشد منه. 12881 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني جعفر بن سليمان، عن عوف الاعرابي، عن عبد الرحمن مولى أم برثن، قال: ثني رجل كان من المشركين يوم حنين، قال: لما التقينا نحن وأصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، لم يقفوا لنا حلب شاة أن كشفناهم. فبينا نحن نسوقهم، إذا انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء، فتلقانا رجال بيض حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا، وركبنا القوم فكانت إياها. 12882 - حدثنا ابن حيمد، قال: ثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: أمد الله نبيه (ص) يوم حنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين. قال: ويومئذ سمى الله الانصار مؤمنين. قال: فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها. 12883 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا قال: كانوا اثني عشر ألفا. 12884 - حدثنا محمد بن يزيد الآدمي، قال: ثنا معن بن عيسى، عن سعيد بن السائب الطائفي، عن أبيه، عن يزيد بن عامر، قال: لما كانت انكشافة المسلمين حين انكشفوا يوم حنين، ضرب النبي (ص) يده إلى الارض، فأخذ منها قبضة من تراب، فأقبل بها على المشركين وهم يتبعون المسلمين، فحثاها في وجوههم وقال: ارجعوا شاهت الوجوه قال: فانصرفنا ما يلقي أحد أحدا إلا وهو يمسح القذى عن عينيه. 12885 - وبه عن يزيد بن عامر السوائي، قال: قيل له: يا أبا حاجز، الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين ماذا وجدتم ؟ قال: وكان أبو حاجز مع المشركين يوم حنين، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن، ثم يقول: كان في أجوافنا مثل هذا.
[ 134 ]
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني المعتمر بن سليمان، عن عوف، قال: سمعت عبد الرحمن مولى أم برثن أو أم مريم، قال: ثني رجل كان في المشركين يوم حنين، قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله (ص) يوم حنين، لم يقوموا لنا حلب شاة، قال: فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في أدبارهم، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله (ص). قال: فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا قال: فانهزمنا وركبوا أكتافنا، فكانت إياها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين) *. يقول تعالى ذكره: ثم من بعد ما ضاقت عليكم الارض بما رحبت وتوليتكم الاعداء أدباركم، كشف الله نازل البلاء عنكم، بإنزاله السكينة وهي الامنة والطمأنينة عليكم. وقد بينا أنها فعيلة من السكون فيما مضى من كتابنا هذا قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأنزل جنودا لم تروها وهي الملائكة التي ذكرت في الاخبار التي قد مضى ذكرها. وعذب الذين كفروا يقول: وعذب الله الذين جحدوا وحدانيته ورسالة رسوله محمد (ص) بالقتل وسبي الاهلين والذراري وسلب الاموال والذلة. وذلك جزاء الكافرين يقول: هذا الذي فعلنا بهم من القتل والسبي جزاء الكافرين، يقول: هو ثواب أهل جحود وحدانيته ورسالة رسوله. 12886 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وعذب الذين كفروا يقول: قتلهم بالسيف. 12887 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: وعذب الذين كفروا قال: بالهزيمة والقتل. 12888 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين قال: من بقي منهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 135 ]
* (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشآء والله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: ثم يتفضل الله بتوفيقه للتوبة والانابة إليه من بعد عذابه الذي به عذب من هلك منهم قتلا بالسيف على من يشاء أي يتوب الله على من يشاء من الاحياء يقبل به إلى طاعته والله غفور لذنوب من أناب وتاب إليه منهم ومن غيرهم منها، رحيم بهم فلا يعذبهم بعد توبتهم، ولا يؤاخذهم بها بعد إنابتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شآء إن الله عليم حكيم) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله وأقروا بوحدانيته: ما المشركون إلا نجس. واختلف أهل التأويل في معنى النجس وما السبب الذي من أجله سماهم بذلك، فقال بعضهم: سماهم بذلك لانهم يجنبون فلا يغتسلون، فقال: هم نجس، ولا يقربوا المسجد الحرام، لان الجنب لا ينبغي له أن يدخل المسجد. ذكر من قال ذلك: 12889 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، في قوله: إنما المشركون نجس: لا أعلم قتادة إلا قال: النجس: الجنابة. 12890 - وبه عن معمر، قال: وبلغني أن النبي (ص) لقي حذيفة، وأخذ النبي (ص) بيده، فقال حذيفة: يا رسول الله إني جنب فقال: إن المؤمن لا ينجس. 12891 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس: أي أجناب. وقال آخرون: معنى ذلك: ما المشركون إلا رجس خنزير أو كلب. وهذ قول روي عن ابن عباس من وجه غير حميد، فكرهنا ذكره. وقوله: فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا يقول للمؤمنين: فلا تدعوهم
[ 136 ]
أن يقربوا المسجد الحرام بدخولهم الحرم. وإنما عني بذلك منعهم من دخول الحرم، لانهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا المسجد الحرام. وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم فيه نحو الذي قلناه. ذكر من قال ذلك: 12892 - حدثنا بشر وابن المثنى، قالا: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الحرم كله قبلة ومسجد، قال: فلا يقربوا المسجد الحرام لم يعن المسجد وحده، إنما عنى مكة والحرم. قال ذلك غير مرة. وذكر عن عمر بن عبد العزيز في ذلك ما: 12893 - حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثني الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو: أن عمر بن عبد العزيز كتب: أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين وأتبع في نهيه قول الله: إنما المشركون نجس. 12894 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن الحسن: إنما المشركون نجس قال: لا تصافحوهم، فمن صافحهم فليتوضأ. وأما قوله: بعد عامهم هذا فإنه يعني: بعد العام الذي نادى فيه علي رحمة الله عليه ببراءة، وذلك عام حج بالناس أبو بكر، وهي سنة تسع من الهجرة. كما: 12895 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وهو العام الذي حج فيه أبو بكر، ونادى علي رحمة الله عليهما بالاذان وذلك لتسع سنين مضين من هجرة رسول الله (ص). وحج نبي الله (ص) من العام المقبل حجة الوداع لم يحج قبلها ولا بعدها. وقوله: وإن خفتم عيلة يقول للمؤمنين: وإن خفتم فاقة وفقرا، بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام. فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء يقال منه: عال يعيل عيلة وعيولا، ومنه قول الشاعر: وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
[ 137 ]
وقد حكي عن بعضهم أن من العرب من يقول في الفاقة: عال يعول بالواو. وذكر عن عمر بن فائد أنه كان تأول قوله: وإن خفتم عيلة بمعنى: وإذ خفتم، ويقول: كان القوم قد خافوا، وذلك نحو قول القائل لابيه: إن كنت أبي فأكرمني، بمعنى: إذ كنت أبي. وإنما قيل ذلك لهم، لان المؤمنين خافوا بانقطاع المشركين عن دخول الحرم انقطاع تجاراتهم ودخول ضرر عليهم بانقطاع ذلك، وأمنهم الله من العيلة وعوضهم مما كانوا يكرهون انقطاعه عنهم ما هو خير لهم منه، وهو الجزية، فقال لهم: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله... إلى: صاغرون. وقال قوم بإدرار المطر عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12896 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قال: لما نفى الله المشركين عن المسجد الحرام ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن، قال: من أين تأكلون وقد نفي المشركون وانقطعت عنكم العير ؟ فقال الله: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء فأمرهم بقتال أهل الكتاب، وأغناهم من فضله. * - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت، ويجيئون معهم بالطعام ويتجرون فيه فلما نهوا أن يأتوا البيت قال المسلمون: من أين لنا طعام ؟ فأنزل الله: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء فأنزل عليهم المطر، وكثر خيرهم حين ذهب عنهم المشركون. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن علي بن صالح، عن سماك، عن عكرمة: إنما المشركون نجس... الآية، ثم ذكر نحو حديث هناد، عن أبي الاحوص، 12897 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن واقد، عن
[ 138 ]
سعيد بن جبير، قال: لما نزلت: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا شق ذلك على أصحاب رسول الله (ص)، وقالوا: من يأتينا بطعامنا، ومن يأتينا بالمتاع ؟ فنزلت: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء. 12898 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن واقد مولى زيد بن خلدة، عن سعيد بن جبير، قال: كان المشركون يقدمون عليهم بالتجارة، فنزلت هذه الآية: إنما المشركون نجس... إلى قوله: عيلة قال: الفقر. فسوف يغنيكم الله من فضله. 12899 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية العوفي، قال: قال المسلمون: قد كنا نصيب من تجارتهم وبياعاتهم، فنزلت: إنما المشركون نجس... إلى قوله: من فضله. 12900 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، أحسبه قال: أنبأنا أبو جعفر، عن عطية، قال: لما قيل: ولا يحج بعد العام مشرك قالوا: قد كنا نصيب من بياعاتهم في الموسم. قال: فنزلت: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله يعني: بما فاتهم من بياعاتهم. 12901 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن يمان، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله قال: بالجزية. 12902 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن يمان وأبو معاوية، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك، قال: أخرج المشركون من مكة، فشق ذلك على المسلمين، وقالوا: كنا نصيب منهم التجارة والميرة. فأنزل الله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. 12903 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله كان ناس من المسلمين يتألفون العير فلما نزلت براءة بقتال المشركين حيثما ثقفوا، وأن يقعدوا لهم كل مرصد، قذف الشيطان في قلوب المؤمنين. فمن أين تعيشون وقد أمرتم بقتال أهل العير ؟ فعلم الله من ذلك ما علم، فقال: أطيعوني، وامضوا لامري، وأطيعوا رسولي، فإني سوف أغنيكم من فضلي فتوكل لهم الله بذلك.
[ 139 ]
12904 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إنما المشركون نجس... إلى قوله: فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء قال: قال المؤمنون: كنا نصيب من متاجر المشركين. فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله عوضا لهم بأن لا يقربوهم المسجد الحرام. فهذه الآية من أول براءة في القراءة، ومن آخرها في التأويل: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر... إلى قوله: عن يد وهم صاغرون حين أمر محمد وأصحابه بغزوة تبوك. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. 12905 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما نفى الله المشركين عن المسجد الحرام، شق ذلك على المسلمين، وكانوا يأتون ببياعات ينتفع بذلك المسلمون، فأنزل الله تعالى ذكره: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله فأغناهم بهذا الخراج الجزية الجارية عليهم، يأخذونها شهرا شهرا، عاما عاما. فليس لاحد من المشركين أن يقرب المسجد الحرام بعد عامهم بحال إلا صاحب الجزية، أو عبد رجل من المسلمين. 12906 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة. 12907 - قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قال: إلا صاحب جزية، أو عبدا لرجل من المسلمين. * - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في هذه الآية: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام إلا أن يكون عبدا أو أحدا من
[ 140 ]
أهل الجزية. 12908 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله قال: أغناهم الله بالجزية الجارية شهرا فشهرا وعاما فعاما. 12909 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن أبي الزبير، عن جابر: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قال: لا يقرب المسجد الحرام بعد عامه هذا مشرك ولا ذمي. 12910 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة وذلك أن الناس قالوا: لتقطعن عنا الاسواق ولتهلكن التجارة وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق فنزل: وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله من وجه غير ذلك إن شاء... إلى قوله: وهم صاغرون، ففي هذا عوض مما تخوفتم من قطع تلك الاسواق. فعوضهم الله بما قطع عنهم من أمر الشرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية وأما قوله: ان الله عليم حكيم فإن معناه: إن الله عليم بما حدثتكم به أنفسكم أيها المؤمنون من خوف العيلة عليها بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام، وغير ذلك من مصالح عباده، حكيم في تدبيره إياهم وتدبير جميع خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله (ص): قاتلوا أيها المؤمنون القوم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر يقول: ولا يصدقون بجنة ولا نار، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق يقول: ولا يطيعون الله طاعة الحق، يعني: أنهم لا يطيعون طاعة أهل الاسلام من الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى، وكل
[ 141 ]
مطيع ملكا أو ذا سلطان، فهو دائن له، يقال منه: دان فلان لفلان فهو يدين له دينا، قال زهير: لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدك وقوله: من الذين أوتوا الكتاب يعني: الذين أعطوا كتاب الله، وهم أهل التوراة والانجيل. حتى يعطوا الجزية والجزية: الفعلة من جزى فلان فلانا ما عليه: إذا قضاه، يجزيه. والجزية مثل القعدة والجلسة. ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراج عن رقابهم الذي يبذلونه للمسلمين دفعا عنها. وأما قوله: عن يد فإنه يعني: من يده إلى يد من يدفعه إليه، وكذلك تقول العرب لكل معط قاهرا له شيئا طائعا له أو كارها: أعطاه عن يده وعن يد وذلك نظير قولهم: كلمته فما لفم ولقيته كفة لكفة، وكذلك أعطيته عن يد ليد. وأما قوله: وهم صاغرون فإن معناه: وهم أذلاء مقهورون، يقال للذليل الحقير: صاغر. وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) في أمره بحرب الروم، فغزا رسول الله (ص) بعد نزولها غزوة تبوك. ذكر من قال ذلك: 12911 - حدثني محمد بن عروة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون حين أمر محمد وأصحابه بغزوة تبوك. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. واختلف أهل التأويل في معنى الصغار الذي عناه الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: أن يعطيها وهو قائم والآخذ جالس. ذكر من قال ذلك: 12912 - حدثني عبد الرحمن بن بشر النيسابوري، قال: ثنا سفيان، عن ابن
[ 142 ]
سعد، عن عكرمة: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال: أي تأخذها وأنت جالس وهو قائم. وقال آخرون: معنى قوله: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون عن أنفسهم بأيديهم يمشون بها وهم كارهون، وذلك قول روي عن ابن عباس من وجه فيه نظر. وقال آخرون: إعطاؤهم إياها هو الصغار. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) *. اختلف أهل التأويل في القائل: عزير ابن الله فقال بعضهم: كان ذلك رجلا واحدا، هو فنحاص. ذكر من قال ذلك: 12913 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير، قوله: وقالت اليهود عزير ابن الله، قال: قالها رجل واحد، قالوا: إن اسمه فنحاص، وقالوا: هو الذي قال: إن الله فقير ونحن أغنياء. وقال آخرون: بل كان ذلك قول جماعة منهم. ذكر من قال ذلك: 12914 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتى رسول الله (ص) سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل في ذلك من قولهم: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله... إلى: أنى يؤفكون.
[ 143 ]
12915 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وقالت اليهود عزير ابن الله وإنما قالوا: هو ابن الله من أجل أن عزيرا كان في أهل الكتاب وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله أن يعملوا، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق. وكان التابوت فيهم فلما رأى الله أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالاهواء، رفع الله عنهم التابوت، وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم، وأرسل الله عليهم مرضا، فاستطلقت بطونهم، حتى جعل الرجل يمشي كبده، حتى نسوا التوراة، ونسخت من صدورهم، وفيهم عزير. فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا بعد ما نسخت التوراة من صدورهم، وكان عزير قبل من علمائهم، فدعا عزير الله وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره من التوراة. فبينما هو يصلي مبتهلا إلى الله، نزل نور من الله فدخل جوفه، فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة، فأذن في قومه فقال: يا قوم قد آتاني الله التوراة، وردها إلي فعلق يعلمهم، فمكثوا ما شاء الله وهو يعلمهم. ثم إن التابوت نزل بعد ذلك، وبعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان عزير يعلمهم، فوجدوه مثله، فقالوا: والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله. 12916 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وقالت اليهود عزير ابن الله إنما قالت ذلك، لانهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم، وأخذوا التوراة، وذهب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال. وكان عزير غلاما يتعبد في رءوس الجبال لا ينزل إلا يوم عيد، فجعل الغلام يبكي ويقول: رب تركت بني إسرائيل بغير عالم فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه. فنزل مرة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه، ويا كاسياه فقال لها: ويحك، من كان يطعمك ويكسوك ويسقيك وينفعك قبل هذا الرجل ؟ قالت: الله. قال: فإن الله حي لم يمت. قالت: يا عزير، فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل ؟ قال: الله. قالت: فلم تبكي عليهم ؟ فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبرا، فدعته فقالت: يا عزير إذا أصبحت غدا فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه، ثم اخرج فصل ركعتين، فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه فلما أصبح، انطلق عزير إلى ذلك النهر، فاغتسل فيه، ثم خرج فصلى ركعتين، فجاءه الشيخ فقال: افتح فمك ففتح فمه، فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعا كهيئة القوارير ثلاث مرار. فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة، فقال: يا بني إسرائيل، إني قد جئتكم بالتوراة. فقالوا يا عزير ما كنت كذابا. فعمد فربط على كل أصبع له قلما، وكتب بأصابعه كلها، فكتب التوراة كلها. فلما
[ 144 ]
رجع العلماء أخبروا بشأن عزير، فاستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال، وكانت في خواب مدفونة، فعارضوها بتوراة عزير فوجدوها مثلها، فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض المكيين والكوفيين: وقالت اليهود عزير ابن الله لا ينونون عزيرا. وقرأه بعض المكيين والكوفيين: عزير ابن الله بتنوين عزير. قال: هو اسم مجرى وإن كان أعجميا لخفته، وهو مع ذلك غير منسوب إلى الله، فيكون بمنزلة قول القائل: زيد بن عبد الله، وأوقع الابن موقع الخبر، ولو كان منسوبا إلى الله لكان الوجه فيه إذا كان الابن خبرا: الاجراء والتنوين، فكيف وهو منسوب إلى غير أبيه. وأما من ترك تنوين عزير، فإنه لما كانت الباء من ابن ساكنة مع التنوين الساكن والتقى ساكنان فحذف الاول منهما استثقالا لتحريكه، قال الراجز: لتجدني بالامير برا وبالقناة مدعسا مكرا إذا غطيف السلمي فرا فحذف النون للساكن الذي استقبلها. قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: عزير ابن الله بتنوين عزير لان العرب لا تنون الاسماء إذا كان الابن نعتا للاسم، كقولهم: هذا زيد بن عبد الله، فأرادوا الخبر عن عزير بأنه ابن الله، ولم يريدوا أن يجعلوا الابن له نعتا. والابن في هذا الموضع خبر لعزير، لان الذين ذكر الله عنهم أنهم قالوا ذلك، إنما أخبروا عن عزير أنه كذلك، وإن كانوا بقيلهم ذلك كانوا كاذبين على الله مفترين. وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل يعني قول اليهود: عزير ابن الله. يقول: نسبة قول هؤلاء في الكذب على الله والفرية عليه ونسبتهم المسيح إلى أنه لله ابن ككذب اليهود وفريتهم على الله في نسبتهم عزير إلى أنه لله ابن، ولا ينبغي أن يكون لله ولد سبحانه، بل له ما في السموات والارض، كل له قانتون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 145 ]
12917 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يضاهئون قول الذين كفروا من قبل يقول: يشبهون. 12918 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم. 12919 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يضاهئون قول الذين كفروا من قبل النصارى يضاهئون قول اليهود في عزير. 12920 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج: يضاهئون قول الذين كفروا من قبل يقول: النصارى يضاهئون قول اليهود. 12921 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يضاهئون قول الذين كفروا من قبل يقول: قالوا مثل ما قال أهل الاوثان. وقد قيل: إن معنى ذلك: يحكون بقولهم قول أهل الاديان الذين قالوا: اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق: يضاهون بغير همز. وقرأه عاصم: يضاهئون بالهمز، وهي لغة لثقيف. وهما لغتان، يقال: ضاهيته على كذا أضاهيه مضاهاة وضاهأته عليه مضاهأة، إذا مالاته عليه وأعنته. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك ترك الهمز، لانها القراءة المستفيضة في قرأة الامصار واللغة الفصحى. وأما قوله: قاتلهم الله فإن معناه فيما ذكر عن ابن عباس، ما: 12922 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: قاتلهم الله يقول: لعنهم الله، وكل شئ في القرآن قتل فهو لعن. وقال ابن جريج في ذلك، ما: 12923 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: قاتلهم الله يعني النصارى، كلمة من كلام العرب.
[ 146 ]
فأما أهل المعرفة بكلام العرب فإنهم يقولون معناه: قتلهم الله، والعرب تقول: قاتعك الله، وقاتعها الله بمعنى: قاتلك الله، قالوا: وقاتعك الله أهون من قاتله الله. وقد ذكروا أنهم يقولون: شاقاه الله ما باقاه، يريدون: أشقاه الله ما أبقاه. قالوا: ومعنى قوله: قاتلهم الله كقوله: قتل الخراصون وقتل أصحاب الاخدود واحد، وهو بمعنى التعجب. فإن كان الذي قالوا كما قالوا، فهو من نادر الكلام الذي جاء على غير القياس، لان فاعلت لا تكاد أن تجئ فعلا إلا من اثنين، كقولهم: خاصمت فلانا وقاتلته، وما أشبه ذلك. وقد زعموا أن قولهم: عافاك الله منه، وأن معناه: أعفاك الله، بمعنى الدعاء لمن دعا له بأن يعفيه من السوء. وقوله: أنى يؤفكون يقول: أي وجه يذهب بهم ويحيدون، كيف يصدون عن الحق، وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى قبل. القول في تأويل قوله تعالى: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) *. يقول جل ثناؤه: اتخذ اليهود أحبارهم، وهم العلماء. وقد بينت تأويل ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا. قيل واحدهم حبر وحبر بكسر الحاء منه وفتحها. وكان يونس الجرمي فيما ذكر عنه يزعم أنه لم يسمع ذلك إلا حبر بكسر الحاء، ويحتج بقول الناس: هذا مداد حبر، يراد به: مداد عالم. وذكر الفراء أنه سمعه حبرا وحبرا بكسر الحاء وفتحها. والنصارى رهبانهم، وهم أصحاب الصوامع وأهل الاجتهاد في دينهم منهم. كما: 12924 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم قال: قراءهم وعلماءهم.
[ 147 ]
أربابا من دون الله يعني: سادة لهم من دون الله يطيعونهم في معاصي الله، فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم ويحرمون ما يحرمونه عليهم مما قد أحله الله لهم. كما: 12925 - حدثني الحسن بن يزيد الطحان، قال: ثنا عبد السلام بن حرب الملائي، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: انتهيت إلى النبي (ص) وهو يقرأ في سورة براءة: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فقال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكن كانوا يحلون لهم فيحلون. * - حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا مالك بن إسماعيل، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعا عن عبد السلام بن حرب، قال: ثنا غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت رسول الله (ص) وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك قال: فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال: قلت: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ قال: قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم واللفظ لحديث أبي كريب. * - حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية عن قيس بن الربيع، عن عبد السلام بن حرب النهدي، عن غطيف، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: سمعت رسول الله (ص) يقرأ سورة براءة فلما قرأ: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قلت: يا رسول الله، أما إنهم لم يكونوا يصلون لهم ؟ قال: صدقت، ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه، ويحرمون ما أحل الله لهم فيحرمونه. 12926 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا
[ 148 ]
سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري، عن حذيفة، أنه سئل عن قوله: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله أكانوا يعبدونهم ؟ قال: لا، كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب، عن أبي البختري، قال: قيل لابي حذيفة فذكر نحوه، غير أنه قال: ولكن كانوا يحلون لهم الحرام فيستحلونه، ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، عن حبيب، عن أبي البختري قال: قيل لحذيفة: أرأيت قول الله: اتخذوا أحبارهم ؟ قال: أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم، ولا يصلون لهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا أحله الله لهم حرموه، فتلك كانت ربوبيتهم. 12927 - قال: ثنا جرير وابن فضيل، عن عطاء، عن أبي البختري: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال: انطلقوا إلى حلال الله فجعلوه حراما، وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالا، فأطاعوهم في ذلك، فجعل الله طاعتهم عبادتهم، ولو قالوا لهم اعبدونا لم يفعلوا. * - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري، قال: سأل رجل حذيفة، فقال: يا أبا عبد الله أرأيت قوله: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله أكانوا يعبدونهم ؟ قال: لا، كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. 12928 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن أشعث، عن الحسن: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا قال: في الطاعة. - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله يقول: وزينوا لهم طاعتهم. 12929 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا
[ 149 ]
أسباط، عن السدي: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال عبد الله بن عباس: لم يأمروهم أن يسجدوا لهم، ولكن أمروهم بمعصية الله، فأطاعوهم، فسماهم الله بذلك أربابا. 12930 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا قال: قلت لابي العالية: كيف كانت الربوبية التي كانت في بني إسرائيل ؟ قال قالوا: ما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنا انتهينا لقولهم: وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه، فاستنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. 12931 - حدثني بشر بن سويد، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن حذيفة: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال: لم يعبدوهم، ولكنهم أطاعوهم في المعاصي. وأما قوله: والمسيح ابن مريم فإن معناه: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أربابا من دون الله. وأما قوله: وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا فإنه يعني به: وما أمر هؤلاء اليهود والنصارى الذين اتخذوا الاحبار والرهبان والمسيح أربابا إلا أن يعبدوا معبودا واحدا، وأن يطيعوا إلا ربا واحدا دون أرباب شتى وهو الله الذي له عبادة كل شئ وطاعة كل خلق، المستحق على جميع خلقه الدينونة له بالوحدانية والربوبية، لا إله إلا هو. يقول تعالى ذكره: لا تنبغي الالوهة إلا لواحد الذي أمر الخلق بعبادته، ولزمت جميع العباد طاعته. سبحانه عما يشركون يقول: تنزيها وتطهيرا لله عما يشرك في طاعته وربوبيته القائلون عزير ابن الله، والقائلون المسيح ابن الله، المتخذون أحبارهم أربابا من دون الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) *. يقول تعالى ذكره: يريد هؤلاء المتخذون أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أربابا أن يطفئوا نور الله بأفواههم يعني: أنهم يحاولون بتكذيبهم بدين الله الذي ابتعث به
[ 150 ]
رسوله وصدهم الناس عنه بألسنتهم أن يبطلوه، وهو النور الذي جعله الله لخلقه ضياء. ويأبى الله إلا أن يتم نوره يعلو دينه وتظهر كلمته، ويتم الحق الذي بعث به رسوله محمدا (ص)، ولو كره إتمام الله إياه الكافرون، يعني: جاحديه المكذبين به. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12932 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم يقول: يريدون: أن يطفئوا الاسلام بكلامهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) *. يقول تعالى ذكره: الله الذي يأبى إلا إتمام دينه ولو كره ذلك جاحدوه ومنكروه، الذي أرسل رسوله محمدا (ص) بالهدى، يعني: ببيان فرائض الله على خلقه، وجميع اللازم لهم، وبدين الحق وهو الاسلام، ليظهره على الدين كله يقول: ليعلى الاسلام على الملل كلها، ولو كره المشركون بالله ظهوره عليها. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ليظهره على الدين كله فقال بعضهم: ذلك عند خروج عيسى حين تصير الملل كلها واحدة. ذكر من قال ذلك: 12933 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا شقيق، قال: ثني ثابت الحداد أبو المقدام، عن شيخ، عن أبي هريرة في قوله: ليظهره على الدين كله قال: حين خروج عيسى ابن مريم. 12934 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن فضيل بن مرزوق، قال: ثني من سمع أبا جعفر: ليظهره على الدين كله قال: إذا خرج عيسى عليه السلام اتبعه أهل كل دين. وقال آخرون: معنى ذلك: ليعلمه شرائع الدين كلها فيطلعه عليها. ذكر من قال ذلك:
[ 151 ]
12935 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ليظهره على الدين كله قال: ليظهر الله نبيه على أمر الدين كله، فيعطيه إياه كله، ولا يخفى عليه منه شئ. وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بوحدانية ربهم، إن كثيرا من العلماء والقراء من بني إسرائيل من اليهود والنصارى ليأكلون أموال الناس بالباطل يقول: يأخذون الرشا في أحكامهم، ويحرفون كتاب الله، ويكتبون بأيديهم كتبا ثم يقولون: هذه من عند الله، ويأخذون بها ثمنا قليلا من سفلتهم. ويصدون عن سبيل الله يقول: ويمنعون من أراد الدخول في الاسلام الدخول فيه بنهيهم إياهم عنه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12936 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل أما الاحبار، فمن اليهود وأما الرهبان: فمن النصارى وأما سبيل الله: فمحمد (ص). القول في تأويل قوله تعالى: الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يقول تعالى ذكره: إن كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويأكلها أيضا معهم والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يقول: بشر الكثير من الاحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، بعذاب أليم لهم يوم القيامة موجع من الله.
