جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 2
[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 ه قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوثيق وتخريج صدقي جميل العطار الجزء السابع عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 2 ]
1415 ه / 1995 م
[ 3 ]
القول في تأويل قوله تعالى: * (سيقول السفهآء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشآء إلى صراط مستقيم) * يعني بقوله جل ثناؤه: سيقول السفهاء سيقول الجهال من الناس، وهم اليهود وأهل النفاق. وإنما سماهم الله عز وجل سفهاء لانهم سفهوا الحق، فتجاهلت أحبار اليهود، وتعاظمت جهالهم وأهل الغباء منهم عن اتباع محمد (ص)، إذ كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل، وتحير المنافقون فتبلدوا. وبما قلنا في السفهاء أنهم هم اليهود وأهل النفاق، قال أهل التأويل. ذكر من قال هم اليهود: 1768 - حدثني محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم قال: اليهود تقوله حين ترك بيت المقدس. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 1769 - حدثت عن أحمد بن يونس، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء: سيقول السفهاء من الناس قال: اليهود. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء: سيقول السفهاء من الناس قال: اليهود.
[ 4 ]
1770 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله: سيقول السفهاء من الناس قال: أهل الكتاب. 1771 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: اليهود. وقال آخرون: السفهاء: المنافقون. ذكر من قال ذلك: 1772 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قال: نزلت: سيقول السفهاء من الناس في المنافقين. القول في تأويل قوله تعالى: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. يعني بقوله جل ثناؤه: ما ولاهم أي شئ صرفهم عن قبلتهم ؟ وهو من قول القائل: ولاني فلان دبره: إذا حول وجهه عنه واستدبره، فكذلك قوله: ما ولاهم أي شئ حول وجوههم. وأما قوله: عن قبلتهم فإن قبلة كل شئ: ما قابل وجهه، وإنما هي فعلة بمنزلة الجلسة والقعدة من قول القائل: قابلت فلانا: إذا صرت قبالته أقابله، فهو لي قبلة، وأنا له قبلة، إذا قابل كل واحد منهما بوجهه وجه صاحبه. قال: فتأويل الكلام إذن إذ كان معناه: سيقول السفهاء من الناس لكم أيها المؤمنون بالله ورسوله، إذا حولتم وجوهكم عن قبلة اليهود التي كانت لكم قبلة قبل أمري إياكم بتحويل وجوهكم عنها شطر المسجد الحرام: أي شئ حول وجوه هؤلاء، فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم ؟ فأعلم الله جل ثناؤه نبيه (ص) ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشام إلى المسجد الحرام، وعلمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب، فقال له: إذا قالوا ذلك لك يا محمد، فقل لهم: لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وكان سبب ذلك أن النبي (ص) صلى نحو بيت المقدس مدة سنذكر مبلغها فيما بعد إن شاء الله تعالى، ثم أراد الله تعالى صرف قبلة نبيه (ص) إلى المسجد الحرام، فأخبره عما اليهود قائلوه من القول عند صرفه وجهه ووجه أصحابه شطره، وما الذي ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب.
[ 5 ]
ذكر المدة التي صلاها رسول الله (ص) وأصحابه نحو بيت المقدس وما كان سبب صلاته نحوه وما الذي دعا اليهود والمنافقين إلى قيل ما قالوا عند تحويل الله قبلة المؤمنين عن بيت المقدس إلى الكعبة اختلف أهل العلم في المدة التي صلاها رسول الله (ص) نحو بيت المقدس بعد الهجرة. فقال بعضهم بما: 1773 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قالا جميعا: ثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، قال: أخبرني سعيد بن جبير أو عكرمة شك محمد عن ابن عباس قال: لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة، وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله (ص) المدينة، أتى رسول الله (ص) رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الاشرف، ونافع بن أبي نافع هكذا قال ابن حميد، وقال أبو كريب: ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الاشرف والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليه نتبعك ونصدقك وإنما يريدون فتنته عن دينه. فأنزل الله فيهم: سيقول السفهامن الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها إلى قوله: إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. 1774 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال البراء: صلى رسول الله (ص) نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا، وكان يشتهي أن يصرف إلى الكعبة. قال: فبينا نحن نصلي ذات يوم، فمر بنا مار فقال: ألا هل علمتم أن النبي (ص) قد صرف إلى الكعبة ؟ قال: وقد صلينا ركعتين إلى ههنا، وصلينا ركعتين إلى ههنا. قال أبو كريب: فقيل له: فيه أبو إسحاق ؟ فسكت.
[ 6 ]
1775 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: صلينا بعد قدوم النبي (ص) المدينة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس. 1776 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، قال: ثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال: صليت مع النبي (ص) نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا شك سفيان ثم صرفنا إلى الكعبة. 1777 - حدثني المثنى، قال: حدثنا النفيلي، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن البراء: أن رسول الله (ص) كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو أخواله من الانصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى صلاة العصر ومعه قوم. فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم ركوع، فقال: أشهد لقد صليت مع رسول الله (ص) قبل مكة. فداروا كما هم قبل البيت، وكان يعجبه أن يحول قبل البيت. وكان اليهود أعجبهم أن رسول الله (ص) يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك. 1778 - حدثني عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بالمسيب قال: صلى رسول الله (ص) نحو بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا، ثم وجه نحو الكعبة قبل بدر بشهرين. وقال آخرون بما: 1779 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عثمان بن سعد الكاتب، قال: ثنا أنس بن مالك، قال: صلى نبي الله (ص) نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر. فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس،
[ 7 ]
انصرف بوجهه إلى الكعبة، فقال السفهاء: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وقال آخرون بما: 1780 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله (ص) قدم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا. 1781 - حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي، قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب أن الانصار صلت القبلة الاولى قبل قدوم النبي (ص) بثلاث حجج، وأن النبي (ص) صلى القبلة الاولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا، أو كما قال. وكلا الحديثين يحدث قتادة عن سعيد. ذكر السبب الذي كان من أجله يصلي رسول الله (ص) نحو بيت المقدس، قبل أن يفرض عليه التوجه شطر الكعبة اختلف أهل العلم في ذلك فقال بعضهم: كان ذلك باختيار من النبي (ص) ذكر من قال ذلك: 1782 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح أبو تميلة، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن عكرمة، وعن يزيد النحوي، عن عكرمة، والحسن البصري قالا: أول ما نسخ ما لقرآن القبلة، وذلك أن النبي (ص) كان يستقبل صخرة بيت المقدس، وهي قبلة اليهود، فاستقبلها النبي (ص) سبعة عشر شهرا، ليؤمنوا به ويتبعوه، ويدعوا بذلك الاميين من العرب، فقال الله عز وجل: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم.
[ 8 ]
1783 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها يعنون بيت المقدس. قال الربيع، قال أبو العالية: إن نبي الله (ص) خير أن يوجه وجهه حيث شاء، فاختار بيت المقدس لكي يتألف أهل الكتاب، فكانت قبلته ستة عشر شهرا، وهو في ذلك يقلب وجهه في السماء ثم وجهه الله إلى البيت الحرام. وقال آخرون: بل كان فعل ذلك من النبي (ص) وأصحابه بفرض الله عز ذكره عليهم. ذكر من قال ذلك: 1784 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله (ص) بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله (ص) يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، وكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله عز وجل: قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية، فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز وجل: قل لله المشرق والمغرب. 1785 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: صلى رسول الله (ص) أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس، فصلت الانصار نحو بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حجج، وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا، ثم ولاه الله جل ثناؤه إلى الكعبة. ذكر السبب الذي من أجله قال من قال ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ اختلف أهل التأويل في ذلك، فروي عن ابن عباس فيه قولان: أحدهما ما: 1786 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال ذلك
[ 9 ]
قوم من اليهود للنبي (ص)، فقالوا له: ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك يريدون فتنته عن دينه. والقول الآخر: ما ذكرت من حديث علي بن أبي طلحة عنه الذي مضى قبل. 1787 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال: صلت الانصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي (ص) المدينة، وصلى نبي الله (ص) بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام. فقال في ذلك قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها لقد اشتاق الرجل إلى مولده. فقال الله عز وجل: قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وقيل: قائل هذه المقالة المنافقون، وإنما قالوا ذلك استهزاء بالاسلام. ذكر من قال ذلك: 1788 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما وجه النبي (ص) قبل المسجد الحرام، اختلف الناس فيها، فكانوا أصنافا، فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ فأنزل الله في المنافقين: سيقول السفهاء من الناس الآية كلها. هالقول في تأويل قوله تعالى: قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. يعني بذلك عز وجل: قل يا محمد لهؤلاء الذين قالوا لك ولاصحابك: ما ولاكم عن قبلتكم من بيت المقدس التي كنتم عل التوجه إليها، إلى التوجه إلى شطر المسجد الحرام: لله ملك المشرق والمغرب يعني بذلك ملك ما بين قطري مشرق الشمس، وقطري مغربها، وما بينهما من العالم، يهدي من يشاء من خلقه فيسدده، ويوفقه إلى الطريق القويم، وهو الصراط المستقيم. ويعني بذلك إلى قبلة إبراهيم الذي جعله للناس إماما. ويخذل من يشاء منهم فيضله عن سبيل الحق. وإنما عنى جل ثناؤه بقوله: يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم قل يا محمد إن الله هدانا بالتوجه شطر المسجد الحرام لقبلة
[ 10 ]
إبراهيم، وأضلكم أيها اليهود والمنافقون وجماعة الشرك بالله، فخذلكم عما هدانا له من ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى اللوما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم) * يعني جل ثناؤه بقوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام، وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الاديان بأن جعلناكم أمة وسطا. وقد بينا أن الامة هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم. وأما الوسط فإنه في كلام العرب: الخيار، يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه: أي متوسط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه، وهو وسط في قومه وواسط، كما يقال شاة يابسة اللبن، ويبسة اللبن، وكما قال جل ثناؤه: فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا. وقال زهير بن أبي سلمى في الوسط: هم وسط يرضى الانام يحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم قال: وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل وسط الدار، محرك الوسط مثقله، غير جائز في سينه التخفيف. وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير
[ 11 ]
اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الامور إلى الله أوسطها. وأما التأويل فإنه جاء بأن الوسط العدل، وذلك معنى الخيار لان الخيار من الناس عدولهم. ذكر من قال: الوسط العدل. 1789 - حدثنا سالم بن جنادة ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا حفص بن غياث، عن الاعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد، عن النبي (ص) في قوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال: عدولا. * - حدثنا مجاهد بن موسى ومحمد ببشار، قالا: ثنا جعفر بن عون، عن الاعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد، عن النبي (ص)، مثله. 1790 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان عن الاعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري: وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال: عدولا. 1791 - حدثني علي بن عيسى، قال: ثنا سعيد بن سليمان، عن حفص بن غياث، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) في قوله: جعلناكم أمة وسطا قال: عدولا. 1792 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد: وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال: عدولا. 1793 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال: عدولا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 1794 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: أمة وسطا قال: عدولا.
[ 12 ]
1795 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: أمة وسطا قال: عدولا. 1796 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: أمة وسطا قال: عدولا. 1797 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وكذلك جعلناكم أمة وسطا يقول: جعلكم أمة عدولا. 1798 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن راشد بن سعد، قال: أخبرنا ابن أنعم المعافري، عن حبان بن أبي جبلة بسنده إلى رسول الله (ص): وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال: الوسط: العدل. 1799 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء ومجاهد وعبد الله بن كثير: أمة وسطا قالوا: عدولا، قال مجاهد: عدولا. 1800 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال: هم وسط بين النبي (ص) وبين الامم. هالقول في تأويل قوله تعالى: لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. والشهداء جمع شهيد. فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدولا (لتكونوا) شهداء لانبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، ويكون رسولي محمد (ص) شهيدا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي. كما:
[ 13 ]
1801 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت ما أرسلت به ؟ فيقول: نعم، فيقال لقومه: هل بلغكم ؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقال له: من يعلم ذاك ؟ فيقول محمد وأمته فهو قوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. 1802 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: ثنا الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد عن النبي (ص) بنحوه، إلا أنه زاد فيه: فيدعون ويشهدون أنه قد بلغ. 1803 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس بأن الرسل قد بلغوا، ويكون الرسول عليكم شهيدا: بما عملتم أو فعلتم. 1804 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن أبي مالك الاشجعي، عن المغيرة بن عيينة بن النهاس، أن مكاتبا لهم حدثهم عن جابر بن عبد الله، أن النبي (ص) قال: إني وأمتي لعلى كوم يوم القيامة مشرفين على الخلائق ما أحد من الامم إلا ود أنه منها أيتها الامة، وما من نبي كذبه قومه إلا نحن شهداؤه يوم القيامة أنه قد بلغ رسالات ربه ونصح لهم قال: ويكون الرسول عليكم شهيدا. 1805 - حدثني عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن الفضل، عن أبي هريرة، قال: خرجت مع النبي (ص) في جنازة، فلما صلى على الميت قال الناس: نعم الرجل فقال النبي (ص): وجبت. ثم خرجت معه في جنازة أخرى، فلما صلوا على الميت قال الناس: بئس الرجل فقال النبي ص): وجبت. فقام إليه أبي بن كعب فقال: يا رسول الله ما قولك وجبت ؟ قال: قول الله عز وجل: لتكونوا شهداء على الناس.
[ 14 ]
* - حدثني علي بن سهل الرملي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني أبو عمرو عن يحيى، قال: حدثني عبد الله بن أبي الفضل المديني، قال: حدثني أبو هريرة، قال: أتي رسول الله (ص) بجنازة، فقال الناس: نعم الرجل، ثم ذكر نحو حديث عصام عن أبيه. 1806 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة بن الاكوع، عن أبيه، قال: كنا مع النبي (ص)، فمر عليه بجنازة فأثنى عليها بثناء حسن، فقال: وجبت، ومر عليه بجنازة أخرى، فأثنى عليها دون ذلك، فقال: وجبت، قالوا: يا رسول الله ما وجبت ؟ قال: الملائكة شهداء الله في السماء وأنتم شهداء الله في الارض فما شهدتم عليه وجب. ثم قرأ: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون... الآية. 1807 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لتكونوا شهداء على الناس تكونوا شهداء لمحمد عليه الصلاة والسلام على الامم اليهود والنصارى والمجوس. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 1808 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، قال: يأتي النبي (ص) يوم القيامة ناديه ليس معه أحد فتشهد له أمة محمد (ص) أنه قد بلغهم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن أبي نجيح، عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير، مثله. * - حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثني ابن أبي نجيح، عن أبيه قال: يأتي النبي (ص) يوم القيامة، فذكر مثله، ولم يذكر عبيد بن عمير مثله. 1809 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: لتكونوا
[ 15 ]
شهداء على الناس أي أن رسلهم قد بلغت قومها عن ربها، ويكون الرسول عليكم شهيدا على أنه قد بلغ رسالات ربه إلى أمته. 1810 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم: أن قوم نوح يقولون يوم القيامة: لم يبلغنا نوح. فيدعى نوح عليه السلام فيسأل: هل بلغتهم ؟ فيقول: نعم، فيقال: من شهودك ؟ فيقول: أحمد (ص) وأمته. فتدعون فتسألون، فتقولون: نعم قد بلغهم. فتقول قوم نوح عليه السلام: كيف تشهدون علينا ولم تدركونا ؟ قالوا: قد جاء نبي الله (ص) فأخبرنا أنه قد بلغكم، وأنزل عليه أنه قد بلغكم، فصدقناه. قال: فيصدق نوح عليه السلام ويكذبونهم. قال: لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: لتكونوا شهداء على الناس لتكون هذه الامة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم، ويكون الرسول على هذه الامة شهيدا، أن قد بلغ ما أرسل به. 1811 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم: أن الامم يقولون يوم القيامة: والله لقد كادت هذه الامة أن تكون أنبياء كلهم لما يرون الله أعطاهم. 1812 - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: ثنا ابن المبارك عن راشد بن سعد، قال: أخبرني ابن أنعم المعافري، عن حبان بن أبي جبلة بسنده إلى رسول الله (ص) قال: إذا جمع الله عباده يوم القيامة، كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي، هل بلغت عهدي ؟ فيقول: نعم رب قد بلغته جبريل عليهما السلام، فيدعى جبريل فيقال له: هل بلغت إسرافيل عهدي ؟ فيقول: نعم رب قد بلغني. فيخلى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلغت عهدي ؟ فيقول: نعم قد بلغت الرسل. فتدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي ؟ فيقولون نعم ربنا. فيخلى عن جبريل، ثم يقال للرسل: ما فعلتم بعهدي ؟ فيقولون: بلغنا أممنا. فتدعى الامم فيقال: هل بلغكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق، فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهودا يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك. فيقول: من يشهد لكم ؟ فيقولون: أمة محمد. فتدعى أمة محمد (ص)، فيقول: أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه ؟ فيقولون: نعم ربنا شهدنا أن قد بلغوا. فتقول تلك الامم: كيف يشهد علينا من لم يدركنا ؟ فيقول لهم الرب
[ 16 ]
تبارك وتعالى: كيف تشهدون على من لم تدركوا ؟ فيقولون: ربنا بعثت إلينا رسولا، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا. فيقول الرب: صدقوا. فذلك قوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا. والوسط: العدل. لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. قال ابن أنعم: فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد (ص) إلا من كان في قلبه حقد على أخيه. 1813 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: لتكونوا شهداء على الناس يعني بذلك الذين استقاموا على الهدى، فهم الذين يكونون شهداء على الناس يوم القيامة، لتكذيبهم رسل الله، وكفرهم بآيات الله. 1814 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: لتكونوا شهداء على الناس يقول: لتكونوا شهداء على الامم الذين خلوا من قبلكم بما جاءتهم رسلهم، وبما كذبوهم، فقالوا يوم القيامة وعجبوا: إن أمة لم يكونوا في زماننا، فآمنوا بما جاءت به رسلنا، وكذبنا نحن بما جاءوا به. فعجبوا كل العجب. قوله: ويكون الرسول عليكم شهيدا يعني بإيمانهم به، وبما أنزل عليه. 1815 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس: لتكونوا شهداء على الناس يعني أنهم شهدوا على القرون بما سمى الله عز وجل لهم. 1716 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قلت لعطاء: ما قوله: لتكونوا شهداء على الناس ؟ قال: أمة محمد شهدوا على من ترك الحق حين جاءه الايمان والهدى ممن كان قبلنا. قالها عبد الله بن كثير. قال: وقال عطاء: شهداء على من ترك الحق ممن تركه من الناس أجمعين، جاء ذلك أمة محمد (ص) في كتابهم: ويكون الرسول عليكم شهيدا على أنهم قد آمنوا بالحق حين جاءهم وصدقوا به. 1817 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:
[ 17 ]
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا قال: رسول الله (ص) شاهد على أمته، وهم شهداء على الامم، وهم أحد الاشهاد الذي قال الله عز وجل: ويوم يقوم الاشهاد الاربعة الملائكة الذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا. وقرأ قوله: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. وقال: هذا يوم القيامة. قال: والنبيون شهداء على أممهم. قال: وأمة محمد (ص) شهداء على الامم، (قال: والاطوار: الاجساد والجلود). القول في تأويل قوله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. يعني جل ثناؤه بقوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ولم نجعل صرفك عن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد فصرفناك عنها إلا لنعلم من يتبعك ممن لا يتبعك ممن ينقلب على عقبيه. والقبلة التي كان رسول الله (ص) عليها التي عناها الله بقوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها هي القبلة التي كنت تتوجه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة. كما: 1818 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها يعني بيت المقدس. 1819 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ؟ قال: القبلة: بيت المقدس. وإنما ترك ذكر الصرف عنها اكتفاء بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره. وإنما قلنا ذلك معناه لان محنة الله أصحاب رسوله في القبلة إنما كانت فيما تظاهرت به الاخبار عند التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتى ارتد فيما ذكر رجال ممن كان قد أسلم واتبع رسول الله (ص)، وأظهر كثير من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم،
[ 18 ]
وقالوا: ما بال محمد يحولنا مرة إلى ههنا، ومرة إلى ههنا ؟ وقال المسلمون فيمن مضى من إخوانهم المسلمين، وهم يصلون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت. وقال المشركون: تحير محمد (ص) في دينه. فكان ذلك فتنة للناس وتمحيصا للمؤمنين، فلذلك قال جل ثناؤه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه أي: وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جل ثناؤه: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرؤيا التي أريناك. وذلك أنه لو لم يك أخبر القوم بما كان أرى لم يكن فيه على أحد فتنة، وكذلك القبلة الاولى التي كانت نحو بيت المقدس لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحد فتنة ولا محنة. ذكر الاخبار التي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا: 1820 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، قال: كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص صلت الانصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبي الله (ص)، وصلى نبي الله (ص) بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده قال الله عز وجل: قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فقال أناس لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الاولى ؟ فأنزل الله عز وجل: وما كان الله ليضيع إيمانكم وقد يبتلي الله العباد بما شاء من أمره الامر بعد الامر، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. وكل ذلك مقبول إذا كان في إيمان بالله، وإخلاص له، وتسليم لقضائه. 1821 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كان النبي (ص) يصلي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلما وجه قبل المسجد الحرام، اختلف الناس فيها، فكانوا أصنافا فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس، هل تقبل الله منا ومنهم أو لا ؟ وقالت اليهود: إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر. وقال المشركون من أهل مكة: تحير على محمد دينه، فتوجه بقبلته إليكم، وعلم أنكم كنتم
[ 19 ]
أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل الله جل ثناؤه في المنافقين: سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها إلى قوله: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وأنزل في الآخرين الآيات بعدها. 1822 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ؟ فقال عطاء: يبتليهم ليعلم من يسلم لامره. قال ابن جريج: بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا: مرة ههنا ومرة ههنا. فإن قال لنا قائل: أوما كان الله عالما بمن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه إلا بعد اتباع المتبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتى قال: ما فعلنا الذي فعلنا من تحويل القبلة إلا لنعلم المتبع رسول الله (ص) من المنقلب على عقبيه ؟ قيل: إن الله جل ثناؤه هو العالم بالاشياء كلها قبل كونها، وليس قوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه يخبر أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجوده. فإن قال: فما معنى ذلك ؟ قيل له: أما معناه عندنا فإنه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. فقال جل ثناؤه: إلا لنعلم ومعناه: ليعلم رسولي وأوليائي، إذ كان رسول الله (ص) وأولياؤه من حزبه، وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس إلى الرئيس، وما فعل بهم إليه نحو قولهم: فتح عمر بن الخطاب سواد العراق، وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك أصحابه عن سبب كان منه في ذلك. وكالذي روي في نظيره عن النبي (ص) أنه قال: يقول الله جل ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني. 1823 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا خالد عن محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): قال الله: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني، يقول: وادهراه وأنا الدهر أنا الدهر.
[ 20 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي (ص) بنحوه. فأضاف تعالى ذكره الاستقراض والعيادة إلى نفسه، وقد كان ذلك بغيره إذ كان ذلك عن سببه. وقد حكي عن العرب سماعا: أجوع في غير بطني، وأعرى في غير ظهري، بمعنى جوع أهله وعياله وعري ظهورهم، فكذلك قوله: إلا لنعلم بمعنى يعلم أوليائي وحزبي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 1824 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه قال ابن عباس: لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة. وقال بعضهم: إنما قيل ذلك من أجل أن العرب تضع العلم مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم، كما قال جل ذكره: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. فزعم أن معنى: ألم تر: ألم تعلم، وزعم أن معنى قوله: إلا لنعلم بمعنى: إلا لنرى من يتبع الرسول. وزعم أن قول القائل: رأيت وعلمت وشهدت حروف تتعاقب فيوضع بعضها موضع بعض، كما قال جرير بن عطية: كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا وعمرو بن عمرو إذ دعا يال دارم بمعنى: كأنك لم تعلم لقيطا لان بين هلك لقيط وحاجب وزمان جرير ما لا يخفى بعده من المدة. وذلك أن الذين ذكرهم هلكوا في الجاهلية، وجرير كان بعد برهة مضت من مجئ الاسلام. وهذا تأويل بعيد، من أجل أن الرؤية وإن استعملت في موضع العلم من أجل أنه مستحيل أن يرى أحد شيئا، فلا توجب رؤيته إياه علما بأنه قد رآه إذا كان
[ 21 ]
صحيح الفطرة، فجاز من الوجه الذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إياه علما، وصح أن يدل بذكر الرؤية على معنى العلم من أجل ذلك. فليس ذلك وإن كان في الرؤية لما وصفنا بجائز في العلم، فيدل بذكر الخبر عن العلم على الرؤية لان المرء قد يعلم أشياء كثيرة لم يرها ولا يراها، ويستحيل أن يرى شيئا إلا علمه، كما قد قدمنا البيان، مع أنه غير موجود في شئ من كلام العرب أن يقال: علمت كذا بمعنى رأيته، وإنما يجوز توجيه معاني ما في كتاب الله الذي أنزله على محمد (ص) من الكلام إلى ما كان موجودا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودا في كلامها، فموجود في كلامها رأيت بمعنى علمت، وغير موجود في كلامها علمت بمعنى رأيت، فيجوز توجيه إلا لنعلم إلى معنى: إلا لنرى. وقال آخرون: إنما قيل: إلا لنعلم من أجل أن المنافقين واليهود وأهل الكفر بالله أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يعلم الشئ قبل كونه، وقالوا إذ قيل لهم: إن قوما من أهل القبلة سيرتدون على أعقابهم، إذا حولت قبلة محمد (ص إلى الكعبة: ذلك غير كائن، أو قالوا: ذلك باطل. فلما فعل الله ذلك، وحول القبلة، وكفر من أجل ذلك من كفر، قال الله جل ثناؤه: ما فعلت إلا لنعلم ما عندكم أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الاشياء قبل كونه، أني عالم بما هو كائن مما لم يكن بعد. فكأن معنى قائل هذا القول في تأويل قوله: إلا لنعلم إلا لنبين لكم أنا نعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. وهذا وإن كان وجها له مخرج، فبعيد من المفهوم. وقال آخرون: إنما قيل: إلا لنعلم وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال، على وجه الترفق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، كما قال جل ثناؤه: قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وقد عله أنه على هدى وأنهم على ضلال مبين، ولكنه رفق بهم في الخطاب، فلم يقل: أنا على هدى، وأنتم على ضلال. فكذلك قوله: إلا لنعلم معناه عندهم: إلا لتعلموا أنتم كنتم جهالا به قبل أن يكون فأضاف العلم إلى نفسه رفقا بخطابهم. وقد بينا القول الذي هو أولى في ذلك بالحق. وأما قوله: من يتبع الرسول فإنه يعني: الذي يتبع محمدا (ص) فيما يأمره الله به، فيوجه نحو الوجه الذي يتوجه نحوه محمد (ص).
[ 22 ]
وأما قوله: ممن ينقلب على عقبيه فإنه يعني: من الذي يرتد عن دينه، فينافق، أو يكفر، أو يخالف محمدا (ص) في ذلك ممن يظهر اتباعه. كما: 1825 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه قال: من إذا دخلته شبهة رجع عن الله، وانقلب كافرا على عقبيه. وأصل المرتد على عقبيه: هو المنقلب على عقبيه الراجع مستدبرا في الطريق الذي قد كان قطعه منصرفا عنه، فقيل ذلك لكل راجع عن أمر كان فيه من دين أو خير، ومن ذلك قوله: فارتدا على آثارهما قصصا بمعنى رجعا في الطريق الذي كانا سلكاه. وإنما قيل للمرتد مرتد، لرجوعه عن دينه وملته التي كان عليها. وإنما قيل رجع على عقبيه لرجوعه دبرا على عقبه إلى الوجه الذي كان فيه بدء سيره قبل مرجعه عنه، فيجعل ذلك مثلا لكل تارك أمرا وآخذ آخر غيره إذا انصرف عما كان فيه إلى الذي كان له تاركا فأخذه، فقيل ارتد فلان على عقبه، وانقلب على عقبيه. هالقول في تأويل قوله تعالى: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله. اختلف أهل التأويل في التي وصفها الله عز وجل بأنها كانت كبيرة إلا على الذين هدى الله. فقال بعضهم: عنى جل ثناؤه بالكبيرة: التولية من بيت المقدس شطر المسجد الحرام والتحويل، وإنما أنث الكبيرة لتأنيث التولية. ذكر من قال ذلك: 1826 - حدثني المثنى قال: ثنا عبد الله بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قال الله: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله يعني تحويلها. 1827 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال: ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس. * - حدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، مثله.
[ 23 ]
1828 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال: كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام، فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله. وقال آخرون: بل الكبيرة هي القبلة بعينها التي كان (ص) يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل. ذكر من قال ذلك. 1829 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: وإن كانت لكبيرة أي قبلة بيت المقدس، إلا على الذين هدى الله. وقال بعضهم: بل الكبيرة: هي الصلاة التي كانوا يصلونها إلى القبلة الاولى. ذكر من قال ذلك. 1830 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال: صلاتكم حتى يهديكم الله عز وجل القبلة. 1831 - وقد حدثني به يونس مرة أخرى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: وإن كانت لكبيرة قال: صلاتك ههنا يعني إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا وانحرافك ههنا. وقال بعض نحويي البصرة: أنثت الكبيرة لتأنيث القبلة، وإياها عنى جل ثناؤه بقوله: وإن كانت لكبيرة. وقال بعض نحويي الكوفة: بل أنثت الكبيرة لتأنيث التولية والتحويلة. فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة: وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليتناك عنها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليتناك لكبيرة إلا على الذين هدى الله. وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب، لان القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي (ص) وجهه عن القبلة الاولى إلى الاخرى لا عين القبلة ولا الصلاة لان القبلة الاولى
[ 24 ]
والصلاة قد كانت وهي غير كبيرة عليهم إلا أن يوجه موجه تأنيث الكبيرة إلى القبلة، ويقول: اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التولية والتحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك، كما قد وصفنا لك في نظائره، فيكون ذلك وجها صحيحا ومذهبا مفهوما. ومعنى قوله: كبيرة عظيمة. كما: 1832 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال: كبيرة في صدور الناس فيما يدخل الشيطان به ابن آدم، قال: ما لهم صلوا إلى ههنا ستة عشر شهرا ثم انحرفوا فكبر ذلك في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين، فقالوا: أي شئ هذا الدين ؟ وأما الذين آمنوا فثبت الله جل ثناؤه ذلك في قلوبهم. وقرأ قول الله: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال صلاتكم حتى يهديكم إلى القبلة. قال أبو جعفر: وأما قوله: إلا على الذين هدى الله فإنه يعني به: وإن كان تقليبتناك عن القبلة التي كنت عليها لعظيمة إلا على من وفقه الله جل ثناؤه فهداه لتصديقك، والايمان بك وبذلك، واتباعك فيه وفيما أنزل الله تعالى ذكره عليك. كما: 1833 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله يقول: إلا على الخاشعين، يعني المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى. هالقول في تأويل قوله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم قيل: عنى بالايمان في هذا الموضع الصلاة. ذكر الاخبار التي رويت بذلك وذكر قول من قاله: 1834 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وعبيد الله، وحدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا عبيد الله بن موسى جميعا، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما وجه رسول الله (ص) إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلون نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله جل ثناؤه: وما كان الله ليضيع إيمانكم. 1835 - حدثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن
[ 25 ]
البراء في قول الله عز وجل: وما كان الله ليضيع إيمانكم قال: صلاتكم نحو بيت المقدس. * - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء نحوه. 1836 - وحدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن نفيل عن الحراني، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن البراء قال: مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى ذكره: وما كان الله ليضيع إيمانكم. 1837 - حدثنا بشر بن معاذ العقدي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال أناس من الناس لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه: وما كان الله ليضيع إيمانكم. 1838 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثني عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما توجه رسول الله (ص) قبل المسجد الحرام، قال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس، هل تقبل الله منا ومنهم أم لا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم: وما كان الله ليضيع إيمانكم قال: صلاتكم قبل بيت المقدس، يقول: إن تلك طاعة وهذه طاعة. 1839 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: قال ناس لما صرفت القبلة إلى البيت الحرام: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الاولى ؟ فأنزل الله تعالى ذكره: وما كان الله ليضيع إيمانكم الآية. 1840 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني داود بن أبي عاصم، قال: لما صرف رسول الله (ص) إلى الكعبة، قال المسلمون: هلك أصحابنا الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس، فنزلت: وما كان الله ليضيع إيمانكم. 1841 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: وما كان الله ليضيع إيمانكم يقول:
[ 26 ]
صلاتكم التي صليتموها من قبل أن تكون القبلة، فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا تقبل صلاتهم. 1842 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وما كان الله ليضيع إيمانكم صلاتكم. 1843 - حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري، قال: أخبرنا المؤمل، قال: ثنا سفيان، ثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية: وما كان الله ليضيع إيمانكم قال: صلاتكم نحو بيت المقدس. قد دللنا فيما مضى على أن الايمان التصديق، وأن التصديق قد يكون بالقول وحده وبالفعل وحده وبهما جميعا فمعنى قوله: وما كان الله ليضيع إيمانكم على ما تظاهرت به الرواية من أنه الصلاة: وما كان الله ليضيع تصديق رسوله عليه الصلاة والسلام بصلاتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره لان ذلك كان منكم تصديقا لرسولي، واتباعا لامري، وطاعة منكم لي. قال: وإضاعته إياه جل ثناؤه لو أضاعه ترك إثابة أصحابه وعامليه عليه، فيذهب ضياعا ويصير باطلا، كهيئة إضاعة الرجل ماله، وذلك إهلاكه إياه فيما لا يعتاض منه عوضا في عاجل ولا آجل. فأخبر الله جل ثناؤه أنه لم يكن يبطل عمل عامل عمل له عملا وهو له طاعة فلا يثيبه عليه، وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إياه على ما كلفه من عمله. فإن قال قائل: وكيف قال الله جل ثناؤه: وما كان الله ليضيع إيمانكم فأضاف الايمان إلى الاحياء المخاطبين، والقوم المخاطبون بذلك إنما كانوا أشفقوا على إخوانهم الذين كانوا ماتوا وهم يصلون نحوبيت المقدس، وفي ذلك من أمرهم أنزلت هذه الآية ؟ قيل: إن القوم وإن كانوأشفقوا من ذلك، فإنهم أيضا قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس قبل التحويل إلى الكعبة، وظنوا أن عملهم ذلك قد بطل وذهب ضياعا، فأنزل الله جل ثناؤه هذه الآية حينئذ، فوجه الخطاب بها إلى الاحياء ودخل فيهم الموتى منهم لان من شأن العرب إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب أن يغلبوا المخاطب، فيدخل الغائب في الخطاب، فيقولوا لرجل خاطبوه على وجه الخبر عنه وعن آخر غائب غير حاضر: فعلنا بكما وصنعنا بكما، كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران،
[ 27 ]
ولا يستجيزون أن يقولوا فعلنا بهما وهم يخاطبون أحدهما فيردوا المخاطب إلى عداد الغيب. هالقول في تأويل قوله تعالى: إن الله بالناس لرءوف رحيم. ويعني بقوله جل ثناؤه: إن الله بالناس لرءوف رحيم أن الله بجميع عباده ذو رأفة. والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة. وأما الرحيم، فإنه ذو الرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة على ما قد بينا فيما مضى قبل. وإنما أراد جل ثناؤه بذلك أن الله عز وجل أرحم بعباده من أن يضيع لهم طاعة أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها، وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم. أي ولا تأسوا على موتاكم الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس، فإني لهم على طاعتهم إياي بصلاتهم التي صلوها كذلك مثيب، لاني أرحم بهم من أن أضيع لهم عملا عملوه لي. ولا تحزنوا عليهم، فإني غير مؤاخذهم بتركهم الصلاة إلى الكعبة، لاني لم أكن فرضت ذلك عليهم، وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله. وفي الرؤوف لغات: إحداها رؤف على مثال فعل كما قال الوليد بن عقبة: وشر الطالبين ولا تكنه بقاتل عمه الرؤف الرحيما
[ 28 ]
وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة. والاخرى رءوف على مثال فعول، وهي قراءة عامة قراء المدينة. ورئف، وهي لغة غطفان، على مثال فعل مثل حذر. ورأف على مثال فعل بجزم العين، وهي لغة لبني أسد، والقراءة على أحد الوجهين الاولين. القول في تأويل قوله تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان أتوا الكتب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغفل عما يعملمون) * يعني بذلك جل ثناؤه: قد نرى يا محمد نحن تقلب وجهك في السماء. ويعني بالتقلب: التحول والتصرف. ويعني بوقوله: * (في السماء) * نحو السماء وقبلها. وانما قيل له ذلك صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا، لانه كان قبل تحويل قبلته من بيت المقدس الى الكعبة يرفع بصره إلى السماء ينتظر من الله جل ثناؤه أمره بالتحويل نحو الكعبة. كما: 1844 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن قتاده في قوله: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * قال: كان صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء يحب أن يصرفه الله عز وجل إلى الكعبة حتى صرفه الله إليها. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * فكان نبى الله صلى الله يصلى نحو بيت المقدس، يهوى ويشتهي القبلة نحو البيت الحرام، فوجهه الله جل ثناؤه لقبلة كان يهواها ويشتهيها. 1845 - حدثنا المثنى، قال: حدثنى إسحاق، قال: حدثني ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * يقول: نظرك في السماء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في الصلاة وهو يصلي نحو بيت المقدس، وكان يهوى قبلة البيت الحرام، فولاه الله قبلة كان يهواها. 1846 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا اسباط، عن السدي، قال: كان الناس يصلون قبل بيت المقدس، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على رأس ثمانية عشر شهران من مهاجره، كان إذا رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر، وكان
[ 29 ]
يصلي قبل بيت المقدس. فنسخها الكعبة، فكان النبي صلى الله عليه وآله يحب أن يصلي قبل الكعبة، فأنزل الله جل ثناؤه: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء) * الاية. ثم اختلف في السبب الذي من أجله كان صلى الله عليه وسلم يهوى قبلة الكعبة. قال بعضهم: كره قبلة بيت المقدس، من أجل ان اليهود قالوا: يتبع قبلتنا ويخالفنا في ديننا. ذكر من قال ذلك: 1847 - حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريح، عن مجاهد، قال قالت اليهود: يخالفنا محمد، ويتبع قبلتنا ! فكان يدعو الله جل ثناؤه، ويستفرض (1) للقبلة، فنزلت: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة تررضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) وانقطع قول يهود: يخالفنا ويتبع قبلتنا ؟ في صلاة الظهر (2)، فجعل الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال. 1848 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعته، يعنى ابن زيد يقول: قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هؤلاء يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله " لبيت المقدس " لو أنا استقبلناه "، فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا، فبلغه أن يهود تقول: والله ما درى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم، فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع وجهه إلى السماء، فقال الله جل ثناؤه: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة، ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) الاية. وقال آخرون: بل كان يهوى ذلك من أجل أنه كان قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام. ذكر من قال ذلك: 1849 - حدثني المثني، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعوا وينظر إلى السماء، فأنزل الله عز وجل: (قد نرى تقلب وجهك في السماء)... الاية. (1) يستقرض للقبلة: أي يطلب من الله تعالى إنزال فرضها. (2) قوله: " في صلاة الظهر " متعلق بقوله: " فنزلت " (*).
[ 30 ]
فأما قوله: (فلنولينك قبلة ترضاها) فإنه يعني: فلنصرفنك عن بيت المقدس إلى قبلة ترضاها، تهواها وتحبها. وأما قوله: (فول وجهك) يعني اصرف وجهك وحوله. وقله: (شطر المسجد الحرام) يعنى بالشطر: النحو والقصد والتلقاء، كما قال الهذلى: إن العسير بها داء مخامرها * * فشطرها نظر العينين محسور (1) يعني بقوله شطرها: نحوها. وكما قال ابن أحمر: تعدوا بنا شطر جمع وهي عاقدة * * قد كارب العقد من إيفادها الحقباء (2) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 1850 - حدثني سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن داود بن أبي هند، عن ابن أبي العالية: (شطر المسجد الحرام) يعني تلقاء. 1851 - وحدثني المثني، قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (شطر المسجد الحرام) نحوه. 1852 - حدثنا محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) نحوه. * - حدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 31 ]
1853 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) أي تلقاء المسجد الحرام. * - حدثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: نحو المسجد الحرام. 1854 - حدثنى المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) أي تلقاءه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه قال: شطره: نحوه. 1855 - حدثنى المثني، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء: (فولوا وجوهكم شطره) قال: قبله. 1856 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (شطره) ناحيته جانبه، قال: وجوانبه: شطوره. ثم اختلفوا في المكان الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يولي وجهه إليه من المسجد الحرام. فقال بعضهم: القبلة التي حول إليها النبي صلى الله عليه وسلم وعناها الله تعالى ذكره بقوله: (فلنولينك قبلة ترضاها) حيال ميزال الكعبة، ذكر من قال ذلك: 1857 - حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثنا عثمان، قال: أنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن يحيى بن قمطة (1)، عن عبد الله بن عمرو: (فلنولينك قبلة ترضاها) حيال ميزاب الكعبة (2). 1858 - وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن يحيى بن قمطة، قال: رأيت عبد الله بن عمرو جالسا في المسجد الحرام بإزاء الميزاب، وتلا هذه الاية: (فلنولينك قبلة ترضاها) قال: هذه القبلة هي هذه القبلة.
[ 32 ]
1859 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم بإسناده عن عبد الله بن عمرو ونحوه، إلا أنه قال: استقبل الميزاب فقال: هذا القبلة التي قال الله لنبيه: (فلنولينك قبلة ترضاها). وقال آخرون: بل ذلك البيت كله قبلة، وقبلة البيت الباب. ذكر من قال ذلك: 1860 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: البيت كله قبلة، وهذه قبلة البيت، يعني التي فيها الباب. والصواب من القول في ذلك عندي ما قال الله جل ثناؤه: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) فالمولى وجهه شطر المسجد الحرام هو المصيب القبلة. وإنما على من توجه إليه النية بقلبه أنه إليه متوجه، كما أن على من ائتم بإمام فإنما عليه الائتمام بن وإن لم يكن محاذيا بدنه بدنه، وإن كان في طرف الصف والامام في طرف آخر عن يمينه أو عن يساره، بعد أن يكون من خلفه مؤتما به مصليا إلى الوجه الذي يصلي إليه الامام. فكذلك حكم القبلة، وإن لم يكن يحاذيها كل مصل ومتوجه إليها ببدنه غير أنه متوجه إليها، فإن كان عن يمينها أو عن يسارها مقابلها فهو مستقبلها بعد ما بينه وبينها، أو قرب من عن يمينها أو عن يسارها بعد أن يكون غير مستدبرها ولا منحرف عنها ببدنه ووجهه. كما: 1861 - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عميرة بن زياد الكندي، عن علي: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: شطره قبله (1). قال أبو جعفر: وقبلة البيت: بابه. كما: 1862 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، والفضل بن الصباح، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء قال: قال أسامة بن زيد: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من البيت أقبل بوجهه إلى الباب فقال: " هذه القبلة، هذه القبلة " (2). 1863 - حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا: ثنا جرير، عن عبد الملك بن أبي
[ 33 ]
سليمان، عن عطاء، قال: حدثني أسامة بن زيد، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من البيت، فصلى ركعتين مستقبلا بوجهه الكعبة، فقال: " هذه القبلة " مرتين (1). * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الملك، عن عطاء، عن أسامة بن زيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه. 1864 - حدثنا سعيد بن يحيى الامولى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: سمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف، وتؤمروا بدخوله. قال: لم يكن ينهى عن دخوله، ولكني سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل القبلة ركعتين وقال: " هذه القلة " (2). قال أبو جعفر: فأخبر صلى الله عليه وسلم أن البيت هو القبلة، وأن قبلة البيت بابه. القول في تأويل قوله تعالى: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره). يعنى جل ثناؤه بذلك: فأينما كنتم من الارض أيها المؤمنون فحولوا وجوهكم في صلاتكم نحو المسجد الحرام وتلقاءه. والهاء التي في " شطره " عائدة إلى المسجد الحرام. فأوجب جل ثناؤه بهذه الاية على المؤمنين فرض التوجه نحو المسجد الحرام في صلاتهم حيث كانوا من أرض الله تبارك وتعالى. وأدخلت الفاء في قوله: (فولوا) جوابا للجزاء وذلك أن قوله: (حيثما كنتم) جزاء، ومعناه: حيثما تكونوا فولوا وجوهكم شطره. القول في تأويل قوله تعالى: (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم). يعني بقوله جل ثناؤه: وإن الذين أوتوا الكتاب أحبار اليهود وعلماء النصارى. وقد قيل إنما عنى بذلك اليهود خاصة. ذكر من قال ذلك 1865 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (وإن الذين أوتوا الكتاب) أنزل ذلك في اليهود، وقوله: (ليعلمون أنه الحق من ربهم) يعني هؤلاء الاحبار والعلماء من أهل الكتاب، يعلمون أن التوجه نحو المسجد الحق الذي فرضه الله عز وجل على إبراهيم وذريته وسائر عباده بعده.
[ 34 ]
* (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين) * يعني بذلك تبارك اسمه: ولئن جئت يا محمد اليهود والنصارى بكل برهان وحجة وهي الآية بأن الحق هو ما جئتهم به من فرض التحول من قبلة بيت المقدس في الصلاة إلى قبلة المسجد الحرام، ما صدقوا به ولا اتبعوا مع قيام الحجة عليهم بذلك قبلتك التي حولتك إليها وهي التوجه شطر المسجد الحرام. وأجيبت لئن بالماضي من الفعل وحكمها الجواب بالمستقبل تشبيها لها ب لو، فأجيبت بما تجاب به لو لتقارب معنييهما وقد مضى البيان عن نظير ذلك فيما مضى. وأجيبت لو بجواب الايمان، ولا تفعل العرب ذلك إلا في الجزاء خاصة لان الجزاء مشابه اليمين في أن كل واحد منهملا يتم أوله إلا بآخره، ولا يتم وحده، ولا يصح إلا بما يؤكد به بعده، فلما بدأ باليمين فأدخلت على الجزاء صارت اللام الاولى بمنزلة يمين، والثانية بمنزلة جواب لها، كما قيل: لعمرك لتقومن، إذ كثرت اللام من لعمرك حتى صارت كحرف من حروفه، فأجيب بما يجاب به الايمان، إذ كانت اللام تنوب في الايمان عن الايمان دون سائر الحروف غير التي هي أحق به الايمان، فتدل على الايمان وتعمل عم الاجوبة، ولا تدل سائر أجوبة الايمان لنا على الايمان فشبهت اللام التي في جواب الايمان بالايمان لما وصفنا، فأجيبت بأجوبتها. فكان معنى الكلام إذ كان الامر على ما وصفنا: لو أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك.
[ 35 ]
وأما قوله: وما أنت بتابع قبلتهم يقول: وما لك من سبيل يا محمد إلى اتباع قبلتهم، وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها، وأن النصارى تستقبل المشرق، فأنى يكون لك السبيل إلى اتباع قبلتهم مع اختلاف وجوهها. يقول: فالزم قبلتك التي أمرت بالتوجه إليها، ودع عنك ما تقوله اليهود والنصارى، وتدعوك إليه من قبلتهم واستقبالها. وأما قوله: وما بعضهم بتابع قبلة بعض فإنه يعني بقوله: وما اليهود بتابعة قبلة النصارى، ولا النصارى بتابعة قبلة اليهود فمتوجهة نحوها. كما: 1866 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وما بعضهم بتابع قبلة بعض يقول: ما اليهود بتابعي قبلة النصارى، ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود. قال: وإنما أنزلت هذه الآية من أجل أن النبي (ص) لما حول إلى الكعبة، قالت اليهود: إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر فأنزل الله عز وجل فيهم: وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم إلى قوله: ليكتمون الحق وهم يعلمون. 1867 - حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: وما بعضهم بتابع قبلة بعض مثل ذلك. وإنما يعني جل ثناؤه بذلك أن اليهود والنصارى لا تجتمع على قبلة واحدة مع إقامة كل حزب منهم على ملتهم، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا محمد لا تشعر نفسك رضا هؤلاء اليهود والنصارى، فإنه أمر لا سبيل إليه، لانهم مع اختلاف مللهم لا سبيل لك إلى إرضاء كل حزب منهم، من أجل أنك إن اتبعت قبلة اليهود أسخطت النصارى، وإن اتبعت قبلة النصارى أسخطت اليهود، فدع ما لا سبيل إليه، وادعهم إلى ما لهم السبيل إليه من الاجتماع على ملتك الحنيفية المسلمة، وقبلتك قبلة إبراهيم والانبياء من بعده. القول في تأويل قوله تعالى: ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين. يعني بقوله جل ثناؤه: ولئن اتبعت أهواءهم: ولئن التمست يا محمد رضا هؤلاء
[ 36 ]
اليهود والنصارى الذين قالوا لك ولاصحابك: كونوا هودا أو نصارى تهتدوا فاتبعت قبلتهم يعني فرجعت إلى قبلتهم. ويعني بقوله: من بعد ما جاءك من العلم من بعد ما وصل إليك من العلم بإعلامي إياك أنهم مقيمون على باطل وعلى عناد منهم للحق، ومعرفة منهم أن القبلة التي وجهتك إليها هي القبلة التي فرضت على أبيك إبراهيم عليه السلام وسائر ولده من بعده من الرسل التوجه نحوها إنك إذا لمن الظالمين يعني أنك إذا فعلت ذلك من عبادي الظلمة أنفسهم، المخالفين أمري، والتاركين طاعتي، وأحدهم وفي عدادهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) * يعني جل ثناؤه بقوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه أحبار اليهود وعلماء النصارى. يقول: يعرف هؤلاء الاحبار من اليهود والعلماء من النصارى أن البيت الحرام قبلتهم وقبلة إبراهيم وقبلة الانبياء قبلك، كما يعرفون أبناءهم. كما: 1868 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم يقول: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة. 1869 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قول الله عز وجل: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم يعني القبلة. * - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم عرفوا أن قبلة البيت الحرام هي قبلتهم التي أمروا بها، كما عرفوا أبناءهم.
[ 37 ]
1870 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم يعني بذلك الكعبة البيت الحرام. 1871 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم يعرفون الكعبة من قبلة الانبياء، كما يعرفون أبناءهم. 1872 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم قال: اليهود يعرفون أنها هي القبلة مكة. 1873 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج في قوله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم قال: القبلة والبيت. القول في تأويل قوله تعالى: وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون يقول جل ثناؤه: وإن طائفة من الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى. وكان مجاهد يقول: هم أهل الكتاب. 1874 - حدثني محمد بن عمرو يعني الباهلي، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بذلك. 1875 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، مثله. 1876 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، مثله. قال أبو جعفر: وقوله: ليكتمون الحق وذلك الحق هو القبلة التي وجه الله عز وجل إليها نبيه محمدا (ص)، يقول: فول وجهك شطر المسجد الحرام التي كانت الانبياء من قبل محمد (ص) يتوجهون إليها. فكتمتها اليهود والنصارى، فتوجه بعضهم شرقا وبعضهم نحو بيت المقدس، ورفضوا ما أمرهم الله به، وكتموا مع ذلك أمر محمد (ص)، وهم
[ 38 ]
يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل. فأطلع الله عز وجل محمدا (ص) وأمته على خيانتهم الله تبارك وتعالى، وخيانتهم عباده، وكتمانهم ذلك، وأخبر أنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك على علم منهم بأن الحق غيره، وأن الواجب عليهم من الله جل ثناؤه خلافه فقال: ليكتمون الحق وهم يعلمون أن ليس لهم كتمانه، فيتعمدون معصية الله تبارك وتعالى. كما: 1877 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون فكتموا محمدا (ص). 1878 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ليكتمون الحق وهم يعلمون قال: يكتمون محمدا (ص) وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل. 1879 - حدثنا المثنى قال: ثنا إسحاق بن الحجاج، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: وإن فريقامنهم ليكتمون الحق وهم يعلمون يعني القبلة. القول في تأويل قوله تعالى: * الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * يقول الله جل ثناؤه: اعلم يا محمد أن الحق ما أعلمك ربك وأتاك من عنده، لا ما يقول لك اليهود والنصارى. وهذا من الله تعالى ذكره خبر لنبيه عليه الصلاة والسلام عن أن القبلة التي وجهه نحوها هي القبلة الحق التي كان عليها إبراهيم خليل الرحمن، ومن بعده من أنبياء الله عز وجل. يقول تعالى ذكره له: فاعمل بالحق الذي أتاك من ربك يا محمد ولا تكونن من الممترين، يعني بقوله: فلا تكونن من الممترين أي فلا تكونن من الشاكين في أن القبلة التي وجهتك نحوها قبلة إبراهيم خليلي عليه السلام وقبلة الانبياء غيره. كما: 1880 - حدثني المثنى، قال: حدثني إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: قال الله تعالى ذكره لنبيه عليه الصلاة والسلام: الحق من ربك فلا تكونن من الممترين يقول: لا تكن في شك أنها قبلتك وقبلة 1881 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الانبياء من قبلك فلا تكونن من الممترين قال: من الشاكين قال: لا تشكن في ذلك. والممتري: مفتعل من المرية، والمرية هي الشك، ومنه قول الاعشى:
[ 39 ]
تدر على أسؤق الممتري ين ركضا إذا ما السراب ارجحن فإن قال لنا قائل: أو كان النبي (ص) شاكا في أن الحق من ربه، أو في أن القبلة التي وجهه الله إليها حق من الله تعالى ذكره حتى نهي عن الشك في ذلك فقيل له: فلا تكونن من الممترين ؟ قيل: ذلك من الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الامر أو النهي للمخاطب به والمراد به غيره، كما قال جل ثناؤه: يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ثم قال: واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا فخرج الكلام مخرج الامر للنبي (ص) والنهي له، والمراد به أصحابه المؤمنون به. وقد بينا نظير ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير) * يعني بقوله تعالى ذكره: ولكل أهل ملة، فحذف أهل الملة واكتفى بدلالة الكلام عليه. كما: 1882 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: ولكل وجهة قال: لكل صاحب ملة. 1883 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن
[ 40 ]
الربيع: ولكل وجهة هو موليها فلليهود وجهة هو موليها وللنصارى وجهة هو موليها، وهداكم الله عز وجل أنتم أيتها الامة للقبلة التي هي قبلته. 1884 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: ولكل وجهة هو موليها ؟ قال: لكل أهل دين اليهود والنصارى. قال ابن جريج: قال مجاهد: لكل صاحب ملة. 1885 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولكل وجهة هو موليها قال لليهود قبلة، وللنصارى قبلة، ولكم قبلة. يريد المسلمين. 1886 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ولكل وجهة هو موليها يعني بذلك أهل الاديان، يقول: لكل قبلة يرضونها، ووجه الله تبارك وتعالى اسمه حيث توجه المؤمنون وذلك أن الله تعالى ذكره قال: فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم. 1887 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولكل وجهة هو موليها يقول: لكل قوم قبلة قد ولوها. فتأويل أهل هذه المقالة في هذه الآية: ولكل أهل ملة قبلة هو مستقبلها ومول وجهه إليها. وقال آخرون بما: 1888 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة: ولكل وجهة هو موليها قال: هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة. وتأويل قائل هذه المقالة: ولكل ناحية وجهك إليها ربك يا محمد قبلة الله عز وجل موليها عباده. وأما الوجهة فإنها مصدر مثل القعدة والمشية من التوجه، وتأويلها: متوجه يتوجه إليها بوجهه في صلاته. كما: 1889 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وجهة قبلة. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
[ 41 ]
1890 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ولكل وجهة قال: وجه. 1891 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وجهة: قبلة. 1892 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، قال قلت لمنصور: ولكل وجهة هو موليها قال: نحن نقرؤها: ولكل جعلنا قبلة يرضونها. وأما قوله: هو موليها فإنه يعني: هو مول وجهه إليها مستقبلها. كما: 1893 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: هو موليها قال: هو مستقبلها. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. ومعنى التولية ههنا الاقبال، كما يقول القائل لغيره: انصرف إلي، بمعنى أقبل إلي والانصراف المستعمل إنما هو الانصراف عن الشئ، ثم يقال: انصرف إلى الشئ بمعنى أقبل إليه منصرفا عن غير. وكذلك يقال: وليت عنه: إذا أدبرت عنه، ثم يقال: وليت إليه بمعنى أقبلت إليه موليا عن غيره. والفعل، أعني التولية في قوله: هو موليها لل كل وهو التي مع موليها هو الكل وحدت للفظ الكل. فمعنى الكلام إذا: ولكل أهل ملة وجهة، الكل منهم مولوها وجوههم. وقد روي عن ابن عباس وغيره أنهم قرأوا: هو مولاها بمعنى أنه موجه نحوها، ويكون الكلام حينئذ غير مسمى فاعله، ولو سمي فاعله لكان الكلام: ولكل ذي ملة وجهة الله موليه إياها، بمعنى موجهه إليها. وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك: ولكل وجهة بترك التنوين والاضافة. وذلك لحن، ولا تجوز القراءة به، لان ذلك إذا قرئ كذلك كان الخبر غير تام، وكان كلاما لا معنى له، وذلك غير جائز أن يكون من الله جل ثناؤه. والصواب عندنا من القراءة في ذلك: ولكل وجهة هو موليها بمعنى: ولكل وجهة وقبلة، ذلك الكل مول وجهه نحوها، لاجماع الحجة من القراء على قراءة ذلك
[ 42 ]
كذلك وتصويبها إياها، وشذوذ من خالف ذلك إلى غيره. وما جاء به النقل مستفيضا فحجة، وما انفرد به من كان جائزا عليه السهو والخطأ فغير جائز الاعتراض به على الحجة. القول في تأويل قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات. يعني تعالى ذكره بقوله: فاستبقوا فبادروا وسارعوا، من الاستباق، وهو المبادرة والاسراع. كما: 1894 - حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: فاستبقوا الخيرات يعني فسارعوافي الخيرات. وإنما يعني بقوله: فاستبقوا الخيرات أي قد بينت لكم أيها المؤمنون الحق وهديتكم للقبلة التي ضلت عنها اليهود والنصارى وسائر أهل المل غيركم، فبادروا بالاعمال الصالحة شكرا لربكم، وتزودوا في دنياكم لاخراكم، فإني قد بينت لكم سبيل النجاة فلا عذر لكم في التفريط، وحافظوا على قبلتكم، ولا تضيعوها كما ضيعها الامم قبلكم فتضلوا كما ضلت كالذي: 1895 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فاستبقوا الخيرات يقول: لا تغلبن على قبلتكم. 1896 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فاستبقوا الخيرات قال: الاعمال الصالحة. هالقول في تأويل قوله تعالى: أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير. ومعنى قوله: أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا في أي مكان وبقعة تهلكون فيه يأت بكم الله جميعا يوم القيامة، إن الله على كل شئ قدير. كما: 1897 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يقول: أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يوم القيامة. 1898 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يعني يوم القيامة. وإنما حض الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية على طاعته والتزود في الدنيا للآخرة، فقال جل ثناؤه لهم: استبقوا أيها المؤمنون إلى العمل بطاعة ربكم، ولزوم ما هداكم له من قبلة إبراهيم خليله وشرائع دينه، فإن الله تعالى ذكره يأتي بكم وبمن خالف قبلتكم ودينكم وشريعتكم جميعا يوم القيامة من حيث
[ 43 ]
كنتم من بقاع الارض، حتى يوفى المحسن منكم جزاءه بإحسانه، والمسئ عقابه بإساءته، أو يتفضل فيصفح. وأما قوله: إن الله على كل شئ قدير فإنه تعالى ذكره يعني أن الله تعالى على جمعكم بعد مماتكم من قبوركم من حيث كنتم وعلى غير ذلك مما يشاء قدير، فبادروا خروج أنفسكم بالصالحات من الاعمال قبل مماتكم ليوم بعثكم وحشركم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون) * يعني جل ثناؤه بقوله: ومن حيث خرجت ومن أي موضع خرجت إلى أي موضع وجهت فول يا محمد وجهك، يقول: حول وجهك. وقد دللنا على أن التولية في هذا الموضع شطر المسجد الحرام، إنما هي الاقبال بالوجه نحوه وقد بينا معنى الشطر فيما مضى. وأما قوله: وإنه للحق من ربك فإنه يعني تعالى ذكره: وإن التوجه شطره للحق الذي لا شك فيه من عند ربك، فحافظوا عليه، وأطيعوا الله في توجهكم قبله. وأما قوله: وما الله بغافل عما تعملون فإنه يقول: فإن الله تعالى ذكره ليس بساه عن أعمالكم ولا بغافل عنها، ولكنه محصيها لكم حتى يجازيكم بها يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون) * يعني جل ثناؤه بقوله: ومن حيث خرجت ومن أي موضع خرجت إلى أي موضع وجهت فول يا محمد وجهك، يقول: حول وجهك. وقد دللنا على أن التولية في هذا الموضع شطر المسجد الحرام، إنما هي الاقبال بالوجه نحوه وقد بينا معنى الشطر فيما مضى. وأما قوله: وإنه للحق من ربك فإنه يعني تعالى ذكره: وإن التوجه شطره للحق الذي لا شك فيه من عند ربك، فحافظوا عليه، وأطيعوا الله في توجهكم قبله. وأما قوله: وما الله بغافل عما تعملون فإنه يقول: فإن الله تعالى ذكره ليس بساه عن أعمالكم ولا بغافل عنها، ولكنه محصيها لكم حتى يجازيكم بها يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة الا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون) * يعني بقوله تعالى ذكره: * (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام) *: من اي مكان وبقعة شخصت فخرجت يا محمد، فول وجهك تلقاء المسجد
[ 44 ]
الحرام، وهو شطره. يعني بقوله: * (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم) * واينما كنتم ايها المؤمنون من ارض الله فولوا وجوهكم في صلاتكم تجاهه وقبله. قصده. اللقول في تأويل قوله تعالى: * (للئلا يكون للناس عليكم حجة الا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني) * فقال جماعة من اهل التأويل: عنى الله تعالى بالناس في قوله: * (لئلا يكون للناس) * أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك: 1899 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال ثنا سعيد، عن قتادة قوله: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة) * يعني بذلك ااهل الكتاب، قالوا حين صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم الى الكعبة البيت الحرام: اشتاق الرجل الى بيت البيه وذين قومه. 1900 - حدثني المثنى، قال: ثنا اسحاق، قال: ثنا ابن ابي جعفر، عن ابيه، عن الربيع في قوله: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة) * يعني بذلك اهل الكتاب، قالوا حين صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم الى الكعبة اشتاق الرجل الى بيت ابيه ودين قومه. فان قال قائل: فاية حجة كانت لاهل الكتاب بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟ قيل: قد ذكرنا فيما مضى ما روي في ذلك، قيل إنهم كانوا يقولون: ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن، وقولهم: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا ! فهي الحجة التي كانوا يحتجون بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على وجه الخصومة منهم لهم، والتمويه منهم بها على الجهال وأهل العناد من المشركين. وقد بينا فيما مضى أن معنى حجاج القوم إياه الذي ذكره الله تعالى ذكره في كتابه انما هي الخصومات والجدل، فقطع الله جل ثناؤه ذلك من حجتهم وحسمه بتحويل قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به من قبلة اليهود إلى قبلة خليله إبراهيم عليه السلام، وذلك هو معنى قول الله جل ثناؤه: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة) * يعني بالناس: الذين كانوا يحتجون عليهم بما وصفت. وأما قوله: * (إلا الذين ظلموا منهم) * فإنهم مشركو العرب من قريش فيما تأوله أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 1901 - حدثنى محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: * (إلا الذين ظلموا منهم) * قوم محمد صلى الله عليه وسلم.