[ 152 ]
واختلف أهل العلم في معنى الكنز، فقال بعضهم: هو كل مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤد زكاته. قالوا: وعنى بقوله: ولا ينفقونها في سبيل الله ولا يؤدون زكاتها. ذكر من قال ذلك: 12937 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كل مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا، وكل مال لم تؤد زكاته فهو الكنز الذي ذكره الله في القرآن يكوى به صاحبه وإن لم يكن مدفونا. * - حدثنا الحسين بن الجنيد، قال: ثنا سعيد بن مسلمة، قال: ثنا إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: كل مال أديت منه الزكاة فليس بكنز وإن كان مدفونا، وكل مال لم تؤد منه الزكاة وإن لم يكن مدفونا فهو كنز. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الارض، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه، وإن كان على وجه الارض. 12938 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي وجرير، عن الاعمش، عن عطية، عن ابن عمر، قال: ما أديت زكاته فليس بكنز. * - قال: ثنا أبي، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا. 12939 - قال: ثنا جرير، عن الشيباني، عن عكرمة، قال: ما أديت زكاته فليس بكنز. 12940 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أما الذين يكنزون الذهب والفضة فهؤلاء أهل القبلة. والكنز: ما لم تؤد زكاته وإن كان على ظهر الارض وإن قل وإن كان كثيرا قد أديت زكاته، فليس بكنز. 12941 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل. عن جابر، قال: قلت لعامر: مال على رف بين السماء والارض لا تؤدى زكاته، أكنز هو ؟ قال: يكوى به يوم القيامة.
[ 153 ]
وقال آخرون: كل مال زاد على أربعة آلاف درهم، فهو كنز، أديت منه الزكاة أو لم تؤد. ذكر من قال ذلك: 12942 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي الضحى، عن جعدة بن هبيرة، عن علي رحمه الله عليه قال: أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة، فما كان أكثر من ذلك فهو كنز. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن أبي الضحى، عن جعدة بن هبيرة، عن علي، مثله. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الشعبي، قال: أخبرني أبو حصين، عن أبي الضحى، عن جعدة بن هبيرة، عن علي رحمة الله عليه، في قوله: والذين يكنزون الذهب والفضة قال: أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة، وما فوقها كنز. وقال آخرون: الكنز كل ما فضل من المال عن حاجة صاحبه إليه. ذكر من قال ذلك: 12943 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبة، عن أنس، عن عبد الواحد أنه سمع أبا مجيب قال: كان نعل سيف أبي هريرة من فضة، فنهاه عنها أبو ذر، وقال: إن رسول الله (ص) قال: من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها. 12944 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن الاعمش وعمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: لما نزلت: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله قال النبي (ص): تبا للذهب تبا للفضة يقولها ثلاثا. قال: فشق ذلك على أصحاب رسول الله (ص)، قالوا: فأي مال نتخذ ؟ فقال عمر: أنا أعلم لكم ذلك. فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم وقالوا: فأي المال نتخذ، فقال: لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين أحدكم على دينه.
[ 154 ]
12945 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا إسرائيل، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، بمثله. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: لما نزلت هذه الآية: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله قال المهاجرون: وأي المال نتخذ ؟ فقال عمر: أسأل النبي (ص) عنه. قال: فأدركته على بعير، فقلت: يا رسول الله إن المهاجرين قالوا: فأي المال نتخذه ؟ فقال رسول الله (ص): لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه. 12946 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة، قال: توفي رجل من أهل الصفة، فوجد في مئزره دينار، فقال رسول الله (ص): كية ثم توفي آخر، فوجد في مئزره ديناران، فقال النبي (ص): كيتان. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن صدى بن عجلان أبي أمامة، قال: مات رجل من أهل الصفة، فوجد في مئزره دينار، فقال رسول الله (ص): كية ثم توفي آخر، فوجد في مئزره ديناران فقال نبي الله: كيتان. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن ثوبان، قال: كنا في سفر ونحن نسير مع رسول الله (ص)، قال المهاجرون: لوددنا أنا علمنا أي المال خير فنتخذه إذ نزل في الذهب والفضة ما نزل، فقال عمر: إن شئتم سألت رسول الله (ص) عن ذلك. فقالوا: أجل. فانطلق فتبعته أوضع على بعيري، فقال: يا رسول الله إن المهاجرين لما أنزل الله في الذهب والفضة ما أنزل قالوا: وددنا أنا علمنا أي المال خير فنتخذه، قال:
[ 155 ]
نعم، فيتخذ أحدكم لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين أحدكم على إيمانه. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك بالصحة: القول الذي ذكر عن ابن عمر من أن كل مال أديت زكاته فليس بكنز يحرم على صاحبه اكتنازه وإن كثر، وأن كل مال لم تؤد زكاته فصاحبه معاقب مستحق وعيد الله إلا أن يتفضل الله عليه بعفوه وإن قل إذا كان مما يجب فيه الزكاة. وذلك أن الله أوجب في خمس أواق من الورق على لسان رسوله ربع عشرها، وفي عشرين مثقالا من الذهب مثل ذلك ربع عشرها. فإذ كان ذلك فرض الله في الذهب والفضة على لسان رسوله، فمعلوم أن الكثير من المال وإن بلغ في الكثرة ألوف ألوف لو كان، وإن أديت زكاته من الكنوز التي أوعد الله أهلها عليها العقاب، لم يكن فيه الزكاة التي ذكرنا من ربع العشر، لان ما كان فرضا إخراج جميعه من المال وحرام اتخاذه فزكاته الخروج من جميعه إلى أهله لا ربع عشره، وذلك مثل المال المغصوب الذي هو حرام على الغاصب إمساكه وفرض عليه إخراجه من يده إلى يده، فالتطهر منه رده إلى صاحبه. فلو كان ما زاد من المال على أربعة آلاف درهم، أو ما فضل عن حاجة ربه التي لا بد منها مما يستحق صاحبه باقتنائه إذا أدى إلى أهل السهمان حقوقهم منها من الصدقة وعيد الله لم يكن اللازم ربه فيه ربع عشره، بل كان اللازم له الخروج من جميعه إلى أهله وصرفه فيما يجب عليه صرفه، كالذي ذكرنا من أن الواجب على غاصب رجل ماله رده على ربه. وبعد، فإن فيما: 12947 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، قال: قال معمر: أخبرني سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص)، قال: ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس ثم يرى سبيله وإن كانت إبلا إلا بطح لها بقاع قرقر تطؤه بأخفافها حسبته قال: وتعضه بأفواهها، يرد أولاها على أخراها، حتى يقضى بين الناس ثم يرى سبيله. وإن كانت غنما فمثل ذلك، إلا أنها تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها.
[ 156 ]
وفي نظائر ذلك من الاخبار التي كرهنا الاطالة بذكرها الدلالة الواضحة على أن الوعيد إنما هو من الله على الاموال التي لم تؤد الوظائف المفروضة فيها لاهلها من الصدقة، لا على اقتنائها واكتنازها. وفيما بينا من ذلك البيان الواضح على أن الآية لخاص كما قال ابن عباس، وذلك ما: 12948 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يقول: هم أهل الكتاب، وقال: هي خاصة وعامة. يعني بقوله: هي خاصة وعامة هي خاصة من المسلمين فيمن لم يؤد زكاة ماله منهم، وعامة في أهل الكتاب لانهم كفار لا تقبل منهم نفقاتهم إن أنفقوا. يدل على صحة ما قلنا في تأويل قول ابن عباس هذا ما: 12949 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها... إلى قوله: هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون قال: هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم. قال: وكل مال لا تؤدى زكاته كان على ظهر الارض أو في بطنها فهو كنز، وكل مال تؤدى زكاته فليس بكنز كان على ظهر الارض أو في بطنها. 12950 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والذين يكنزون الذهب والفضة قال: الكنز: ما كنز عن طاعة الله وفريضته، وذلك الكنز. وقال: افترضت الزكاة والصلاة جميعا لم يفرق بينهما. وإنما قلنا ذلك على الخصوص، لان الكنز في كلام العرب: كل شئ مجموع بعضه على بعض في بطن الارض كان أو على ظهرها، يدل على ذلك قول الشاعر: لا در درى إن أطعمت نازلهم قرف الحتي وعندي البر مكنوز
[ 157 ]
يعني بذلك: وعند البر مجموع بعضه على بعض، وكذلك تقول العرب للبدن المجتمع: مكتنز لانضمام بعضه إلى بعض. وإذا كان ذلك معنى الكنز عندهم، وكان قوله: والذين يكنزون الذهب والفضة معناه: والذين يجمعون الذهب والفضة بعضها إلى بعض، ولا ينفقونها في سبيل الله وهو عام في التلاوة، لم يكن في الآية بيان كم ذلك القدر من الذهب والفضة الذي إذا جمع بعضه إلى بعض استحق الوعيد كان معلوما أن خصوص ذلك إنما أدرك بوقف الرسول عليه، وذلك كما بينا من أنه المال الذي لم يؤد حق الله منه من الزكاة دون غيره لما قد أوضحنا من الدلالة على صحته. وقد كان بعض الصحابة يقول: هي عامة في كل كنز، غير أنها خاصة في أهل الكتاب وإياهم عنى الله بها. ذكر من قال ذلك: 12951 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حصين عن زيد بن وهب، قال: مررت بالربذة، فلقيت أبا ذر، فقلت: يا أبذر، ما أنزلك هذه البلاد ؟ قال: كنت بالشأم، فقرأت هذه الآية: والذين يكنزون الذهب والفضة... الآية، فقال معاوية: ليست هذه الآية فينا، إنما هذه الآية في أهل الكتاب. قال: فقلت إنها لفينا وفيهم. قال: فارتفع في ذلك بيني وبينه القول، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إلي عثمان: أن أقبل إلي قال: فأقبلت فلما قدمت المدينة ركبني الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذ، فشكوت ذلك إلى عثمان، فقال لي: تنح قريبا قلت: والله إلى لن أدع ما كنت أقول. * - حدثنا أبو كريب وأبو السائب وابن وكيع، قالوا: ثنا ابن إدريس، قال ثنا حصين، عن زيد بن وهب، قال: مررنا بالربذة، ثم ذكر عن أبي ذر نحوه. 12952 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن أشعث، وهشام، عن أبي بشر، قال: قال أبو ذر: خرجت إلى الشام فقرأت هذه الآية: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فقال معاوية: إنما هي في أهل الكتاب، قال: فقلت: إنها لفينا وفيهم. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن زيد بن وهب، قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، قال: قلت له: ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال:
[ 158 ]
كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله قال: فقال: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم. ثم ذكر نحو حديث هشيم عن حصين. فإن قال قائل: فكيف قيل: ولا ينفقونها في سبيل الله فأخرجت الهاء والالف مخرج الكناية عن أحد النوعين ؟ قيل: يحتمل ذلك وجهين: أحدهما أن يكون الذهب والفضة مرادا بها الكنوز، كأنه قيل: والذين يكنزون الكنوزو لا ينفقونها في سبيل الله لان الذهب والفضة هي الكنوز في هذا الموضع. والآخر أن يكون استغنى بالخبر عن إحداهما في عائد ذكرهما من الخبر عن الاخرى، لدلالة الكلام على أن الخبر عن الاخرى مثل الخبر عنها. وذلك كثير موجود في كلام العرب وأشعارها، ومنه قول الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف فقال: راض، ولم يقل: رضوان. وقال الآخر: إن شرح الشباب والشعر الاس ود ما لم يعاص كان جنونا فقال: يعاص، ولم يقل: يعاصيا في أشياء كثيرة. ومنه قول الله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ولم يقل: إليهما القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) *.
[ 159 ]
يقول تعالى ذكره: فبشر هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا يخرجون حقوق الله منها يا محمد بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فاليوم من صلة العذاب الاليم، كأنه قيل: يبشرهم بعذاب أليم يعذبهم الله به في يوم يحمى عليها. ويعني بقوله: يحمى عليها تدخل النار فيوقد عليها أي على الذهب والفضة التي كنزوها في نار جهنم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، وكل شئ أدخل النار فقد أحمي إحماء، يقال منه: أحميت الحديدة في النار أحميها إحماء. وقوله: فتكوى بها جباههم يعني بالذهب والفضة المكنوزة. يحمى عليها في نار جهنم يكوي الله بها، يقول: يحرق الله جباه كانزيها وجنوبهم وظهورهم. هذا ما كنزتم ومعناه: ويقال لهم: هذا ما كنزتم في الدنيا أيها الكافرون الذين منعوا كنوزهم من فرائض الله الواجبة فيها لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون يقول: فيقال لهم: فأطعموا عذاب الله بما كنتم تمنعون من أموالكم حقوق الله وتكنزونها مكاثرة ومباهاة. وحذف من قوله هذا ما كنزتم ويقال لهم لدلالة الكلام عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12953 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن حميد بن هلال، قال: كان أبو ذر يقول: بشر الكنازين بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور، حتى يلتقي الحر في أجوافهم. 12954 - قال: ثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن الاحنف بن قيس، قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملا من قريش إذ جاء رجل خشن الثياب، خشن الجسد، خشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا. قال: وأدبر فاتبعته، حتى جلس إلى سارية،
[ 160 ]
فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئا. 12955 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم، قال: ثني عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي نصر عن الاحنف بن قيس، قال: رأيت في مسجد المدينة رجلا غليظ الثياب رث الهيئة، يطوف في الحلق وهو يقول: بشر أصحاب الكنوز بكي في جنوبهم، وكي في جباههم، وكي في ظهورهم ثم انطلق وهو يتذمر يقول: ما عسى تصنع بي قريش ؟. 12906 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال أبو ذر: بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه، وكي في الجنوب، وكي في الظهور. 12957 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: يوم يحمى عليها في نار جهنم قال: حية تنطوي على جبينه وجبهته، تقول: أنا مالك الذي بخلت به. 12958 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، أن نبي الله (ص) كان يقول: من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان، يتبعه يقول: ويلك ما أنت ؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبعه سائر جسده. 12959 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن طاوس، عن أبيه: قال: بلغني أن الكنوز تتحول يوم القيامة شجاعا يتبع صاحبه، وهو يفر منه ويقول: أنا كنزك لا يدرك منه شيئا إلا أخذه. 12960 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: والذي لا إله غيره، لا يكوى عبد بكنز فيمس دينار دينارا ولا
[ 161 ]
درهم درهما، ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته. * - قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، قال: ما من رجل يكوى بكنز فيوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع جلده. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منهآ أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كآفة كما يقاتلونكم كآفة واعلموا أن الله مع المتقين) *. يقول تعالى ذكره: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله الذي كتب فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى، يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم يقول: هذه الشهور الاثنا عشر، منها أربعة أشهر حرم كانت الجاهلية تعظمهن وتحرمهن وتحرم القتال فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يهجه. وهن: رجب مضر وثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وبذلك تظاهرت الاخبار عن رسول الله (ص). 12961 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثنا موسى بن عبيدة الربذي قال: ثني صدقة بن يسار، عن ابن عمر، قال: خطب رسول الله (ص) في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق، فقال: يا أيها الناس، إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. 12962 - حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح، قال: ثنا أشعث، عن محمد بن
[ 162 ]
سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ورجب مضر بين جمادى وشعبان. 12963 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة: أن النبي (ص) خطب في حجة الوداع، فقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالياث: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. 12964 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سليمان التيمي، قال: ثني رجل بالبحرين، أن رسول الله (ص) قال في خطبته في حجة الوداع: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان. 12965 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، قوله: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم إن النبي (ص)، قال: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان. 12966 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال في خطبته يوم منى: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات
[ 163 ]
والارض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. وهو قول عامة أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12967 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم أما أربعة حرم: فذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. وأما كتاب الله: فالذي عنده. 12968 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا قال: يعرف بها شأن النسئ ما نقص من السنة. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قول الله: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله قال: يذكر بها شأن النسئ. وأما قوله: ذلك الدين القيم. فإن معناه: هذا الذي أخبرتكم به، من أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله، وأن منها أربعة حرما: هو الدين المستقيم، كما: 12969 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ذلك الدين القيم يقول: المستقيم. 12970 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: ذلك الدين القيم قال: الامر القيم يقول: قال تعالى: واعلموا أيها الناس أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله الذي كتب فيه كل ما هو كائن، وأن من هذه الاثني عشر شهرا أربعة أشهر حرما ذلك دين الله المستقيم، لا ما يفعله النسئ من تحليله ما يحلل من شهور السنة وتحريمه ما يحرمه منها. وأما قوله: فلا تظلموا فيهن أنفسكم فإن معناه: فلا تعصوا الله فيها، ولا تحلوا فيهن ما حرم الله عليكم، فتكسبوا أنفسكم ما لا قبل لها به من سخط الله وعقابه. كما:
[ 164 ]
12971 - حدثني يونس، قال: قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال: الظلم: العمل بمعاصي الله والترك لطاعته. ثم اختلف أهل التأويل في الذي عادت عليه الهاء والنون في قوله: فيهن، فقال بعضهم: عاد ذلك على الاثني عشر شهرا، وقال: معناه: فلا تظلموا في الاشهر كلها أنفسكم. ذكر من قال ذلك: 12972 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم في كلهن. ثم خص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والاجر أعظم. 12973 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال: في الشهور كلها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تظلموا في الاربعة الاشهر الحرم أنفسكم، والهاء والنون عائدة على الاشهر الاربعة. ذكر من قال ذلك: 12974 - حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أما قوله: فلا تظلموا فيهن أنفسكم فإن الظلم في الاشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ولكن الله يعظم من أمره ما شاء وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الارض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والاشهر الحرم، واصطفى من الايام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الامور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تظلموا في تصييركم حرام الاشهر الاربعة حلالا وحلالها حراما أنفسكم. ذكر من قال ذلك: 12975 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا... إلى قوله: فلا تظلموا فيهن أنفسكم: أي لا تجعلوا حرامها
[ 165 ]
حلالا، ولا حلالها حراما، كما فعل أهل الشرك فإنما النسئ الذي كانوا يصنعون من ذلك زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا... الآية. 12976 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن: فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال: ظلم أنفسكم: أن لا تحرموهن كحرمتهن. * - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز. قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد بن علي: فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال: ظلم أنفسكم أن لا تحرموهن كحرمتهن. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد، بنحوه. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: فلا تظلموا في الاشهر الاربعة أنفسكم باستحلال حرامها، فإن الله عظمها وعظم حرمتها. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في تأويله لقوله: فلا تظلموا فيهن فأخرج الكناية عنه مخرج الكناية عن جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة، وذلك أن العرب تقول فيما بين الثلاثة إلى العشرة إذا كنت عنه: فعلنا ذلك لثلاث ليال خلون، ولاربعة أيام بقين، وإذا أخبرت عما فوق العشرة إلى العشرين، قالت: فعلنا ذلك لثلاث عشرة خلت، ولاربع عشرة مضت. فكان في قوله حل ثناؤه: فلا تظلموا فيهن أنفسكم وإخراجه كناية عدد الشهور التي نهى المؤمنين عن ظلم أنفسهم فيهن مخرج عدد الجمع القليل من الثلاثة إلى العشرة الدليل الواضح على أن الهاء والنون من ذكر الاشهر الاربعة دون الاثني العشر لان ذلك لو كان كناية عن الاثني عشر شهرا لكان: فلا تظلموا فيها أنفسكم. فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون ذلك كناية عن الاثني عشر، وإن كان الذي ذكرت هو المعروف في كلام العرب، فقد علمت أن المعروف من كلامها إخراج كناية ما بين الثلاث إلى العشر بالهاء دون النون، وقد قال الشاعر: أصبحن في قرح وفي داراتها سبع ليال غير معلوفاتها
[ 166 ]
ولم يقل: معلوفاتهن، وذلك كناية عن السبع ؟ قيل: إن ذلك وإن كان جائزا فليس الاصح الاعرف في كلامها، وتوجيه كلام الله إلى الافصح الاعرف أولى من توجيهه إلى الانكر. فإن قال قائل: فإن كان الامر على ما وصفت، فقد يجب أن يكون مباحا لنا ظلم أنفسنا في غيرهن من سائر شهور السنة ؟ قيل: ليس ذلك كذلك، بل ذلك حرام علينا في كل وقت وزمان، ولكن الله عظم حرمة هؤلاء الاشهر وشرفهن على سائر شهور السنة، فخص الذنب فيهن بالتعظيم كما خصهن بالتشريف، وذلك نظير قوله: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ولا شك أن الله قد أمرنا بالمحافظة على الصلوات المفروضات كلها بقوله: حافظوا على الصلوات ولم يبح ترك المحافظة عليهن بأمره بالمحافظة على الصلاة الوسطى، ولكنه تعالى ذكره زادها تعظيما وعلى المحافظة عليها توكيدا وفي تضييعها تشديدا، فكذلك ذلك في قوله: منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم. وأما قوله: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة فإنه يقول جل ثناؤه: وقاتلوا المشركين بالله أيها المؤمنون جميعا غير مختلفين، مؤتلفين غير مفترقين، كما يقاتلكم المشركون جميعا مجتمعين غير متفرقين. كما: 12977 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة أما كافة فجميع وأمركم مجتمع. 12978 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن
[ 167 ]
عباس، قوله: وقاتلوا المشركين كافة يقول: جميعا. 12979 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وقاتلوا المشركين كافة: أي جميعا. والكافة في كل حال على صورة واحدة لا تذكر ولا تجمع، لانها وإن كانت بلفظ فاعلة فإنها في معنى المصدر كالعافية والعاقبة، ولا تدخل العرب فيها الالف واللام لكونها آخر الكلام مع الذي فيها من معنى المصدر، كما لم يدخلوها إذا قالوا: قاموا معا وقاموا جميعا. وأما قوله: واعلموا أن الله مع المتقين فإن معناه: واعلموا أيها المؤمنون بالله أنكم إن قاتلتم المشركين كافة، واتقيتم الله فأطعتموه فيما أمركم ونهاكم ولم تخالفوا أمره فتعصوه، كان الله معكم على عدوكم وعدوه من المشركين ومن كان الله معه لم يغلبه شئ، لان الله مع من اتقاه فخافه وأطاعه فيما كلفه من أمره ونهيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين) *. يقول تعالى ذكره: ما النسئ إلا زيادة في الكفر، والنسئ مصدر من قول القائل: نسأت في أيامك ونسأ الله في أجلك: أي زاد الله في أيام عمرك ومدة حياتك حتى تبقى فيها حيا. وكل زيادة حدثت في شئ، فالشئ الحادث فيه تلك الزيادة بسبب ما حدث فيه نسئ ولذلك قيل للبن إذا كثر بالماء نسئ، وقيل للمرأة الحبلى نسوء، ونسئت المرأة، لزيادة الولد فيها وقيل: نسأت الناقة وأنسأتها: إذا زجرتها ليزداد سيرها. وقد يحتمل أن النسئ فعيل صرف إليه من مفعول، كما قيل: لعين وقتيل، بمعنى: ملعون ومقتول، ويكون معناه: إنما الشهر المؤخر زيادة في الكفر. وكأن القول الاول أشبه بمعنى الكلام، وهو أن يكون معناه: إنما التأخير الذي يؤخره أهل الشرك بالله من شهور الحرم الاربعة وتصييرهم الحرام منهن حلالا والحلال منهن حراما، زيادة في كفرهم وجحودهم أحكام الله وآياته. وقد كان بعض القراء يقرأ ذلك: إنما النسي بترك الهمز وترك مده: يضل به الذين كفروا.
[ 168 ]
واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة الكوفيين: يضل به الذين كفروا بمعنى: يضل الله بالنسئ الذي ابتدعوه وأحدثوه الذين كفروا. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: يضل به الذين كفروا بمعنى: يزول عن حجة الله التي جعلها لعباده طريقا يسلكونه إلى مرضاته الذين كفروا. وقد حكي عن الحسن البصري: يضل به الذين كفروا بمعنى: يضل بالنسئ الذي سنة الذين كفروا، الناس. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هما قراءتان مشهورتان، قد قرأت بكل واحدة القراء أهل العلم بالقرآن والمعرفة به، وهما متقاربتا المعنى، لان من أضله الله فهو ضال ومن ضل فبإضلال الله إياه وخذلانه له ضل، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب في ذلك مصيب. وأما الصواب من القراء في النسئ، فالهمز، وقراءته على تقدير فعيل، لانها القراءة المستفيضة في قرأة الامصار التي لا يجوز خلافها فيما أجمعت عليه. وأما قوله: يحلونه عاما فإن معناه: يحل الذين كفروا النسئ، والهاء في قوله: يحلونه عائدة عليه. ومعنى الكلام: يحلون الذين أخروا تحريمه من الاشهر الاربعة الحرم عاما ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله يقول: ليوافقوا بتحليلهم ما حللوا من الشهور وتحريمهم ما حرموا منها، عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم يقول: حسن لهم وحبب إليهم سيئ أعمالهم وقبيحها وما خولف به أمر الله وطاعته. والله لا يهدي القوم الكافرين يقول: والله لا يوفق لمحاسن الافعال وحلها وما لله فيه رضا، القوم الجاحدين توحيده والمنكرين نبوة محمد (ص)، ولكنه يخذلهم عن الهدى كما خذل هؤلاء الناس عن الاشهر الحرم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12980 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنما النسئ زيادة في الكفر قال: النسئ: هو أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب، ألا وإن صفر العام الاول حلال فيحله الناس، فيحرم صفر عاما، ويحرم المحرم عاما، فذلك قوله تعالى: إنما النسئ زيادة في الكفر... إلى قوله: الكافرين. وقوله: إنما النسئ زيادة في الكفر يقول: يتركون المحرم عاما،
[ 169 ]
وعاما يحرمونه. قال أبو جعفر: وهذا التأويل من تأويل ابن عباس يدل على صحة قراءة من قرأ النسي بترك الهمز وترك المد، وتوجيهه معنى الكلام إلى أنه فعل من قول القائل: نسيت الشئ أنساه، ومن قول الله: نسوا الله فنسيهم بمعنى: تركوا الله فتركهم. 12981 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: إنما النسئ زيادة في الكفر قال: فهو المحرم كان يحرم عاما وصفر عاما، وزيد صفر آخر في الاشهر الحرم، وكانوا يحرمون صفرا مرة ويحلونه مرة، فعاب الله ذلك، وكانت هوزان وغطفان وبنو سليم تفعله. 12982 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل: إنما النسئ زيادة في الكفر قال: كان النسئ رجلا من بني كنانة، وكان ذا رأي فيهم، وكان يجعل سنة المحرم صفرا، فيغزون فيه فيغتنمون فيه ويصيبون، ويحرمه سنة. * - قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن أبي وائل: إنما النسئ زيادة في الكفر... الآية، وكان رجل من بني كنانة يسمى النسئ، فكان يجعل المحرم صفر ويستحل فيه الغنائم، فنزلت هذه الآية. 12983 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، قال: كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام في الموسم على حمار له، فيقول: أيها الناس إني لا أعاب ولا أجاب، ولا مرد لما أقول إنا قد حرمنا المحرم، وأخرنا صفر ثم يجئ العام المقبل بعده، فيقول مثل مقالته، ويقول: إنا قد حرمنا صفر، وأخرنا المحرم فهو قوله: ليواطئوا عدة ما حرم الله قال: يعني الاربعة، فيحلوا ما حرم الله لتأخير هذا الشهر الحرام. 12984 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إنما النسئ زيادة في الكفر النسئ: المحرم، وكان يحرم المحرم عاما ويحرم صفرا عاما، فالزيادة صفر، وكانوا
[ 170 ]
يؤخرون الشهور حتى يجعلون صفر المحرم، فيحلوا ما حرم الله، وكانت هوزان وغطفان وبنو سليم يعظمونه، هم الذين كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية. 12985 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إنما النسئ زيادة في الكفر... إلى قوله: الكافرين عمد أناس من أهل الضلالة، فزادوا صفرا في الاشهر الحرم، فكان يقوم قائمهم في الموسم، فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت العام المحرم فيحرمونه ذلك العام. ثم يقول في العام المقبل فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت صفر فيحرمونه ذلك العام. وكان يقال لهما: الصفران. قال: فكان أول من نسأ النسئ بنو مالك بن كنانة، وكانوا ثلاثة: أبو ثمامة صفوان بن أمية أحد بني فقيم بن الحرث، ثم أحد بني كنانة. 12986 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إنما النسئ زيادة في الكفر قال: فرض الله الحج في ذي الحجة. قال: وكان المشركون يسمون الاشهر: ذو الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع، وربيع، وجمادى، وجمادى، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة، يحجون فيه مرة ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر صفر، ثم يسمون رجب جمادى الآخرة، ثم يسمون شعبان رمضان، ثم يسمون رمضان شوالا، ثم يسمون ذا القعدة شوالا، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة، ثم يسمون المحرم ذا الحجة فيحجون فيه، واسمه عندهم ذو الحجة. ثم عادوا بمثل هذه القصة، فكانوا يحجون في كل شهر عامين، حتى وافق حجة أبي بكر رضي الله عنه الآخر من العامين في ذي القعدة. ثم حج النبي (ص) حجته التي حج، فوافق ذا الحجة، فذلك حين يقول النبي (ص) في خطبته: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنما النسئ زيادة في الكفر قال: حجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، حتى وافقت حجة أبي بكر الآخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي (ص) بسنة. ثم حج النبي (ص) من قابل في ذي الحجة. فذلك حين يقول النبي (ص) في خطبته: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض.
[ 171 ]
12987 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك: إنما النسئ زيادة في الكفر قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشرا شهرا، فيجعلون المحرم صفرا، فيستحلون فيه الحرمات. فأنزل الله: إنما النسئ زيادة في الكفر. 12988 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا... الآية. قال: هذا رجل من بني كنانة يقال له القلمس، كان في الجاهلية، وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام، يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمد إليه يده. فلما كان هو، قال: اخرجوا بنا قالوا له: هذا المحرم. فقال: ننسئه العام، هما العام صفران، فإذا كان عام قابل قضينا فجعلناهما محرمين قال: ففعل ذلك. فلما كان عام قابل، قال: لا تغزوا في صفر حرموه مع المحرم، هما محرمان المحرم أنسأناه عاما أول ونقضيه ذلك الانساء. وقال شاعرهم: (ومنا منسئ الشهر القلمس وأنزل الله: إنما النسئ زيادة في الكفر... إلى آخر الآية. وأما قوله: زيادة في الكفر فإن معناه: زيادة كفر بالنسئ إلى كفرهم بالله. وقيل ابتداعهم النسئ كما: 12989 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: إنما النسئ زيادة في الكفر يقول: ازدادوا به كفرا إلى كفرهم. وأما قوله: ليواطئوا فإنه من قول القائل: واطأت فلانا على كذا أواطئه مواطأة: إذا وافقته عليه، معينا له، غير مخالف عليه. وروي عن ابن عباس في ذلك ما: 12990 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي،
[ 172 ]
عن ابن عباس، قوله: ليواطئوا عدة ما حرم الله يقول: يشبهون. وذلك قريب المعنى مما بينا، وذلك أن ما شابه الشئ فقد وافقه من الوجه الذي شابهه. وإنما معنى الكلام: أنهم يوافقون بعدة الشهور التي يحرمونها عدة الاشهر الاربعة التي حرمها الله، لا يزيدون عليها ولا ينقصون منها، وإن قدموا وأخروا فذلك مواطأة عدتهم عدة ما حرم الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) *. وهذه الآية حث من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسوله على غزو الروم، وذلك غزوة رسول الله (ص) تبوك. يقول جل ثناؤه: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ما لكم أي شئ أمركم، إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله يقول: إذا قال لكم رسول الله محمد: انفروا أي اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم. وأصل النفر: مفارقة مكان إلى مكان لامر هاجه على ذلك، ومنه نفور الدابة غير أنه يقال من النفر إلى الغزو: نفر فلان إلى ثغر كذا ينفر نفرا ونفيرا، وأحسب أن هذا من الفروق التي يفرقون بها بين اختلاف المخبر عنه وإن اتفقت معاني الخبر فمعنى الكلام: ما لكم أيها المؤمنون إذ قيل لكم: اخرجوا غزاه في سبيل الله أي في جهاد أعداء الله، اثاقلتم إلى الارض يقول تثاقلتم إلى لزوم أرضكم ومساكنكم والجلوس فيها. وقيل: اثاقلتم لانه أدغم التاء في الثاء. فأحدث لها ألف ليتوصل إلى الكلام بها. لان التاء مدغمة في الثاء، ولو أسقطت الالف وابتدئ بها لم تكن إلا متحركة، فأحدثت الالف لتقع الحركة بها، كما قال جل ثناؤه: حتى إذا اداركوا فيها جميعا وكما قال الشاعر: تولي الضجيج إذا ما استافها خصراعذب المذاق إذا ما اتابع القبل فهو بني الفعل افتعلتم من التثاقل. وقوله: أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة يقول جل ثناؤه، أرضيتم بحظ الدنيا
[ 173 ]
والدعة فيها عوضا من نعيم الآخرة وما عند الله للمتقين في جنانه ؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة يقول: فما الذي يستمتع به المتمتعون في الدنيا من عيشها ولذاتها في نعيم الآخرة والكرامة التي أعدها الله لاوليائه وأهل طاعته إلا قليل يسير. يقول لهم: فاطلبوا أيها المؤمنون نعيم الآخرة وترف الكرامة التي عند الله لاوليائه بطاعته، والمسارعة إلى الاجابة إلى أمره في النفير لجهاد عدوه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12991 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وبعد الطائف، وبعد حنين. أمروا بالنفير في الصيف حين خرفت النخل، وطابت الثمار، واشتهوا الظلال، وشق عليهم المخرج. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض... الآية، قال: هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وحنين، وبعد الطائف أمرهم بالنفير في الصيف، حين اخترفت النخل، وطابت الثمار، واشتهوا الظلال، وشق عليهم المخرج. قال: فقالوا: منا الثقيل، وذو الحجة، والضيعة، والشغل، والمنتشر به أمره في ذلك. فأنزل الله كله: انفروا خفافا وثقالا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير) *.
[ 174 ]
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله، متوعدهم على ترك النفر إلى عدوهم من الروم: إن لم تنفروا أيها المؤمنون إلى من استنفركم رسول الله، يعذبكم الله عاجلا في الدنيا بترككم النفر إليهم عذابا موجعا. ويستبدل قوما غيركم يقول: يستبدل الله بكم نبيه قوما غيركم، ينفرون إذا استنفروا، ويجيبونه إذا دعوا، ويطيعون الله ورسوله. ولا تضروه شيئا يقول: ولا تضروا الله بترككم النفير ومعصيتكم إياه شيئا، لانه لا حاجة به إليكم، بل أنتم أهل الحاجة إليه، وهو الغني عنكم وأنتم الفقراء والله على كل شئ قدير يقول جل ثناؤه: والله على إهلاككم واستبدال قوم غيركم بكم وعلى كل ما يشاء من الاشياء قدير. وقد ذكر أن العذاب الاليم في هذا الموضع كان احتباس المطر عنهم. ذكر من قال ذلك: 12992 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثني عبد المؤمن بن خالد الحنفي، قال: ثني نجدة الخراساني، قال: سمعت ابن عباس، سئل عن قوله: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما قال: إن رسول الله (ص) استنفر حيا من أحياء العرب، فتثاقلوا عنه، فأمسك عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم، فذلك قوله: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، عن نجدة، قال: سألت ابن عباس، فذكر نحوه، إلا أنه قال: فكان عذابهم أن أمسك عنهم المطر. 12993 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما استنفر الله المؤمنين في لهبان الحر في غزوة تبوك قبل الشأم على ما يعلم الله من الجهد. وقد زعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة. ذكر من قال ذلك: 12994 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: قال: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما وقال: ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه... إلى قوله: ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون فنسختها الآية التي تلتها: وما كان المؤمنون لينفروا كافة... إلى قوله: لعلهم يحذرون. قال أبو جعفر: ولا خبر بالذي قال عكرمة والحسن من نسخ حكم هذه الآية التي
[ 175 ]
ذكروا يجب التسليم له، ولا حجة تأتي بصحة ذلك، وقد رأى ثبوت الحكم بذلك عدد من الصحابة والتابعين سنذكرهم بعد. وجائز أن يكون قوله: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما لخاص من الناس، ويكون المراد به من استنفره رسول الله (ص)، فلم ينفر على ما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس. وإذا كان ذلك كذلك، كان قوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة نهيا من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الاسلام بغير مؤمن مقيم فيها، وإعلاما من الله لهم أن الواجب النفر على بعضهم دون بعض، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر. وإذا كان ذلك كذلك لم يكن في إحدى الآيتين نسخ للاخرى، وكان حكم كل واحدة منهما ماضيا فيما عنيت به. القول في تأويل قوله تعالى: * (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) *. وهذا إعلام من الله أصحاب رسوله (ص) أنه المتوكل بنصر رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم، أعانوه أو لم يعينوه، وتذكير منه لهم فعل ذلك به، وهو من العدد في قلة والعدو في كثرة، فكيف به وهو من العدد في كثرة والعدو في قلة ؟ يقول لهم جل ثناؤه: إلا تنفروا أيها المؤمنون مع رسولي إذا استنفركم فتنصروه، فالله ناصره ومعينه على عدوه ومغنيه عنكم وعن معونتكم ونصرتكم كما نصره إذ أخرجه الذين كفروا بالله من قريش من وطنه وداره ثاني اثنين يقول: أخرجوه وهو أحد الاثنين: أي واحد من الاثنين، وكذلك تقول العرب: هو ثاني اثنين يعني أحد الاثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة، يعني: أحد ثلاثة، وأحد الاربعة، وذلك خلاف قولهم: هو أخو ستة وغلام سبعة، لان الاخ والغلام غير الستة والسبعة، وثالث الثلاثة: أحد الثلاثة. وإنما عنى جل ثناؤه بقوله: ثاني اثنين رسول الله (ص) وأبا بكر، رضي الله عنه، لانهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش، إذ هموا بقتل رسول الله (ص) واختفيا في الغار. وقوله: إذ هما في الغار يقول إذ رسول الله (ص) وأبو بكر رحمة الله عليه في الغار والغار: النقب العظيم يكون في الجبل. إذ يقول لصاحبه يقول: إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر: لا تحزن وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما، فجزع من ذلك، فقال له
[ 176 ]
رسول الله (ص): لا تحزن لان الله معنا، والله ناصرنا، فلن يعلم المشركون بنا، ولن يصلوا إلينا يقول جل ثناؤه: فقد نصره الله على عدوه وهو بهذه الحال من الخوف وقلة العدد، فكيف يخذله ويحوجه إليكم وقد كثر الله أنصاره وعدد جنوده ؟. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12995 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلا تنصروه ذكر ما كان في أول شأنه حين بعثه يقول الله: فأنا فاعل ذلك به وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: إلا تنصروه فقد نصره الله قال: ذكر ما كان في أول شأنه حين بعث، فالله فاعل به كذلك ناصره كما نصره إذا ذاك ثاني اثنين إذ هما في الغار. 12996 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إلا تنصروه فقد نصره الله... الآية، قال: فكان صاحبه أبو بكر. وأما الغار: فجبل بمكة يقال له ثور. 12997 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا هشام بن عروة، عن عروة، قال: لما خرج النبي (ص) وأبو بكر رضي الله عنه، وكان لابي بكر منيحة من غنم تروح على أهله، فأرسل أبو بكر عامر بن فهيرة في الغنم إلى ثور، وكان عامر بن فهيرة يروح بتلك الغنم على النبي (ص) بالغار في ثور، وهو الغار الذي سماه الله في القرآن. 12998 - حدثني يعقوب بن إبراهيم بن جبير الواسطي، قال: ثنا عفان وحبان، قالا: ثنا همام، عن ثابت عن أنس، أن أبا بكر رضي الله عنه حدثهم، قال: بينا أنا مع رسول الله (ص) في الغار، وأقدام المشركين فوق رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه أبصرنا فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما. 12999 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، قال: مكث أبو بكر مع النبي (ص) في الغار ثلاثا.
[ 177 ]
13000 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: إذ هما في الغار قال: في الجبل الذي يسمى ثورا، مكث فيه رسول الله (ص) وأبو بكر ثلاث ليال. 13001 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحرث، عن أبيه: أن أبا بكر الصديق رحمة الله تعالى عليه حين خطب قال: أيكم يقرأ سورة التوبة ؟ قال رجل: أنا، قال: اقرأ فلما بلغ: إذ يقول لصاحبه لا تحزن بكى أبو بكر وقال: أنا والله صاحبه. القول في تأويل قوله تعالى: فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم. يقول تعالى ذكره: فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله وقد قيل: على أبي بكر وأيده بجنود لم تروها يقول: وقواه بجنود من عنده من الملائكة لم تروها أنتم. وجعل كلمة الذين كفروا وهي كلمة الشرك السفلى لانها قهرت وأذلت وأبطلها الله تعالى ومحق أهلها، وكل مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب والغالب هو الاعلى. وكلمة الله هي العليا يقول: ودين الله وتوحيده وقول لا إله إلا الله، وهي كلمته العليا على الشرك وأهله، الغالية. كما: 13002 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وهي: الشرك بالله. وكلمة الله هي العليا وهي لا إله إلا الله. وقوله: وكلمة الله هي العليا خبر مبتدأ غير مردود على قوله: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى لان ذلك لو كان معطوفا على الكلمة الاولى لكان نصبا. وأما قوله: والله عزير حكيم فإنه يعني: والله عزيز في انتقامه من أهل الكفر به، لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب ولا ينصره من عاقبه ناصر، حكيم في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم في مشيئته. القول في تأويل قوله تعالى: * (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) *.
[ 178 ]
واختلف أهل التأويل في معنى الخفة والثقل اللذين أمر الله من كان به أحدهما بالنفر معه، فقال بعضهم: معنى الخفة التي عناها الله في هذا الموضع: الشباب، ومعنى الثقل: الشيخوخة. ذكر من قال ذلك: 13003 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن رجل، عن الحسن، في قوله: انفروا خفافا وثقالا قال: شيبا وشبانا. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن عمرو، عن الحسن، قال: شيوخا وشبانا. 13004 - قال: ثنا ابن عيينة، عن علي بن زيد، عن أنس، عن أبي طلحة: انفروا خفافا وثقالا قال: كهولا وشبانا، ما أسمع الله عذر أحدا فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات. 13005 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن المغيرة بن النعمان، قال: كان رجل من النخع وكان شيخا بادنا، فأراد الغزو فمنعه سعد بن أبي وقاص، فقال: إن الله يقول: انفروا خفافا وثقالا فأذن له سعد، فقتل الشيخ، فسأل عنه بعد عمر، فقال: ما فعل الشيخ الذي كان من بني هاشم ؟ فقالوا قتل يا أمير المؤمنين. 13006 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن إسماعيل، عن أبي صالح، قال: الشاب والشيخ. 13007 قال: ثنا أبو أسامة، عن مالك بن مغول، عن إسماعيل، عن عكرمة، قال: الشاب والشيخ. 13008 - قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: كهولا وشبانا. 13009 - قال: ثنا حيوة أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن جعفر بن حميد، عن بشر بن عطية: كهولا وشبانا. 13010 - حدثنا الوليد، قال: ثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، في قوله: انفروا خفافا وثقالا قال: شبانا وكهولا.
[ 179 ]
13011 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: انفروا خفافا وثقالا قال: شبابا وشيوخا، وأغنياء ومساكين. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: شيوخا وشبانا. 13012 - حدثني سعيد بن عمرو، قال: ثنا بقية، قال: ثنا جريح، قال: ثني حبان بن زيد الشرعبي، قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو وكان واليا على حمص قبل الافسوس إلى الجراجمة، فلقيت شيخا كبيرا هما، قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار، فأقبلت عليه فقلت: يا عم لقد أعذر الله إليك قال: فرفع حاجبيه فقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا، من يحبه الله يبتليه ثم يعيده فيبقيه، وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح: انفروا خفافا وثقالا قال: كل شيخ وشاب. وقال آخرون: معنى ذلك مشاغيل وغير مشاغيل. ذكر من قال ذلك: 13013 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن الحكم، في قوله: انفروا خفافا وثقالا قال: مشاغيل وغير مشاغيل. وقال آخرون: معناه: انفروا أغنياء وفقراء. ذكر من قال ذلك: 13014 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عمن ذكره، عن أبي صالح: انفروا خفافا وثقالا قال: أغنياء وفقراء. وقال آخرون: معناه: نشاطا وغير نشاط. ذكر من قال ذلك: 13015 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: انفروا خفافا وثقالا يقول: انفروا نشاطا وغير نشاط.
[ 180 ]
13016 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: خفافا وثقالا قال: نشاطا وغير نشاط. وقال آخرون: معناه: ركبانا ومشاة. ذكر من قال ذلك: 13017 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد، قال: قال أبو عمرو: إذا كان النفر إلى دروب الشأم نفر الناس إليها خفافا ركبانا، وإذا كان النفر إلى هذه السواحل ونفروا إليها خفافا وثقالا ركبانا ومشاة. وقال آخرون: معنى ذلك: ذا ضيعة، وغير ذي ضيعة. ذكر من قال ذلك: 13018 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: انفروا خفافا وثقالا قال: الثقيل الذي له الضيعة، فهو ثقيل يكره أن يضيع ضيعته ويخرج، والخفيف الذي لا ضيعة له فقال الله: انفروا خفافا وثقالا. 13019 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: زعم حضرمي أنه ذكر له أن ناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرا، فيقول: إني أحسبه قال: أنا لا آثم فأنزل الله: انفروا خفافا وثقالا. 13020 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن محمد، قال: شهد أبو أيوب مع رسول الله (ص) بدرا، ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا وهو في أخرى إلا عاما واحدا وكان أبو أيوب يقول: انفروا خفافا وثقالا فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا. 13021 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا جرير، عن عثمان، عن راشد بن سعد، عمن رأى المقداد بن الاسود فارس رسول الله (ص) على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وقد فضل عنه من عظمه، فقلت له: لقد أعذر الله إليك فقال: أتت علينا سورة البحوث انفروا خفافا وثقالا.
[ 181 ]
* - حدثنا سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا جرير، قال: ثني عبد الرحمن بن ميسرة، قال: ثني أبو رائد الحبراني، قال: وافيت المقداد بن الاسود فارس رسول الله (ص) جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، قد فضل عنه من عظمه، يريد الغزو، فقلت له: لقد أعذر الله إليك فقال: أتت علينا سورة البحوث: انفروا خفافا وثقالا. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنفر لجهاد أعدائه في سبيله خفافا وثقالا وقد يدخل في الخفاف كل من كان سهلا عليه النفر لقوة بدنه على ذلك وصحة جسمه وشبابه، ومن كان ذا تيسر بمال وفراغ من الاشتغال وقادرا على الظهر والركاب. ويدخل في الثقال كل من كان بخلاف ذلك من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه، ومن معسر من المال ومشتغل بضيغة ومعاش، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب، والشيخ وذو السن والعيال. فإذ كان قد يدخل في الخفاف والثقال من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا ولم يكن الله جل ثناؤه خص من ذلك صنفا دون صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول (ص)، ولا نصب على خصوصه دليلا، وجب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافا وثقالا مع رسوله (ص) على كل حال من أحوال الخفة والثقل. 13022 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن مسلم بن صبيح قال: أول ما نزل من براءة: انفروا خفافا وثقالا. 13023 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، مثله. 13024 - حدثنا الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن ابن جرير، عن مجاهد، قال: إن أول ما نزل من براءة: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة قال: يعرفهم نصره، ويوطنهم لغزوة تبوك. القول في تأويل قوله تعالى: وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
[ 182 ]
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله من أصحاب رسول الله (ص): جاهدوا أيها المؤمنون الكفار بأموالكم، فأنفقوها في مجاهدتهم على دين الله الذي شرعه لكم، حتى ينقادوا لكم فيدخلوا فيه طوعا أو كرها، أو يعطوكم الجزية عن يد صغارا إن كانوا أهل كتاب، أو تقتلوهم وأنفسكم يقول: وبأنفسكم فقاتلوهم بأيديكم يخزهم الله وينصركم عليهم. ذلكم خير لكم يقول: هذا الذي آمركم به من النفر في سبيل الله تعالى خفافا وثقالا وجهاد أعدائه بأموالكم وأنفسكم خير لكم من التثاقل إلى الارض إذا استنفرتم والخلود إليها والرضا بالقليل من متاع الحياة الدنيا عوضا من الآخرة، إن كنتم من أهل العلم بحقيقة ما بين لكم من فضل الجهاد في سبيل الله على القعود عنه. القول في تأويل قوله تعالى: * (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) *. يقول جل ثناؤه للنبي (ص)، وكانت جماعة من أصحابه قد استأذنوه في التخلف عنه حين خرج إلى تبوك فأذن لهم: لو كان ما تدعو إليه المتخلفين عنك والمستأذنيك في ترك الخروج معك إلى مغزاك الذي استنفرتهم إليه، عرضا قريبا يقول: غنيمة حاضرة، وسفرا قاصدا، يقول: وموضعا قريبا سهلا، لاتبعوك ونفروا معك إليهما ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد، وكلفتهم سفرا شاقا عليهم، لانك استنهضتهم في وقت الحر وزمان القيظ وحين الحاجة إلى الكن. وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يقول تعالى ذكره: وسيحلف لك يا محمد هؤلاء المستأذنوك في ترك الخروج معك اعتذارا منهم إليك بالباطل، لتقبل منهم عذرهم، وتأذن لهم في التخلف عنك بالله كاذبين: لو استطعنا لخرجنا معكم يقول: لو أطقنا الخروج معكم بوجود السعة والمراكب والظهور وما لا بد للمسافر والغازي منه، وصحة البدن والقوى، لخرجنا معكم إلى عدوكم. يهلكون أنفسهم يقول: يوجبون لانفسهم بحلفهم بالله كاذبين الهلاك والعطب، لانهم يورثونها سخط الله ويكسبونها أليم عقابه. والله يعلم إنهم لكاذبون في حلفهم بالله لو استطعنا لخرجنا معكم لانهم كانوا للخروج مطيقين بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من الاموال مما يحتاج إليه الغازي في غزوه والمسافر في سفره وصحة الابدان وقوى الاجسام.
[ 183 ]
وبنحو الذي قلنا ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13025 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لو كان عرضا قريبا إلى قوله لكاذبون إنهم يستطيعون الخروج، ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم والشيطان وزهادة في الخير. 13026 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولو كان عرضا قريبا قال: هي غزوة تبوك. 13027 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: والله يعلم إنهم لكاذبون إي أنهم يستطيعون. ذكر من قال ذلك القول في تأويل قوله تعالى * (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) *. وهذا عتاب من الله تعالى ذكره عاتب به نبيه (ص) في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه حين شخص إلى تبوك لغزو الروم من المنافقين. يقول جل ثناؤه: عفا الله عنك يا محمد ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الذي استأذنوك في ترك الخروج معك، وفي التخلف عنك من قبل أن تعلم صدقه من كذبه. لم أذنت لهم لاي شئ أذنت لهم، حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين يقول: ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التخلف عنك، إذ قالوا لك: لو استطعنا لخرجنا معك، حتى تعرف من له العذر منهم في تخلفه ومن لا عذر له منهم، فيكون إذنك لمن أذنت له منهم على علم منك بعذره، وتعلم من الكاذب منهم المتخلف نفاقا وشكا في دين الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13028 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: عفا الله عنك لم أذنت لهم قال: ناس قالوا: استأذنوا رسول الله (ص)، فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا. 13029 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا... الآية، عاتبه كما تسمعون، ثم أنزل الله التي في سورة النور، فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء، فقال: فإذا استأذنوك لبعض
[ 184 ]
شأنهم فأذن لمن شئت منهم فجعله الله رخصة في ذلك من ذلك. 13030 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن ميمون الاودي، قال: اثنتان فعلهما رسول الله (ص) لم يؤمر فيهما بشئ: إذنه للمنافقين، وأخذه من الاسارى، فأنزل الله: عفا الله عنك لم أذنت لهم... الآية. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: قرأت على سعيد بن أبي عروبة، قال: هكذا سمعته من قتادة، قوله: عفا الله عنك لم أذنت لهم... الآية، ثم أنزل الله بعد ذلك في سورة النور: فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم... الآية. 13031 - حدثنا صالح بن مسمار، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا موسى بن مروان، قال: سألت مورقا، عن قوله: عفا الله عنك قال: عاتبه ربه. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين) *. وهذا إعلام من الله نبيه (ص) سيما المنافقين أن من علاماتهم التي يعرفون بها تخلفهم عن الجهاد في سبيل الله باستئذانهم رسول الله (ص) في تركهم الخروج معه إذا استنفروا بالمعاذير الكاذبة. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): يا محمد لا تأذنن في التخلف عنك إذا خرجت لغزو عدوك لمن استأذنك في التخلف من غير عذر، فإنه لا يستأذنك في ذلك إلا منافق لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فأما الذي يصدق بالله وبقر بوحدانيته وبالبعث والدار الآخرة والثواب والعقاب، فإنه لا يستأذنك في ترك الغزو وجهاد أعداء الله بماله ونفسه. والله عليم بالمتقين يقول: والله ذو علم بمن خافه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه والمسارعة إلى طاعته في غزو عدوه وجهادهم بماله ونفسه، وغير ذلك من أمره ونهيه.