[ 45 ]
1902 - حدثنى موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي، قال: هم المشركون، من أهل مكة. 1903 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (إلا الذين ظلموا منهم) * يعني مشركي قريش. 1904 - حدثنا الحسن بن يحيي، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (إلا الذين ظلموا منهم) * قال: هم مشركو العرب. 1905 - حدثنا بشر بن معاذ، قال ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: * (إلا الذين ظلموا منهم) * والذين ظلموا مشركو قريش. 1906 - حدثنا القاسم، ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريح، قال: قال عطاء: هم مشركو قريش. قال ابن جريح: وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول مثل قول عطاء. فإن قال قائل، وأية حجة كانت لمشركي قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في توجههم في صلاتهم إلى الكعبة ؟ وهل يجوز أن يكون للمشركين على المؤمنين حجة فيما أمرهم الله تعالى ذكره به أو نهاهم عنه ؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت وذهبت إليه، وإنما الحجة في هذا الموضع الخصومة والجدال. ومعنى الكلام: لئلا يكون لاحد من الناس عليكم خصومة ودعوى باطلة، غير مشركي قريش، فإن لهم عليكم دعوى باطلة وخصومة بغير حق بقيلهم لكم: رجع محمد إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا. فذلك من قولهم وأمانيهم الباطلة هي الحجة التي كانت لقريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه، ومن أجل ذلك استثنى الله تعالى ذكره الذين ظلموا من قريش من سائر الناس غيرهم، إذ نفى أن يكون لاحد منهم في قبلتهم التي وجههم إليها حجة. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 1907 - حدثني محمد بن عمرو، قال ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) * قوم محمد صلى الله عليه وسلم، قال مجاهد: يقول: حجتهم، قولهم: قد راجعت قبلتنا. * - حدثني المثنى، قال ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن ابي نجيح، عن مجاهد مثله، إلا أنه قال قولهم: قد رجعت إلى قبلتنا.
[ 46 ]
* - حدثنا الحسن بن يحيي قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن قتادة وابن أبي، نجيح في قوله: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) * قالا: هم مشركو العرب، قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع ألى دينكم. قال الله عز وجل، * (فلا تخشوهم واخشوني) * 1908 - حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد عن سعيد عن قتادة قوله: * (الا الذين ظلموا منهم) * والذين ظلموا مشركو قريش، يقول: إنهم سيحتجون عليكم بذلك، فكانت حجتهم على نبي الله صلى الله عليه وسلم بانصرافه إلى البيت الحرام أنهم قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك كله (1). 1909 - حدثنا المثنى، ثنا إسحاق ابن جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. 1910 - حدثنى موسى بن هارون، قال ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي فيما يذكر عن ابى مالك، وعن أبى صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لما صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة: تحير على محمد دينه، فتوجه بقبلته إليكم، وعلم أنكم كنتم أهدى منه سبيلا، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل الله جل ثناؤه فيهم: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فال تخشوهم واخشوني) * 1911 - حدثنا القاسم، قال: حدثني الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريح قال: قلت لعطاء: قوله: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) * ؟ قال: قالت قريش لما رجع إلى الكعبة وأمر بها: ما كان يستغني عنا قد استقبل قبلتنا. فهي حجتهم، وهم الذين ظلموا. قال ابن جريح: وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول مثل قول عطاء، فقال مجاهد: حجتهم: قولهم رجعت إلى قتلتنا. فقد أبان تأويل من ذكرنا تأويله من أهل التأويل قوله: * (إلا الذين ظلموا منهم) * عن
[ 47 ]
صحة ما قلنا في تأويله وأنه استثناء على معنى الاستثناء المعروف الذى يثبت فيهم لما بعد حرف الاستثناء ما كان منفيا عما قبلهم، كما أن قول القائل: (ما سار من النس احد الا أخوك) إثبات للاخ من السير ما هو منفي عن كل احد من الناس، فكذلك قوله: * (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) * نفى عن ان يكون لاحد خصومة وجدل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوى باطلة عليه وعلى اصحابه بسبب توجههم في صلاتهم قبل الكعبة، إلا الذين ظلموا انفسهم من قريش، فإن لهم قبلهم خصومة ودعوى باطلة بان يقولوا: إنما توجهتم إلينا وإلى قبلتنا لانا كنا اهدى سبيلا، وأنكم كنتم بتوجهكم نحو بيت المقدس على ضلال وباطل. وإذ كان ذلك معنى الاية بإجماع الحجة من أهل التأويل، فبين خطأ قول من زغم أن معنى قوله: (إلا الذين ظلموا منهم): ولا الذين ظلموا منهم، وأن " إلا " بمعنى الواو، لان ذلك لو كان معناه لكان النفي الاول عن جميع الناس أن يكونه لهم حجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تحولهم نحو الكعبة بوجوههم مبينا عن المعنى المراد، ولم يكن في ذكر قوله بعد ذلك: (إلا الذين ظلموا منهم) إلا التلبيس الذى يتعالى عن أن يضاف إليه، أو يوصف به. هذا مع خروج معنى الكلام - إذا وجهت " إلا " ألى معنى الواو، ومعنى العطف - من كلام العرب، وذلك أنه غير موجودة إلا في شئ من كلامها بمعني الواو إلا مع استثناء سابق قد تقدمها، كقول القائل: سار القوم إلا عمرا إلا أخاك، بمعنى: إلا عمرا وأخاك، فتكون " إلا " حينئذ مؤدية عما تؤدى عنه الواو لتعلق " إلا " الثانية ب " إلا " آلاولى، ويجمع فيها أيضا بين " إلا " والواو، فيقال: سار القوم إلا عمار وإلا أخاك، فتحذف إحداهما فتنوب الاخرى عنها، فيقال: سار القوم إلا عمرا وأخاك، أو إلا عمرا إلا أخاك، لما وصفنا قبل، وإذ كان ذلك كذلك فغير جائز لمدع من الناس أن يدعي أن " إلا " في هذا الموضع بمعنى الواو التي تأتي بمعنى العطف. وواضح فساد قول من زعم أن معنى ذلك: إلا الذين ظلموا منهم فإنهم لا حجة لهم فلا تخشوهم، كقول القائل في كلامه: الناس كلهم لك حامدون إلا الظالم المعتدي عليك، فإن ذلك لا يعتد بعداوته ولا بتركه الحمد لموضع العداوة. وكذلك الظالم لا حجة له، وقد سمي ظالما، لاجماع (1) جميع أهل التأويل على تخطئة ما ادعي من التأويل في ذلك. وكفى شاهدا على خطأ مقالته إجماعهم على تخطئتها، وظاهر بطلان قول من زعم أن الذين ظلموا ههنا ناس من العرب كانوا يهودا ونصارى، فكانوا يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم، فأما سائر العرب فلم تكن لهم
[ 48 ]
حجة، وكانت حجة من يحتج منكسرة، لانك تقول لمن تريد أن تكسر عليه حجته: إن لك علي حجة، ولكنها منكسرة، وإنك لتحتج بلا حجة، وحجتك ضعيفة. ووجه معنى: (إلا الذين ظلموا منهم) إلى معنى: إلا الذين ظلموا منهم من أهل الكتاب، فإن لهم عليكم حجة واهية أو حجة ضعيفة. ووهي قول من قال: " إلا " في هذا الموضع بمعنى " لكن "، وضعف قول من زعم أنه ابتداء بمعني: إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم، لان تأويل أهل التأويل جاء في ذلك بأن ذلك من الله عز وجل خبر عن الذين ظلموا منهم أنهم يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما قد ذكرنا، ولم يقصد في ذلك إلى الخبر عن صفة حجتهم بالضعف ولا بالقوة وإن كانت ضعيفة لانها باطلة وإنما قصد فيه الاثبات للذين ظلموا ما قد نفى عن الذين قبل حرف الاستثناء من الصفة. 1912 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: قال الربيع: إن يهوديا خاصم أبا العالية فقال: إن موسى عليه السلام كان يصلي إلى صخرة بيت المقدس، فقال أبو العالية: كان يصلي عند الصخرة إلى البيت الحرام، قال: قال: فبيني وبينك مسجد صالح، فإنه نحته من الجبل. قال أبو العالية: قد صليت فيه وقبلته إلى البيت الحرام. قال الربيع: وأخبرني أبو العالية أنه مر على مسجد ذي القرنين وقبلته إلى الكعبة. وأما قوله: (فلا تخشوهم واخشوني) يعني فلا خشوا هؤلاء الذين وصفت لكن أمرهم من الظلمة في حجتهم وجد الهمه وقولهم ما يقولون من أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، أو أن يقدروا لكم على ضر في دينكم أو صدكم عما هداكم الله تعالى ذكره له من الحق، ولكن اخشوني، فخافوا عقابي في خلافكم أمري إن خالفتموه. وذلك من الله جل ثناؤه تقدم (1) إلى عباده المؤمنين بالحض على لزوم قبلتهم والصلاة إليها، وبالنهي عن التوجه إلى غيرها. يقول جل ثناؤه: واخشوني أيها المؤمنون في ترك طاعتي فيما أمرتكم به من الصلاة شطر المسجد الحرام. وقد حكي عن السدي في ذلك ما: 1913 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي: (فلا تخشوهم واخشوني) يقول: لا تخشوا أن أردكم في دينهم القول في تأويل قوله تعالى: (ولا تم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون).
[ 49 ]
يعني بقوله جل ثناؤه: * (ولاتم نعمتي عليكم) *: ومن حيث خرجت من البلاد والارض الى أي بقعة شخصت فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث كنت يا محمد والمؤمنون، فولوا وجوهكم في صلاتكم شطره، واتخذواه قبلة لكم، كيلا يكون لاحد من الناس سوى مشركي قريش حجة، ولاتم بذلك من هدايتي لكم الى قبلة خليلي ابراهيم عليه السلام الذي جعلته اماما للناس نعمتي فاكمل لكم به فضلي عليكم، واتمم به شرائع ملتكم الحنيفية المسلمة التي وصيت بها نوحا وابراهيم وموسى وعيسى وسائر الانبياء غيرهم. وذلك هو نعمته التى أخبر جل ثناءه انه متمها على رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به من اصحابه. وقوله: * (ولعلكم تهتدون) * يعني: وكي ترشدوا للصواب من القبلة. * (ولعلكم) * عطف على قوله، * (ولاتم نعمتي عليكم) * * (ولاتم نعمتي عليكم) * عطف على قوله * (لئلا يكون) *. القول في تأويل قوله تعالى: * (كمآ أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) * يعني بقوله جل ثناؤه: كما أرسلنا فيكم رسولا ولاتم نعمتي عليكم ببيان شرائع ملتكم الحنيفية، وأهديكم لدين خليلي إبراهيم عليه السلام، وأجعل لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها فقال: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم كما جعلت لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها، فقال: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم فابتعثت منكم رسولي الذي سألني إبراهيم خليلي وابنه إسماعيل أن أبعثه من ذريتهما. ف كما إذ كان ذلك معنى الكلام صلة لقول الله عز وجل: ولاتم نعمتي عليكم ولا يكون قوله: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم متعلقا بقوله: فاذكروني أذكركم. وقد قال قوم: إن معنى ذلك: فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم. وزعموا أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير، فأغرقوا النزع، وبعدوا من الاصابة،
[ 50 ]
وحملوا الكلام على غير معناه المعروف وسوى وجهه المفهوم. وذلك أن الجاري من الكلام على ألسن العرب المفهوم في خطابهم بينهم إذا قال بعضهم لبعض: كما أحسنت إليك يا فلان فأحسن أن لا يشترطوا للآخر، لان الكاف في كما شرط معناه: افعل كما فعلت، ففي مجئ جواب: اذكروني بعده وهو قوله: أذكركم أوضح دليل على أن قوله: كما أرسلنا من صلة الفعل الذي قبله، وأن قوله: اذكروني أذكركم خبر مبتدأ منقطع عن الاول، وأنه من سبب قوله: كما أرسلنا فيكم بمعزل. وقد زعم بعض النحويين أن قوله: فاذكروني إذا جعل قوله: كما أرسلنا فيكم جوابا له مع قوله: أذكركم نظير الجزاء الذي يجاب بجوابين، كقول القائل: إذا أتاك فلان فأته ترضه، فيصير قوله فأته وترضه جوابين لقوله: إذا أتاك، وكقوله: إن تأتني أحسن إليك أكرمك. وهذا القول وإن كان مذهبا من المذاهب، فليس بالاسهل الافصح في كلام العرب. والذي هو أولى بكتاب الله عز وجل أن يوجه إليه من اللغات الافصح الاعرف من كلام العرب دون الانكر الاجهل من منطقها هذا مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل. ذكر من قال: إن قوله: كما أرسلنا جواب قوله: فاذكروني. 1914 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله عز وجل: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم كما فعلت فاذكروني. 1915 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قوله: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم فإنه يعني بذلك العرب، قال لهم جل ثناؤه: الزموا أيها العرب طاعتي، وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجه إليها، لتنقطع حجة اليهود عنكم، فلا تكون لهم عليكم حجة، ولاتم نعمتي عليكم وتهتدوا، كما ابتدأتكم بنعمتي فأرسلت فيكم رسولا إليكم منكم، وذلك الرسول الذي أرسله إليهم منهم محمد (ص). كما: 1916 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يعني محمدا (ص).
[ 51 ]
وأما قوله: يتلو عليكم آياتنا فإنه يعني آيات القرآن، وبقوله: ويزكيكم ويطهركم من دنس الذنوب، ويعلمكم الكتاب وهو الفرقان، يعني أنه يعلمهم أحكامه، ويعني بالحكمة: السنن والفقه في الدين. وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده. وأما قوله: ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فإنه يعني: ويعلمكم من أخبار الانبياء، وقصص الامم الخالية، والخبر عما هو حادث وكائن من الامور التي لم تكن العرب تعلمها، فعلموها من رسول الله (ص). فأخبرهم جل ثناؤه أن ذلك كله إنما يدركونه برسوله (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) * يعني تعالى ذكره بذلك: فاذكروني أيها المؤمنون بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه، أذكركم برحمتي إياكم ومغفرتي لكم. كما: 1917 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير: اذكروني أذكركم قال: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي. وقد كان بعضهم يتأول ذلك أنه من الذكر بالثناء والمدح. ذكر من قال ذلك: 1918 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون إن الله ذاكر من ذكره، وزائد من شكره، ومعذب من كفره. 1919 - حدثني موسى قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: اذكروني أذكركم قال: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة، ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذاب. القول في تأويل قوله تعالى: واشكروا لي ولا تكفرون. يعني تعالى ذكره بذلك: اشكروا لي أيها المؤمنون فيما أنعمت عليكم من الاسلام والهداية للدين الذي شرعته لانبيائي وأصفيائي ولا تكفرون يقول: ولا تجحدوا إحساني إليكم، فأسلبكم نعمتي التي أنعمت عليكم، ولكن اشكروا لي عليها، وأزيدكم، فأتمم نعمتي عليكم، وأهديكم لما هديت له من رضيت عنه من عبادي، فإني وعدت خلقي أن من
[ 52 ]
شكر لي زدته، ومن كفرني حرمته وسلبته ما أعطيته. والعرب تقول: نصحت لك وشكرت لك، ولا تكاد تقول نصحتك، وربما قالت شكرتك ونصحتك، من ذلك قول الشاعر: هم جمعوا بؤسى ونعمى عليكم فهلا شكرت القوم إن لم تقاتل وقال النابغة في نصحتك: نصحت بني عوف فلم يتقبلوا رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي وقد دللنا على أن معنى الشكر: الثناء على الرجل بأفعاله المحمودة، وأن معنى الكفر تغطية الشئ، فيما مضى قبل فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) * وهذه الآية حض من الله تعالى ذكره على طاعته واحتمال مكروهها على الابدان والاموال، فقال: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة على القيام بطاعتي وأداء فرائضي في ناسخ أحكامي والانصراف عما أنسخه منها إلى الذي أحدثه لكم من فرائضي وأنقلكم إليه من أحكامي، والتسليم لامري فيما آمركم به في حين إلزامكم حكمه، والتحول عنه بعد تحويلي إياكم عنه، وإن لحقكم في ذلك مكروه من مقالة أعدائكم من الكفار بقذفهم لكم الباطل، أو مشقة على أبدانكم في قيامكم به أو نقص في أموالكم، وعلى جهاد أعدائكم وحربهم في سبيلي، بالصبر منكم لي على مكروه ذلك ومشقته عليكم، واحتمال عنائه وثقله، ثم بالفزع منكم فيما ينوبكم من مفظعات الامور إلى الصلاة لي، فإنكم بالصبر على المكاره تدركون مرضاتي، وبالصلاة لي تستنجحون طلباتكم قبلي وتدركون حاجاتكم عندي، فإني مع الصابرين على القيام بأداء فرائضي وترك معاصي، أنصرهم وأرعاهم وأكلؤهم حتى يظفروا بما طلبوا وأملوا قبلي وقد بينت معنى الصبر والصلاة فيما مضى قبل فكرهنا إعادته. كما:
[ 53 ]
1920 - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: واستعينوا بالصبر والصلاة يقول: استعينوا بالصبر والصلاة على مرضاة الله، واعلموا أنهما من طاعة الله. 1921 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة اعلموا أنهما عون على طاعة الله. وأما قوله: إن الله مع الصابرين فإن تأويله: فإن الله ناصره وظهيره وراض بفعله، كقول القائل: افعل يا فلان كذا وأنا معك، يعني إني ناصرك على فعلك ذلك ومعينك عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) * يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر على طاعتي في جهاد عدوكم وترك معاصي وأداء سائر فرائضي عليكم، ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هو ميت، فإن الميت من خلقي من سلبته حياته وأعدمته حواسه، فلا يلتذ لذة ولا يدرك نعيما فإن من قتل منكم ومن سائر خلقي في سبيلي أحياء عندي في حياة ونعيم وعيش هني ورزق سني، فرحين بما آتيتهم من فضلي وحبوتهم به من كرامتي. كما: 1922 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: بل أحياء عند ربهم يرزقون من ثمر الجنة ويجدون ريحها وليسوا فيها. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 1923 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون كنا نحدث أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض يأكلن من ثمار الجنة، وأن مساكنهم سدرة المنتهى، وأن للمجاهد في سبيل الله ثلاث خصال من الخير: من قتل في سبيل الله منهم صار حيا مرزوقا، ومن غلب آتاه الله أجرا عظيما، ومن مات رزقه الله رزقا حسنا. 1924 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر،
[ 54 ]
عن قتادة في قوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء قال: أرواح الشهداء في صور طير بيض. 1925 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاءوا منها يأكلون من حيث شاءوا. 1926 - حدثني المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا عثمان بن غياث، قال: سمعت عكرمة يقول في قوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون قال: أرواح الشهداء في طير خضر في الجنة. فإن قال لنا قائل: وما في قوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره ؟ وقد علمت تظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم، فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنة يشمون منه روحها، ويستعجلون الله قيام الساعة، ليصيروا إلى مساكنهم منها ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها، وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النار ينظرون إليها ويصيبهم من نتنها ومكروهها، ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها، ويسألون الله فيها تأخير قيام الساعة حذارا من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها مع أشباه ذلك من الاخبار. وإذا كانت الاخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله (ص)، فما الذي خص به القتيل في سبيل الله مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة وسائر الكفار والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ، أما الكفار فمعذبون فيه بالمعيشة الضنك، وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان ؟ قيل: إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك وأفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحدا غيرهم في برزخه قبل بعثه. فذلك هو الفضيلة التي فضلهم بها وخصهم بها من غيرهم، والفائدة التي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولا
[ 55 ]
تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله. وبمثل الذي قلنا جاء الخبر عن رسول الله (ص). 1927 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا عبد الرحيم بن سليمان، وعبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن الحارث بن فضيل، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء وقال عبدة: في روضة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا. 1928 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا جابر بن نوح، عن الافريقي، عن ابن بشار السلمي أو أبي بشار، شك أبو جعفر قال: أرواح الشهداء في قباب بيض من قباب الجنة في كل قبة زوجتان، رزقهم في كل يوم طلعت فيه الشمس ثور وحوت، فأما الثور ففيه طعم كل ثمرة في الجنة، وأما الحوت ففيه طعم كل شراب في الجنة. فإن قال قائل: فإن الخبر عما ذكرت أن الله تعالى ذكره أفاد المؤمنين بخبره عن الشهداء من النعمة التي خصهم بها في البرزخ غير موجود في قوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء وإنما فيه الخبر عن حالهم أموات هم أم أحياء. قيل: إن المقصود بذكر الخبر عن حياتهم إنما هو الخبر عما هم فيه من النعمة، ولكنه تعالى ذكره لما كان قد أنبأ عباده عما قد خص به الشهداء في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وعلموا حالهم بخبره ذلك، ثم كان المراد من الله تعالى ذكره في قوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء نهي خلقه عن أن يقولوا للشهداء إنهم موتى، ترك إعادة ذكر ما قد بين لهم من خبرهم. وأما قوله: ولكن لا تشعرون فإنه يعني به: ولكنكم لا ترونهم فتعلموا أنهم أحياء، وإنما تعلمون ذلك بخبري إياكم به. وإنما رفع قوله: أموات بإضمار مكني عن أسماء من يقتل في سبيل الله.
[ 56 ]
ومعنى ذلك: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات. ولا يجوز النصب في الاموات، لان القول لا يعمل فيهم. وكذلك قوله: بل أحياء، رفع بمعنى أنهم أحياء. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين) * وهذا إخبار من الله تعالى ذكره أتباع رسوله (ص) أنه مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الامور ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، كما ابتلاهم فامتحنهم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وكما امتحن أصفياءه قبلهم، ووعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب. وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وغيره يقول. 1929 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي بأبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونحو هذا، قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر وبشرهم، فقال: وبشر الصابرين ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم، فقال: مستهم البأساء والضراء وزلزلوا. ومعنى قوله: ولنبلونكم: ولنختبرنكم. وقد أتينا على البيان عن أن معنى الابتلاء الاختبار فيما مضى قبل. وقوله: بشئ من الخوف يعني من الخوف من العدو وبالجوع، وهو القحط. يقول: لنختبرنكم بشئ من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة
[ 57 ]
وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموت ذراريكم وأولادكم، وجدوب تحدث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب. كل ذلك خطاب منه لاتباع رسول الله (ص) وأصحابه. كما: 1930 - حدثني هارون بن إدريس الكوفي الاصم، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن عبد الملك عن عطاء في قوله: ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع قال: هم أصحاب محمد (ص). وإنما قال تعالى ذكره: بشئ من الخوف ولم يقل بأشياء لاختلاف أنواع ما أعلم عباده أنه ممتحنهم به. فلما كان ذلك مختلفا وكانت من تدل على أن كل نوع منها مضمر (في) شئ وأن معنى ذلك: ولنبلونكم بشئ من الخوف وبشئ من الجوع وبشئ من نقص الاموال. اكتفى بدلالة ذكر الشئ في أوله من إعادته مع كل نوع منها. ففعل تعالى ذكره كل ذلك بهم وامتحنهم بضروب المحن. كما: 1931 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات قال: قد كان ذلك، وسيكون ما هو أشد من ذلك. قال الله عند ذلك: وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون. ثم قال تعالى ذكره لنبيه (ص): يا محمد بشر الصابرين على امتحاني بما أمتحنهم به، والحافظين أنفسهم عن التقدم على نهيي عما أنهاهم عنه، والآخذين أنفسهم بأداء ما أكلفهم من فرائضي مع ابتلائي إياهم بما ابتليتهم به القائلين إذا أصابتهم مصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون. فأمره الله تعالى ذكره بأن يخص بالبشارة على ما يمتحنهم به من الشدائد أهل الصبر الذين وصف الله صفتهم. وأصل التبشير: إخبار الرجل الرجل الخبر يسره أو يسوءه لم يسبقه به إليه غيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنآ إليه راجعون) * يعني تعالى ذكره: وبشر يا محمد الصابرين، الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة
[ 58 ]
فمني، فيقرون بعبوديتي، ويوحدونني بالربوبية، ويصدقون بالمعاد والرجوع إلي فيستسلمون لقضائي، ويرجون ثوابي ويخافون عقابي، ويقولون عند امتحاني إياهم ببعض محني، وابتلائي إياهم بما وعدتهم أن أبتليهم به من الخوف والجوع ونقص الاموال والانفس والثمرات وغير ذلك من المصائب التي أنا ممتحنهم بها. إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياء ونحن عبيده وإنا إليه بعد مماتنا صائرون تسليما لقضائي ورضا بأحكامي. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) يعني تعالى ذكره بقوله: أولئك هؤلاء الصابرون الذين وصفهم ونعتهم عليهم، يعني لهم صلوات يعني مغفرة. وصلوات الله على عباده: غفرانه لعباده، كالذي روي عن النبي (ص) أنه قال: اللهم صل على آل أبي أوفى يعني اغفر لهم. وقد بينا الصلاة وما أصلها في غير هذا الموضع. وقوله: ورحمة يعني ولهم مع المغفرة التي بها صفح عن ذنوبهم وتغمدها رحمة من الله ورأفة. ثم أخبر تعالى ذكره مع الذي ذكر أنه معطيهم على اصطبارهم على محنه تسليما منهم لقضائه من المغفرة والرحمة أنهم هم المهتدون المصيبون طريق الحق والقائلون ما يرضى عنهم والفاعلون ما استوجبوبه من الله الجزيل من الثواب. وقد بينا معنى الاهتداء فيما مضى فإنه بمعنى الرشد بالصواب. وبمعنى ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 1932 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون قال: أخبر الله أن المؤمن إذا سلم الامر إلى الله ورجع واسترجع عند المصيبة، كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى. وقال رسول الله (ص):
[ 59 ]
من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه. 1933 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة يقول: الصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا. 1934 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان العصفري، عن سعيد بن جبير، قال: ما أعطي أحد ما أعطيت هذه الامة: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ولو أعطيها أحد لاعطيها يعقوب عليه السلام، ألم تسمع إلى قوله: يا أسفي على يوسف. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم) * والصفا: جمع صفاة، وهي الصخرة الملساء، ومنه قول الطرماح: أبى لي ذو القوى والطول ألايؤبس حافر أبدا صفاتي وقد قالوا إن الصفا واحد، وأنه يثنى صفوان، ويجمع أصفاء وصفيا وصفيا واستشهدوا على ذلك بقول الراجز: كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي
[ 60 ]
وقالوا: هو نظير عصا وعصي ورحا ورحي وأرحاء. وأما المروة فإنها الحصاة الصغيرة يجمع قليلها مروات، وكثيرها المرو مثل تمرة وتمرات وتمر. قال الاعشى ميمون بن قيس: وترى بالارض خفا زائلا فإذا ما صادف المرو رضح يعني بالمرو: الصخر الصغار. ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي: حتى كأني للحوادث مروة بصفا المشرق كل يوم تقرع ويقال المشقر. وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: إن الصفا والمروة في هذا الموضع: الجبلين المسميين بهذين الاسمين اللذين في حرمه دون سائر الصفا والمرو ولذلك أدخل فيهما الالف واللام، ليعلم عباده أنه عنى بذلك الجبلين المعروفين بهذين الاسمين دون سائر الاصفاء والمرو. وأما قوله: من شعائر الله فإنه يعني من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده معلما ومشعرا يعبدونه عندها، إما بالدعاء وإما بالذكر وإما بأداء ما فرض عليهم من العمل عندها ومنه قول الكميت: نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقرب وكان مجاهد يقول في الشعائر بما:
[ 61 ]
1935 - حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إن الصفا والمروة من شعائر الله قال: من الخبر الذي أخبركم عنه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. فكأن مجاهدا كان يرى أن الشعائر إنما هو جمع شعيرة من إشعار الله عباده أمر الصفا والمروة وما عليهم في الطواف بهما، فمعناه إعلامهم ذلك وذلك تأويل من المفهوم بعيد. وإنما أعلم الله تعالى ذكره بقوله: إن الصفا والمروة من شعائر الله عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر الحج التي سنها لهم، وأمر بها خليله إبراهيم (ص)، إذ سأله أن يريه مناسك الحج. وذلك وإن كان مخرجه مخرج الخبر، فإنه مراد به الامر لان الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمدا (ص) باتباع ملة إبراهيم عليه السلام فقال له: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وجعل تعالى ذكره إبراهيم إماما لمن بعده. فإذا كان صحيحا أن الطواف والسعي بين الصفا والمروة من شعائر الله ومن مناسك الحج، فمعلوم أن إبراهيم (ص) قد عمل به وسنه لمن بعده، وقد أمر نبينا (ص) أمته باتباعه، فعليهم العمل بذلك على ما بينه رسول الله (ص). القول في تأويل قوله تعالى: فمن حج البيت أو اعتمر. يعني تعالى ذكره: فمن حج البيت فمن أتاه عائدا إليه بعد بدء، وكذلك كل من أكثر الاختلاف إلى شئ فهو حاج إليه ومنه قول الشاعر: وأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون بيت الزبرقان المزعفرا
[ 62 ]
يعني بقوله يحجون: يكثرون التردد إليه لسؤدده ورياسته. وإنما قيل للحاج حاج لانه يأتي البيت قبل التعريف، ثم يعود إليه لطواف يوم النحر بعد التعريف، ثم ينصرف عنه إلى منى، ثم يعود إليه لطواف الصدر، فلتكراره العود إليه مرة بعد أخرى قيل له حاج. وأما المعتمر فإنما قيل له معتمر لانه إذا طاف به انصرف عنه بعد زيارته إياه. وإنما يعني تعالى ذكره بقوله: أو اعتمر أو اعتمر البيت، ويعني بالاعتمار الزيارة، فكل قاصد لشئ فهو له معتمر ومنه قول العجاج: لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبر يعني بقوله حين اعتمر: حين قصده وأمه. القول في تأويل قوله تعالى: فلا جناح عليه أن يطوف بهما. يعني تعالى ذكره بقوله: فلا جناح عليه أن يطوف بهما يقول: فلا خرج عليه ولا مأثم في طوافه بهما. فإن قال قائل: وما وجه هذا الكلام، وقد قلت لنا إن قوله: إن الصفا والمروة من شعائر الله وإن كان ظاهره ظاهر الخبر فإنه في معنى الامر بالطواف بهما ؟ فكيف يكون أمرا بالطواف، ثم يقال: لا جناح على من حج البيت أو اعتمر في الطواف بهما ؟ وإنما يوضع الجناح عمن أتى ما عليه بإتيانه الجناح والحرج، والامر بالطواف بهما، والترخيص في الطواف بهما غير جائز اجتماعهما في حال واحدة ؟ قيل: إن ذلك بخلاف ما إليه ذهب، وإنما معنى ذلك عند أقوام أن النبي (ص) لما اعتمر عمرة القضية تخوف أقوام كانوا يطوفون بهما في الجاهلية قبل الاسلام لصنمين كانا عليهما تعظيما منهم لهما فقالوا: وكيف نطوف بهما، وقد علمنا أن تعظيم الاصنام وجميع ما كان يعبد من ذلك من دون الله شرك ؟ ففي طوافنا بهذين الحجرين أحد ذلك، لان الطواف بهما في الجاهلية إنما كان للصنمين اللذين كانا عليهما، وقد جاء الله بالاسلام اليوم ولا سبيل إلى تعظيم شئ مع الله بمعنى العبادة له. فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك من أمرهم: إن الصفا والمروة من شعائر الله يعني أن الطواف بهما، فترك ذكر الطواف بهما اكتفاء بذكرهما عنه. وإذ كان معلوما عند المخاطبين
[ 63 ]
به أن معناه: من معالم الله التي جعلها علما لعباده يعبدونه عندهما بالطواف بينهما ويذكرونه عليهما وعندهما بما هو له أهل من الذكر، فمن حج البيت أو اعتمر فلا يتخوفن الطواف بهما، من أجل ما كان أهل الجاهلية يطوفون بهما، من أجل الصنمين اللذين كانا عليهما، فإن أهل الشرك كانوا يطوفون بهما كفرا، وأنتم تطوفون بهما إيمانا وتصديقا لرسولي وطاعة لامري، فلا جناح عليكم في الطواف بهما. والجناح: الاثم. كما: 1936 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلا جناح عليه أن يطوف بهما يقول: ليس عليه إثم ولكن له أجر. وبمثل الذي قلنا في ذلك تظاهرت الرواية عن السلف من الصحابة والتابعين. ذكر الاخبار التي رويت بذلك: 1937 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا داود، عن الشعبي: أن وثنا كان في الجاهلية على الصفا يسمى إسافا، ووثنا على المروة يسمى نائلة فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين فلما جاء الاسلام وكسرت الاوثان، قال المسلمون: إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين، وليس الطواف بهما من الشعائر. قال: فأنزل الله: إنهما من الشعائر فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما. 1938 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر، قال: كان صنم بالصفا يدعى إسافا، ووثن بالمروة يدعى نائلة. ثم ذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب، وزاد فيه، قال: فذكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه، وأنث المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثا. 1939 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، وذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب، عن يزيد، وزاد فيه، قال: فجعله الله تطوع خير. 1940 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال أخبرني عاصم الاحول، قال: قلت لانس بن مالك: أكنتم تكرهون الطواف بين الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية ؟ فقال: نعم كنا نكره الطواف بينهما لانهما من شعائر الجاهلية حتى نزلت هذه الآية: إن الصفا والمروة من شعائر الله.
[ 64 ]
* - حدثني علي بن سهل الرملي، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، قال: سألت أنسا عن الصفا والمروة، فقال: كانتا من مشاعر الجاهلية، فلما كان الاسلام أمسكوا عنهما، فنزلت: إن الصفا والمروة من شعائر الله. 1941 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبو الحسين المعلم، قال: ثنا سنان أبو معاوية، عن جابر الجعفي، عن عمرو بن حبشي، قال: قلت لابن عمر: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال: انطلق إلى ابن عباس فاسأله، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد (ص) فأتيته فسألته، فقال: إنه كان عندهما أصنام، فلما حرمن أمسكوا عن الطواف بينهما حتى أنزلت: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما. 1942 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: إن الصفا والمروة من شعائر الله وذلك أن ناسا كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فأخبر الله أنهما من شعائره، والطواف بينهما أحب إليه، فمضت السنة بالطواف بينهما. 1943 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال: زعم أبو مالك عن ابن عباس أنه كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة، وكانت بينهما آلهة، فلما جاء الاسلام وظهر، قال المسلمون: يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شرك كنا نفعله في الجاهلية فأنزل الله: فلا جناح عليه أن يطوف بهما. 1944 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: إن الصفا والمروة من شعائر الله قال: قالت الانصار: إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية. فأنزل الله تعالى ذكره: إن الصفا والمروة من شعائر الله.
[ 65 ]
* - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه. 1945 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال: كان أهل الجاهلية قد وضعوا على كل واحد منهما صنما يعظمونهما فلما أسلم المسلمون كرهوا الطواف بالصفا والمروة لمكان الصنمين، فقال الله تعالى: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وقرأ: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب وسن رسول الله (ص) الطواف بهما. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، قال: قلت لانس: الصفا والمروة أكنتم تكرهون أن تطوفوا بهما مع الاصنام التي نهيتم عنها ؟ قال: نعم حتى نزلت: إن الصفا والمروة من شعائر الله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، قال: أخبرنا عاصم، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إن الصفا والمروة من مشاعر قريش في الجاهلية، فلما كان الاسلام تركناهما. وقال آخرون: بل أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية في سبب قوم كانوا في الجاهلية لا يسعون بينهما، فلما جاء الاسلام تخوفوا السعي بينهما كما كانوا يتخوفونه في الجاهلية. ذكر من قال ذلك: 1946 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية، فكان حي من تهامة في الجاهلية لا يسعون بينهما، فأخبرهم الله أن الصفا والمروة من شعائر الله، وكان من سنة إبراهيم وإسماعيل الطواف بينهما. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين الصفا والمروة، فأنزل الله: إن الصفا والمروة من شعائر الله. 1947 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير، قال: سألت عائشة فقلت
[ 66 ]
لها: أرأيت قول الله: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ؟ وقلت لعائشة: والله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة فقالت عائشة: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه الآية لو كانت كما أولتها كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها إنما أنزلت في الانصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون بالمشلل، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة، فلما سألوا رسول الله (ص) عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة أنزل الله تعالى ذكره: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما. قالت عائشة: ثم قد سن رسول الله (ص) الطواف بينهما، فليس لاحد أن يترك الطواف بينهما. 1948 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان رجال من الانصار ممن يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة، قالوا: يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة، فهل علينا من حرج أن نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما. قال عروة: فقلت لعائشة: ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة، قال الله: فلا جناح عليه قالت: يا ابن أختي ألا ترى أنه يقول: إن الصفا والمروة من شعائر الله ؟ قال الزهري: فذكرت ذلك لابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فقال: هذا العلم قال أبو بكر: ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة، قيل للنبي (ص): إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة، وإن الله قد ذكر الطواف بالبيت، ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره: إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية كلها. قال أبو بكر فأسمع أن هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما فيمن طاف وفيمن لم يطف.
[ 67 ]
1949 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين الصفا والمروة، فأنزل الله: إن الصفا والمروة من شعائر الله. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره قد جعل الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله، كما جعل الطواف بالبيت من شعائره. فأما قوله: فلا جناح عليه أن يطوف بهما فجائز أن يكون قيل لكلا الفريقين اللذين تخوف بعضهم الطواف بهما من أجل الصنمين اللذين ذكرهما الشعبي، وبعضهم من أجل ما كان من كراهتهم الطواف بهما في الجاهلية على ما روي عن عائشة. وأي الامرين كان من ذلك فليس في قول الله تعالى ذكره: فلا جناح عليه أن يطوف بهما الآية، دلالة على أنه عنى به وضع الحرج عمن طاف بهما، من أجل أن الطواف بهما كان غير جائز بحظر الله ذلك ثم جعل الطواف بهما رخصة لاجماع الجميع، على أن الله تعالى ذكره لم يحظر ذلك في وقت، ثم رخص فيه بقوله: فلا جناح عليه أن يطوف بهما. وإنما الاختلاف في ذلك بين أهل العلم على أوجه فرأى بعضهم أن تارك الطواف بينهما تارك من مناسك حجه ما لا يجزيه منه غير قضائه بعينه، كما لا يجزي تارك الطواف الذي هو طواف الافاضة إلا قضاؤه بعينه، وقالوا: هما طوافان أمر الله بأحدهما بالبيت، والآخر بين الصفا والمروة. ورأى بعضهم أن تارك الطواف بهما يجزيه من تركه فدية، ورأوا أن حكم الطواف بهما حكم رمي بعض الجمرات، والوقوف بالمشعر، وطواف الصدر، وما أشبه ذلك مما يجزي تاركه من تركه فدية ولا يلزمه العود لقضائه بعينه. ورأى آخرون أن الطواف بهما تطوع، إن فعله صاحبه كان محسنا، وإن تركه تارك لم يلزمه بتركه شئ. والله تعالى أعلم. ذكر من قال: إن السعي بين الصفا والمروة واجب ولا يجزي منه فدية ومن تركه فعليه العودة. 1950 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: لعمري ما حج من لم يسع بين الصفا والمروة، لان الله قال: إن الصفا والمروة من شعائر الله.
[ 68 ]
1951 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك بن أنس: من نسي السعي بين الصفا والمروة حتى يستبعد من مكة فليرجع فليسع، وإن كان قد أصاب النساء فعليه العمرة والهدي. وكان الشافعي يقول: على من ترك السعي بين الصفا والمروة حتى رجع إلى بلده العود إلى مكة حتى يطوف بينهما لا يجزيه غير ذلك. حدثنا بذلك عنه الربيع. ذكر من قال: يجزى منه دم وليس عليه عود لقضائه: قال الثوري بما: 1952 - حدثني به علي بن سهل، عن زيد بن أبي الزرقاء عنه، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد: إن عاد تارك الطواف بينهما لقضائه فحسن، وإن لم يعد فعليه دم. ذكر من قال: الطواف بينهما تطوع ولا شئ على من تركه، ومن كان يقرأ: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. 1953 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال عطاء: لو أن حاجا أفاض بعدما رمى جمرة العقبة فطاف بالبيت ولم يسع، فأصابها يعني امرأته لم يكن عليه شئ، لا حج ولا عمرة من أجل قول الله في مصحف ابن مسعود: فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما فعاودته بعد ذلك، فقلت: إنه قد ترك سنة النبي (ص)، قال: ألا تسمعه يقول: فمن تطوع خيرا، فأبى أن يجعل عليه شيئا ؟ 1954 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية، فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. 1955 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، قال سمعت أنسا يقول: الطواف بينهما تطوع. * - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا عاصم الاحول، قال: قال أنس بن مالك: هما تطوع.
[ 69 ]
1956 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه. 1957 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال: فلم يحرج من لم يطف بهما. 1958 - حدثنا المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أحمد، عن عيسى بن قيس، عن عطاء، عن عبد الله بن الزبير، قال: هما تطوع. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، قال: قلت لانس بن مالك: السعي بين الصفا والمروة تطوع ؟ قال: تطوع. والصواب من القول في ذلك عندنا أن الطواف بهما فرض واجب، وأن على من تركه العود لقضائه ناسيا كان أو عامدا لانه لا يجزيه غير ذلك، لتظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) أنه حج بالناس فكان مما علمهم من مناسك حجهم الطواف بهما. ذكر الرواية عنه بذلك: 1959 - حدثني يوسف بن سلمان، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، قال: ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: لما دنا رسول الله (ص) من الصفا في حجه، قال: إن الصفا والمروة من شعائر الله ابدءوا بما بدأ الله بذكره فبدأ بالصفا فرقي عليه. 1960 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا محمود بن ميمون أبو الحسن، عن أبي بكر بن عياش، عن ابن عطاء عن أبيه، عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: إن الصفا والمروة من شعائر الله، فأتى الصفا فبدأ بها، فقام عليها، ثم أتى المروة فقام عليها وطاف وسعى. فإذا كان صحيحا بإجماع الجميع من الامة أن الطواف بهما على تعليم رسول الله (ص) أمته في مناسكهم وعمله في حجه وعمرته، وكان بيانه (ص) لامته جمل ما نص الله في كتابه وفرضه في تنزيله، وأمر به مما لم يدرك علم إلا ببيانه لازما العمل به أمته كما قد بينا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الاحكام إذا اختلفت الامة في وجوبه، ثم كان مختلفا في
[ 70 ]
الطواف بينهما هل هو واجب أو غير واجب كان بينا وجوب فرضه على من حج أو اعتمر لما وصفنا، وكذلك وجوب العود لقضاء الطواف بين الصفا والمروة، لما كان مختلفا فيما على من تركه مع إجماع جميعهم، على أن ذلك مما فعله رسول الله (ص) وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم إذ علمهم مناسك حجهم، كما طاف بالبيت وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم، إذ علمهم مناسك حجهم وعمرتهم، وأجمع الجميع على أن الطواف بالبيت لا تجزي منه فدية ولا بدل، ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه كان نظيرا له الطواف بالصفا والمروة، ولا تجزي منه فدية ولا جزاء، ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه، إذ كانا كلاهما طوافين أحدهما بالبيت والآخر بالصفا والمروة. ومن فرق بين حكمهما عكس عليه القول فيه، ثم سئل البرهان على التفرقة بينهما، فإن اعتل بقراءة من قرأ: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما قيل: ذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين، غير جائز لاحد أن يزيد في مصاحفهم ما ليس فيها. وسواء قرأ ذلك كذلك قارئ، أو قرأ قارئ: ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق فلا جناح عليه أن لا يطوفوا به. فإن جاءت إحدى الزيادتين اللتين ليستا في المصحف كانت الاخرى نظيرتها، وإلا كان مجيز إحداهما إذا منع الاخرى متحكما، والتحكم لا يعجز عنه أحد. وقد روي إنكار هذه القراءة وأن يكون التنزيل بها عن عائشة. 1961 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قلت لعائشة زوج النبي (ص) وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله عز وجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فما نرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة: كلا لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الانصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الاسلام سألوا رسول الله (ص) عن ذلك، فأنزل الله: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما. وقد يحتمل قراءة من قرأ: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما أن تكون لا التي مع أن صلة في الكلام، إذ كان قد تقدمها جحد في الكلام قبلها، وهو قوله: فلا جناح
[ 71 ]
عليه، فيكون نظير قول الله تعالى ذكره: قال ما منعك أن لا تسجدإذ أمرتك بمعنى ما منعك أن تسجد، وكما قال الشاعر: ما كان يرضى رسول الله فعلهما والطيبان أبو بكر ولا عمر ولو كان رسم المصحف كذلك لم يكن فيه لمحتج حجة مع احتمال الكلام ما وصفنا لما بينا أن ذلك مما علم رسول الله (ص) أمته في مناسكهم على ما ذكرنا، ولدلالة القياس على صحته، فكيف وهو خلاف رسوم مصاحف المسلمين، ومما لو قرأه اليوم قارئ كان مستحقا العقوبة لزيادته في كتاب الله عز وجل ما ليس منه ؟ القول في تأويل قوله تعالى: ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم. اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة: ومن تطوع خيرا على لفظ المضي بالتاء وفتح العين. وقرأته عامة قراء الكوفيين: ومن يطوع خيرا بالياء وجزم العين وتشديد الطاء، بمعنى: ومن يتطوع. وذكر أنها في قراءة عبد الله: ومن يتطوع. فقرأ ذلك قراء أهل الكوفة على ما وصفنا اعتبارا بالذي ذكرنا من قراءة عبد الله سوى عاصم فإنه وافق المدنيين، فشددوا الطاء طلبا لادغام التاء في الطاء. وكلتا القراءتين معروفة صحيحة متفق معنياهما غير مختلفين، لان الماضي من الفعل مع حروف الجزاء بمعنى المستقبل، فبأي القراءتين قرأ ذلك قارئ فمصيب. ومعنى ذلك: ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه، فإن الله شاكر له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه فمجازيه به، عليم بما قصد وأراد بتطوعه بما تطوع به. وإنما قلنا إن الصواب في معنى قوله: فمن تطوع خيرا هو ما وصفنا دون قول من زعم أنه معني به: فمن تطوع بالسعي والطواف بين الصفا والمروة لان الساعي بينهما لا يكون متطوعا بالسعي بينهما إلا في حج تطوع أو عمرة تطوع لما وصفنا قبل وإذ كان ذلك كذلك كان معلوما أنه إنما عنى بالتطوع بذلك التطوع بما يعمل ذلك فيه من حج أو عمرة. وأما الذين زعموا أن الطواف بهما تطوع لا واجب، فإن الصواب أن يكون تأويل ذلك على قولهم: فمن تطوع بالطواف بهما فإن الله شاكر لان للحاج والمعتمر على قولهم
[ 72 ]
الطواف بهما إن شاء وترك الطواف، فيكون معنى الكلام على تأويلهم: فمن تطوع بالطواف بالصفا والمروة، فإن الله شاكر تطوعه ذلك، عليم بما أراد ونوى الطائف بهما كذلك. كما: 1962 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم قال: من تطوع خيرا فهو خير له، تطوع رسول الله (ص) فكانت من السنن. وقال آخرون: معنى ذلك: ومن تطوع خيرا فاعتمر. ذكر من قال ذلك: 1963 - حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم من تطوع خيرا فاعتمر فإن الله شاكر عليم قال: فالحج فريضة، والعمرة تطوع، ليست العمرة واجبة على أحد من الناس. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين يكتمون مآ أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * يقول: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات، علماء اليهود وأحبارها وعلماء النصارى، لكتمانهم الناس أمر محمد (ص)، وتركهم اتباعه، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل من البينات التي أنزلها الله ما بين من أمر نبوة محمد (ص) ومبعثه وصفته في الكتابين اللذين أخبر الله تعالى ذكره، أن أهلهما يجدون صفته فيهما. ويعني تعالى ذكره بالهدى، ما أوضح لهم من أمره في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم، فقال تعالى ذكره: إن الذين يكتمون الناس الذي أنزلنا في كتبهم من البيان من أمر محمد (ص) ونبوته وصحة الملة التي أرسلته بها وحقيتها فلا يخبرونهم به ولا يعلمون من تبييني ذلك للناس وإيضاحي لهم في الكتاب الذي أنزلته إلى أنبيائهم، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا الآية. كما: 1964 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قالا جميعا: ثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة وسعد بن معاذ أخو بني عبد الاشهل وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن
[ 73 ]
الخزرج، نفرا من أحبار يهود قال أبو كريب: عما في التوراة، وقال ابن حميد عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه، وأبوا أن يخبروهم عنه، فأنزل الله تعالى ذكره فيهم: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. 1965 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى قال: هم أهل الكتاب. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 1966 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى قال: كتموا محمدا (ص) وهم يجدونه مكتوبا عندهم، فكتموه حسدا وبغيا. 1967 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك أهل الكتاب كتموا الاسلام وهو دين الله، وكتموا محمدا (ص)، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل. 1968 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديق من الانصار يقال له ثعلبة بن غنمة، قال له: هل تجدون محمدا عندكم ؟ قال: لا. قال: محمد البينات. القول في تأويل قوله تعالى: من بعد ما بيناه للناس في الكتاب. بعض الناس لان العلم بنبوة محمد (ص) وصفته ومبعثه لم يكن إلا عند أهل الكتاب دون غيرهم، وإياهم عنى تعالى ذكره بقوله: للناس في الكتاب ويعني بذلك
[ 74 ]
التوراة والانجيل. وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاص من الناس، فإنها معني بها كل كاتم علما فرض الله تعالى بيانه للناس. وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله (ص) أنه قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار. وكان أبو هريرة يقول ما: 1969 - حدثنا به نصر بن علي الجهضمي، قال: ثنا حاتم بن وردان، قال: ثنا أيوب السختياني، عن أبي هرير، قال: لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم. وتلا: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. 1970 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبو زرعة وعبد الله بن راشد عن يونس قال: قال ابن شهاب، قال ابن المسيب، قال أبو هريرة: لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات إلى آخر الآية. والآية الاخرى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس إلى آخر الآية. القول في تأويل قوله تعالى: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. يعني تعالى ذكره بقوله: أولئك يلعنهم الله هؤلاء الذين يكتمون ما أنزله الله من أمر محمد (ص) وصفته وأمر دينه أنه الحق من بعدما بينه الله لهم في كتبهم، يلعنهم بكتمانهم ذلك وتركهم تبيينه للناس. واللعنة الفعلة، من لعنه الله بمعنى: أقصاه وأبعده وأسحقه. وأصل اللعن: الطرد، كما قال الشماخ بن ضرار، وذكر ماء ورد عليه: ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين
[ 75 ]
يعني مقام الذئب الطريد. واللعين من نعت الذئب، وإنما أراد مقام الذئب الطريد واللعين كالرجل. فمعنى الآية إذا: أولئك يبعدهم الله منه ومن رحمته، ويسأل ربهم اللاعنون أن يلعنهم لان لعنة بني آدم وسائر خلق الله ما لعنوا أن يقولوا: اللهم العنه، إذ كان معنى اللعن هو ما وصفنا من الاقصاء والابعاد. وإنما قلنا إن لعنة اللاعنين هي ما وصفنا: من مسألتهم ربهم أن يلعنهم، وقولهم: لعنه الله، أو عليه لعنة الله لان: 1971 - محمد بن خالد بن خداش ويعقوب بن إبراهيم حدثاني قالا: ثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون البهائم، قال: إذا أسنت السنة، قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله تعالى ذكره باللاعنين، فقال بعضهم: عنى بذلك دواب الارض وهوامها. ذكر من قال ذلك: 1972 - حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: تلعنهم دواب الارض وما شاء الله من الخنافس والعقارب تقول: نمنع القطر بذنوبهم. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال: دواب الارض العقارب والخنافس يقولون: منعنا القطر بخطايا بني آدم. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد: ويلعنهم اللاعنون قال: تلعنهم الهوام ودواب الارض تقول: أمسك القطر عنا بخطايا بني آدم. 1973 - حدثنا مشرف بن أبان الخطاب البغدادي، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قوله: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال: يلعنهم كل شئ حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم.
[ 76 ]
1974 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ويلعنهم اللاعنون قال: اللاعنون البهائم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ويلعنهم اللاعنون البهائم تلعن عصاة بني آدم حين أمسك الله عنهم بذنوب بني آدم المطر فتخرج البهائم فتلعنهم. * - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون البهائم: الابل والبقر والغنم، فتلعن عصاة بني آدم إذا أجدبت الارض. فإن قال لنا قائل: وما وجه الذين وجهوا تأويل قوله: ويلعنهم اللاعنون إلى أن اللاعنين هم الخنافس والعقارب ونحو ذلك من هوام الارض، وقد علمت أنها إذا جمعت ما كان من نوع البهائم وغير بني آدم، فإنما تجمعه بغير الياء والنون وغير الواو والنون، وإنما تجمعه بالتاء، وما خالف ما ذكرنا، فتقول اللاعنات ونحو ذلك ؟ قيل: الامر وإن كان كذلك، فإن من شأن العرب إذا وصفت شيئا من البهائم أو غيرها مما حكم جمعه أن يكون بالتاء وبغير صورة جمع ذكران بني آدم بما هو من صفة الآدميين أن يجمعوه جمع ذكورهم، كما قال تعالى ذكره: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا فأخرج خطابهم على مثال خطاب بني آدم إذ كلمتهم وكلموها، وكما قال: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم وكما قال: والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. وقال آخرون: عنى الله تعالى ذكره بقوله: ويلعنهم اللاعنون الملائكة والمؤمنين. ذكر من قال ذلك: 1975 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن قتادة ويلعنهم اللاعنون قال: يقول اللاعنون من ملائكة الله ومن المؤمنين. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: ويلعنهم اللاعنون الملائكة.