[ 185 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13032 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله فهذا تعيير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد من غير عذر، وعذر الله المؤمنين، فقال: لم يذهبوا حتى يستأذنوه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) * يقول تعالى ذكره لنبيه (ص): انما يسناذنك يا محمد في التخلف خلافك، وترك الجهاد معك من غير عذر بين الذين لا يصدقون بالله، ولا يقرون بتوحيده. * (وارتابت قلوبهم) * يقول: وشكت قلوبهم في حقيقة وحدانية الله، وفي ثواب اهل طاعته، وعقابه اهل معاصيه. * (فهم في ريبهم يترددون) * يقول: في شكهم متحيرون، وفي ظلمة الحيرة مترددون، لا يعرفون حقا من باطل، فيعلمون على بصيرة. وهذه صفة المنافقون. وكان جماعة من اهل العلم يرون ان هاتين الايتين منسوختان بالاية التي ذكرت في سورة النور. ذكر من قال ذلك: 13033 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: قوله: * (لا يسناذنك الذين يؤمنون بالله) *... إلى قوله: * (فهم في ي ريبهم يترددون) * نسختهما الاية التى في النور: * (إنما المؤمنون الذين امنوا بالله) *... إلى: * (إن الله غفور رحيم) * وقد بينا الناسخ والمنسوخ بما اغنى عن اعادته ههنا. القول في ي تأويل قوله تعالى: * (ولو اراد الخروج لاعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) *
[ 186 ]
يقول تعالى ذكره: ولو أراد هؤلاء المستأذنوك يا محمد في ترك الخروج معك لجهاد عدوك الخروج معك. لاعدوا له عدة يقول: لاعدوا للخروج عدة، ولتأهبوا للسفر والعدو أهبتهما. ولكن كره الله انبعاثهم يعني: خروجهم لذلك. فثبطهم يقول: فثقل عليهم الخروج حتى استخفوا القعود في منازلهم خلافك، واستثقلوا السفر والخروج معك، فتركوا لذلك الخروج. وقيل اقعدوا مع القاعدين يعني: اقعدوا مع المرضى والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون ومع النساء والصبيان، واتركوا الخروج مع رسول الله (ص) والمجاهدين في سبيل الله. وكان تثبيط الله إياهم عن الخروج مع رسوله (ص) والمؤمنين به، لعلمه بنفاقهم، وغشهم للاسلام وأهله، وأنهم لو خرجوا معهم ضروهم ولم ينفعوا. وذكر أن الذين استأذنوا رسول الله (ص) في القعود كانوا عبد الله بن أبي ابن سلول، والجد بن قيس، ومن كان على مثل الذي كانا عليه. كذلك: 13034 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الذين استأذنوه فيما بلغني من ذوي الشرف منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، والجد بن قيس، وكانوا أشرافا في قومهم، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معهم فيفسدوا عليه جنده. القول في تأويل قوله تعالى: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) *. يقول تعالى ذكره: لو خرج أيها المؤمنون فيكم هؤلاء المنافقون، ما زادوكم إلا خبالا يقول: لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إلا فسادا وضرا ولذلك ثبطتهم عن الخروج معكم. وقد بينا معنى الخبال بشواهده فيما مضى قبل. ولاوضعوا خلالكم يقول: ولاسرعوا بركائبهم السير بينكم. وأصله من إيضاع الخيل والركاب، وهو الاسراع بها في السير، يقال للناقة إذا أسرعت السير: وضعت الناقة تضع وضعا وموضوعا، وأوضعها صاحبها: إذا جد بها وأسرع يوضعها إيضاعا ومنه قول الراجز: يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع
[ 187 ]
وأما أصل الخلال: فهو من الخلل: وهي الفرج تكون بين القوم في الصفوف وغيرها ومنه قول النبي (ص): تراصوا في الصفوف لا يتخللكم أولاد الحذف. وأما قوله: يبغونكم الفتنة فإن معنى يبغونكم الفتنة: يطلبون لكم ما تفتنون به عن مخرجكم في مغزاكم، بتثبيطهم إياكم عنه، يقال منه: بغيته الشر، وبغيته الخير أبغيه بغاء: إذا التمسته له، بمعنى: بغيت له، وكذلك عكمتك وحلبتك، بمعنى: حلبت لك وعكمت لك، وإذا أرادوا أعنتك على التماسه وطلبه، قالوا: أبغيتك كذا وأحلبتك وأعكمتك: أي أعنتك عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13035 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولاوضعوا خلالكم بينكم يبغونكم الفتنة بذلك. 13036 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا وضعوا خلالكم يقول: ولا وضعوا أسلحتهم خلالكم بالفتنة. 13037 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة يبطئونكم. قال: رفاعة بن التابوت، وعبد الله بن أبي ابن سلول، وأوس بن قيظي. 13038 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ولا وضعوا خلالكم قال: لاسرعوا الازقة خلالكم. يبغونكم الفتنة يبطئونكم، عبد الله بن نبتل، ورفاعة بن تابوت، وعبد الله بن أبي ابن سلول.
[ 188 ]
* - قال: حدثنا الحسن، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: ولاوضعوا خلالكم قال: لاسرعوا خلالكم يبغونكم الفتنة بذلك. 13039 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا قال: هؤلاء المنافقون في غزوة تبوك، يسلي الله عنهم نبيه (ص) والمؤمنين، فقال: وما يحزنكم ؟ (لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا) ! يقولان: قد جمع وفعل، يخذلونكم. (ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) الكفر. واما قوله: (وفيكم سماعون لهم) فان اهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وفيكم سماعون لحديثكم لهم يؤدونه إليهم عيون لهم عليكم. ذكر من قال ذلك: 13040 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وفيكم سماعون لهم يحدثون بأحاديثكم، عيون غير منافقين. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: وفيكم سماعون لهم قال: محدثون عيون غير منافقين. 13041 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وفيكم سماعون لهم يسمعون ما يؤدونه لعدوكم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفيكم من يسمع كلامهم ويطيع لهم. ذكر من قال ذلك: 13042 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وفيكم سماعون لهم وفيكم من يسمع كلامهم. 13043 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الذين استأذنوا فيما بلغني من ذوي الشرف منهم: عبد الله بن أبي ابن سلول والجد بن قيس، وكانوا أشرافا في قومهم، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معهم فيفسدوا عليه جنده، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فيهم، فقال: وفيكم سماعون لهم فعلى هذا التأويل: وفيكم أهل سمع وطاعة منكم لو صحبوكم أفسدوهم عليكم بتثبيطهم إياهم عن السير معكم. وأما على التأويل الاول، فإن معناه: وفيكم منهم سماعون يسمعون حديثكم لهم،
[ 189 ]
فيبلغونهم ويؤدونه إليهم عيون لهم عليكم. قال أبو جعفر: وأولى التأويلين عندي في ذلك بالصواب تأويل من قال: معناه: وفيكم سماعون لحديثكم لهم يبلغونه عنكم عيون لهم، لان الاغلب من كلام العرب في قولهم: سماع، وصف من وصف به أنه سماع للكلام، كما قال الله جل ثناؤه في غير موضع من كتابه: سماعون للكذب واصفا بذلك قوما بسماع الكذب من الحديث. وأما إذا وصفوا الرجل بسماع كلام الرجل وأمره ونهيه وقبوله منه، وانتهائه إليه فإنما تصفه بأنه له سامع ومطيع، ولا تكاد تقول: هو له سماع مطيع. وأما قوله: والله عليم بالظالمين فإن معناه: والله ذو علم بمن يوجه أفعاله إلى غير وجوهها ويضعها في غير مواضعها، ومن يستأذن رسول الله (ص) لعذر ومن يستأذنه شكا في الاسلام ونفاقا، ومن يسمع حديث المؤمنين ليخبر به المنافقين ومن يسمعه ليسر بما سر المؤمنين ويساء بما ساءهم، لا يخفى عليه شئ من سرائر خلقه وعلانيتهم. وقد بينا معنى الظلم في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) *. يقول تعالى ذكره: لقد التمس هؤلاء المنافقون الفتنة لاصحابك يا محمد، التمسوا صدهم عن دينهم، وحرصوا على ردهم إلى الكفر بالتخذيل عنه، كفعل عبد الله بن أبي بك وبأصحابك يوم أحد حين انصرف عنك بمن تبعه من قومه، وذلك كان ابتغاءهم ما كانوا ابتغوا لاصحاب رسول الله (ص) من الفتنة من قبل. ويعني بقوله: من قبل: من قبل هذا. وقلبوا لك الامور يقول: وأجالوا فيك وفي إبطال الدين الذي بعثك به الله الرأي بالتخذيل عنك، وإنكار ما تأتيهم به، ورده عليك. حتى جاء الحق يقول: حتى جاء نصر الله، وظهر أمر الله يقول: وظهر دين الله الذي أمر به وافترضه على خلقه وهو الاسلام. وهم كارهون يقول: والمنافقون لظهور أمر الله ونصره إياك كارهون، وكذلك الآن يظهرك الله ويظهر دينه على الذين كفروا من الروم وغيرهم من أهل الكفر به وهم كارهون.
[ 190 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13044 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وقلبوا لك الامور: أي ليخذلوا عنك أصحابك، ويردوا عليك أمرك. حتى جاء الحق وظهر أمر الله. وذكر أن هذه الآية نزلت في نفر مسمين بأعيانهم. 13045 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو، عن الحسن، قوله: وقلبوا لك الامور قال: منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وعبد الله بن نبتل أخو بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن رافع، وزيد بن التابوت القينقاعي. وكان تخذيل عبد الله بن أبي أصحابه عن رسول الله (ص) في هذه الغزاة، كالذي: 13046 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، كل قد حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها، وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض، وكل قد اجتمع حديثه في هذا الحديث: أن رسول الله (ص) أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد، وحين طاب الثمار وأحبت الظلال، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه. وكان رسول الله (ص) قلما يخرج في غزوة إلا كني عنها وأخبر أنه يريد غير الذي يصمد له، إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي صمد له ليتأهب الناس لذلك أهبته. فأم الناس بالجهاد، وأخبرهم أنه يريد الروم، فتجهز الناس على ما في أنفسهم من الكره لذلك الوجه لما فيه، مع ما عظموا من ذكر الروم وغزوهم. ثم إن رسول الله (ص) جد في سفره، فأمر الناس بالجهاز والانكماش، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله. فلما خرج رسول الله (ص) ضرب عسكره على ثنية الوداع، وضرب عبد الله بن أبي ابن سلول عسكره على ذي حدة أسفل منه نحو ذباب جبل بالجبانة أسفل من ثنية الوداع وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين فلما سار رسول الله (ص) تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وكان عبد الله بن أبي أخا بني عوف بن الخزرج، عبد الله بن نبتل
[ 191 ]
أخا بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن زيد بن التابوت أخا بني قينقاع، وكانوا من عظماء المنافقين، وكانوا ممن يكيد للاسلام وأهله. قال: وفيهم كما ثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري أنزل الله: لقد ابتغوا الفتنة من قبل... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) *. وذكر أن هذه الآية نزلت في الجد بن قيس. ويعني جل ثناؤه بقوله: ومنهم ومن المنافقين، من يقول ائذن لي أقم فلا أشخص معك، ولا تفتني يقول: ولا تبتلني برؤية نساء بني الاصفر وبناتهم، فإني بالنساء مغرم، فأخرج وآثم بذلك. وبذلك من التأويل تظاهرت الاخبار عن أهل التأويل. ذكر الرواية بذلك عمن قاله: 13047 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ائذن لي ولا تفتني قال: قال رسول الله (ص): اغزوا تبوك تغنموا بنات الاصفر ونساء الروم فقال الجد: ائذن لنا، ولا تفتنا بالنساء. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قالوا: قال رسول الله (ص): اغزوا تغنموا بنات الاصفر يعني: نساء الروم، ثم ذكر مثله. 13048 - قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: ائذن لي ولا تفتني قال: هو الجد بن قيس، قال: قد علمت الانصار أني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن، ولكن أعينك بمالي. 13049 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، قال: قال
[ 192 ]
رسول الله (ص) ذات يوم وهو في جهازه للجد بن قيس أخي بني سلمة: هل لك يا جد العام في جلاد بني الاصفر ؟ فقال: يا رسول الله، أو تأذن لي ولا تفتني ؟ فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الاصفر أن لا أصبر عنهن فأعرض عنه رسول الله (ص)، وقال: أذنت لك، ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني... الآية، أي إن كان إنما يخشى الفتنة من نساء بني الاصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله (ص) والرغبة بنفسه عن نفسه أعظم. 13050 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني قال: هو رجل من المنافقين يقال له: جد بن قيس، فقال له رسول الله (ص) العام نغزو بني الاصفر ونتخذ منهم سرارى ووصفانا. فقال: أي رسول الله، ائذن لي ولا تفتني، إن لم تأذن لي افتتنت ووقعت فغضب، فقال الله: ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين وكان من بني سلمة، فقال لهم النبي (ص): من سيدكم يا بني سلمة ؟ فقالوا: جد بن قيس، غير أنه بخيل جبان. فقال النبي (ص): وأي داء أدوى من البخل، ولكن سيدكم الفتى الابيض الجعد الشعر البراء بن معرور. 13051 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني يقول: ائذن لي ولا تحرجني. ألا في الفتنة سقطوا يعني: في الحرج سقطوا. 13052 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ولا تؤثمني ألا في الاثم سقطوا. وقوله: وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يقول: وإن النار لمطيفة بمن كفر بالله وجحد آياته وكذب رسله، محدقة بهم جامعة لهم جميعا يوم القيامة. يقول: فكفي للجد بن قيس وأشكاله من المنافقين بصليها خزيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون) *.
[ 193 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا محمد إن يصبك سرور بفتح الله عليك أرض الروم في غزاتك هذه يسؤ الجد بن قيس ونظراءه وأشياعهم من المنافقين، وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها يقول الجد ونظراؤه: قد أخذنا أمرنا من قبل أي قد أخذنا حذرنا بتخلفنا عن محمد وترك اتباعه إلى عدوه، من قبل يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة. ويتولوا وهم فرحون يقول: ويرتدوا عن محمد، وهم فرحون بما أصاب محمدا وأصحابه من المصيبة بفلول أصحابه وانهزامهم عنه وقتل من قتل منهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13053 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: إن تصبك حسنة تسؤهم يقول: إن تصبك في سفرك هذا لغزوة تبوك حسنة، تسؤهم. قال: الجد وأصحابه. 13054 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قد أخذنا أمرنا من قبل حذرنا. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قد أخذنا أمرنا من قبل قال: حذرنا. 13055 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن تصبك حسنة تسؤهم إن كان فتح للمسلمين كبر ذلك عليهم وساءهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *. يقول تعالى ذكره مؤدبا نبيه محمدا (ص): قل يا محمد لهؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عنك: لن يصيبنا أيها المرتابون في دينهم إلا ما كتب الله لنا في اللوح المحفوظ وقضاه علينا. هو مولانا يقول: هو ناصرنا على أعدائه. وعلى الله فليتوكل المؤمنون يقول: وعلى الله فليتوكل المؤمنون، فإنهم إن يتوكلوا عليه ولم يرجوا النصر من عند غيره ولم يخافوا شيئا غيره، يكفهم أمورهم وينصرهم على من بغاهم وكادهم.
[ 194 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (قل هل تربصون بنآ إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المنافقين الذين وصفت لك صفتهم وبينت لك أمرهم: هل تنتظرون بنا إلا إحدى الخلتين اللتين هما أحسن من غيرهما، إما ظفرا بالعدو وفتحا لنا بغلبتناهم، ففيها الاجر والغنيمة والسلامة، وإما قتلا من عدونا لنا، ففيه الشهادة والفوز بالجنة والنجاة من النار، وكلتاهما مما يحب، ولا يكره، ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده. يقول: ونحن ننتظر بكم أن يصيبكم الله بعقوبة من عنده عاجلة تهلككم أو بأيدينا فنقتلكم. فتربصوا إنا معكم متربصون يقول: فانتظروا إنا معكم منتظرون ما الله فاعل بنا، وما إليه صائر أمر كل فريق منا ومنكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13056 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين يقول: فتح أو شهادة. وقال مرة أخرى: يقول القتل، فهي الشهادة والحياة والرزق. وإما يخزيكم بأيدينا. 13057 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين يقول: قتل فيه الحياة والرزق، وإما أن يغلب فيؤتيه الله أجرا عظيما وهو مثل قوله: ومن يقاتل في سبيل الله... إلى: فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما. 13058 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إلا إحدى الحسنيين قال: القتل في سبيل الله والظهور على أعدائه. * - قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني عن مجاهد، قال: القتل في سبيل الله، والظهور. * - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي
[ 195 ]
نجيح، عن مجاهد: إحدى الحسنيين القتل في سبيل الله والظهور على أعداء الله. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. قال ابن جريج: قال ابن عباس: بعذاب من عنده بالموت أو بأيدينا، قال القتل. 13059 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين إلا فتحا أو قتلا في سبيل الله. ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا: أي قتل. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المنافقين: أنفقوا كيف شئتم أموالكم في سفركم هذا وغيره، وعلى أي حال شئتم من حال الطوع والكره، فإنكم إن تنفقوها لن يتقبل الله منكم نفقاتكم، وأنتم في شك من دينكم وجهل منكم بنبوة نبيكم وسوء معرفة منكم بثواب الله وعقابه. إنكم كنتم قوما فاسقين يقول: خارجين عن الايمان بربكم. وخرج قوله: أنفقوا طوعا أو كرها مخرج الامر ومعناه الخبر، والعرب تفعل ذلك في الاماكن التي يحسن فيها إن التي تأتي بمعنى الجزاء، كما قال جل ثناؤه: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم فهو في لفظ الامر ومعناه الخبر، ومنه قول الشاعر: أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
[ 196 ]
فكذلك قوله: أنفقوا طوعا أو كرها إنما معناه: إن تنفقوا طوعا أو كرها، لن يتقبل منكم. وقيل: إن هذه الآية نزلت في الجد بن قيس حين قال للنبي (ص) لما عرض عليه النبي (ص) الخروج معه لغزو الروم: هذا مالي أعينك به. 13060 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: قال الجد بن قيس: إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن، ولكن أعينك بمالي قال: ففيه نزلت أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم قال: لقوله: أعينك بمالي. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) *. يقول تعالى ذكره: وما منع هؤلاء المنافقين يا محمد أن تقبل منهم نفقاتهم التي ينفقونها في سفرهم معك وفي غير ذلك من السبل إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله فإن الاولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع، لان معنى الكلام: ما منع قبول نفقاتهم إلا كفرهم بالله. ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى يقول: لا يأتونها إلا متثاقلين بها، لانهم لا يرجون بأدائها ثوابا ولا يخافون بتركها عقابا، وإنما يقيمونها مخافة على أنفسهم بتركها من المؤمنين فإذا أمنوهم لم يقيموها. ولا ينفقون يقول: ولا ينفقون من أموالهم شيئا، إلا وهم كارهون أن ينفقونه في الوجه الذي ينفقونه فيه مما فيه تقوية للاسلام وأهله. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) *. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: فلا تعجبك يا محمد أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وقال: معنى ذلك: التقديم وهو مؤخر. ذكر من قال ذلك: 13061 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلا
[ 197 ]
تعجبك أموالهم ولا أولادهم قال: هذه من تقاديم الكلام، يقول: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. 13062 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا، بما ألزمهم فيها من فرائضه. ذكر من قال ذلك: 13063 - حدثت عن المسيب بن شريك، عن سلمان الاقصري، عن الحسن: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا قال: بأخذ الزكاة والنفقة في سبيل الله تعالى. 13064 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا بالمصائب فيها، هي لهم عذاب وهي للمؤمنين أجر. قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا، التأويل الذي ذكرنا عن الحسن، لان ذلك هو الظاهر من التنزيل، فصرف تأويله إلى ما دل عليه ظاهره أولى من صرفه إلى باطن لا دلالة على صحته، وإنما وجه من وجه ذلك إلى التقديم وهو مؤخر، لانه لم يعرف لتعذيب الله المنافقين بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا وجها يوجهه إليه، وقال: كيف يعذبهم بذلك في الدنيا، وهي لهم فيها سرور، وذهب عنه توجيهه إلى أنه من عظيم العذاب عليه إلزامه ما أوجب الله عليه فيها من حقوقه وفرائضه، إذ كان يلزمه ويؤخذ منه وهو غير طيب النفس. ولا راج من الله جزاء ولا من الآخذ منه حمدا ولا شكرا على ضجر منه وكره. وأما قوله: وتزهق أنفسهم وهم كافرون فإنه يعني: وتخرج أنفسهم، فيموتوا على كفرهم بالله وجحودهم نبوة نبي الله محمد (ص)، يقال منه: زهقت نفس فلان، وزهقت، فمن قال: زهقت، قال: تزهق، ومن قال: زهقت، قال: تزهق زهوقا ومنه قيل: زهق فلان بين أيدي القوم يزهق زهوقا: إذا سبقهم فتقدمهم، ويقال: زهق الباطل: إذا ذهب
[ 198 ]
ودرس. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون) *. يقول تعالى ذكره: ويحلف بالله لكم أيها المؤمنون هؤلاء المنافقون كذبا وباطلا خوفا منكم، إنهم لمنكم في الدين والملة. يقول الله تعالى مكذبا لهم: وما هم منكم أي ليسوا من أهل دينكم وملتكم، بل هم أهل شك ونفاق. ولكنهم قوم يفرقون يقول: ولكنهم قوم يخافونكم، فهم خوفا منكم يقولون بألسنتهم: إنا منكم، ليأمنوا فيكم فلا يقتلوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (لو يجدون ملجئا أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون) *. يقول تعالى ذكره: لو يجد هؤلاء المنافقون ملجأ، يقول: عصرا يعتصرون به من حصن، ومعقلا يعتقلون فيه منكم، أو مغارات وهي الغيران في الجبال، واحدتها: مغارة، وهي مفعلة من غار الرجل في الشئ يغور فيه إذا دخل، ومنه قيل: غارت العين: إذا دخلت في الحدقة. أو مدخلا يقول: سربا في الارض يدخلون فيه، وقال: أو مدخلا... الآية، لانه من ادخل يدخل. وقوله: لولوا إليه يقول: لادبروا إليه هربا منكم. وهم يجمحون يقول: وهم يسرعون في مشيهم. وقيل: إن الجماح مشى بين المشيين ومنه قول مهلهل: لقد جمحت جماحا في دمائهم حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا وإنما وصفهم الله بما وصفهم به من هذه الصفة، لانهم إنما أقاموا بين أظهر أصحاب رسول الله (ص) على كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم، ولما هم عليه من الايمان بالله وبرسوله لانهم كانوا في قومهم وعشيرتهم وفي دورهم وأموالهم، فلم يقدروا على ترك
[ 199 ]
ذلك وفراقه، فصانعوا القوم بالنفاق ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأولادهم بالكفر ودعوى الايمان، وفي أنفسهم ما فيها من البغض لرسول الله (ص) وأهل الايمان به والعداوة لهم، فقال الله واصفهم بما في ضمائرهم: لو يجدون ملجأ أو مغارات... الآية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13065 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لو يجدون ملجأ الملجأ: الحرز في الجبال، والمغارات: الغيران في الجبال. وقوله: أو مدخلا والمدخل: السرب. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ملجأ، يقول: حرزا، أو مغارات يعني الغيران. أو مدخلا يقول: ذهابا في الارض، وهو النفق في الارض، وهو السرب. 13066 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا قال: حرزا لهم يفرون إليه منكم. 13067 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا قال: محرزا لهم، لفروا إليه منكم. وقال ابن عباس قوله: لو يجدون ملجأ حرزا أو مغارات، قال: الغيران. أو مدخلا قال: نفقا في الارض. 13068 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا يقول: لو يجدون ملجأ: حصونا، أو مغارات غيرانا. أو مدخلا أسرابا. لولوا إليه وهم يجمحون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) *.
[ 200 ]
يقول تعالى ذكره: ومن المنافقين الذين وصفت لك يا محمد صفتهم في هذه الآيات من يلمزك في الصدقات يقول: يعيبك في أمرها ويطعن عليك فيها، يقال منه: لمز فلانا يلمزه، ويلمزه: إذا عابه وقرصه، وكذلك همزه. ومنه قيل: فلان همزة لمزة، ومنه قول رؤبة: قاربت بين عنقي وجمزي في ظل عصري باطلي ولمزي ومنه قول الآخر: إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة وأن أغيب فأنت العائب اللمزه فإن أعطوا منها رضوا يقول: ليس بهم في عيبهم إياك فيها وطعنهم عليك بسببها الدين، ولكن الغضب لانفسهم، فإن أنت أعطيتهم منها ما يرضيهم رضوا عنك، وإن أنت لم تعطهم منهم سخطوا عليك وعابوك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13069 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ومنهم من يلمزك في الصدقات قال: يروزك. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ومنهم من يلمزك في الصدقات يروزك ويسألك. 13070 - قال ابن جريج: وأخبرني داود بن أبي عاصم، قال: قال أتي النبي (ص) بصدقة، فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت، قال: ورآه رجل من الانصار، فقال: ما هذا بالعدل فنزلت هذه الآية.
[ 201 ]
13071 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومنهم من يلمزك في الصدقات يقول: ومنهم من يطعن عليك في الصدقات. وذكر لنا أن رجلا من أهل البادية حديث عهد بأعرابية، أتى نبي الله (ص) وهو يقسم ذهبا وفضة، فقال: يا محمد، والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما عدلت فقال نبي الله (ص): ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي ؟ ثم قال نبي الله (ص): احذروا هذا وأشباهه، فإن في أمتي أشباه هذا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم. وذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئا ولا أمنعكموه إنما أنا خازن. 13072 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ومنهم من يلمزك في الصدقات قال: يطعن. 13073 - قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد، قال: بينما رسول الله (ص) يقسم قسما، إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويلك ومن يعدل إن لم أعدل ؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه قال: دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر في قذذه فلا ينظر شيئا، ثم ينظر في نصله فلا يجد شيئا، ثم ينظر في رصافه فلا يجد شيئا، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى يديه أو قال: يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فترة من الناس. قال: فنزلت: ومنهم من يلمزك في الصدقات. قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول الله (ص)، وأشهد أن عليا رحمة الله عليه حين قتلهم جئ بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله (ص).
[ 202 ]
13074 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون قال: هؤلاء المنافقون، قالوا: والله ما يعطيها محمد إلا من أحب، ولا يؤثر بها إلا هواه فأخبر الله نبيه، وأخبرهم أنه إنما جاءت من الله، وأن هذا أمر من الله ليس من محمد: إنما الصدقات للفقراء... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو أنهم رضوا مآ آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنآ إلى الله راغبون) *. يقول تعالى ذكره: ولو أن هؤلاء الذين يلمزونك يا محمد في الصدقات رضوا ما أعطاهم الله ورسوله من عطاء وقسم لهم من قسم، وقالوا حسبنا الله يقول: وقالوا: كافينا الله، سيؤتينا الله من فضله ورسوله يقول: سيعطينا الله من فضل خزائنه ورسوله من الصدقة وغيرها، إنا إلى الله راغبون يقول: وقالوا: إنا إلى الله نرغب في أن يوسع علينا من فضله، فيغنينا عن الصدقة وغيرها من صلات الناس والحاجة إليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) *. يقول تعالى ذكره: لا تنال الصدقات إلا للفقراء والمساكين ومن سماهم الله جل ثناؤه. ثم اختلف أهل التأويل في صفة الفقير والمسكين، فقال بعضهم: الفقير: المحتاج المتعفف عن المسألة، والمسكين: المحتاج السائل. ذكر من قال ذلك: 13075 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال: الفقير: الجالس في بيته، والمسكين: الذي يسعى.
[ 203 ]
13076 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال: المساكين: الطوافون، والفقراء فقراء المسلمين. 13077 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن جرير بن حازم، قال: ثني رجل، عن جابر بن زيد، أنه سئل عن الفقراء، قال: الفقراء: المتعففون، والمساكين: الذين يسألون. 13078 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله الحراني، قال: سألت الزهري عن قوله: إنما الصدقات للفقراء قال: الذين في بيوتهم لا يسألون، والمساكين: الذين يخرجون فيسألون. 13079 - حدثنا الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الفقير الذي لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل. 13080 - قال: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال: الفقراء الذين لا يسألون الناس وهم أهل حاجة، والمساكين: الذين يسألون الناس. * - حدثنا الحرث، قال: ثني عبد العزيز، قال: ثنا عبد الوارث، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الفقراء الذين لا يسألون، والمساكين: الذين يسألون. وقال آخرون: الفقير هو ذو الزمانة من أهل الحاجة، والمسكين: هو الصحيح الجسم. ذكر من قال ذلك: 13081 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال: الفقير من به زمانة، والمسكين: الصحيح المحتاج. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين أما الفقير: فالزمن الذي به زمانة، وأما المسكين: فهو الذي ليست به زمانة. وقال آخرون: الفقراء فقراء المهاجرين، والمساكين: من لم يهاجر من المسلمين
[ 204 ]
وهو محتاج. ذكر من قال ذلك: 13082 - حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جرير بن حازم، عن علي بن الحكم، عن الضحاك بن مزاحم: إنما الصدقات للفقراء قال: فقراء المهاجرين، والمساكين: الذين لم يهاجروا. 13083 - قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: إنما الصدقات للفقراء المهاجرين، قال: سفيان: يعني: ولا يعطي الاعراب منها شيئا. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان يقال: إنما الصدقة لفقراء المهاجرين. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كانت تجعل الصدقة في فقراء المهاجرين، وفي سبيل الله تعالى. 13084 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، قالا: كان ناس من المهاجرين لاحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحج عليها ويغزو، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء، وجعل لهم سهما في الزكاة. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان يقال: إنما الصدقات في فقراء المهاجرين، وفي سبيل الله. وقال آخرون: المسكين: الضعيف الكسب. ذكر من قال ذلك: 13085 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا ابن عون، عن محمد، قال: قال عمر: ليس الفقير بالذي لا مال له، ولكن الفقير: الاخلق الكسب. قال يعقوب، قال ابن علية: الاخلق: المحارف عندنا. 13086 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب رحمة الله تعالى عليه قال ليس المسكين بالذي لا ماله له ولكن المسكين الاخلاق الكسب وقال بعضهم الفقير من المسلمين والمسكين أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك: 13087 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا عمر بن نافع، قال:
[ 205 ]
سمعت عكرمة في قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال: لا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، إنما المساكين مساكين أهل الكتاب. قال أبو جعفر: وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب، قول من قال: الفقير: هو ذو الفقر أو الحاجة ومع حاجته يتعفف عن مسألة الناس والتذلل لهم في هذا الموضع، والمسكين: هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم. وإنما قلنا إن ذلك كذلك وإن كان الفريقان لم يعطيا إلا بالفقر والحاجة دون الذلة والمسكنة، لاجماع الجميع من أهل العلم أن المسكين إنما يعطى من الصدقة المفروضة بالفقر، وأن معنى المسكنة عند العرب: الذلة، كما قال الله جل ثناؤه: وضربت عليهم الذلة والمسكنة يعني بذلك الهون، والذلة لا الفقر. فإذا كان الله جل ثناؤه قد صنف من قسم له من الصدقة المفروضة قسما بالفقر فجعلهم صنفين، كان معلوما أن كل صنف منهم غير الآخر. وإذ كان ذلك كذلك كان لا شك أن المقسوم له باسم الفقير غير المقسوم له باسم الفقر والمسكنة، والفقير المعطى ذلك باسم الفقير المطلق هو الذي لا مسكنة فيه، والمعطى باسم المسكنة والفقر هو الجامع إلى فقره المسكنة، وهي الذل بالطلب والمسألة. فتأويل الكلام إذ كان ذلك معناه: إنما الصدقات للفقراء المتعفف منهم الذي لا يسأل، والمتذلل منهم الذي يسأل، وقد روي عن رسول الله (ص) بنحو الذي قلنا في ذلك خبر. 13088 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): ليس المسكين بالذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا. ومعنى قوله (ص): إنما المسكين المتعفف على نحو ما قد جرى به استعمال الناس من تسميتهم أهل الفقر مساكين، لا على تفصيل المسكين من الفقير. ومما ينبئ عن أن ذلك كذلك، انتزاعه (ص) لقول الله: اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا وذلك في
[ 206 ]
صفة من ابتدأ الله ذكره ووصفه بالفقر، فقال للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا. وقوله: والعاملين عليها وهم السعاة في قبضها من أهلها، ووضعها في مستحقيها يعطون ذلك بالسعاية، أغنياء كانوا أو فقراء. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13089 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألت الزهري عن العاملين عليها، فقال: السعاة. 13090 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: والعاملين عليها قال: جباتها الذين يجمعونها، ويسعون فيها. 13091 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: والعاملين عليها: الذي يعمل عليها. ثم اختلف أهل التأويل في قدر ما يعطى العامل من ذلك، فقال بعضهم: يعطى منه الثمن. ذكر من قال ذلك: 13092 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح، عن جويبر، عن الضحاك، قال: للعاملين عليها الثمن من الصدقة. 13093 - حدثت عن مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: والعاملين عليها قال: يأكل العمال من السهم الثامن. وقال آخرون: بل يعطى على قدر عمالته. 13094 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن الاخضر بن عجلان، قال: ثنا عطاء بن زهير العامري، عن أبيه، أنه لقي عبد الله بن عمرو بن العاص، فسأله عن الصدقة: أي مال هي ؟ فقال: مال العرجان والعوران والعميان وكل منقطع به. فقال له: إن للعاملين حقا والمجاهدين. قال: إن المجاهدين قوم أحل لهم وللعاملين عليها على قدر عمالتهم. ثم قال: لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي. 13095 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: يكون للعامل
[ 207 ]
عليها إن عمل بالحق. ولم يكن عمر رحمه الله تعالى ولا أولئك يعطون العامل الثمن، إنما يفرضون له بقدر عمالته. 13069 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: والعاملين عليها قال: كان يعطى العاملون. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: يعطى العامل عليها على قدر عمالته أجر مثله. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لان الله جل ثناؤه لم يقسم صدقة الاموال بين الاصناف الثمانية على ثمانية أسهم وإنما عرف خلقه أن الصدقات لن تجاوز هؤلاء الاصناف الثمانية إلى غيرهم. وإذ كان كذلك بما سنوضح بعد وبما قد أوضحناه في موضع آخر، كان معلوما أن من أعطي منها حقا، فإنما يعطى على قدر اجتهاد المعطي فيه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان العامل عليها إنما يعطى على عمله لا على الحاجة التي تزول بالعطية، كان معلوما أن الذي أعطاه من ذلك إنما هو عوض من سعيه وعمله، وأن ذلك إنما هو قدر يستحقه عوضا من عمله الذي لا يزول بالعطية وإنما يزول بالعزل. وأما المؤلفة قلوبهم، فإنهم قوم كانوا يتألفون على الاسلام ممن لم تصح نصرته استصلاحا به نفسه وعشيرته، كأبي سفيان بن حرب وعيينة بن بدر والاقرع بن حابس، ونظرائهم من رؤساء القبائل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13097 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والمؤلفة قلوبهم، وهم قوم كانوا يأتون رسول الله (ص)، قد أسلموا، وكان رسول الله (ص) يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيرا قالوا: هذا دين صالح وإن كان غير ذلك، عابوه وتركوه. 13098 - حدثنا عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير: أن المؤلفة قلوبهم من بني أمية: أبو سفيان بن حرب، ومن بني مخزوم: الحرث بن هشام، وعبد الرحمن بن يربوع، ومن بني جمح: صفوان بن أمية، ومن بني عامر بن لؤي: سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ومن بني أسد بن عبد العزى:
[ 208 ]
حكيم بن حزام، ومن بني هاشم: سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، ومن بني فزارة: عيينة بن حصن بن بدر، ومن بني تميم: الاقرع بن حابس، ومن بني نصر: مالك بن عوف، ومن بني سليم: العباس بن مرداس، ومن ثقيف: العلاء بن حارثة. أعطى النبي (ص) كل رجل منهم مئة ناقة، إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى، فإنه أعطى كل رجل منهم خمسين. 13099 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: قال صفوان بن أمية: لقد أعطاني رسول الله (ص) وإنه لا بغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لاحب الناس إلي. 13100 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ناس كان يتألفهم بالعطية، عيينة بن بدر ومن كان معه. 13101 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن: والمؤلفة قلوبهم: الذين يؤلفون على الاسلام. 13102 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وأما المؤلفة قلوبهم، فأناس من الاعراب ومن غيرهم، كان نبي الله (ص) يتألفهم بالعطية كيما يؤمنوا. 13103 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألت الزهري عن قوله: والمؤلفة قلوبهم فقال: من أسلم من يهودي أو نصراني. قلت: وإن كان غنيا ؟ قال: وإن كان غنيا. 13104 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا معقل بن عبيد الله الحراني، عن الزهري: والمؤلفة قلوبهم قال: من هو يهودي أو نصراني. ثم اختلف أهل العلم في وجود المؤلفة اليوم وعدمها، وهل يعطى اليوم أحد على التألف على الاسلام من الصدقة ؟ فقال بعضهم: قد بطلت المؤلفة قلوبهم اليوم، ولا سهم لاحد في الصدقة المفروضة إلا لذي حاجة إليها وفي سبيل الله أو لعامل عليها. ذكر من قال ذلك: 13105 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن: والمؤلفة قلوبهم قال: أما المؤلفة قلوبهم فليس اليوم. 13106 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن
[ 209 ]
عامر، قال: لم يبق في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم، إنما كانوا على عهد رسول الله (ص). 13107 - حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا عبد الرحمن بن يحي، عن حبان بن أبي جبلة، قال: قال عمر بن الخطاب رضي رضي الله عنه تعالى عنه: وأتاه عيينة بن حصن الحق من ربكم فمن شاء فلؤمن ومن شاء فليكفر، أي: ليس اليوم مؤلفة. * - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا مبارك، عن الحسن، قال: ليس اليوم مؤلفة. 13108 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: إنما كانت المؤلفة قلوبهم على عهد النبي (ص)، فلما ولي أبو بكر رحمة الله تعالى عليه انقطعت الرشا. وقال آخرون: المؤلفة قلوبهم في كل زمان، وحقهم في الصدقات. ذكر من قال ذلك: 13109 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: في الناس اليوم المؤلفة قلوبهم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، مثله. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين: أحدهما سد خلة المسلمين، والآخر معونة الاسلام وتقويته فما كان في معونة الاسلام وتقوية أسبابه فإنه يعطاه الغني والفقير، لانه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه وإنما يعطاه معونة للدين، وذلك كما يعطي الذي يعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطي ذلك غنيا كان أو فقيرا للغزو لا لسد خلته. وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحا بإعطائهموه أمر الاسلام وطلب تقويته وتأييده. وقد أعطى النبي (ص) من أعطى من المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الاسلام وعز أهله، فلا حجة لمحتج بأن يقول: لا يتألف اليوم على الاسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم وقد أعطى النبي (ص) من أعطى منهم في الحال التي وصفت. وأما قوله: وفي الرقاب فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم، وهم الجمهور الاعظم: هم المكاتبون، يعطون منها في فك رقابهم. ذكر من قال ذلك:
[ 210 ]
13110 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسين: أن مكاتبا قام إلى أبي موسى الاشعري رحمه الله تعالى وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقال له: أيها الامير حث الناس علي فحث عليه أبو موسى، فألقي الناس عليه عمامة وملاءة وخاتما، حتى ألقوا سوادا كثيرا. فلما رأى أبو موسى ما ألقى عليه، قال: اجمعوه فجمع ثم أمر به فبيع، فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب ولم يرده على الناس، وقال: إنما أعطي الناس في الرقاب. 13111 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألت الزهري عن قوله: وفي الرقاب قال: المكاتبون. 13112 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وفي الرقاب قال: المكاتب. 13113 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: وفي الرقاب قال: هم المكاتبون. وروي عن ابن عباس أنه قال: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عنى بالرقاب في هذا الموضع المكاتبون، لاجماع الحجة على ذلك فإن الله جعل الزكاة حقا واجبا على من أوجبها عليه في ماله يخرجها منه، لا يرجع إليه منها نفع من عرض الدنيا ولا عوض، والمعتق رقبة منها راجع إليه ولاء من أعتقه، وذلك نفع يعود إليه منها. وأما الغارمون: فالذين استدانوا في غير معصية الله، ثم لم يجدوا قضاء في عين ولا عرض. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13114 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد، قال: الغارمون: من احترق بيته، أو يصيبه السيل فيذهب متاعه، ويدان على عياله فهذا من الغارمين. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد، في قوله: والغارمين قال: من احترق بيته، وذهب السيل بماله، وادان على عياله.
[ 211 ]
13115 - حدثنا أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: الغارمين: المستدين في غير سرف، ينبغي للامام أن يقضي عنهم من بيت المال. 13116 - قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألنا الزهري، عن الغارمين، قال: أصحاب الدين. 13117 - قال: ثنا معقل، عن عبد الكريم، قال: ثني خادم لعمر بن عبد العزيز خدمه عشرين سنة، قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن يعطى الغارمون. قال أحمد: أكثر ظني من الصدقات. * - قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: الغارمون: المستدين في غير سرف. 13118 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أما الغارمون: فقوم غرقتهم الديون، في غير إملاق ولا تبذير ولا فساد. 13119 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الغارم: الذي يدخل عليه الغرم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد: والغارمين قال: هو الذي يذهب السيل والحريق بماله، ويدان على عياله. * - قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: المستدين في غير فساد. * - قال: ثني أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: الغارمون: الذين يستدينون في غير فساد، ينبغي للامام أن يقضي عنهم. 13120 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد: هم قوم ركبتهم الديون في غير فساد ولا تبذير، فجعل الله لهم في هذه الآية سهما. وأما قوله: وفي سبيل الله فإنه يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13121 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وفي سبيل الله قال: الغازي في سبيل الله.
[ 212 ]
13122 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: قال النبي (ص): لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار تصدق عليه فأهداها له. 13123 - قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص) قال: لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة: في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار فتصدق عليه فأهداها له. وأما قوله: وابن السبيل فالمسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد، والسبيل: الطريق، وقيل للضارب فيه ابن السبيل للزومه إياه، كما قال الشاعر: أنا ابن الحرب ربتني وليدا إلى أن شبت واكتهلت لداتي وكذلك تفعل العرب، تسمي اللازم للشئ يعرف بابنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13124 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: ابن السبيل: المجتاز من أرض إلى أرض. 13125 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن ليث، عن مجاهد: وابن السبيل قال: لابن السبيل حق من الزكاة وإن كان غنيا إذا كان منقطعا به. 13126 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا معقل بن عبيد الله، قال: سألت الزهري، عن ابن السبيل قال: يأتي علي ابن السبيل، وهو محتاج، قلت: فإن كان غنيا ؟ قال: وإن كان غنيا.
[ 213 ]
13127 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وابن السبيل الضيف جعل له فيها حق. 13128 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن السبيل: المسافر من كان غنيا أو فقيرا إذا أصيبت نفقته، أو فقدت، أو أصابها شئ، أو لم يكن معه شئ، فحقه واجب. 13129 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، أنه قال في الغني إذا سافر فاحتاج في سفره، قال: يأخذ من الزكاة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: ابن السبيل: المجتاز من الارض إلى الارض. وقوله: فريضة من الله يقول جل ثناؤه: قسم قسمه الله لهم، فأوجبه في أموال أهل الاموال لهم، والله عليم بمصالح خلقه فيما فرض لهم وفي غير ذلك لا يخفى عليه شئ. فعلى علم منه فرض ما فرض من الصدقة وبما فيها من المصلحة، حكيم في تدبيره خلقه، لا يدخل في تدبيره خلل. واختلف أهل العلم في كيفية قسم الصدقات التي ذكرها الله في هذه الآية، وهل يجب لكل صنف من الاصناف الثمانية فيها حق أو ذلك إلى رب المال، ومن يتولى قسمها في أن له أن يعطي جميع ذلك من شاء من الاصناف الثمانية ؟ فقال عامة أهل العلم: للمتولي قسمها ووضعها في أي الاصناف الثمانية شاء، وإنما سمى الله الاصناف الثمانية في الآية إعلاما منه خلقه أن الصدقة لا تخرج من هذه الاصناف الثمانية إلى غيرها، لا إيجابا لقسمها بين الاصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى. ذكر من قال ذلك: 13130 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن الحجاج بن أرطاة، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن حذيفة، في قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها قال: إن شئت جعلته في صنف واحد، أو صنفين، أو لثلاثة. 13131 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن المنهال، عن زر، عن حذيفة، قال: إذا وضعتها في صنف واحد أجزأ عنك. 13132 - قال: ثنا جرير، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: إنما الصدقات للفقراء قال: أيما صنف أعطيته من هذا أجزأك.
[ 214 ]
13133 - قال: ثنا ابن نمير، عن عبد المطلب، عن عطاء: إنما الصدقات للفقراء... الآية، قال: لو وضعتها في صنف واحد من هذه الاصناف أجزأك، ولو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعففين فجبرتهم بها كان أحب إلي. 13134 - قال: أخبرنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: إنما الصدقات للفقراء والمساكين... وابن السبيل فأي صنف أعطيته من هذه الاصناف أجزأك. 13135 - قال: ثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. 13136 - قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها قال: إنما هذا شئ أعلمه، فأي صنف من هذه الاصناف أعطيته أجزأ عنك. * - قال: ثنا أبي عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم: إنما الصدقات للفقراء قال: في أي هذه الاصناف وضعتها أجزأك. * - قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمى الله أجزأك. 13137 - قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمى الله أجزأك. 13138 - قال: ثنا خالد بن حيان أبو يزيد، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران: إنما الصدقات للفقراء قال: إذا جعلتها في صنف واحد من هؤلاء أجزأ عنك. 13139 - قال: ثنا محمد بن بشر، عن مسعود، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: إنما الصدقات للفقراء والمساكين.... الآية، قال: أعلم أهلها من هم. 13140 - قال: ثنا حفص، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: أنه كان يأخذ الفرض في الصدقة، ويجعلها في صنف واحد. وكان بعض المتأخرين يقول: إذا تولى رب المال قسمها كان عليه وضعها في ستة أصناف وذلك أن المؤلفة قلوبهم عنده قد ذهبوا، وأن سهم العاملين يبطل بقسمه إياها، ويزعم أنه لا يجزيه أن يعطى من كل صنف أقل من ثلاثة أنفس. وكان يقول: إن تولى قسمها الامام كان عليه أن يقسمها على سبعة أصناف، لا يجزي عنده غير ذلك. القول في
[ 215 ]
تأويل قوله تعالى: * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المنافقين جماعة يؤذون رسول الله (ص) ويعيبونه، ويقولون: هو أذن سامعة، يسمع من كل أحد ما يقول فيقبله ويصدقه. وهو من قولهم: رجل أذنة مثل فعلة: إذا كان يسرع الاستماع والقبول، كما يقال: هو يقن ويقن: إذا كان ذا يقين بكل ما حدث. وأصله من أذن له يأذن: إذا استمع له، ومنه الخبر عن النبي (ص): ما أذن الله لشئ كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن ومنه قول عدي بن زيد: أيها القلب تعلل بددن إن همي في سماع وأذن وذكر أن هذه الآية نزلت في نبتل بن الحرث. 13141 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر الله عيبهم، يعني المنافقين، وأذاهم للنبي (ص)، فقال: ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن... الآية، وكان الذي يقول تلك المقالة فيما بلغني نبتل بن الحرث أخو بني عمرو بن عوف، وفيه نزلت هذه الآية، وذلك أنه قال: إنما محمد أذن، من حدثه شيئا صدقه يقول الله: قل أذن خير لكم: أي يستمع الخير ويصدق به. واختلف القراء في قراءة قوله: قل أذن خير لكم فقرأ ذلك عامة قراء الامصار: قل أذن خير لكم بإضافة الاذن إلى الخير، يعني: قل لهم يا محمد: هو أذن خير لا أذن شر. وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك: قل أذن خير لكم بتنوين أذن، ويصير
[ 216 ]
خير خبرا له، بمعنى: قل من يسمع منكم أيها المنافقون ما تقولون ويصدقكم إن كان محمد كما وصفتموه من أنكر إذا آذيتموه فأنكرتم ما ذكر له عنكم من أذاكم إياه وعيبكم له سمع منكم وصدقكم، خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل منكم ما تقولون. ثم كذبهم فقال: بل لا يقبل إلا من المؤمنين، يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندي في ذلك، قراءة من قرأ: قل أذن خير لكم بإضافة الاذن إلى الخير، وخفض الخير، يعني: قل هو أذن خير لكم، لا أذن شر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13142 - حدثني المثنى، قال: ثني عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن يسمع من كل أحد. 13143 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قال: كانوا يقولون: إنما محمد أذن لا يحدث عنا شيئا إلا هو أذن يسمع ما يقال له. 13144 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن نجيح، عن مجاهد: ويقولون هو أذن نقول ما شئنا، ونحلف فيصدقنا. * - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: هو أذن قال: يقولون: نقول ما شئنا، ثم نحلف له فيصدقنا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. وأما قوله: يؤمن بالله فإنه يقول: يصدق بالله وحده لا شريك له. وقوله: ويؤمن للمؤمنين يقول: ويصدق المؤمنين لا الكافرين ولا المنافقين. وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا: محمد أذن، يقول جل ثناؤه: إنما محمد (ص) مستمع خير، يصدق بالله وبما جاءه من عنده، ويصدق المؤمنين لا أهل النفاق والكفر بالله. وقيل: ويؤمن للمؤمنين معناه: ويؤمن المؤمنين، لان العرب تقول فيما ذكر لنا عنها:
[ 217 ]
آمنت له وآمنته، بمعنى: صدقته، كما قيل: ردف لكم بعض الذي تستعجلون ومعناه: ردفكم، وكما قال: للذين هم لربهم يرهبون ومعناه: للذين هم ربهم يرهبون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13145 - حدثني المثنى، قال: ثني عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين يعني: يؤمن بالله ويصدق المؤمنين. وأما قوله: ورحمة للذين آمنوا منكم فإن القراء اختلفت في قراءته، فقرأ ذلك عامة الامصار: ورحمة للذين آمنوا بمعنى: قل هو أذن خير لكم، وهو رحمة للذين آمنوا منكم. فرفع الرحمة عطفا بها على الاذن. وقرأه بعض الكوفيين: ورحمة عطفا بها على الخير، بتأويل: قل أذن خير لكم، وأذن رحمة. قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأ ورحمة بالرفع عطفا بها على الاذن، بمعنى: وهو رحمة للذين آمنوا منكم، وجعله الله رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه وصدق بما جاء به من عند ربه، لان الله استنقذهم به من الضلالة وأورثهم باتباعه جناته. القول في تأويل قوله تعالى: والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم. يقول تعالى ذكره: لهؤلاء المنافقين الذين يعيبون رسول الله (ص)، ويقولون: هو أذن وأمثالهم من مكذبيه، والقائلين فيه الهجر والباطل، عذاب من الله موجع لهم في نار جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله (ص): يحلف لكم أيها المؤمنون هؤلاء المنافقون بالله ليرضوكم فيما بلغكم عنهم من أذاهم رسول الله (ص)، وذكرهم إياه، بالطعن عليه والعيب له، ومطابقتهم سرا أهل الكفر عليكم بالله، والايمان الفاجرة أنهم ما فعلوا ذلك وإنهم لعلى دينكم ومعكم على من خالفكم، يبتغون بذلك رضاكم. يقول الله جل
[ 218 ]
ثناؤه: والله ورسوله أحق أن يرضوه بالتوبة والانابة مما قالوا ونطقوا، إن كانوا مؤمنين يقول: إن كانوا مصدقين بتوحيد الله، مقرين بوعده ووعيده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 12146 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يحلفون بالله لكم ليرضوكم... الآية، ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، وإن كان ما يقول محمد حقا، لهم شر من الحمير قال: فسمعها رجل من المسلمين، فقال: والله إن ما يقول محمد حق، ولانت شر من الحمار فسعى بها الرجل إلى نبي الله (ص)، فأرسل إلى الرجل فدعاه، فقال له: ما حملك على الذي قلت ؟ فجعل يلتعن ويحلف بالله ما قال ذلك، قال: وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل الله في ذلك: يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم) *. يقول تعالى ذكره: ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يحلفون بالله كذبا للمؤمنين ليرضوهم وهم مقيمون على النفاق، أنه من يحارب الله ورسوله ويخالفهما فيناوئهما بالخلاف عليهما، فأن له نار جهنم في الآخرة، خالدا فيها يقول: لابثا فيها، مقيما إلى غير نهاية. ذلك الخزي العظيم يقول: فلبثه في نار جهنم وخلوده فيها هو الهوان والذل العظيم. وقرأت القراء: فأن بفتح الالف من أن بمعنى: ألم يعلموا أن لمن حاد الله ورسوله نار جهنم، وإعمال يعلموا فيها، كأنهم جعلوا أن الثانية مكررة على الاولى، واعتمدوا عليها، إذ كان الخبر معها دون الاولى. وقد كانت بعض نحويي البصرة يختار الكسر في ذلك على الابتداء بسبب دخول الفاء فيها، وأن دخولها فيها عنده دليل على أنها جواب الجزاء، وأنها إذا كانت جواب الجزاء كان الاختيار فيها الابتداء. والقراءة التي لا أستجيز غيرها فتح الالف في كلام الحرفين، أعني أن الاولى والثانية، لان ذلك قراءة الامصار، وللعلة التي ذكرت من جهة العربية. القول في تأويل قوله تعالى: * (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون) *.
[ 219 ]
يقول تعالى ذكره: يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، يقول: تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم. وقيل: إن الله أنزل هذه الآية على رسول الله (ص)، لان المنافقين كانوا إذا عابوا رسول الله (ص) وذكروا شيئا من أمره وأمر المسلمين، قالوا: لعل الله لا يفشي سرنا فقال الله لنبيه (ص): قل لهم: استهزءوا، متهددا لهم متوعدا، إن الله مخرج ما تحذرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13147 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة قال: يقولون القول بينهم، ثم يقولون: عسى الله أن لا يفشي سرنا علينا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله، إلا أنه قال: سرنا هذا. وأما قوله: إن الله مخرج ما تحذرون فإنه يعني: إن الله مظهر عليكم أيها المنافقون ما كنتم تحذرون أن تظهروه، فأظهر الله ذلك عليهم وفضحهم، فكانت هذه السورة تدعى الفاضحة. 13148 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كانت تسمى هذه السورة الفاضحة فاضحة المنافقين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون) *. يقول تعالى جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما قالوا من الباطل والكذب، ليقولن لك: إنما قلنا ذلك لعبا، وكنا نخوض في حديث لعبا وهزوا. يقول الله لمحمد (ص): قل يا محمد أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزءون. وكان ابن إسحاق يقول: الذي قال هذه المقالة كما: 13149 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الذي قال هذه المقالة فيما بلغني وديعة بن ثابت، أخو بني أمية بن زيد من بني عمرو بن عوف. 13150 - حدثنا علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا الليث، قال:
[ 220 ]
ثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم: أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: ما لقرائنا هؤلاء أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء فقال له عوف: كذبت، ولكنك منافق، لاخبرن رسول الله (ص) فذهب عوف إلى رسول الله (ص) ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فقال زيد: قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه متعلقا بحقب ناقة رسول الله (ص)، تنكبه الحجارة، يقول: إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له النبي (ص): أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ما يزيده. 13151 - قال: ثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس، ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لاخبرن رسول الله (ص) فبلغ ذلك النبي (ص)، ونزل القرآن، قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله (ص)، تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله (ص) يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. 13152 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، في قوله: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب.... إلى قوله: بأنهم كانوا مجرمين قال: فكان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول: اللهم إني أسمع آية أنا أعنى بها، تقشعر منها الجلود، وتجل منها القلوب، اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك، لا يقول أحد: أنا غسلت، أنا كفنت، أنا دفنت قال: فأصيب يوم اليمامة، فما من أحد من المسلمين إلا وجد غيره. 13153 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب.... الآية، قال: بينا رسول الله (ص) يسير في غزوته إلى تبوك، وبين يديه ناس من المنافقين، فقال: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها ؟ هيهات هيهات فأطلع الله نبيه (ص) على ذلك، فقال نبي الله (ص): احبسوا علي هؤلاء الركب فأتاهم فقال: قلتم كذا ؟ قلتم كذا ؟ قالوا: يا نبي الله إنما كنا نخوض
[ 221 ]
ونلعب فأنزل الله تبارك وتعالى فيها ما تسمعون. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قال: بينما النبي (ص) في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها فأطلع الله نبيه (ص) على ما قالوا، فقال: علي بهؤلاء النفر فدعاهم فقال: قلتم كذا وكذا ؟ فحلفوا: ما كنا إلا نخوض ونلعب. 13154 - حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب وغيره، قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء فرفع ذلك إلى رسول الله (ص)، فجاء إلى رسول الله (ص) وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب فقال: أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون.... إلى قوله: مجرمين وإن رجليه لتسفعان بالحجارة، وما يلتفت إليه رسول الله (ص)، وهو متعلق بنسعة رسول الله (ص). 13155 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنما كنا نخوض ونلعب قال: قال رجل من المنافقين: يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وما يدريه ما الغيب * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل لهؤلاء الذين وصفت لك صفتهم: لا تعتذروا بالباطل، فتقولوا كنا نخوض ونلعب. قد كفرتم يقول: قد جحدتم الحق بقولكم ما قلتم في رسول الله (ص) والمؤمنين به بعد إيمانكم يقول: بعد تصديقكم به وإقراركم به. إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة وذكر أنه عنى بالطائفة في هذا الموضع رجل واحد.