[ 77 ]
1976 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: اللاعنون من ملائكة الله والمؤمنين. وقال آخرون: يعني باللاعنين: كل ما عدا بني آدم والجن. ذكر من قال ذلك: 1977 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ويلعنهم اللاعنون قال: قال البراء بن عازب: إن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها قدران من نحاس معها عمود من حديد، فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح، فلا يسمع أحد صوته إلا لعنه، ولا يبقى شئ إلا سمع صوته، إلا الثقلين الجن والانس. 1978 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال: الكافر إذا وضع في حفرته ضرب ضربة بمطرق فيصيح صيحة يسمع صوته كل شئ إلا الثقلين الجن والانس فلا يسمع صيحته شئ إلا لعنه. وأولى هذه الاقوال بالصحة عندنا قول من قال: اللاعنون: الملائكة والمؤمنون لان الله تعالى ذكره قد وصف الكفار بأن اللعنة التي تحل بهم إنما هي من الله والملائكة والناس أجمعين، فقال تعالى ذكره: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فكذلك اللعنة التي أخبر الله تعالى ذكره أنها حالة بالفريق الآخر الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس، هي لعنة الله التي أخبر أن لعنتهم حالة بالذين كفروا وماتوا وهم كفار، وهم اللاعنون، لان الفريقين جميعا أهل كفر. وأما قول من قال: إن اللاعنين هم الخنافس والعقارب وما أشبه ذلك من دبيب الارض وهوامها، فإنه قول لا تدرك حقيقته إلا بخبر عن الله أن ذلك من فعلها تقوم به الحجة، ولا خبر بذلك عن نبي الله (ص)، فيجوز أن يقال إن ذلك وكذلك. وإذ كان ذلك كذلك، فالصواب من القول فيما قالوه أن يقال: إن الدليل من ظاهر
[ 78 ]
كتاب الله موجود بخلاف أهل التأويل، وهو ما وصفنا. فإن كان جائزا أن تكون البهائم وسائر خلق الله تلعن الذين يكتمون ما أنزل الله في كتابه من صفة محمد (ص) ونعته ونبوته، بعد علمهم به، وتلعن معهم جميع الظلمة، فغير جائز قطع الشهادة في أن الله عنى باللاعنين البهائم والهوام ودبيب الارض، إلا بخبر للعذر قاطع، ولا خبر بذلك وظاهر كتاب الله الذي ذكرناه دال على خلافه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) * يعني تعالى ذكره بذلك أن الله واللاعنين يلعنون الكاتمين الناس ما علموا من أمر نبوة محمد (ص) وصفته ونعته في الكتاب الذي أنزله الله وبينه للناس، إلا من أناب من كتمانه ذلك منهم وراجع التوبة بالايمان بمحمد (ص)، والاقرار به وبنبوته، وتصديقه فيما جاء به من عند الله، وبيان ما أنزل الله في كتبه التي أنزل إلى أنبيائه من الامر باتباعه، وأصلح حال نفسه بالتقرب إلى الله من صالح الاعمال بما يرضيه عنه، وبين الذي علم من وحي الله الذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه وأظهره فلم يخفه. فأولئك، يعني هؤلاء الذين فعلوا هذا الذي وصفت منهم، هم الذين أتوب عليهم، فأجعلهم من أهل الاياب إلى طاعتي والانابة إلى مرضاتي. ثم قال تعالى ذكره: وأنا التواب الرحيم يقول: وأنا الذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عني إلي، والرادها بعد إدبارها عن طاعتي إلى طلب محبتي، والرحيم بالمقبلين بعد إقبالهم إلي أتغمدهم مني بعفو وأصفح عن عظيم ما كانوا اجترموا فيما بيني وبينهم بفضل رحمتي لهم. فإن قال قائل: وكيف يتاب على من تاب ؟ وما وجه قوله: إلا الذين تابوا فأولئك أتوب عليهم وهل يكون تائب إلا وهو متوب عليه أو متوب عليه إلا وهو تائب ؟ قيل: ذلك مما لا يكون أحدهما إلا والآخر معه، فسواء قيل: إلا الذين تيب عليهم فتابوا، أو قيل: إلا الذين تابوا فإني أتوب عليهم وقد بينا وجه ذلك فيما جاء من الكلام هذا المجئ في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 1979 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله:
[ 79 ]
إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا يقول: أصلحوا فيما بينهم وبين الله، وبين والذي جاءهم من الله، فلم يكتموه، ولم يجحدوا به: أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم. 1980 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فقوله: إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا قال: بينوا ما في كتاب الله للمؤمنين، وما سألوهم عنه من أمر النبي (ص)، وهذا كله في يهود. وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: وبينوا إنما هو: وبينوا التوبة بإخلاص العمل. ودليل ظاهر الكتاب والتنزيل بخلافه، لان القوم إنما عوتبوا قبل هذه الآية على كتمانهم ما أنزل الله تعالى ذكره وبينه في كتابه في أمر محمد (ص) ودينه. ثم استثنى منهم تعالى ذكره الذين يبينون أمر محمد (ص) ودينه فيتوبون مما كانوا عليه من الجحود والكتمان، فأخرجهم من عذاب من يلعنه الله ويلعنه اللاعنون. ولم يكن العتاب على تركهم تبيين التوبة بإخلاص العمل. والذين استثنى الله من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب: عبد الله بن سلام وذووه من أهل الكتاب الذين أسلموا فحسن إسلامهم واتبعوا رسول الله (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * يعني تعالى ذكره بقوله: إن الذين كفروا إن الذين جحدوا نبوة محمد (ص) وكذبوا به من اليهود والنصارى، وسائر أهل الملل والمشركين من عبدة الاوثان، وماتوا وهم كفار يعني وماتوا وهم على جحودهم ذلك وتكذيبهم محمدا (ص) أولئك عليهم لعنة الله والملائكة، يعني: فأولئك الذين كفروا وماتوا وهم كفار عليهم لعنة الله يقول: أبعدهم الله وأسحقهم من رحمته، والملائكة يعني ولعنهم الملائكة والناس أجمعون. ولعنة الملائكة والناس إياهم قولهم: عليهم لعنة الله، وقد بينا معنى اللعنة فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
[ 80 ]
فإن قال قائل: وكيف تكون على الذي يموت كافرا بمحمد (ص) من أصناف الامم، وأكثرهم ممن لا يؤمن به ويصدقه ؟ قيل: إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عنى الله بقوله: والناس أجمعين أهل الايمان به وبرسوله خاصة دون سائر البشر. ذكر من قال ذلك: 1981 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: والناس أجمعين يعني بالناس أجمعين: المؤمنين. 1982 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: والناس أجمعين يعني بالناس أجمعين: المؤمنين. وقال آخرون: بل ذلك يوم القيامة يوقف على رؤوس الاشهاد الكافر فيلعنه الناس كلهم. ذكر من قال ذلك: 1983 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: أن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون. وقال آخرون: بل ذلك قول القائل كائنا من كان: لعن الله الظالم، فيلحق ذلك كل كافر لانه من الظلمة. ذكر من قال ذلك: 1984 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فإنه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن الله الظالم إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر لانه ظالم، فكل أحد من الخلق يلعنه. وأولى هذه الاقوال بالصواب عندنا قول من قال: عنى الله بذلك جميع الناس بمعنى لعنهم إياهم بقولهم: لعن الله الظالم أو الظالمين، فإن كل أحد من بني آدم لا يمنع من قيل ذلك كائنا من كان، ومن أي أهل ملة كان، فيدخل بذلك فلعنته كل كافر كائنا من كان. وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية، لان الله تعالى ذكره أخبر عمن شهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم، فقال: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين.
[ 81 ]
وأما ما قاله قتادة من أنه عنى به بعض الناس، فقول ظاهر التنزيل بخلافه، ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر. فإن كان ظن أن المعني به المؤمنون من أجل أن الكفار لا يلعنون أنفسهم ولا أولياءهم، فإن الله تعالى ذكره قد أخبر أنهم يلعنونهم في الآخرة، ومعلوم منهم أنهم يلعنون الظلمة، وداخل في الظلمة كل كافر بظلمه نفسه، وجحوده نعمة ربه، ومخالفته أمره. القول في تأويل قوله تعالى: * (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) * إن قال لنا قائل: ما الذي نصب خالدين فيها ؟ قيل: نصب على الحال من الهاء والميم اللتين في عليهم. وذلك أن معنى قوله: أولئك عليهم لعنة الله: أولئك يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعون خالدين فيها. ولذلك قرأ ذلك: أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون من قرأه كذلك توجيها منه إلى المعنى الذي وصفت. وذلك وإن كان جائزا في العربية، فغير جائزة القراءة به لانه خلاف لمصاحف المسلمين وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضا فيها، فغير جائز الاعتراض بالشاذ من القول على ما قد ثبتت حجته بالنقل المستفيض. وأما الهاء والالف اللتان في قوله: فيها فإنهما عائدتان على اللعنة، والمراد بالكلام ما صار إليه الكافر باللعنة من الله ومن ملائكته ومن الناس والذي صار إليه بها نار جهنم. وأجرى الكلام على اللعنة والمراد بها ما صار إليه الكافر كما قد بينا من نظائر ذلك فيما مضى قبل. كما: 1985 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: خالدين فيها يقول: خالدين في جهنم في اللعنة. وأما قوله: لا يخفف عنهم العذاب فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن دوام العذاب أبدا من غير توقيت ولا تخفيف، كما قال تعالى ذكره: والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وكما قال: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها.
[ 82 ]
وأما قوله: ولا هم ينظرون فإنه يعني ولا هم ينظرون بمعذرة يعتذرون. كما: 1986 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: ولا هم ينظرون يقول: لا ينظرون فيعتذرون، كقوله: هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) * قد بينا فيما مضى معنى الالوهية وأنها اعتباد الخلق. فمعنى قوله: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم والذي يستحق عليكم أيها الناس الطاعة له، ويستوجب منكم العبادة معبود واحد ورب واحد، فلا تعبدوا غيره ولا تشركوا معه سواه، فإن من تشركونه معه في عبادتكم إياه هو خلق من خلق إلهكم مثلكم، وإلهكم إله واحد، لا مثل له ولا نظير. واختلف في معنى وحدانيته تعالى ذكره، فقال بعضهم: معنى وحدانية الله معنى نفي الاشباه والامثال عنه كما يقال: فلان واحد الناس وهو واحد قومه، يعني بذلك أنه ليس له في الناس مثل، ولا له في قومه شبيه ولا نظير فكذلك معنى قول: الله واحد، يعني به الله لا مثل له ولا نظير. فزعموا أن الذي دلهم على صحة تأويلهم ذلك أن قول القائل واحد يفهم لمعان أربعة، أحدها: أن يكون واحدا من جنس كالانسان الواحد من الانس، والآخر: أن يكون غير متفرق كالجزء الذي لا ينقسم، والثالث: أيكون معنيا به المثل والاتفاق كقول القائل: هذان الشيئان واحد، يراد بذلك أنهما متشابهان حتى صارا لاشتباههما في المعاني كالشئ الواحد، والرابع: أن يكون مرادا به نفي النظير عنه والشبيه. قالوا: فلما كانت المعاني الثلاثة من معاني الواحد منتفية عنه صح المعنى الرابع الذي وصفناه. وقال آخرون: معنى وحدانيته تعالى ذكره معنى انفراده من الاشياء، وانفراد الاشياء منه. قالوا: وإنما كان منفردا وحده، لانه غير داخل في شئ ولا داخل فيه شئ. قالوا: ولا صحة لقول القائل واحد من جميع الاشياء إلا ذلك.
[ 83 ]
وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الاربعة التي قالها الآخرون. وأما قوله: لا إله إلا هو فإنه خبر منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيره، ولا يستوجب على العباد العبادة سواه، وأن كل ما سواه فهم خلقه، والواجب على جميعهم طاعته، والانقياد لامره، وترك عبادة ما سواه من الانداد والآلهة وهجر الاوثان والاصنام، لان جميع ذلك خلقه وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والالوهة، ولا تنبغي الالوهة إلا له، إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه دون ما يعبدونه من الاوثان، ويشركون معه من الاشراك، وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه، وأن ما أشركوا معه من الاشراك لا يضر ولا ينفع في عاجل ولا في آجل، ولا في دنيا، ولا في آخرة. وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره أهل الشرك به على ضلالهم، ودعاء منه لهم إلى الاوبة من كفرهم، والانابة من شركهم. ثم عرفهم تعالى ذكره بالآية التي تتلوها موضع استدلال ذوي الالباب منهم على حقيقة ما نبههم عليه من توحيده وحججه الواضحة القاطعة عذرهم، فقال تعالى ذكره: أيها المشركون إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر من أن إلهكم إله واحد دون ما تدعون ألوهيته من الانداد والاوثان، فتدبروا حججي وفكروا فيها، فإن من حججي: خلق السموات والارض، واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزلت من السماء من ماء فأحييت به الارض بعد موتها، وما بثثت فيها من كل دابة، والسحاب الذي سخرته بين السماء والارض. فإن كان ما تعبدونه من الاوثان والآلهة والانداد وسائر ما تشركون به إذا اجتمع جميعه فتظاهر أو انفرد بعضه دون بعض يقدر على أن يخلق نظير شئ من خلقي الذي سميت لكم، فلكم بعبادتكم ما تعبدون من دوني حينئذ عذر، وإلا فلا عذر لكم في اتخاذ إله سواي، ولا إله لكم ولما تعبدون غيري. فليتدبر أولو الالباب إيجاز الله احتجاجه على جميع أهل الكفر به والملحدين في توحيده في هذه الآية وفي التي بعدها بأوجز كلام وأبلغ حجة وألطف معنى يشرف بهم على معرفة فضل حكمة الله وبيانه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ومآأنز الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها
[ 84 ]
من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون) * اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية على نبيه محمد (ص). فقال بعضهم: أنزلها عليه احتجاجا له على أهل الشرك به من عبدة الاوثان، وذلك أن الله تعالى ذكره لما أنزل على نبيه محمد (ص): وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم فتلا ذلك على أصحابه، وسمع به المشركون من عبدة الاوثان، قال المشركون: وما الحجة والبرهان على أن ذلك كذلك، ونحن ننكر ذلك، ونحن نزعم أن لنا آلهة كثيرة ؟ فأنزل الله عند ذلك: إن في خلق السموات والارض احتجاجا لنبيه (ص) على الذين قالوا ما ذكرنا عنهم. ذكر من قال ذلك: 1987 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، قال: نزل على النبي (ص) بالمدينة: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى ذكره: إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار إلى قوله: لآيات لقوم يعقلون فبهذا يعلمون أنه إله واحد، وأنه إله كل شئ وخالق كل شئ. وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية على النبي (ص) من أجل أن أهل الشرك سألوا رسول الله (ص) (آية)، فأنزل الله هذه الآية يعلمهم فيها أن لهم في خلق السموات والارض وسائر ما ذكر مع ذلك آية بينة على وحدانية الله، وأنه لا شريك له في ملكه لمن عقل وتدبر ذلك بفهم صحيح. ذكر من قال ذلك: 1988 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، قال: لما نزلت: وإلهكم إله واحد لاإله إلا هو الرحمن الرحيم قال المشركون: إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى ذكره: إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار... الآية. * - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق بن الحجاج، ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: حدثني سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، قال: لما نزلت وإلهكم إله واحد لا إله
[ 85 ]
إلا هو الرحمن الرحيم قال المشركون: إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى ذكره إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار... الآية. * - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: حدثني سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، قال: لما نزلت هذه الآية جعل المشركون يعجبون ويقولون: تقول إلهكم إله واحد، فلتأتنا بآية إن كنت من الصادقين فأنزل الله: إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار... الآية. 1989 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح: أن المشركين قالوا للنبي (ص): أرنا آية فنزلت هذه الآية: إن في خلق السموات والارض. 1990 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، قال: سألت قريش اليهود، فقالوا: حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات فحدثوهم بالعصا وبيده البيضاء للناظرين، وسألوا النصارى عما جاءه به عيسى من الآيات، فأخبروهم أنه كان يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى بإذن الله. فقالت قريش عند ذلك للنبي (ص): ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فنزداد يقينا، ونتقوى به على عدونا فسأل النبي (ص) ربه، فأوحى إليه: إني معطيهم، فأجعل لهم الصفا ذهبا، ولكن إن كذبوا عذبتهم عذابا لم أعذبه أحدا من العالمين. فقال النبي (ص): ذرني وقومي فأدعوهم يوما بيوم فأنزل الله عليه: إن في خلق السموات والارض الآية، إن في ذلك لآية لهم، إن كانوا إنما يريدون أن أجعل لهم الصفا ذهبا، فخلق الله السموات والارض واختلاف الليل والنهار أعظم من أن أجعل لهم الصفا ذهبا ليزدادوا يقينا. 1991 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار فقال المشركون للنبي (ص): غير لنا الصفا ذهبا إن كنت صادقا أنه منه فقال الله: إن في هذه الآيات لآيات لقوم يعقلون. وقال: قد سأل الآيات قوم قبلكم، ثم أصبحوا بها كافرين. والصواب من القول في ذلك، أن الله تعالى ذكره نبه عباده على الدلالة على وحدانيته وتفرده بالالوهية دون كل ما سواه من الاشياء بهذه الآية. وجائز أن تكون نزلت فيما قاله عطاء، وجائز أن تكون فيما قاله سعيد بن جبير وأبو الضحى، ولا خبر عندنا بتصحيح قول
[ 86 ]
أحد الفريقين يقطع العذر فيجوز أن يقضي أحد لأحد الفريقين بصحة قول على الآخر. وأي القولين كان صحيحا فالمراد من الآية ما قلت. القول في تأويل قوله تعالى: إن في خلق السموات والارض. يعني تعالى ذكره بقوله: إن في خلق السموات والارض إن في إنشاء السموات والارض وابتداعهما. ومعنى خلق الله الاشياء: ابتداعه وإيجاده إياها بعد أن لم تكن موجودة. وقد دللنا فيما مضى على المعنى الذي من أجله قيل الارض ولم تجمع كما جمعت السموات، فأغنى ذلك عن إعادته. فإن قال لنا قائل: وهل للسموات والارض خلق هو غيرها فيقال: إن في خلق السموات والارض ؟ قيل: قد اختلف في ذلك، فقال بعض الناس: لها خلق هو غيرها، واعتلوا في ذلك بهذه الآية، وبالتي في سورة الكهف: ما أشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق أنفسهم وقالوا: لم يخلق الله شيئا إلا والله له مريد. قالوا: فالاشياء كانت بإرادة الله، والارادة خلق لها. وقال آخرون: خلق الشئ صفة له، لا هي هو ولا غيره. قالوا: لو كان غيره لوجب أن يكون مثله موصوفا. قالوا: ولو جاز أن يكون خلقه غيره وأن يكون موصوفا لوجب أن تكون له صفة هي له خلق، ولو وجب ذلك كذلك لم يكن لذلك نهاية. قالوا: فكان معلوما بذلك أنه صفة للشئ. قالوا: فخلق السموات والارض صفة لهما على ما وصفنا. واعتلوا أيضا بأن للشئ خلقا ليس هو به من كتاب الله بنحو الذي اعتل به الاولون. وقال آخرون: خلق السموات والارض وخلق كل مخلوق، هو ذلك الشئ بعينه لا غيره. فمعنى قوله: إن في خلق السموات والارض: إن في السموات والارض. القول في تأويل قوله تعالى: واختلاف الليل والنهار. يعني تعالى ذكره بقوله واختلاف الليل والنهار وتعاقب الليل والنهار عليكم أيها الناس. وإنما الاختلاف في هذا الموضع الافتعال من خلوف كل واحد منهما الآخر، كما قال تعالى ذكره: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا
[ 87 ]
بمعنى: أن كل واحد منهما يخلف مكان صاحبه، إذا ذهب الليل جاء النهار بعده، وإذا ذهب النهار جاء الليل خلفه ومن ذلك قيل: خلف فلان فلانا في أهله بسوء، ومنه قول زهير: بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم وأما الليل فإنه جمع ليلة، نظير التمر الذي هو جمع تمرة، وقد يجمع ليال فيزيدون في جمعها ما لم يكن في واحدتها. وزيادتهم الياء في ذلك نظير زيادتهم إياها في رباعية وثمانية وكراهية. وأما النهار فإن العرب لا تكاد تجمعه لانه بمنزلة الضوء، وقد سمع في جمعه النهر قال الشاعر: لولا الثريدان هلكنا بالضمرثريد ليل وثريد بالنهر ولو قيل في جمع قليله أنهرة كان قياسا. القول في تأويل قوله تعالى: والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس. يعني تعالى ذكره: إن في الفلك التي تجري في البحر. والفلك هو السفن، واحده وجمعه بلفظ واحد، ويذكر ويؤنث، كما قال تعالى ذكره في تذكيره في آية أخرى: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون فذكره، وقد قال في هذه الآية: والفلك التي تجري في البحر وهي مجراة، لانها إذا أجريت فهي الجارية، فأضيف إليها من الصفة ما هو لها. وأما قوله: بما ينفع الناس فإن معناه: ينفع الناس في البحر.
[ 88 ]
القول في تأويل قوله تعالى: وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها. يعني تعالى ذكره بقوله: وما أنزل الله من السماء من ماء وفيما أنزله الله من السماء من ماء، وهو المطر الذي ينزله الله من السماء. وقوله: فأحيا به الارض بعد موتها وإحياؤها: عمارتها وإخراج نباتها، والهاء التي في به عائدة على الماء والهاء والالف في قوله: بعد موتها على الارض، وموت الارض: خرابها ودثور عمارتها، وانقطاع نباتها الذي هو للعباد أقوات وللانام أرزاق. القول في تأويل قوله تعالى: وبث فيها من كل دابة. يعني تعالى ذكره بقوله: وبث فيها من كل دابة وإن فيما بث في الارض من دابة. ومعنى قوله: وبث فيها وفرق فيها، من قول القائل: بث الامير سراياه: يعني فرق. والهاء والالف في قوله: فيها عائدتان على الارض. والدابة الفاعلة من قول القائل دبت الدابة تدب دبيبا فهي دابة، والدابة اسم لكل ذي روح كان غير طائر بجناحيه لدبيبه على الارض. القول في تأويل قوله تعالى: وتصريف الرياح. يعني تعالى ذكره بقوله: وتصريف الرياح وفي تصريفه الرياح، فأسقط ذكر الفاعل وأضاف الفعل إلى المفعول، كما قال: يعجبني إكرام أخيك، يريد إكرامك أخاك وتصريف الله إياها: أن يرسلها مرة لواقح، ومرة يجعلها عقيما، ويبعثها عذابا تدمر كل شئ بأمر ربها. كما: 1992 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وتصريف الرياح والسحاب المسخر قال: قادر والله ربنا على ذلك، إذا شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح، إنما هي عذاب على من أرسلت عليه. وزعم بعض أهل العربية أن معنى قوله: وتصريف الرياح أنها تأتي مرة جنوبا وشمالا وقبولا ودبورا ثم قال: وذلك تصريفها. وهذه الصفة التي وصف الرياح بها صفة
[ 89 ]
تصرفها لا صفة تصريفها، لان تصريفها تصريف الله لها، وتصرفها اختلاف هبوبها. وقد يجوز أن يكون معنى قوله: وتصريف الرياح تصريف الله تعالى ذكره هبوب الرياح باختلاف مهابها. القول في تأويل قوله تعالى: والسحاب المسخر بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون. يعني تعالى ذكره بقوله والسحاب المسخر وفي السحاب جمع سحابة، يدل على ذلك قوله تعالى ذكره: وينشئ السحاب الثقال فوحد المسخر وذكره، كما قال: هذه تمر وهذا تمر كثير في جمعه، وهذه نخلة وهذا نخل. وإنما قيل للسحاب سحاب إن شاء الله لجر بعضه بعضا وسحبه إياه، من قول القائل: مر فلان يجر ذيله: يعني يسحبه. فأما معنى قوله: لآيات فإنه علامات ودلالات على أن خالق ذلك كله ومنشئه إله واحد، لقوم يعقلون لمن عقل مواضع الحجج وفهم عن الله أدلته على وحدانيته. فأعلم تعالى ذكره عباده بأن الادلة والحجج إنما وضعت معتبرا لذوي العقول والتمييز دون غيرهم من الخلق، إذ كانوا هم المخصوصين بالامر والنهي، والمكلفين بالطاعة والعبادة، ولهم الثواب وعليهم العقاب. فإن قال قائل: وكيف احتج على أهل الكفر بقوله: إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار الآية في توحيد الله، وقد علمت أن أصنافا من أصناف الكفرة تدفع أن تكون السموات والارض وسائر ما ذكر في هذه الآية مخلوقة ؟ قيل: إن إنكار من أنكر ذلك غير دافع أن يكون جميع ما ذكر تعالى ذكره في هذه الآية دليلا على خالقه وصانعه، وأن له مدبرا لا يشبهه (شئ)، وبارئا لا مثل له. وذلك وإن كان كذلك، فإن الله إنما حاج بذلك قوما كانوا مقرين بأن الله خالقهم، غير أنهم يشركون في عبادته عبادة الاصنام والاوثان فحاجهم تعالى ذكره فقال إذ أنكروا قوله: وإلهكم إله واحد وزعموا أن له شركاء من الآلهة: إن إلهكم الذي خلق السموات، وأجرى فيها الشمس والقمر لكم بأرزاقكم دائبين في سيرهما، وذلك هو معنى اختلاف الليل والنهار في الشمس والقمر، وذلك هو معنى قوله: والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وأنزل إليكم الغيث
[ 90 ]
من السماء، فأخصب به جنابكم بعد جدوبه، وأمرعه بعد دثوره، فنعشكم به بعد قنوطكم، وذلك هو معنى قوله: وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها. وسخر لكم الانعام فيها لكم مطاعم ومآكل، ومنها جمال ومراكب، ومنها أثاث وملابس، وذلك هو معنى قوله: وبث فيها من كل دابة. وأرسل لكم الرياح لواقح لاشجار ثماركم وغذائكم وأقواتكم، وسير لكم السحاب الذي بودقه حياتكم وحياة نعمكم ومواشيكم وذلك هو معنى قوله: وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض. فأخبرهم أن إلههم هو الله الذي أنعم عليهم بهذه النعم، وتفرد لهم بها. ثم قال: هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ فتشركوه في عبادتكم إياي، وتجعلوه لي ندا وعدلا ؟ فإن لم يكن من شركائكم من يفعل ذلكم من شئ، ففي الذي عددت عليكم من نعمتي وتفردت لكم بأيادي دلالات لكم إن كنتم تعقلون مواقع الحق والباطل والجور والانصاف، وذلك أني لكم بالاحسان إليكم متفرد دون غيري، وأنتم تجعلون لي في عبادتكم إياي أندادا. فهذا هو معنى الآية. والذين ذكروا بهذه الآية واحتج عليهم بها هم القوم الذين وصفت صفتهم دون المعطلة والدهرية، وإن كان في أصغر ما عد الله في هذه الآية من الحجج البالغة، المقنع لجميع الانام، تركنا البيان عنه كراهة إطالة الكتاب بذكره. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا
[ 91 ]
أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب) * يعني تعالى ذكره بذلك: أن من الناس من يتخذ من دون الله أندادا له، وقد بينا فيما مضى أن الند العدل بما يدل على ذلك من الشواهد فكرهنا إعادته، وأن الذين اتخذوا هذه الانداد من دون الله يحبون أندادهم كحب المؤمنين الله، ثم أخبرهم أن المؤمنين أشد حبا لله من متخذي هذه الانداد لاندادهم. واختلف أهل التأويل في الانداد التي كان القوم اتخذوها وما هي ؟ فقال بعضهم: هي آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. ذكر من قال ذلك. 1993 - حدثنا بشر بن معاذ، ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله من الكفار لاوثانهم. 1994 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى ذكره: يحبونهم كحب الله مباهاة ومضاهاة للحق بالانداد. والذين آمنوا أشد حبا لله من الكفار لاوثانهم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 1995 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله قال: هي الآلهة التي تعبد من دون الله. يقول: يحبون أوثانهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله، أي من الكفار لاوثانهم. 1996 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله قال: هؤلاالمشركون أندادهم
[ 92 ]
آلهتهم التي عبدوا مع الله يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله، والذين آمنوا أشد حبا لله من حبهم هم آلهتهم. وقال آخرون: بل الانداد في هذا لموضع إنما هم سادتهم الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله تعالى ذكره. ذكر من قال ذلك: 1997 - حدثني موسى، قال: (حدثنا عمرو، قال:) ثنا أسباط، عن السدي: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله قال: الانداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله. فإن قال قائل: وكيف قيل كحب الله، وهل يحب الله الانداد ؟ وهل كان متخذو الانداد يحبون الله فيقال يحبونهم كحب الله ؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه، وإنما نظير ذلك قول القائل: بعت غلامي كبيع غلامك، بمعنى: بعته كما بيع غلامك وكبيعك غلامك، واستوفيت حقي منه استيفاء حقك، بمعنى: استيفائك حقك. فتحذف من الثاني كناية اسم المخاطب اكتفاء بكنايته في الغلام والحق، كما قال الشاعر: فلست مسلما ما دمت حياعلى زيد بتسليم الامير يعني بذلك: كما يسلم على الامير. فمعنى الكلام إذا: ومن الناس من يتخذ أيها المؤمنون من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله. القول في تأويل قوله تعالى: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب. اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه عامة أهل المدينة والشام: ولو ترى الذين
[ 93 ]
ظلموا بالتاء إذ يرون العذاب بالياء أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب بفتح أن وأن كلتيهما، بمعنى: ولو ترى يا محمد الذين كفروا وظلموا أنفسهم حين يرون عذاب الله ويعاينونه، أن القوة لله جميعا، وأن الله شديد العذاب. ثم في نصب أن وأن في هذه القراءة وجهان: أحدهما أن تفتح بالمحذوف من الكلام الذي هو مطلوب فيه فيكون تأويل الكلام حينئذ: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا إذ يرون عذاب الله لاقروا. ومعنى ترى: تبصر أن القوة لله جميعا، وأن الله شديد العذاب. ويكون الجواب حينئذ إذا فتحت أن على هذا الوجه متروكا قد اكتفي بدلالة الكلام عليه، ويكون المعنى ما وصفت. فهذا أحد وجهي فتح أن على قراءة من قرأ: ولو ترى بالتاء. والوجه الآخر في الفتح، أن يكون معناه: ولو ترى يا محمد إذ يرى الذين ظلموا عذاب الله، لان القوة لله جميعا، وأن الله شديد العذاب، لعلمت مبلغ عذاب الله. ثم تحذف اللام فتفتح بذلك المعنى لدلالة الكلام عليها. وقرأ ذلك آخرون من سلف القراء: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة لله جميعا وإن الله شديد العذاب بمعنى: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا حين يعاينوا عذاب الله لعلمت الحال التي يصيرون إليها. ثم أخبر تعالى ذكره خبرا مبتدأ عن قدرته وسلطانه بعد تمام الخبر الاول، فقال: إن القوة لله جميعا في الدنيا والآخرة دون من سواه من الانداد والآلهة، وإن الله شديد العذاب لمن أشرك به وادعى معه شركاء وجعل له ندا. وقد يحتمل وجها آخر في قراءة من كسر إن في ترى بالتاء، وهوأن يكون معناه: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا إذ يرون العذاب، يقولون: إن القوة لله جميعا، وإن الله شديد العذاب. ثم تحذف القول وتكتفي منه بالمقول. وقرأ ذلك آخرون: ولو يرى الذين ظلموا بالياء إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب بفتح الالف من أن وأن، بمعنى: ولو يرى الذين ظلموا عذاب الله الذي أعد لهم في جهنم لعلموا حين يرونه فيعاينونه أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب، إذ يرون العذاب. فتكون أن الاولى منصوبة لتعلقها بجواب لو المحذوف، ويكون الجواب متروكا، وتكون الثانية معطوفة على الاولى وهذه قراءة عامة القراء الكوفيين والبصريين وأهل مكة. وقد زعم بعض نحويي البصرة أن تأويل قراءة من قرأ: ولو يرى الذين ظلموا إذ
[ 94 ]
يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب بالياء في يرى وفتح الالفين في أن وأن: ولو يعلمون، لانهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب. وقد كان النبي (ص) علم، فإذا قال: ولو ترى، فإنما يخاطب النبي (ص). ولو كسر إن على الابتداء إذا قال: ولو يرى جاز، لان لو يرى: لو يعلم، وقد يكون لو يعلم في معنى لا يحتاج معها إلى شئ، تقول للرجل: أما والله لو يعلم ولو يعلم، كما قال الشاعر: إن يكن طبك الدلال فلو في سالف الدهر والسنين الخوالي هذا ليس له جواب إلا في المعنى، وقال الشاعر: وبحظ ما تعيش ولا تذهب بك الترهات في الاهوال فأضمر عش. قال: وقال بعضهم: ولو ترى وفتح أن على ترى وليس بذلك، لان النبي (ص) يعلم، ولكن أراد أن يعلم ذلك الناس كما قال تعالى ذكره: أم يقولون افتراه ليخبر الناس عن جهلهم، وكما قال: ألم تعلم أن الله له ملك السموات والارض. قال أبو جعفر: وأنكر قوم أن تكون أن عاملا فيها قوله: ولو يرى، وقالوا: إن الذين ظلموا قد علموا حين يرون العذاب أن القوة لله جميعا، فلا وجه لمن تأول ذلك: ولو
[ 95 ]
يرى الذين ظلموا أن القوة لله. وقالوا: إنما عمل في أن جواب لو الذي هو بمعنى العلم، لتقدم العلم الاول. وقال بعض نحويي الكوفة من نصب: أن القوة لله وأن الله شديد العذاب ممن قرأ: ولو يرى بالياء فإنما نصبها بإعمال الرؤية فيها، وجعل الرؤية واقعة عليها. وأما من نصبها ممن قرأ: ولو ترى بالتاء، فإنه نصبها على تأويل: لان القوة لله جميعا، ولان الله شديد العذاب. قال: ومن كسرهما ممن قرأ بالتاء فإنه يكسرهما على الخبر. وقال آخرون منهم: فتح أن في قراءة من قرأ: ولو يرى الذين ظلموا بالياء بإعمال يرى، وجواب الكلام حينئذ متروك، كما ترك جواب: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض لان معنى الجنة والنار مكرر معروف. وقالوا: جائز كسر إن في قراءة من قرأ بالياء، وإيقاع الرؤية على إذ في المعنى، وأجازوا نصب أن على قراءة من قرأ ذلك بالتاء لمعنى نية فعل آخر، وأن يكون تأويل الكلام: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا. وزعموا أن كسر إن الوجه إذا قرئت: ولو ترى بالتاء على الاستئناف، لان قوله: ولو ترى قد وقع على الذين ظلموا. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندنا في ذلك: ولو ترى الذين ظلموا بالتاء من ترى إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب بمعنى لرأيت أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب، فيكون قوله لرأيت الثانية محذوفة مستغنى بدلالة قوله: ولو ترى الذين ظلموا عن ذكره، وإن كان جوابا للو ويكون الكلام وإن كان مخرجه مخرج الخطاب لرسول الله (ص) معنيا به غيره، لان النبي (ص) كان لا شك عالما بأن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب، ويكون ذلك نظير قوله: ألم تعلم أن الله له ملك السموات والارض وقد بيناه في موضعه. وإنما اخترنا ذلك على قراءة الياء لان القوم إذا رأوا العذاب قد أيقنوا أن القوة لله جميعا، وأن الله شديد العذاب، فلا وجه أن يقال: لو يرون أن القوة لله جميعا حينئذ، لانه إنما يقال: لو رأيت لمن لم ير، فأما من قد رآه فلا معنى لان يقال له: لو رأيت.
[ 96 ]
ومعنى قوله: إذ يرون العذاب إذ يعاينون العذاب. كما: 1998 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب يقول: لو عاينوا العذاب. وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: ولو ترى الذين ظلموا ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم فاتخذوا من دوني أندادا يحبونهم كحبكم إياي، حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم، لعلمتم أن القوة كلها لي دون الانداد والآلهة، وأن الانداد والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئا، ولا تدفع عنهم عذابا أحللت بهم، وأيقنتم أني شديد عذابي لمن كفر بي وادعى معي إلها غيري. القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب) * يعني تعالى ذكره بقوله: * (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوه العذاب) * إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا (1). ثم اختلف افل التأويل في الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله: * (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) * فقال بعضهم بما: 1999 - حدثنا به بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: * (إذ تبرأ الذين اتبعوا) * وهم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشرك، * (من الذين اتبعوا) * وهم الاتباع الضعفاء، * (ورأوا العذاب) * 2000 - حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (أذ تبراء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) * قال: تبرأت القادة من الاتباع يوم القيامة. 2001 - حدثنى القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثنى حجاج، قال ابن جريج: قلت لعطاء: * (أذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) * قال: تبرأ رؤساؤهم وقادتهم وساداتهم من الذين اتبعوهم.
[ 97 ]
وقال آخرون بما: 2002 - حدثني به موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) أما الذين اتبعوا فهن الشياطين تبرءوا من الانس. اقل أبو جعفر: والصواب من القول عندي في ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن المتبعين على الشرك بالله يتبرءون من أتباعهم حين يعاينون عذاب الله ولم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض، بل عم جميعهم، فدخل في ذلك كل متبع على الكفر بالله والضلال أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتبعونه على الضلال في الدنيا إذا عاينوا عذاب الله في الاخرة. وأما دلالة الاية فيمن عنى بقوله: (إذ تبرأ اتبعوا من الذين اتبعوا) فإنها إنما تدل على أن الانداد الذين اتخذهم من دون الله من وصف تعالى ذكره صفته بقوله: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) هم الذين يتبرءون من أتباعهم. وإذا كانت الاية على ذلك دالة صح التأويل الذين تأوله السدي في قوله: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) أن الانداد في هذا الموضع إنما أريد بها الانداد من الرجال الذين يطيعونهم فيما أمروهم به من أمر، ويعصن الله في طاعتهم إياهم، كما يطيع الله المؤمنون ويعصون غيره، وفسد تأويل قول من قال: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) إنهم الشياطين تبرءوا من أوليائهم من الانس، لان هذه الاية إنما هي في سياق الخبر عن متخذي الانداد. القول في تأويل قوله تعالى: (وتقطعت بهم الاسباب). يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله شديد العذاب إذ تبرأ الذين اتبعوا، وإذ تقطعت بهم الاسباب. ثم اختلف أهل التأويل في معنى الاسباب، فقال بعضهم بما: 2003 - حدثني به يحيى به طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، وثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبيد المكتب، عن مجاهد: (وتقطعت بهم الاسباب) قال: الوصال الذي كان بينهم في الدنيا. * - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن
[ 98 ]
سفيان، عن عبيد المكتب، عن مجاهد: (تقطعت بهم الاسباب) قال: تواصلهم في الدنيا. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، وثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد جميعا، قالا: ثنا سفيان، عن عبيد المكتب، عن مجاهد بمثله. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وتقطعت بهم الاسباب) قال: المودة. * - حدثنا المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثني القاسم، قال: ثني الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا. 2004 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، قال: أخبرني قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس في قول في قول الله تعالى ذكره: (وتقطعت بهم الاسباب) قال: المودة. 2005 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (وتقطعت بهم الاسباب) أسباب الندامة يوم القيامة، وأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون بها، فصارت عليهم عداوة يوم القيامة (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) (1) ويتبرأ بعضكم من بعض، وقال الله تعالى ذكره: (الا خلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) (2) فصارت كل خلة عداوة على أهلها، إلا خلة المتقين. * حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (وتقطعت بهم الاسباب) قال: هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا، 2006 - وحدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (وتقطعت بهم الاسباب) يقول: الاسباب: الندامة.
[ 99 ]
وقال بعضهم: بل معنى الاسباب: المنازل التي كانت لهم من أهل الدنيا. ذكر من قال ذلك: 2007 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وتقطعت بهم الاسباب) يقول: تقطعت بهم المنازل. 2008 - حدثني المثني، قال: ثنا أسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس (وتقطعت بهم الاسباب) قال: الاسباب: المنازل. وقال آخرون: الاسباب: الارحام. ذكر من قال ذلك: 2009 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، وقال ابن عباس: (وتقطعت بهم الاسباب) قال: الارحام. وقال آخرون: الاسباب: الاعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا. ذكر من قال ذلك: 2010 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إما (وتقطعت بهم الاسباب) فالاعمال. 2011 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وتقطعت بهم الاسباب) قال: أسباب أعمالهم، فأهل التقوى أعطوا أسباب أعمالهم وثيقة فيأخذون بها فينجون، والاخرون أعطوا أسباب أعمالهم الخبيثة فتقطع بهم فيذهبون في النار، قال (1): والاسباب: الشئ يتعلق به، قال: والسبب الحبل، والاسباب جمع سبب، وهو كل ما تسبب به الرجل إلى طلبته وحاجته، فيقال للحبل سبب لانه يتسبب بالتعلق به إلى الحاجة التي لا يوصل إليها إلا بالتعلق به، ويقال للطريق سبب للتسبب بركوبه إلى ما لا يدرك إلا بقطعه، وللمصاهرة سبب لانها سبب للحرمة، وللوسيلة سبب للوصل بها إلى الحجة، وكذلك كل ما كان به إدراك الطلبة فهو سبب لادراكها. فإذا كان ذلك كذلك فالصواب من القول في تأويل قوله: (وتقطعت بهم الاسباب) أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن الذين ظلموا أنفسهم من أهل الكفر الذين ماتوا وهم كفار يتبرأ عند معاينتهم عذاب الله المتبوع من التابع، وتتقطع بهم الاسباب. وقد أخبر تعالى ذكره في كتابه أن بعضهم يلعن بعضا، وأخبر عن الشيطان أنه يقول لاوليائه: (ما أنا بمصرخكم وما أنتم
[ 100 ]
بمصرخي إني كفرت بما اشركتمون من قبل) * (1) وأخبر تعالى ذكره أن الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين، وان الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضا، فقال تعالى ذكره: * (وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون) * (2) وأن الرجل منهم لا ينفعه نسيبه ولا ذو رحمه، وإن كان نسيبه لله وليا، فقال تعالى ذكره في ذلك: * (وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) * (3) وأخبر تعالى ذكره أن أعمالهم تصير عليهم حسرات. وكل هذه المعاني اسباب يتسبب في الدنيا بها الى مطالب، فقطع الله منافعها في الاخرة عن الكافرين به لانها كانت بخلاف طاعته ورضاه، فهي منقطعة باهلها فلا خلال (4) بعضهم بعضا ينفعهم عند ورودهم على ربهم ولا عبادتهم اندادهم ولا طاعتهم شياطينهم، ولا دافعت عنهم ارحام فنصرتهم من انتقام الله منهم، ولا أغنت عنهم أعمالهم بل صارت عليهم حسرات، فكل اسباب الكفار منقطعة، فلا معنى أبلغ في تأويل قوله: * (وتقطعت بهم الاسباب) * من صفة الله، وذلك ما بينا من جميع اسبابهم دون بعضها على ما قلنا في ذلك. ومن ادعى أن المعنى بذلك خاص من الاسباب سئل عن البيان على دعواه من اصل لا منازع فيه، وعورض بقول مخالفه فيه، فلن يقول في شئ من ذلك قولا إلا ألزم في الاخرة مثله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار) * يعني بقوله تعالى ذكره: وقال الذين اتبعوا وقال أتباع الرجال الذين كانوا اتخذوهم أندادا من دون الله يطيعونهم في معصية الله، ويعصون ربهم في طاعتهم، إذ يرون عذاب الله في الآخرة: لو أن لنا كرة يعني بالكرة: الرجعة إلى الدنيا، من قول القائل: كررت على القوم أكر كرا، والكرة: المرة الواحدة، وذلك إذا حمل عليهم راجعا عليهم بعد الانصراف عنهم كما قال الاخطل:
[ 101 ]
ولقد عطفن على فزارة عطفة كر المشيح وجلن ثم مجالا 2012 - وكما حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا أي لنا رجعة إلى الدنيا. 2013 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة قال: قالت الاتباع: لو أن لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا. وقوله: فنتبرأ منهم منصوب لانه جواب للتمني بالفاء، لان القوم تمنوا رجعة إلى الدنيا ليتبرءوا من الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله كما تبرأ منهم رؤساؤهم الذين كانوا في الدنيا المتبوعون فيها على الكفر بالله إذ عاينوا عظيم النازل بهم من عذاب الله، فقالوا: يا ليت لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم، ويا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين. القول في تأويل قوله تعالى: كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم. ومعنى قوله: كذلك يريهم الله أعمالهم يقول: كما أراهم العذاب الذي ذكره في قوله: ورأوا العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا، فكذلك يريهم أيضا أعمالهم الخبيثة التي استحقوا بها العقوبة من الله حسرات عليهم يعني ندامات. والحسرات جمع حسرة، وكذلك كل اسم كان واحده على فعلة مفتوح الاول ساكن الثاني، فإن جمعه على فعلات، مثل شهو وتمرة تجمع شهوات وتمرات، مثقلة الثواني من حروفها. فأما إذا
[ 102 ]
كان نعتا فإنك تدع ثانيه ساكنا مثل ضخمة تجمعها ضخمات، وعبلة تجمعها عبلات، وربما سكن الثاني في الاسماء كما قال الشاعر: عل صروف الدهر أو دولاتهايدلننا اللمة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها فسكن الثاني من الزفرات وهي اسم وقيل إن الحسرة أشد الندامة. فإن قال لنا قائل: فكيف يرون أعمالهم حسرات عليهم، وإنما يتندم المتندم على ترك الخيرات وفوتها إياه ؟ وقد علمت أن الكفار لم يكن لهم من الاعمال ما يتندمون على تركهم الازدياد منه، فيريهم الله قليله، بل كانت أعمالهم كلها معاصي لله، ولا حسرة عليهم في ذلك، وإنما الحسرة فيما لم يعملوا من طاعة الله ؟ قيل: إن أهل التأويل في تأويل ذلك مختلفون، فنذكر في ذلك ما قالوا، ثم نخبر بالذي هو أولى بتأويله إن شاء الله. فقال بعضهم: معنى ذلك: كذلك يريهم الله أعمالهم التي فرضها عليهم في الدنيا فضيعوها ولم يعملوا بها حتى استوجب ما كان الله أعد لهم لو كانوا عملوا بها في حياتهم من المساكن والنعم غيرهم بطاعته ربه فصار ما فاتهم من الثواب الذي كان الله أعده لهم عنده لو كانوا أطاعوه في الدنيا إذ عاينوه عند دخول النار أو قبل ذلك أسى وندامة وحسرة عليهم. ذكر من قال ذلك: 2014 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم زعم أنه يرفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى
[ 103 ]
بيوتهم فيها لو أنهم أطاعوا الله، فيقال لهم: تلك مساكنكم لو أطعتم الله ثم تقسم بين المؤمنين، فيرثونهم، فذلك حين يندمون. 2015 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل، قال: ثنا أبو الزعراء، عن عبد الله في قصة ذكرها فقال: فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار، وهو يوم الحسرة. قال: فيرى أهل النار الذين في الجنة، فيقال لهم: لو عملتم فتأخذهم الحسرة. قال: فيرى أهل الجنة البيت الذي في النار، فيقال: لولا أن من الله عليكم فإن قال قائل: وكيف يكون مضافا إليهم من العمل ما لم يعملوه على هذا التأويل ؟ قيل: كما يعرض على الرجل العمل فيقال له قبل أن يعمله: هذا عملك، يعني هذا الذي يجب عليك أن تعمله، كما يقال للرجل يحضر غداؤه قبل أن يتغدى به: هذا غداؤك اليوم، يعني به: هذا ما تتغدى به اليوم، فكذلك قوله: كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم يعني: كذلك يريهم الله أعمالهم التي كان لازما لهم العمل بها في الدنيا حسرات عليهم. وقال آخرون: كذلك يريهم الله أعمالهم السيئة حسرات عليهم: لم عملوها، وهلا عملوا بغيرها مما يرضى الله تعالى ذكر من قال ذلك: 2016 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم فصارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة. 2017 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: أعمالهم حسرات عليهم قال: أو ليس أعمالهم الخبيثة التي أدخلهم الله بها النار حسرات عليهم ؟ قال: وجعل أعمال أهل الجنة لهم، وقرأ قول الله: بما أسلفتم في الايام الخالية. قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال: معنى قوله: كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم كذلك يرى الله الكافرين أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم لم
[ 104 ]
عملوا بها، وهلا عملوا بغيرها فندموا على ما فرط منهم من أعمالهم الرديئة إذ رأوا جزاءها من الله وعقابها ؟ لان الله أخبر أنه يريهم أعمالهم ندما عليهم. فالذي هو أولى بتأويل الآية ما دل عليه الظاهر دون ما احتمله الباطن الذي لا دلالة على أنه المعني بها. والذي قال السدي في ذلك وإن كان مذهبا تحتمله الآية، فإنه منزع بعيد، ولا أثر بأن ذلك كما ذكر تقوم به حجة فيسلم لها، ولا دلالة في ظاهر الآية أنه المراد بها. فإذا كان الامر كذلك لم يحل ظاهر التنزيل إلى باطن تأويل. القول في تأويل قوله تعالى: وما هم بخارجين من النار. يعني تعالى ذكره بذلك: وما هؤلاء الذين وصفتهم من الكفار وإن ندموا بعد معاينتهم ما عاينوا من عذاب الله، فاشتدت ندامتهم على ما سلف منهم من أعمالهم الخبيثة، وتمنوا إلى الدنيا كرة لينيبوا فيها، ويتبرءوا من مضليهم وسادتهم الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله فيها بخارجين من النار التي أصلاهموها الله بكفرهم به في الدنيا، ولا ندمهم فيها بمنجيهم من عذاب الله حينئذ، ولكنهم فيها مخلدون. وفي هذه الآية الدلالة على تكذيب الله الزاعمين أن عذاب الله أهل النار من أهل الكفر منقض، وأنه إلى نهاية، ثم هو بعد ذلك فان لان الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، ثم ختم الخبر عنهم أنهم غير خارجين من النار بغير استثناء منه وقتا دون وقت، فذلك إلى غير حد ولا نهاية. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) * يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيها الناس كلوا مما أحللت لكم من الاطعمة على لسان رسولي محمد (ص) فطيبته لكم مما تحرمونه على أنفسكم من البحائر والسوائب والوصائل، وما أشبه ذلك مما لم أحرمه عليكم، دون ما حرمته عليكم من المطاعم والمآكل فنجسته من ميتة ودم ولحم خنزير وما أهل به لغيري، ودعوا خطوات الشيطان الذي يوبقكم فيهلككم ويوردكم موارد العطب ويحرم عليكم أموالكم فلا تتبعوها ولا تعملوا بها، إنه يعني بقوله إنه إن الشيطان، والهاء في قوله: إنه عائدة على الشيطان لكم أيها الناس عدو مبين يعني أنه قد أبان لكم عداوته بإبائه عن السجود لابيكم وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة واستزله بالخطيئة، وأكل من الشجرة. يقول تعالى ذكره: فلا تنتصحوه
[ 105 ]
أيها الناس مع إبانته لكم العداوة، ودعوا ما يأمركم به والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرمته عليكم، دون ما حرمتموه أنتم على أنفسكم وحللتموه طاعة منكم للشيطان واتباعا لامره. ومعنى قوله حلالا طلقا، وهو مصدر من قول القائل: قد حل لك هذا الشئ، أي صار لك مطلقا، فهو يحل لك حلالا وحلا. من كلام العرب: هو لك حل، أي طلق. وأما قوله: طيبا فإنه يعني به طاهرا غير نجس ولا محرم. وأما الخطوات فإنه جمع خطوة، والخطوة: بعد ما بين قدمي الماشي، والخطوة بفتح الخاء: الفعلة الواحدة، من قول القائل: خطوت خطوة واحدة وقد تجمع الخطوة خطا، والخطوة تجمع خطوات وخطاء. والمعنى في النهي عن اتباع خطواته، النهي عن طريقه وأثره فيما دعا إليه مما هو خلاف طاعة الله تعالى ذكره. واختلف أهل التأويل في معنى الخطوات، فقال بعضهم: خطوات الشيطان: عمله. ذكر من قال ذلك: 2018 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: خطوات الشيطان يقول: عمله. وقال بعضهم: خطوات الشيطان: خطاياه. ذكر من قال ذلك: 2019 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: خطوات الشيطان قال: خطيئته. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: خطاياه. 2020 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ولا تتبعوا خطوات الشيطان قال: خطاياه. 2021 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك قوله: خطوات الشيطان قال: خطايا الشيطان التي يأمر بها. وقال آخرون: خطوات الشيطان: طاعته. ذكر من قال ذلك:
[ 106 ]
2022 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تتبعوا خطوات الشيطان يقول: طاعته. وقال آخرون: خطوات الشيطان: النذور في المعاصي. ذكر من قال ذلك: 2023 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن سليمان، عن أبي مجلز في قوله: ولا تتبعوا خطوات الشيطان قال: هي النذور في المعاصي. وهذه الاقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه فتأويل قوله خطوات الشيطان قريب معنى بعضها من بعض لان كل قائل منهم قولا في ذلك فإنه أشار إلى نهي اتباع الشيطان في آثاره وأعماله. غير أن حقيقة تأويل الكلمة هو ما بينت من أنها بعد ما بين قدميه ثم تستعمل في جميع آثاره وطرقه على ما قد بينت. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * يعني تعالى ذكره بقوله: إنما يأمركم الشيطان بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون والسوء: الاثم مثل الضر من قول القائل: ساءك هذا الامر يسوءك سوءا وهو ما يسوء الفاعل. وأما الفحشاء فهي مصدر مثل السراء والضراء، وهي كل ما استفحش ذكره وقبح مسموعه. وقيل إن السوء الذي ذكره الله هو معاصي الله فإن كان ذلك كذلك، فإنما سماها الله سوءا لانها تسوء صاحبها بسوء عاقبتها له عند الله. وقيل إن الفحشاء: الزنا فإن كان ذلك كذلك، فإنما يسمى لقبح مسموعه، ومكروه ما يذكر به فاعله. ذكر من قال ذلك: 2024 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إنما يأمركم بالسوء والفحشاء أما السوء فالمعصية، وأما الفحشاء فالزنا. وأما قوله: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون فهو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي، ويزعمون أن الله حرم ذلك، فقال تعالى ذكره لهم: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون وأخبرهم تعالى ذكره في هذه الآية أن قيلهم إن الله حرم هذا من الكذب الذي يأمرهم به الشيطان، وأنه قد أحله لهم وطيبه، ولم يحرم أكله عليهم،
[ 107 ]
ولكنهم يقولون على الله ما لا يعلمون حقيقته طاعة منهم للشيطان، واتباعا منهم خطواته، واقتفاء منهم آثار أسلافهم الضلال وآبائهم الجهال، الذين كانوا بالله وبما أنزل على رسوله جهالا، وعن الحق ومنهاجه ضلالا وإسرافا منهم، كما أنزل الله في كتابه على رسوله (ص)، فقال تعالى ذكره: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا قيل لهم اتبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتبع مآ ألفينا عليه آبآءنآ أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) * وفي هذه الآية وجهان من التأويل: أحدهما أن تكون الهاء والميم من قوله: وإذا قيل لهم عائدة على من في قوله: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا فيكون معنى الكلام: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا، وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا. والآخر أن تكون الهاء والميم اللتان في قوله: وإذا قيل لهم من ذكر الناس الذين في قوله: يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا فيكون ذلك انصرافا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب كما في قوله تعالى ذكره: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة. وأشبه عندي وأولى بالآية أن تكون الهاء والميم في قوله لهم من ذكر الناس، وأن يكون ذلك رجوعا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب، لان ذلك عقيب قوله: يا أيها الناس كلوا مما في الارض فلان يكون خبرا عنهم أولى من أن يكون خبرا عن الذين أخبر أن منهم من يتخذ من دون الله أندادا مع ما بينهما من الآيات وانقطاع قصصهم بقصة مستأنفة غيرها، وإنما نزلت في قوم من اليهود قالوا ذلك إذ دعوا إلى الاسلام. كما: 2025 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: دعا رسول الله (ص) اليهود من أهل الكتاب إلى الاسلام ورغبهم فيه، وحذرهم عقاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا فإنهم كانوا
[ 108 ]
أعلم وخيرا منا فأنزل الله من قولهم ذلك: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس، مثله، إلا أنه قال: فقال له أبو رافع بخارجة ومالك بن عوف. وأما تأويل قوله: اتبعوا ما أنزل الله فإنه: اعملوا بما أنزل الله في كتابه على رسوله، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، واجعلوه لكم إماما تأتمون به، وقائدا تتبعون أحكامه. وقوله: ألفينا عليه آباءنا يعني وجدنا، كما قال الشاعر: فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا يعني وجدته. وكما: 2026 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة: قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أي ما وجدنا عليه آباءنا. 2027 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. فمعنى الآية: وإذا قيل لهؤلاء الكفار كلوا مما أحل الله لكم ودعوا خطوات الشيطان وطريقه واعملوا بما أنزل الله على نبيه (ص) في كتابه، استكبروا عن الاذعان للحق، وقالوا:
[ 109 ]
بل نأتم بآبائنا فنتبع ما وجدناهم عليه من تحليل ما كانوا يحلون وتحريم ما كانوا يحرمون قال الله تعالى ذكره: أولو كان آباؤهم يعني آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم لا يعقلون شيئا من دين الله وفرائضه وأمره ونهيه، فيتبعون على ما سلكوا من الطريق ويؤتم بهم في أفعالهم ولا يهتدون لرشد فيهتدي بهم غيرهم، ويقتدي بهم من طلب الدين، وأراد الحق والصواب ؟ يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار: فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئا ولا هم مصيبون حقا ولا مدركون رشدا ؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشئ المستعمل له في نفسه، فأما الجاهل فلا يتبعه فيما هو به جاهل إلا من لا عقل له ولا تمييز. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء وندآء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) * اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: مثل الكافر في قلة فهمه عن الله ما يتلى عليه في كتابه وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به، مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها ولا تعقل ما يقال لها. ذكر من قال ذلك: 2028 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بمالا يسمع إلا دعاء ونداء قال: مثل البعير أو مثل الحمار تدعوه فيسمع الصوت ولا يفقه ما تقول. 2029 - حدثني محمد بن عبد الله بن زريع، قال: ثنا يوسف بن خالد السمتي، قال: ثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: كمثل الذي ينعق بما لا يسمع قال: هو كمثل الشاة ونحو ذلك. 2030 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء كمثل البعير والحمار والشاة إن قلت لبعضها كل لا يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك، وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول، غير أنه يسمع صوتك.
[ 110 ]
* - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: مثل الدابة تنادي فتسمع ولا تعقل ما يقال لها، كذلك الكافر يسمع الصوت ولا يعقل. 2031 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: كمثل الذي ينعق بما لا يسمع قال: مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كمثل الذي ينعق مثل ضربه الله للكافر يسمع ما يقال لولا يعقل، كمثل البهيمة تسمع النعيق ولا تعقل. 2032 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء يقول: مثل الكافر كمثل البعير والشاة يسمع الصوت ولا يعقل ولا يدري ما عني به. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء قال: هو مثل ضربه الله للكافر، يقول: مثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها، فكذلك الكافر لا ينتفع بما يقال له. 2033 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: هو مثل الكافر يسمع الصوت ولا يعقل ما يقال له. 2034 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: سألت عطاء، ثم قلت له: يقال لا تعقل، يعني البهيمة، إلا أنها تسمع دعاء الداعي حين ينعق بها، فهم كذلك لا يعقلون وهم يسمعون. فقال: كذلك. قال: وقال مجاهد: الذي ينعق الراعي بما لا يسمع من البهائم. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كمثل الذي ينعق الراعي بما لا يسمع من البهائم. 2035 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء لا يعقل ما يقال له إلا أن تدعى فتأتي أو ينادى بها
[ 111 ]
فتذهب، وأما الذي ينعق فهو الراعي الغنم كما ينعق الراعي بما لا يسمع ما يقال له، إلا أن يدعى أو ينادى، فكذلك محمد (ص) يدعو من لا يسمع إلا خرير الكلام يقول الله: صم بكم عمي. ومعنى قائلي هذا القول في تأويلهم ما تأولوا على ما حكيت عنهم: ومثل وعظ الذين كفروا وواعظهم كمثل نعق الناعق بغنمه ونعيقه بها. فأضيف المثل إلى الذين كفروا، وترك ذكر الوعظ والواعظ لدلالة الكلام على ذلك، كما يقال: إذا لقيت فلانا فعظمه تعظيم السلطان، يراد به كما تعظم السلطان، وكما قال الشاعر: فلست مسلما ما دمت حياعلى زيد بتسليم الامير يراد به: كما يسلم على الامير. وقد يحتمل أن يكون المعنى على هذا التأويل الذي تأوله هؤلاء: ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله كمثل المنعوق به من البهائم الذي لا يفقه من الامر والنهي غير الصوت، وذلك أنه لو قيل له: اعتلف أو رد الماء لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله فكذلك الكافر، مثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه بسوء تدبره إياه وقلة نظره وفكره فيه، مثل هذا المنعوق به فيما أمر به ونهي عنه. فيكون المعنى للمنعوق به والكلام خارج على الناعق، كما قال نابغة بني ذبيان: وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل والمعنى: حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي، وكما قال الآخر: كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرجم
[ 112 ]
والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزنا، فجعل الزنا فريضة الرجم لوضوح معنى الكلام عند سامعه. وكما قال الآخر: إن سراجالكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره والمعنى: يحلى بالعين فجعله تحلى بالعين. ونظائر ذلك من كلام العرب أكثر من أن يحصى مما توجهه العرب من خبر ما تخبر عنه إلى ما صاحبه لظهور معنى ذلك عند سامعه، فتقول: اعرض الحوض على الناقة، وإنما تعرض الناقة على الحوض، وما أشبه ذلك من كلامها. وقال آخرون: معنى ذلك: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأوثانهم التي لا تسمع ولا تعقل، كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، وذلك الصدى الذي يسمع صوته، ولا يفهم به عنه الناعق شيئا. فتأويل الكلام على قول قائلي ذلك: ومثل الذين كفروا وآلهتهم في دعائهم إياها وهي لا تفقه ولا تعقل كمثل الناعق بما لا يسمعه الناعق إلا دعاء ونداء، أي لا يسمع منه الناعق إلا دعاءه. ذكر من قال ذلك: 2036 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء قال: الرجل الذي يصيح في جوف الجبال فيجيبه فيها صوت يراجعه يقال له الصدى، فمثل آلهة هؤلاء لهم كمثل الذي يجيبه بهذا الصوت لا ينفعه لا يسمع إلا دعاء ونداء. قال: والعرب تسمي ذلك الصدى. وقد تحتمل الآية على هذا التأويل وجها آخر غير ذلك، وهو أن يكون معناها: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم كمثل الناعق بغنم له من حيث لا تسمع صوته غنمه فلا تنتفع من نعقه بشئ غير أنه في عناء من دعاء ونداء، فكذلك الكافر في دعائه آلهته إنما هو في عناء من دعائه إياها وندائه لها، ولا ينفعه شئ.