[ 222 ]
وكان ابن إسحاق يقول فيما: 13156 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الذي عفي عنه فيما بلغني مخشي بن حمير الاشجعي حليف بني سلمة، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع. 13157 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حبان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: إن نعف عن طائفة منكم قال: طائفة: رجل. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: إن نعف عن طائفة منكم بإنكاره ما أنكر عليكم من قبل الكفر، نعذب طائفة بكفره واستهزائه بآيات الله ورسوله. ذكر من قال ذلك: 13158 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال بعضهم: كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث، فيسير مجانبا لهم، فنزلت: إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة فسمي طائفة وهو واحد. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن تتب طائفة منكم فيعفو الله عنه، يعذب الله طائفة منكم بترك التوبة. وأما قوله: إنهم كانوا مجرمين فإن معناه: نعذب طائفة منهم باكتسابهم الجرم، وهو الكفر بالله، وطعنهم في رسول الله (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون) *. يقول تعالى ذكره: المنافقون والمنافقات وهم الذين يظهرون للمؤمنين الايمان بألسنتهم ويسرون الكفر بالله ورسوله بعضهم من بعض يقول: هم صنف واحد، وأمرهم واحد، في إعلانهم الايمان واستبطانهم الكفر، يأمرون من قبل منهم بالمنكر، وهو الكفر بالله وبمحمد (ص)، وبما جاء به وتكذيبه. وينهون عن المعروف يقول: وينهونهم عن الايمان بالله ورسوله وبما جاءهم به من عند الله.
[ 223 ]
وقوله: ويقبضون أيديهم يقول: ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل الله ويكفونها عن الصدقة، فيمنعون الذين فرض الله لهم في أموالهم ما فرض من الزكاة حقوقهم. كما: 13159 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ويقبضون أيديهم قال: لا يبسطونها بنفقة في حق. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. 13160 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويقبضون أيديهم: لا يبسطونها بخير. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ويقبضون أيديهم قال: يقبضون أيديهم عن كل خير. وأما قوله: نسوا الله فنسيهم فإن معناه: تركوا الله أن يطيعوه ويتبعوا أمره، فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته. وقد دللنا فيما مضى على أن معنى النسيان الترك بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 13161 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: نسوا الله فنسيهم نسوا من الخير، ولم ينسوا من الشر. قوله: إن المنافقين هم الفاسقون يقول: إن الذين يخادعون المؤمنين بإظهارهم لهم بألسنتهم الايمان بالله، وهم للكفر مستبطنون، هم المفارقون طاعة الله الخارجون عن الايمان به وبرسوله. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 224 ]
* (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) *. يقول تعالى ذكره: وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار بالله نار جهنم أن يصليهموها جميعا. خالدين فيها يقول: ماكثين فيها أبدا، لا يحيون فيها ولا يموتون. هي حسبهم يقول: هي كافيتهم عقابا وثوابا على كفرهم بالله. ولعنهم الله يقول: وأبعدهم الله وأسحقهم من رحمته. ولهم عذاب مقيم يقول: وللفريقين جميعا، يعني من أهل النفاق والكفر عند الله، عذاب مقيم دائم، لا يزول ولا يبيد. القول في تأويل قوله تعالى: * (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المنافقين الذين قالوا إنما كنا نخوض ونلعب: أبا لله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزءون، كالذين من قبلكم من الامم الذين فعلوا فعلكم فأهلكهم الله، وعجل لهم في الدنيا الخزي مع ما أعد لهم من العقوبة والنكال في الآخرة ؟ يقول لهم جل ثناؤه: واحذروا أن يحل بكم من عقوبة الله مثل الذي حل بهم، فإنهم كانوا أشد منكم قوة وبطشا، وأكثر منكم أموالا وأولادا. فاستمتعوا بخلاقهم يقول: فتمتعوا بنصيبهم وحظهم من دنياهم ودينهم، ورضوا بذلك من نصيبهم في الدنيا عوضا من نصيبهم في الآخرة. وقد سلكتم أيها المنافقون سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم، يقول: فعلتم بدينكم ودنياكم كما استمتع الامم الذين كانوا من قبلكم الذين أهلكتهم بخلافهم أمري، بخلاقهم، يقول: كما فعل الذين من قبلكم بنصيبهم من دنياهم ودينهم، وخضتم في الكذب والباطل على الله كالذي خاضوا، يقول: وخضتم أنتم أيها المنافقون كخوض تلك الامم قبلكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 225 ]
13162 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، قال: لتأخذن كما أخذ الامم من قبلكم، ذراعا بذراع، وشبرا بشبر، وباعا بباع حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه. قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم القرآن: كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا قالوا: يا رسول الله، كما صنعت فارس والروم ؟ قال: فهل الناس إلا هم. 13163 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج عن عمر بن عطاء، عن عكرمة عن ابن عباس، قوله: كالذين من قبلكم.... الآية. قال: قال ابن عباس: ما أشبه الليلة بالبارحة كالذين من قبلكم هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم، لا أعلم إلا أنه قال: والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم حجر ضب لدخلتموه * - قال ابن جريج: وأخبرنا زياد بن سعد، عن محمد بن زيد بن مهاجر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): والذي نفسي بيده لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وباعا بباع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا: ومن هم يا رسول الله، أهل الكتاب ؟ قال: فمن فمه ؟. 13164 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال أبو سعيد الخدري إنه قال: فمن. 13165 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: فاستمتعوا بخلاقهم قال: بدينهم. 13166 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: قال رسول الله (ص): حذركم أن تحدثوا في الاسلام حدثا وقد علم أنه سيفعل ذلك أقوام من هذه الامة، فقال الله في ذلك: فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا وإنما حسبوا أن لا يقع بهم من الفتنة ما وقع ببني إسرائيل قبلهم، وإن الفتنة عائدة كما بدت.
[ 226 ]
وأما قوله: أولئك حبطت أعمالهم فإن معناه: هؤلاء الذين قالوا إنما كنا نخوض ونلعب، وفعلوا في ذلك فعل الهالكين من الامم قبلهم، حبطت أعمالهم يقول: ذهبت أعمالهم باطلا، فلا ثواب لها إلا النار، لانها كانت فيما يسخط الله ويكرهه. وأولئك هم الخاسرون يقول: وأولئك هم المغبونون صفقتهم ببيعهم نعيم الآخرة، بخلاقهم من الدنيا اليسير الزهيد. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) *. يقول تعالى ذكره: ألم يأت هؤلاء المنافقين الذين يسرون الكفر بالله، وينهون عن الايمان به وبرسوله نبأ الذين من قبلهم يقول: خبر الامم الذين كانوا من قبلهم حين عصوا رسلنا، وخالفوا أمرنا ماذا حل بهم من عقوبتنا ؟ ثم بين جل ثناؤه من أولئك الامم التي قال لهؤلاء المنافقين ألم يأتهم نبؤهم، فقال: قوم نوح ولذلك خفض القوم لانه ترجم بهم عن الذين، والذين في موضع خفض. ومعنى الكلام: ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر قوم نوح وصنيعي بهم، إذ كذبوا رسولي نوحا وخالفوا أمري، ألم أغرقهم بالطوفان ؟ وعاد يقول: وخبر عاد إذ عصوا رسولي هودا، ألم أهلكهم بريح صرصر عاتية ؟ وخبر ثمود إذ عصوا رسولي صالحا، ألم أهلكهم بالرجفة، فأتركهم بأفنيتهم خمودا ؟ وخبر قوم إبراهيم إذ عصوه، وردوا عليه ما جاءهم به من عند الله من الحق، ألم أسلبهم النعمة وأهلك ملكهم نمروذ ؟ وخبر أصحاب مدين بن إبراهيم، ألم أهلكهم بعذاب يوم الظلة، إذ كذبوا رسولي شعيبا ؟ وخبر المنقلبة بهم أرضهم، فصار أعلاها أسفلها، إذ عصوا رسولي لوطا وكذبوا ما جاءهم به من عندي من الحق. يقول تعالى ذكره: أفأمن هؤلاء المنافقون الذين يستهزءون بالله وبآياته ورسوله، أن يسلك بهم في الانتقام منهم وتعجيل الخزي والنكال لهم في الدنيا سبيل أسلافهم من الامم، ويحل بهم بتكذيبهم رسولي محمدا (ص) ما حل بهم في تكذيبهم رسلنا، إذ أتتهم بالبينات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 227 ]
13167 حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: والمؤتفكات قال: قوم لوط انقلبت بهم أرضهم، فجعل عاليها سافلها. 13168 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والمؤتفكات قال: هم قوم لوط. فإن قال قائل: فإن كان عني بالمؤتفكات قوم لوط، فكيف قيل: المؤتفكات، فجمعت ولم توحد ؟ قيل: إنها كانت قريات ثلاثا، فجمعت لذلك، ولذلك جمعت بالتاء على قول الله: والمؤتفكة أهوى. فإن قال: وكيف قيل: أتتهم رسلهم بالبينات، وإنما كان المرسل إليهم واحدا ؟ قيل: معنى ذلك: أتى كل قرية من المؤتفكات رسول يدعوهم إلى الله، فتكون رسل رسول الله (ص) الذين بعثهم إليهم للدعاء إلى الله عن رسالته رسلا إليهم، كما قالت العرب لقوم نسبوا إلى أبي فديك الخارجي الفديكات وأبو فديك واحد، ولكن أصحابه لما نسبوا إليه وهو رئيسهم دعوا بذلك ونسبوا إلى رئيسهم فكذلك قوله: أتتهم رسلهم بالبينات. وقد يحتمل أن يقال: معنى ذلك: أتت قوم نوح وعاد وثمود وسائر الامم الذين ذكرهم الله في هذه الآية رسلهم من الله بالبينات. وقوله: فما كان الله ليظلمهم يقول جل ثناؤه: فما أهلك الله هذه الامم التي ذكر أنه أهلكها إلا بإجرامها وظلمها أنفسها واستحقاقها من الله عظيم العقاب، لا ظلما من الله لهم ولا وضعا منه جل ثناؤه عقوبة في غير من هو لها أهل لان الله حكيم، لا خلل في تدبيره ولا خطأ في تقديره، ولكن القوم الذين أهلكهم ظلموا أنفسهم بمعصية الله وتكذيبهم رسله حتى أسخطوا عليهم ربهم فحق عليهم كلمة العذاب فعذبوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) *. يقول تعالى ذكره: وأما المؤمنون والمؤمنات، وهم المصدقون بالله ورسوله وآيات
[ 228 ]
كتابه، فإن صفتهم أن بعضهم أنصار بعض وأعوانهم. يأمرون بالمعروف يقول: يأمرون الناس بالايمان بالله ورسوله، وبما جاء به من عند الله. ويقيمون الصلاة يقول: ويؤدون الصلاة المفروضة. ويؤتون الزكاة يقول: ويعطون الزكاة المفروضة أهلها. ويطيعون الله ورسوله فيأتمرون لامر الله ورسوله وينتهون عما نهيناهم عنه. أولئك سيرحمهم الله يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم الذين سيرحمهم الله، فينقذهم من عذابه ويدخلهم جنته، لا أهل النفاق والتكذيب بالله ورسوله، الناهون عن المعروف، الآمرون بالمنكر، القابضون أيديهم عن أداء حق الله من أموالهم. إن الله عزيز حكيم يقول: إن الله ذو عزة في انتقامه ممن انتقم من خلقه على معصيته وكفره به، لا يمنعه من الانتقام منه مانع ولا ينصره منه ناصر، حكيم في انتقامه منهم في جميع أفعاله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13169 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: كل ما ذكره الله في القرآن من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالامر بالمعروف: دعاء من الشرك إلى الاسلام، والنهي عن المنكر: النهي عن عبادة الاوثان والشياطين. 13170 - قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يقيمون الصلاة قال: الصلوات الخمس. القول في تأويل قوله تعالى: * (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) *. يقول تعالى ذكره: وعد الله الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا به وبما جاء به من عند الله من الرجال والنساء جنات تجري من تحتها الانهار يقول: بساتين تجري تحت أشجارها الانهار، خالدين فيها يقول: لابثين فيها أبدا مقيمين لا يزول عنهم نعيمها. ولا يبيد. ومساكن طيبة يقول: ومنازل يسكنونها طيبة. وطيبها، أنها فيما ذكر لنا كما: 13171 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، عن الحسن، قال: سألت
[ 229 ]
عمران بن حصين وأبي هريرة، قالا: سئل رسول الله (ص) عن هذه الآية: ومساكن طيبة في جنات عدن فقالا: على الخيبر سقطت، سالنا رسول الله (ص) فقال " قصر في الجنة من لؤلؤ، فيه سبعون دارا من ياقوته حمراء، في كل دار سبعون بينا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا ". 13172 - حدثنا ابراهيم بن سعيد الجوهري ي، قال: ثنا بن حبيب، عن حسن بن فرقد، عن الحسن، عن عمران بن حصين وابي هريرة، قالا: سئل الله (ص) عن هذاه الاية: (ومساكن طيبة في جنات عدن) قال: قصر من لؤلؤة، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زبرجدة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير فراشا من كل لون، على كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، على كل مائدة سبعون لونا من طعام، في كل بيت سبعون وصيفة ويعطى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله أجمع. وأما قوله: في جنات عدن فإنه يعني: وهذه المساكن الطيبة التي وصفها جل ثناؤه في جنات عدن وفي من صلة مساكن. وقيل: جنات عدن، لانها بساتين خلد وإقامة لا يظعن منها أحد. وقيل: إنما قيل لها جنات عدن، لانها دار الله التي استخلصها لنفسه ولمن شاء من خلقه، من قول العرب: عدن فلان بأرض كذا، إذا أقام بها وخلد بها، ومنه المعدن، ويقال: هو في معدن صدق، يعني به أنه في أصل ثابت وقد أنشد بعض الرواة بيت الاعشى: وإن تستضيفوا إلى حكمه تضافوا إلى راجح قد عدن وينشد: قد وزن.
[ 230 ]
وكالذي قلنا في ذلك، كان ابن عباس وجماعة معه فيما ذكر يتأولونه. 13173 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: جنات عدن قال: معدن الرجل الذي يكون فيه. 13174 - حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا الكندي، سعد عن زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر ثلاث ساعات يبقين من الليل: في الساعة الاولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن، وهي داره التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، وهي مسكنه، ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين والصديقين والشهداء، ثم يقول: طوبى لمن دخلك وذكر في الساعة الثالثة. * - حدثني موسى بن سهل، قال: ثنا آدم، قال: ثنا الليث بن سعد، قال: ثنا زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله (ص): عدن داره يعني دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، وهي مسكنه، ولا يسكنها معه من بني آدم غير ثلاث: النبيين، والصديقين، والشهداء، يقول الله تبارك وتعالى: طوبى لمن دخلك. وقال آخرون: معنى جنات عدن: جنات أعناب كروم. ذكر من قال ذلك: 13175 - حدثني أحمد بن أبي سريج الرازي، قال: ثنا زكريا بن عدي، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد ابن أبي أنيسة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحرث، أن ابن عباس سأل كعبا عن جنات عدن، فقال: هي الكروم والاعناب بالسريانية. وقال آخرون: هي اسم لبطنان الجنة ووسطها. ذكر من قال ذلك: 13176 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا شعبة، عن سليمان الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، قال: عدن: بطنان الجنة.
[ 231 ]
13177 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان وشعبة، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، في قوله: جنات عدن قال: بطنان الجنة. قال ابن بشار في حديثه: فقلت: ما بطنانها ؟ وقال ابن المثنى، في حديثه: فقلت للاعمش: ما بطنان الجنة ؟ قال: وسطها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة وأبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله: جنات عدن قال: بطنان الجنة. * - قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، بمثله. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، مثله. * - حدثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى وعبد الله بن مرة عنهما جميعا، أو عن أحدهما، عن مسروق، عن عبد الله: جنات عدن قال: بطنان الجنة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود في قول الله: جنات عدن قال: بطنان الجنة. وقال آخرون: عدن: اسم لقصر. ذكر من قال ذلك: 13178 - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا عبدة أبو غسان، عن عون بن موسى الكناني، عن الحسن، قال: جنات عدن، وما أدراك ما جنات عدن قصر من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل. ورفع به صوته. * - حدثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا عبد الله بن عاصم، قال: ثنا عون بن موسى، قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن، يقول: جنات عدن، وما أدراك ما جنات عدن قصر من ذهب، لا يدخله إلا نبي أو صديق، أو شهيد، أو حكم عدل ورفع الحسن به صوته. 13179 - حدثنا أحمد، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن نافع بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو، قال: إن في الجنة قصرا يقال له: عدن،
[ 232 ]
حوله البروج والروح، له خمسون ألف باب على كل باب حبرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق. * - حدثنا الحسن بن ناجح، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، قال: سمعت يعقوب بن عاصم يحدث، عن عبد الله بن عمرو: أن في الجنة قصرا يقال له عدن، له خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف حبرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد. وقيل: هي مدينة الجنة. ذكر من قال ذلك: 13180 - حدثت عن عبد الرحمن المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: في جنات عدن قال: هي مدينة الجنة، فيها الرسل والانبياء والشهداء وأئمة الهدى، والناس حولهم بعد، والجنات حولها. وقيل: إنه اسم نهر. ذكر من قال ذلك: 13181 - حدثت عن المحاربي، عن واصل بن السائب الرقاشي، عن عطاء، قال: عدن: نهر في الجنة، جناته على حافتيه. وأما قوله: ورضوان من الله أكبر فإن معناه ورضا الله عنهم أكبر من ذلك كله، وبذلك جاء الخبر عن رسول الله (ص). 13182 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (ص): إن الله يقول لاهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم ؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا: يا رب وأي شي أفضل من ذلك ؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا. 13183 - حدثنا ابن حميد، قال: ثني يعقوب، عن حفص، عن شمر، قال: يجئ القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب إلى الرجل، حين ينشق عنه قبره، فيقول: أبشر
[ 233 ]
بكرامة الله، أبشر برضوان الله فيقول مثلك من يبشر بالخير ومن أنت ؟ فيقول: أنا القرآن الذي كنت أسهر ليلك، وأظمئ نهارك. فيحمله على رقبته، حتى يوافي به ربه، فيمثل بين يديه، فيقول: يا رب عبدك هذا اجزه عني خيرا، فقد كنت أسهر ليله، وأظمئ نهاره، وآمره فيطيعني، وأنهاه فيطيعني فيقول الرب تبارك وتعالى: فله حلة الكرامة فيقول: أي رب زده، فإنه أهل ذلك فيقول: فله رضواني قال: ورضوان من الله أكبر. وابتدئ الخبر عن رضوان الله للمؤمنين والمؤمنات أنه أكبر من كل ما ذكر جل ثناؤه، فرفع، وإن كان الرضوان فيما قد وعدهم، ولم يعطف به في الاعراب على الجنات والمساكن الطيبة، ليعلم بذلك تفضيل الله رضوانه عن المؤمنين على سائر ما قسم لهم من فضله وأعطاهم من كرامته، نظير قول القائل في الكلام الآخر أعطيتك ووصلتك بكذا، وأكرمتك، ورضاي بعد عنك أفضل ذلك. ذلك هو الفوز العظيم هذه الاشياء التي وعدت المؤمنين والمؤمنات، هو الفوز العظيم، يقول: هو الظفر العظيم والنجاء الجسيم، لانهم ظفروا بكرامة الابد، ونجوا من الهوان في السفر، فهو الفوز العظيم الذي لا شئ أعظم منه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والسلاح والمنافقين. واختلف أهل التأويل في صفة الجهاد الذي أمر الله نبيه به في المنافقين، فقال بعضهم: أمره بجاهدهم باليد واللسان، وبكل ما أطاق جهادهم به. ذكر من قال ذلك: 13184 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن ويحيى بن آدم، عن حسن بن صالح، عن علي بن الاقمر، عن عمرو بن جندب، عن ابن مسعود، في قوله تعالى: جاهد الكفار والمنافقين قال: بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه. وقال آخرون: بل أمره بجهادهم باللسان. ذكر من قال ذلك:
[ 234 ]
13185 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله تعالى: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم فأمره الله بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان، وأذهب الرفق عنهم. 13186 - حدثنا القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: جاهد الكفار والمنافقين قال: الكفار بالقتال، والمنافقين: أن تغلظ عليهم بالكلام. 13187 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم يقول: جاهد الكفار بالسيف، وأغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم. وقال آخرون: بل أمره بإقامة الحدود عليهم. ذكر من قال ذلك: 13188 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: جاهد الكفار والمنافقين قال: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين بالحدود، أقم عليهم حدود الله. 13189 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم قال: أمر الله نبيه (ص) أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين في الحدود. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قال ابن مسعود، من أن الله أمر نبيه (ص) من جهاد المنافقين، بنحو الذي أمره به من جهاد المشركين. فإن قال قائل: فكيف تركهم (ص) مقيمين بين أظهر أصحابه مع علمه بهم ؟ قيل: إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلمة الكفر، ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك. وأما من إذا اطلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأخذ بها، أنكرها ورجع عنها وقال: إني مسلم، فإن حكم الله في كل من أظهر الاسلام بلسانه، أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان معتقدا غير ذلك، وتوكل هو جل ثناؤه بسرائرهم، ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر فلذلك كان النبي (ص) مع علمه بهم وإطلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صدورهم، كان
[ 235 ]
يقرهم بين أظهر الصحابة، ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله لان أحدهم كان إذا اطلع عليه أنه قد قال قولا كفر فيه بالله ثم أخذ به أنكره، وأظهر الاسلام بلسانه، فلم يكن (ص) يأخذه إلا بما أظهر له من قوله عند حضوره إياه وعزمه على إمضاء الحكم فيه، دون ما سلف من قول كان نطق به قبل ذلك، ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لاحد الاخذ به في الحكم وتولى الاخذ به هو دون خلقه. وقوله: واغلظ عليهم يقول تعالى ذكره: واشدد عليهم بالجهاد والقتال والارهاب. وقوله: ومأواهم جهنم يقول: ومساكنهم جهنم وهي مثواهم ومأواهم. وبئس المصير يقول: وبئس المكان الذي يصار إليه جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير) *. اختلف أهل التأويل في الذي نزلت فيه هذه الآية، والقول الذي كان قاله، الذي أخبر الله عنه أنه يحلف بالله ما قاله. فقال بعضهم: الذي نزلت فيه هذه الآية: الجلاس بن سويد بن الصامت. وكان القول الذي قاله ما: 13190 - حدثنا به ابن وكيع، قال: ثنا معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر قال: نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت، قال: إن كان ما جاء به محمد حقا، لنحن أشر من الحمير فقال له ابن امرأته: والله يا عدو الله، لاخبرن رسول الله (ص) بما قلت، فإني إن لا أفعل أخاف أن تصيبني قارعة وأؤاخذ بخطيئتك فدعا النبي (ص) الجلاس، فقال: يا جلاس أقلت كذا وكذا ؟ فحلف ما قال، فأنزل الله تبارك وتعالى: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد
[ 236 ]
إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: نزلت هذه الآية: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم في الجلاس بن سويد بن الصامت، أقبل هو وابن امرأته مصعب من قباء، فقال الجلاس: إن كان ما جاء به محمد حقا، لنحن أشر من حميرنا هذه التي نحن عليها فقال مصعب: أما والله يا عدو الله لاخبرن رسول الله (ص) بما قلت فأتيت النبي (ص)، وخشيت أن ينزل في القرآن أو تصيبني قارعة أو أن أخلط، قلت: يا رسول الله أقبلت أنا والجلاس من قباء، فقال كذا وكذا، ولولا مخافة أن أؤاخذ بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك قال: فدعا الجلاس، فقال له: يا جلاس أقلت الذي قال مصعب ؟ قال: فحلف، فأنزل الله تبارك وتعالى: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم... الآية. 13191 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الذي قال تلك المقالة فيما بلغني الجلاس بن سويد بن الصامت، فرفعها عنه رجل كان في حجره يقال له عمير بن سعيد، فأنكر، فحلف بالله ما قالها فلما نزل فيه القرآن تاب ونزع وحسنت توبته فيما بلغني. 13192 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كلمة الكفر قال أحدهم: لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير فقال له رجل من المؤمنين: إن ما قال لحق ولانت شر من حمار قال: فهم المنافقون بقتله، فذلك قوله: وهموا بما لم ينالوا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. * - قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 237 ]
13193 - حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله (ص) جالسا في ظل شجرة، فقال: إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه فلم يلبث أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله (ص)، فقال: علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا وما فعلوا حتى تجاوز عنهم، فأنزل الله: يحلفون بالله ما قالوا ثم نعتهم جميعا، إلى آخر الآية. وقال آخرون: بل نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول، قالوا: والكلمة التي قالها ما: 13194 - حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يحلفون بالله ما قالوا... إلى قوله: من ولي ولا نصير قال: ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، أحدهما من جهينة والآخر من غفار، وكانت جهينة حلفاء الانصار. وظهر الغفاري على الجهني، فقال عبد الله ابن أبي للاوس: انصروا أخاكم، فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، فسعى بها رجل من المسلمين إلى نبي الله (ص). فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنزل الله تبارك وتعالى: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر. 13195 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر قال: نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى أخبر عن المنافقين أنهم يحلفون بالله كذبا على كلمة كفر تكلموا بها أنهم لم يقولوها. وجائز أن يكون ذلك القول ما روي عن عروة أن الجلاس قاله، وجائز أن يكون قائله عبد الله بن أبي بن سلول. والقول ما ذكره قتادة عنه أنه قال ولا علم لنا بأن ذلك من أي، إذ كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجة ويتوصل به إلى يقين العلم به، وليس مما يدرك علمه بفطرة العقل، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله جل ثناؤه: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم.
[ 238 ]
وأما قوله: وهموا بما لم ينالوا فإن أهل التأويل اختلفوا في الذي كان هم بذلك وما الشئ الذي كان هم به. فقال بعضهم: هو رجل من المنافقين، وكان الذي هم به قتل ابن امرأته الذي سمع منه ما قال وخشي أن يفشيه عليه. ذكر من قال ذلك: 13196 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: هم المنافق بقتله، يعني قتل المؤمن الذي قال له أنت شر من الحمار. فذلك قوله: وهموا بما لم ينالوا. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد به وقال آخرون: كان الذي هم رجلا من قريش، والذي هم به قتل رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: 13197 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا شبل، عن جابر، عن مجاهد، في قوله: وهموا بما لم ينالوا قال: رجل من قريش هم بقتل رسول الله (ص) يقال له الاسود. وقال آخرون: الذي هم عبد الله بن أبي بن سلول، وكان همه الذي لم ينله قوله: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل من قول قتادة وقد ذكرناه. وقوله: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ذكر لنا أن المنافق الذي ذكر الله عنه أنه قال كلمة الكفر كان فقيرا، فأغناه الله بأن قتل له مولى، فأعطاه رسول الله (ص) ديته. فلما قال ما قال، قال الله تعالى: وما نقموا يقول: ما أنكروا على رسول الله (ص) شيئا، إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله. ذكر من قال ذلك: 13198 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله وكان الجلاس قتل له مولى له، فأمر له رسول الله (ص) بديته، فاستغنى، فذلك قوله: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله. 13199 - قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، قال: قضى النبي (ص) بالدية
[ 239 ]
اثني عشر ألفا في مولى لبني عدي بن كعب، وفيه أنزلت هذه الآية: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله. 13200 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله قال: كانت لعبد الله بن أبي دية، فأخرجها رسول الله (ص) له. 13201 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، قال: ثنا عمرو، قال: سمعت عكرمة: أن مولى لبني عدي بن كعب قتل رجلا من الانصار، فقضى رسول الله (ص) بالدية اثني عشر ألفا، وفيه أنزلت: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله قال عمرو: لم أسمع هذا عن النبي (ص) إلا من عكرمة، يعني الدية اثني عشر ألفا. 13202 - حدثنا صالح بن مسمار، قال: ثنا محمد بن سنان العوفي، قال: ثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، مولى ابن عباس، عن ابن عباس: أن النبي (ص) جعل الدية اثني عشر ألفا، فذلك قوله: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله قال: بأخذ الدية. وأما قوله: فإن يتوبوا يك خيرا لهم يقول تعالى ذكره: فإن يتب هؤلاء القائلون كلمة الكفر من قيلهم الذي قالوه فرجعوا عنه، يك رجوعهم وتوبتهم من ذلك خيرا لهم من النفاق. وإن يتولوا يقول: وإن يدبروا عن التوبة فيأبوها، ويصروا على كفرهم يعذبهم الله عذابا أليما يقول: يعذبهم عذابا موجعا في الدنيا، إما بالقتل، وإما بعاجل خزي لهم فيها، ويعذبهم في الآخرة بالنار. وقوله: وما لهم في الارض من ولي ولا نصير يقول: وما لهؤلاء المنافقين إن عذبهم الله في عاجل الدنيا، من ولي يواليه على منعه من عقاب الله، ولا نصير ينصره من الله، فينقذه من عقابه وقد كانوا أهل عز ومنعة بعشائرهم وقومهم يمتنعون بهم ممن أرادهم بسوء، فأخبر جل ثناؤه أن الذين كانوا يمنعونهم ممن أرادهم بسوء من عشائرهم وحلفائهم، لا يمنعونهم من الله ولا ينصرونهم منه إذ احتاجوا إلى نصرهم. وذكر أن الذي
[ 240 ]
نزلت فيه هذه الآية تاب مما كان عليه من النفاق. ذكر من قال ذلك: 13203 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: فإن يتوبوا يك خيرا لهم قال: قال الجلاس: قد استثنى الله لي التوبة، فأنا أتوب فقبل منه رسول الله (ص). * - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: فإن يتوبوا يك خيرا لهم... الآية، فقال الجلاس: يا رسول الله إني أرى الله قد استثنى لي التوبة، فأنا أتوب فتاب، فقبل رسول الله (ص) منه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ئ فلمآ آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ئ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بمآ أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) *. يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك يا محمد صفتهم من عاهد الله يقول: أعطى الله عهدا، لئن آتانا من فضله يقول: لئن أعطانا الله من فضله، ورزقنا مالا، ووسع علينا من عنده لنصدقن يقول: لنخرجن الصدقة من ذلك المال الذي رزقنا ربنا، ولنكونن من الصالحين يقول: ولنعملن فيها بعمل أهل الصلاح بأموالهم من صلة الرحم به وإنفاقه في سبيل الله. يقول الله تبارك وتعالى فرزقهم الله وآتاهم من فضله، فلما آتاهم الله من فضله بخلوا به بفضل الله الذي آتاهم، فلم يصدقوا منه، ولم يصلوا منه بقرابة، ولم ينفقوا في حق الله. وتولوا يقول: وأدبروا عن عهدهم الذي عاهدوه الله، وهم معرضون عنه. فأعقبهم الله نفاقا في قلوبهم ببخلهم بحق الله الذي فرضه عليهم فيما آتاهم من فضله، وإخلافهم الوعد الذي وعدوا الله، ونقضهم عهده في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه من الصدقة والنفقة في سبيله، وبما كانوا يكذبون في قيلهم، وحرمهم التوبة منه لانه جل ثناؤه اشترط في نفاقهم أنه أعقبهموه إلى يوم يلقونه وذلك يوم مماتهم وخروجهم من الدنيا. واختلف أهل التأويل في المعنى بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها رجل يقال له ثعلبة بن حاطب من الانصار. ذكر من قال ذلك: 13204 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله... الآية، وذلك
[ 241 ]
أن رجلا يقال له ثعلبة بن حاطب من الانصار، أتى مجلسا فأشهدهم، فقال: لئن آتاني الله من فضله، آتيت منه كل ذي حق حقه، وتصدقت منه، ووصلت منه القرابة فابتلاه الله فآتاه من فضله، فأخلف الله ما وعده، وأغضب الله بما أخلف ما وعده، فقص الله شأنه في القرآن: ومنهم من عاهد الله... الآية، إلى قوله: يكذبون. 13205 - حدثني المثنى، قال: ثنا هشام بن عمار، قال: ثنا محمد بن شعيب، قال: ثنا معاذ بن رفاعة السلمي، عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الالهاني، أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن، أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي، عن ثعلبة بن حاطب الانصاري، أنه قال لرسول الله (ص): ادع الله أن يرزقني مالا فقال رسول الله (ص): ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدى شكره، خير من كثير لا تطيقه قال: ثم قال مرة أخرى، فقال: أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ؟ فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت قال: والذي بعثك بالحق، لئن دعوت الله فرزقني مالا لاعطين كل ذي حق حقه فقال رسول الله (ص): اللهم ارزق ثعلبة مالا. قال: فاتخذ غنما، فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديا من أدويتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما. ثم نمت وكثرت، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة. فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة يسألهم عن الاخبار فقال رسول الله (ص): ما فعل ثعلبة ؟ فقالوا: يا رسول الله اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة، فأخبروه بأمره فقال: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة قال: وأنزل الله: خذ من أموالهم صدقة... الآية. ونزلت عليه فرائض الصدقة، فبعث رسول الله (ص) رجلين على الصدقة، رجلا من جهينة، ورجلا من سليم، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال لهما: مرا بثعلبة، وبفلان رجل من بني سليم فخذا صدقاتهما فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله (ص)، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرغا ثم عودوا إلي فانطلقا، وسمع بهما السلمي، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها، فلما رأوها، قالوا: ما يجب عليك هذا، وما تريد أن نأخذ هذا منك. قال: بلى
[ 242 ]
فخذوه فإن نفسي بذلك طيبة وإنما هي لي فأخذوها منه، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فقال: أروني كتابكما ! فنظر فيه فقال: ما هذه الا اخت الجزية، انطلقا حتى ارى رايي. فانطلقا حتى أتيا النبي (ص)، فلما رآهما قال: " تا ويح ثعلبة ! " قبل أن يكلمهما، ودعا للسلمي بالبركة، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، والذي صنع السلمي، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين... إلى قوله: وبما كانوا يكذبون وعند رسول الله (ص) رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتاه، فقال: ويحك يا ثعلبة، قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي (ص)، فسأله أن يقبل منه صدقته. فقال: إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك فجعل يحثي على رأسه التراب، فقال له رسول الله (ص): هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني. فلما أبى أن يقبض رسول الله (ص)، رجع إلى منزله، وقبض رسول الله (ص) ولم يقبل منه شيئا. ثم أتى أبا بكر حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله (ص) وموضعي من الانصار، فاقبل صدقتي فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول الله (ص) وأنا أقبلها ؟ فقبض أبو بكر ولم يقبضها. فلما ولي عمر أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي فقال: لم يقبلها رسول الله (ص)، ولا أبو بكر، وأنا لا أقبلها منك فقبض ولم يقبلها. ثم ولي عثمان رحمة الله عليه، فأتاه فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله (ص)، ولا أبو بكر ولا عمر رضوان الله عليهما وأنا لا أقبلها منك فلم يقبلها منه، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رحمة الله عليه 13206 - حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله... الآية: ذكر لنا أن رجلا من الانصار أتى على مجلس من الانصار، فقال لئن آتاه الله مالا، ليؤدين إلى كل ذي حق حقه فآتاه الله مالا، فصنع فيه ما تسمعون. قال: فما آتاهم من فضله بخلوا به... إلى قوله: وبما كانوا يكذبون ذكر لنا أن النبي (ص) حدث أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاء بالتوراة إلى بني إسرائيل قالت بنو إسرائيل: إن التوراة كثيرة، وإنا لا نفرغ لها، فسل لنا ربك جماعا من الامر نحافظ
[ 243 ]
عليه ونتفرغ فيه لمعايشنا قال: يا قوم مهلا مهلا، هذا كتاب الله، ونور الله، وعصمة الله. قال: فأعادوا عليه، فأعاد عليهم، قالها ثلاثا. قال: فأوحى الله إلى موسى: ما يقول عبادي ؟ قال: يا رب يقولون: كيت وكيت. قال: فإني آمرهم بثلاث إن حافظوا عليهن دخلوا بهن الجنة: أن ينتهوا إلى قسمة الميراث فلا يظلموا فيها، ولا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم، وأن لا يطعموا طعاما حتى يتوضؤوا وضوء الصلاة. قال: فرجع بهن نبي الله (ص) إلى قومه، ففرحوا ورأوا أنهم سيقومون بهن، قال: فوالله ما لبث القوم إلا قليلا حتى جنحوا، وانقطع بهم فلما حدث نبي الله بهذا الحديث عن بني إسرائيل، قال: تكفلوا لي بست أتكفل لكم بالجنة قالوا: ما هن يا رسول الله ؟ قال: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا، وكفوا أبصاركم وأيديكم وفروجكم وأبصاركم عن الخيانة وأيديكم عن السرقة وفروجكم عن الزنا. 13207 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أن النبي (ص) كان يقول: ثلاث من كن فيه صار منافقا وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف. وقال آخرون: بل المعني بذلك: رجلان: أحدهما ثعلبة، والآخر معتب بن قشير. ذكر من قال ذلك: 13208 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله... إلى الآخر، وكان الذي عاهد الله منهم ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، هما من بني عمرو بن عوف. 13209 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله قال: رجلان خرجا على ملا قعود، فقالا: والله لئن رزقنا الله لنصدقن فلما رزقهم الله بخلوا به. 13210 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله رجلان خرجا على ملا قعود،
[ 244 ]
فقالا: والله لئن رزقنا الله لنصدقن فلما رزقهم بخلوا به، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه حين قالوا: لنصدقن فلم يفعلوا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه. 13211 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله... الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا به فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقا إلى يوم يلقونه، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة. وقال أبو جعفر: في هذه الآية الابانة من الله جل ثناؤه عن علامة أهل النفاق، أعني في قوله: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. وبنحو هذا القول كان يقول جماعة من الصحابة والتابعين، ووردت به الاخبار عن رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: 13212 - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله: اعتبروا المنافق بثلاث: إذ حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر. وأنزل الله تصديق ذلك في كتابه: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله... إلى قوله: يكذبون. 13213 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن السماك، عن صبيح بن عبد الله بن عميرة، عن عبد الله بن عمرو، قال: ثلاث من كن فيه كان منافقا: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. قال: وتلا هذه الآية: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين... إلى آخر الآية. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت صبيح بن عبد الله القيسي يقول: سألت عبد الله بن عمرو، عن المنافق، فذكر نحوه. 13214 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام المخززمي، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا عثمان بن حكيم، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، يقول:
[ 245 ]
كنت أسمع أن المنافق يعرف بثلاث: بالكذب، والاخلاف، والخيانة. فالتمستها في كتاب الله زمانا لا أجدها. ثم وجدتها في آيتين من كتاب الله، قوله: ومنهم من عاهد الله... حتى بلغ: وبما كانوا يكذبون، وقوله: إنا عرضنا الامانة على السموات والارض هذه الآية. 13215 - حدثني القاسم بن بشر بن معروف، قال: ثنا أسامة، قال: ثنا محمد المخرمي، قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله (ص): ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان فقلت للحسن: يا أبا سعيد لئن كان لرجل علي دين فلقيني، فتقاضاني وليس عندي، وخفت أن يحبسني ويهلكني، فوعدته أن أقضيه رأس الهلال فلم أفعل، أمنافق أنا ؟ قال: هكذا جاء الحديث. ثم حدث عن عبد الله بن عمرو أن أباه لما حضره الموت، قال: زوجوا فلانا فإني وعدته أن أزوجه، لا ألقى الله بثلث النفاق قال: قلت: يا أبا سعيد ويكون ثلث الرجل منافقا وثلثاه مؤمن ؟ قال: هكذا جاء الحديث. قال: فحججت فلقيت عطاء بن أبي رباح، فأخبرته الحديث الذي سمعته من الحسن، وبالذي قلت له وقال لي. فقال: أعجزت أن تقول له: أخبرني عن إخوة يوسف عليه السلام، ألم يعدوا أباهم فأخلفوه وحدثوه فكذبوه وأتمنهم فخانوه، أفمنافقين كانوا ؟ ألم يكونوا أنبياء أبو هم نبي وجدهم نبي ؟ قال: فقلت لعطاء: يا أبا محمد حدثني بأصل النفاق، وبأصل هذا الحديث فقال: حدثني جابر بن عبد الله: أن رسول الله (ص) إنما قال هذا الحديث في المنافقين خاصة الذين حدثوا النبي فكذبوه، وأتمنهم على سره فخانوه، ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه. قال: وخرج أبو سفيان من مكة، فأتى جبريل النبي (ص)، فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فقال النبي (ص) لاصحابه: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا قال: فكتب رجل من المنافقين إليه أن محمدا يريديكم، فخذوا حذركم، فأنزل الله: لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون وأنزل في المنافقين: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله، إلى * (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بمآ أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) * فإذا لقيت الحسن فاقرئه السلام وأخبره بأصل هذا الحديث وبما قلت لك فقدمت على الحسن فقلت له إن أخاك عطاء يقرئك السلام فأخبرته بالحديث الذي حدث وما قال لي. فأخذ الحسن
[ 246 ]
بيدي فأمالها وقال: يا أهل العراق أعجزتم أن تكونوا مثل هذا ؟ سمع مني حديثا فلم يقبله حتى استنبط أصله، صدق عطاء هكذا الحديث، وهذا في المنافقين خاصة. 13216 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا يعقوب، عن الحسن، قال: قال رسول الله (ص): ثلاث من كن فيه وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فهو منافق. فقيل له: ما هي يا رسول الله ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. 13217 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: ثنا ميسرة، عن الاوزاعي عن هارون بن رباب، عن عبد الله بن عمرو بن وائل، أنه لما حضرته الوفاة، قال: إن فلانا خطب إلي ابنتي، وإني كنت قلت له فيها قولا شبيها بالعدة، والله لا ألقى الله بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته وقال قوم: كان العهد الذي عاهد الله هؤلاء المنافقون شيئا نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به. ذكر من قال ذلك: 13218 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: سمعت معتمر بن سليمان التيمي يقول: ركبت البحر فأصابنا ريح شديدة، فنذر قوم منا نذورا، ونويت أنا لم أتكلم به. فلما قدمت البصرة، سألت أبي سليمان، فقال لي يا بني: فه به. 13219 - قال معتمر، وثنا كهمس عن سعيد بن ثابت، قال: قوله: ومنهم من عاهد الله... الآية، قال: إنما هو شئ نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به، ألم تسمع إلى قوله: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ؟. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ئ) *. يقول تعالى ذكره: ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يكفرون بالله ورسوله سرا، ويظهرون الايمان بهما لاهل الايمان بهما جهرا، أن الله يعلم سرهم الذي يسرونه في أنفسهم من الكفر به وبرسوله، ونجواهم يقول: ونجواهم إذا تناجوا بينهم بالطعن في الاسلام وأهله وذكرهم بغير ما ينبغي أن يذكروا به، فيحذروا من الله عقوبته أن يحلها بهم وسطوته أن يوقعها بهم على كفرهم بالله وبرسوله وعيبهم للاسلام وأهله، فينزعوا عن ذلك ويتوبوا منه. وأن الله علام الغيوب يقول: ألم يعلموا أن الله علام ما غاب عن اسماع
[ 247 ]
خلقه وابصارهم وحواسهم مما أكنته نفوسهم، فلم يظهر على جوارحهم الظاهرة، فينهاهم ذلك عن خداع أوليائه بالنفاق والكذب ويزجرهم عن اضمار غير ما يبدونه، واظهار خلاف ما يعتقدونه القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) * يقول تعالى ذكره: الذين يلمزون المطوعين في الصدقة على أهل المسكنة والحاجة، بما لم يوجبه الله عليهم في أموالهم، ويطعنون فيها عليهم بقولهم: إنما تصدقوا به رياء وسمعة، ولم يريدوا وجه الله، ويلمزون الذين لا يجدون ما يتصدقون به إلا جهدهم، وذلك طاقتهم، فينتقصونهم ويقولون: لقد كان الله عن صدقة هؤلاء غنيا سخرية منهم وبهم. فيسخرون منهم سخر الله منهم وقد بينا صفة سخرية الله بمن يسخر به من خلقه في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ههنا. ولهم عذاب أليم يقول: ولهم من عند الله يوم القيامة عذاب موجع مؤلم. وذكر أن المعني بقوله: المطوعين من المؤمنين عبد الرحمن بن عوف، وعاصم بن عدي الانصاري، وأن المعني بقوله: والذين لا يجدون إلا جهدهم أبو عقيل الاراشي أخو بني أنيف. ذكر من قال ذلك: 13220 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى النبي (ص)، وجاءه رجل من الانصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء وقالوا: إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع. 13221 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم وذلك أن رسول الله (ص) خرج إلى الناس يوما فنادى فيهم: أن اجمعوا صدقاتكم فجمع الناس صدقاتهم. ثم جاء رجل من أحوجهم بمن من تمر،
[ 248 ]
فقال: يا رسول الله هذا صاع من تمر، بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما وأتيتك بالآخر فأمره رسول الله (ص) أن ينثره في الصدقات. فسخر منه رجال وقالوا: والله إن الله ورسوله لغنيان عن هذا، وما يصنعان بصاعك من شئ ثم إن عبد الرحمن بن عوف رجل من قريش من بني زهرة قال لرسول الله (ص): هل بقي من أحد من أهل هذه الصدقات ؟ فقال: لا فقال عبد الرحمن بن عوف: إن عندي مائة أوقية من ذهب في الصدقات. فقال له عمر بن الخطاب: أمجنون أنت ؟ فقال: ليس بي جنون. فقال: أتعلم ما قلت ؟ قال: نعم، مالي ثمانية آلاف: أما أربعة فأقرضها ربي، وأما أربعة آلاف فلي. فقال له رسول الله (ص): بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت وكره المنافقون فقالوا: والله ما أعطي عبد الرحمن عطيته إلا رياء وهم كاذبون، إنما كان به متطوعا. فأنزل الله عذره، وعذر صاحبه المسكين الذي جاء بالصاع من التمر، فقال الله في كتابه: والذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات... الآية. 13222 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بصدقة ماله أربعة آلاف، فلمزه المنافقون، وقالوا: راءى. والذين لا يجدون إلا جهدهم قال: رجل من الانصار، آجر نفسه بصاع من تمر لم يكن له غيره، فجاء به فلمزوه، وقالوا: كان الله غنيا عن صاع هذا. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 13223 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين... الآية، قال: أقبل عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله، فتقرب به إلى الله، فلمزه المنافقون، فقالوا: ما أعطى ذلك إلا رياء وسمعة فأقبل رجل من فقراء المسلمين يقال له: حبحاب أبو عقيل، فقال: يا نبي الله، بت أجر الجرير على صاعين من تمر: أما صاع فأمسكته لاهلي، وأما صاع فها هو ذا. فقال المنافقون: والله إن الله ورسوله لغنيان عن هذا فأنزل الله في ذلك القرآن: الذين يلمزون.. الآية. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:
[ 249 ]
الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله، وكان ماله ثمانية آلاف دينار، فتصدق بأربعة آلاف دينار، فقال ناس من المنافقين: إن عبد الرحمن بن عوف لعظيم الرياء فقال الله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات وكان لرجل صاعان من تمر، فجاء بأحدهما، فقال ناس من المنافقين: إن كان الله عن صاع هذا لغنيا فكان المنافقون يطعنون عليهم ويسخرون بهم، فقال الله: والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. 13224 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال الانماطي، قال: ثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه: أن رسول الله (ص) قال: تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا قال: فقال عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله، إن عندي أربعة آلاف: ألفين أقرضهما الله، وألفين لعيالي. قال: فقال رسول الله (ص): بارك الله لك فيما أعطيت، وبارك لك فيما أمسكت فقال رجل من الانصار: وإن عندي صاعين من تمر، صاعا لربي، وصاعا لعيالي قال: فلمز المنافقون، وقالوا: ما أعطى ابن عوف هذا إلا رياء وقالوا: أو لم يكن الله غنيا عن صاع هذا فأنزل الله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين... إلى آخر الآية. 13225 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد. قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، في قوله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات قال: أصاب الناس جهد شديد، فأمرهم رسول الله (ص) أن يتصدقوا، فجاء عبد الرحمن بأربعمائة أوقية، فقال رسول الله (ص): اللهم بارك له فيما أمسك فقال المنافقون: ما فعل عبد الرحمن هذا إلا رياء وسمعه وقال: وجاء رجل بصاع من تمر، فقال: يا رسول الله آجرت نفسي بصاعين، فانطلقت بصاع منهما إلى أهلي وجئت بصاع من تمر. فقال المنافقون: إن الله غني عن صاع هذا فأنزل الله هذه الآية: والذين لا يجدون
[ 250 ]
إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. 13226 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات... الآية، وكان من المطوعين من المؤمنين في الصدقات: عبد الرحمن بن عوف، تصدق بأربعة آلاف دينار وعاصم بن عدي أخو بني عجلان. وذلك أن رسول الله (ص) رغب في الصدقة وحض عليها، فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف درهم، وقام عاصم بن عدي فتصدق بمائة وسق من تمر. فلمزوهما وقالوا: ما هذا إلا رياء وكان الذي تصدق بجهده أبو عقيل، أخو بني أنيف الاراشي حليف بني عمرو بن عوف، أتى بصاع من تمر، فأفرغه في الصدقة، فتضاحكوا به، وقالوا: إن الله لغني عن صاع أبي عقيل. 13227 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل قال أبو النعمان: كنا نعمل قال: فجاء رجل فتصدق بشئ كثير، قال: وجاء رجل فتصدق بصاع تمر، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا فنزلت: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم. 13228 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، قال: ثني خالد بن يسار، عن ابن أبي عقيل، عن أبيه، قال: بت أجر الجرير على ظهري على صاعين من تمر، فانقلبت بأحدهما إلى أهلي يتبلغون به، وجئت بالآخر أتقرب به إلى رسول الله (ص). فأتيت رسول الله (ص)، فأخبرته، فقال: انثره في الصدقة فسخر المنافقون منه وقالوا: لقد كان غنيا عن صدقة هذا المسكين فأنزل الله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات... الآيتين. 13229 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا الجريري عن أبي السليل، قال: وقف على الحي رجل، فقال: ثني أبي أو عمي، فقال: شهدت رسول الله (ص) وهو يقول: من يتصدق اليوم بصدقة أشهد له بها عند الله يوم القيامة. قال:
[ 251 ]
وعلي عمامة لي، قال: فنزعت لوثا أو لوثين لاتصدق بهما قال ثم أدركني ما يدرك ابن آدم، فعصبت بها رأسي. قال: فجاء رجل لا أرى بالبقيع رجلا اقصر قمه، ولا اشد سوادا، ولا اذم لعيني منه، يقود ناقة لا أرى بالبقيع أحسن منها، ولا أجمل منها، قال: أصدقة هي يا رسول الله قال: نعم. قال: فدونكها، فألقى بخطامها أو بزمامها. قال: فلمزه رجل جالس، فقال: والله إنه ليتصدق بها ولهي خير منه فنظر إليه رسول الله (ص)، فقال: بل هو خير منك ومنها. يقول ذلك نبينا (ص). 13230 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، يقول: الذي تصدق بصاع التمر فلمزه المنافقون، أبو خيثمة الانصاري. 13231 - حدثني المثنى، قال: ثنا محمد بن رجاء أبو سهل العباداني قال: ثنا عامر بن يساف اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير اليمامي، قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف، جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل الله، وأمسكت أربعة آلاف لعيالي فقال رسول الله (ص): بارك الله فيما أعطيت وفيما أمسكت وجاء رجل آخر فقال: يا رسول الله، بت الليلة أجر الماء على صاعين، فأما أحدهما فتركت لعيالي، وأما الآخر فجئتك به، اجعله في سبيل الله فقال: بارك الله فيما أعطيت وفيما أمسكت فقال ناس من المنافقين: والله ما أعطى عبد الرحمن إلا رياء وسمعة، ولقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع فلان فأنزل الله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات يعني عبد الرحمن بن عوف، والذين لا يجدون إلا جهدهم يعني صاحب الصاع، فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. 13232 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال ابن عباس: أمر النبي (ص) المسلمين أن يجمعوا صدقاتهم، وإذا عبد الرحمن بن عوف قد جاء بأربعة آلاف، فقال: هذا مالي أقرضه الله وقد بقي لي مثله
[ 252 ]
فقال له: بورك لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فقال المنافقون: ما أعطي إلا رياء، وما أعطى صاحب الصاع إلا رياء، إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا وما يصنع الله بصاع من شئ ؟ 13233 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات... إلى قوله: ولهم عذاب أليم قال: أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين أن يتصدقوا، فقام عمر بن الخطاب فألقى مالا وافرا، فأخذ نصفه قال: فجئت أحمل مالا كثيرا، فقال له رجل من المنافقين: ترائي يا عمر ؟ فقال عمر: أرائي الله ورسوله، وأما غيرهما فلا. قال: ورجل من الانصار لم يكن عنده شئ، فآجر نفسه ليجر الجرير على رقبته بصاعين ليلته، فترك صاعا لعياله وجاء بصاع يحمله، فقال له بعض المنافقين: إن الله ورسوله عن صاعك لغنيان فذلك قول الله تبارك وتعالى: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم هذا الانصاري، فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. وقد بينا معنى اللمز في كلام العرب بشواهده وما فيه من اللغة والقراءة فيما مضى وأما قوله: المطوعين فإن معناه: المتطوعين، أدغمت التاء في الطاء، فصارت طاء مشددة، كما قيل: ومن يطوع خيرا يعني يتطوع. وأما الجهد فإن للعرب فيه لغتين، يقال: أعطاني من جهده بضم الجيم، وذلك فيما ذكر لغة أهل الحجاز، ومن جهد بفتح الجيم، وذلك لغة نجد. وعلى الضم قراءة الامصار، وذلك هو الاختيار عندنا لاجماع الحجة من القراء عليه. وأما أهل العلم بكلام العرب من رواة الشعر وأهل العربية، فإنهم يزعمون أنها مفتوحة ومضمومة بمعنى واحد. وإنما اختلاف ذلك لاختلاف اللغة فيه كما اختلفت لغاتهم في الوجد والوجد بالضم والفتح من وجدت. وروي عن الشعبي في ذلك ما: 13234 - حدثنا أبو كريب. قال: ثنا جابر بن نوح، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي، قال: الجهد في العمل، والجهد في القوت. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي، مثله.