[ 113 ]
وأولى التأويل عندي بالآية التأويل الاول الذي قاله ابن عباس ومن وافقه عليه وهو أن معنى الآية: ومثل وعظ الكافر وواعظه كمثل الناعق بغنمه ونعيقه، فإن يسمع نعقه ولا يعقل كلامه على ما قد بينا قبل. فأما وجه جواز حذف وعظ اكتفاء بالمثل منه فقد أتينا على البيان عنه في قوله: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا وفي غيره من نظائره من الآيات بما فيه الكفاية عن إعادته. وإنما اخترنا هذا التأويل، لان هذه الآية نزلت في اليهود، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بها، ولم تكن اليهود أهل أوثان يعبدونها ولا أهل أصنام يعظمونها ويرجون نفعها أو دفع ضرها. ولا وجه إذ كان ذلك كذلك لتأويل من تأول ذلك أنه بمعنى: مثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودعائهم إياها. فإن قال قائل: وما دليلك على أن المقصود بهذه الآية اليهود ؟ قيل: دليلنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها، فإنهم هم المعنيون به، فكان ما بينهما بأن يكون خبرا عنهم أحق وأولى من أن يكون خبرا عن غيرهم حتى تأتي الادلة واضحة بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. هذا مع ما ذكرنا من الاخبار عمن ذكرنا عنه أنها فيهم نزلت، والرواية التي روينا عن ابن عباس أن الآية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم. وبما قلنا من أن هذه الآية معني بها اليهود كان عطاء يقول. 2037 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل الله فيهم: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا إلى قوله: فما أصبرهم على النار. وأما قوله ينعق فإنه يصوت بالغنم النعيق والنعاق، ومنه قول الاخطل: فانعق بضأنك يا جرير فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا يعني: صوت به. القول في تأويل قوله تعالى: صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
[ 114 ]
يعني تعالى ذكره بقوله: صم بكم عمي هؤلاء الكفار الذين مثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، صم عن الحق فهم لا يسمعون، بكم يعني خرس عن قيل الحق والصواب والاقرار بما أمرهم الله أن يقروا به وتبيين ما أمرهم الله تعالى ذكره أن يبينوه من أمر محمد (ص) للناس، فلا ينطقون به ولا يقولونه ولا يبينونه للناس، عمي عن الهدى وطريق الحق فلا يبصرونه. كما: 2038 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد عن سعيد، عن قتادة قوله: صم بكم عمي يقول: صم عن الحق فلا يسمعونه ولا ينتفعون به ولا يعقلونه، عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه، بكم عن الحق فلا ينطقون به. 2039 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: صم بكم عمي يقول عن الحق. 2040 - حدثني المثنى قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: صم بكم عمي يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه. وأما الرفع في قوله: صم بكم عمي فإنه أتاه من قبل الابتداء والاستئناف، يدل على ذلك قوله: فهم لا يعقلون كما يقال في الكلام: هو أصم لا يسمع، وهو أبكم لا يتكلم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) * يعني تعالى ذكره بقوله: يا أيها الذين آمنوا يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا لله بالعبودية، وأذعنوا له بالطاعة. كما: 2041 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: يا أيها الذين آمنوا يقول: صدقوا. كلوا من طيبات ما رزقناكم يعني: أطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم مما كنتم تحرمون أنتم ولم أكن حرمته عليكم من المطاعم والمشارب. واشكروا لله يقول: وأثنوا على الله بما هو أهله منكم على النعم التي رزقكم وطيبها لكم، إن كنتم إياه تعبدون يقول: إن كنتم منقادين لامره سامعين مطيعين، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان.
[ 115 ]
وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرمونه من المطاعم، وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه، إذ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعة منهم للشيطان واتباعا لاهل الكفر منهم بالله من الآباء والاسلاف. ثم بين لهم تعالى ذكره ما حرم عليهم، وفصل لهم مفسرا. القول في تأويل قوله تعالى: (انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم (173) يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحرموا على أنفسكم ما لم أحرمه عليكم أيها المؤمنون بالله وبرسوله من البحائر والسوائب ونحو ذلك، بل كلوا ذلك فإني لم أحرم عليكم غير الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيري. ومعنى قول: (إنما حرم عليكم الميتة): ما حرم عليكم إلا الميتة: " وإنما ": حرف واحد، ولذلك نصبت الميتة والدم، وغير جائز في الميتة إذا جعلت " إنما " حرفا واحدا إلا النصب، ولو كانت " إنما " حرفين وكانت منفصلة من " إن " لكانت الميتة مرفوعة وما بعدها، وكان تأويل الكلام حينئذ: إن الذي حرم الله عليكم من المطاعم الميتة والدم ولحم الخنزير لا غير ذلك. وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ ذلك كذلك على هذا التأويل. ولست للقراءة به مستجيزا، وإن كان له في التأويل والعربية وجه مفهوم، لاتفاق الحجة من القراء على خلافه، فغير جائز لاحد الاعتراض عليهم فيما نقلوه مجمعين عليه، ولو قرئ في " حرم " بضم الحاء من " حرم " لكان في الميتة وجهان من الرفع: أحدهما من أن الفاعل غير مسمى، و " إنما " حرف واحد. والاخر " إن " و " ما " في معنى حرفين، و " حرم " من صلة " ما "، والميتة خبر " الذي " مرفوع على الخبر، ولست وإن كان لذلك أيضا وجه مستجيزا للقراءة به لما ذكرت. وأما الميتة فإن القراء مختلفة في قراءتها، فقرأها بعضهم بالتخفيف ومعناه فيها التشديد، ولكنه يخففها كما يخفف القائلون: هو هين لين الهين اللين، كما قال الشاعر:
[ 116 ]
ليس من مات فاستراح بميت * * إنما الميت ميت الاحياء (1) فجمع بين اللغتين في بيت واحد في معني واحد. وقرأها بعضهم بالتشديد وحملوها على الاصل، وقالوا: إنما هو " ميوت "، فيعل من الموت، ولكن الياء الساكنة والواو المتحركة لما اجتمعتا والياء مع سكونها متقدمة قلبت الواو ياء وشددت فصارتا ياء مشددة، كما فعلوا ذلك في سيد وجيد. قالوا: ومن خففها فإنما طلب الخفة. والقراءة بها على أصلها الذي هو أصلها أولى. والصواب من القول في ذلك عندي أن التخفيف والتشديد في ياء الميتة لغتان معروفتان في القراءة وفي كلام العرب، فبأيهما قرأ ذلك القارئ فمصيب لانه لا اختلاف في معنييهما. وأما قوله: (وما أهل به لغير الله) فإنه يعني به: وما ذبح للالهة والاوثان يسمى عليه بغير اسمه أو قصد به غيره من الاصنام. وإنما قيل: (وما أهل به) لانهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قربوه لالهتهم سموا اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها وجهروا بذلك أصواتهم، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك حتى قيل لكل ذابح يسمي أو لم يسم جهر بالتسمية أو لم يجهر: " مهل "، فرفعهم أصواتهم بذلك هو الاهلال الذي ذكره الله تعالى فقال: (وما أهل به لغير الله) ومن ذلك قيل للملبي في حجة أو عمرة مهل، لرفعه صوته بالتلبية، ومنه استهلال الصبي: إذا صاح عند سقوطه من بطن أمه، واستهلال المطر: وهو صوت وقوعه على الارض، كما قال: عمرو بن قميئة: ظلم البطاح له انهلال حريصة * * فصفا النطاف له بعيد المقلع (2) واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: يعني بقوله: (وما أهل به لغير الله) ما قبح لغير الله، ذكر من قال ذلك:
[ 117 ]
2042 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (وما أهل به لغير الله) قال: ما ذبح لغير الله. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (وما أهل به لغير الله) قال: ما ذبح لغير الله مما لم يسم عليه. 2043 - حدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما أهل به لغير الله) ما ذبح لغير الله. 2044 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس في قوله: وما أهل به لغير الله) قال: ما أهل به للطواغيت. 2045 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن جويبر، عن الضحاك قال: (وما أهل به لغير الله) قال: ما أهل به للطواغيت. 2046 - حدثني المثني، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وما أهل به لغير الله) يعني ما أهل للطواغيت كلها، يعني ما ذبح لغير الله من أهل الكفر غير اليهود والنصارى. 2047 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء في قول الله: (وما أهل به لغير الله) قال: هو ما ذبح لغير الله. وقال آخرون: معنى ذلك: ما ذكر عليه غير اسم الله. ذكر من قال: 2048 - حدثني المثني، قال: ثنا إسحاق، قال ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (وما أهل به لغير الله) يقول: ما ذكر عليه غير اسم الله. 2049 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن دريد، وسألته عن قوله الله: (وما أهل به لغير الله) قال: ما يذبح لالهتهم الانصاب التي يعبدونها، أو يسمون أسماءها عليها، قال: يقولون باسم فلان، كما تقول أنت باسم الله. قال: فلذلك قوله: (وما أهل به لغير الله). 2050 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا حيوة، عن عقبة بن مسلم التجيبي، وقيس بن رافع الاشجعى أنهما قالا: أحل لنا ما ذبح لعيد الكنائس، وما أهدي لها من خبز أو لحم، فإنهما هو طعام أهل الكتاب. قال حيوة: قلت: أرأيت قول الله: (وما أهل به لغير الله) ؟ قال: إنما ذلك المجوس وأهل الاوثان والمشركون.
[ 118 ]
القول في تأويل قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه). يعني تعالى ذكره: (فمن اضطر) فمن حلت به ضرورة مجاعة إلى ما حرمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، وهو بالصفة التي وصفنا، فلا إثم عليه في أكله إن أكله. وقوله: (فمن اضطر) افتعل من الضرورة، " وغير باغ " نصب على الحال من " من "، فكأنه قيل: فمن اضطر لا باغيا ولا عاديا فأكله، فهو له حلال. وقد قيل: إن معنى قول: (فمن اضطر) فمن أكره على أكله فأكله، فلا إثم عليه. ذكر من قال ذلك: 2051 - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا إسرائيل، عن سالم الافطس، عن مجاهد قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: الرجل يأخذه العدو فيدعونه إلى معصية الله. وأما قوله: (غير باغ ولا عاد) فإن أهل التأويل في تأويل مختلفون، فقال بعضهم: يعني بقوله: (غير باغ) غير خارج على الائمة بسيفه باغيا عليهم بغير جور، ولا عاديا عليهم بحرب وعدوان فمفسد عليهم السبيل، ذكر من قال ذلك: 2052 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا عن مجاهد: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: غير قاطع سبيل، ولا مفارق جماعة، ولا خارج في معصية الله، فله الرخصة. * - حدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن نجيح، عن مجاهد: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) يقول: لا قاطعا للسبيل، ولا مفاربا للائمة، ولا خارجا في معصية الله، فله الرخصة. ومن خرج باغيا أو عاديا في معصية الله، فلا رخصة له وإن اضطر إليه. 2053 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: (غير باغ ولا عاد) قال: هو الذي يقطع الطريق، فليس له رخصة إذا جاع أن يأكل الميتة وإذا عطش أن يشرب الخمر. * - حدثني المثني، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن سالم: يعني الافطس، عن سعيد في قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال الباغي العادي: الذي يقطع الطريق فلا رخصة له ولا كرامة.
[ 119 ]
* - حدثني المثني، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد في قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: إذا خرج في سبيل من سبل الله فاضطر إلى شرب الخمر شرب، وإن اضطر إلى الميتة أكل، وإذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة له. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حفص بن غياث، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، قال: (غير باغ) على الائمة (ولا عاد) قال: قاطع السبيل. * - حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: غير قاطع السبيل، ولا مفارق الائمة، ولا خارج في معصية الله فله الرخصة. * - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن الحكم، عن مجاهد: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد قال: غير باغ على الائمة، ولا عاد على ابن السبيل. وقال آخرون في تأويل قوله (غير باغ ولا عاد): غير باغ الحرام في أكله، ولا معتد الذي أبيح له منه، ذكر من قال ذلك. 2054 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: (فمن اضطر غضر باغ ولا عاد) قال: غير باغ في أكله، ولا عاد أن يتعدى حلالا إلى حرام وهو يجد عنه مندوحة. 2055 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: باغ فيها ولا معتد فيها بأكلها وهو غني عنها. * - حدثنا المثني، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع الحسن يقول ذلك. 2056 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) غير باغ يبتغيه، ولا عاد يتعى على ما يمسك نفسه. 2057 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:
[ 120 ]
(فمن اضطر غير باغ ولا عاد) يقول: من غير أن يبتغي حراما ويتعداه، ألا ترى أن يقول: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) (1). 2058 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: أن يأكل ذلك بغيا وتعديا عن الحلال إلى الحرام، ويترك الحلال وهو عنده، ويتعدى بأكل هذا الحرام هذا التعدي، ينكر أن يكونا مختلفين، ويقول هذا وهذا واحد. وقال آخرون: تأويل ذلك (فمن اضطر غير باغ) في أكله شهوة (ولا عاد) فوق ما لابد له منه. ذكر من قال ذلك: 2059 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) أما باغ فيبغي فيه شهوته، وأما العادي: فيتعدي في أكله، يأكل حتى يشبع، ولكن يأن منه قدر ما يمسك به نفسه حتى يبلغ به حاجته. وأولى هذه الاقوال بتأويل الاية قول من قال: (فمن اضطر غير باغ) بأكله ما حرم عليه من أكله (ولا عاد) في أكله، وله عن ترك أكله بوجود غيره مما أحله الله له مندوحة وغنى، وذلك أن الله تعالى ذكره لم يرخص لاحد في قتل نفسه بحال، وإذ كان ذلك كذلك فلا شك أن الخارج على الامام والقاطع الطريق وإن كانا قد أتيا ما حرم الله عليهما من خروج هذا على من خرج عليه وسعي هذا بالافساد في الارض، فغير مبيح لهما فعلهما ما فعلا مما حرم الله عليهما ما كان حرم الله عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك من قتل أنفسهما، بل ذلك من فعلهما وإن لم يودهما إلى محارم الله عليهما تحريما فغير مرخص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما، فإن كان ذلك كذلك، فالواجب على قطاع الطريق والبغاة على الائمة العادلة، الاربعة إلى طاعة الله، والرجوع إلى ما ألزمهما الله الرجوع إليه، والتوبة من معاصي الله لا قتل أنفسهما بالمجاعة، فيزدادان إلى إثمهما إثما، وإلى خلافهما أمر الله خلافا. وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه غير باغ في أكله شهوة، فأكل ذلك شهوة لا لدفع الضرورة المخوف منها الهلاك مما قد دخل فيما حرمه الله عليه، فهو بمعنى ما قلنا في تأويله، وإن كان للفظة مخالفا.
[ 121 ]
فأما توجيه تأويل قوله: * (ولا عاد) * ولا آكل منه شبعه ولكن ما يمسك به نفسه، فان ذلك بعض معاني الاعتداء في أكله، ولم يخصص الله من معاني الاعتداء في أكله معنى فيقال عنى به بعض معانيه. فإذا كان ذلك كذلك، فالصواب من القول ما قلنا من أنه الاعتداء في كل معانيه المحرمة. وأما تأويل قوله: * (فلا إثم عليه) * يقول: من أكل ذلك على الصفة التي وصفنا فلا تبعة عليه في أكله ذلك كذلك ولاحرج. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الله غفور رحيم) *. يعني بقوله تعالى ذكره: * (إن الله غفور رحيم) * إن الله غفور إن أطعتم الله في إسلامكم فاجتنبتم أكل ما حرم عليكم وتركتم اتباع الشيطان فيما كنتم تحرمونه في جاهليتكم، طاعة منكم الشيطان واقتفاء منكم خطواته، مما لم أحرمه عليكم لما سلف منكم في كفركم وقبل اسلامكم في ذلك من خطأ وذنب ومعصية، فصافح عنكم، وتارك عقوبتكم عليه، رحيم بكم إن أطعتموه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين يكتمون مآ أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * يعني تعالى ذكره بقوله: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب أحبار اليهود الذين كتموا الناس أمر محمد (ص) ونبوته، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة برشا كانوا أعطوها على ذلك. كما: 2060 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب الآية كلها: هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم وبين لهم من الحق والهدى من بعث محمد (ص) وأمره. 2061 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا قال: هم أهل الكتا ب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق والاسلام وشأن محمد (ص).
[ 122 ]
2062 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب فهؤلاء اليهود كتموا اسم محمد (ص). 2063 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: إن الذين يكتمون مأنزل الله من الكتاب والتي في آل عمران: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا نزلتا جميعا في يهود. وأما تأويل قوله: ويشترون به ثمنا قليلا فإنه يعني: يبتاعون به. والهاء التي في به من ذكر الكتمان، فمعناه: ابتاعوا بكتمانهم ما كتموا الناس من أمر محمد (ص) وأمر نبوته ثمنا قليلا. وذلك أن الذي كانوا يعطون على تحريفهم كتاب الله وتأويلهموه على غير وجهه وكتمانهم الحفي ذلك، اليسير من عرض الدنيا. كما: 2064 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمر، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ويشترون به ثمنا قليلا قال: كتموا اسم محمد (ص)، وأخذوا عليه طمعا قليلا، فهو الثمن القليل. وقد بينت فيما مضى صفة اشترائهم ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا. القول في تأويل قوله تعالى: أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. يعني تعالى ذكره بقوله: أولئك هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب في شأن محمد (ص) بالخسيس من الرشوة يعطونها، فيحرفون لذلك آيات الله ويغيرون معانيها. ما يأكلون في بطونهم بأكلهم ما أكلوا من الرشا على ذلك والجعالة وما أخذوا عليه من الاجر إلا النار، يعني إلا ما يوردهم النار ويصليهموها، كما قال تعالى ذكره: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا معناه: ما يأكلون في بطونهم إلا ما يوردهم النار بأكلهم. فاستغنى بذكر النار وفهم السامعين معنى الكلام عن ذكر ما يوردهم أو يدخلهم.
[ 123 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2065 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار يقول: ما أخذوا عليه من الاجر. فإن قال قائل: فهل يكون الاكل في غير البطن فيقال: ما يأكلون في بطونهم ؟ قيل: قد تقول العرب جعت في غير بطني، وشبعت في غير بطني، فقيل في بطونهم لذلك كما يقال: فعل فلان هذا نفسه. وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع فيما مضى. وأما قوله: ولا يكلمهم الله يوم القيامة يقول: ولا يكلمهم بما يحبون ويشتهون، فأما بما يسوءهم ويكرهون فإنه سيكلمهم لانه قد أخبر تعالى ذكره أنه يقول لهم إذا قالوا: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال: اخسئوا فيها ولا تكلمون الآيتين. وأما قوله: ولا يزكيهم فإنه يعني: ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم، ولهم عذاب أليم يعني موجع. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار) * يعني تعالى ذكره بقوله: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى أولئك الذين أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، وأخذوا ما يوجب لهم عذاب الله يوم القيامة وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ورضوانه. فاستغنى بذكر العذاب والمغفرة من ذكر السبب الذي يوجبهما، لفهم سامعي ذلك لمعناه والمراد منه. وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى، وكذلك بينا وجه: اشتروا الضلالة بالهدى باختلاف المختلفين والدلالة الشاهدة بما اخترنا من القول فيما مضى قبل فكرهنا إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: فما أصبرهم على النار. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار. ذكر من قال ذلك: 2066 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فما أصبرهم على النار يقول: فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار.
[ 124 ]
* - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فما أصبرهم على النار يقول: فما أجرأهم عليها. 2067 - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال ثنا هشيم، عن بشر، عن الحسن في قوله: فما أصبرهم على النار قال: والله مالهم عليها من صبر، ولكن ما أجرأهم على النار. 2068 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثن أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا مسعر. وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو بكير، قال ثنا مسعر، عن حماد، عن مجاهد أو سعيد بن جبير أو بعض أصحابه: فما أصبرهم على النار ما أجرأهم. 2069 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: فما أصبرهم على النار يقول: ما أجرأهم وأصبرهم على النار. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما أعملهم بأعمال أهل النار. ذكر من قال ذلك: 2070 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: فما أصبرهم على النار قال: ما أعملهم بالباطل. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. واختلفوا في تأويل ما التي في قوله: فما أصبرهم على النار فقال بعضهم: هي بمعنى الاستفهام، وكأنه قال: فما الذي صبرهم، أي شئ صبرهم ؟ ذكر من قال ذلك 2071 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فما أصبرهم على النار هذا على وجه الاستفهام، يقول: ما الذي أصبرهم على النار. 2072 - حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج الاعور، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال لي عطاء: فما أصبرهم على النار قال: ما يصبرهم على النار حين تركوا الحق واتبعوا الباطل. 2073 - حدثنا أبو كريب، قال: سئل أبو بكر بن عياش: فما أصبرهم على النار قال: هذا استفهام، ولو كانت من الصبر قال: فما أصبرهم رفعا، قال: يقال للرجل:
[ 125 ]
ما أصبرك، ما الذي فعل بك هذا ؟ 2074 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فما أصبرهم على النار قال: هذا استفهام، يقول: ما هذا الذي صبرهم على النار حتى جرأهم فعملوا بهذا ؟ وقال آخرون: هو تعجب، يعني: فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل النار ذكر من قال ذلك: 2075 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فما أصبرهم على النار قال: ما أعملهم بأعمال أهل النار. وهو قول الحسن وقتادة، وقد ذكرناه قبل. فمن قال هو تعجب، وجه تأويل الكلام إلى: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذب بالمغفرة فما أشد جراءتهم بفعلهم ما فعلوا من ذلك على ما يوجب لهم النار، كما قال تعالى ذكره: قتل الانسان ما أكفره تعجبا من كفره بالذي خلقه وسوى خلقه. فأما الذين وجهوا تأويله إلى الاستفهام فمعناه: هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار والنار لا صبر عليها لاحد حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلا ؟. وأولى هذه الاقوال بتأويل الآية قول من قال: ما أجرأهم على النار، بمعنى: ما أجرأهم على عذاب النار، وأعملهم بأعمال أهلها وذلك أنه مسموع من العرب: ما أصبر فلانا على الله، بمعنى: ما أجرأ فلانا على الله وإنما يعجب الله خلقه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى من أمر محمد (ص) ونبوته، واشترائهم بكتمان ذلك ثمنا قليلا من السحت والرشا التي أعطوها على وجه التعجب من تقدمهم على ذلك مع علمهم بأن ذلك موجب لهم سخط الله وأليم عقابه. وإنما معنى ذلك: فما أجرأهم على عذاب النار ولكن اجتزئ بذكر النار من ذكر عذابها كما يقال: ما أشبه سخاءك بحاتم، بمعنى: ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم، وما أشبه شجاعتك بعنترة. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 126 ]
* (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد) * أما قوله: ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فإنه اختلف في المعني بذلك، فقال بعضهم: معني ذلك فعلهم هذا الذي يفعلون من جراءتهم على عذاب النار في مخالفتهم أمر الله وكتمانهم الناس ما أنزل الله في كتابه وأمرهم ببيانه لهم من أمر محمد (ص) وأمر دينه، من أجل أن الله تبارك وتعالى نزل الكتاب بالحق، وتنزيله الكتاب بالحق هو خبره عنهم في قوله لنبيه محمد (ص): إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم فهم مع ما أخبر الله عنهم من أنهم لا يؤمنون لا يكون منهم غير اشتراء الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة. وقال آخرون: معناه ذلك معلوم لهم بأن الله نزل الكتاب بالحق لانا قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك لهم والكتاب حق. كأن قائلي هذا القول كان تأويل الآية عندهم ذلك العذاب الذي قال الله تعالى ذكره: فما أصبرهم عليه، معلوم أنه لهم، لان الله قد أخبر في مواضع من تنزيله أن النار للكافرين، وتنزيله حق، فالخبر عن ذلك عندهم مضمر. وقال آخرون: معنى ذلك أن الله وصف أهل النار فقال: فما أصبرهم على النار ثم قال: هذا العذاب بكفرهم، وهذا ههنا عندهم هي التي يجوز مكانها ذلك كأنه قال: فعلنا ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به، قال: فيكون ذلك إذا كان ذلك معناه نصبا ويكون رفعا بالباء. وأولى الاقوال بتأويل الآية عندي: أن الله تعالى ذكره أشار بقوله ذلك إلى جميع ما حواه قوله: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب إلى قوله: ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق من خبره عن أفعال أحبار اليهود وذكره ما أعد لهم تعالى ذكره من العقاب على ذلك، فقال: هذا الذي فعلته هؤلاء الاحبار من اليهود بكتمانهم الناس ما كتموا من أمر محمد (ص) ونبوته مع علمهم به طلبا منهم لعرض من ا لدنيا خسيس، وبخلافهم أمري وطاعتي، وذلك من تركي تطهيرهم وتزكيتهم وت كليمهم، وإعدادي لهم العذاب الاليم بأني أنزلت كتابي بالحق فكفروا به واخت لفوا فيه. فيكون في ذلك حينئذ وجهان من الاعراب: رفع ونصب، والرفع بالباء، والنصب بمعنى: فعلت ذلك بأني أنزلت كتابي
[ 127 ]
بالحق فكفروا به واختلفوا فيه وترك ذكر: فكفروا به واختلفوا اجتزاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه. وأما قوله: وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد يعني بذلك اليهود والنصارى، اختلفوا في كتاب الله فكفرت اليهود بما قص الله فيه من قصص عيسى ابن مريم وأمه، وصدقت النصارى ببعض ذلك وكفروا ببعضه، وكفروا جميعا بما أنزل الله فيه من الامر بتصديق محمد (ص). فقال لنبيه محمد (ص): إن هؤلاء الذين اختلفوا فيما أنزلت إليك يا محمد لفي منازعة ومفارقة للحق بعيدة من الرشد والصواب، كما قال الله تعالى ذكره: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فانما هم في شقاق. كما: 2076 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد يقول: هم اليهود والنصارى. يقول: هم في عداوة بعيدة. وقد بينت معنى الشقاق فيما مضى. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) * اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ليس البر الصلاة وحدها، ولكن البر الخصال التي أبينها لكم. 2077 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب يعني الصلاة. يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا، فهذا منذ تحول من مكة إلى المدينة، ونزلت الفرائض، وحد الحدود، فأمر الله بالفرائض والعمل بها. 2078 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي
[ 128 ]
نجيح، عن مجاهد: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله. * - حدثني القاسم، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2079 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن عباس، قال: هذه الآية نزلت بالمدينة: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب يعني الصلاة، يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك. قال ابن جريج وقال مجاهد: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب يعني السجود ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله. 2080 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو نميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم أنه قال فيها، قال يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك. وهذا حين تحول من مكة إلى المدينة، فأنزل الله الفرائض وحد الحدود بالمدينة، وأمر بالفرائض أن يؤخذ بها. وقال آخرون: عنى الله بذلك اليهود والنصارى، وذلك أن اليهود تصلي فتوجه قبل المغرب، والنصارى تصلي فتوجه قبل المشرق، فأنزل الله فيهم هذه الآية يخبرهم فيها أن البر غير العمل الذي يعملونه ولكنه ما بيناه في هذه الآية. ذكر من قال ذلك: 2081 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة، قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب، والنصارى تصلي قبل المشرق، فنزلت: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب. 2082 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ذكر لنا أن رجلا سأل نبي الله (ص) عن البر، فأنزل الله هذه الآية، وذكر لنا أن نبي الله (ص) دعا الرجل فتلاها عليه. وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له ويطمع له في خير فأنزل الله: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب وكانت اليهود توجهت قبل المغرب، والنصارى قبل المشرق ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر الآية. 2083 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب، والنصارى قبل المشرق، فنزلت: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب.
[ 129 ]
وأولى هذين القولين بتأويل الآية القول الذي قاله قتادة والربيع بن أنس أن يكون عنى بقوله: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب اليهود والنصارى، لان الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولومهم والخبر عنهم وعما أعد لهم من أليم العذاب، وهذا في سياق ما قبلها، إذ كان الامر كذلك، ليس البر أيها اليهود والنصارى أن يولي بعضكم وجهه قبل المشرق وبعضكم قبل المغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب الآية. فإن قال قائل: فكيف قيل: ولكن البر من آمن بالله وقد علمت أن البر فعل، ومن اسم، فكيف يكون الفعل هو الانسان ؟ قيل: إن معنى ذلك غير ما توهمته، وإنما معناه: ولكن البر كمن آمن بالله واليوم الآخر، فوضع من موضع الفعل اكتفاء بدلالته ودلالة صلته التي هي له صفة من الفعل المحذوف كما تفعله العرب فتضع الاسماء مواضع أفعالها التي هي بها مشهورة، فتقول: الجود حاتم والشجاعة عنترة وإنما الجود حاتم، والشجاعة عنترة، ومعناها: الجود جود حاتم، فتستغني بذكر حاتم إذ كان معروفا بالجود من إعادة ذكر الجود بعد الذي قد ذكرته فتضعه موضع جوده لدلالة الكلام على ما حذفته استغناء بما ذكرته عما لم تذكره، كما قيل: واسأل القرية التي كنا فيها والمعنى: أهل القرية، وكما قال الشاعر، وهو ذو الخرق الطهوي: حسبت بغام راحلتي عناقا وما هي ويب غيرك بالعناق يريد بغام عناق أو صوت كما يقال: حسبت صياحي أخاك، يعني به حسبت صياحي صياح أخيك وقد يجوز أن يكون معنى الكلام: ولكن البار من آمن بالله، فيكون البر مصدرا وضع موضع الاسم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب) *. يعني تعالى ذكره بقوله: وآتى المال على حبه وأعطى ماله في حين محبته إياه وضنه به وشحه عليه. كما: 2084 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا،
[ 130 ]
عن زبيد، عن مرة بن شراحيل البكيلي، عن عبد الله بن مسعود: وآتى المال على حبه أي يؤتيه وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قالا جميعا، عن سفيان، عن زبيد اليامي، عن مرة، عن عبد الله: وآتى المال على حبه قال: وأنت صحيح تأمل العيش وتخشى الفقر. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن زبيد اليامي، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية: وآتى المال على حبه قال: وأنت حريص شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر. حدثنا أحمد بن نعمة المصري، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا الليث، قال: ثنا إبراهيم بن أعين، عن شعبة بن الحجاج، عن زبيد اليامي، عن مرة الهمداني، قال: قال عبد الله بن مسعود في قول الله: وآتى المال على حبه ذوي القربى، قال: حريصا شحيحا يأمل الغنى ويخشى الفقر. 2085 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي سمعته يسأل: هل على الرجل حق في ماله سوى الزكاة ؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة. 2086 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا سويد بن عمرو الكلبي، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا أبو حمزة قال: قلت للشعبي: إذا زكى الرجل ماله أيطيب له ماله ؟ فقرأ هذه الآية: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب إلى وآتى المال على حبه إلى آخرها. ثم قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أنها قالت: يا رسول الله إن لي سبعين مثقالا من ذهب، فقال: اجعليها في قرابتك.
[ 131 ]
2087 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، قال: ثنا أبو حمزة فيما أعلم عن عامر، عن فاطمة بنت قيس أنها سمعته يقول: إن في المال لحقا سوى الزكاة. 2088 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي حيان، قال: حدثني مزاحم بن زفر، قال: كنت جالسا عند عطاء، فأتاه أعرابي فقال له: إن لي إبلا فهل علي فيها حق بعد الصدقة ؟ قال: نعم قال: ماذا ؟ قال: عارية الذلول، وطروق الفحل، والحلب. * - حدثني موسى بن هارون، قال ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، ذكره عن مرة الهمداني في: وآتى المال على حبه قال: قال عبد الله بن مسعود: تعطيه وأنت صحيح شحيح تطيل الامل وتخاف الفقر. وذكر أيضا عن السدي أن هذا شئ واجب في المال حق على صاحب المال أن يفعله سوى الذي عليه من الزكاة. 2089 - حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا أسد، قال: ثنا سويد بن عبد الله، عن أبي حمزة، عن عامر، عن فاطمة بن قيس، عن النبي (ص) أنه قال: في المال حق سوى الزكاة وتلا هذه الآية: ليس البر إلى آخر الآية. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن زبيد اليامي، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله في قوله: وآتى المال على حبه قال: أن يعطى الرجل وهو صحيح شحيح به يأمل العيش ويخاف الفقر. فتأويل الآية: وأعطى المال وهو له محب حريص على جمعه، شحيح به ذوي قرابته فوصل به أرحامهم.
[ 132 ]
وإنما قلت: عنى بقوله: ذوي القربى ذوي قرابة مؤدي المال على حبه للخبر الذي روي عن رسول الله (ص) من أمره فاطمة بنت قيس، وقوله (ص) حين سئل: أي الصدقة أفضل ؟ قال: جهد المقل على ذي القرابة الكاشح. وأما اليتامى والمساكين فقد بينا معانيهما فيما مضى. وأما ابن السبيل فإنه المجتاز بالرجل. ثم اختلف أهل العلم في صفته، فقال بعضهم: هو الضيف من ذلك. ذكر من قال ذلك: 2090 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وابن السبيل قال: هو الضيف قال: قد ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت قال: وكان يقول: حق الضيافة ثلاث ليال، فكل شئ أضافه بعد ذلك صدقة. وقال بعضهم: هو المسافر يمر عليك. ذكر من قال ذلك: 2091 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر: وابن السبيل قال: المجتاز من أرض إلى أرض. 2092 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقتادة في قوله: وابن السبيل قال: الذي يمر عليك وهو مسافر.
[ 133 ]
* - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عمن ذكره، عن ابن جريج، عن مجاهد وقتادة مثله. وإنما قيل للمسافر ابن السبيل لملازمته الطريق، والطريق هو السبيل، فقيل لملازمته إياه في سفره ابنه كما يقال لطير الماء ابن الماء لملازمته إياه، وللرجل الذي أتت عليه الدهور ابن الايام والليالي والازمنة، ومنه قول ذي الرمة: وردت اعتسافا والثريا كأنها على قمة الرأس ابن ماء محلق وأما قوله والسائلين فإنه يعني به: المستطعمين الطالبين. كما: 2093 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن عكرمة في قوله: والسائلين قال: الذي يسألك. وأما قوله: وفي الرقاب فإنه يعني بذلك: وفي فك الرقاب من العبودة، وهم المكاتبون الذين يسعون في فك رقابهم من العبودة بأداء كتاباتهم التي فارقوا عليها ساداتهم. القول في تأويل قوله تعالى: وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا. يعني تعالى ذكره بقوله: وأقام الصلاة أدام العمل بها بحدودها، وبقوله: وآتى الزكاة أعطاها على ما فرضها الله عليه. فإن قال قائل: وهل من حق يج ب في مال إيتاؤه فرضا غير الزكاة ؟ قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: فيه حقوق تجب سوى الزكاة واعتلوا لقولهم ذلك بهذه الآية، وقالوا: لما قال الله تبارك وتعالى: وآتى المال على حبه ذوي القربى ومن سمى الله معهم، ثم قال بعد: وأقام الصلاة وآتى الزكاة علمنا أن المال الذي وصف المؤمنين به أنهم يؤتونه ذوي القربى، ومن سمى معهم غير الزكاة التي ذكر أنهم يؤتونها
[ 134 ]
لان ذلك لو كان مالا واحدا لم يكن لتكريره معنى مفهوم. قالوا: فلما كان غير جائز أن يقول تعالى ذكره قولا لا معنى له، علمنا أن حكم المال الاول غير الزكاة، وأن الزكاة التي ذكرها بعد غيره. قالوا: وبعد فقد أبان تأويل أهل التأويل صحة ما قلنا في ذلك. وقال آخرون: بل المال الاول هو الزكاة، ولكن الله وصف إيتاء المؤمنين من آتوه ذلك في أول الآية، فعرف عباده بوصفه ما وصف من أمرهم المواضع التي يجب عليهم أن يضعوا فيها زكواتهم ثم دلهم بقوله بعد ذلك: وآتى الزكاة أن المال الذي آتاه القوم هو الزكاة المفروضة كانت عليهم، إذ كان أهل سهمانها الذين أخبر في أول الآية أن القوم آتوهم أموالهم. وأما قوله: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا فإنه يعني تعالى ذكره: والذين لا ينقضون عهد الله بعد المعاهدة، ولكن يوفون به ويتمونه على ما عاهدوا عليه من عاهدوه عليه. كما: 2094 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا قال: فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه، ومن أعطى ذمة النبي (ص) ثم غدر بها فالنبي (ص) خصمه يوم القيامة. وقد بينت العهد فيما مضى بما أغنى عن إعادته ههنا. القول في تأويل قوله تعالى: والصابرين في البأساء والضراء. قد بينا تأويل الصبر فيما مضى قبل. فمعنى الكلام: والمانعين أنفسهم في البأساء والضراء وحين البأس مما يكرهه الله لهم الحابسيها على ما أمرهم به من طاعته. ثم قال أهل التأويل في معنى البأساء والضراء بما: 2095 - حدثني به الحسين بن عمرو بن محمد العبقري، قال: حدثني أبي، وحدثني موسى، قال: ثنا عمرو بن حماد، قالا جميعا: ثنا أسباط، عن السدي، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود أنه قال: أما البأساء فالفقر، وأما الضراء فالسقم.
[ 135 ]
* - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي، وحدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قالا جميعا: ثنا شريك، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله في قوله: والصابرين في البأساء والضراء قال: البأساء الجوع، والضراء المرض. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله، قال: البأساء: الحاجة، والضراء: المرض. 2096 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كنا نحدث أن البأساء: البؤس والفقر، وأن الضراء: السقم، وقد قال النبي أيوب (ص): أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. 2097 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: والصابرين في البأساء والضراء قال: البؤس: الفاقة والفقر، والضراء في النفس من وجع أو مرض يصيبه في جسده. 2098 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: البأساء والضراء قال: البأساء: البؤس، والضراء: الزمانة في الجسد. 2099 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك، قال: البأساء والضراء: المرض. 2100 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: والصابرين في البأساء والضراء قال: البأساء: البؤس والفقر، والضراء: السقم والوجع. 2101 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبيد بن الطفيل، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في هذه الآية: والصابرين في البأساء والضراء أما البأساء: الفقر، والضراء: المرض. وأما أهل العربية: فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: البأساء والضراء مصدر جاء على فعلاء ليس له أفعل لانه اسم، كما قد جاء أفعل في الاسماء ليس له فعلاء نحو أحمد،
[ 136 ]
وقد قالوا في الصفة أفعل ولم يجئله فعلاء، فقالوا: أنت من ذلك أوجل، ولم يقولوا وجلاء. وقال بعضهم: هو اسم للفعل، فإن البأساء البؤس، والضراء الضر، وهو اسم يقع إن شئت لمؤنث وإن شئت لمذكر، كما قال زهير: فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم يعني فتنتج لكم غلمان شؤم. وقال بعضهم: لو كان ذلك اسما يجوز صرفه إلى مذكر ومؤنث لجاز إجراء أفعل في النكرة، ولكنه اسم قام مقام المصدر والدليل على ذلك قولهم: لئن طلبت نصرتهم لتجدنهم غير أبعد بغير إجراء وقال: إنما كان اسما للمصدر لانه إذا ذكر علم أنه يراد به المصدر. وقال غيره: لو كان ذلك مصدرا فوقع بتأنيث لم يقع بتذكير، ولو وقع بتذكير لم يقع بتأنيث لان من سمي بأفعل لم يصرف إلى فعلى، ومن سمي بفعلى لم يصرف إلى أفعل، لان كل اسم يبقى بهيئته لا يصرف إلى غيره، ولكنهما لغتان، فإذا وقع بالتذكير كان بأمر أشأم، وإذا وقع البأساء والضراء، وقع الخلة البأساء والخلة الضراء، وإن كان لم يبن على الضراء الاضر ولا على الاشأم الشأماء، لانه لم يرد من تأنيثه التذكير ولا من تذكيره التأنيث، كما قالوا: امرأة حسناء، ولم يقولوا: رجل أحسن، وقالوا: رجل أمرد، ولم يقولوا: امرأة مرداء فإذا قيل الخصلة الضراء والامر الاشأم دل على المصدر، ولم يحتج إلى أن يكون اسما، وإن كان قد كفى من المصدر. وهذا قول مخالف تأويل من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل البأساء والضراء وإن كان صحيحا على مذهب العربية وذلك أن أهل التأويل تأولوا البأساء بمعنى البؤس، والضراء بمعنى الضر في الجسد، وذلك من تأويلهم مبني على أنهم وجهوا البأساء والضراء إلى أسماء الافعال دون صفات الاسماء ونعوتها. فالذي هو أولى بالبأساء والضراء على قول أهل التأويل أن تكون البأساء والضراء
[ 137 ]
أسماء أفعال، فتكون البأساء اسما للبؤس، والضراء اسما للضر. وأما الصابرين فنصب، وهو من نعت من على وجه المدح، لان من شأن العرب إذا تطاولت صفة الواحد الاعتراض بالمدح والذم بالنصب أحيانا وبالرفع أحيانا، كما قال الشاعر: إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم وذا الرأي حين تغم الامور بذات الصليل وذات اللجم فنصب ليث الكتيبة وذا الرأي على المدح، والاسم قبلهما مخفوض لانه من صفة واحد. ومنه قول الآخر: فليت التي فيها النجوم تواضعت على كل غث منهم وسمين غيوث الورى في كل محل وأزمة أسود الشرى يحمين كل عرين وقد زعم بعضهم أن قوله: والصابرين في البأساء نصب عطفا على السائلين، كأن معنى الكلام كان عنده: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضراء. وظاهر كتاب الله يدل على خطأ هذا القول، وذلك أن الصابرين في البأساء والضراء هم أهل الزمانة في الابدان وأهل الاقتار في الاموال، وقد مضى وصف القوم بإيتاء من كان ذلك صفته المال في قوله: والمساكين وابن السبيل والسائلين وأهل الفاقة والفقر هم أهل البأساء والضراء، لان من لم يكن من أهل الضراء ذا بأساء لم يكن ممن له قبول الصدقة، وإنما له قبولها إذا كان جامعا إلى ضرائه بأساء، وإذا جمع إليها بأساء كان من أهل المسكنة الذين قد دخلوا في جملة المساكين الذين قد مضى ذكرهم قبل قوله: والصابرين في البأساء. وإذا كان كذلك ثم نصب الصابرين في البأساء بقوله: وآتى المال على حبه كان الكلام تكريرا بغير فائدة معنى، كأنه قيل: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين، والله يتعالى عن أن يكون
[ 138 ]
ذلك في خطابه عباده ولكن معنى ذلك: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء. والموفون رفع لانه من صفة من، ومن رفع فهو معرب بإعرابه، والصابرين نصب وإن كان من صفته على وجه المدح الذي وصفنا قبل. القول في تأويل قوله تعالى: وحين البأس. يعني تعالى ذكره بقوله: وحين البأس والصابرين في وقت البأس، وذلك وقت شدة القتال في الحرب. كما: 2102 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العبقري، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله في قول الله: وحين البأس قال: حين القتال. * - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال ثنا أسباط، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله، مثله. 2103 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وحين البأس القتال. 2104 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: وحين البأس أي عند مواطن القتال. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وحين البأس القتال. 2105 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: وحين البأس عند لقاء العدو. 2106 - حدثني المثنى قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك: وحين البأس القتال. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبيد بن الطفيل أبو سيدان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: وحين البأس قال: القتال. القول في تأويل قوله تعالى: أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.
[ 139 ]
يعني تعالى ذكره بقوله: أولئك الذين صدقوا من آمن بالله واليوم الآخر، ونعتهم النعت الذي نعتهم به في هذه الآية، يقول: فمن فعل هذه الاشياء فهم الذين صدقوا الله في إيمانهم وحققوا قولهم بأفعالهم، لا من ولى وجهه قبل المشرق والمغرب وهو يخالف الله في أمره وينقض عهده وميثاقه ويكتم الناس بيان ما أمره الله ببيانه ويكذب رسله. وأما قوله: وأؤلئك هم المتقون فإنه يعني: وأؤلئك الذين اتقوا عقاب الله فتجنبوا عصيانه وحذروا وعده فلم يتعدوا حدوده وخافوه، فقاموا بأداء فرائضه. وبمثل الذي قلنا في قوله: أولئك الذين صدقوا كان الربيع بن أنس يقول. 2107 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: أولئك الذين صدقوا قال: فتكلموا بكلام الايمان، فكانت حقيقته العمل صدقوا الله. قال: وكان الحسن يقول: هذا كلام الايمان وحقيقته العمل، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) * يعني تعالى ذكره بقوله: كتب عليكم القصاص في القتلى فرض عليكم. فإن قال قائل: أفرض على ولي القتيل القصاص من قاتل وليه ؟ قيل: لا ولكنه مباح له ذلك، والعفو، وأخذ الدية. فإن قال قائل: وكيف قال: كتب عليكم القصاص ؟ قيل: إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه، وإنما معناه: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر، والعبد بالعبد، والانثى بالانثى. أي أن الحر إذا قتل الحر، فدم القاتل كف ء لدم القتيل، والقصاص منه دون غيره من الناس، فلا تجاوزوا بالقتل إلى غيره ممن لم يقتل، فإنه حرام عليكم أن تقتلوا بقتيلكم غير قاتله. والفرض الذي فرض الله علينا في القصاص هو ما وصفت من ترك المجاوزة بالقصاص قتل القاتل بقتيله إلى غيره لا أنه وجب علينا القصاص فرضا وجوب فرض الصلاة والصيام حتى لا يكون لنا تركه، ولو كان ذلك
[ 140 ]
فرضا لا يجوز لنا تركه لم يكن لقوله: فمن عفي له من أخيه شئ معنى مفهوم، لانه لا عفو بعد القصاص فيقال: فمن عفي له من أخيه شئ. وقد قيل: إن معنى القصاص في هذه الآية مقاصة ديات بعض القتلى بديات بعض وذلك أن الآية عندهم نزلت في حزبين تحاربوا على عهد رسول الله (ص) فقتل بعضهم بعضا، فأمر النبي (ص) أن يصلح بينهم، بأن تسقط ديات نساء أحد الحزبين بديات نساء الآخرين، وديات رجالهم بديات رجالهم، وديات عبيدهم بديات عبيدهم قصاصا، فذلك عندهم معنى القصاص في هذه الآية. فإن قال قائل: فإنه تعالى ذكره قال: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فما لنا أن نقتص للحر إلا من الحر، ولا للانثى إلا من الانثى ؟ قيل: بل لنا أن نقتص للحر من العبد وللانثى من الذكر، بقول الله تعالى ذكره: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وبالنقل المستفيض عن رسول الله (ص) أنه قال: المسلمون تتكافأ دماؤهم. فإن قال: فإذ كان ذلك، فما وجه تأويل هذه الآية ؟ قيل: اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله من أجل أنه عبد حتى يقتلوا به سيده، وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة، حتى يقتلوا رجلا من رهط المرأة وعشيرتها، فأنزل الله هذه الآية، فأعلمهم أن الذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بالرجل الرجل القاتل دون غيره، وبالانثى الانثى القاتلة دون غيرها من الرجال، وبالعبد العبد
[ 141 ]
القاتل دون غيره من الاحرار، فنهاهم أن يتعدوا القاتل إلى غيره في القصاص. ذكر من قال ذلك: 2108 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، وحدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قالا: ثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى قال: نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية، فقالوا: نقتل بعبدنا فلان ابن فلان، وبفلانة فلان ابن فلان، فأنزل الله: الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى. 2109 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى قال: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي إذا كان فيهم عدة ومنعة، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم، قالوا: لا نقتل به إلا حرا تعززا لفضلهم على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين، قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا. فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والانثى بالانثى، فنهاهم عن البغي. ثم أنزل الله تعالى ذكره في سورة المائدة بعد ذلك فقال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: كتب عليكم القصاص في القتلى قال: لم يكن لمن قبلنا دية إنما هو القتل أو العفو إلى أهله، فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم، فكانوا إذا قتل من الحي الكثير عبد، قالوا: لا نقتل به إلا حرا، وإذا قتلت منهم امرأة قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا، فأنزل الله: الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى. 2110 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت داود، عن
[ 142 ]
عامر في هذه الآية: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى قال: إنما ذلك في قتال عمية إذا أصيب من هؤلاء عبد ومن هؤلاء عبد تكافأ، وفي المرأتين كذلك، وفي الحرين كذلك، هذا معناه إن شاء الله. 2111 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: دخل في قول الله تعالى ذكره: الحر بالحر الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل. وقال عطاء: ليس بينهما فضل. وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في فريقين كان بينهم قتال على عهد رسول الله (ص) فقتل من كلا الفريقين جماعة من الرجال والنساء، فأمر النبي (ص) أن يصلح بينهم بأن يجعل ديات النساء من كل واحد من الفريقين قصاصا بديات النساء من الفريق الآخر، وديات الرجال بالرجال، وديات العبيد بالعبيد فذلك معنى قوله: كتب عليكم القصاص في القتلى. ذكر من قال ذلك: 2112 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى قال: اقتتل أهل ملتين من العرب أحدهما مسلم والآخر معاهد في بعض ما يكون بين العرب من الامر، فأصلح بينهم النبي (ص)، وقد كانوا قتلوا الاحرار والعبيد والنساء على أن يؤدي الحر دية الحر، والعبد دية العبد، والانثى دية الانثى، فقاصهم بعضهم من بعض. 2113 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن السدي عن أبي مالك قال: كان بين حيين من الانصار قتال، كان لاحدهما على الآخر الطول، فكأنهم طلبوا الفضل، فجاء النبي (ص) ليصلح بينهم، فنزلت هذه الآية: الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فجعل النبي (ص) الحر بالحر والعبد بالعبد، والانثى بالانثى. 2114 - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت الشعبي يقول في هذه الآية: كتب عليكم القصاص في القتلى قال: نزلت في قتال عمية قال شعبة: كأنه في صلح قال: اصطلحوا على هذا.
[ 143 ]
* - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت الشعبي يقول في هذه الآية: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى قال: نزلت في قتال عمية، قال: كان على عهد النبي (ص). وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره بمقاصة دية الحر ودية العبد ودية الذكر ودية الانثى في قتل العمد إن اقتص للقتيل من القاتل، والتراجع بالفضل والزيادة بين ديتي القتيل والمقتص منه. ذكر من قال ذلك: 2115 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى قال: حدثنا عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: أيما حر قتل عبدا فهو قود به، فإن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه، وقاصوهم بثمن العبد من دية الحر، وأدوا إلى أولياء الحر بقية ديته. وإن عبد قتل حرا فهو به قود، فإن شاء أولياء الحر قتلوا العبد، وقاصوهم بثمن العبد وأخذوا بقية دية الحر، وإن شاءوا أخذوا الدية كلها واستحيوا العبد. وأي حر قتل امرأة فهو بها قود، فإن شاء أولياء المرأة قتلوه وأدوا نص ف الدية إلى أولياء الحر. وإن امرأة قتلت حرا فهي به قود، فإن شاء أولياء الحرقتلوها، وأخذوا نصف الدية، وإن شاءوا أخذوا الدية كلها واستحيوها وإن شاءوعفوا. 2116 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن أن عليا قال في رجل قتل امرأته، قال: إن شاءواقتلوه وغرموا نصف الدية. 2117 - حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى، عن سعيد، عن عوف، عن الحسن، قال: لا يقتل الرجل بالمرأة حتى يعطوا نصف الدية. 2118 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك، عن الشعبي، قال في رجل قتل امرأته عمدا، فأتوا به عليا، فقال: إن شئتم فاقتلوه، وردوا فضل دية الرجل على دية المرأة. وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في حال ما نزلت والقوم لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكنهم كانوا يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة حتى سوى الله بين حكم جميعهم
[ 144 ]
بقوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس فجعل جميعهم قود بعضهم ببعض. ذكر من قال ذلك: 2119 - حدثنا المثنى قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: والانثى بالانثى وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فأنزل الله تعالى: النفس بالنفس فجعل الاحرار في القصاص، سواء فيما بينهم في العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم في العمد في النفس وما دون النفس، رجالهم ونساؤهم. فإذ كان مختلفا الاختلاف الذي وصفت فيما نزلت فيه هذه الآية، فالواجب علينا استعمالها فيما دلت عليه من الحكم بالخبر القاطع العذر. وقد تظاهرت الاخبار عن رسول الله (ص) بالنقل العام أن نفس الرجل الحر قود قصاصا بنفس المرأة الحرة، فإذ كان ذلك كذلك، وكانت الامة مختلفة في التراجع بفضل ما بين دية الرجو المرأة على ما قد بينا من قول علي وغيره وكان واضحا فساد قول من قال بالقصاص في ذلك والتراجع بفضل ما بين الديتين بإجماع جميع أهل الاسلام على أن حراما على الرجل أن يتلف من جسده عضوا بعوض يأخذه على إتلافه فدع جميعه، وعلى أن حراما على غيره إتلاف شئ منه مثل الذي حرم من ذلك بعوض يعطيه عليه، فالواجب أن تكون نفس الرجل الحر بنفس المرأة الحرة قودا. وإذا كان ذلك كذلك كان بينا بذلك أنه لم يرد بقوله تعالى ذكره: الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى أن لا يقاد العبد بالحر، وأن لا تقتل الانثى بالذكر، ولا الذكر بالانثى. وإذا كان ذلك كذلك كان بينا أن الآية معني بها أحد المعنيين الآخرين: إما قولنا من أن لا يتعدى بالقصاص إلى غير القاتل والجاني، فيؤخذ بالانثى الذكر، وبالعبد الحر. وإما القول الآخر وهو أن تكون الآية نزلت في قوم بأعيانهم خاصة أمر النبي (ص) أن يجعل ديات قتلاهم قصاصا بعضها من بعض، كما قاله السدي ومن ذكرنا قوله. وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم على أن المقاصة في الحقوق غير واجبة، وأجمعوا على أن الله لم يقض في ذلك قضاء ثم نسخه وإذا كان كذلك، وكان قوله تعالى ذكره كتب عليكم القصاص ينبئ عن أنه فرض كان معلوما أن القول خلاف ما قاله قائل هذه المقالة، لان ما
[ 145 ]
كان فرضا على أهل الحقوق أن يفعلوه فلا خيار لهم فيه، والجميع مجمعون على أن لاهل الحقوق الخيار في مقاصتهم حقوقهم بعضها من بعض، فإذا تبين فساد هذا الوجه الذي ذكرنا، فالصحيح من القول في ذلك هو ما قلنا. فإن قال قائل إذ ذكرت أن معنى قوله: كتب عليكم القصاص بمعنى: فرض عليكم القصاص: لا يعرف لقول القائل كتب معنى إلا معنى خط ذلك فرسم خطا وكتابا، فما برهانك على أن معنى قوله كتب فرض ؟ قيل: إن ذلك في كلام العرب موجود، وفي أشعارهم مستفيض، ومنه قول الشاعر: كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول وقول نابغة بني جعدة: يا بنت عمي كتاب الله أخرجني عنكم فهل أمنعن الله ما فعلا وذلك أكثر في أشعارهم وكلامهم من أن يحصى. غير أن ذلك وإن كان بمعنى فرض، فإنه عندي مأخوذ من الكتاب الذي هو رسم وخط، وذلك أن الله تعالى ذكره قد كتب جميع ما فرض على عباده وما هم عاملوه في اللوح المحفوظ، فقال تعالى ذكره في القرآن: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ وقال: إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون فقد تبين بذلك أن كل ما فرضه علينا ففي اللوح المحفوظ مكتوب. فمعنى قول إذ كان ذلك كذلك: كتب عليكم القصاص كتب عليكم في اللوح المحفوظ القصاص فالقتلى فرضا أن لا تقتلوا بالمقتول غير قاتله. وأما القصاص فإنه من قول القائل: قاصصت فلانا حقي قبله من حقه قبلي، قصاصا
[ 146 ]
ومقاصة فقتل القاتل بالذي قتله قصاص، لانه مفعول به مثل الذي فعل بمن قتله، وإن كان أحد الفعلين عدوانا والآخر حقا، فهما وإن اختلفا من هذا الوجه، فهما متفقان في أن كل واحد قد فعل بصاحبه مثل الذي فعل صاحبه به، وجعل فعل ولي القتيل الاول إذا قتل قاتل وليه قصاصا، إذ كان بسبب قتله استحق قتل من قتله، فكأن وليه المقتول هو الذي ولى قتل قاتله فاقتص منه. وأما القتلى، فإنها جمع قتيل، كما الصرعى جمع صريع، والجرحى جمع جريح. وإنما يجمع الفعيل على الفعلى، إذا كان صفة للموصوف به بمعنى الزمانة والضرر الذي لا يقدر معه صاحبه على البراح من موضعه ومصرعه، نحو القتلى في معاركهم، والصرعى في مواضعهم، والجرحى وما أشبه ذلك. فتأويل الكلام إذن: فرض عليكم أيها المؤمنون القصاص في القتلى أن يقتص الحر بالحر، والعبد بالعبد، والانثى بالانثى. ثم ترك ذكر أن يقتص اكتفاء بدلالة قوله: كتب عليكم القصاص عليه. القول في تأويل قوله تعالى: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: فمن ترك له من القتل ظلما من الواجب كان لاخيه عليه من القصاص، وهو الشئ الذي قال الله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع من العافي للقاتل بالواجب له قبله من الدية، وأداء من المعفو عنه ذلك إليه بإحسان. ذكر من قال ذلك: 2120 - حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي، قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن مجاهد، عن ابن عباس: فمن عفي له من أخيه شئ فالعفو أن يقبل الدية في العمد، واتباع بالمعروف أن يطلب هذا بمعروف ويؤدي هذا بإحسان. * - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس أنه قال في قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان فقال: هو العمد يرضى أهله بالدية واتباع بالمعروف أمر به الطالب وأداء إليه باحسان من المطلوب. * - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن سفيان، قال: ثنا أبي، وحدثني المثنى،
[ 147 ]
قال: ثنا سويد بن نصر قالا جميعا: أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: الذي يقبل الدية ذلك منه عفو، واتباع بالمعروف، ويؤدي إليه الذي عفي له من أخيه بإحسان. * - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان وهي الدية أن يحسن الطالب الطلب وأداء إليه بإحسان وهو أن يحسن المطلوب الاداء. 2121 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان والعفو الذي يعفو عن الدم، ويأخذ الدية. * - حدثنا سفيان، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن عفي له من أخيه شئ قال: الدية. 2122 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن يزيد، عن إبراهيم عن الحسن: وأداء إليه بإحسان قال: على هذا الطالب أن يطلب بالمعروف، وعلى هذا المطلوب أن يؤدي بإحسان. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف والعفو: الذي يعفو عن الدم، ويأخذ الدية. 2123 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان قال: هو العمد يرضى أهله بالدية. * - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن داود، عن الشعبي، مثله. 2124 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان يقول: قتل عمدا فعفى عنه، وقبلت منه الدية، يقول: فاتباع بالمعروف فأمر المتبع أن يتبع بالمعروف، وأمر
[ 148 ]
المؤدي أن يؤدي بإحسان، والعمد قود إليه قصاص، لا عقل فيه إلا أن يرضوا بالدية، فإن رضوا بالدية فمائة خلفة، فإن قالوا: لا نرضى إلا بكذا وكذا فذاك لهم. 2125 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان قال: يتبع به الطالب بالمعروف، ويؤدي المطلوب بإحسان. 2126 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان يقول: فمن قتل عمدا فعفي عنه وأخذت منه الدية، يقول: فاتباع بالمعروف: أمر صاحب الدية التي يأخذها أن يتبع بالمعروف، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان. 2127 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان قال: ذلك إذا أخذ الدية فهو عفو. 2128 - حدثنا الحسن، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قال: إذا قبل الدية فقد عفا عن القصاص، فذلك قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان. قال ابن جريج: وأخبرني الاعرج عن مجاهد مثل ذلك، وزاد فيه: فإذا قبل الدية فإن عليه أن يتبع بالمعروف، وعلى الذي عفى عنه أن يؤدي بإحسان. * - حدثنا المثنى قال: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا أبو عقيل قال: قال الحسن: أخذ الدية عفو حسن. 2129 - حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وأداء إليه بإحسان قال: أنت أيها المعفو عنه. * - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان وهو الدية أن يحسن الطالب، وأداء إليه بإحسان: هو أن يحسن المطلوب الاداء.