[ 253 ]
* - قال: ثنا ابن إدريس، عن عيسى بن المغيرة، عن الشعبي، قال: الجهد في العمل، والجهد في المعيشة. القول في تأويل قوله تعالى: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ادع الله لهؤلاء المنافقين الذين وصف صفاتهم في هذه الآيات بالمغفرة، أو لا تدع لهم بها. وهذا كلام خرج مخرج الامر، وتأويله الخبر، ومعناه: إن استغفرت لهم يا محمد أو لم تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم. وقوله: إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم يقول: إن تسأل لهم أن تستر عليهم ذنوبهم بالعفو منه لهم عنها وترك فضيحتهم بها، فلن يستر الله عليهم، ولن يعفو لهم عنها ولكنه يفضحهم بها على رؤوس الاشهاد يوم القيامة. ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله يقول جل ثناؤه. هذا الفعل من الله بهم، وهو ترك عفوه لهم عن ذنوبهم، من أجل أنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله. والله لا يهدي القوم الفاسقين يقول: والله لا يوفق للايمان به وبرسوله من آثر الكفر به والخروج عن طاعته على الايمان به وبرسوله. ويروى عن رسول الله (ص) أنه حين نزلت هذه الآية، قال: لازيدن في الاستغفار لهم على سبعين مرة رجاء منه أن يغفر الله لهم، فنزلت سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. 13235 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الله بن أبي ابن سلول، قال لاصحابه: لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضوا من حوله. وهو القائل: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، فأنزل الله: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال النبي (ص): لازيدن على السبعين فأنزل الله: سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فأبى الله تبارك وتعالى أن يغفر لهم. 13236 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، عن
[ 254 ]
الشعبي، قال: دعا عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول النبي (ص) إلى جنازة أبيه، فقال له النبي (ص): من أنت ؟ قال: حباب بن عبد الله بن أبي. فقال له النبي (ص): بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، إن الحباب هو الشيطان. ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه قد قيل لي استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، فأنا أستغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين وألبسه النبي (ص) قميصه وهو عرق. 13237 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إن تستغفر لهم سبعين مرة، فقال النبي (ص): سأزيد على سبعين استغفارة فأنزل الله في السورة التي يذكر فيها المنافقون: لن يغفر الله لهم عزما. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. * - قال: ثنا الحسن، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن الشعبي، قال: لما ثقل عبد الله بن أبي، انطلق ابنه إلى النبي (ص)، فقال له: إن أبي قد احتضر، فأحب أن تشهده وتصلي عليه فقال النبي (ص): ما اسمك ؟ قال: الحباب بن عبد الله، قال: بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي، إن الحباب اسم شيطان. قال: فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق، وصلى عليه، فقيل له: أتصلي عليه وهو منافق ؟ فقال: إن الله قال إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ولاستغفرن له سبعين وسبعين. قال هشيم: وأشك في الثالثة. 13238 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم... إلى قوله: القوم الفاسقين فقال رسول الله (ص) لما نزلت هذه الآية: أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فوالله
[ 255 ]
لاستغفرن أكثر من سبعين مرة، فلعل الله أن يغفر لهم فقال الله من شدة غضبه عليهم: سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين. 13239 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فقال نبي الله: قد خيرني ربي فلازيدنهم على سبعين فأنزل الله سواء عليهم استغفرت لهم... الآية، * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: لما نزلت: إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فقال النبي (ص): لازيدن على سبعين فقال الله: سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) *. يقول تعالى ذكره: فرح الذين خلفهم الله عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه بمقعدهم خلاف رسول الله يقول: بجلوسهم في منازلهم خلاف رسول الله، يقول: على الخلاف لرسول الله في جلوسه ومقعده. وذلك أن رسول الله (ص) أمرهم بالنفر إلى جهاد أعداء الله، فخالفوا أمره وجلسوا في منازلهم. وقوله: خلاف مصدر من قول القائل: خالف فلان فلانا فهو يخالفه خلافا فلذلك جاء مصدره على تقدير فعال، كما يقال: قاتله فهو يقاتله قتالا، ولو كان مصدرا من خلفه، لكانت القراءة: بمقعدهم خلف رسول الله، لان مصدر خلفه خلف، لا خلاف، ولكنه على ما بينت من أنه مصدر خالف، فقرئ: خلاف رسول الله وهي القراءة التي عليها قراءة الامصار، وهي الصواب عندنا. وقد تأول بعضهم ذلك، بمعنى: بعد رسول الله (ص)، واستشهد على ذلك بقول الشاعر: عقب الربيع خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا
[ 256 ]
وذلك قريب لمعنى ما قلنا، لانهم قعدوا بعده على الخلاف له. وقوله: وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يقول تعالى ذكره: وكره هؤلاء المخلفون أن يغزوا الكفار بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يعني: في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه، ميلا إلى الدعة والخفض، وإيثارا للراحة على التعب والمشقة، وشحا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله. وقالوا لا تنفروا في الحر وذلك أن النبي (ص) استنفرهم إلى هذه الغزوة، وهي غزوة تبوك في حر شديد، فقال المنافقون بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحر فقال الله لنبيه محمد (ص): قل لهم يا محمد نار جهنم التي أعدها الله لمن خالف أمره وعصى رسوله، أشد حرا من هذا الحر الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه. يقول: الذي هو أشد حرا أحرى أن يحذر ويتقي من الذي هو أقلهما أذى. لو كانوا يفقهون يقول: لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن الله وعظه ويتدبرون آي كتابه، ولكنهم لا يفقهون عن الله، فهم يحذرون من الحر أقله مكروها وأخفه أذى، ويوافقون أشده مكروها وأعظمه على من يصلاه بلاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13240 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله... إلى قوله: يفقهون، وذلك أن رسول الله (ص) أمر الناس أن ينبعثوا معه، وذلك في الصيف، فقال رجال: يا رسول الله، الحر شديد ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحر فقال الله: قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فأمره الله بالخروج. 13241 - حدثنا محمد بن الاعلى، قال ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (بمقعدهم خلاف رسول الله) قال: غزوة تبوك. 13242 - حدثني الحرث قال: ثنا عبد العزيز قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي وغيره، قالوا: خرج رسول الله (ص) في حر شديد إلى تبوك، فقال رجل من بني سلمة: لا تنفروا في الحر فأنزل الله: قل نار جهنم... الآية. 13243 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر قول
[ 257 ]
بعضهم لبعض، حين أمر رسول الله (ص) بالجهاد، وأجمع السير إلى تبوك على شدة الحر وجدب البلاد، يقول الله جل ثناؤه: وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) *. يقول تعالى ذكره: فرح هؤلاء المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله، فليضحكوا فرحين قليلا في هذه الدنيا الفانية بمقعدهم خلاف رسول الله ولهوهم عن طاعة ربهم، فإنهم سيبكون طويلا في جهنم مكان ضحكهم القليل في الدنيا جزاء يقول: ثوابا منالهم على معصيتهم بتركهم النفر إذ استنفروا إلى عدوهم وقعودهم في منازلهم خلاف رسول الله. بما كانوا يكسبون يقول: بما كانوا يجترحون من الذنوب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13244 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي رزين: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا قال: يقول الله تبارك وتعالى: الدنيا قليل، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاء لا ينقطع، فذلك الكثير. 13245 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن منصور، عن أبي رزين، عن الربيع بن خيثم: فليضحكوا قليلا قال: في الدنيا، وليبكوا كثيرا قال: في الآخرة. 13246 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى، قالا: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، في قوله: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا قال: في الآخرة. 13247 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن أبي رزين، أنه قال في هذه الآية: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا قال: ليضحكوا في الدنيا قليلا، وليبكوا في النار كثيرا، وقال في هذه الآية: وإذا لا تمتعون إلا قليلا قال: أجلهم أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خيثم.
[ 258 ]
13248 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: فليضحكوا قليلا قال: ليضحكوا قليلا في الدنيا، وليبكوا كثيرا في الآخرة في نار جهنم، جزاء بما كانوا يكسبون. 13249 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فليضحكوا قليلا: أي في الدنيا، وليبكوا كثيرا: أي في النار. ذكر لنا أن نبي الله (ص)، قال: والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ذكر لنا أنه نودي عند ذلك، أو قيل له: لا تقنط عبادي * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، عن الربيع بن خيثم فليضحكوا قليلا قال: في الدنيا، وليبكوا كثيرا قال: في الآخرة. * - قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين: فليضحكوا قليلا قال: في الدنيا فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاء لا ينقطع، فذلك الكثير. 13250 - حدثنا علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا قال: هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا يقول الله تبارك وتعالى: فليضحكوا قليلا في الدنيا، وليبكوا كثيرا في النار. 13251 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فليضحكوا في الدنيا قليلا وليبكوا يوم القيامة كثيرا. وقال: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون حتى بلغ: هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) *. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): فإن ردك الله يا محمد إلى طائفة من هؤلاء المنافقين من غزوتك هذه، فاستأذنوك للخروج معك في أخرى غيرها، فقل لهم: لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة وذلك عند خروج النبي (ص) إلى تبوك فاقعدوا مع الخالفين يقول: فاقعدوا مع الذين قعدوا من المنافقين خلاف
[ 259 ]
رسول الله (ص)، لانكم منهم، فاقتدوا بهديهم واعملوا مثل الذي عملوا من معصية الله، فإن الله قد سخط عليكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13252 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رجل: يا رسول الله، الحر شديد ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحر وذلك في غزوة تبوك، فقال الله: قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فأمره الله بالخروج، فتخلف عنه رجال، فأدركتهم نفوسهم، فقالوا: والله ما صنعنا شيئا فانطلق منهم ثلاثة، فلحقوا برسول الله (ص). فلما أتوه تابوا ثم رجعوا إلى المدينة، فأنزل الله: فإن رجعك الله إلى طائفة منهم... إلى قوله: ولا تقم على قبره فقال رسول الله (ص): هلك الذين تخلفوا فأنزل الله عذرهم لما تابوا، فقال: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار... إلى قوله: إن الله هو التواب الرحيم. وقال: إنه بهم رءوف رحيم. 13253 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإن رجعك الله إلى طائفة منهم... إلى قوله: فاقعدوا مع الخالفين: أي مع النساء. ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين، فقيل فيهم ما قيل. 13254 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فاقعدوا مع الخالفين والخالفون: الرجال. قال أبو جعفر: والصواب من التأويل في قوله الخالفين ما قال ابن عباس. فأما ما قال قتادة من أن ذلك النساء، فقول لا معنى له لان العرب لا تجمع النساء إذا لم يكن معهن رجال بالياء والنون، ولا بالواو والنون. ولو كان معنيا بذلك النساء، لقيل: فاقعدوا مع الخوالف، أو مع الخالفات، ولكن معناه ما قلنا من أنه أريد به: فاقعدوا مع مرضى الرجال وأهل زمانتهم والضعفاء منهم والنساء. وإذا اجتمع الرجال والنساء في الخبر، فإن العرب تغلب الذكور على الاناث، ولذلك قيل: فاقعدوا مع الخالفين والمعنى ما ذكرنا. ولو وجه معنى ذلك إلى: فاقعدوا مع أهل الفساد، من قولهم: خلف الرجال عن أهله يخلف خلوفا، إذا فسد، ومن قولهم: هو خلف سوء كان مذهبا. وأصله إذا أريد به
[ 260 ]
هذا المعنى من قولهم خلف اللبن يخلف خلوفا إذا خبث من طول وضعه في السقاء حتى يفسد، ومن قولهم: خلف فم الصائم: إذا تغيرت ريحه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) *. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): ولا تصل يا محمد على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك أبدا. ولا تقم على قبره يقول: ولا تتول دفنه وتقبره من قول القائل: قام فلان بأمر فلان: إذا كفاه أمره. إنهم كفروا بالله يقول إنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله، وماتوا وهم خارجون من الاسلام مفارقون أمر الله ونهيه. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت حين صلى النبي (ص) على عبد الله بن أبي. ذكر من قال ذلك: 13255 - حدثنا محمد بن المثنى وسفيان بن وكيع، وسوار بن عبد الله، قالوا: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، قال: جاء ابن عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله (ص) حين مات أبوه، فقال: أعطني قميصك حتى أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له فأعطاه قميصه، وقال: إذا فرغتم فآذنوني فلما أراد أن يصلي عليه، جذبه عمر وقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ فقال: بل خيرني وقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم قال: فصلي عليه. قال: فأنزل الله تبارك وتعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره قال: فترك الصلاة عليهم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن ابن عمر، قال: لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول، جاء ابنه عبد الله إلى النبي (ص)، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه. فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ بثوب النبي (ص)، فقال ابن سلول أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟ فقال النبي (ص): إنما خيرني ربي، فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين
[ 261 ]
مرة فلن يغفر الله لهم وسأزيد على سبعين. فقال: إنه منافق فصلى عليه رسول الله (ص)، فأنزل الله: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره. 13256 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن مجالد، قال: ثني عامر، عن جابر بن عبد الله، أن رأس المنافقين مات بالمدينة، فأوصى أن يصلى عليه النبي (ص) وأن يكفن في قميصه. فكفنه في قميصه، وصلى عليه، وقام على قبره، فأنزل الله تبارك وتعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره. 13257 - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس: أن رسول الله (ص) أراد أن يصلي علي عبد الله بن أبي ابن سلول، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه فقال: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره. 13258 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر، قال: جاء النبي (ص) عبد الله بن أبي وقد أدخل حفرته، فأخرجه، فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه وتفل عليه من ريقه، والله أعلم. 13259 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول، دعي رسول الله (ص) للصلاة عليه، فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة، تحولت حتى قمت في صدره، فقلت: يا رسول الله، أتصلي على عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا كذا وكذا، أعدد أيامه، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يتبسم. حتى إذا أكثرت عليه، قال: اخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت، وقد قيل لي استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فلو أني أعلم أنين إن زدت على السبعين غفر له لزدت قال ثم
[ 262 ]
صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه قال: اتعجب لي وجرأتي على رسول الله (ص)، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان ولا تصل على أحد منهم مات أبدا فما صلى رسول الله (ص) بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله. 13260 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: لما مات عبد الله بن أبي، أتي ابنه عبد الله بن عبد الله رسول الله (ص)، فسأله قميصه، فأعطاه، فكفن فيه أباه. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، عن عمر بن الخطاب، قال: لما مات عبد الله بن أبي، فذكر مثل حديث ابن حميد، عن سلمة. 13261 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره... الآية، قال: بعث عبد الله بن أبي إلى رسول الله (ص) وهو مريض ليأتيه، فنهاه عن ذلك عمر، فأتاه نبي الله (ص) فلما دخل عليه قال نبي الله (ص): أهلكك حب اليهود. قال: فقال: يا نبي الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني، ولكن بعثت إليك لتستغفر لي وسأله قميصه أن يكفن فيه، فأعطاه إياه، فاستغفر له رسول الله (ص) فمات، فكفن في قميص رسول الله (ص)، ونفث في جلده ودلاه في قبره. فأنزل الله تبارك وتعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا... الآية. قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) كلم في ذلك، فقال: وما يغني عنه قميصي من الله أو ربي وصلاتي عليه ؟ وإني لارجو أن يسلم به ألف من قومه. 13262 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: أرسل عبد الله بن أبي ابن سلول وهو مريض إلى النبي (ص) فلما دخل عليه، قال له النبي (ص): أهلكك حب يهود. قال: يا رسول الله، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنبني. ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه، فأعطاه إياه وصلى عليه، وقام على قبره، فأنزل الله تعالى ذكره: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 263 ]
* (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولا تعجبك يا محمد أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم فتصلي على أحدهم إذا مات وتقوم على قبره من أجل كثرة ماله وولده، فإني إنما أعطيته ما أعطيته من ذلك لا عذبه بها في الدنيا بالغموم والهموم، بما ألزمه فيها من المؤن والنفقات والزكوات وبما ينوبه فيها من الرزايا والمصيبات. وتزهق أنفسهم يقول: وليموت فتخرج نفسه من جسده، فيفارق ما أعطيته من المال والولد، فيكون ذلك حسرة عليه عند موته ووبالا عليه حينئذ ووبالا عليه في الآخرة بموته، جاحدا توحيد الله ونبوة نبينه محمد (ص). 13263 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن السدي: وتزهق أنفسهم في الحياة الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذآ أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين) *. يقول تعالى ذكره: وإذا أنزل عليك يا محمد سورة من القرآن، بأن يقال لهؤلاء المنافقين: آمنوا بالله يقول: صدقوا بالله وجاهدوا مع رسوله يقول: اغزوا المشركين مع رسول الله (ص)، استأذنك أولوا الطول منهم يقول: استأذنك ذوو الغنى والمال منهم في التخلف عنك والقعود في أهله وقالوا ذرنا يقول: وقالوا لك: دعنا نكن ممن يقعد في منزله مع ضعفاء الناس ومرضاهم ومن لا يقدر على الخروج معك في السفر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13264 - حدثنا علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: استأذنك أولوا الطول قال: يعني أهل الغنى. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: أولوا الطول منهم يعني: الاغنياء.
[ 264 ]
13265 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم كان منهم عبد الله بن أبي والجد بن قيس، فنعى الله ذلك عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) *. يقول تعالى ذكره: رضي هؤلاء المنافقون الذين إذا قيل لهم: آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله، استأذنك أهل الغنى منهم في التخلف عن الغزو والخروج معك لقتال أعداء الله من المشركين، أن يكونوا في منازلهم كالنساء اللواتي ليس عليهن فرض الجهاد، فهن قعود في منازلهن وبيوتهن. وطبع على قلوبهم يقول: وختم الله على قلوب هؤلاء المنافقين، فهم لا يفقهون عن الله مواعظه فيتعظون بها. وقد بينا معنى الطبع وكيف الختم على القلوب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13266 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف قال: والخوالف: هن النساء. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف يعني: النساء. 13267 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حبوية أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف قال: النساء. 13268 - قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: مع الخوالف قال: مع النساء. 13269 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف أي مع النساء. 13270 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف قالا: النساء.
[ 265 ]
13271 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 13272 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف قال: مع النساء. القول في تأويل قوله تعالى: * (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون) *. يقول تعالى ذكره: لم يجاهد هؤلاء المنافقون الذين اقتصصت قصصهم المشركين، لكن الرسول محمد (ص) والذين صدقوا الله ورسوله معه هم الذين جاهدوا المشركين بأموالهم وأنفسهم، فأنفقوا في جهادهم أموالهم وأتعبوا في قتالهم أنفسهم وبذلوها. وأولئك يقول: وللرسول وللذين آمنوا معه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم الخيرات، وهي خيرات الآخرة، وذلك نساؤها وجناتها ونعيمها، واحدتها: خيرة، كما قال الشاعر: ولقد طعنت مجامع الربلات ربلات هند خيرة الملكات والخيرة من كل شئ: الفاضلة. وأولئك هم المفلحون يقول: وأولئك هم المخلدون في الجنات الباقون فيها الفائزون بها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) *.
[ 266 ]
يقول تعالى ذكره: أعد الله لرسوله محمد (ص) وللذين آمنوا معه جنات، وهي البساتين تجري من تحت أشجارها الانهار. خالدين فيها يقول: لابثين فيها، لا يموتون فيها، ولا يظعنون عنها. ذلك الفوز العظيم يقول: ذلك النجاء العظيم والحظ الجزيل. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: وجاء رسول الله (ص) المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم في التخلف. وقعد عن المجئ إلى رسول الله (ص) والجهاد معه الذين كذبوا الله ورسوله وقالوا الكذب، واعتذروا بالباطل فيهم. يقول تعالى ذكره: سيصيب الذين جحدوا توحيد الله ونبوة نبيه محمد (ص) منهم عذاب أليم. فإن قال قائل: فكيف قيل: وجاء المعذرون وقد علمت أن المعذر في كلام العرب إنما هو الذي يعذر في الامر، فلا يبالغ فيه ولا يحكمه، وليست هذه صفة هؤلاء، وإنما صفتهم أنهم كانوا قد اجتهدوا في طلب ما ينهضون به مع رسول الله (ص) إلى عدوهم، وحرصوا على ذلك، فلم يجدوا إليه السبيل، فهم بأن يوصفوا بأنهم قد أعذروا أولى وأحق منهم بأن يوصفوا بأنهم عذروا. إذا وصفوا بذلك. فالصواب في ذلك من القراءة ما قرأه ابن عباس، وذلك ما: 13273 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي حماد، قال: ثنا بشر بن عمار، عن أبي روق عن الضحاك، قال: كان ابن عباس يقرأ: وجاء المعذرون مخففة، ويقول: هم أهل العذر. مع موافقة مجاهد إياه وغيره عليه ؟ قيل: إن معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه، وإن معناه: وجاء المعتذرون من الاعراب ولكن التاء لما جاورت الذال أدغمت فيها، فصيرتا ذالا مشددة لتقارب مخرج إحداهما من الاخرى، كما قيل: يذكرون في يتذكرون، ويذكر في يتذكر. وخرجت العين من المعذرين إلى الفتح، لان حركة التاء من المعتذرين وهي الفتحة نقلت إليها فحركت بما كانت به محركة، والعرب قد توجه في معنى الاعتذار إلى
[ 267 ]
الاعذار، فتقول: قد اعتذر فلان في كذا، يعني: أعذر، ومن ذلك قول لبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكماومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر فقال: فقد اعتذر، بمعنى: فقد أعذر. على أن أهل التأويل، قد اختلفوا في صفة هؤلاء القوم الذين وصفهم الله بأنهم جاءوا رسول الله (ص) معذرين، فقال بعضهم: كانوا كاذبين في اعتذارهم، فلم يعذرهم الله. ذكر من قال ذلك: 13274 - حدثني أبو عبيدة عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، عن الحسين، قال: كان قتادة يقرأ: وجاء المعذرون من الاعراب قال: اعتذروا بالكتب. 13275 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد: وجاء المعذرون من الاعراب قال نفر من بني غفار جاءوا فاعتذروا، فلم يعذرهم الله. فقد أخبر من ذكرنا من هؤلاء أن هؤلاء القوم إنما كانوا أهل اعتذار بالباطل لا بالحق. فغير جائز أن يوصفوا بالاعذار إلا أن يوصفوا بأنهم أعذروا في الاعتذار بالباطل. فأما بالحق على ما قاله من حكينا قوله من هؤلاء، فغير جائز أن يوصفوا به. وقد كان بعضهم يقول: إنما جاءوا معذرين غير جادين، يعرضون ما لا يريدون فعله. فمن وجهه إلى هذا التأويل فلا كلفة في ذلك، غير أني لا أعلم أحدا من أهل العلم بتأويل القرآن وجه تأويله إلى ذلك، فأستحب القول به. وبعد، فإن الذي عليه من القراءة قراء الامصار التشديد في الذال، أعني من قوله: المعذرون ففي ذلك دليل على صحة تأويل من تأوله بمعنى الاعتذار لان القوم الذين وصفوا بذلك لم يكلفوا أمرا عذروا فيه، وإنما كانوا فرقتين إما مجتهد طائع وإما منافق فاسق لامر الله مخالف، فليس في الفريقين موصوف بالتعذير في الشخوص مع رسول الله (ص)، وإنما هو معذر مبالغ، أو معتذر. فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الحجة من القراء مجمعة على تشديد الذال من المعذرين، علم أن معناه ما وصفناه من التأويل. وقد ذكر عن مجاهد في ذلك موافقة ابن عباس.
[ 268 ]
13276 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن حميد، قال: قرأ مجاهد: وجاء المعذرون مخففة، وقال: هم أهل العلم العذر. 13277 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان المعذرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: ليس على أهل الزمانة وأهل العجز عن السفر والغزو، ولا على المرضى، ولا على من لا يجد نفقة يتبلغ بها إلى مغزاه حرج، وهو الاثم يقول: ليس عليهم إثم إذا نصحوا الله ولرسوله في مغيبهم عن الجهاد مع رسول الله (ص). ما على المحسنين من سبيل يقول: ليس على من أحسن فنصح لله ورسوله في تخلفه عن رسول الله (ص) عن جهاد معه لعذر يعذر به طريق يتطرق عليه فيعاقب من قبله. والله غفور رحيم يقول: والله ساتر على ذنوب المحسنين، يتغمدها بعفوه لهم عنها، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها. وذكر أن هذه الآية نزلت في عائذ بن عمرو المزني. وقال بعضهم: في عبد الله بن مغفل. ذكر من قال نزلت في عائذ بن عمرو: 13278 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله نزلت في عائذ بن عمرو. ذكر من قال نزلت في ابن مغفل:
[ 269 ]
13279 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ليس على الضعفاء ولا على المرضى... إلى قوله: حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون وذلك أن رسول الله (ص) أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني، فقالوا: يا رسول الله احملنا فقال لهم رسول الله (ص): والله ما أجد ما أحملكم عليه فتولوا ولهم بكاء، وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا. فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله، أنزل عذرهم في كتابه، فقال: ليس على الضعفاء ولا على المرض ولا على الذين لا يجدون ما ينقفون حرج. القول في تأويل قوله تعالى * (ولا على الذين إذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون) * يقول تعالى ذكره ولا سبيل أيضا على النفر الذين إذا ما جاءوك لتحملهم يسألونك الحملان ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداء الله معك يا محمد، قلت لهم: لا أجد حمولة أحملكم عليها تولوا يقول: أدبروا عنك، وأعينهم تفيض من الدمع حزنا وهم يبكون من حزن على أنهم لا يجدون ما ينفقون ويتحملون به للجهاد في سبيل الله. وذكر بعضهم أن هذه الآية نزلت في نفر من مزينة. ذكر من قال ذلك: 13280 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه قال: هم من مزينة. * - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قال: هم بنو مقرن من مزينة. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قراءة عن مجاهد في قوله: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم... إلى قوله: حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون قال: هم بنو مقرن من مزينة.
[ 270 ]
* - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قال: هم بنو مقرن من مزينة. 13281 - قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن عروة، عن ابن مغفل المزني، وكان أحد النفر الذين أنزلت فيهم: ولا على الذين إذا أتوك لتحملهم... الآية. 13282 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن ابن جريج عن مجاهد، في قوله: تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا قال: منهم ابن مقرن. وقال سفيان: قال الناس: منهم عرباض بن سارية. وقال آخرون: بل نزلت في عرباض بن سارية. ذكر من قال ذلك: 13283 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو والسلمي، وحجر بن حجر الكلاعي، قالا: دخلنا على عرباض بن سارية، وهو الذي أنزل فيه: ولا على الذين إذا أتوك لتحملهم... الآية. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن، قال: ثنا الوليد، قال: ثنا ثور، عن خالد، عن عبد الرحمن بن عمرو، وحجر بن حجر بنحوه. وقال آخرون: بل نزلت في نفر سبعة من قبائل شتى. ذكر من قال ذلك: 13284 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب وغيره، قال جاء ناس من أصحاب رسول الله (ص) يستحملونه، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فأنزل الله: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم... الآية، قال: هم سبعة نفر من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير، ومن بنى واقف: حرمي بن عمرو، ومن بني مازن بن النجار: عبد الرحمن بن كعب، يكنى أبا ليلى، ومن بني المعلى: سلمان بن صخر، ومن بني حارثة: عبد الرحمن بن يزيد أبو عبلة، وهو الذي تصدق بعرضه فقبله الله منه، ومن بني سلمة: عمرو بن غنمة، وعبد الله بن عمرو المزني.
[ 271 ]
ابن عيينة، عن ابن جريج عن مجاهد، في قوله: تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا قال: منهم ابن مقرن. وقال سفيان: قال الناس: منهم عرباض بن سارية. وقال آخرون: بل نزلت في عرباض بن سارية. ذكر من قال ذلك: 13283 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو والسلمي، وحجر بن حجر الكلاعي، قالا: دخلنا على عرباض بن سارية، وهو الذي أنزل فيه: ولا على الذين إذا أتوك لتحملهم... الآية. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن، قال: ثنا الوليد، قال: ثنا ثور، عن خالد، عن عبد الرحمن بن عمرو، وحجر بن حجر بنحوه. وقال آخرون: بل نزلت في نفر سبعة من قبائل شتى. ذكر من قال ذلك: 13284 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب وغيره، قال جاء ناس من أصحاب رسول الله (ص) يستحملونه، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فأنزل الله: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم... الآية، قال: هم سبعة نفر من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير، ومن بنى واقف: حرمي بن عمرو، ومن بني مازن بن النجار: عبد الرحمن بن كعب، يكنى أبا ليلى، ومن بني المعلى: سلمان بن صخر، ومن بني حارثة: عبد الرحمن بن يزيد أبو عبلة، وهو الذي تصدق بعرضه فقبله الله منه، ومن بني سلمة: عمرو بن غنمة، وعبد الله بن عمرو المزني.
[ 271 ]
13285 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم إلى قوله: حزنا وهم البكاءون كانوا سبعة، والله أعلم. تم الجزء العاشر، من تفسير محمد بن جرير الطبري واوله: القول في تأويل قوله تعلى (انما السبيل)... الاية