[ 149 ]
وقال آخرون معنى قوله: فمن عفي فمن فضل له فضل وبقيت له بقية. وقالوا: معنى قوله: من أخيه شئ من دية أخيه شئ، أو من أرش جراحته فاتباع منه القاتل أو الجارح الذي بقي ذلك قبله بمعروف وأداء من القاتل أو الجارح إليه ما بقي قبله له من ذلك بإحسان. وهذا قول من زعم أن الآية نزلت، أعني قوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى في الذين تحاربوا على عهد رسول الله (ص)، فأمر رسول الله (ص) أن يصلح بينهم فيقاص ديات بعضهم من بعض ويرد بعضهم على بعض بفضل إن بقي لهم قبل الآخرين. وأحسب أن قائلي هذا القول وجهوا تأويل العفو في هذا الموضع إلى الكثرة من قول الله تعالى ذكره: حتى عفوا، فكان معنى الكلام عندهم: فمن كثر له قبل أخيه القاتل. ذكر من قال ذلك: 2130 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن عفي له من أخيه شئ يقول: بقي له من دية أخيه شئ أو من أرش جراحته، فليتبع بمعروف وليؤد الآخر إليه بإحسان. والواجب على تأويل القول الذي روينا عن علي والحسن في قوله: كتب عليكم القصاص أنه بمعنى مقاصة دية النفس الذكر من دية النفس الانثى، والعبد من الحر، والتراجع بفضل ما بين ديتي أنفسهما أن يكون معنى قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فمن عفي له من الواجب لاخيه عليه من قصاص دية أحدهما بدية نفس الآخر إلى الرضى بدية نفس المقتول، فاتباع من الولي بالمعروف، وأداء من القاتل إليه ذلك بإحسان. وأولى الاقوال عندي بالصواب في قوله: فمن عفي له من أخيه شئ فمن صفح له من الواجب كان لاخيه عليه من القود عن شئ من الواجب على دية يأخذها منه، فاتباع بالمعروف من العافي عن الدم الراضي بالدية من دم وليه، وأداء إليه من القاتل ذلك بإحسان لما قد بينا من العلل فيما مضى قبل من أن معنى قول الله تعالى ذكره: كتب عليكم القصاص إنما هو القصاص من النفوس القاتلة أو الجارحة والشاجة عمدا، كذلك العفو أيضا عن ذلك.
[ 150 ]
وأما معنى قوله: فاتباع بالمعروف فإنه يعني: فاتباع على ما أوجبه الله له من الحق قبل قاتل وليه من غير أن يزداد عليه ما ليس له عليه في أسنان الفرائض أو غير ذلك، أو يكلفه ما لم يوجبه الله له عليه. كما: 2131 - حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: بلغنا عن نبي الله (ص) أنه قال: من زاد أو ازداد بعيرا يعني في إبل الديات وفرائضها فمن أمر الجاهلية. وأما إحسان الآخر في الاداء، فهو أداء ما لزمه بقتله لولي القتيل على ما ألزمه الله وأوجبه عليه من غير أن يبخسه حقا له قبله بسبب ذلك، أو يحوجه إلى اقتضاء ومطالبة. فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ولم يقل: فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان، كما قال: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ؟ قيل: لو كان التنزيل جاء بالنصب، وكان: فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان، كان جائزا في العربية صحيحا على وجه الامر، كما يقال: ضربا ضربا، وإذا لقيت فلانا فتبجيلا وتعظيما غير أنه جاء رفعا، وهو أفصح في كلام العرب من نصبه، وكذلك ذلك في كل ما كان نظيرا له مما يكون فرضا عاما فيمن قد فعل وفيمن لم يفعل إذا فعل، لا ندبا وحثا. ورفعه على معنى: فمن عفي له من أخيه شئ فالامر فيه اتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان، أو: فالقضاء والحكم فيه اتباع بالمعروف. وقد قال بعض أهل العربية: رفع ذلك على معنى: فمن عفي له من أخيه شئ فعليه اتباع بالمعروف. وهذا مذهبي، والاول الذي قلناه هو وجه الكلام، وكذلك كل ما كان من نظائر ذلك في القرآن فإن رفعه على الوجه الذي قلناه، وذلك مثل قوله: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم وقوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وأما قوله: فضرب الرقاب فإن الصواب فيه النصب، وهو وجه الكلام لانه على وجه الحث من الله تعالى ذكره عباده على القتل عند لقاء العدو كما يقال: إذا لقيتم العدو فتكبيرا وتهليلا، على وجه الحض على التكبير لا على وجه الايجاب والالزام. القول في تأويل قوله تعالى: ذلك تخفيف من ربكم ورحمة.
[ 151 ]
يعني تعالى ذكره بقوله ذلك: هذا الذي حكمت به وسننته لكم من إباحتي لكم أيتها الامة العفو عن القصاص من قاتل قتيلكم على دية تأخذونها فتملكونها ملككم سائر أموالكم التي كنت منعتها من قبلكم من الامم السالفة، تخفيف من ربكم يقول: تخفيف مني لكم مما كنت ثقلته على غيركم بتحريم ذلك عليهم ورحمة مني لكم. كما: 2132 - حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي، قالا: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله في هذه الآية: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى قوله: فمن عفى له من أخيه شئ فالعفو أن يقبل الدية في العمد، ذلك تخفيف من ربكم يقول: خفف عنكم ما كان على من كان قبلكم أن يطلب هذا بمعروف ويؤدي هذا بإحسان. 2133 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كان من قبلكم يقتلون القاتل بالقتيل لاتقبل منهم الدية، فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى آخر الآية ذلك تخفيف من ربكم يقول: خفف عنكم وكان على من قبلكم أن الدية لم تكن تقبل، فالذي يقبل الدية ذلك منه عفو. 2134 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: ذلك تخفيف من ربكم ورحمة مما كان على بني إسرائيل، يعني من تحريم الدية عليهم. 2135 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: كان على بني إسرائيل قصاص في القتل ليس بينهم دية في نفس ولا جرح، وذلك قول الله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين الآية كلها. وخفف الله عن أمة محمد (ص)، فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة، وذلك قوله تعالى: ذلك تخفيف من ربكم بينكم.
[ 152 ]
2136 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ذلك تخفيف من ربكم ورحمة وإنما هي رحمة رحم الله بها هذه الامة أطعمهم الدية، وأحلها لهم، ولم تحل لاحد قبلهم. فكان أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو، وليس بينهما أرش. وكان أهل الانجيل إنما هو عفو أمروا به، فجعل الله لهذه الامة القود والعفو والدية إن شاءوا أحلها لهم، ولم تكن لامة قبلهم. 2137 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بمثله سواء، غير أنه قال: ليس بينهما شئ. 2138 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: كتب عليكم القصاص في القتلى قال: لم يكن لمن قبلنا دية، إنما هو القتل أو العفو إلى أهله، فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم. 2139 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: وأخبرني عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: إن بني إسرائيل كان كتب عليهم القصاص، وخفف عن هذه الامة وتلا عمرو بن دينار: ذلك تخفيف من ربكم ورحمة. وأما على قول من قال: القصا ص في هذه الآية معناه: قصاص الديات بعضها من بعض على ما قاله السدي، فإنه ينبغي أن يكون تأويله: هذا الذي فعلت بكم أيها المؤمنون من قصاص ديات قتلى بعضكم بديات بعض وترك إيجاب القود على الباقين منكم بقتيله الذي قتله وأخذه بديته، تخفيف مني عنكم ثقل ما كان عليكم من حكمي عليكم بالقود أو الدية ورحمة مني لكم. القول في تأويل قوله تعالى: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم. يعني تعالى ذكره بقوله: فمن اعتدى بعد ذلك فمن تجاوز ما جعله الله له بعد أخذه الدية اعتداء وظلما إلى ما لم يجعل له من قتل قاتل وليه وسفك دمه، فله بفعله ذلك وتعديه إلى ما قد حرمته عليه عذاب أليم. وقد بينت معنى الاعتداء فيما مضى بما أغنى عن إعادته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 153 ]
2140 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن اعتدى بعد ذلك فقتل، فله عذاب أليم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن اعتدى بعد أخذ الدية فله عذاب أليم. 2141 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يقول: فمن اعتدى بعد أخذه الدية فقتل، فله عذاب أليم. قال: وذكر لنا أن رسول الله (ص) كان يقول: لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فمن اعتدى بعد ذلك قال: هو القتل بعد أخذ الدية، يقول: من قتل بعد أن يأخذ الدية فعليه القتل لا تقبل منه الدية. 2142 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يقول: فمن اعتدى بعد أخذه الدية فله عذاب أليم. 2143 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثني أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: كان الرجل إذا قتل قتيلا في الجاهلية فر إلى قومه، فيجئ قومه فيصالحون عنه بالدية. قال: فيخرج الفار وقد أمن على نفسه. قال: فيقتل ثم يرمى إليه بالدية، فذلك الاعتداء. * - حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا أبو عقيل قال: سمعت الحسن في هذه الآية: فمن عفي له من أخيه شئ قال: القاتل إذا طلب فلم يقدر عليه، وأخذ من أوليائه الدية، ثم أمن فأخذ فقتل، قال الحسن: ما أكل عدوان. 2144 - حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هارون بن سليمان، قال: قلت لعكرمة: من قتل بعد أخذه الدية ؟ قال: إذا يقتل، أما سمعت الله يقول: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم.
[ 154 ]
2145 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن اعتدى بعد ذلك بعد ما يأخذ الدية فيقتل، فله عذاب أليم. 2146 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فمن اعتدى بعد ذلك يقول: فمن اعتدى بعد أخذه الدية، فله عذاب أليم. 2147 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم قال: أخذ العقل ثم قتل بعد أخذ العقل قاتل قتيله فله عذاب أليم. واختلفوا في معنى العذاب الاليم الذي جعله الله لمن اعتدى بعد أخذه الدية من قاتل وليه، فقال بعضهم: ذلك العذاب هو القتل بمن قتله بعد أخذ الدية منه وعفوه عن القصاص منه بدم وليه. ذكر من قال ذلك: 2148 - حدثني يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم قال: يقتل، وهو العذاب الاليم، يقول العذاب الموجع. 2149 - حدثني يعقوب، قال: حدثني هشيم، قال: ثنا أبو إسحاق، عن سعيد بن جبير أنه قال ذلك. 2150 - حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا القاسم، قال: حدثنا هارون بن سليمان، عن عكرمة: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم قال: القتل. وقال بعضهم: ذلك العذاب عقوبة يعاقبه بها السلطان على قدر ما يرى من عقوبته. ذكر من قال ذلك: 2151 - حدثني القاسم بن الحسن، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن الليث غير أنه لم ينسبه، وقال: ثقة: أن النبي (ص) أوجب بقسم أو غيره أن لا يعفى عن رجل عفا عن الدم وأخذ الدية ثم عدا فقتل. قال ابن جريج: وأخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: في كتاب لعمر
[ 155 ]
عن النبي (ص) قال: والاعتداء الذي ذكر الله أن الرجل يأخذ العقل أو يقتص، أو يقضي السلطان فيما بين الجراح، ثم يعتدي بعضهم من بعد أن يستوعب حقه، فمن فعل ذلك فقد اعتدى، والحكم فيه إلى السلطان بالذي يرى فيه من العقوبة. قال: ولو عفا عنه لم يكن لاحد من طلبة الحق أن يعفو، لان هذا من الامر الذي أنزل الله فيه قوله: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول وإلى أولي الامر منكم. 2152 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن في رجل قتل فأخذت منه الدية، ثم إن وليه قتل به القاتل، قال الحسن: تؤخذ منه الدية التي أخذ ولا يقتل به. وأولى التأويلين بقوله: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم تأويل من قال: فمن اعتدى بعد أخذه الدية، فقتل قاتل وليه، فله عذاب أليم في عاجل الدنيا وهو القتل لان الله تعالى جعل لكل ولي قتيل قتل ظلما سلطانا على قاتل وليه، فقال تعالى ذكره: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل. فإذ كان ذلك كذلك، وكان الجميع من أهل العلم مجمعين على أن من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه وأخذه منه دية قتيله أنه بقتله إياه له ظالم في قتله، كان بينا أن لا يولي من قتله ظلما كذلك السلطان عليه في القصاص والعفو وأخذ الدية، أي ذلك شاء. وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن ذلك عذابه، لان من أقيم عليه حده في الدنيا كان ذلك عقوبته من ذنبه ولم يكن به متبعا في الآخرة، على ما قد ثبت بالخبر عن رسول الله (ص). وأما ما قاله ابن جريج من أن حكم من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه وأخذه دية وليه المقتول إلى الامام دون أولياء المقتول، فقول خلاف لما دل عليه ظاهر كتاب الله وأجمع
[ 156 ]
عليه علماء الامة. وذلك أن الله جعل لولي كل مقتول ظلما السلطان دون غيره من غير أن يخص من ذلك قتيلا دون قتيل، فسواء كان ذلك قتيل ولي من قتله أو غيره. ومن خص من ذلك شيئا سئل البرهان عليه من أصل أو نظير وعكس عليه القول فيه، ثم لن يقول في شئ من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. ثم في إجماع الحجة على خلافه ما قاله في ذلك مكتفى في الاستشهاد على فساده بغيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولكم في القصاص حياة يأولي الالباب لعلكم تتقون) * يعني تعالى ذكره بقوله: ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب ولكم يا أولي العقول فيما فرضت عليكم وأوجبت لبعضكم على بعض من القصاص في النفوس والجراح والشجاج ما منع به بعضكم من قتل بعض وقدع بعضكم عن بعض فحييتم بذلك فكان لكم في حكمي بينكم بذلك حياة. واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم في ذلك نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 2153 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب قال: نكال، تناه. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ولكم في القصاص حياة قال: نكال، تناه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 2154 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: ولكم في القصاص حياة جعل الله هذا القصاص حياة ونكالا وعظة لاهل السفه والجهل من الناس. وكم من رجل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض. وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة ولا نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد في الدنيا والدين، والله أعلم بالذي يصلح خلقه. 2155 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر،
[ 157 ]
عن قتادة في قوله: ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب قال: قد جعل الله في القصاص حياة، إذا ذكره الظالم المتعدي كف عن القتل. 2156 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ولكم في القصاص حياة الآية، يقول: جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لكم، كم من رجل قد هم بداهية فمنعه مخافة القصاص أن يقع بها، وإن الله قد حجز عباده بعضهم عن بعض بالقصاص. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: ولكم في القصاص حياة قال: نكال، تناه. قال ابن جريج: حياة: منعة. 2157 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولكم في القصاص حياة قال: حياة: بقية إذا خاف هذا أن يقتل بي كف عني، لعله يكون عدوا لي يريد قتلي، فيتذكر أن يقتل في القصاص، فيخشى أن يقتل بي، فيكف بالقصاص الذي خاف أن يقتل لولا ذلك قتل هذا. 2158 - حدثت عن يعلى بن عبيد، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح في قوله: ولكم في القصاص حياة قال: بقاء. وقال آخرون: معنى ذلك: ولكم في القصاص من القاتل بقاء لغيره لانه لا يقتل بالمقتول غير قاتله في حكم الله. وكانوا في الجاهلية يقتلون بالانثى الذكر، وبالعبد الحر. ذكر من قال ذلك: 2159 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي: ولكم في القصاص حياة يقول: بقاء، لا يقتل إلا القاتل بجنايته. وأما تأويل قوله: يا أولي الالباب فإنه: يا أولي العقول. والالباب جمع اللب، واللب العقل. وخص الله تعالى ذكره بالخطاب أهل العقول، لانهم هم الذين يعقلون عن الله أمره ونهيه ويتدبرون آياته وحججه دون غيرهم. القول في تأويل قوله تعالى: لعلكم تتقون. وتأويل قوله: لعلكم تتقون أي تتقون القصاص فتنتهون عن القتل. كما:
[ 158 ]
2160 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لعلكم تتقون قال: لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به. القول في تأويل قوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) * يعني بقوله تعالى ذكره: كتب عليكم: فرض عليكم أيها المؤمنون الوصية إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا والخير: المال، للوالدين والاقربين الذين لا يرثونه، بالمعروف وهو ما أذن الله فيه وأجازه في الوصية مما لم يجاوز الثلث، ولم يتعمد الموصي ظلم ورثته، حقا على المتقين، يعني بذلك: فرض عليكم هذا وأوجبه، وجعله حقا واجبا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به. فإن قال قائل: أو فرض على الرجل ذي المال أن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه ؟ قيل: نعم. فإن قال: فإن هو فرط في ذلك فلم يوص لهم أيكون مضيعا فرضا يحرج بتضييعه ؟ قيل: نعم. فإن قال: وما الدلالة على ذلك ؟ قيل: قول الله تعالى ذكره: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خير الوصية للوالدين والاقربين فأعلم أنه قد كتبه علينا وفرضه، كما قال: كتب عليكم الصيام ولا خلاف بين الجميع أن تارك الصيام وهو عليه قادر مضيع بتركه فرضا لله عليه، فكذلك هو بترك الوصية لوالديه وأقربيه وله ما يوصي لهم فيه، مضيع فرض الله عز وجل. فإن قال: فإنك قد علمت أن جماعة من أهل العلم قالوا: الوصية للوالدين والاقربين منسوخة بآية الميراث ؟ قيل له: وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا: هي محكمة غير منسوخة: وإذا كان في نسخ ذلك تنازع بين أهل العلم لم يكن لنا القضاء عليه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها، إذ كان غير مستحيل اجتماع حكم هذه الآية وحكم آية المواريث في حال واحدة على صحة بغير مدافعة حكم إحداهما حكم الاخرى وكان الناسخ
[ 159 ]
والمنسوخ هما المعنيان اللذان لا يجوز اجتماع حكمهما على صحة في حالة واحدة لنفي أحدهما صاحبه. وبما قلنا في ذلك قال جماعة من المتقدمين والمتأخرين. ذكر من قال ذلك: 2161 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك أنه كان يقول: من مات ولم يوص لذوي قرابته فقد ختم عمله بمعصية. 2162 - حدثني سالم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق: أنه حضر رجلا فوصى بأشياء لا تنبغي، فقال له مسروق: إن الله قد قسم بينكم فأحسن القسم، وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله يضله، أوص لذي قرابتك ممن لا يرثك، ثم دع المال على ما قسمه الله عليه. 2163 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك، قال: لا تجوز وصية لوارث ولا يوصي إلا لذي قرابة، فإن أوصى لغير ذي قرابة فقد عمل بمعصية، إلا أن لا يكون قرابة فيوصي لفقراء المسلمين. 2164 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: العجب لابي العالية أعتقته امرأة من بني رياح وأوصى بماله لبني هاشم. 2165 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن رجل، عن الشعبي، قال: لم يكن له حال ولا كرامة. 2166 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن محمد، قال: قال عبد الله بن معمر في الوصية: من سمى جعلناها حيث سمى ومن قال حيث أمر الله جعلناها في قرابته. 2167 - حدثني محمد بن عبد الاعلى الصنعاني، قال: ثنا المعتمر، قال: ثنا عمران بن جرير، قال: قلت لابي مجلز: الوصية على كل مسلم واجبة ؟ قال: على من ترك خيرا.
[ 160 ]
2168 - حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا عبد الملك بن الصباح، قال: ثنا عمران بن حرير قال: قلت للاحق بن حميد: الوصية حق على كل مسلم ؟ قال: هي حق على من ترك خيرا. واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية، فقال بعضهم: لم ينسخ الله شيئا من حكمها، وإنما هي آية ظاهرها ظاهر عموم في كل والد ووالدة والقريب، والمراد بها في الحكم البعض منهم دون الجميع، وهو من لا يرث منهم الميت دون من يرث. وذلك قول من ذكرت قوله، وقول جماعة آخرين غيرهم معهم. ذكر قول من لم يذكر قوله منهم في ذلك: 2169 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن جابر بن زيد في رجل أوصى لغير ذي قرابة، وله قرابة محتاجون، قال: يرد ثلثا الثلث عليهم، وثلث الثلث لمن أوصى له به. 2170 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ، قال: ثنا أبي، عن قتادة، عن الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا في الرجل يوصي لغير ذي قرابته وله قرابة ممن لا يرثه قال: كانوا يجعلون ثلثي الثلث لذوي القرابة، وثلث الثلث لمن أوصى له به. 2171 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حميد، عن الحسن أنه كان يقول: إذا أوصى الرجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث، وثلثا الثلث لقرابته. 2172 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت إلى ذوي قرابته وقال آخرون: بل هي آية قد كان الحكم بها واجبا وعمل به برهة، ثم نسخ الله منها بآية المواريث الوصية لوالدي الموصي وأقربائه الذين يرثونه، وأقر فرض الوصية لمن كان منهم لا يرثه. ذكر من قال ذلك: 2173 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين فجعلت الوصية للوالدين والاقربين، ثم نسخ ذلك بعد ذلك فجعل لهما نصيب مفروض،
[ 161 ]
فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون، وجعل للوالدين نصيب معلوم، ولا تجوز وصية لوارث. 2174 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين قال: نسخ الوالدان منها، وترك الاقربون ممن لا يرث. 2175 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج، عن عكرمة، عن ابن عباس قوله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين قال: نسخ من يرث ولم ينسخ الاقربين الذين لا يرثون. 2176 - حدثنا يحيى بن نصر، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: كانت الوصية قبل الميراث للوالدين والاقربين، فلما نزل الميراث نسخ الميراث من يرث وبقي من لا يرث، فمن أوصى لذي قرابته لم تجز وصيته. 2177 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إسماعيل المكي، عن الحسن في قوله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين قال: نسخ الوالدين وأثبت الاقربين الذين يحرمون فلا يرثون. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن في هذه الآية: الوصية للوالدين والاقربين قال: للوالدين منسوخة، والوصية للقرابة وإن كانوا أغنياء. 2178 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كانت للاقربين، فأنزل الله بعد هذا: ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فبين الله سبحانه ميراث الوالدين، وأقر وصية الاقربين في ثلث مال الميت. 2179 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن
[ 162 ]
صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين فنسخ الوصية للوالدين وأثبت الوصية للاقربين الذين لا يرثون. 2180 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف. قال: كان هذا من قبل أن تنزل سورة النساء، فلما نزلت آية الميراث نسخ شأن الوالدين، فألحقهما بأهل الميراث وصارت الوصية لاهل القرابة الذين لا يرثون. 2181 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن أبي ميمونة، قال: سألت مسلم بن يسار، والعلاء بن زياد، عن قول الله تبارك وتعالى: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين قالا: في القرابة. 2182 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن إياس بن معاوية، قال: في القرابة. وقال آخرون: بلى نسخ الله ذلك كله، وفرض الفرائض والمواريث، فلا وصية تجب لاحد على أحد قريب ولا بعيد. ذكر من قال ذلك: 2183 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين الآية، قال: فنسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض. 2184 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن عباس: أنه قام فخطب الناس ههنا، فقرأ عليهم سورة البقرة ليبين لهم منها، فأتى على هذه الآية: إن ترك خير الوصية للوالدين والاقربين قال: نسخت هذه. * - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قوله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين نسخت الفرائض التي للوالدين والاقربين الوصية. 2185 - حدثني محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن جهضم، عن عبد الله بن بدر، قال: سمعت ابن عمر يقول في قوله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين قال: نسختها آية الميراث. قال ابن بشار: قال عبد الرحمن: فسألت جهضما عنه فلم يحفظه.
[ 163 ]
2186 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث. 2187 - حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي، قال: زعم قتادة، عن شريح في هذه الآية: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين قال: كان الرجل يوصي بماله كله حتى نزلت آية الميراث. 2188 - حدثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي، قال: زعم قتادة أنه نسخت آيتا المواريث في سورة النساء الآية في سورة البقرة في شأن الوصية. 2189 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين قال: كان الميراث للولد والوصية للوالدين والاقربين، وهي منسوخة. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان الميراث للولد، والوصية للوالدين والاقربين، وهي منسوخة نسختها آية في سورة النساء: يوصيكم الله في أولادكم. 2190 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين أما الوالدان والاقربون فيوم نزلت هذه الآية كان الناس ليس لهم ميراث معلوم، إنما يوصي الرجل لوالده ولاهله فيقسم بينهم حتى نسختها النساء فقال: يوصيكم الله في أولادكم. 2191 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن نافع أن ابن عمر لم يوص وقال: أما مالي فالله أعلم ما كنت أصنع فيه في الحياة، وأما رباعي فما أحب أن يشرك ولدي فيها أحد. 2192 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال ثنا محمد بن يوسف، قال: ثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوق قال: قال عروة: يعني ابن ثابت لربيع بن خيثم: أوص لي
[ 164 ]
بمصحفك قال: فنظر إلى أبيه فقال: وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. 2193 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا يزيد، عن سفيان، عن الحسن بن عبد الله، عن إبراهيم، قال: ذكرنا له أن زيدا وطلحة كانا يشددان في الوصية، فقال: ما كان عليهما أن يفعلا، مات النبي (ص) ولم يوص، وأوصى أبو بكر، أي ذلك فعلت فحسن. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الحسن بن عبد الله، عن إبراهيم، قال: ذكر عنده طلحة وزيد، فذكر مثله. وأما الخير الذي إذا تركه تارك وجب عليه الوصية فيه لوالديه وأقربيه الذين لا يرثون فهو المال. كما: 2194 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: إن ترك خيرا يعني مالا. 2195 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: إن ترك خيرا مالا. 2196 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إن ترك خيرا كان يقول: الخير في القرآن كله المال لحب الخير لشديد الخير المال وأحببت حب الخير عن ذكر ربي المال فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا المال وإن ترك خيرا الوصية المال. 2197 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنيزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إن ترك خيرا الوصية أي مالا.
[ 165 ]
2198 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن ترك خيرا الوصية أما خيرا فالمال. 2199 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: إن ترك خيرا قال إن ترك مالا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، عن ابن عباس قوله: إن ترك خيرا قال: الخير: المال. 2200 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرني ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، عن الضحاك في قوله: إن ترك خيرا الوصية قال: المال، ألا ترى أنه يقول: قال شعيب لقومه: إني أراكم بخير يعني الغنى. 2201 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا محمد بن عمرو اليافعي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا قال عطاء: الخير فيما يرى المال. ثم اختلفوا في مبلغ المال الذي إذا تركه الرجل كان ممن لزمه حكم هذه الآية، فقال بعضهم: ذلك ألف درهم. ذكر من قال ذلك: 2202 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا همام بن يحيى، عن قتادة في هذه الآية: إن ترك خيرا الوصية قال: الخير: ألف فما فوقه. 2203 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن عروة: أن علي بن أبي طالب دخل على ابن عم له يعوده، فقال: إني أريد أن أوصي، فقال علي: لا توص فإنك لم تترك خيرا فتوصي. قال: وكان ترك من السبعمائة إلى تسعمائة. * - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدثني عثمان بن الحكم الحزامي وابن أبي الزناد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب: أنه دخل على رجل مريض، فذكر له الوصية، فقال: لا توص إنما قال الله: إن ترك خيرا وأنت لم تترك خيرا. قال ابن أبي الزناد فيه: فدع مالك لبنيك.
[ 166 ]
2204 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور بن صفية، عن عبد الله بن عيينة أو عتبة، الشك مني: أن رجلا أراد أن يوصي وله ولد كثير، وترك أربعمائة دينار، فقالت عائشة: ما أرى فيه فضلا. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: دخل علي على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم، فقال: ألا أوصي ؟ فقال: لا، إنما قال الله إن ترك خيرا وليس لك كثير مال. وقال بعضهم: ذلك ما بين الخمسمائة درهم إلى الالف. ذكر من قال ذلك: 2205 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أبان بن إبراهيم النخعي في قوله: إن ترك خيرا قال: ألف درهم إلى خمسمائة. وقال بعضهم: الوصية واجبة من قليل المال وكثيره. ذكر من قال ذلك: 2206 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الزهري، قال: جعل الله الوصية حقا مما قل منه أو كثر. وأولى هذه الاقوال بالصواب في تأويل قوله: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية ما قال الزهري لان قليل المال وكثيره يقع عليه خير، ولم يحد الله ذلك بحد ولا خص منه شيئا فيجوز أن يحال ظاهر إلى باطن، فكل من حضرته منيته وعنده مال قل ذلك أو كثر فواجب عليه أن يوصى منه لمن لا يرثه من آبائه وأمهاته وأقربائه الذين لا يرثونه بمعروف، كما قال الله جل ذكره وآمره به. القول في تأويل قوله تعالى: * (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم يعني تعالى ذكره بذلك: فمن غير ما أوصى به الموصي من وصيته بالمعروف لوالديه أو أقربيه الذين لا يرثونه بعد ما سمع الوصية فإنما إثم التبديل على من بدل وصيته. فإن قال لنا قائل: وعلام عادت الهاء التي في قوله فمن بدله ؟ قيل: على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر، وذلك هو أمر الميت وإيصاؤه إلى من أوصى إليه بما أوصى به لمن أوصى له. ومعنى الكلام: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية
[ 167 ]
للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين فأوصوا لهم فمن بدل ما أوصيتم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم، فإنما إثم ما فعل من ذلك عليه دونكم. وإنما قلنا إن الهاء في قوله: فمن بدله عائدة على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر لان قوله: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية من قوله الله، وإن تبديل المبدل إنما يكون لوصية الموصي، فأما أمر الله بالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدله، فيجوز أن تكون الهاء في قوله: فمن بدله عائدة على الوصية. وأما الهاء في قوله: بعد ما سمعه فعائدة على الهاء الاولى في قوله: فمن بدله وأما الهاء التي في قوله: فإنما إثمه فإنها مكنى التبديل كأنه قال: فإنما إثم ما بدل من ذلك على الذين يبدلونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2207 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن بدله بعد ما سمعه قال: الوصية. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2208 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه وقد وقع أجر الموصي على الله وبرئ من إثمه، وأن كان أوصى في ضرار لم تجز وصيته، كما قال الله: غير مضار. 2209 - حدثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فمن بدله بعد ما سمعه قال: من بدل الوصية بعد ما سمعها فإثم ما بدل عليه. 2210 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه فمن بدل الوصية التي أوصى بها وكانت بمعروف، فإنما إثمها على من بدلها أنه قد ظلم. 2211 - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن قتادة أن
[ 168 ]
عطاء بن أبي رباح قال فقوله: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه قال: يمضي كما قال. 2212 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن: فمن بدله بعد ما سمعه قال: من بدل وصية بعد ما سمعها. * - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم، عن الحسن في هذه الآية: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه قال: هذا في الوصية من بدلها من بعد ما سمعها، فإنما إثمه على من بدله. 2213 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن عطاء وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهم قالوا: تمضى الوصية لمن أوصى له به إلى ههنا انتهى حديث ابن المثنى، وزاد ابن بشار في حديثه قال قتادة: وقال عبد الله بن معمر: أعجب إلي لو أوصى لذوي قرابته، وما يعجبني أن ننزعه ممن أوصى له به. قال قتادة: وأعجبه إلي لمن أوصى له به، قال الله عز وجل: فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه. القول في تأويل قوله تعالى: إن الله سميع عليم يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله سميع لوصيتكم التي أمرتكم أن توصوا بها لآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم حين توصون بها، أتعدلون فيها على ما أذنت لكم من فعل ذلك بالمعروف، أم تحيفون فتميلون عن الحق وتجورون عن القصد عليم بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق والعدل، أم الجور والحيف. القول في تأويل قوله تعالى: * (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) * اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم: تأويلها: فمن حضر مريضا وهو يوصي عند إشرافه على الموت، فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له أو أن يعمد جورا فيها فيأمر بما ليس له الامر به، فلا حرج على من حضره فسمع ذلك منه أن يصلح بينه وبين ورثته بأن يأمره بالعدل في وصيته، وأن ينهاهم عن منعه مما أذن الله له فيه وأباحه له. ذكر من قال ذلك:
[ 169 ]
2214 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه قال: هذا حين يحضر الرجل وهو يموت، فإذا أسرف أمروه بالعدل، وإذا قصر قالوا افعل كذا، أعط فلانا كذا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما قال: هذا حين يحضر الرجل وهو في الموت، فإذا أشرف على الموت أمروه بالعدل، وإذا قصر عن حق قالوا: افعل كذا، أعط فلانا كذا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خاف من أوصياء ميت أو والي أمر المسلمين من موص جنفا في وصيته التي أوصى بها الميت، فأصلح بين ورثته وبين الموصى لهم بما أوصى لهم به، فرد الوصية إلى العدل والحق فلا حر ج ولا إثم. ذكر من قال ذلك: 2215 - حدثني المثنى، حدثنا أبو صالح كاتب الليث، ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله فمن خاف من موص جنفا يعني إثما، يقول: إذا أخطأ الميت في وصيته، أو حاف فيها، فليس على الاولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب. 2216 - حدثنا الحسن بن عيسى، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما قال: هو الرجل يوصي فيحيف في وصيته فيردها الولي إلى الحق والعدل. * - حدثنا بشر بن معاذ، ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما وكان قتادة يقول: من أوصى بجور أو حيف في وصيته فردها ولي المتوفى أو إمام من أئمة المسلمين إلى كتاب الله وإلى العدل، فذاك له. 2217 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فمن أوصى بوصية بجور
[ 170 ]
فرده الوصي إلى الحق بعد موته فلا إثم عليه قال عبد الرحمن في حديثه: فأصلح بينهم يقول: رده الوصي إلى الحق بعد موته فلا إثم عليه. 2218 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم قال: رده إلى الحق. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن إبراهيم، قال: سألته عن رجل أوصى بأكثر من الثلث، قال: ارددها، ثم قرأ: فمن خاف من موص جنفا أو إثما. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه قال: رده الوصي إلى الحق بعد موته فلا إثم على الوصي. وقال بعضهم: بل معنى ذلك: فمن خاف من موص جنفا أو إثما في عطيته عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض، فلا إثم على من أصلح بينهم، يعني بين الورثة. ذكر من قال ذلك: 2219 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما قال الرجل: يحيف أو يأثم عند موته فيعطي ورثته بعضهم دون بعض، يقول الله: فلا إثم على المصلح بينهم. فقلت لعطاء: أله أن يعطي وارثه عند الموت، إنما هي وصية، ولاوصية لوارث ؟ قال: ذلك فيما يقسم بينهم. وقال آخرون: معنى ذلك: فمن خاف من موص جنفا أو إثما في وصيته لمن لا يرثه بما يرجع نفعه على من يرثه فأصلح بين ورثته فلا إثم عليه. ذكر من قال ذلك: 2220 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني ابن طاوس، عن أبيه أنه كان يقول: جنفه وإثمه: أن يوصي الرجل لبني ابنه ليكون المال لابيهم، وتوصي المرأة لزوج ابنتها ليكون المال لابنتها، وذو الوارث الكثير والمال قليل فيوصي بثلث ماله كله فيصلح بينهم الموصى إليه أو الامير. قلت: أفي حياته، أم بعد موته ؟ قال: ما سمعنا أحدا يقول إلا بعد موته، وإنه ليوعظ عند ذلك. 2221 - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن
[ 171 ]
عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم قال: هو الرجل يوصي لولد ابنته. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن خاف من موص لآبائه وأقربائه جنفا على بعضهم لبعض فأصلح بين الآباء والاقرباء فلا إثم عليه. ذكر من قال ذلك: 2222 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه أما جنفا: فخطأ في وصيته وأما إثما: فعمدا يعمد في وصيته الظلم، فإن هذا أعظم لاجره أن لا ينفذها، ولكن يصلح بينهم على ما يرى أنه الحق ينقص بعضا ويزيد بعضا. قال: ونزلت هذه الآية في الوالدين والاقربين. 2223 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه قال: الجنف: أن يحيف لبعضهم على بعض في الوصية، والاثم أن يكون قد أثم في أبويه بعضهم على بعض، فأصلح بينهم الموصى إليه بين الوالدين والاقربين الابن والبنون هم الاقربون، فلا إثم عليه، فهذا الموصى الذي أوصى إليه بذلك وجعل إليه فرأى هذا قد أجنف لهذا على هذا فأصلح بينهم فلا إثم عليه، فيعجز الموصى أن يوصي كما أمره الله تعالى وعجز الموصى إليه أن يصلح فانتزع الله تعالى ذكره ذلك منهم ففرض الفرائض. وأولى الاقوال في تأويل الآية، أن يكون تأويلها: فمن خاف من موص جنفا أو إثما وهو أن يميل إلى غير الحق خطأ منه أو يتعمد إثما في وصيته بأن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه بأكثر مما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله، وغير ما أذن الله له به مما جاوز الثلث، أو بالثلث كله، وفي المال قلة، وفي الورثة كثرة، فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يوصى لهم وبين ورثالميت وبين الميت، بأن يأمر الميت في ذلك بالمعروف، ويعرفه ما أباح له الله في ذلك، وأذن له فيه من الوصية في ماله، وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف وذلك هو الاصلاح الذي قال الله تعالى ذكره: فأصلح بينهم فلا إثم عليه وكذلك لمن كان في المال فضل وكثرة، وفي الورثة قلة، فأراد أن يقصر في وصيته لوالديه وأقربيه عن ثلثه، فأصلح من حضره بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الذين يريد أن يوصي لهم بأن يأمر المريض أن
[ 172 ]
يزيد في وصيته لهم، ويبلغ بها ما رخص الله فيه من الثلث، فذلك أيضا هو من الاصلاح بينهم بالمعروف. وإنما اخترنا هذا القول لان الله تعالى ذكره قال: فمن خاف من موص جنفا أو إثما يعني بذلك: فمن خاف من موص أن يجنف أو يأثم. فخوف الجنف والاثم من الموصي إنما هو كائن قبل وقوع الجنف والاثم، فأما بعد وجوده منه فلا وجه للخوف منه بأن يجنف أو يأثم، بل تلك حال من قد جنف أو أثم، ولو كان ذلك معناه قيل: فمن تبين من موص جنفا أو إثما، أو أيقن أو علم، ولم يقل فمن خاف منه جنفا. فإن أشكل ما قلنا من ذلك على بعض الناس فقال: فما وجه الاصلاح حينئذ والاصلاح إنما يكون بين المختلفين في الشئ ؟ قيل: إن ذلك وإن كان من معاني الاصلاح، فمن الاصلاح الاصلاح بين الفريقين فيما كان مخوفا حدوث الاختلاف بينهم فيه بما يؤمن معه حدوث الاختلاف لان الاصلاح إنما هو الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين، فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين قبل وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه. فإن قال قائل: فكيف قيل: فأصلح بينهم، ولم يجر للورثة ولا للمختلفين أو المخوف اختلافهم ذكر ؟ قيل: بل قد جرى ذكر الله الذين أمر تعالى ذكره بالوصية لهم، وهم والدا الموصي وأقربوه والذين أمروا بالوصية في قوله: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف ثم قال تعالى ذكره: فمن خاف من موصلمن أمرته بالوصية له جنفا أو إثما فأصلح بينهم وبين من أمرته بالوصية له، فلا إثم عليه والاصلاح بينه وبينهم هو إصلاح بينهم وبين ورثة الموصي. وقد قرئ قوله: فمن خاف من موص بالتخفيف في الصاد والتسكين في الواو وبتحريك الواو وتشديد الصاد، فمن قرأ ذلك بتخفيف الصاد وتسكين الواو فإنما قرأه بلغة من قال: أوصيت فلانا بكذا. ومن قرأ بتحريك الواو وتشديد الصاد قرأه بلغة من يقول: وصيت فلانا بكذا، وهما لغتان للعرب مشهورتان وصيتك وأوصيتك. وأما الجنف فهو الجور والعدول عن الحق في كلام العرب، ومنه قول الشاعر: هم المولى وإن جنفوا عليناوإنا من لقائهم لزور
[ 173 ]
يقال منه: جنف الرجل على صاحبه يجنف: إذا مال عليه وجار جنفا. فمعنى الكلام: من خاف من موص جنفا له بموضع الوصية، وميلا عن الصواب فيها، وجورا عن القصد أو إثما، بتعمده ذلك على علم منه بخطأ ما يأتي من ذلك فأصلح بينهم، فلا إثم عليه. وبمثل الذي قلنا في معنى الجنف والاثم قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك: 2224 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبعن أبيه، عن ابن عباس في قوله: فمن خاف من موص جنفا يعني بالجنف: الخطأ 2225 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن عبد الملك، عن عطاء: فمن خاف من موص جنفا قال: ميلا. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، مثله. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا خالد بن الحر ث ويزيد بن هارون، قالا: ثنا عبد الملك، عن عطاء مثله. 2226 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: الجنف: الخطأ، والاثم: العمد. * - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا الزبيري، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن عطاء مثله. 2227 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن خاف من موص جنفا أو إثما أما جنفا: فخطأ في وصيته وأما إثما: فعمد يعمد في وصيته الظلم. 2228 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: فمن خاف من موص جنفا قال: جنفا إثما.
[ 174 ]
2229 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر عن أبي جعفر، عن الربيع: فمن خاف من موص جنفا أو إثما قال: الجنف: الخطأ، والاثم: العمد. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، مثله. 2230 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم: فمن خاف من موص جنفا أو إثما قال: الجنف: الخطأ، والاثم: العمد. 2231 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية: فمن خاف من موص جنفا قال: خطأ، أو إثما متعمدا. 2232 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق قال: ثنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه: فمن خاف من موص جنفا قال: ميلا. 2233 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: جنفا حيفا، والاثم: ميله لبعض على بعض، وكله يصير إلى واحد كما يكون عفوا غفورا وغفورا رحيما. 2234 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: الجنف: الخطأ، والاثم: العمد. * - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: ثنا الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قال: الجنف: الخطأ، والاثم العمد. وأما قوله: إن الله غفور رحيم فإنه يعني: والله غفور رحيم للموصي فيما كان حدث به نفسه من الجنف والاثم، إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته، فتجاوز له عما كان حدث به نفسه من الجور، إذ لم يمض ذلك فيغفل أن يؤاخذه به، رحيم بالمصلح بين الموصي وبين من أراد أن يحيف عليه لغيره أو يأثم فيه له. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) * يعني الله تعالى ذكره بقوله: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله،
[ 175 ]
وصدقوا بهما وأقروا. ويعني بقوله: كتب عليكم الصيام فرض عليكم الصيام، والصيام مصدر من قول القائل: صمت عن كذا وكذا، يعني كففت عنه، أصوم عنه صوما وصياما، ومعنى الصيام: الكف عما أمر الله بالكف عنه ومن ذلك قيل: صامت الخيل إذا كفت عن السير، ومنه قول نابغة بن ذبيان: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما ومنه قول الله تعالى ذكره إني نذرت للرحمن صوما يعني صمتا عن الكلام. وقوله كما كتب على الذين من قبلكم يعني: فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم. ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله: كما كتب على الذين من قبلكم وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا، فقال بعضهم: الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا أنه كمثل الذي كان عليهم هم النصارى، وقالوا: التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه. ذكر من قال ذلك: 2235 - حدثت عن يحيى بن زياد، عن محمد بن أبان، عن أبي أمية الطنافسي، عن الشعبي أنه قال: لو صمت السنة كلها لافطرت اليوم الذي يشك فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل، وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يوما، ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين، فذلك قوله: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم.
[ 176 ]
وقال آخرون: بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة، وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم. ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الاول أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله: كما كتب على الذين من قبلكم النصارى. ذكر من قال ذلك: 2236 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أما الذين من قبلنا فالنصارى، كتب عليهم رمضان، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان. فاشتد على النصارى صيام رمضان، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا: نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا. فجعلوا صيامهم خمسين، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل الله لهم الاكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر. 2237 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم قال: كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة. وقال آخرون: الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله: كما كتب على الذين من قبلكم أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك: 2238 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أهل الكتاب. وقال بعضهم: بل ذلك كان على الناس كلهم. ذكر من قال ذلك: 2239 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم قال: كتب شهر رمضان على الناس، كما كتب على الذين من قبلهم. قال: وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر.
[ 177 ]
* - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم رمضان كتبه الله على من كان قبلهم. وأولى هذه الاقوال بالصواب قول من قال: معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب، أياما معدودات، وهي شهر رمضان كله لان من بعد إبراهيم (ص) كان مأمورا باتباع إبراهيم، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما، وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة، فأمر نبينا (ص) بمثل الذي أمر به من قبله من الانبياء. وأما التشبيه فإنما وقع على الوقت، وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان مثل الذي فرض علينا سواء. وأما تأويل قوله: لعلكم تتقون فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه، يقول: فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل: ذكر من قال ذلك: 2240 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: (لعلكم تتقون) يقول: فتتقون من الطعام والشرب والنساء مثل ما اتقوا، يعني مثل الذي اتقى النصارى قبلكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) * يعني تعالى ذكره: كتب عليكم أيها الذين آمنوا الصيام أياما معدودات. ونصب أياما بمضمر من الفعل، كأنه قيل: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات، كما يقال: أعجبني الضرب زيد وقوله: كما كتب على الذين من قبلكم من الصيام، كأنه قيل: كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات. ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله عز وجل بقوله: أياما معدودات فقال
[ 178 ]
بعضهم: الايام المعدودات: صوم ثلاثة أيام من كل شهر. قال: وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان. ذكر من قال ذلك: 2241 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، قال: كان عليهالصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يسم الشهر أياما معدودات، قال: وكان هذا صيام الناس قبل ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان. 2242 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبا س قوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون وكان ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان، فهذا الصوم الاول من العتمة. 2243 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله (ص) قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان، فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم حتى بلغ: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. 2244 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قد كتب الله تعالى ذكره على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر. وقال آخرون: بل الايام الثلاثة التي كان رسول الله (ص) يصومها قبل أن يفرض رمضان كان تطوعا صومهن، وإنما عنى الله عز وجل بقوله: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم... أياما معدودات أيام شهر رمضان، لا الايام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان. ذكر من قال ذلك: 2245 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر عن شعبة، عن عمرو بن مرة قال: ثنا أصحابنا: أن رسول الله (ص) لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل
[ 179 ]
شهر تطوعا لا فريضة قال: ثم نزل صيام رمضان قال أبو موسى: قوله قال عمرو بن مرة، حدثنا أصحابنا، يريد ابن أبي ليلى، كان ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى، فذكر نحوه. وقد ذكرنا قوله من قال: عنى بقوله: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم شهر رمضان. وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال: عنى الله جل ثناؤه بقوله: أياما معدودات أيام شهر رمضان، وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الاسلام غير صوم شهر رمضان، ثم نسخ بصوم شهر رمضان، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الاوقات بإبانته، عن الايام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه ثم نسخ ذلك سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة، إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر. وإذ كان الامر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا، فتأويل الآية: كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات، هي شهر رمضان. وجائز أيضا أن يكون معناه: كتب عليكم الصيام: كتب عليكم شهر رمضان. وأما المعدودات: فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها، ويعني بقوله معدودات: محصيات. القول في تأويل قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. يعني بقوله جثناؤه: من كان منكم مريضا ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر فعدة من أيام أخر. يقول: فعليه صوم عدة الايام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أخر، يعني من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره. والرفع في
[ 180 ]
قوله: فعدة من أيام أخر نظير الرفع في قوله: فاتباع بالمعروف وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته. وأما قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فإن قراءة كافة المسلمين: وعلى الذين يطيقونه وعلى ذلك خطوط مصاحفهم، وهي القراءة التي لا يجوز لاحد من أهل الاسلام خلافها لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن. وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه: وعلى الذين يطوقونه. ثم اختلف قراء ذلك: وعلى الذين يطيقونه في معناه، فقال بعضهم: كان ذلك في أول ما فرض الصوم، وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء، وإن شاء أفطره وافتدى، فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا حتى نسخ ذلك. ذكر من قال ذلك: 2246 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال: إن رسول الله (ص) قدم المدينة، فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم إن الله عز وجل فرض شهر رمضان، فأنزل الله تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام حتى بلغ: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا. ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم وثبت الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم، فأنزل الله عز وجل: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر... إلى آخر الآية. 2247 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: حدثنا أصحابنا أن رسول الله (ص) لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة، قال: ثم نزل صيام رمضان، قال: وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام، قال: وكان يشتد عليهم الصوم، قال: فكان من لم يصم أطعم مسكينا، ثم نزلت هذه الآية: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فكانت الرخصة للمريض والمسافر، وأمرنا بالصيام. قال محمد بن المثنى: قوله قال عمرو، حدثنا أصحابنا: يريد ابن أبي ليلى، كأن ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا.
[ 181 ]
* - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى فذكر نحوه. 2248 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: كان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا، فنسخها شهر رمضان إلى قوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه. 2249 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم بنحوه، وزاد فيه قال: فنسختها هذه الآية، وصارت الآية الاولى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم يتصدق مكان كل يوم على مسكين نصف صاع. 2250 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح أبو تميلة، قال: ثنا الحسين، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فكان من شاء منهم أن يصوم صام، ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه. ثم قال: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ثم استثنى من ذلك فقال: ومن كان مريضا أو على سفر فعد من أيام أخر. * - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سألت الاعمش عن قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فحدثنا عن إبراهيم عن علقمة، قال: نسختها: فمن شهد منكم الشهر فليصمه. 2251 - حدثنا عمر بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نسخت هذه الآية يعني: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين التي بعدها: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة في قوله: وعلالذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: نسختها: فمن شهد منكم الشهر فليصمه. 2252 - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عاصم، عن الشعبي قال: نزلت هذه الآية: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان الرجل
[ 182 ]
يفطر فيتصدق عن كل يوم على مسكين طعاما، ثم نزلت هذه الآية: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر. * - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عاصم، عن الشعبي، قال: نزلت هذه الآية للناس عامة: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين، ثم نزلت هذه الآية: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر قال: فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر. 2253 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، قال: دخلت على عطاء وهو يأكل فشهر رمضان فقال: إني شيخ كبير إن الصوم نزل، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا، حتى نزلت هذه الآية: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضأو على سفر فعدة من أيام أخر فوجب الصوم على كل أحد إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبير مثلي يفتدي. 2254 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: قال الله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم قال ابن شهاب: كتب الله الصيام علينا، فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر، ولم يكن عليه غير ذلك. فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام، فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية، وكان من كان على سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر. قال: وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام، والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام. 2255 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: جعل الله في الصوم الاول فدية طعام مسكين، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر كان ذلك رخصة له، فأنزل الله في الصوم الآخر: فعدة من أيام أخر ولم يذكر الله في الصوم الآخر فدية طعام مسكين، فنسخت الفدية، وثبت في الصوم الآخر: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وهو الافطار في السفر، وجعله عدة من أيام أخر. 2256 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: أخبرني عمي عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحرث، قال بكر بن عبد الله، عن يزيد مولى سلمة بن
[ 183 ]
الاكوع، عن سلمة بن الاكوع أنه قال: كنا في عهد رسول الله (ص) من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين، حتى أنزلت: فمن شهد منكم الشهر فليصمه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عاصم الاحول، عن الشعبي في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: كانت الناس كلهم، فلما نزلت: فمن شهد منكم الشهر فليصمه أمروا بالصوم والقضاء، فقال: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر. 2257 - حدثنا هناد، قال: ثنا علي بن مسهر، عن الاعمش، عن إبراهيم في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: نسختها الآية التي بعدها: وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. 2258 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن محمد بن سليمان، عن ابن سيرين، عن عبيدة: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: نسختها الآية التي تليها: فمن شهد منكم الشهر فليصمه. 2259 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: ثنا الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: كتب عليكم الصيام الآية، فرض الصوم من العتمة إلى مثلها من القابلة، فإذا صلى الرجل العتمة حرم عليه الطعام والجماع إلى مثلها من القابلة، ثم نزل الصوم الآخر بإحلال الطعام والجماع بالليل كله، وهو قوله: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود إلى قوله: ثم أتموا الصيام إلى الليل وأحل الجماع أيضا فقال: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم وكان في الصوم الاول الفدية، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك، ولم يذكر الله تعالى ذكره في الصوم الآخر الفدية، وقال: فعدة من أيام أخر فنسخ هذا الصوم الآخر الفدية. وقال آخرون: بل كان قوله وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين حكما خاصا للشيخ الكبير والعجوز اللذين يطيقان الصوم كان مرخصا لهما أن يفديا صومهما بإطعام
[ 184 ]
مسكين ويفطرا، ثم نسخ ذلك بقوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله. ذكر من قال ذلك: 2260 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عروة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا، ثم نسخ ذلك بعد ذلك: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، وللحبلى والمرضع إذا خافتا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد، عن قتادة، عن عروة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وعلى الذين يطيقونه قال: الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، ثم ذكر مثل حديث بشر عن يزيد. 2261 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، قال: كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: فكانت لهم الرخصة، ثم نسخت بهذه الآية: فمن شهد منكم الشهر فليصمه فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم، وبقيت الحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما. 2262 - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا همام بن يحيى، قال: سمعت قتادة يقول في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: كان فيها رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا ويفطرا، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال: شهر رمضان إلى قوله: فعدة من أيام أخر فنسختها هذه الآية. فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا، وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها، وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها. 2263 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع
[ 185 ]
في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان، فأحل الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك، وعليهما الفدية لكل يوم يفطرانه طعام مسكين، فأنزل الله بعد ذلك: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى قوله: فعدة من أيام أخر. وقال آخرون ممن قرأ ذلك: وعلى الذين يطيقونه لم ينسخ ذلك ولا شئمنه، وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة. وقالوا: إنم تأويل ذلك: على الذين يطيقونه وفي حال شبابهم وحداثتهم، وفي حال صحتهم وقوتهم إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم فدية طعام مسكين لا أن القوم كان رخص لهم في الافطار وهم على الصوم قادرون إذا افتدوا. ذكر من قال ذلك: 2264 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: أما الذين يطيقونه فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ثم يعرض له الوجع أو العطش أو المرض الطويل، أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم فإن أولئك عليهم مكان كل يوم إطعام مسكين، فإن أطعم مسكينا فهو خير له، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له. 2265 - حدثنا هناد، قال: ثنا عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن عروة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان، قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صوما. 2266 - حدثنا هناد، قال: ثنا عبدة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه رأى أم ولد له حاملا أو مرضعا، فقال: أنت بمنزلة الذي لا يطيقه، عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ولا قضاء عليك. 2267 - حدثنا هناد، قال: ثنا عبدة، عن سعيد، عن نافع، عن علي بن ثابت، عن ابن عمر مثل قول ابن عباس في الحامل والمرضع. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن
[ 186 ]
ابن عباس قال لام ولد له حبلى أو مرضع: أنت بمنزلة الذين لا يطيقونه، عليك الفداء ولا صوم عليك. هذا إذا خافت على نفسها. 2268 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين هو الشيخ الكبير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب فكبر، وهو لا يستطيع صومه فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطره حين يفطر وحين يتسحر. 2269 - حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس نحوه، غير أنه لم يقل حين يفطر وحين يتسحر. 2270 - حدثنا هناد، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب أنه قال: في قول الله تعالى ذكره: فدية طعام مسكين قال: هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام. فعلى كل واحد منهما طعام مسكين، مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان. وقرأ ذلك آخرون: وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين وقالوا: إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قكبرا عن الصوم، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه، فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا. وقالوا: الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت لم تنسخ، وأنكروا قول من قال إنها منسوخة. ذكر من قال ذلك: 2271 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: يطوقونه. 2272 - حدثنا هناد، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عصام، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين. قال: فكان يقول: هي للناس اليوم قائمة. * - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين قال: وكان يقول هي للناس اليوم قائمة. 2273 - حدثنا هناد، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن
[ 187 ]
ابن عباس أنه كان يقرؤها: وعلى الذين يطوقونه ويقول: هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه. 2274 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: وعلى الذين يطوقونه وكذلك كان يقرؤها: أنها ليست منسوخة كلف الشيخ الكبير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا. 2275 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قرأ: وعلى الذين يطوقونه. 2276 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، قال: الذين يطيقونه يصومونه ولكن الذين يطوقونه يعجزون عنه. 2277 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أخبرنا ابن جريج، قال: حدثني محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي عمرو مولى عائشة أن عائشة كانت تقرأ: يطوقونه. 2278 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء أنه كان يقرؤها: يطوقونه قال ابن جريج: وكان مجاهد يقرؤها كذلك. 2279 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا خالد، عن عكرمة: وعلى الذين يطيقونه قال: قال ابن عباس: هو الشيخ الكبير. 2280 - حدثنا إسماعيل بن موسى السدي، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: وعلى الذين يطوقونه قال: يتجشمونه، يتكلفونه. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن مسلم الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكينا. 2281 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس في قول الله: وعلى الذين يطيقونه قال: يكلفونه، فدية طعام مسكين واحد، قال: فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام، أو مريض يعلم أنه لا يشفى. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن
[ 188 ]
عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: الذين يطيقونه يتكفلونه فدية طعام مسكين واحد، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم، أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى هذا عن مجاهد. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان يقول: ليست بمنسوخة. 2282 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين يقول: من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا، والحامل والمرضع والشيخ الكبير والذي به سقم دائم. 2283 - حدثنا هناد، قال: ثنا عبيدة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: هو الشيخ الكبير والمرء الذي كان يصوم في شبابه، فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموت، فهو يطعم كل يوم مسكينا. قال هناد: قال عبيدة: قيل لمنصور الذي يطعم كل يوم نصف صاع ؟ قال نعم. 2284 - حدثنا هناد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن عثمان بن الاسود، قال: سألت مجاهدا عن امرأة لي وافق تاسعها شهر رمضان، ووافق حرا شديدا، فأمرني أن تفطر وتطعم. قال: وقال مجاهد: وتلك الرخصة أيضا في المسافر والمريض، فإن الله يقول: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. * - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطرون في رمضان، ويطعمون عن كل يوم مسكينا. ثم قرأ: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. 2285 - حدثنا علي بن سعد الكندي، قال: ثنا حفص، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي في قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن
[ 189 ]
عطاء، عن ابن عباس قال: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال: هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه، الشيخ والشيخة. 2286 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي قال: هو الشيخ والشيخة. 2287 - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن عكرمة أنه كان يقرؤها: وعلى الذين يطيقونه فأفطروا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عاصم عمن حدثه، عن ابن عباس، قال: هي مثبتة للكبير والمرضع والحامل وعلى الذين يطيقون الصيام. 2288 - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما قوله: وعلى الذين يطيقونه ؟ قال: بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين، قلت: الكبير الذي لا يستطيع الصوم، أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد ؟ قال: بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشئ، فأما من استطاع بجهد فليصمه ولا عذر له في تركه. 2289 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي يزيد: وعلى الذين يطيقونه الآية، كأنه يعني الشيخ الكبير. قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: نزلت في الكبير الذي لا يستطيع صيام رمضان فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين. قلت له: كم طعامه ؟ قال: لا أدري، غير أنه قال: طعام يوم. 2290 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، عن الضحاك في قوله: فدية طعام مسكين قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا. وأولى هذه الاقوال بتأويل الآية قول من قال: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين منسوخ بقول الله تعالى ذكره: فمن شهد منكم الشهر فليصمه لان الهاء التي في قوله: وعلى الذين يطيقونه من ذكر الصيام. ومعناه: وعلى الذين يطيقون الصيام فدية
[ 190 ]
طعام مسكين. فإذا كان ذلك كذلك، وكان الجميع من أهل الاسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الاصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان فغير جائز له الافطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين، كان معلوما أن الآية منسوخة. هذا مع ما يؤيد هذا القول من الاخبار التي ذكرناها آنفا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الاكوع، من أنهم كانوا بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله (ص) في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسقوط الفدية عنهم، وبين الافطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم، وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت: فمن شهد منكم الشهر فليصمه فألزموا فرض صومه، وبطل الخيار والفدية. فإن قال قائل: وكيف تدعي إجماعا من أهل الاسلام على أن من أطاق صومه وهو بالصفة التي وصفت فغير جائز له إلا صومه، وقد علمت قول من قال الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما لهما الافطار، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما، مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله (ص) الذي: 2291 - حدثنا به هناد بن السري، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: أتيت رسول الله (ص) وهو يتغدى فقال: تعال أحدثك، إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة. قيل: إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع، وإنما ادعينا في الرجال الذين وصفنا صفتهم. فأما الحامل والمرضع فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله: وعلى الذين يطيقونه وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به لانهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال لقيل: وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين لان ذلك كلام العرب إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال فلما قيل: وعلى الذين يطيقونه كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء، أو الرجال والنساء. فلما صح بإجماع الجميع على أن من أطاق من الرجال المقيمين الاصحاء صوم شهر رمضان فغير مرخص له في الافطار والافتداء، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية، وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن وعلى اللواتي يطقنه، والتنزيل بغير ذلك.
[ 191 ]
وأما الخبر الذي روي عن النبي (ص) فإنه إن كان صحيحا، فإنما معناه أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه حتى تطيقا فتقضيا، كما وضع عن المسافر في سفره حتى يقيم فيقضيه، لا أنهما أمرتا بالفدية والافطار بغير وجوب قضاء، ولو كان في قول النبي (ص): إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم دلالة على أنه (ص) إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء، وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية لان النبي (ص) قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع وذلك قول إن قاله قائل خلاف لظاهر كتاب الله ولما أجمع عليه جميع أهل الاسلام. وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله: وعلى الذين يطيقونه وعلى الذين يطيقون الطعام، وذلك لتأويل أهل العلم مخالف. وأما قراءة من قرأ ذلك: وعلى الذين يطوقونه فقراءة لمصاحف أهل الاسلام خلاف، وغير جائز لاحد من أهل الاسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم (ص) نقلا ظاهرا قاطعا للعذر، لان ما جاءت به الحجة من الدين هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله، ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله بالآراء والظنون والاقوال الشاذة. وأما معنى الفدية فإنه الجزاء من قولك: فديت هذا بهذا: أي جزيته به، وأعطيته بدلا منه. ومعنى الكلام: وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه. وأما قوله: فدية طعام مسكين فإن القراء مختلفة في قراءته، فبعض يقرأ بإضافة الفدية إلى الطعام، وخفض الطعام وذلك قراءة معظم قراء أهل المدينة بمعنى: وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين فلما جعل مكان أن يفديه الفدية أضيف إلى الطعام، كما يقال: لزمني غرامة درهم لك بمعنى لزمني أن أغرم لك درهما، وآخرون يقرءونه بتنوين الفدية ورفع الطعام بمعنى الابانة في الطعام عن معنى الفدية الواجبة على من أفطر في صومه الواجب، كما يقال لزمني غرامة درهم لك، فتبين بالدرهم عن معنى الغرامة ما هي وما حدها، وذلك قراءة عظم قراء أهل العراق.
[ 192 ]
وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: فدية طعام بإضافة الفدية إلى الطعام، لان الفدية اسم للفعل، وهي غير الطعام المفدى به الصوم. وذلك أن الفدية مصدر من قول القائل: فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين، أفديه فدية، كما يقال: جلست جلسة، ومشيت مشية، والفدية فعل والطعام غيرها. فإذا كان ذلك كذلك، فبين أن أصح القراءتين إضافة الفدية إلى الطعام، وواضح خطأ قول من قال: إن ترك إضافة الفدية إلى الطعام أصح في المعنى من أجل أن الطعام عنده هو الفدية. فيقال لقائل ذلك: قد علمنا أن الفدية مقتضية مفديا ومفديا به وفدية، فإن كان الطعام هو الفدية والصوم هو المفدى به، فأين اسم فعل المفتدى الذي هو فدية ؟ إن هذا القول خطأ بين غير مشكل. وأما الطعام فإنه مضاف إلى المسكين والقراء في قراءة ذلك مختلفون، فقرأه بعضهم بتوحيد المسكين بمعنى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين واحد لكل يوم أفطره. كما: 2292 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي، قال: ثنا حسين الجعفي، عن أبي عمرو: أنه قرأ فدية رفع منون طعام رفع بغير تنوين مسكين. وقال: عن كل يوم مسكين. وعلى ذلك عظم قراء أهل العراق. وقرأه آخرون بجمع المساكين: فدية طعام مساكين بمعنى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر إذا أفطر الشهر كله. كما: 2293 - حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي، عن يعقوب، عن بشار، عن عمرو، عن الحسن: طعام مساكين عن الشهر كله. وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ طعام مسكين على الواحد بمعنى: وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين لان في إبانة حكم المفطر يوما واحدا وصولا إلى معرفة حكم المفطر جميع الشهر، وليس في إبانة حكم المفطر جميع الشهر وصول إلى إبانة حكم المفطر يوما واحدا وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر، وأن كل واحد يترجم عن الجميع وأن الجميع لا يترجم به عن الواحد، فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد. واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا، فقال بعضهم: كان الواجب من طعام المسكين لافطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح.
[ 193 ]
وقال بعضهم: كان الواجب من طعام المسكين لافطار اليوم مدا من قمح ومن سائر أقواتهم. وقال بعضهم: كان ذلك نصف صاع من قمح أو صاعا من تمر أو زبيب. وقال بعضهم: ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره. وقال بعضهم: كان ذلك سحورا وعشاء يكون للمسكين إفطارا. وقد ذكرنا بعض هذه المقالات فيما مضى قبل فكرهنا إعادة ذكرها. القول في تأويل قوله تعالى: فمن تطوع خيرا فهو خير له. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم بما: 2294 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس: فمن تطوع خير فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس مثله. 2295 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد في قوله: فمن تطوع خيرا قال: من أطعم المسكين صاعا. 2296 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: فمن تطوع خيرا فهو خير له قال: إطعام مساكين عن كل يوم فهو خير له. * - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حنظلة، عن طاوس: فمن تطوع خيرا قال: طعام مسكين. * - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حنظلة، عن طاوس نحوه. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن طاوس: فمن تطوع خيرا قال: طعام مسكين.
[ 194 ]
* - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج. قال: حدثنا حماد، عن ليث، عن طاوس، مثله. 2297 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمر بن هارون، قال: ثنا ابن جريج عن عطاء أنه قرأ: فمن تطوع بالتاء خفيفة (الطاء) خيرا، قال: زاد على مسكين. 2298 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن تطوع خيرا فهو خير له فإن أطعم مسكينين فهو خير له. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: 2299 - حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني ابن طاوس عن أبيه: فمن تطوع خيرا فهو خير له قال: من أطعم مسكينا آخر. وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تطوع خيرا فصام مع الفدية. ذكر من قال ذلك: 2300 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب: فمن تطوع خيرا فهو خير له يريد أن من صام مع الفدية فهو خير له. وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تطوع خيرا فزاد المسكين على قدر طعامه. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: فمن تطوع خيرا فزاد طعاما فهو خير له. والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره عمم بقوله: فمن تطوع خيرا فلم يخصص بعض معاني الخير دون بعض، فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوع الخير وزيادة مسكين على جزاء الفدية من تطوع الخير. وجائز أن يكون تعالى ذكره عنى بقوله: فمن تطوع خيرا أي هذه المعاني تطوع به المفتدي من صومه فهو خير له لان كل ذلك من تطوع الخير ونوافل الفضل. القول في تأويل قوله تعالى: وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. يعني تعالى ذكره بقوله: وأن تصوموا ما كتب عليكم من شهر رمضان فهو خير لكم من أن تفطروه وتفتدوا. كما:
[ 195 ]
2301 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (وأن تصوموا خير لكم) ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له. 2302 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب: (وأن تصوموا خير لكم) أي أن الصيام خير لكم من الفدية. 2303 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأن تصوموا خير لكم) (1). وأما قوله: (إن كنتم تعلمون) فإنه يعني: إن كنتم تعلمون خير الامرين لكم أيها الذين آمنوا من الافطار والفدية أو الصوم على ما أمركم الله له. القول في تأويل قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فيصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185)) قال أبو جعفر: الشهر فيما قيل أصله من الشهرة، يقال منه: قد شهر فلان سيفه إذا أخرجه من غمده فاعترض به من أراد ضربه، يشهره شهرا وكذلك شهر الشهر إذا طلع هلاله، وأشهرنا نحن إذا دخلنا في الشهر. وأما رمضان فإن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمي بذلك لشدة الحر الذي كان يكون فيه حتى ترمض فيه الفصال (2) كما يقال للشهر الذي يحج فيه ذو الحجة، والذي يرتبع فيه ربيع الاول وربيع الاخر. وأما مجاهد فإنه كان يكره أن يقال رمضان ويقول: لعله اسم من أسمأ الله. 2304 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن مجاهد أنه كره أن يقال رمضان، ويقول: لعله اسم من أسمأ الله، لكن نقول كما قال الله: (شهر رمضان).
[ 196 ]
وقد بينت فيما مضى أن (شهر) مرفوع على قوله: (أياما معدودات)، هن شهر رمضان، وجائز أن يكون رفعه بمعنى ذلك شهر رمضان، وبمعنى كتب عليكم شهر رمضان. وقد قرأه بعض القرأ: (شهر رمضان) نصبا، بمعنى: كتب عليكم الصيام أن تصوموا شهر رمضان. وقرأه بعضهم نصبا بمعنى أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتم تعملون. وقد يجوز أيضا نصبه على وجه الامر بصومه كأنه قيل: شهر رمضان فصوموه، وجائز نصبه على الوقت كأنه قيل: كتب عليكم الصيام في شهر رمضان. وأما قوله: (الذي أنزل فيه القرآن) فإنه ذكر أنه نزل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سمأ الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان، ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه. كما: 2305 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الاعمش، عن حسان بن أبي الاشرس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان، فجعل في بيت العزة. قال أبو كريب: حدثنا أبو بكر، وقال ذلك السدي. 2306 - حدثني عيسى بن عثمان، قال: ثنا يحيى بن (1) عيسى، عن الاعمش، عن حسان، عن سعيد بن جبير، قال: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهر رمضان، فجعل في سمأ الدنيا. 2307 - حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا عبد الله بن رجأ، قال: ثنا عمران القطان، عن قتادة، عن ابن أبي المليح عن واثلة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الانجيل لثلاث عشرة خلت، وأنزل القرآن لاربع وعشرين من رمضان) (2). 2308 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (شهر
[ 197 ]
رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، أما أنزل فيه القرآن، فإن ابن عباس قال: شهر رمضان، والليلة المباركة: ليلة القدر، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة، وهي من رمضان، نزل القرآن جملة واحدة من الزبر (1) إلى البيت المعمور، وهو مواقع النجوم، في السمأ الدنيا حيث وقع القرآن، ثم نزل محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الامر والنهي وفي الحروب رسلا رسلا (2). 2309 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنزل الله القرآن إلى السمأ الدنيا في ليلة القدر، فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، فهو قوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (3). 2310 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر نحوه، وزاد فيه: فكان بين اوله وآخره عشرون سنة. 2311 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال ثنا داود عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السمأ الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الارض شيئا أنزله منه حتى جمعه. 2312 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن في ليلة القدر من السمأ العليا إلى السمأ جملة واحدة، ثم فرق في السنين بعد قال: وتلا ابن عباس هذه الاية: (فلا أقسم بمواقع النجوم) (4) قال: نزل مفرقا. 2313 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السمأ الدنى. 2314 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، قرأه ابن جريح في قوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) قال: ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر، فكان لا ينزل منه إلا بأمر. قال ابن جريح: كان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شئ ينزل من القرآن في تلك السنة، فنزل ذلك من السمأ
[ 198 ]
السابعة على جبريل في السمأ الدنيا، فلا ينزل جبريل من ذلك على محمد إلا ما أمره به ربه ومثل ذلك: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (1) و (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) (2). 2315 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن محمد بن أبي المجالد، عن مقسم، عن ابن عباس قال له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وقوله: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) (2) وقوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (1) وقد أنزل الله في شوال وذي القعدة وغيره قال: إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والايام. وأما قوله (هدى للناس) فإنه يعني رشادا للناس إلى سبيل الحق وقصد المنهج. وأما قوله: (وبينات) فإنه يعني: وواضحات من الهدى، يعني من البيان الدال على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه. وقوله: (والفرقان) يعني: والفصل بين الحق والباطل. كما: 2316 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما (وبينات من الهدى والفرقان) فبينات من الحلال والحرام. القول في تأويل قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). اختلف أهل التأويل في معنى شهود الشهر. فقال بعضهم: هو مقام المقيم في داره، قالوا: فمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فعليه صوم الشهر كله، غاب بعد فسافر أو أقام فلم يبرح. ذكر من قال ذلك: 2317 - حدثني محمد بن حميد ومحمد بن عيسى الدامغاني، قالا، ثنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) قال: هو إهلاله بالدار. يريد إذا هل وهو مقيم. 2318 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عمن حدثه، عن ابن عباس أنه قال في قوله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم أقام أو سافر، وإن شهده وهو في سفر، فإن شأ صام وإن شأ فطر.
[ 199 ]
2319 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة في الرجل يدركه رمضان ثم يسافر، قال: إذا شهدت أوله فصم آخره، ألا تراه يقول: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). * - حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية، عن هشام القردوسي (1)، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة، عن رجل أدرك رمضان وهو مقيم، قال: من صام أول الشهر فليصم آخره، ألا تراه يقول: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). 2320 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما من شهد منكم الشهر فليصمه، فمن دخل عليه رمضان وهو مقيم في أهله فليصمه، وإن خرج فيه فليصمه فإنه دخل عليه وهو في أهله. 2321 - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي فيما يحسب حماد، قال: من أدرك رمضان وهو مقيم ولم يخرج فقد لزمه الصوم، لان الله يقول: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). * - حدثنا هناد بن السري. قال: ثنا عبد الرحمن، عن إسماعيل بن مسلم، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) قال: من كان مقيما فليصمه، ومن أدركه ثم سافر فيه فليصمه. * - حدثنا هناد قال: ثنا وكيع، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: من شهد أول رمضان فليصم آخره. * - حدثنا هنا، قال: ثنا عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن عليا كان يقول: إذا أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر فعليه الصوم. 2322 - حدثنا هناد، قال: ثنا عبد الرحيم، عن عبيدة الضبي، عن إبراهيم قال: كان يقول: إذا أدركك رمضان فلا تسافر فيه، فإن صمت فيه يوما أو اثنين ثم سافرت فلا تفطر، صمه.
[ 200 ]
2323 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: كنا عند عبيدة، فقرأ هذه الاية: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) قال: من صام شيئا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج قال: وكان ابن عباس يقول: إن شأ صام، وإن شأ أفطر. 2324 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قالا جميعا، ثنا أيوب، عن أبي يزيد، عن أم درة قالت: أتيت عائشة في رمضان، قالت: من أين جئت ؟ قلت: من عند أخي حنين، قالت: ما شأنه ؟ قالت: ودعته يريد يرتحل، قالت: فأقرئيه السلام ومريه فليقم، فلو أدركني رمضان وأنا ببعض الطريق لاقمت له. 2325 - حدثنا هناد، قال: ثنا إسحاق بن عيسى، عن أفلح، عن عبد الرحمن، قال: جأ إبراهيم بن طلحة إلى عائشة يسلم عليها، قالت، وأين تريد ؟ قال: أردت العمرة، قالت: فجلست حتى إذا دخل عليك الشهر خرجت فيه قال: قد خرج ثقلي (1)، قالت: اجلس حتى إذا أفطرت فاخرج. يعني شهر رمضان. وقال آخرون: معنى ذلك: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ما شهد منه. ذكر من قال ذلك: 2326 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق: أن أبا ميسرة خرج في رمضان حتى إذا بلغ القنطرة دعا مأ فشرب. 2327 - حدثنا هناد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: خرج أبو ميسرة في رمضان مسافرا، فمر بالفرات وهو صائم، فأخذ منه كفا فشربه وأفطر. 2328 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مرثد: أن أبا ميسرة سافر في رمضان فأفطر عند باب الجسر هكذا قال هناد عن مرثد، وإنما هو أبو مرثد. * - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن مرثد: أنه خرج مع أبي ميسرة في رمضان، فلما انتهى إلى الجسر أفطر.
[ 201 ]
2329 - حدثنا هناد وأبو هشام قالا: ثنا وكيع، عن المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن أبيه، قال: كنت مع علي في ضيعة له على ثلاث من المدينة، فخرجنا نريد المدينة في شهر رمضان وعلي راكب وأنا ماش، قال: فصام - قال هناد: وأفطرت - قال أبو هشام: وأمرني فأفطرت. * - حدثنا هناد، قال: ثنا عبد الرحمن بن عتبة، عن الحسن بن سعد، عن أبيه قال: كنت مع علي بن أبي طالب، وهو جأ من أرض له فصام، وأمرني فأفطرت فدخل المدينة ليلا وكان راكبا وأنا ماش. 2330 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قالا جميعا: ثنا سفيان، عن عيسى بن أبي عزة، عن الشعبي أنه سافر في شهر رمضان، فأفطر عند باب الجسر. 2331 - حدثني ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: قال لي سفيان: أحب إلي أن تتمه. 2332 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، قال: سألت الحكم وحمادا وأردت أن أسافر في رمضان فقالا لي: اخرج وقال حماد: قال إبراهيم: أما إذا كان العشر فأحب إلي أن يقيم. 2333 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا: من أدركه الصوم وهو مقيم رمضان ثم سافر، قالا: إن شاء أفطر. وقال آخرون: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) يعني فمن شهده عاقلا بالغا مكلفا فليصمه. وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه، كانوا يقولون: من دخل عليه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بالغ فعليه صومه، فإن جن بعد دخوله عليه وهو بالصفة التي وصفنا ثم أفاق بعد انقضائه لزمه قضأ ما كان فيه من أيام الشهر مغلوبا على عقله، لانه كان ممن شهده وهو ممن عليه فرض قالوا: وكذلك لو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون إلا أنه ممن لو كان صحيح العقل كان عليه صومه، فلن ينقضي الشهر حتى صح وبرأ أو أفاق قبل انقضأ الشهر بيوم أو أكثر من ذلك، فإن عليه قضأ صوم الشهر كله سوى اليوم الذي صامه بعد إفاقته، لانه ممن قد شهد الشهر قالوا: ولو دخل عليه شهد رمضان وهو مجنون فلم يفق حتى انقضى الشهر كله ثم أفاق لم يلزمه قضأ شئ منه، لانه لم يكن ممن شهده مكلفا
[ 202 ]
صومه وهذا تأويل لا معنى له، لان الجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر فقد يجب أن يكون ذلك سبيل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم. وقد أجمع الجميع على أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغمأ أو برسام (1) ثم أفاق بعد انقضأ الشهر أن عليه قضأ الشهر كله، ولم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به على الامة وإذا كان إجماعا فالواجب أن يكون سبيل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم سبيل المغمى عليه. وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن تأويل الاية غير الذي تأولها قائلو هذه المقالة من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفا صومه. وإذا بطل ذلك فتأويل المتأول الذي زعم أن معناه: فمن شهد أوله مقيما حاضرا فعليه صوم جميعه أبطل وأفسد لتظاهر الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج عام الفتح من المدينة في شهر رمضان بعد ما صام بعضه وأفطر وأمر أصحابه بالافطار. 2334 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: (سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة إلى مكة، حتى إذا أتى عسفان نزل به، فدعا بإنأ فوضعه على يده ليراه الناس، ثم شربه) (2). * - حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه. * - حدثنا هناد، ثنا عبيدة، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه. 2335 - حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا ابن إسحاق، قال حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره عام الفتح لعشر مضين من رمضان، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه، حتى إذا أتى الكديد ما بين عسفان وأمج (3) وأفطر.
[ 203 ]
* - حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر أو لعشرين مضت من رمضان عام الفتح، فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر. 2336 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سالم بن نوح، قال: ثنا عمر بن عامر، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان، فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلم يعب المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر (1). فإذا كانا فاسدين هذان التأويلان بما عليه دللنا من فسادهما، فتبين أن الصحيح من التأويل هو الثالث، وهو قول من قال: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) جميع ما شهد منه مقيما، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر. القول في تأويل قوله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) يعني تعالى ذكره بذلك: ومن كان مريضا أو على سفر في الشهر فأفطر فعليه صيام عدة الايام التي أفطرها من أيام أخر غير أيام شهر رمضان. ثم اختلف أهل العلم في المرض الذي أباح الله معه الافطار وأوجب معه عدة من أيام أخر فقال بعضهم: هو المرض الذي لا يطيق صاحبه معه القيام لصلاته. ذكر من قال ذلك: 2337 - حدثنا معاذ بن شعبة البصري، قال: ثنا شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم وإسماعيل بن مسلم، عن الحسن أنه قال: إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائما أفطر. 2338 - حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم، عن مغيرة أو عبيدة، عن إبراهيم في المريض إذا لم يستطع الصلاة قائما: فليفطر يعني في رمضان. 2339 - حدثنا هناد، قال: ثنا حفص بن غياث، عن إسماعيل، قال: سألت
[ 204 ]
الحسن: متى يفطر الصائم ؟ إذا جهده الصوم، قال: إذا لم يستطع أن يصلي الفرائض كما أمر. وقال بعضهم: وهو كل مرض كان الاغلب من أمر صاحبه بالصوم الزيادة في علته زيادة غير محتملة وذلك هو قول محمد بن إدريس الشافعي، حدثنا بذلك عنه الربيع. وقال آخرون: وهو [ كل ] (1) مرض يسمى مرضا. ذكر من قال ذلك: 2340 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا الحسن بن خالد الربعي، قال: ثنا طريف بن تمام العطاردي، أنه دخل على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل فلم يسأله، فلما فرغ قال: إنه وجعت إصبعي هذه. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن المرض الذي أذن الله تعالى ذكره بالافطار معه في شهر رمضان من كان الصوم جاهده جهدا غير محتمل، فكل من كان كذلك فله الافطار وقضأ عدة من أيام أخر وذلك أنه إذا بلغ ذلك الامر، فإن لم يكن مأذونا له في الافطار فقد كلف عسرا ومنع يسرا، وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله: (يريد اله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). وأما من كان الصوم غير جاهده، فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم، فعليه أدأ فرضه. وأما قوله: (فعدة من أيام أخر) فإن معناها: أيام معدودة سوى هذه الايام. وأما الاخر فإنها جمع أخرى بجمعهم الكبرى على الكبر والقربى على القرب. فإن قال قائل: أو ليست الاخر من صفة الايام ؟ قيل: بلى فإن قال: أو ليس واحد الايام يوم وهو مذكر ؟ قيل: بلى. فإن قال: فكيف يكون واحد الاخر أخرى وهي صفة لليوم ولم يكن آخر ؟ قيل: إن واحد الايام وإن كان إذا نعت بواحد الاخر فهو آخر، فإن الايام في الجمع تصير إلى التأنيث فتصير نعوتها وصفاتها كهيئة صفات المؤنث، كما يقال: مضت الايام جمع، ولا يقال: أجمعون، ولا أيام آخرون. فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالى قال: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) ومعنى ذلك عندك: فعليه عدة من أيام أخر كما قد وصفت فيما مضى. فإن كان
[ 205 ]
ذلك تأويله، فما قولك فيمن كان مريضا أو على سفر فصام الشهر وهو ممن له الافطار، أيجزيه ذلك من صيام عدة من أيام أخر، أو غير مجزيه ذلك ؟ وفرض صوم عدة من أيام أخر ثابت عليه بهيئته وإن صام الشهر كله، وهل لمن كان مريضا أو على سفر صيام شهر رمضان، أم ذلك محظور عليه، وغير جائز له صومه، والواجب عليه الافطار فيه حتى يقيم هذا ويبرأ هذا ؟ قيل: قد اختلف أهل العلم في كل ذلك، ونحن ذاكرو اختلافهم في ذلك، ومخبرون بأولاه بالصواب إن شأ الله. فقال بعضهم: الافطار في المرض عزمة من الله واجبة، وليس بترخيص. ذكر من قال ذلك: 2341 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية جميعا، عن سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: الافطار في السفر عزمة. 2342 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا سعيد، عن يعلى، عن يوسف بن الحكم، قال: سألت ابن عمر، أو سئل عن الصوم في السفر، فقال: أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك ألم تغضب ؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم (1). 2343 - حدثنا نصر بن عبد الرحمن الازدي، قال: ثنا المحاربي عن عبد الملك بن حميد، قال: قال أبو جعفر كان أبي لا يصوم في السفر وينهى عنه. 2344 - وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك: أنه كره الصوم في السفر. وقال أهل هذه المقالة: من صام في السفر فعليه القضأ إذا قام. ذكر من قال ذلك: 2345 - حدثنا نصر بن علي الخثعمي، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، عن أبيه، عن رجل: أن عمر أمر الذي صام في السفر أن يعيد.
[ 206 ]
* - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد بن عمرو بن دينار، عن رجل من بني تميم عن أبيه، قال: أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيد صومه. 2346 - حدثني ابن حميد احمصي، قال: ثنا علي بن معيد، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عطأ، عن المحرر بن أبي هريرة، قال: كنت مع أبي في سفر في رمضان، فكنت أصوم ويفطر، فقال لي أبي: أما إنك إذا أقمت قضيت. 2347 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا سليمان بن داود، قال: ثنا شعبة، عن عاصم مولى قريبة، قال: سمعت عروة يأمر رجلا صام في السفر أن يقضي. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن عاصم مولى قريبة أن رجلا صام في السفر فأمره عروة أن يقضي. 2348 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن صبيح، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، عن أبيه كلثوم: أن قوما قدموا على عمر بن الخطاب وقد صاموا رمضان في سفر، فقال لهم: والله لكأنكم كنتم تصومون ! فقالوا: والله يا أمير المؤمنين لقد صمنا، قال: فأطلقتموه ؟ قالوا: نعم، قال: فاقضوه فاقضوه فاقضوه. وعلة من قال هذه المقالة أن الله تعالى ذكره فرض بقوله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) صوم شهر رمضان على من شهده مقيما غير مسافر، وجعل على من كان مريضا أو مسافرا صوم عدة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) قالوا: فكما غير جائز للمقيم إفطار أيام شهر رمضان وصوم عدة أيام أخر مكانها، لان الذي فرضه الله عليه بشهوده الشهر دون غيره، فكذلك غير جائز لمن لم يشهده من المسافرين مقيما صومه، لان الذي فرضه الله عليه عدة من أيام أخر واعتلوا أيضا من الخبر بما: 2349 - حدثنا به محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي، قال: ثنا يعقوب بن محمد الزهري، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر) (1). * - حدثني محمد بن عبيد الله بن سعيد، قال: ثنا يزيد بن عياض، عن الزهري،
[ 207 ]
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر) (1). وقال آخرون: إباحة الافطار في السفر رخصة من الله تعالى ذكره رخصها لعباده، والفرض الصوم، فمن صام فرضه أدى، ومن أفطر فبرخصة الله له أفطر قالوا: وإن صام في سفر فلا قضأ عليه إذا أقام. ذكر من قال ذلك: 2350 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال ثنا أيوب، قال: ثنا عروة وسالم أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أمير على المدينة فتذاكروا الصوم في السفر، قال سالم: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، وقال عروة: وكانت عائشة تصوم، فقال سالم: إنما أخذت عن ابن عمر، وقال عروة: إنما أخذت عن عائشة حتى ارتفعت أصواتهما، فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم عفوا إذا كان يسرا فصوموا، وإذا كان عسرا فأفطروا. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، قال: حدثني رجل، قال: ذكر الصوم في السفر عند عمر بن عبد العزيز، ثم ذكر نحو حديث ابن بشار. 2351 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس ثنا ابن إسحاق، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، قال: خرج عمر بن الخطاب في بعض أسفاره في ليال بقيت من رمضان، فقال: إن الشهر قد تشعشع (2) - قال أبو كريب في حديثه أو تسعسع (3)، ولم يشك يعقوب - فلو صمنا ! فصام وصام الناس معه ثم أقبل مرة قافلا حتى إذا كان بالروحأ أهل هلال شهر رمضان، فقال إن الله قد قضى السفر، فلو صمنا ولم نثلم (4) شهرنا ! قال: فصام وصام الناس معه. 2352 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: حدثني أبي، وحدثنا محمد بن بشار، قال: أخبرنا عبيد الله، قال: أخبرنا بشير بن سلمان، عن خيثمة، قال:
[ 208 ]
سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر، قال: قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى. قلت: فأين هذه الاية: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) ؟ قال: نزلت ونحن يومئذ نرتحل جياعا وننزل على غير شبع، وإنا اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع. * - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع: عن بشير بن سلمان، عن خيثمة، عن أنس نحوه. 2353 - حدثنا هنا وأبو السائب قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أنس أنه سئل عن الصوم في السفر فقال: من أفطر فبرخصة الله، ومن صام فالصوم أفضل. 2354 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن أشعث بن عبد الملك، عن محمد بن عثمان بن أبي العاص، قال: الفطر في السفر رخصة، والصوم أفضل. 2355 - حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو الفيض، قال: كان علي عليينا أمير بالشام، فنهانا عن الصوم في السفر، فسألت أبا قرصافة (1) رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني ليث - قال عبد الصمد: سمعت رجلا من قومه يقول: إنه واثلة بن الاسقع - قال لو صمت في السفر ما قضيت. 2356 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن بسطام بن مسلم، عن عطأ قال: إن صمتم أجزأ عنكم وإن أفطرتم فرخصة. 2357 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن كهمس، قال: سألت سالم بن عبد الله عن الصوم في السفر، فقال: إن صمتم أجزأ عنكم، وإن أفطرتم فرخصة. * - حدثنا هناد، قال: ثنا عبد الرحيم، عن طلحة بن عمرو، عن عطأ، قال: من صام فحق أداه، ومن أفطر فرخصة أخذ بها. 2358 - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، قال: الفطر في السفر رخصة، والصوم أفضل. 2359 - حدثنا هناد قال: ثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطأ، قال: هو تعليم، وليس بعزم، يعني قول الله: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) إن شأ صام، وإن شأ لم يصم.
[ 209 ]
2360 - حدثنا هنا، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الحسن في الرجل يسافر في رمضان، قال: إن شأ صام، وإن شأ أفطر. 2361 - حدثنا حميد بن مسعدة. قال: ثنا سفيان بن حبيب، قال: ثنا العوام بن حوشب، قال: قلت لمجاهد: الصوم في السفر ؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فيه ويفطر، قال: قلت فأيهما أحب إليك ؟ قال: إنما هي رخصة، وأن تصوم رمضان أحب إلي. 2362 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن سعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد أنهم قالوا: الصوم في السفر، إن شأ صام وإن شأ أفطر، والصوم أحب إليهم. 2363 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: قال لي مجاهد في الصوم في السفر، يعني صوم رمضان: والله ما منهما إلا حلال الصوم والافطار، وما أراد الله بالافطار إلا التيسير لعباده. 2364 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الاشعث بن سليم، قال: صحبت أبي والاسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل إلى مكة، وكانوا يصومون رمضان وغيره في السفر. * - حدثنا علي بن حسن الازدي. قال: ثنا معافى بن عمران، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير: الفطر في السفر رخصة، والصوم أفضل. 2365 - حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا صالح بن محمد بن صالح، عن أبيه قال: قلت للقاسم بن محمد: إنا نسافر في الشتأ في رمضان، فإن صمت فيه كان أهون علي من أن أقضيه في الحر. فقال: قال الله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ما كان أيسر عليك فافعل. وهذا القول عندنا أولى بالصواب لاجماع الجميع على أن مريضا لو صام شهر رمضان وهو ممن له الافطار لمرضه أن صومه ذلك مجزئ عنه، ولا قضأ عليه إذا برأ من مرضه بعدة من ايام أخر، فكان معلوما بذلك أن حكم المسافر حكمه في أن لا قضأ عليه إن صامه في سفره، لان الذي جعل للمسافر من الافطار وأمر به من قضأ عدة من أيام أخر مثل الذي جعل من ذلك للمريض وأمر به من القضأ.
[ 210 ]
ثم في دلالة الاية كفاية مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها، وذلك قول الله تعالى ذكره: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ولا عسر أعظم من أن يلزم من صامه في سفره عدة من أيام أخر، وقد تكلف أدأ فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأداه. فإن ظن ذو غباوة أن الذي صامه لم يكن فرضه الواجب، فإن في قول الله تعالى ذكره: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ما ينبئ أن المكتوب صومه من الشهور على كل مؤمن هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقيما، لعموم الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) (شهر رمضان) وأن قوله: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) معناه: ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر برخصة الله فعليه صوم عدة أيام أخر مكان الايام التي أفطر في سفره أو مرضه. ثم في تظاهر الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إذا سئل عن الصوم في السفر: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)، الكفاية الكافية عن الاستدلال على صحة ما قلنا في ذلك بغيره. 2366 - حدثنا هناد، قال: ثنا عبد الرحيم ووكيع، وعبدة بن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر، وكان يسرد الصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) (1). 2367 - حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسماعيل الهباري قالا: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه (2). 2368 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبو زرعة وهب الله (2) بن راشد، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا أبو الاسود أنه سمع عروة بن
[ 211 ]
الزبير يحدث عن أبي مراوح عن حمزة الاسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا رسول الله إني أسرد الصوم فأصوم في السفر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هي رخصة من الله لعباده، فمن فعلها فحسن جميل، ومن تركها فلا جناح عليه) (1) فكان حمزة يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر، وكان عروة بن الزبير يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر، حتى إن كان ليمرض فلا يفطر، وكان أبو مراوح يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر. ففي هذا مع نظائره من الخبار التي يطول باستيعابها الكتاب الدلالة الدالة على صحة ما قلنا من أن الافطار رخصة لا عزم، والبيان الواضح على صحة ما قلنا في تأويل قوله: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر). فإن قال قائل: فإن الاخبار بما قلت وإن كانت متظاهرة، فقد تظاهرت أيضا بقوله: (ليس من البر الصيام في السفر) ؟. قيل: إن ذلك إذا كان صيام في مثل الحال التي جأ الاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك لمن قال له. 2369 - حدثنا الحسين بن يزيد السبيعي، قال: ثنا ابن إدريس، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في سفره فد ظلل عليه، وعليه جماعة، فقال: (من هذا ؟) قالوا: صائم، قال: (ليس من البر الصوم في السفر) (2). قال أبو جعفر: أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط وبين ابن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن شعبة. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال ثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الانصاري، عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، عن جابر بن عبد الله، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد اجتمع الناس عليه، وقد ظلل عليه، فقالوا: هذا رجل صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر أن تصوموا في السفر) (3).
[ 212 ]
فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك، فليس من البر صومه، لان الله تعالى ذكره قد حرم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها، وله إلى نجاتها سبيل، وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الاعمال لا بما نهى عنه. وأما الاخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر) (1) فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل عليه إن كان قبل ذلك، وغير جائز عليه أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قيل ذلك، لان الاخبار التي جأت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واهية الاسانيد لا يجوز الاحتجاج بها في الدين. فإن قال قائل: وكيف عطف على المريض وهو اسم بقوله: (أو على سفر) و ( على) صفة (2) لا اسم ؟ قيل: جاز أن ينسق بعلى على المريض، لانها في معنى الفعل، وتأويل ذلك: أو مسافرا، كما قال تعالى ذكره: (دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) (3) فعطف بالقاعد والقائم على اللام التي في لجنبه، لان معناها الفعل، كأنه قال: دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما. القول في تأويل قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). يعني تعلى ذكره ذلك: يريد الله بكم أيها المؤمنون بترخيصه لكم في حال مرضكم وسفركم في الافطار، وقضأ عدة أيام أخر من الايام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد برئكم من مرضكم التخفيف عليكم، والتسهيل عليكم لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه الاحوال. (ولا يريد بكم العسر) يقول: ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم، فيكلفكم صوم الشهر في هذه الاحوال، مع علمه شدة ذلك عليكم وثقل حمله عليكم لو حملكم صومه. كما: 2370 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) قال: اليسر: الافطار في السفر، والعسر: الصيام في السفر. 2371 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن
[ 213 ]
أبي حمزة، قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر، فقال: يسر وعسر، فخذ بيسر الله. 2372 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (يريد الله بكم اليسر) قال: هو الافطار في السفر، وجعل عدة من أيام أخر، (ولا يريد بكم العسر). 2373 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فأريدوا لانفسكم الذي أراد الله لكم. 2374 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم الجزري عن طاوس، عن ابن عباس قال: لا تعب على من صام ولا على من أفطر، يعني في السفر في رمضان، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). 2375 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: ثنا الفضيل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال سمعت الضحاك بن مزاحم في قوله: (يريد الله بكم اليسر) الافطار في السفر، (ولا يريد بكم العسر) الصيام في السفر. القول في تأويل قوله تعالى: (ولتكملوا العدة). يعني تعالى ذكره بذلك: (ولتكملوا العدة) عدة ما أفطرتم من أيام أخر أوجبت عليكم قضأ عدة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم، أو إقامتكم من سفركم. كما: 2376 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (ولتكملوا العدة) قال: عدة ما أفطر المريض والمسافر. 2377 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (ولتكملوا العدة) قال: إكمال العدة: أن يصوم ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض إلى أن يتمه، فإذا أتمه فقد أكمل العدة. فإن قال قائل: ما الذي عليه بهذه الواو التي في قوله: (ولتكملوا العدة) عطفت ؟ قيل: اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعضهم: هي عاطفة على ما قبلها كأنه قيل: ويريد لتكملوا العدة ولتكبروا الله. وقال بعض نحويي الكوفة: وهذه اللام التي في قوله: (ولتكملوا) لام كي، لو
[ 214 ]
ألقيت كان صوابا. قال: والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعل بعدها، ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها الواو، ألا ترى أنك تقول: جئتك لتحسن إلي، ولا تقول: جئتك ولتحسن إلي، فإذا قلته فأنت تريد: ولتحسن جئتك. قال: وهذا في القرآن كثير، منه قوله: (ولتصغى إليه أفئدة) (1) وقوله: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين) (2) لو لم تكن فيه الواو كان شرطا على قولك: أريناه ملكوت السموات والارض ليكون، فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها، و (ليكون من الموقنين) أريناه. وهذا القول أولى بالصواب في العربية، لان قوله: (ولتكملوا العدة) ليس قبله لام بمعنى التي في قوله: (ولتكملوا العدة) فتعطف بقوله: (ولتكملوا العدة) عليها، وإن دخول الواو معها يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها، إذ كانت الواو لو حذفت كانت شرطا لما قبلها من الفعل. القول في تأويل قوله تعالى: (ولتكبروا الله على ما هداكم). يعني تعالى ذكره: ولتعظموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به من الهداية التي خذل عنها غيركم من أهل الملل الذين كتب عليهم من صوم شهر رمضان مثل الذي كتب عليكم فيه، فضلوا عنه بإضلال الله إياهم، وخصكم بكرامته فهداكم له، ووفقكم لادأ ما كتب الله عليكم من صومه، وتشكروه على ذلك بالعبادة له. والذكر الذي خصهم الله على تعظيمه به التكبير يوم الفطر فيما تأوله جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2378 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن داود بن قيس، قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: (ولتكبروا الله على ما هداكم) قال: إذا رأى الهلال، فالتكبير من حين يرى الهلال حتى ينصرف الامام في الطريق والمسجد إلا أنه إذا حضر الامام كف فلا يكبر إلا بتكبيره. 2379 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت سفيان يقول: (ولتكبروا الله على ما هداكم) قال: بلغنا أنه التكبير يوم الفطر. 2380 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان ابن عباس يقول: حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم، لان الله تعالى ذكره يقول: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) قال ابن زيد:
[ 215 ]
ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلى كبروا، فإذا جلسوا كبروا، فإذا جأ الامام صمتوا، فإذا كبر الامام كبروا، ولا يكبرون إذا جأ الامام إلا بتكبيره، حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد، قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلى. القول في تأويل قوله تعالى: (ولعلكم تشكرون). يعني تعالى ذكره ذلك: ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق. وتيسير ما لو شأ عسر عليكم. و (لعل) في هذا الموضع بمعنى (كي) ولذلك عطف به على قوله: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون). القول في تأويل قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون (186)) يعني تعالى ذكره بذلك: وإذا سألك يا محمد عبادي عني أين أنا ؟ فإني قريب منهم أسمع دعأهم، وأجيب دعوة الداعي منهم. وقد اختلفوا فيما أنزلت فيه هذه الاية، فقال بعضهم: نزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله (وإذا سألك عبادي عنى فإنى قريب أجيب)... الاية. 2381 - حدثنا بذلك ابن حميد 7 قال: ثنا جرير، عن عبدة السجستاني، عن الصلت بن حكيم، عن أبيه، عن جده. 2382 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف، عن الحسن، قال: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم: أين ربنا ؟ فأنزل الله تعالى ذكره: (وإذا سألك عبادي عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان...) الاية. وقال آخرون: بل نزلت جوابا لمسألة قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: أي ساعة يدعون الله فيها ؟ ذكر من قال ذلك: 2383 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن
[ 216 ]
عطاء قال: لما نزلت: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قالوا في أي ساعة ؟ قال: فنزلت: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب إلى قوله: لعلهم يرشدون. 2384 - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: أجيب دعوة الداع إذا دعان قالوا: لو علمنا أي ساعة ندعو ؟ فنزلت وإذا سألك عبادي عني فإني قريب... الآية. * - حدثني القاسم قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: زعم عطاء بن أبي رباح أنه بلغه لما نزلت: وقال ربكم ادعوني أستجيب لكم قال. الناس: لو نعلم أي ساعة ندعو ؟ فنزلت: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. 2385 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال ثنا أسباط، عن السدي: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان قال: ليس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله، وإن لم يكن له رزقا في الدنيا ذخره له إلى يوم القيامة، ودفع عنه به مكروها. 2386 - حدثني المثنى، قال: ثنا الليث بن سعد، عن ابن صالح، عمن حدثه أنه بلغه أن رسول الله (ص) قال: ما أعطي أحد الدعاء ومنع الاجابة، لان الله يقول: ادعوني أستجب لكم ومعنى متأولي هذا التأويل: وإذا سألك عبادي عني أي ساعة يدعونني فإني منهم قريب في كل وقت أجيب دعوة الداع إذا دعان. وقال آخرون: بل نزلت جوابا لقول قوم قالوا إذا قال الله لهم: ادعوني أستجب لكم إلى أين ندعوه ؟ ذكر من قال ذلك: 2387 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال مجاهد: ادعوني أستجب لكم قالوا: إلى أين ؟ فنزلت: أينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم. وقال آخرون: بل نزلت جوابا لقوم قالوا: كيف ندعو ؟ ذكر من قال ذلك: 2388 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما أنزل الله ادعوني أستجب لكم قال رجال: كيف ندعو يا نبي الله ؟ فأنزل الله:
[ 217 ]
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب إلى قوله: يرشدون. وأما قوله: فليستجيبوا لي فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة، يقال منه: استجبت له واستجبته بمعنى أجبته، كما قال كعب بن سعد الغنوي: وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب يريد: فلم يجبه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد وجماعة غيره. 2389 - حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال: حدثني الحجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد قوله: فليستجيبوا لي قال: فليطيعوا لي، قال: الاستجابة: الطاعة. 2390 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: سألت عبد الله بن المبارك عن قوله: فليستجيبوا لي قال: طاعة الله. وقال بعضهم: معنى فليستجيبوا لي فليدعوني. ذكر من قال ذلك: 2391 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني منصور بن هارون، عن أبي رجاء الخراساني، قال فليستجيبوا لي: فليدعوني. وأما قوله: وليؤمنوا بي فإنه يعني: وليصدقوا، أي وليؤمنوا بي إذا هم استجابوا لي بالطاعة أني لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب عليها وإجزالي الكرامة لهم عليها. وأما الذي تأول قوله: فليستجيبوا لي أي بمعنى فليدعوني، فإنه كان يتأول قوله: وليؤمنوا بي: وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم. ذكر من قال ذلك:
[ 218 ]
2392 - حدثنا القاسم، ثنا الحسين، قال: حدثني منصور بن هارون، عن أبي رجاء الخراساني: وليؤمنوا بي يقول: أني أستجيب لهم. وأما قوله: لعلهم يرشدون فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة، وليؤمنوا بي فيصدقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا كما: 2393 - حدثني به المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، قال ثنا أبو جعفر، عن الربيع في قوله: لعلهم يرشدون يقول: لعلهم يهتدون. فإن قال لنا قائل: وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره ؟ فأنت ترى كثيرا من البشر يدعون الله فلا يجاب لهم دعاء وقد قال: أجيب دعوة الداع إذا دعان ؟ قيل: إن لذلك وجهين من المعنى: أحدهما أن يكون معنيا بالدعوة العمل بما ندب الله إليه وأمر به، فيكون تأويل الكلام: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ممن أطاعني وعمل بما أمرته به أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني. فيكون معنى الدعاء مسألة العبد ربه وما وعد أولياؤه على طاعتهم بعملهم بطاعته، ومعنى الاجابة من الله التي ضمنها له الوفاء له بما وعد العاملين له بما أمرهم به، كما روي عن النبي (ص) من قوله: إن الدعاء هو العبادة. 2394 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جويبر، عن الاعمش، عن ذر، عن سبيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله (ص): إن الدعا هو العبادة، ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين. فأخبر (ص) أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته بالعمل له والطاعة وبنحو الذي قلنا في ذلك ذكر أن الحسن كان يقول. 2395 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني منصور بن هارون، عن
[ 219 ]
عبد الله بن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن الحسن أنه قال فيها: ادعوني أستجب لكم قال: اعملوا وأبشروا فإنه حق على الله أن يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والوجه الآخر: أن يكون معناه: أجيب دعوة الداع الصالحات ويزيدهم من فضله إذا دعان إن شئت. فيكون ذلك وإن كان عاما مخرجه في التلاوة خاصا معناه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) * يعني تعالى ذكره بقوله: أحل لكم أطلق لكم وأبيح. ويعني بقوله: ليلة الصيام في ليلة الصيام. فأما الرفث فأنه كناية عن الجماع في هذا الموضع، يقال: هو الرفث والرفوث. وقد روي أنها في قراءة عبد الله: أحل لكم ليلة الصيام الرفوث إلى نسائكم. وبمثل الذي قلنا في تأويل الرفث قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2396 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر عن عبد الله المزني، عن ابن عباس قال: الرفث: الجماع، ولكن الله كريم يكني. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس، مثله. * - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الرفث: النكاح. 2397 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: الرفث: غشيان النساء.
[ 220 ]
2398 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم قال: الجماع. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: الرفث: هو النكاح. 2399 - حدثني المثنى، قال: قال: ثنا إسحاق، قال ثنا عبد الكبير البصري، قال: ثنا الضحاك بن عثمان، قال سألت سالم بن عبد الله عن قوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم قال: هو الجماع. 2400 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم يقول: الجماع. والرفث في غير هذا الموضع الافحاش في المنطق كما قال العجاج: عن اللغا ورفث التكلم القول في تأويل قوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن. يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم لباس لكم، وأنتم لباس لهن. فإن قال قائل: وكيف يكون نساؤنا لباسا لنا ونحن لهن لباسا واللباس إنما هو ما لبس ؟ قيل: لذلك وجهان من المعاني: أحدهما أن يكون كل واحد منهما جعل لصاحبه
[ 221 ]
لباسا، لتخرجهما عند النوم واجتماعهما في ثوب واحد وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبة بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه، فقيل لكل واحد منهما هو لباس لصاحبه، كما قال نابغة بني جعدة: إذا ما الضجيع ثنى عطفها تداعت فكانت عليه لباسا ويروى تثنت فكنى عن اجتماعهما متجردين في فراش واحد باللباس كما يكنى بالثياب عن جسد الانسان، كما قالت ليلى وهي تصف إبلا ركبها قوم: رموها بأثواب خفاف فلا ترى لها شبها إلا النعام المنفرا يعني رموها بأنفسهم فركبوها. وكما قال الهذلي: تبرأ من دم القتيل ووتره وقد علقت دم القتيل إزارها يعني بإزارها
[ 222 ]
نفسها. وبذلك كان الربيع يقول: 2401 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعيد، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن يقول: هن لحاف لكم، وأنتم لحاف لهن. والوجه الآخر أن يكون جعل كل واحد منهما لصاحبه لباسا لانه سكن له، كما قال جل ثناؤه: جعل لكم الليل لباسا يعني بذلك سكنا تسكنون فيه. وكذلك زوجة الرجل سكنه يسكن إليها، كما قال تعالى ذكره: وجعل منها زوجها ليسكن إليها فيكون كل واحد منهما لباس لصاحبه، بمعنى سكونه إليه، وبذلك كان مجاهد وغيره يقولون في ذلك. وقد يقال لما ستر الشئ وواراه عن أبصار الناظرين إليه هو لباسه وغشاؤه، فجائز أن يكون قيل: هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن، بمعنى أن كل واحد منكم ستر لصاحبه فيما يكون بينكم من الجماع عن أبصار سائر الناس. وكان مجاهد وغيره يقولون في ذلك بما: 2402 - حدثنا به المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: هن لباس لكم وأنتم لبا سكن لهن يقول: سكن لهن. 2403 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عقتادة: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن قال قتادة: هن سكن لكم، وأنتم سكن لهن 2404 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: هن لباس لكم يقول: سكن لكم، وأنتم لباس لهن يقول: سكن لهن. 2405 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد في قوله: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن قال: المواقعة. 2406 - حدثني أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إبراهيم،
[ 223 ]
عن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قوله: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن قال: هن سكن لكم، وأنتم سكن لهن. القول في تأويل قوله تعالى: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم. إن قال لنا قائل: وما هذه الخيانة التي كان القوم يختانونها أنفسهم التي تاب الله منها عليهم فعفا عنهم ؟ قيل: كانت خيانتهم أنفسهم التي ذكرها الله في شيئين: أحدهما جماع النساء، والآخر: المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حراما ذلك عليهم. كما: 2407 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: ثنا ابن أبي ليلى: أن الرجل كان إذا أفطر فنام لم يأتها، وإذا نام لم يطعم، حتى جاء عمر بن الخطاب يريد امرأته فقالت امرأته: قد كنت نمت فظن أنها تعتل فوقع بها قال: وجاء رجل من الانصار فأراد أن يطعم فقالوا: نسخن لك شيئا ؟ قال: ثم نزلت هذه الآية: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية. 2408 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، فلما دخل رمضان كانوا يصومون، فإذا لم يأكل الرجل عند فطره حتى ينام لم يأكل إلى مثلها، وإن نام أو نامت امرأته لم يكن له أن يأتيها إلى مثلها. فجاء شيخ من الانصار يقال له صرمة بن مالك، فقال لاهله: أطعموني فقالت: حتى أجعل لك شيئا سخنا، قال: فغلبته عينه فنام. ثم جاء عمر فقالت له امرأته: إني قد نمت فلم يعذرها وظن أنها تعتل فواقعها. فبات هذا وهذا يتقلبان ليلتهما ظهرا وبطنا، فأنزل الله في ذلك: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر وقال: فالآن باشروهن فعفا الله عن ذلك. وكانت سنة. 2409 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبيد الله بن عتبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب
[ 224 ]
وإتيان النساء، فكان رجل من الانصار يدعى أبا صرمة يعمل في أرض له، قال: فلما كان عند فطره نام، فأصبح صائما قد جهد، فلما رآه النبي (ص) قال: ما لي أرى بك جهدا ؟، فأخبر بما كان من أمره. واختان رجل نفسه في شأن النساء، فأنزل الله أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم... إلى آخر الآية. 2410 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء نحو حديث ابن أبي ليلى الذي حدث به عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كانوا إذا صاموا ونام أحدهم لم يأكل شيئا حتى يكون من الغد، فجاء رجل من الانصار، وقد عمل في أرض له وقد أعيا وكل، فغلبته عينه ونام، وأصبح من الغد مجهودا، فنزلت هذه الآية: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. 2411 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن رجاء البصري، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كان أصحاب محمد (ص) إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها، وإن قيس بن صرمة الانصاري كان صائما، وكان توجه ذلك اليوم فعمل في أرضه، فلما حضر الافطار أتى امرأته فقال: هل عندكم طعام ؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته قالت: قد نمت فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه، فذكرت ذلك للنبي (ص)، فنزلت فيه هذه الآية: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى: من الخيط الاسود ففرحوا بها فرحا شديدا. 2412 - حدثني المثنى قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلو العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلرسول الله (ص)، فأنزل الله: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن يعني انكحوهن
[ 225 ]
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. 2413 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، قال: حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد. فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي (ص) ذات ليلة وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت فأرادها، فقالت: إني قد نمت فقال: ما نمت ثم وقع بها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك. فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي (ص) فأخبره، فأنزل الله تعالى ذكره: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن... الآية. 2414 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا ثابت: أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان، فاشتد ذلك عليه، فأنزل الله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم. 2415 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن إلى: وعفا عنكم كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه، حتى إذا أمسى طعم من الطعام فيما بينه وبين العتمة، حتى إذا صليت حرم عليهم الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة. وإن عمر بن الخطاب بينما هو نائم، إذ سولت له نفسه، فأتى أهله لبعض حاجته، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيت من الملامة. ثم أتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله إنى أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فإنها زينت لي فواقعت أهلي، هل تجد لي من رخصة يا رسول الله ؟ قال: لم تكن حقيقا بذلك يا عمر، فلما بلغ بيته، أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن، وأمر الله رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة، فقال: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم يعني بذلك الذي فعل عمر بن الخطاب. فأنزل الله عفوه، فقال: فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن إلى: من الخيط الاسود فأحل لهم المجامعة والاكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح.
[ 226 ]
2416 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم قال: كان الرجل من أصحاب محمد (ص) يصوم الصيام بالنهار، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء، فإذا رقد حرم ذلك كله عليه إلى مثلها من القابلة. وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك، فعفا الله عنهم، وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كله. 2417 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان أصحاب النبي (ص) يصوم الصائم في رمضان، فإذا أمسى، ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو وزاد فيه: وكان منهم رجال يختانون أنفسهم، وكان عمر بن الخطاب ممن اختان نفسه، فعفا الله عنهم، وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله، وفي الليل كله. 2418 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني إسماعيل بن شروس، عن عكرمة مولى ابن عباس: أن رجلا قد سماه من أصحاب رسول الله (ص) من الانصار جاء ليلة وهو صائم، فقالت له امرأته: لا تنم حتى نصنع لك طعاما فنام، فجاءت فقالت: نمت والله فقال: لا والله قالت: بلى والله فلم يأكل تلك الليلة وأصبح صائما، فغشي عليه فأنزلت الرخصة فيه. 2419 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم وكان بدء الصيام أمروا بثلاثة أيام من كل شهر ركعتين غدوة، وركعتين عشية، فأحل الله لهم في صيامهم في ثلاثة أيام، وفي أول ما افترض عليهم في رمضان إذا أفطروا وكان الطعام والشراب وغشيان النساء لهم حلالا ما لم يرقدوا، فإذا رقدوا حرم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة. وكانت خيانة القوم أنهم كانوا يصيبون أو ينالون من الطعام والشراب وغشيان النساء بعد الرقاد، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم، ثم أحل الله لهم ذلك الطعام والشراب وغشيان النساء إلى طلوع الفجر.
[ 227 ]
* - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم قال: كان الناس قبل هذه الآية إذا رقد أحدهم من الليل رقدة، لم يحل له طعام ولا شراب، ولا أن يأتي امرأته إلى الليلة المقبلة، فوقع بذلك بعض المسلمين، فمنهم من أكل بعد هجعته أو شرب، ومنهم من وقع على امرأته فرخص الله ذلك لهم. 2420 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كتب على النصارى رمضان، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فكتب على المؤمنين كما كتب عليهم، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى، حتى أقبل رجل من الانصار يقال له أبو قيس بن صرمة، وكان يعمل في حيطان المدينة بالاجر، فأتى أهله بتمر، فقال لامرأته: استبدلي بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينة لعلي أن آكله، فإن التمر قد أحرق جوفي، فانطلقت فاستبدلت له، ثم صنعت، فأبطأت عليه فنام، فأيقظته، فكره أن يعصي الله ورسوله، وأبى أن يأكل، وأصبح صائما فرآه رسول الله (ص) بالعشي، فقال: ما لك يا أبا قيس أمسيت طليحا، فقص عليه القصة. وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية له في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم فلما سمع عمر كلام أبي قيس رهب أن ينزل في أبي قيس شئ، فتذكر هو، فقام فاعتذر إلى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله إني أعوذ بالله إني وقعت على جاريتي، ولم أملك نفسي البارحة فلما تكلم عمر تكلم أولئك الناس، فقال النبي (ص): ما كنت جديرا بذلك يا ابن الخطاب، فنسخ ذلك عنهم، فقال: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم يقول: إنكم تقعون عليهن خيانة، فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم يقول: جامعوهن ورجع إلى أبي قيس فقال: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. 2421 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم قال: كانوا في رمضان لا يمسون النساء ولا يطعمون ولا يشربون بعد أن يناموا حتى الليل من القابلة، فإن مسوهن
[ 228 ]
قبل أن يناموا لم يروا بذلك بأسا. فأصاب رجل من الانصار امرأته بعد أن نام، فقال: قد اختنت نفسي فنزل القرآن، فأحل لهم النساء والطعام والشراب حتى يتبين لهم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. قال: وقال مجاهد: كان أصحاب محمد (ص) يصوم الصائم منهم في رمضان، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء، فإذا رقد حرم عليه ذلك كله حتى كمثلها من القابلة، وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك. فعفا عنهم وأحل لهم بعد الرقاد وقبله في الليل، فقال: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم... الآية. 2422 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم مثل قول مجاهد، وزاد فيه: أن عمر بن الخطاب قال لامرأته: لا ترقدي حتى أرجع من عند رسول الله (ص) فرقدت قبل أن يرجع، فقال لها: ما أنت براقدة ثم أصابها حتى جاء إلى النبي (ص) فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية. قال عكرمة: نزلت وكلوا واشربوا الآية في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج أكل بعد الرقاد. 2423 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان أن صرمة بن أنس أتى أهله ذات ليلة وهو شيخ كبير وهو صائم، فلم يهيئوا له طعاما، فوضع رأسه فأغفى، وجاءته امرأته بطعامه، فقالت له: كل فقال: إني قد نمت، قالت: إنك لم تنم فأصبح جائعا مجهودا، فأنزل الله: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. فأما المباشرة في كلام العرب: فإنه ملاقاة بشرة ببشرة، وبشرة الرجل: جلدته الظاهرة. وإنما كنى الله بقوله: فالآن باشروهن عن الجماع: يقول: فالآن إذا أحللت لكم الرفث إلى نسائكم فجامعوهن في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر، وهي تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، وبالذي قلنا في المباشرة قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2424 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان. وحدثنا
[ 229 ]
عبد الحميد بن سنان، قال: ثنا إسحاق، عن سفيان. وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس، قال: المباشرة: الجماع، ولكن الله كريم يكني. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس نحوه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: فالآن باشروهن انكحوهن. * - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: المباشرة: النكاح. 2425 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: فالآن باشروهن قال: الجماع، وكل شئ في القرآن من ذكر المباشرة فهو الجماع نفسه، وقالها عبد الله بن كثير مثل قول عطاء في الطعام والشراب والنساء. * - حدثنا محمد بن مسعدة قال: ثنا يزيد بن زريع قال ثنا شعبة وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: المباشرة الجماع، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال أبو بشر: أخبرنا، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله. 2426 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فالآن باشروهن يقول: جامعوهن. 2427 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المباشرة: الجماع. 2428 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء، مثله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الاوزاعي،
[ 230 ]
قال: حدثني عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت مجاهدا يقول: المباشرة في كتاب الله: الجماع. * - حدثنا ابن البرقي، ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: قال الاوزاعي: ثنا من سمع مجاهدا يقول: المباشرة في كتاب الله الجماع. واختلفوا في تأويل قوله وابتغوا ما كتب الله لكم فقال بعضهم: الولد. ذكر من قال ذلك: 2429 - حدثني عبدة بن عبد الله الصفار البصري، قال: ثنا إسماعيل بن زياد الكاتب، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: الولد. 2430 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا سهل بن يوسف وأبو داود، عن شعبة قال: سمعت الحكم: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: الولد. 2431 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، قال: ثنا عبيد الله، عن عكرمة قوله: وابتغواما كتب الله لكم قال: الولد. 2432 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، ثنا أبو مودود بحر بن موسى قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في هذه الآية: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: الولد. 2433 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وابتغوا ما كتب الله لكم فهو الولد 2434 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وابتغوا ما كتب الله لكم يعني الولد. 2435 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: الولد، فإن لم تلد هذه فهذه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه. * - حدثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عمن سمع الحسن في قوله: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: هو الولد.
[ 231 ]
2436 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: ما كتب لكم من الولد. 2437 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: الجماع. 2438 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: ثنا الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سلمان، قال، سمعت الضحاك بن مزاحم قوله: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: الولد. وقال بعضهم: معنى ذلك ليلة القدر. ذكر من قال ذلك: 2439 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: ليلة القدر. قال أبو هشام: هكذا قرأها معاذ. * - حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا الحسن بن أبي جعفر، قال: ثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: ليلة القدر. وقال آخرون: بل معناه: ما أحله الله لكم ورخصه لكم. ذكر من قال ذلك: 2440 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وابتغوا ما كتب الله لكم يقول: ما أحله الله لكم. * - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال قتادة في ذلك: ابتغوا الرخصة التي كتبت لكم. وقرأ ذلك بعضهم: وابتغوا ما كتب الله لكم ذكر من قال ذلك: 2441 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، قال: قلت لابن عباس: كيف تقرأ هذه الآية: وابتغوا أو واتبعوا ؟ قال: أيتهما شئت. قال: عليك بالقراءة الاولى. والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره قال: وابتغوا بمعنى: اطلبوا ما كتب الله لكم، يعني الذي قضى الله تعالى لكم. وإنما يريد الله تعالى ذكره: اطلبوا الذي كتبت لكم في اللوح المحفوظ أنه يباح فيطلق لكم وطلب الولد
[ 232 ]
إن طلبه الرجل بجماعه المرأة مما كتب الله له في اللوح المحفوظ، وكذلك إن طلب ليلة القدر، فهو مما كتب الله له، وكذلك إن طلب ما أحل الله وأباحه، فهو مما كتبه له في اللوح المحفوظ. وقد يدخل في قوله: وابتغوا ما كتب الله لكم جميع معاني الخير المطلوبة، غير أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال معناه: وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد لانه عقيب قوله: فالآن باشروهن بمعنى: جامعوهن فلان يكون قوله: وابتغوا ما كتب الله لكم بمعنى: وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الولد والنسل أشبه بالآية من غيره من التأويلات التي ليس على صحتها دلالة من ظاهر التنزيل، ولا خبر عن الرسول (ص). القول في تأويل قوله عز وجل: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر فقال بعضهم: يعني بقوله: الخيط الابيض: ضوء النهار. وبقوله: الخيط الاسود: سواد الليل. فتأويله على قول قائل هذه المقالة: وكلوا بالليل في شهر صومكم، واشربوا، وباشروا نساءكم، مبتغين ما كتب الله لكم من الولد، من أول الليل إلى أن يقع لكم ضوء النهار بطلوع الفجر من ظلمة الليل وسواده. ذكر من قال ذلك: 2442 - حدثني الحسن بن عرفة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا أشعث، عن الحسن في قول الله تعالى ذكره: حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر قال: الليل من النهار. 2443 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر قال: حتى يتبين لكم النهار من الليل، ثم أتموا الصيام إلى الليل. 2444 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل فهما علمان وحدان بينان فلا يمنعكم أذان مؤذن مراء أو قليل العقل من
[ 233 ]
سحوركم فإنهم يؤذنون بهجيع من الليل طويل. وقد يرى بياض ما على السحر يقال له الصبح الكاذب كانت تسميه العرب، فلا يمنعكم ذلك من سحوركم، فإن الصبح لا خفاء به: طريقة معترضة في الافق، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الصبح، فإذا رأيتم ذلك فأمسكوا. 2445 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر يعني الليل من النهار. فأحل لكم المجامعة والاكل والشرب حتى يتبين لكم الصبح، فإذا تبين الصبح حرم عليهم المجامعة والاكل والشرب حتى يتموا الصيام إلى الليل. فأمر بصوم النهار إلى الليل، وأمر بالافطار بالليل. 2446 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، وقيل له: أرأيت قول الله تعالى: الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ؟ قال: إنك لعريض القفا، قال: هذا ذهاب الليل ومجئ النهار. قيل له: الشعبي عن عدي بن حاتم ؟ قال: نعم، حدثنا حصين. وعلة من قال هذه المقالة وتأول الآية هذا التأويل ما: 2447 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: قلت يا رسول الله، قول الله: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر قال: هو بياض النهار وسواد الليل. 2448 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير وعبد الرحيم بن سليمان، عن مجالد،
[ 234 ]
عن سعيد، عن عامر، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت رسول الله (ص) فعلمني الاسلام، ونعت لي الصلوات، كيف أصلي كل صلاة لوقتها، ثم قال: إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، ثم أتم الصيام إلى الليل، ولم أدر ما هو، ففتلت خيطين من أبيض وأسود، فنظرت فيهما عند الفجر، فرأيتهما سواء. فأتيت رسول الله (ص) فقلت: يا رسول الله كل شئ أوصيتني قد حفظت، غير الخيط الابيض من الخيط الاسود، قال: وما منعك يا ابن حاتم ؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت. قلت: فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء. فضحك رسول الله (ص) حتى رئي نواجذه، ثم قال: ألم أقل لك من الفجر ؟ إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، قال: ثنا داود وابن علية جميعا، عن مطرف، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: قلت لرسول الله (ص): ما الخيط الابيض من الخيط الاسود، أهما خيطان أبيض وأسود ؟ فقال: إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين، ثم قال: لا ولكنه سواد الليل وبياض النهار. 2449 - حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد، قال: نزلت هذه الآية: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود فلم ينزل من الفجر قال: فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الاسود والخيط الابيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له فأنزل الله بعد ذلك: من الفجر فعلموا إنما يعني بذلك: الليل والنهار. وقال متأولو وقول الله تعالى ذكره: حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر أنه بياض النهار وسواد الليل، صفة ذلك البياض أن يكون منتشرا مستفيضا في السماء يملا بياضه وضوءه الطرق، فأما الضوء الساطع في السماء فإن ذلك غير الذي عناه الله بقوله: الخيط الابيض من الخيط الاسود. ذكر من قال ذلك:
[ 235 ]
2450 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى الصنعاني، قال: ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حدير، عن أبي مجلز: الضوء الساطع في السماء ليس بالصبح، ولكن ذاك الصبح الكاذب، إنما الصبح إذا انفضح الافق. 2451 - حدثني مسلم بن جنادة السوائي، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، قال: لم يكونوا يعدون الفجر فجركم هذا، كانوا يعدون الفجر الذي يملا البيوت والطرق. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، عن الاعمش، عن مسلم: ما كانوا يرون إلا أن الفجر الذي يستفيض في السماء. 2452 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا، ولكن الفجر الذي يستبين على رءوس الجبال هو الذي يحرم الشراب. 2453 - حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي، قال: ثنا أبو أسامة، عن محمد بن أبي ذؤيب، عن الحرث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، قال: الفجر فجران، فالذي كأنه ذنب السرحان لا يحرم شيئا، وأما المستطير الذي يأخذ الافق فإنه يحل الصلاة ويحرم الصوم. 2454 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وإسماعيل بن صبيح وأبو أسامة، عن أبي هلال، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله (ص): لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الافق. 2455 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام الاسدي، قال: ثنا شعبة، عن
[ 236 ]
سوادة قال: سمعت سمرة بن جندب يذكر عن النبي (ص) أنه سمعه وهو يقول: لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر وينفجر. وقال آخرون: الخيط الابيض: هو ضوء الشمس، والخيط الاسود: هو سواد الليل. ذكر من قال ذلك: 2456 - حدثنا هشام بن السري، قال: ثنا عبادة بن حميد، عن الاعمش، عن إبراهيم التيمي، قال: سافر أبي مع حذيفة قال: سافر حتإذا خشينا أن يفجأنا الفجر، قال: هل منكم من أحد آكل أو شارب ؟ قال: قلت له: أما من يريد الصوم فلا. قال: بلى قال: ثم سار حتى إذا استبطأنا الصلاة نزل فتسحر. 2457 - حدثنا هناد وأبو السائب، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: خرجت مع حذيفة إلى المدائن في رمضان، فلما طلع الفجر، قال: هل منكم من أحد آكل أو شارب ؟ قلنا: أما رجل يريد أن يصوم فلا. قال: لكني قال: ثم سرنا حتى استبطأنا الصلاة، قال: هل منكم أحد يريد أن يتسحر ؟ قال: قلنا أما من يريد الصوم فلا. قال: لكني ثم نزل فتسحر، ثم صلى. 2458 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، قال: ربما شربت بعد قول المؤذن يعني في رمضان قد قامت الصلاة. قال: وما رأيت أحدا كان أفعل له من الاعمش، وذلك لما سمع، قال: حدثنا إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا مع حذيفة نسير ليلا، فقال: هل منكم متسحر الساعة ؟ قال: ثم سار، ثم قال حذيفة: هل منكم متسحر الساعة ؟ قال: ثم سار حتى استبطأنا الصلاة، قال: فنزل فتسحر. 2459 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا أبو إسحاق عن هبيرة، عن علي، أنه لما صلى الفجر، قال: هذا حين يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. 2460 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن الصلت، قال: ثنا إسحاق بن حذيفة العطار، عن أبيه، عن البراء، قال: تسحرت في شهر رمضان، ثم خرجت، فأتيت ابن
[ 237 ]
مسعود، فقال: اشرب فقلت: إني قد تسحرت. فقال: اشرب فشربنا ثم خرجنا والناس في الصلاة. 2461 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الشيباني، عن جبلة بن سحيم، عن عامر بن مطر، قال أتيت عبد الله بن مسعود في داره، فأخرج فضلا من سحوره، فأكلنا معه، ثم أقيمت الصلاة فخرجنا فصلينا. 2462 - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عبيد الله بن معقل، عن سالم مولى أبي حذيفة قال: كنت أنا وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد في رمضان، فأتيت ذات ليلة فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله (ص) ؟ فأومأ بيده أن كف، ثم أتيته مرة أخرى، فقلت له: ألا تأكل يا خليفة رسول الله ؟ فأومأ بيده أن كف. ثم أتيته مرة أخرى، فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله ؟ فنظر إلى الفجر ثم أومأ بيده أن كف. ثم أتيته فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله ؟ قال: هات غداءك قال: فأتيته به فأكل ثم صلى ركعتين، ثم قام إلى الصلاة. 2463 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الوتر بالليل والسحور بالنهار. وقد روي عن إبراهيم غير ذلك. 2464 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن حماد، عن إبراهيم، قال: السحور بليل، والوتر بليل. 2465 - حدثنا حكام عن ابن أبي جعفر، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: السحور والوتر ما بين التثويب والاقامة. 2466 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن شبيب بن غرقدة، عن عروة، عن حبان، قال: تسحرنا مع علي ثم خرجنا وقد أقيمت الصلاة فصلينا. 2467 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن شبيب، عن حبان بن الحرث، قال: مررت بعلي وهو في دار أبي موسى وهو يتسحر، فلما انتهيت إلى المسجد أقيمت الصلاة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي إسحاق، عن أبي
[ 238 ]
السفر، قال: صلى علي بن أبي طالب الفجر، ثم قال: هذا حين يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر. وعلة من قال هذا القول أن الوقت إنما هو النهار دون الليل. قالوا: وأول النهار طلوع الشمس، كما أن آخره غروبها. قالوا: ولو كان أوله طلوع الفجر لوجب أن يكون آخره غروب الشفق. قالوا: وفي إجماع الحجة على أن آخر النهار غروب الشمس دليل واضح، على أن أوله طلوعها. قالوا: وفي الخبر عن النبي (ص) أنه تسحر بعد طلوع الفجر أوضح الدليل على صحة قولنا. ذكر الاخبار التي رويت عن النبي (ص) في ذلك: 2468 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة، قال: قلت: تسحرت مع النبي () ؟ قال: نعم، قال: لو أشاء لاقول هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، قال: ما كذب عاصم على زر، ولا زر على حذيفة، قال: قلت له: يا أبا عبد الله تسحرت مع النبي (ص) ؟ قال: نعم هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع. 2469 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة قال: كان النبي (ص) يتسحر وأنا أرى مواقع النبل. قال: قلت أبعد الصبح ؟ قال: هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس. 2470 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قيس وخلاد الصفار، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: أصبحت ذات يوم فغدوت إلى المسجد، فقلت: لو مررت على باب حذيفة ففتح لي فدخلت، فإذا هو يسخن له طعاما، فقال: اجلس حتى تطعم فقلت: إني أريد الصوم. فقرب طعامه فأكل وأكلت معه، ثم قام إلى لقحة في الدار، فأخذ يحلب من جانب وأحلب أنا من جانب، فناولني،
[ 239 ]
فقلت: ألا ترى الصبح ؟ فقال: اشرب فشربت، ثم جئت إلى باب المسجد فأقيمت الصلاة، فقلت له: أخبرني بآخر سحور تسحرته مع رسول الله (ص) فقال: هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس. 2471 - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا روح بن جنادة، قال: ثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) أنه قال: إذا سمع أحدكم النداء والاناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه. 2472 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا روح بن جنادة، قال: ثنا حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) مثله، وزاد فيه: وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر. 2473 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين. وحدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي قال: أخبرنا الحسين بن واقد قالا جميعا، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: أقيمت الصلاة والاناء في يد عمر، قال: أشربها يا رسول الله ؟ قال: نعم، فشربها. 2474 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس، عن أبيه، عن عبد الله، قال: قال بلال: أتيت النبي (ص) أؤذنه بالصلاة وهو يريد الصوم، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم خرج إلى الصلاة. * - حدثني محمد بن أحمد الطوسي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مغفل، عن بلال قال: أتيت النبي (ص) أؤذنه بصلاة الفجر وهو يريد الصيام، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم خرجنا إلى الصلاة. وأولى التأويلين بالآية، التأويل الذي روي عن رسول الله (ص) أنه قال الخيط
[ 240 ]
الابيض: بياض النهار، والخيط الاسود: سواد الليل وهو المعروف في كلام العرب، قال أبو دؤاد الايادي: فلما أضاءت لناسدفة ولاح من الصبح خيط أنارا وأما الاخبار التي رويت عن رسول الله (ص) أنه شرب أو تسحر ثم خرج إلى الصلاة، فإنه غير دافع صحة ما قلنا في ذلك لانه غير مستنكر أن يكون (ص) شرب قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، إذ كانت الصلاة صلاة الفجر هي على عهده كانت تصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبين طلوعه ويؤذن لها قبل طلوعه. وأما الخبر الذي روي عن حذيفة أن النبي (ص) كان يتسحر وأنا أرى مواقع النبل، فإنه قد استثبت فيه، فقيل له: أبعد الصبح ؟ فلم يجب في ذلك بأنه كان بعد الصبح، ولكنه قال: هو الصبح. وذلك من قوله يحتمل أن يكون معناه هو الصبح لقربه منه وإن لم يكن هو بعينه، كما تقول العرب: هذا فلان شبها، وهي تشير إلى غير الذي سمته، فتقول: هو هو تشبيها منها له به، فكذلك قول حذيفة: هو الصبح، معناه: هو الصبح شبها به وقربا منه. وقال ابن زيد في معنى الخيط الابيض والاسود ما: 2475 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر قال: الخيط الابيض الذي يكون من تحت الليل يكشف الليل، والاسود: ما فوقه. وأما قوله: من الفجر فإنه تعالى ذكره يعني: حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود الذي هو من الفجر. وليس ذلك هو جميع الفجر، ولكنه إذا تبين لكم أيها المؤمنون من الفجر ذلك الخيط الابيض الذي يكون من تحت الليل الذي فوقه سواد الليل، فمن حينئذ فصوموا، ثم أتموا صيامكم من ذلك إلى الليل. وبمثل ما قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول:
[ 241 ]
2476 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: من الفجر قال: ذلك الخيط الابيض هو من الفجر نسبة إليه، وليس الفجر كله، فإذا جاء هذا الخيط وهو أوله فقد حلت الصلاة وحرم الطعام والشراب على الصائم. وفي قوله تعالى ذكره: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل أوضح الدلالة على خطأ قول من قال: حلال الاكل والشرب لمن أراد الصوم إلى طلوع الشمس لان الخيط الابيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر، وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدا لمن لزمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الاكل والشرب والمباشرة. فمن زعم أن له أن يتجاوز ذلك الحد، قيل له: أرأيت إن أجاز له آخر ذلك ضحوة أو نصف النهار ؟ فإن قال: إن قائل ذلك مخالف للامة قيل له: وأنت لما دل عليه كتاب الله ونقل الامة مخالف، فما الفرق بينك وبينه من أصل أو قياس ؟ فإن قال: الفرق بيني وبينه أن الله أمر بصوم النهار دون الليل، والنهار من طلوع الشمس. قيل له: كذلك يقول مخالفوك: والنهار عندهم أوله طلوع الفجر، وذلك هو ضوء الشمس وابتداء طلوعها دون أن يتتام طلوعها، كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها. ويقال لقائلي ذلك: إن كان النهار عندكم كما وصفتم هو ارتفاع الشمس، وتكامل طلوعها وذهاب جميع سدفة الليل وغبس سواده، فكذلك عندكم الليل هو تتام غروب الشمس وذهاب ضيائها وتكامل سواد الليل وظلامه. فإن قالوا: ذلك كذلك. قيل لهم: فقد يجب أن يكون الصوم إلى مغيب الشفق وذهاب ضوء الشمس وبياضها من أفق السماء. فإن قالوا: ذلك كذلك، أوجبوا الصوم إلى مغيب الشفق الذي هو بياض. وذلك قول إن قالوه مدفوع بنقل الحجة التي لا يجوز فيما نقلته مجمعة عليه الخطأ والسهو على تخطئته. وإن قالوا: بل أول الليل ابتداء سدفته وظلامه ومغيب عين الشمس عنا. قيل لهم: وكذلك أول النهار: طلوع أول ضياء الشمس ومغيب أوائل سدفة الليل. ثم يعكس عليه القول في ذلك، ويسئل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
[ 242 ]
وأما الفجر، فإنه مصدر من قول القائل: تفجر الماء يتفجر فجرا: إذا انبعث وجرى، فقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلع الشمس فجر، لانبعاث ضوئه عليهم وتورده عليهم بطرقهم ومحاجهم تفجر الماء المنفجر من منبعه. وأما قوله: ثم أتموا الصيام إلى الليل فإنه تعالى ذكره حد الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل، كما حد الافطار وإباحة الاكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجئ أول النهار وأول إدبار آخر الليل، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم، وعلى أن المواصل مجوع نفسه في غير طاعة ربه. كما: 2477 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو معاوية ووكيع وعبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمرو، عن عمر، قال: قال رسول الله (ص): إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم. 2478 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا أبو إسحاق الشيباني، وحدثنا هناد بن السري قال: ثنا أبو عبيدة وأبو معاوية، عن شيبان، وحدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو معاوية، وحدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن الشيباني قالوا جميعا في حديثهم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي (ص) في مسير وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لرجل: انزل فاجدح لي قالوا: لو أمسيت يا رسول الله فقال: انزل فاجدح فقال الرجل: يا رسول الله لو أمسيت قال: انزل فاجدح لي قال: يا رسول الله إن علينا نهارا فقال له الثالثة، فنزل فجدح له. ثم قال رسول الله (ص): إذا أقبل الليل من ههنا وضرب بيده نحو المشرق فقد أفطر الصائم. 2479 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن رفيع،
[ 243 ]
قال: فرض الله الصيام إلى الليل، فإذا جاء الليل فأنت مفطر إن شئت فكل، وإن شئت فلا تأكل. 2480 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن أبي العالية أنه سئل عن الوصال في الصوم فقال: افترض الله على هذه الامة صوم النهار، فإذا جاء الليل فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل. * - حدثني يعقوب، قال: حدثني ابن علية، عن داود بن أبي هند، قال: قال أبو العالية في الوصال في الصوم، قال: قال الله: ثم أتموا الصيام إلى الليل فإذا جاء الليل فهو مفطر، فإن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل. 2481 - حدثني المثنى، قال: ثنا ابن دكين، عن مسعر، عن قتادة، قال: قالت عائشة: أتموا الصيام إلى الليل يعني أنها كرهت الوصال فإن قال قائل: فما وجه وصال من واصل ؟ فقد علمت بما: 2482 - حدثكم به أبو السائب، قال: ثنا حفص، عن هشام بن عروة، قال: كان عبد الله بن الزبير يواصل سبعة أيام، فلما كبر جعلها خمسا، فلما كبر جدا جعلها ثلاثا. 2483 - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا حفص، عن عبد الملك، قال: كان ابن أبي يعمر يفطر في كل شهر مرة. 2484 - حدثنا ابن أبي بكر المقدمي، قال: ثنا الفروي، قال: سمعت مالكا يقول: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يواصل ليلة ست عشرة وليلة سبع عشرة من رمضان لا يفطر بينهما فلقيته فقلت له: يا أبا الحرث ماذا تجده يقويك في وصالك ؟ قال: السمن أشربه أجده يبل عروقي، فأما الماء فإنه يخرج من جسدي. وما أشبه ذلك ممن فعل ذلك، ممن يطول بذكرهم الكتاب ؟ قيل: وجه من فعل ذلك إن شاء الله تعالى على طلب الخموصة لنفسه والقوة، لا على طلب البر بفعله. وفعلهم ذلك نظير ما كان عمر بن الخطاب يأمرهم به بقوله: اخشوشنوا وتمعددوا وانزوا على الخيل نزوا واقطعوا الركب وامشوا حفاة، يأمرهم في ذلك بالتخشن في عيشهم لئلا
[ 244 ]
يتنعموا فيركنوا إلى خفض العيش ويميلوا إلى الدعة فيجبنوا ويحتموا عن أعدائهم، وقد رغب لمن واصل عن الوصال كثير من أهل الفضل. 2485 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق: أن ابن أبي نعيم كان يواصل من الايام حتى لا يستطيع أن يقوم، فقال عمرو بن ميمون: لو أدرك هذا أصحاب محمد (ص) رجموه. ثم في الاخبار المتواترة عن رسول الله (ص) بالنهي عن الوصال التي يطول بإحصائها الكتاب تركنا ذكر أكثرها استغناء بذكر بعضها، إذ كان في ذكر ما ذكرنا مكتفى عن الاستشهاد على كراهة الوصال بغيره. 2486 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله (ص) نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل يا رسول الله قال: إني لست كأحد منكم، إني أبيت أطعم وأسقى. وقد روي عن النبي (ص) الاذن بالوصال من السحر إلى السحر. 2487 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا أبو شعيب، عن الليث، عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله (ص) يقول: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر، قالوا:
[ 245 ]
يا رسول الله إنك تواصل، قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني. 2488 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا أبو إسرائيل العبسي، عن أبي بكر بن حفص، عن أم ولد حاطب بن أبي بلتعة أنها مرت برسول الله (ص) وهو يتسحر، فدعاها إلى الطعام فقالت: إني صائمة، قال: وكيف تصومين ؟ فذكرت ذلك للنبي (ص)، فقال: أين أنت من وصال آل محمد (ص)، من السحر إلى السحر ؟. فتأول الآية إذن: ثم أتموا الكف عما أمركم الله بالكف عنه، من حين يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر إلى الليل، ثم حل لكم ذلك بعده إلى مثل ذلك الوقت. كما: 2489 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ثم أتموا الصيام إلى الليل قال: من هذه الحدود الاربعة، فقرأ: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم فقرأ حتى بلغ: ثم أتموا الصيام إلى الليل وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد. يعني تعالى ذكره بقوله: ولا تباشروهن لا تجامعوا نساءكم، وبقوله: وأنتم عاكفون في المساجد يقول: في حال عكوفكم في المساجد، وتلك حال حبسهم أنفسهم على عبادة الله في مساجدهم. والعكوف أصله المقام، وحبس النفس على الشئ، كما قال الطرماح بن حكيم: فبات بنات الليل حولي عكفاعكوف البواكي بينهن صريع يعني بقوله عكفا: مقيمة. وكما قال الفرزدق: ترى حولهن المعتفين كأنهم على صنم في الجاهلية عكف
[ 246 ]
وقد اختلف أهل التأويل في معنى المباشرة التي عنى الله بقوله: ولا تباشروهن فقال بعضهم: معنى ذلك الجماع دون غيره من معاني المباشرة. ذكر من قال ذلك: 2490 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد في رمضان أو في غير رمضان، فحرم الله أن ينكح النساء ليلا ونهارا حتى يقضي اعتكافه. 2491 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قال لي عطاء: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قال: الجماع. 2492 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن الضحاك، قال: كانوا يجامعون وهم معتكفون، حتنزلت: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن الضحاك في قوله: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قال: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء، فقال الله ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد يقول: لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في مسجد أو غيره. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك عن جويبر عن الضحاك نحوه. 2493 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: كان أناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون فيها فنهاهم الله عن ذلك. 2494 - وحدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قال: كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف ولقي امرأته باشرها إن شاء، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك، وأخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه. 2495 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد يقول: من اعتكف فإنه يصوم ولا يحل له النساء ما دام معتكفا.
[ 247 ]
2496 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قال: الجوار، فإذا خرج أحدكم من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان ابن عباس يقول: من خرج من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قال: كان الناس إذا اعتكفوا يخرج الرجل فيباشر أهله ثم يرجع إلى المسجد، فنهاهم الله عن ذلك. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته، ثم اغتسل، ثم رجع إلى اعتكافه، فنهوا عن ذلك. قال ابن جريج: قال مجاهد، نهوا عن جماع النساء في المساجد حيث كانت الانصار تجامع، فقال: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون قال: عاكفون الجوار. قال ابن جريج: فقلت لعطاء: الجماع المباشرة ؟ قال: الجماع نفسه، فقلت له: فالقبلة في المسجد والمسة ؟ فقال: أما ما حرم فالجماع، وأنا أكره كل شئ من ذلك في المسجد. 2497 - حدثت عن حسين بن الفرج، قال: ثنا الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك: ولا تباشروهن يعني الجماع. وقال آخرون: معنى ذلك على جميع معاني المباشرة من لمس وقبلة وجماع. ذكر من قال ذلك: 2498 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك بن أنس: لا يمس المعتكف امرأته ولا يباشرها ويتلذذ منها بشئ، قبلة ولا غيرها. 2499 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولا
[ 248 ]
تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قال: المباشرة: الجماع وغير الجماع كله محرم عليه، قال: المباشرة بغير جماع: إلصاق الجلد بالجلد. وعلة من قال هذا القول، أن الله تعالى ذكره عم بالنهي عن المباشرة ولم يخصص منها شيئا دون شئ فذلك على ما عمه حتى تأتي حجة يجب التسليم لها بأنه عنى به مباشرة دون مباشرة. وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك الجماع أو ما قام مقام الجماع مما أوجب غسلا إيجابه وذلك أنه لا قول في ذلك إلا أحد قولين: أما من جعل حكم الآية عاما، أو جعل حكمها في خاص من معاني المباشرة. وقد تظاهرت الاخبار عن رسول الله (ص) أن نساءه كن يرجلنه وهو معتكف، فلما صح ذلك عنه، علم أن الذي عنى به من معاني المباشرة البعض دون الجميع. 2500 - حدثنا علي بن شعيب، قال: ثنا معن بن عيسى القزاز، قال: أخبرنا مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة: أن رسول الله (ص) كان إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير وعمرة أن عائشة قالت: إن رسول الله (ص) لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الانسان، وكان يدخل علي رأسه وهوفي المسجد فأرجله. * - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان النبي (ص) يدني إلي رأسه وهو مجاور في المسجد وأنا في حجرتي وأنا حائض، فأغسله وأرجله. * - حدثنا سفيان، قال: ثنا ابن فضيل، ويعلى بن عبيد، عن الاعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة عن عائشة قالت: كان النبي (ص) يعتكف فيخرج إلي رأسه من المسجد وهو عاكف فأغسله وأنا حائض.
[ 249 ]
* - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا مالك بن أنس، عن الزهري وهشام بن عروة جميعا، عن عروة، عن عائشة: أن النبي (ص) كان يخرج رأسه فأرجله وهو معتكف. فإذا كان صحيحا عن رسول الله (ص) ما ذكرنا من غسل عائشة رأسه وهو معتكف، فمعلوم أن المراد بقوله: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد غير جميع ما لزمه اسم المباشرة وأنه معني به البعض من معاني المباشرة دون الجميع. فإذا كان ذلك كذلك، وكان مجمعا على أن الجماع مما عنى به كان واجبا تحريم الجماع على المعتكف وما أشبهه، وذلك كل ما قام في الالتذاذ مقامه من المباشرة. القول في تأويل قوله تعالى: تلك حدود الله فلا تقربوها. يعني تعالى ذكره بذلك هذه الاشياء التي بينتها من الاكل والشرب والجماع في شهر رمضان نهارا في غير عذر، وجماع النساء في الاعتكاف في المساجد. يقول: هذه الاشياء حددتها لكم، وأمرتكم أن تجتنبوها في الاوقات التي أمرتكم أن تجتنبوها وحرمتها فيها عليكم، فلا تقربوها وابعدوا منها أن تركبوها، فتستحقوا بها من العقوبة ما يستحقه من تعدى حدودي وخالف أمري وركب معاصي. وكان بعض أهل التأويل يقول: حدود الله: شروطه. وذلك معنى قريب من المعنى الذي قلنا، غير أن الذي قلنا في ذلك أشبه بتأويل الكلمة، وذلك أن حد كل شئ ما حصره من المعاني وميز بينه وبين غيره، فقوله: تلك حدود الله من ذلك، يعني به المحارم التي ميزها من الحلال المطلق فحددها بنعوتها وصفاتها وعرفها عباده. ذكر من قال ذلك بمعنى الشروط: 2501 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أما حدود الله فشروطه. وقال بعضهم: حدود الله: معاصيه. ذكر من قال ذلك: 2502 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك: تلك حدود الله يقول: معصية الله، يعني المباشرة في الاعتكاف. القول في تأويل قوله تعالى: كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون.
[ 250 ]
يعني تعالى ذكره بذلك: كما بينت لكم أيها الناس واجب فرائضي عليكم من الصوم، وعرفتكم حدوده وأوقاته، وما عليكم منه في الحضر، وما لكم فيه في السفر والمرض، وما اللازم لكم تجنبه في حال اعتكافكم في مساجدكم، فأوضحت جميع ذلك لكم، فكذلك أبين أحكامي وحلالي وحرامي وحدودي ونهيي في كتابي وتنزيلي، وعلى لسان رسولي وصلى الله عليه وسلم للناس. ويعني بقوله: ولعلهم يتقون يقول: أبين ذلك لهم ليتقوا محارمي ومعاصي، ويتجنبوا سخطي وغضبي بتركهم ركوب ما أبين لهم في أياتي أني قد حرمته عليهم، وأمرتهم بهجره وتركه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون) * يعني تعالى ذكره بذلك: ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل. فجعل تعالى ذكره بذلك أكل مال أخيب الباطل كالآكل مال نفسه بالباطل، ونظير ذلك قوله تعالى: ولا تلمزوا أنفسكم وقوله: ولا تقتلوا أنفسكم بمعنى: لا يلمز بعضكم بعضا، ولا يقتل بعضكم بعضا لان الله تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوة، فقاتل أخيه كقاتل نفسه، ولامزه كلامز نفسه، وكذلك تفعل العرب تكني عن أنفسها بأخواتها، وعن أخواتها بأنفسها، فتقول: أخي وأخوك أينا أبطش، تعني أنا وأنت نصطرع فننظر أينا أشد، فيكني المتكلم عن نفسه بأخيه، لان أخا الرجل عندها كنفسه ومن ذلك قول الشاعر: أخي وأخوك ببطن النسيرليس لنا من معد عريب
[ 251 ]
فتأويل الكلام: ولا يأكل بعضكم أموال بعض فيما بينكم بالباطل، وأكله بالباطل أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه. وأما قوله: وتدلوا بها إلى الحكام فإنه يعني: وتخاصموا بها، يعني بأموالكم إلى الحكام لتأكلوا فريقا، طائفة من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون. ويعني بقوله: بالاثم بالحرام الذي قد حرمه الله عليكم، وأنتم تعلمون أي وأنتم تتعمدون أكل ذلك بالاثم على قصد منكم إلى ما حرم الله عليكم منه، ومعرفة بأن فعلكم ذلك معصية لله وإثم. كما: 2503 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام فهذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة فيجحد المال فيخاصمهم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل حراما. 2504 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: وتدلوا بها إلى الحكام قال: لا تخاصم وأنت ظالم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 2505 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام وكان يقال: من مشى مع خصم وهو له ظالم فهو آثم حتى يرجع إلى الحق. واعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ولا يحق لك باطلا، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب. واعلموا أنه من قد قضي له بالباطل، فإن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضى على المبطل للمحق، ويأخذ مما قضى به للمبطل على المحق في الدنيا. 2506 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: وتدلوا بها إلى الحكام قال: لاتدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم، فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك. 2507 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن
[ 252 ]
السدي: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون أما الباطل، يقول: يظلم الرجل منكم صاحبه، ثم يخاصمه ليقطع ماله وهو يعلم أنه ظالم، فذلك قوله: وتدلوا بها إلى الحكام. 2508 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني خالد الواسطي، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة قوله: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال: هو الرجل يشتري السلعة فيردها ويرد معها دراهم. 2509 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام يقول: يكون أجدل منه وأعرف بالحجة، فيخاصمه في ماله بالباطل ليأكل ماله بالباطل. وقرأ: يا أيها الذين آمنوا ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم قال: هذا القمار الذي كان يعمل به أهل الجاهلية. وأصل الادلاء: إرسال الرجل الدلو في سبب متعلقا به في البئر، فقيل للمحتج بدعواه أدلى بحجة كيت وكيت إذ كان حجته التي يحتج بها سببا له هو به متعلق في خصومته كتعلق المستقي من بئر بدلو قد أرسلها فيها بسببها الذي الدلو به متعلقة، يقال فيها جميعا، أعني من الاحتجاج، ومن إرسال الدلو في البئر بسبب: أدلى فلان بحجته فهو يدلي بها إدلاء، وأدلى دلوه في البئر فهو يدليها إدلاء. فأما قوله: وتدلوا بها إلى الحكام فإن فيه وجهين من الاعراب، أحدهما: أن يكون قوله: وتدلوا جزما عطفا على قوله: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أي ولا تدلوا بها إلى الحكام، وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة أبي بتكرير حرف النهي، ولا تدلوا بها إلى الحكام. والآخر منهما النصب على الظرف، فيكون معناه حينئذ: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأنتم تدلون بها إلى الحكام، كما قال الشاعر: لاتنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
[ 253 ]
يعني: لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله، وهو أن يكون في موضع جزم على ما ذكر في قراءة أبي أحسن منه أن يكون نصبا. القول في تأويل قوله تعالى: * (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من ذكر أن رسول الله اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون (ص) سئل عن زيادة الاهلة ونقصانها واختلاف أحوالها، فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية جوابا لهم فيما سألوا عنه. ذكر الاخبار بذلك: 2510 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس قال قتادة: سألوا نبي الله (ص) عن ذلك: لم جعلت هذه الاهلة ؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون: هي مواقيت للناس فجعلها لصوم المسلمين ولافطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء، والله أعلم بما يصلح خلقه. 2511 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ذكر لنا أنهم قالوا للنبي (ص): لم خلقت الاهلة ؟ فأنزل الله تعالى: يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم ولحجهم ومناسكهم وعدة نسائهم وحل ديونهم. 2512 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: مواقيت للناس والحج قال: هي مواقيت للناس في حجهم وصومهم وفطرهم ونسكهم. 2513 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال الناس: لم خلقت الاهلة ؟ فنزلت: يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس لصومهم وإفطارهم وحجهم ومناسكهم. قال: قال ابن عباس: ووقت حجهم، وعدة نسائهم، وحل دينهم. 2514 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن
[ 254 ]
السدي: يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس فهي مواقيت الطلاق والحيض والحج. 2515 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: ثنا الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك: يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس يعني حل دينهم، ووقت حجهم، وعدة نسائهم. 2516 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: سأل الناس رسول الله (ص) عن الاهلة، فنزلت هذه الآية: يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس يعلمون بها حل دينهم، وعدة نسائهم، ووقت حجهم. 2517 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد عن شريك، عن جابر، عن عبد الله بن يحيى، عن علي أنه سئل عن قوله: مواقيت للناس قال: هي مواقيت الشهر هكذا وهكذا وهكذا وقبض إبهامه فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين. فتأويل الآية إذا كان الامر على ما ذكرنا عمن ذكرنا عنه قوله في ذلك: يسألونك يا محمد عن الاهلة ومحاقها وسرارها وتمامها واستوائها وتغير أحوالها بزيادة ونقصان ومحاق واستسرار، وما المعنى الذي خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدا على حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان، فقل يا محمد خالف بين ذلك ربكم لتصييره الاهلة التي سألتم عن أمرها ومخالفة ما بينها وبين غيرها فيما خالف بينها وبينه مواقيت لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقها واستسرارها وإهلالكم إياها أوقات حل ديونكم، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه، وتصرم عدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم، فجعلها مواقيت للناس. وأما قوله: والحج فإنه يعني وللحج، يقول: وجعلها أيضا ميقاتا لحجكم تعرفون بها وقت مناسككم وحجكم. القول في تأويل قوله تعالى: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون.
[ 255 ]
قيل: نزلت هذه الآية في قوم كانوا لا يدخلون إذا أحرموا بيوتهم من قبل أبوابها. ذكر من قال ذلك: 2518 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: كانت الانصار إذا حجوا ورجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها. قال: فجاء رجل من الانصار فدخل من بابه، فقيل لفي ذلك، فنزلت هذه الآية: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها. 2519 - حدثني سفيان بن وكيع، قال: حدثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كانوا في الجاهلية إذا أحرموا أتوا البيوت من ظهورها، ولم يأتوا من أبوابها، فنزلت: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها... الآية. 2520 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود، عن قيس بن حبير أن ناسا كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطا من بابه ولا دارا من بابها أو بيتا، فدخل رسول الله (ص) وأصحابه دارا. وكان رجل من الانصار يقال له رفاعة بن تابوت، فجاء فتسور الحائط، ثم دخل على رسول الله (ص)، فلما خرج من باب الدار أو قال من باب البيت خرج معه رفاعة، قال: فقال رسول الله (ص): ما حملك على ذلك ؟ قال: يا رسول الله رأيتك خرجت منه، فخرجت منه. فقال رسول الله (ص): إني رجل أحمس، فقال: إن تكن رجلا أحمس فإن ديننا واحد. فأنزل الله تعالى ذكره: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها. 2521 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها يقول: ليس البر بأن تأتوا البيوت من كوات في ظهور البيوت وأبواب في جنوبها تجعلها أهل الجاهلية. فنهوا أن يدخلوا منها وأمروا أن يدخلوا من أبوابها.
[ 256 ]
* - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2522 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة عن إبراهيم، قال: كان ناس من أهل الحجاز إذا أحرموا لم يدخلوا من أبواب بيوتهم ودخلوا من ظهورها، فنزلت: ولكن البر من اتقى الآية. 2523 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها قال: كان المشركون إذا أحرم الرجل منهم نقب كوة في ظهر بيته فجعل سلما فجعل يدخل منها. قال: فجاء رسول الله (ص) ذات يوم ومعه رجل من المشركين، قال: فأتى الباب ليدخل، فدخل منه. قال: فانطلق الرجل ليدخل من الكوة. قال: فقال رسول الله (ص): ما شأنك ؟ فقال: أني أحمس، فقال رسول الله (ص): وأنا أحمس. 2524 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: كان ناس من الانصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شئ يتحرجون من ذلك، وكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السماء، فيفتح الجدار من ورائه، ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته. حتى بلغنا أن رسول الله (ص) أهل زمن الحديبية بالعمرة، فدخل حجرة، فدخل رجل على أثره من الانصار من بني سلمة، فقال له النبي (ص): إني أحمس. قال الزهري وكان الحمس لا يبالون ذلك. فقال الانصاري: وأنا أحمس، يقول: وأنا على دينك. فأنزل الله تعالى ذكره: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها. 2525 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وليس البر بأن تأتوا البيوت الآية كلها. قال قتادة: كان هذا الحي من الانصار في الجاهلية إذا أهل أحدهم بحج أو عمرة لا يدخل دارا من بابها إلا أن يتسور حائطا تسورا، وأسلموا وهم كذلك. فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك ما تسمعون، ونهاهم عن صنيعهم ذلك، وأخبرهم أنه ليس من البر صنيعهم ذلك، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها. 2526 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن
[ 257 ]
السدي قوله: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها فإن ناسا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها، فلما حج رسول الله (ص) حجة الوداع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم. فلما بلغ رسول الله (ص) باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل قال: يا رسول الله إني أحمس يقول: إني محرم وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس. قال رسول الله (ص): وأنا أيضا أحمس فادخل فدخل الرجل، فأنزل الله تعالى ذكره: وأتوا البيوت من أبوابها. 2527 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها. وإن رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوه شيئا أحرم فأمن، فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتخذ نقبا من ظهر بيته. فلما قدم رسول الله (ص) المدينة كان بها رجل محرم كذلك، وإن أهل المدينة كانوا يسمون البستان: الحش. وإن رسول الله (ص) دخل بستانا، فدخله من بابه، ودخل معه ذلك المحرم، فناداه رجل من ورائه: يا فلان إنك محرم وقد دخلت فقال: أنا أحمس، فقال: يا رسول الله إن كنت محرما فأنا محرم، وإن كنت أحمس فأنا أحمس. فأنزل الله تعالى ذكره: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها إلى آخر الآية. فأحل الله للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها. 2528 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها قال: كان أهل المدينة وغيرهم إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها، وذلك أن يتسوروها، فكان إذا أحرم أحدهم لا يدخل البيت إلا أن يتسوره من قبل ظهره. وإن النبي (ص) دخل ذات يوم بيتا لبعض الانصار، فدخل رجل على أثره ممن قد أحرم، فأنكروا ذلك عليه، وقالوا: هذا رجل فاجر فقال له النبي (ص): لم دخلت من الباب وقد أحرمت ؟ فقال: رأيتك يرسول الله دخلت فدخلت على أثرك. فقال النبي (ص): إني أحمس وقريش يومئذ تدعى الحمس فلما أن قال ذلك النبي (ص) قال الانصاري: إن ديني دينك. فأنزل الله تعالى ذكره: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها... الآية. 2529 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قلت لعطاء قوله: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها قال: كان أهل
[ 258 ]
الجاهلية يأتون البيوت من ظهورها ويرونه برا، فقال البر، ثم نعت البر، وأمر بأن يأتوا البيوت من أبوابها. قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: كانت هذه الآية في الانصار يأتون البيوت من ظهورها يتبررون بذلك. فتأويل الآية إذا: وليس البر أيها الناس بأن تأتوا البيوت في حال إحرامكم من ظهورها، ولكن البر من اتقى الله فخافه، وتجنب محارمه، وأطاعه بأداء فرائضه التي أمره بها، فأما إتيان البيوت من ظهورها فلا بر لله فيه، فأتوها من حيث شئتم من أبوابها وغير أبوابها، ما لم تعتقدوا تحريم إتيانها من أبوابها في حال من الاحوال، فإن ذلك غير جائز لكم اعتقاده، لانه مما لم أحرمه عليكم. القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله لعلكم تفلحون. يعني تعالى ذكره بذلك: واتقوا الله أيها الناس فاحذروه وارهبوه بطاعته فيما أمركم من فرائضه واجتناب ما نهاكم عنه لتفلحوا فتنجحوا في طلباتكم لديه وتدركوا به البقاء في جناته والخلود في نعيمه. وقد بينا معنى الفلاح فيما مضى قبل بما يدل عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم: هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك. وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين، والكف عمن كف عنهم، ثم نسخت ببراءة. ذكر من قال ذلك: 2530 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، وابن أبي جعفر، عن أبي جعفر، عن الربيع في قوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله (ص) يقاتل من يقاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت براءة. ولم يذكر عبد الرحمن المدينة.
[ 259 ]
2531 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم إلى آخر الآية. قال: قد نسخ هذا، وقرأ قول الله: قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة وهذه الناسخة، وقرأ: براءة من الله ورسوله حتى بلغ: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلى: إن الله غفور رحيم. وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار لم ينسخ، وإنما الاعتداء الذي نهاهم الله عنه هو نهيه عن قتل النساء والذراري. قالوا: والنهي عن قتلهم ثابت حكمه اليوم. قالوا: فلا شئ نسخ من حكم هذه الآية. ذكر من قال ذلك: 2532 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن صدقة الدمشقي، عن يحيى بن يحيى الغساني، قال: كتبت إلى عمر بن العزيز أسأله عن قوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين قال: فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم. 2533 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم لاصحاب محمد (ص) أمروا بقتال الكفار. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2534 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين يقول: لا تقتلوا النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده، فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم. 2535 - حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة: إني وجدت آية في كتاب الله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين أي لا تقاتل من لا يقاتلك، يعني النساء والصبيان والرهبان.
[ 260 ]
وأولى هذين القولين بالصواب، القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز لان دعوى المدعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة على صحة دعواه تحكم، والتحكم لا يعجز عنه أحد. وقد دللنا على معنى النسخ والمعنى الذي من قبله يثبت صحة النسخ بما قد أغنى عن إعادته في هذه الموضع. فتأويل الآية إذا كان الامر على ما وصفنا: وقاتلوا أيها المؤمنون في سبيل الله وسبيله: طريقه الذي أوضحه ودينه الذي شرعه لعباده. يقول لهم تعالى ذكره: قاتلوا في طاعتي، وعلى ما شرعت لكم من ديني، وادعوا إليه من ولى عنه، واستكبر بالايدي والالسن، حتى ينيبوا إلى طاعتي، أو يعطوكم الجزية صغارا إن كانوا أهل كتاب. وأمرهم تعالى ذكره بقتال من كان منه قتال من مقاتلة أهل الكفردون من لم يكن منه قتال من نسائهم وذراريهم، فإنهم أموال وخول لهم إذا غلب المقاتلون منهم فقهروا، فذلك معنى قوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم لانه أباح الكف عمن كف، فلم يقاتل من مشركي أهل الاوثان والكافين عن قتال المسلمين من كفار أهل الكتاب على إعطاء الجزية صغارا. فمعنى قوله: ولا تعتدوا لا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابين والمجوس، إن الله لا يحب المعتدين الذين يجاوزون حدوده، فيستحلون ما حرمه الله عليهم من قتل هؤلاء الذين حرم قتلهم من نساء المشركين وذراريهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) * يعني تعالى ذكره: واقتلوا أيها المؤمنون الذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مقاتلهم وأمكنكم قتلهم، وذلك هو معنى قوله: حيث ثقفتموهم ومعنى الثقفة بالامر: الحذق به والبصر، يقال: إنه لثقف لقف إذا كان جيد الحذر في القتال بصيرا بمواقع القتل.
[ 261 ]
وأما التثقيف فمعنى غير هذا وهو التقويم فمعنى: واقتلوهم حيث ثقفتموهم اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم وأبصرتم مقاتلهم. وأما قوله: وأخرجوهم من حيث أخرجوكم فإنه يعني بذلك المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكة، فقال لهم تعالى ذكره: أخرجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم وقد أخرجوكم من دياركم من مساكنكم وديارهم كما أخرجوكم منها. القول في تأويل قوله تعالى: والفتنة أشد من القتل. يعني تعالى ذكر بقوله: والفتنة أشد من القتل والشرك بالله أشد من القتل. وقد بينت فيما مضى أن أصل الفتنة الابتلاء والاختبار فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركا بالله من بعد إسلامه أشد عليه وأضر من أن يقتل مقيما على دينه متمسكا عليه محقا فيه. كما: 2536 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: والفتنة أشد من القتل قال: ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من القتل. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 2537 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: والفتنة أشد من القتل يقول: الشرك أشد من القتل. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. 2538 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: والفتنة أشد من القتل يقول: الشرك أشد من القتل. 2539 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: والفتنة أشد من القتل قال: الشرك.
[ 262 ]
2540 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد في قوله: والفتنة أشد من القتل قال: الفتنة: الشرك. * - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك: والفتنة أشد من القتل قال: الشرك أشد من القتل. 2541 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله جل ذكره: والفتنة أشد من القتل قال فتنة الكفر. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين. والقراء مختلفة في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة ومكة: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم بمعنى: ولا تبتدئوا أيها المؤمنون المشركين بالقتال عند المسجد الحرام حتى يبدءوكم به، فإن بدءوكم به هنالك عند المسجد الحرام في الحرم فاقتلوهم، فإن الله جعل ثواب الكافرين على كفرهم وأعمالهم السيئة القتل في الدنيا والخزي الطويل في الآخرة. كما: 2542 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه كانوا لا يقاتلون فيه حتى يبدءوا بالقتال. ثم نسخ بعد ذلك فقال: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة حتى لا يكون شرك ويكون الدين لله أن يقال: لا إله إلا الله، عليها قاتل نبي الله وإليها دعا. 2543 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا همام، عن قتادة: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم فأمر الله نبيه (ص) أن لا يقاتلهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدءوا فيه بقتال، ثم نسخ الله ذلك بقوله: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فأمر الله نبيه إذا انقضى الاجل أن يقاتلهم في الحل والحرم وعند البيت، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. 2544 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن
[ 263 ]
الربيع قوله: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فكانوا لا يقاتلونهم فيه، ثم نسخ ذلك بعد، فقال: قاتلوهم حتى لا تكون فتنة. وقال بعضهم: هذه آية محكمة غير منسوخة. ذكر من قال ذلك: 2545 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فإن قاتلوكم في الحرم، فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين لا تقاتل أحدا فيه أبدا، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك. وقرأ ذلك عظم قراء الكوفيين: ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم بمعنى: ولا تبدءوهم بقتل حتى يبدءوكم به. ذكر من قال ذلك: 2546 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن أبي حماد، عن حمزة الزيات قال: قلت للاعمش: أرأيت قراءتك: ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم، إذا قتلوهم كيف يقتلونهم ؟ قال: إن العرب إذا قتل منهم رجل قالوا: قتلنا، وإذا ضرب منهم رجل قالوا ضربنا. وأولى هاتين القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) * لان الله تعالى ذكره لم يأمر نبيه (ص) وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم حتى يقتلوا منهم قتيلا بعد ما أذن له ولهم بقتالهم، فتكون القراءة بالاذن بقتلهم بعد أن يقتلوا منهم أولى من القراءة بما اخترنا. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه قد كان تعالى ذكره أذن لهم بقتالهم إذا كان ابتداء القتال من المشركين قبل أن يقتلوا منهم قتيلا، وبعد أن يقتلوا منهم قتيلا. وقد نسخ الله تعالى ذكره هذه الآية بقوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة وقوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ونحو ذلك من الآيات. وقد ذكرنا بعض قول من قال هي منسوخة، وسنذكر قول من حضرنا ذكره ممن لم يذكر. 2547 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن
[ 264 ]
قتادة: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه قال: نسخها قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. 2548 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه قال: حتى يبدءوكم كان هذا قد حرم، فأحل الله ذلك له، فلم يزل ثابتا حتى أمره الله بقتالهم بعد. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم) * يعني تعالى ذكره بذلك: فإن انتهى الكافرون الذي يقاتلونكم عن قتالكم وكفرهم بالله، فتركوا ذلك وتابوا، فإن الله غفور لذنوب من آمن منهم وتاب من شركه، وأناب إلى الله من معاصيه التي سلفت منه وأيامه التي مضت، رحيم به في آخرته بفضله عليه، وإعطائه ما يعطي أهل طاعته من الثواب بإنابته إلى محبته من معصيته. كما: 2549 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإن انتهوا فإن تابوا، فإن الله غفور رحيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) * يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة يعني: حتى لا يكون شرك بالله، وحتى لا يعبد دونه أحد، وتضمحل عبادة الاوثان الآلهة والانداد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الاصنام والاوثان كما قال قتادة فيما: 2550 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال: حتى لا يكون شرك. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال: حتى لا يكون شرك.
[ 265 ]
2551 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال: الشرك ويكون الدين لله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 2552 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال: أما الفتنة: فالشرك. 2553 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة يقول: قاتلوا حتى لا يكون شرك. 2554 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي شرك. 2555 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال: حتى لا يكون كفر، وقرأ: تقاتلونهم أو يسلمون. * - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عابن عباس: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة يقول: شرك. وأما الدين الذي ذكره الله في هذا الموضع فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه، من ذلك قول الاعشى: هو دان الرباب إذ كرهوا الدين دراكا بغزوة وصيال
[ 266 ]
يعني بقوله: إذ كرهوا الدين: إكرهوا الطاعة وأبوها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2556 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ويكون الدين لله يقول: حتى لا يعبد إلا الله، وذلك لا إله إلا الله عليه قاتل النبي (ص) وإليه دعا، فقال النبي (ص): إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله. 2557 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ويكون الدين لله أن يقال: لا إله إلا الله. ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. ثم ذكر مثل حديث الربيع. القول في تأويل قوله تعالى: فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين. يعني تعالى ذكره بقوله: فإن انتهوا فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم، ودخلوا في ملتكم، وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من عبادة الاوثان، فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم وجهادهم، فإنه لا ينبغي أن يعتدى إلا على الظالمين وهم المشركون بالله، والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم. فإن قال قائل: وهل يجوز الاعتداء على الظالم فيقال: فلا عدوان إلا على الظالمين ؟ قيل: إن المعنى في ذلك غير الوجه الذي ذهبت، وإنما ذلك على وجه المجازاة لما كان من المشركين من الاعتداء، يقول: افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم، كما
[ 267 ]
يقال: إن تعاطيت مني ظلما تعاطيته منك، والثاني ليس بظلم، كما قال عمرو بن شأس الاسدي: جزينا ذوي العدوان بالامس قرضهم قصاصا سواء حذوك النعل بالنعل وإنما كان ذلك نظير قوله: الله يستهزئ بهم ويسخرون منهم سخر الله منهم وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما مضى قبل. وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2558 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فلا عدوان إلا على الظالمين والظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. 2559 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فلا عدوان إلا على الظالمين قال: هم المشركون. 2560 - حدثني المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا عثمان بن غياث، قال: سمعت عكرمة في هذه الآية: فلا عدوان إلا على الظالمين: قال: هم من أبى أن يقول لا إله إلا الله. وقال آخرون: معنى قوله: فلا عدوان إلا على الظالمين فلا تقاتل إلا من قاتل. ذكر من قال ذلك: 2561 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين يقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2562 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين فإن الله لا يحب العدوان على الظالمين ولا على غيرهم، ولكن يقول: اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم. فكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على
[ 268 ]
الظالمين لا يجوز أن يقول فإن انتهوا، إلا وقد علم أنهم لا ينتهون إلا بعضهم، فكأنه قال: فإن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم، فأضمر كما قال: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي يريد فعليه ما استيسر من الهدي، وكما تقول: إلى من تقصد أقصد، يعني إليه. وكان بعضهم ينكر الاضمار في ذلك ويتأوله، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم لمن انتهى، ولا عدوان إلا على الظالمين الذين لا ينتهون. القول في تأويل قوله تعالى: * (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) * يعني بقوله جل ثناؤه: الشهر الحرام بالشهر الحرام ذا القعدة، وهو الشهر الذي كان رسول الله (ص) اعتمر فيه عمرة الحديبية، فصده مشركو أهل مكة عن البيت ودخول مكة، وكان ذلك سنة ست من هجرته، وصالح رسول الله (ص) المشركين في تلك السنة، على أن يعود من العام المقبل، فيدخل مكة ويقيم ثلاثا، فلما كان العام المقبل، وذلك سنة سبع من هجرته خرج معتمرا وأصحابه في ذي القعدة، وهو الشهر الذي كان المشركون صدوه عن البيت فيه في سنة ست، وأخلى له أهل مكة البلد، حتى دخلها رسول الله (ص)، فقضى حاجته منها، وأتم عمرته، وأقام بها ثلاثا، ثم خرج منها منصرفا إلى المدينة، فقال الله جل ثناؤه لنبيه (ص) وللمسلمين معه: الشهر الحرام يعني ذا القعدة الذي أوصلكم الله فيه إلى حرمه وبيته على كراهة مشركي قريش ذلك حتى قضيتم منه وطركم بالشهر الحرام الذي صدكم مشركو قريش العام الماضي قبله فيه، حتى انصرفتم عن كره منكم عن الحرم، فلم تدخلوه ولم تصلوا إلى بيت الله، فأقصكم الله أيها المؤمنون من المشركين بإدخالكم الحرم في الشهر الحرام على كره منهم لذلك، بما كان منهم إليكم في الشهر الحرام من الصد والمنع من الوصول إلى البيت. كما: 2563 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا يوسف، يعني ابن خالد السهمي، قال: ثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: والحرمات قصاص قال: هم المشركون حبسوا محمدا (ص) في ذي القعدة، فرجعه الله في ذي القعدة، فأدخله البيت الحرام، فاقتص له منهم.
[ 269 ]
2564 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال: فخرت قريش بردها رسول الله (ص) يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله الله مكة في العام المقبل من ذي القعدة فقضى عمرته، وأقصه بما حيل بينه وبينها يوم الحديبية. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2565 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص أقبنبي الله (ص) وأصحابه فاعتمروا في ذي القعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فصالحهم نبي الله (ص) على أن يرجع من عامه ذلك، حتى يرجع من العام المقبل، فيكون بمكة ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا بسلاح راكب ويخرج، ولا يخرج بأحد من أهل مكة، فنحروا الهدي بالحديبية، وحلقوا وقصروا. حتى إذا كان من العام المقبل أقبل نبي الله وأصحابه حتى دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القعدة، فأقاموا بها ثلاث ليال، فكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية، فأقصه الله منهم، فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه فذي القعدة، فقال الله: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص. 2566 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وععثمان، عن مقسم في قوله: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قالا: كان هذا في سفر الحديبية، صد المشركون النبي (ص) وأصحابه عن البيت في الشهر الحرام، فقاضوا المشركين يومئذ قضية إن لكم أن تعتمروا في العام المقبل في هذا الشهر الذي صدوهم فيه، فجعل الله تعالى ذكره لهم شهرا حراما يعتمرون فيه مكان شهرهم الذي صدوا، فلذلك قال: والحرمات قصاص. 2567 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال: لما اعتمر رسول الله (ص) عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من مهاجره صده المشركون، وأبوا أن يتركوه، ثم
[ 270 ]
إنهم صالحوه في صلحهم على أن يخلوا له مكة من عام قابل ثلاثة أيام يخرجون، ويتركونه فيها، فأتاهم رسول الله (ص) بعد فتح خيبر من السنة السابعة، فخلوا له مكة ثلاثة أيام، فنكح في عمرته تلك ميمونة بنت الحرث الهلالية. 2568 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير عن جويبر، عن الضحاك في قوله: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص أحصروا النبي (ص) في ذي القعدة عن البيت الحرام، فأدخله الله البيت الحرام العام المقبل، واقتص له منهم، فقال: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص. 2569 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: أقبل نبي الله (ص) وأصحابه، فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فصالحهم رسول الله (ص) أن يرجع ذلك العام حتى يرجع العام المقبل، فيقيم بمكة ثلاثة أيام، ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة. فنحروا الهدي بالحديبية، وحلقوا وقصروا. حتى إذا كانوا من العام المقبل، أقبل النبي (ص) وأصحابه حتى دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القعدة وأقاموا بها ثلاثة أيام، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية، فقاص الله له منهم، وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة. قال الله جل ثناؤه: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: والحرمات قصاص فهم المشركون كانوا حبسوا محمدا (ص) في ذي القعدة عن البيت، ففخروا عليه بذلك، فرجعه الله في ذي القعدة، فأدخله الله البيت الحرام واقتص له منهم. 2570 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: الشهر الحرام بالشهر الحرام حتى فرغ من الآية. قال: هذا كله قد نسخ، أمره أن يجاهد المشركين. وقرأ: قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة وقرأ: قاتلوا الذين يلونكم من الكفار العرب، فلما فرغ منهم، قال الله جل ثناؤه: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله حتى بلغ قوله: وهم صاغرون قال: وهم الروم قال: فوجه إليهم رسول الله (ص).
[ 271 ]
2571 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: ثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال: أمركم الله بالقصاص، ويأخذ منكم العدوان. 2572 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء وسألته عن قوله: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص قال: نزلت في الحديبية، منعوا في الشهر الحرام، فنزلت: الشهر الحرام بالشهر الحرام عمرة في شهر حرام بعمرة في شهر حرام. وإنما سمى الله جل ثناؤه ذا القعدة الشهر الحرام، لان العرب في الجاهلية كانت تحرم فيه القتال والقتل وتضع فيه السلاح، ولا يقتل فيه أحد أحدا ولو لقي الرجل قاتل أبيه أو ابنه. وإنما كانوا سموه ذا القعدة لقعودهم فيه عن المغازي والحروب، فسماه الله بالاسم الذي كانت العرب تسميه به. وأما الحرمات فإنها جمع حرمة كالظلمات جمع ظلمة، والحجرات جمع حجرة. وإنما قال جل ثناؤه: والحرمات قصاص فجمع، لانه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الاحرام، فقال جل ثناؤه لنبيه محمد والمؤمنين معه: دخولكم الحرم بإحرامكم هذا في شهركم هذا الحرام قصاص مما منعتم من مثله عامكم الماضي، وذلك هو الحرمات التي جعلها الله قصاصا. وقد بينا أن القصاص هو المجازاة من جهة الفعل أو القول أو البدن، وهو في هذا الموضع من جهة الفعل. القول في تأويل قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. اختلف أهل التأويل فيما نزل فيه قوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. فقال بعضهم بما:
[ 272 ]
2573 - حدثني به المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل، وليس لهم سلطان يقهر المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والاذى، فأمر الله المسلمين من يجازي منهم أن يجازي بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو فهو أمثل فلما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة، وأعز الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم، وأن لا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن قاتلكم أيها المؤمنون من المشركين، فقاتلوهم كما قاتلوكم. وقالوا: نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) بالمدينة وبعد عمرة القضية. ذكر من قال ذلك: 2574 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم. وأشبه التأويلين بما دل عليه ظاهر الآية الذي حكي عن مجاهد، لان الآيات قبلها إنما هي أمر من الله للمؤمنين بجهاد عدوهم على صفة، وذلك قوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم والآيات بعدها، وقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه إنما هو في سياق الآيات التي فيها الامر بالقتال والجهاد، والله جل ثناؤه إنما فرض القتال على المؤمنين بعد الهجرة فمعلوم بذلك أن قوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم مدني لا مكي، إذ كان فرض قتال المشركين لم يكن وجب على المؤمنين بمكة، وأن قوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم نظير قوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم وأن معناه: فمن اعتدى عليكم في الحرم فقاتلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إياكم، لاني قد جعلت الحرمات قصاصا، فمن استحل منكم أيها المؤمنون من المشركين حرمة في حرمي، فاستحلوا منه مثله فيه. وهذه الآية منسوخة بإذن الله لنبيه بقتال أهل الحرم ابتداء في الحرم وقوله: وقاتلوا المشركين كافة... على نحو ما ذكرنا من أنه بمعنى المجازاة وإتباع لفظ لفظا وإن
[ 273 ]
اختلف معناهما، كما قال: ومكروا ومكر الله وقد قال: فيسخرون منهم سخر الله منهم وما أشبه ذلك مما أتبع لفظ لفظا واختلف المعنيان. والآخر أن يكون بمعنى العدو الذي هو شد ووثوب من قول القائل: عدا الاسد على فريسته. فيكون معنى الكلام: فمن عدا عليكم: أي فمن شد عليكم ووثب بظلم، فاعدوا عليه: أي فشدوا عليه وثبوا نحوه قصاصا لما فعل بكم لا ظلما ثم تدخل التاء في عدا، فيقال افتعل مكان فعل، كما يقال: اقترب هذا الامر بمعنى قرب، واجتلب كذا بمعنى جلب، وما أشبه ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين. يعني جل ثناؤه بذلك: واتقوا الله أيها المؤمنون في حرماته وحدوده أن تعتدوا فيها فتتجاوزوا فيها ما بينه وحده لكم، واعلموا أن الله يحب المتقين الذين يتقونه بأداء فرائضه وتجنب محارمه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) * اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، ومن عنى بقوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فقال بعضهم: عنى بذلك: وأنفقوا في سبيل الله وسبيل الله: طريقه الذي أمر أن يسلك فيه إلى عدوه من المشركين لجهادهم وحربهم، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يقول: ولا تتركوا النفقة في سبيل الله، فإن الله يعوضكم منها أجرا ويرزقكم عاجلا. ذكر من قال ذلك: 2575 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة، والحسن بن عرفة قالا: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن سفيان، عن حذيفة: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: يعني في ترك النفقة. * - حدثني محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، وحدثنا ابن
[ 274 ]
المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الاعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة وحدثني محمد بن خلف العسقلاني قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الاعمش وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد قال: ثنا سفيان، عن عاصم جميعا، عن شقيق، عن حذيفة، قال: هو ترك النفقة في سبيل الله. 2576 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن أبي صالح، عن عبد الله بن عباس أنقال في هذه الآية: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: تنفق في سبيل الله وإن لم يكن لك إلا مشقص أو سهم شعبة الذي يشك في ذلك. * - حدثنا ابن المثنى، قال ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن منصور، عن أبي صالح الذي كان يحدث عنه الكلبي، عن ابن عباس قال: إن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص أنفقته. * - حدثني ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: في النفقة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الامساك عن النفقة في سبيل الله. 2577 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عكرمة، قال: نزلت في النفقات في سبيل الله، يعني قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. 2578 - حدثنا يونس بن عبد الاعلى قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: كان القوم في سبيل الله، فيتزود الرجل، فكان أفضل زادا من الآخر أنفق البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شئ أحب أن يواسي صاحبه، فأنزل الله: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.
[ 275 ]
* - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شيبان، عن منصور بن المعتمر، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن ابن عباس في قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: لا يقولن أحدكم إني لا أجد شيئا إن لم يجد إلا مشقصا فليتجهز به في سبيل الله. 2579 - حدثنا ابن عبد الاعلى الصنعاني، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت داود يعني ابن أبي هند، عن عامر: أن الانصار كان احتعليهم بعض الرزق، وكانوا قد أنفقوا نفقات، قال: فساء ظنهم وأمسكوا. قال فأنزل الله: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: وكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم. 2580 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: تمنعكم نفقفي حق خيفة العيلة. 2581 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: وكان قتادة يحدث أن الحسن حدثه أنهم كانوا يسافرون ويغزون ولا ينفقون من أموالهم، أوقال: لا ينفقون في ذلك، فأمرهم الله أن ينفقوا في مغازيهم في سبيل الله. 2582 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يقول: لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في سبيل الله. 2583 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وأنفقوا في سبيل الله يقول: أنفق في سبيل الله ولو عقالا، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة تقول: ليس عندي شئ. 2584 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهير، قال: ثنا خصيف، عن عكرمة في قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: لما أمر الله بالنفقة فكانوا أو بعضهم
[ 276 ]
يقولون: ننفق فيذهب مالنا ولا يبقى لنا شئ، قال: فقال أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، قال: أنفقوا وأنا أرزقكم. 2585 - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، قال: نزلت في النفقة. 2586 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: أخبرنا ابن همام الاهوازي، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن في التهلكة، قال: أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله، وأخبرهم أن ترك النفقة في سبيل الله التهلكة. 2587 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن قوله: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: يقول: أنفقوا في سبيل الله ما قل وكثر قال: وقال لي عبد الله بن كثير: نزلت في النفقة في سبيل الله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لا يقولن الرجل: لا أجد شيئا قد هلكت، فليتجهز ولو بمشقص. * - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يقول: أنفقوا ما كان من قليل أو كثير، ولا تستسلموا، ولا تنفقوا شيئا فتهلكوا. 2588 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، قال: التهلكة: أن يمسك الرجل نفسه وماله عن النفقة في الجهاد في سبيل الله. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن، في قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فتدعوا النفقة في سبيل الله. وقال آخرون ممن وجهوا تأويل ذلك إلى أنه معنية به النفقة: معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، فتخرجوا في سبيل الله بغير نفقة ولا قوة. ذكر من قال ذلك: 2589 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:
[ 277 ]
وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: إذا لم يكن عندك ما تنفق فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا قوة فتلقي بيديك إلى التهلكة. وقال آخرون: بل معناه أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم فيما أصبتم من الآثام إلى التهلكة، فتيأسوا من رحمة الله، ولكن ارجوا رحمته واعملوا الخيرات. ذكر من قال ذلك: 2590 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو الاحوص، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب في قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: هو الرجل يصيب الذنوب فيلقي بيده إلى التهلكة، يقول: لا توبة لي. 2591 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: سأله رجل أحمل على المشركين وحدي فيقتلوني أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة ؟ فقال: لا إنما التهلكة في النفقة بعث الله رسوله، فقال: فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك. * - حدثنا الحسن بن عرفة وابن وكيع، قالا: ثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب في قول الله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: هو الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفر الله له. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء وسأله رجل فقال: يا أبا عمارة أرأيت قول الله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أهو الرجل يتقدم فيقاتل حتى يقتل ؟ قال: لا ولكنه الرجل يعمل بالمعاصي، ثم يلقي بيده ولا يتوب. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء وسأله رجل فقال: الرجل يحمل على كتيبة وحده فيقاتل، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة ؟ فقال: لا ولكن التهلكة: أن يذنب الذنب فيلقي بيده، فيقول: لا تقبل لي توبة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن الجراح، عن أبي إسحاق، قال: قلت
[ 278 ]
للبراء بن عازب: يا أبا عمارة الرجل يلقى ألفا من العدو فيحمل عليهم وإنما هو وحده، أيكون ممن قال: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ؟ فقال: لا، ليقاتل حتى يقتل، قال الله لنبيه (ص): فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك. 2592 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا هشام. وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن هشام، عن محمد قال: وسألت عبيدة عن قول الله: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة الآية. فقال عبيدة: كان الرجل يذنب الذنب قال: حسبته قال العظيم فيلقي بيده فيستهلك زاد يعقو ب في حديثه: فنهوا عن ذلك، فقيل: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن ذلك، فقال: هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم ويلقي بيده إلى التهلكة، ويقول: لا توبة له. يعني قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن محمد، عن عبيدة في قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: كان الرجل يصيب الذنب فيلقي بيده. 2593 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: القنوط. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن يونس، وهشام عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، قال: هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم، يقول: لا توبة لي، فيلقي بيده. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: حدثني أيوب عن ابن سيرين، عن عبيدة أنه قال: هي في الرجل يصيب الذنب العظيم، فيلقي بيده ويرى أنه قد هلك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنفقوا في سبيل الله ولا تتركوا الجهاد في سبيله. ذكر من قال ذلك: 2594 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني حيوة، عن يزيد بن
[ 279 ]
أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران، قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. قال: فصففنا صفين لم أر صفين قط أعرض ولا أطول منهما، والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة، قال: فحمل رجل منا على العدو، فقال الناس: مه لا إله إلا الله، يلقي بيده إلى التهلكة قال أبو أيوب الانصاري: إنما تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الانصار. إنا لما نصر الله نبيه، وأظهر الاسلام، قلنا بيننا معشر الانصار خفيا من رسول الله (ص): إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله الخبر من السماء: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة الآية، فالالقاء بالايدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبوأ يوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية. * - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، وعبد الله بن أبي زياد قالا: ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد، قال: أخبرني حيوة وابن لهيعة، قالا: ثنا يزيد بن أبي حبيب، قال: حدثني أسلم أبو عمران مولى تجيب، قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله (ص)، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله (ص) فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، قال: وصففنا صفا عظيما من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلا، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله، ألقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب الانصاري صاحب رسول الله (ص) فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الانصار: إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصريه، قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سرا من رسول الله إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به، فقال: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم
[ 280 ]
إلى التهلكة بالاقامة التي أردنا أن نقيم في الاموال ونصلحها، فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر بالانفاق في سبيله بقوله: وأنفقوا في سبيل الله وسبيله: طريقه الذي شرعه لعباده وأوضحه لهم. ومعنى ذلك: وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعته لكم بجهاد عدوكم الناصبين لكم الحرب على الكفر بي ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، فقال: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. وذلك مثل، والعرب تقول للمستسلم للامر: أعطى فلان بيديه، وكذلك يقال للممكن من نفسه مما أريد به أعطى بيديه. فمعنى قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولا تستسلموا للهلكة فتعطوها أزمتكم فتهلكوا والتارك النفقة في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه مستسلم للهلكة بتركه أداء فرض الله عليه في ماله. وذلك أن الله جل ثناؤه جعل أحد سهام الصدقات المفروضات الثمانية في سبيله، فقال: إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى قوله: وفي سبيل الله وابن السبيل فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما لزمه كان للهلكة مستسلما وبيديه للتهلكة ملقيا. وكذلك الآيس من رحمة الله لذنب سلف منه، ملق بيديه إلى التهلكة، لان الله قد نهى عن ذلك فقال: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. وكذلك التارك غزو المشركين وجهادهم في حال وجوب ذلك عليه في حال حاجة المسلمين إليه، مضيع فرضا، ملق بيده إلى التهلكة. فإذا كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولم يكن الله عز وجل خص منها شيئا دون شئ، فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله نهى عن الالقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة، وهي العذاب، بترك ما لزمنا من فرائضه، فغير جائز لاحد منا الدخول في شئ يكره الله منا مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه. غير أن الامر وإن كان كذلك، فإن الاغلب من تأويل الآية: وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله، ولا تتركوا النفقة فيها فتهلكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي. كما:
[ 281 ]
2595 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال: التهلكة: عذاب الله. قال أبو جعفر: فيكون ذلك إعلاما منه لهم بعد أمره إياهم بالنفقة ما لمن ترك النفقة المفروضة عليه في سبيله من العقوبة في المعاد. فإن قال قائل: فما وجه إدخال الباء في قوله: ولا تلقوا بأيديكم وقد علمت أن المعروف من كلام العرب ألقيت إلى فلان درهما، دون ألقيت إلى فلان بدرهم ؟ قيل: قد قيل إنها زيدت نحو زيادة القائل في الباء في قوله: جذبت بالثوب، وجذبت الثوب، وتعلقت به، وتعلقته، وتنبت بالدهن وإنما هو تنبت الدهن. وقال آخرون: الباء في قوله: ولا تلقوا بأيديكم أصل للكلمة، لان كل فعل واقع كني عنه فهو مضطر إليها، نحو قولك في رجل: كلمته، فأردت الكناية عن فعله، فإذا أردت ذلك قلت: فعلت به قالوا: فلما كان الباء هي الاصل جاز إدخال الباء وإخراجها في كل فعل سبيله سبيل كلمته. وأما التهلكة، فإنها التفعلة من الهلاك. القول في تأويل قوله تعالى: وأحسنوا إن الله يحب المحسنين. يعني جل ثناؤه بقوله: وأحسنوا أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من معاصي، ومن الانفاق في سبيلي، وعود القوي منكم على الضعيف ذي الخلة، فإني أحب المحسنين في ذلك. كما: 2596 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق عن رجل من الصحابة في قوله: وأحسنوا إن الله يحب المحسنين قال: أداء الفرائض. وقال بعضهم: معناه: أحسنوا الظن بالله. ذكر من قال ذلك: 2597 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: وأحسنوا إن الله يحب المحسنين قال: أحسنوا الظن بالله يبركم.
[ 282 ]
وقال آخرون: أحسنوا بالعود على المحتاج. ذكر من قال ذلك: 2598 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وأحسنوا أن الله يحب المحسنين عودوا على من ليس في يده شئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذآ أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب) * اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك أتموا الحج بمناسكه وسننه، وأتموا العمرة بحدودها وسننها. ذكر من قال ذلك: 2599 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: وأتموا الحج والعمرة لله قال: هو في قراءة عبد الله: وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت. قال: لا تجاوزوا بالعمرة البيت. قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس. 2600 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم أنه قرأ: وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت. 2601 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قرأ: وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت. 2602 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وأتموا الحج والعمرة لله يقول: من أحرم بحج أو بعمرة فليس له أن يحل حتى يتمها تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل من إحرامه كله، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة، فقد حل. 2603 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني
[ 283 ]
المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وأتموا الحج والعمرة لله قال: ما أمروا فيهما. 2604 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: وأتموا الحج والعمرة لله قال: قال إبراهيم عن علقمة بن قيس قال: الحج: مناسك الحج، والعمرة: لا يجاوز بها البيت. 2605 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: وأتموا الحج والعمرة لله قال: قال تقضي مناسك الحج عرفة والمزدلفة ومواطنها، والعمرة للبيت أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحل. وقال آخرون: تمامهما أن تحرم بهما مفردين من دويرة أهلك. ذكر من قال ذلك: 2606 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله ابن سلمة، عن علي أنه قال: جاء رجل إلى علي فقال له في هذه الآية: وأتموا الحج والعمرة لله أن تحرم من دويرة أهلك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: جاء رجل إلى علي رضوان الله عليه، فقال: أرأيت قول الله عز وجل: وأتموا الحج والعمرة لله ؟ قال: أن تحرم من دويرة أهلك. 2607 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير، قال: من تمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك. 2608 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ثور بن يزيد، عن سليمان بن موسى، عن طاوس، قال: تمامهما: إفرادهما مؤتنفتين من أهلك. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سفيان، عن ثور، عن سليمان بن موسى، عن طاوس: وأتموا الحج والعمرة لله قال: تفردهما مؤقتتين من أهلك، فذلك تمامهما. وقال آخرون: تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج، وتمام الحج أن يؤتى بمناسكه كلها حتى لا يلزم عامله دم بسبب قران ولا متعة. ذكر من قال ذلك:
[ 284 ]
2609 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وأتموا الحج والعمرة لله قال: وتمام العمرة ما كان في غير أشهر الحج. وما كان في أشهر الحج، ثم أقام حتى يحج فهي متعة عليه فيها الهدي إن وجد، وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وأتموا الحج والعمرة لله قال: ما كان في غير أشهر الحج فهي عمرة تامة، وما كان في أشهر الحج فهي متعة وعليه الهدي. 2610 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن ابن عون، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة. قال: فقيل له: العمرة في المحرم ؟ قال: كانوا يرونها تامة. وقال آخرون: إتمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد غيرهما. ذكر من قال ذلك: 2611 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني رجل، عن سفيان، قال: هو يعني تمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة، وتهل من الميقات ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة، حتى إذا كنت قريبا من مكة قلت: لو حججت أو اعتمرت. وذلك يجزئ، ولكن التمام أن تخرج له لا تخرج لغيره. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أتموا الحج والعمرة لله إذا دخلتم فيهما. ذكر من قال ذلك: 2612 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ليست العمرة واجبة على أحد من الناس. قال: فقلت له: قول الله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله ؟ قال: ليس من الخلق أحد ينبغي له إذا دخل في أمر إلا أن يتمه، فإذا دخل فيها لم ينبغ له أن يهل يوما أو يومين ثم يرجع، كما لو صام يوما لم ينبغ له أن يفطر في نصف النهار. وكان الشعبي يقرأ ذلك رفعا. 2613 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني
[ 285 ]
سعيد بن أبي بردة أن الشعبي وأبا بردة تذاكرا العمرة، قال: فقال الشعبي: تطوع وأتموا الحج والعمرة لله وقال أبو بردة: هي واجبة وأتموا الحج والعمرة لله. 2614 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن عون، عن الشعبي أنه كان يقرأ وأتموا الحج والعمرة لله. وقد روي عن الشعبي خلاف هذا القول، وإن كان المشهور عنه من القول هو هذا. وذلك ما: 2615 - حدثني به المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن الشعبي، قال: العمرة واجبة. فقراءة من قال: العمرة واجبة نصبها بمعنى أقيموا فرض الحج والعمرة. كما: 2616 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق، يقول: سمعت مسروقا يقول: أمرتم في كتاب الله بأربع: بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، والعمرة قال: ثم تلا هذه الآية: ولله على الناس حج البيت وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يروي عن الحسن، عن مسروق، قال: أمرنا بإقامة أربعة: الصلاة، والزكاة، والعمرة، والحج، فنزلت العمرة من الحج منزلة الزكاة من الصلاة. 2617 - حدثنا ابن بشار، قال: أنبأنا محمد بن بكر، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال علي بن حسين وسعيد بن جبير، وسئلا: أواجبة العمرة على الناس ؟ فكلاهما قال: ما نعلمها إلا واجبة، كما قال الله: وأتموا الحج والعمرة لله. 2618 - حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سأل رجل سعيد بن جبير عن العمرة فريضة هي أم تطوع ؟ قال: فريضة. قال: فإن الشعبي يقول: هي تطوع. قال: كذب الشعبي وقرأ: وأتموا الحج والعمرة لله.
[ 286 ]
2619 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة عمن سمع عطاء يقول في قوله: وأتموا الحج والعمرة لله قال: هما واجبان: الحج، والعمرة. فتأويل هؤلاء في قوله تبارك وتعالى: وأتموا الحج والعمرة لله أنهما فرضان واجبان من الله تبارك وتعالى (أمر) بإقامتهما، كما أمر بإقامة الصلاة، وأنهما فريضتان، وأوجب العمرة وجوب الحج. وهم عدد كثير من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الحالفين كرهنا تطويل الكتاب بذكرهم وذكر الروايات عنهم. وقالوا: معنى قوله: وأتموا الحج والعمرة لله وأقيموا الحج والعمرة. ذكر من قال ذلك: 2620 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: وأتموا الحج والعمرة لله يقول: أقيموا الحج والعمرة. 2621 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، عن ثوير، عن أبيه، عن علي: وأقيموا الحج والعمرة للبيت ثم هي واجبة مثل الحج. 2622 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا ثوير، عن أبيه، عن عبد الله: وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت ثم قال عبد الله: والله لولا التحرج وأني لم أسمع من رسول الله (ص) فيها شيئا، لقلت إن العمرة واجبة مثل الحج. وكأنهم عنوا بقوله: أقيموا الحج والعمرة: ائتوا بهما بحدودهما وأحكامهما على ما فرض عليكم. وقال آخرون ممن قرأ قراءة هؤلاء بنصب العمرة: العمرة تطوع. ورأوا أنه لا دلالة على وجوبها في نصبهم العمرة في القراءة، إذ كان من الاعمال ما قد يلزم العبد عمله وإتمامه بدخوله فيه، ولم يكن ابتداء الدخول فيه فرضا عليه، وذلك كالحج التطوع لا خلاف بين الجميع فيه أنه إذا أحرم به أن عليه المضي فيه وإتمامه ولم يكن فرضا عليه ابتداء الدخول فيه. وقالوا: فكذلك العمرة غير فرض واجب الدخول فيها ابتداء، غير أن على من دخل فيها وأوجبها على نفسه إتمامها بعد الدخول فيها. قالوا: فليس في أمر الله بإتمام الحج والعمرة دلالة على وجوب فرضها.
[ 287 ]
قالوا: وإنما أوجبنا فرض الحج بقوله عز وجل: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. وممن قال ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين. ذكر من قال ذلك: 2623 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: الحج فريضة، والعمرة تطوع. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن النخعي، عن ابن مسعود مثله. 2624 - وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، قال: العمرة ليست بواجبة. 2625 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك، قال: سألت إبراهيم عن العمرة فقال: سنة حسنة. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله. 2626 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: ثنا عبد الله بن عون، عن الشعبي، قال: العمرة تطوع. فأما الذين قرءوا ذلك برفع العمرة فإنهم قالوا: لا وجه لنصبها، فالعمرة إنما هي زيارة البيت، ولا يكون مستحقا اسم معتمر إلا وهو له زائر قالوا: وإذا كان لا يستحق اسم معتمر إلا بزيارته، وهو متى بلغه فطاف به وبالصفا والمروة، فلا عمل يبقى بعده يؤمر بإتمامه بعد ذلك، كما يؤمر بإتمامه الحاج بعد بلوغه والطواف به وبالصفا والمروة بإتيان عرفة والمزدلفة، والوقوف بالمواضع التي أمر بالوقوف بها وعمل سائر أعمال الحج الذي هو من تمامه بعد إتيان البيت لم يكن لقول القائل للمعتمر أتم عمرتك وجه مفهوم، وإذا لم
[ 288 ]
يكن له وجه مفهوم.. فالصواب من القراءة في العمرة الرفع على أنه من أعمال البر لله، فتكون مرفوعة بخبرها الذي بعدها، وهو قوله: لله. وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا، قراءة من قرأ بنصب العمرة على العطف بها على الحج، بمعنى الامر بإتمامهما له. ولا معنى لاعتلال من اعتل في رفعها بأن العمرة زيارة البيت، فإن المعتمر متى بلغه، فلا عمل بقي عليه يؤمر بإتمامه، وذلك أنه إذا بلغ البيت فقد انقضت زيارته وبقي عليه تمام العمل الذي أمره الله به في اعتماره، وزيارته البيت وذلك هو الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وتجنب ما أمر الله بتجنبه إلى إتمامه ذلك، وذلك عمل وإن كان مما لزمه بإيجاب الزيارة على نفسه غير الزيارة. هذا مع إجماع الحجة على قراءة العمرة بالنصب، ومخالفة جميع قراء الامصار قراءة من قرأ ذلك رفعا، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على خطأ من قرأ ذلك رفعا. وأما أولى القولين اللذين ذكرنا بالصواب في تأويل قوله: والعمرة لله على قراءة من قرأ ذلك نصبا فقول عبد الله بن مسعود، ومن قال بقوله من أن معنى ذلك: وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت بعد إيجابكم إياهما لا أن ذلك أمر من الله عز وجل بابتداء عملهما والدخول فيهما وأداء عملهما بتمامه بهذه الآية، وذلك أن الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا من أن يكون أمرا من الله عز وجل بإقامتهما ابتداء وإيجابا منه على العباد فرضهما، وأن يكون أمرا منه بإتمامهما بعد الدخول فيهما، وبعد إيجاب موجبهما على نفسه، فإذا كانت الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا، فلا حجة فيها لاحد الفريقين على الآخر، إلا وللآخر عليه فيها مثلها. وإذا كان كذلك ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبر عن الحجة للعذر قاطعا، وكانت الامة في وجوبها متنازعة، لم يكن لقول قائل هي فرض بغير برهان دال على صحة قوله معنى، إذ كانت الفروض لا تلزم العباد إلا بدلالة على لزومها إياهم واضحة. فإن ظن ظان أنها واجبة وجوب الحج، وأن تأويل من تأول قوله: وأتموا الحج والعمرة لله بمعنى: أقيموا حدودهما وفروضهما أولى من تأويلنا بما: 2627 - حدثني به حاتم بن بكير الضبي، قال: ثنا أشهل بن حاتم الارطبائي، قال: ثنا ابن عون، عن محمد بن جحادة، عن رجل، عن زميل له، عن أبيه، وكان أبوه يكنى أبا المنتفق، قال: أتيت النبي (ص) بعرفة، فدنوت منه، حتى اختلفت عنق راحلتي وعنق راحلته، فقلت: يا رسول الله أنبئني بعمل ينجيني من عذاب الله ويدخلني جنته قال: اعبد
[ 289 ]
الله ولا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأد الزكاة المفروضة، وحج واعتمر قال أشهل: وأظنه قال: وصم رمضان، وانظر ماذا تحب من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم، وما تكره من الناس أن يأتوه إليك فذرهم منه. وما 2628 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن إبراهيم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن أبي رزين العقيلي رجل من بني عامر قال: قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، وقد أدركه الاسلام، أفأحج عنه ؟ قال: حج عن أبيك واعتمر. 2629 - وما حدثني به يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة أن رسول الله (ص) خطب فقال: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم لكم. وما أشبه ذلك من الاخبار، فإن هذه أخبار لا يثبت بمثلها في الدين حجة لوهي أسانيدها، وأنها مع وهي أسانيدها لها في الاخبار أشكال تنبئ عن أن العمرة تطوع لا فرض واجب. وهو ما: 2630 - حدثنا به محمد بن حميد، ومحمد بن عيسى الدامغاني، قالا: ثنا عبد الله بن المبارك، عن الحجاج بن أرطاة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي (ص): أنه سئل عن العمرة أواجبة هي ؟، فقال: لا، وأن تعتمروا خير لكم. 2631 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، وحدثني يحيى بن طلحة اليربوعي،
[ 290 ]
قال: ثنا شريك، عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح الحنفي، قال: قال رسول الله (ص): الحج جهاد والعمرة تطوع. وقد زعم بعض أهل الغباء أنه قد صح عنده أن العمرة واجبة بأنه لم يجد تطوعا إلا وله إمام من المكتوبة فلما صح أن العمرة تطوع وجب أن يكون لها فرض، لان الفرض إمام التطوع في جميع الاعمال. فيقال لقائل ذلك: فقد جعل الاعتكاف تطوعا، فما الفرض الذي هو إمام متطوعه ؟ ثم يسئل عن الاعتكا ف أواجب هو أم غير واجب ؟ فإن قال: واجب، خرج من قول جميع الامة، وإن قال: تطوع، قيل: فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعا والعمرة فرضا من الوجه الذي يجب التسليم له ؟ فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. وبما استشهدنا من الادلة، فإن أولى القراءتين بالصواب في العمرة قراءة من قرأها نصبا. وإن أولى التأويلين في قوله وأتموا الحج والعمرة لله تأويل ابن عباس الذي ذكرنا عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه من أنه أمر من الله بإتمام أعمالهما بعد الدخول فيهما وإيجابهما على ما أمر به من حدودهما وسننهما. وإن أولى القولين في العمرة بالصواب قول من قال: هي تطوع لا فرض. وإن معنى الآية: وأتموا أيها المؤمنون الحج والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وإيجابكموهما على أنفسكم على ما أمركم الله من حدودهما. وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية التي صد فيها عن البيت معرفه المؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خلى بينهم وبين البيت ومبينا لهم فيها ما المخرج لهم من إحرامهم إن أحرموا، فصدوا عن البيت وبذكر اللازم لهم من الاعمال في عمرتهم التي اعتمروها عام الحديبية وما يلزمهم فيها بعد ذلك في عمرتهم وحجهم، افتتح بقوله: يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج. وقد دللنا فيما مضى على معنى الحج والعمرة بشواهد، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته.
[ 291 ]
القول في تأويل قوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي. اختلف أهل التأويل في الاحصار الذي جعل الله على من ابتلي به في حجه وعمرته ما استيسر من الهدي، فقال بعضهم: هو كل مانع أو حابس منع المحرم وحبسه عن العمل الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام. ذكر من قال ذلك: 2632 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه كان يقول: الحصر: الحبس كله. يقول: أيما رجل اعترض له في حجته أو عمرته فإنه يبعث بهديه من حيث يحبس. قال: وقال مجاهد في قوله: فإن أحصرتم فإن أحصرتم: يمرض إنسان أو يكسر أو يحبسه أمر فغلبه كائنا ما كان، فليرسل بما استيسر من الهدي، ولا يحلق رأسه، ولا يحل حتى يوم النحر. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2633 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: الاحصار كل شئ يحبسه. 2634 - وحدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن سعيد، عن قتادة أنه قال: في المحصر: هو الخوف والمرض والحابس إذا أصابه ذلك بعث بهديه، فإذا بلغ الهدي محله حل. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي قال: هذا رجل أصابه خوف أو مرض أو حابس حبسه عن البيت يبعث بهديه، فإذا بلغ محله صار حلالا. 2635 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كل شئ حبس المحرم فهو إحصار. 2636 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إبراهيم، قال أبو جعفر: أحسبه عن شريك، عن إبراهيم بن المهاجر، عن إبراهيم: فإن أحصرتم قال: مرض أو كسر أو خوف. 2637 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي عن ابن
[ 292 ]
عباس قوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي يقول: من أحرم بحج أو بعمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده، أو عذر يحبسه فعليه قضاؤها. وعلة من قال بهذه المقالة أن الاحصار معناه في كلام العرب: منع العلة من المرض وأشباهه غير القهر والغلبة من قاهر أو غالب إلا غلبة علة من مرض أو لدغ أو جراحة، أو ذهاب نفقة، أو كسر راحلة. فأما منع العدو، وحبس حابس في سجن، وغلبة غالب حائل بين المحرم والوصول إلى البيت من سلطان، أو إنسان قاهر مانع، فإن ذلك إنما تسميه العرب حصرا لا إحصارا. قالوا: ومما يدل على ذلك قول الله جل ثناؤه: وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا يعني به: حاصرا: أي حابسا. قالوا: ولو كان حبس القاهر الغالب من غير العلل التي وصفنا يسمى إحصارا لوجب أن يقال: قد أحصر العدو. قالوا: وفي اجتماع لغات العرب على حوصر العدو والعدو محاصر، دون أحصر العدو وهم محصرون، وأحصر الرجل بالعلة من المرض والخوف، أكبر الدلالة على أن الله جل ثناؤه إنما عنى بقوله: فإن أحصرتم بمرض أو خوف أو علة مانعة. قالوا: وإنما جعلنا حبس العدو ومنعه المحرم من الوصول إلى البيت بمعنى حصر المرض قياسا على ما جعل الله جل ثناؤه من ذلك للمريض الذي منعه المرض من الوصول إلى البيت، لا بدلالة ظاهر قوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي إذ كان حبس العدو والسلطان والقاهر علة مانعة، نظيرة العلة المانعة من المرض والكسر. وقال آخرون: معنى قوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي فإن حبسكم عدو عن الوصول إلى البيت، أو حابس قاهر من بني آدم. قالوا: فأما العلل العارضة في الابدان كالمرض والجراح وما أشبهها، فإن ذلك غير داخل في قوله: فإن أحصرتم. ذكر من قال ذلك: 2638 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس أنه قال: الحصر: حصر العدو، فيبعث الرجل
[ 293 ]
بهديته، فإن كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو، فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة، فإنه يبعث بها ويحرم قال محمد بن عمرو، قال أبو عاصم: لا ندري قال يحرم أو يحل من يوم يواعد فيه صاحب الهدي إذا اشترى، فإذا أمن فعليه أن يحج أو يعتمر، فإذا أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي، فإنه يحل حيث يحبس، فإن كان معه هدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله، فإذا بعث به فليس عليه أن يحج قابلا، ولا يعتمر إلا أن يشاء. 2639 - حدثت عن أبي عبيد القاسم بن سلام، قال: ثني يحيى بن سعيد، عن ابن جريح، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لا حصر إلا من حبس عدو. 2640 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم، إلا أنه قال: فإنه يبعث بها ويحرم من يوم واعد فيه صاحب الهدية إذا اشترى. ثم ذكر سائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم. وقال مالك بن أنس: بلغني أن رسول الله (ص) حل وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي، وحلقوا رؤوسهم، وحلوا من كل شئ قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي، ثم لم نعلم أن رسول الله ص) أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشئ. 2641 - حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهب عنه. قال: وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت ؟ فقال: يحل من كل شئ، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث يحبس، وليس عليه قضاء إلا أن يكون لم يحج قط، فعليه أن يحج حجة الاسلام. قال: والامر عندنا فيمن أحصر بغير عدو بمرض أو ما أشبهه، أن يبدأ بما لا بد منه، ويفتدي، ثم يجعلها عمرة، ويحج عاما قابلا ويهدي. وعلة من قال هذه المقالة أعني من قال قول مالك أن هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول الله (ص) وأصحابه عن البيت، فأمر الله نبيه ومن معه بنحر هداياهم
[ 294 ]
والاحلال. قالوا: فإنما أنزل الله هذه الآية في حصر العدو، فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الذي نزلت فيه. قالوا: وأما المريض، فإنه إذا لم يطق لمرضه السير حتى فاتته عرفة، فإنما هو رجل فاته الحج، عليه الخروج من إحرامه بما يخرج به من فاته الحج، وليس من معنى المحصر الذي نزلت هذه الآية في شأنه. وأولى التأويلين بالصواب في قوله: فإن أحصرتم تأويل من تأوله بمعنى: فإن أحصركم خوف عدو أو مرض أو علة عن الوصول إلى البيت، أي صيركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم، فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة. فلذا قيل أحصرتم، لما أسقط ذكر الخوف والمرض. يقال منه: أحصرني خوفي من فلان عن لقائك، ومرضي عن فلان، يراد به: جعلني أحبس نفسي عن ذلك. فأما إذا كان الحابس الرجل والانسان، قيل: حصرني فلان عن لقائك، بمعنى حبسني عنه. فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله: فإن أحصرتم فإن حبسكم حابس من العدو عن الوصول إلى البيت، لوجب أن يكون: فإن حصرتم. ومما يبين صحة ما قلناه من أن تأويل الآية مراد بها إحصار غير العدو وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو، قوله: فإن أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج والامن إنما يكون بزوال الخوف. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الاحصار الذي عنى الله في هذه الآية هو الخوف الذي يكون بزواله الامن. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن حبس الحابس الذي ليس مع حبسه خوف على النفس من حبسه داخلا في حكم الآية بظاهرها المتلو، وإن كان قد يلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس من أجل أن حبس من لا خوف على النفس من حبسه، كالسلطان غير المخوفة عقوبته، والوالد وزوج المرأة، وإن كان منهم أو من بعضهم حبس، ومنع عن الشخوص لعمل الحج، أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الاحرام، غير داخل في ظاهر قوله: فإن أحصرتم لما وصفنا من أن معناه: فان أحصركم خوف عدو، بدلالة قوله: فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج. وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه قال: الحصر: حصر العدو.
[ 295 ]
وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا، وكان ذلك منعا من الوصول إلى البيت، فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى البيت، فهو له نظير في الحكم. ثم اختلف أهل العلم فتأويل قوله: فما استيسر من الهدي فقال بعضهم: هو شاة. ذكر من قال ذلك: 2642 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قال: أخبرنا إسحاق الازرق، عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ما استيسر من الهدي شاة. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، وحدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما استيسر من الهدي شاة. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد عن ابن عباس، مثله. 2643 - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن مالك، قال: تمتعت فسألت ابن عباس فقال: ما استيسر من الهدي قال: قلت شاة ؟ قال: شاة. 2644 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق. عن النعمان بن مالك، قال: سألت ابن عباس عما استيسر من الهدي ؟ قال: من الازواج الثمانية من الابل والبقر والمعز والضأن. 2645 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا هشيم، قال الزهري: أخبرنا وسئل عن قول الله جل ثناؤه: فما استيسر من الهدي قال: كان ابن عباس يقول: من الغنم. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: ما استيسر من الهدي: من الازواج الثمانية. 2646 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا خالد، قال: قيل للاشعث: ما قول الحسن: فما استيسر من الهدي ؟ قال: شاة.
[ 296 ]
2647 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة: فما استيسر من الهدي ؟ قال: شاة. 2648 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمبن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة: فما استيسر من الهدي قال: أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأخسه شاة. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله، إلا أنه كان يقال: أعلاه بدنة، وذكر سائر الحديث مثله. * - حدثنا ابن بشار قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا همام، عن قتادة عن زرارة، عن ابن عباس، قال: فما استيسر من الهدي شاة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، مثله. 2649 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن ابن جريج، عن عطاء: فما استيسر من الهدي شاة. * - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، قال: ثنا محمد بن نفيع، عن عطاء، مثله. 2650 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنأسباط، عن السدي، قال: المحصر يبعث بهدي شاة فما فوقها. 2651 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا ابن نمير، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر، بعث بما استيسر من الهدى شاة. قال: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ما استيسر من الهدي: شاة فما فوقها. 2652 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، وحدثنا المثنى، قال: ثنا آدم العسقلاني عن شعبة، قال: ثنا أبو جمرة، عن ابن عباس، قال: ما استيسر من الهدي: جزور أو بقرة أو شاة، أو شرك في دم. 2653 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد،
[ 297 ]
قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن ابن عباس كان يرى أن الشاة ما استيسر من الهدي. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الوهاب، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: ما استيسر من الهدي: شاة. 2654 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: ما استيسر من الهدي: شاة. 2655 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سهل بن يوسف قال: ثنا حميد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: قال ابن عباس: الهدي: شاة، فقيل له: أيكون دون بقرة ؟ قال: فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تدرون به أن الهدي شاة ما في الظبي ؟ قالوا: شاة، قال: هديا بالغ الكعبة. * - حدثني المثنى قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: شاة. 2656 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن دلهم بن صالح، قال: سألت أبا جعفر، عن قوله ما استيسر من الهدي: فقال: شاة. 2657 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالك بن أنس حدثه عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول: ما استيسر من الهدي: شاة. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا مطرف بن عبد الله، قال: ثنا مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، مثله. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول: ما استيسر من الهدي: شاة. 2658 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال مالك: وذلك أحب إلي.
[ 298 ]
* - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: فما استيسر من الهدي قال: عليه، يعني المحصر هدي إن كان موسرا فمن الابل، وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: ما استيسر من الهدي: شاة، وما عظمت شعائر الله، فهو أفضل. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: أخبرنا ابن لهيعة أن عطاء بن أبي رباح حدثه أن ما استيسر من الهدي: شاة. وقال آخرون: ما استيسر من الهدي: من الابل والبقر، سن دون سن. ذكر من قال ذلك: 2659 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا معتمر، قال: سمعت عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ما استيسر من الهدي: البقرة دون البقرة، والبعير دون البعير. 2660 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز، قال: سأل رجل ابن عمر: ما استيسر من الهدي ؟ قال: أترضى شاة ؟ كأنه لا يرضاه. 2661 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن القاسم بن محمد ونافع، عن ابن عمر قال: ما استيسر من الهدي: ناقة أو بقرة، فقيل له: ما استيسر من الهدي ؟ قال: الناقة دون الناقة، والبقرة دون البقرة. 2662 - حدثني المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر أنه قال: فما استيسر من الهدي قال: جزور، أو بقرة. 2663 - حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: ثنا هشيم، قال الزهري أخبرنا، وسئل عن قول الله: فما استيسر من الهدي قال: قال ابن عمر: من الابل والبقر. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في قوله جل ثناؤه: فما استيسر من الهدي قال: الناقة دون الناقة، والبقرة دون البقرة.
[ 299 ]
2664 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن القاسم، عن ابن عمر في قوله: فما استيسر من الهدي قال: الابل والبقر. 2665 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان عبد الله بن عمر وعائشة يقولان: ما استيسر من الهدي: من الابل والبقر. 2666 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا الوليد بن أبي هشام، عن زياد بن جبير، عن أخيه عبد الله أو عبيد الله بن جبير، قال: سألت ابن عمر عن المتعة في الهدي ؟ فقال: ناقة، قلت: ما تقول في الشاة ؟ قال: أكلكم شاة أكلكم شاة. 2667 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد وطاوس، قالا: ما استيسر من الهدي: بقرة. 2668 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة: فما استيسر من الهدي قال في قول ابن عمر: بقرة فما فوقها. 2669 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني أبو معشر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ما استيسر من الهدي: قال: بدنة أو بقرة، فأما شاة فإنها هي نسك. 2670 - حدثنا المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: البدنة دون البدنة، والبقرة دون البقرة، وإنما الشاة نسك، قال: تكون البقرة بأربعين وبخمسين. * - حدثنا الربيع، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثني أسامة، عن نافع، عن ابن عمر، كان يقول: ما استيسر من الهدي: بقرة. 2671 - وحدثنا الربيع، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثني أسامة بن زيد أن سعيدا حدثه، قال: رأيت ابن عمر وأهل اليمن يأتونه فيسألونه عما استيسر من الهدي ويقولون: الشاة الشاة قال: فيرد عليهم: الشاة الشاة يحضهم إلا أن الجزور دون الجزور، والبقرة دون البقر، ولكن ما استيسر من الهدي: بقرة. وأولى القولين بالصواب قول من قال: ما استيسر من الهدي شاة لان الله جل ثناؤه إنما أوجب ما استيسر من الهدي، وذلك على كل ما تيسر للمهدي أن يهديه كائنا ما كان ذلك الذي يهدي. إلا أن يكون الله جل ثناؤه خص من ذلك شيئا، فيكون ما خص من ذلك
[ 300 ]
خارجا من جملة ما احتمله ظاهر التنزيل، ويكون سائر الاشياء غيره مجزئا إذا أهداه المهدي بعد أن يستحق اسم هدي. فإن قال قائل: فإن الذين أبوا أن تكون الشاة مما استيسر من الهدي بأنه لا يستحق اسم هدي كما أنه لو أهدى دجاجة أو بيضة لم يكن مهديا هديا مجزئا ؟ قيل: لو كان في المهدي الدجاجة والبيضة من الاختلاف نحو الذي في المهدي الشاة لكان سبيلهما واحدة في أن كل واحد منهما قد أدى ما عليه بظاهر التنزيل إذا لم يكن أحد الهديين يخرجه من أن يكون مؤديا بإهدائه ما أهدى من ذلك مما أوجبه الله عليه في إحصاره. ولكن لما أخرج المهدي ما دون الجذع من الضأن والثني من المعز والابل والبقر فصاعدا من الاسنان من أن يكون مهديا ما أوجبه الله عليه في إحصاره أو متعته بالحجة القاطعة العذر، نقلا عن نبينا (ص) وراثة، كان ذلك خارجا من أن يكون مرادا بقوله: فما استيسر من الهدي وإن كان مما استيسر لنا من الهدايا. ولما اختلف في الجذع من الضأن والثني من المعز، كان مجزئا ذلك عن مهديه لظاهر التنزيل، لانه مما استيسر من الهدي. فإن قال قائل: فما محل ما التي في قوله عز وجل: فما استيسر من الهدي ؟ قيل: رفع. فإن قال: بماذا ؟ قيل: بمتروك، وذلك فعليه لان تأويل الكلام: وأتموا الحج والعمرة أيها المؤمنون لله، فإن حبسكم عن إتمام ذلك حابس من مرض أو كسر أو خوف عدو فعليكم لاحلالكم إن أردتم الاحلال من إحرامكم ما استيسر من الهدي. وإنما اخترنا الرفع في ذلك، لان أكثر القرآن جاء برفع نظائره، وذلك كقوله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام وكقوله: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وما أشبه ذلك مما يطول بإحصائه الكتاب، تركنا ذكره استغناء بما ذكرنا عنه. ولو قيل موضع ما نصب بمعنى: فإن أحصرتم فأهدوا ما استيسر من الهدي، لكان غير مخطئ قائله. وأما الهدي فإنه جمع واحدها هدية، على تقدير جدية السرج، والجمع الجدي مخفف.
[ 301 ]
2672 - حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، عن يونس، قال: كان أبو عمرو بن العلاء يقول: لا أعلم في الكلام حرفا يشبهه. وبتخفيف الياء وتسكين الدال من الهدي قرأه القراء في كل مصر، إلا ما ذكر عن الاعرج، فإن. 2673 - أبا هشام الرفاعي، حدثنا، قال: ثنا يعقوب، عن بشار، عن أسد، عن الاعرج أنه قرأ: هديا بالغ الكعبة بكسر الدال مثقلا، وقرأ: حتى يبلغ الهدي محله بكسر الدال مثقلة. واختلف في ذلك عن عاصم، فروي عنه موافقة الاعرج ومخالفته إلى قراءة سائر القراء. والهدي عندي إنما سمي هديا لانه تقرب به إلى الله عز وجل مهديه بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربا بها إليه، يقال منه: أهديت الهدي إلى بيت الله فأنا أهديه إهداء، كما يقال في الهدية يهديها الرجل إلى غيره: أهديت إلى فلان هدية وأنا أهديها. ويقال للبدنة هدية، ومنه قول زهير بن أبي سلمى يذكر رجلا أسر يشبهه في حرمته بالبدنة التي تهدى: فلم أر معشرا أسروا هديا ولم أر جار بيت يستباء القول في تأويل قوله تعالى: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله. يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أحصرتم فأردتم الاحلال من إحرامكم، فعليكم ما استيسر من الهدي، ولا تحلوا من إحرامكم إذا أحصرتم حتى يبلغ الهدي الذي أوجبته عليكم لاحلالكم من إحرامكم الذي أحصرتم فيه قبل تمامه وانقضاء مشاعره ومناسكه محله وذلك أن حلق الرأس إحلال من الاحرام الذي كان المحرم قد أوجبه على نفسه، فنهاه الله
[ 302 ]
عن الاحلال من إحرامه بحلاقه، حتى يبلغ الهدي الذي أباح الله له الاحلال جل ثناؤه بإهدائه محله. ثم اختلف أهل العلم في محل الهدي الذي عناه الله جل اسمه الذي متى بلغه كان للمحصر الاحلال من إحرامه الذي أحصر فيه. فقال بعضهم: محل هدي المحصر الذي يحل به ويجوز له ببلوغه إياه حلق رأسه، إذا كان إحصاره من خوف عدو منعه ذبحه إن كان مما يذبح، أو نحره إن كان مما ينحر، في الحل ذبح أو نحر أو في الحرم (حيث حبس)، وإن كان من غير خوف عدو فلا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. وهذا قول من قال: الاحصار إحصار العدو دون غيره. ذكر من قال ذلك: 2674 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس أنه بلغه أن رسول الله (ص) حل هو وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم، وحلو من كل شئ قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي. ثم لم نعلم أن رسول الله (ص) أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا، ولا أن يعودوا لشئ. 2675 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة، فقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله (ص). فأهل بعمرة من أجل أن النبي كان أهل بعمرة عام الحديبية. ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد. قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة. قال: ثم طاف طوافا واحدا، ورأى أن ذلك مجز عنه وأهدى. قال يونس: قال ابن وهب: قال مالك: وعلى هذا الامر عندنا فيمن أحصر بعدو كما أحصر نبي الله (ص) وأصحابه. فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت. قال: وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت، فقال: يحل من كل شئ، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس، وليس عليه قضاء إلا أن يكون لم يحج قط، فعليه أن يحج حجة الاسلام.
[ 303 ]
2676 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا مالك، قال: ثني يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار: أن عبد الله بن عمرو مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي، وصرع في الحج ببعض الطريق، أن يبدأ بما لا بد منه ويفتدي، ثم يجعلها عمرة، ويحج عاما قابلا ويهدي. قال يونس: قال ابن وهب: قال مالك: وذلك الامر عندنا فيمن أحصر بغير عدو. قال: وقال مالك: وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض، أو خطأ في العدد، أو خفي عليه الهلال، فهو محصر، عليه ما على المحصر يعني من المقام على إحرامه حتى يطوف أو يسعى، ثم الحج من قابل والهدي. 2677 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: أخبرني أيوب بن موسى أن داود بن أبي عاصم أخبره: أنه حج مرة فاشتكى، فرجع إلى الطائف ولم يطف بين الصفا والمروة، فكتب إلى عطاء بن أبي رباح يسأله عن ذلك، وأن عطاء كتب إليه: أن أهرق دما وعلة من قال بقول مالك في أن محل الهدي في الاحصار بالعدو نحره حيث حبس صاحبه، ما: 2678 - حدثنا به أبو كريب ومحمد بن عمارة الاسدي، قالا: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة، قال: أخبرني أبو مرة مولى أم هانئ، عن ابن عمر، قال: لما كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية عرض له المشركون فردوا وجهه. قال: فنحر النبي (ص) الهدي حيث حبسوه، وهي الحديبية، وحلق، وتأسى به أناس فحلقوا حين رأوه حلق، وتربص آخرون فقالوا: لعلنا نطوف بالبيت، فقال رسول الله (ص): رحم الله المحلقين. قيل: والمقصرين قال: رحم الله المحلقين قيل: والمقصرين قال: والمقصرين.
[ 304 ]
2679 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: لما كتب رسول الله (ص) القضية بينه وبين مشركي قريش، وذلك بالحديبية عام الحديبية، قال لاصحابه: قوموا فانحروا واحلقوا. قال: فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر ذلك لها، فقالت أم سلمة: يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حلاقك فتحلق فقام فخرج فلم يكلم منهم أحدا حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. قالوا: فنحر النبي (ص) هديه حين صده المشركون عن البيت بالحديبية، وحل هو وأصحابه. قالوا: والحديبية ليست من الحرم، قالوا، ففي مثل ذلك دليل واضح على أن معنى قوله: حتى يبلغ الهدى محله حتى يبلغ بالذبح أو النحر محل أكله، والانتفاع به في محل ذبحه ونحره، كما روي عن نبي الله عليه الصلاة والسلام في نظيره إذ أتي بلحم أتته بريرة من صدقة كان تصدق به عليها، فقال: قربوه فقد بلغ محله يعني: فقد بلغ محل طيبه وحلاله له بالهدية إليه بعد أن كان صدقة على بريرة. وقال بعضهم: محل هدي المحصر الحرم لا محل له غيره. ذكر من قال ذلك: 2680 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن الاعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد: أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها، فخرج أصحابه إلى الطريق يتشرفون الناس، فإذا هم بابن مسعود، فذكروا ذلك له، فقال: ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم يوم أمارة، فإذا ذبح الهدي فليحل، وعليه قضاء عمرته.
[ 305 ]
* - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن سليمان بن مهران، عن عمارة بن عمير وإبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: خرجنا مهلين بعمرة فينا الاسود بن يزيد، حتى نزلنا ذات الشقوق، فلدغ صاحب لنا، فشق ذلك عليه مشقة شديدة، فلم ندر كيف نصنع به، فخرج بعضنا إلى الطريق، فإذا نحن بركب فيه عبد الله بن مسعود، فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن رجل منا لدغ، فكيف نصنع به ؟ قال: يبعث معكم بثمن هدي، فتجعلون بينكم وبينه يوما أمارة، فإذا نحر الهدي فليحل، وعليه عمرة في قابل. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: بينا نحن بذات الشقوق فلبى رجل منا بعمرة فلدغ، فمر علينا عبد الله فسألناه، فقال: اجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فيبعث بثمن الهدي، فإذا نحر حل وعليه العمرة. * - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت إبراهيم النخعي يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: أهل رجل منا بعمرة، فلدغ، فطلع ركب فيهم عبد الله بن مسعود، فسألوه، فقال: يبعث بهدى، واجعلوا بينكم وبينه يوما أمارا، فإذا كان ذلك اليوم فليحل. وقال عمارة بن عمير: فكان حسبك به عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله: وعليه العمرة من قابل. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: خرجنا عمارا، فلما كنا بذات الشقوق لدغ صاحب لنا، فاعترضنا للطريق نسأل عما نصنع به، فإذا عبد الله بن مسعود في ركب، فقلنا له: لدغ صاحب لنا، فقال: اجعلوا بينكم وبين صاحبكم يوما. وليرسل بالهدي، فإذا نحر الهدي فليحلل، ثم عليه العمرة. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن الحجاج، قال: حدثني عبد الرحمن بن الاسود، عن أبيه، عن ابن مسعود: أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها، فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس، فإذا هم بابن مسعود، فذكروا
[ 306 ]
ذلك له، فقال: ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فإذا ذبح الهدي فليحل، وعليه قضاء عمرته. 2681 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي يقول: من أحرم بحج أو عمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، شاة فما فوقها يذبح عنه. فإن كانت حجة الاسلام، فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه. ثم قال: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فإن كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هديه إذا أتى البيت. * و - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي فهو الرجل من أصحاب محمد (ص) كان يحبس عن البيت فيهدي إلى البيت، ويمكث على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، فإذا بلغ الهدي محله حلق رأسه، فأتم الله له حجه. والاحصار أيضا: أن يحال بينه وبين الحج، فعليه هدي إن كان موسرا من الابل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم. ويجعل حجه عمرة، ويبعث بهديه إلى البيت، فإذا نحر الهدي فقد حل، وعليه الحج من قابل. 2682 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، ثنا بشر بن السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: سئل علي رضي الله عنه عن قول الله عز وجل: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي فإذا أحصر الحاج بعث بالهدي فإذا نحر عنه حل، ولا يحل حتى ينحر هديه. 2683 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت عطاء يقول: من حبفي عمرته، فبعث بهدية فاعترض لها فإنه يتصدق بشئ أو يصوم، ومن اعترض لهديته، وهو حاج، فإن محل الهدي والاحرام يوم النحر، وليس عليه شئ. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، مثله. 2684 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله الرجل يحرم
[ 307 ]
ثم يخرج فيحصر، إما بلدغ أو مرض فلا يطيق السير، وإما تنكسر راحلته، فإنه يقيم، ثم يبعث بهدي شاة فما فوقها. فإن هو صح فسار فأدرك فليس عليه هدي، وإن فاته الحج فإنها تكون عمرة، وعليه من قابل حجة. وإن هو رجع لم يزل محرما حتى ينحر عنه يوم النحر. فإن هو بلغه أن صاحبه لم ينحر عنه عاد محرما وبعث بهدي آخر، فواعد صاحبه يوم ينحر عنه بمكة، فنحر عنه بمكة ويحل، وعليه من قابل حجة وعمرة. ومن الناس من يقول عمرتان. وإن كان أحرم بعمرة ثم رجع وبعث بهديه، فعليه من قابل عمرتان، وأناس يقولون: لا بل ثلاث عمر نحو مما صنعوا في الحج حين صنعوا، عليه حجة وعمرتان. 2685 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قال: أخبرنا إسحاق الازرق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس، قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه إذا كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو، فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة، فإنه يبعث بها مكانه، ويواعد صاحب الهدي. فإذا أمن فعليه أن يحج ويعتمر. فإن أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي، فإنه يحل حيث يحبس، وإن كان معه هدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله إذا بعث به، وليس عليه أن يحج قابلا ولا يعتمر إلا أن يشاء. وعلة من قال هذه المقالة، أن محل الهدايا والبدن الحرم أن الله عز وجل ذكر البدن والهدايا فقال: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق، فجعل محلها الحرم، ولا محل للهدي دونه. قالوا: وأما ما ادعاه المحتجون بنحر النبي (ص) هداياه بالحديبية حين صد عن البيت فليس ذلك بالقول المجتمع عليه، وذلك أن: الفضل بن سهل 2686 - حدثني، قال: ثنا مخول بن إبراهيم، قال: ثنا إسرائيل، عن مجزأة بن زاهر الاسلمي، عن أبيه، عن ناجية بن جندب الاسلمي، قال: أتيت النبي (ص) حين صد عن الهدي، فقلت: يا رسول الله ابعث معي بالهدي فلننحره بالحرم قال: كيف تصنع به ؟ قلت: آخذ به أودية فلا يقدرون عليه. فانطلقت به حتى نحرته بالحرم.
[ 308 ]
قالوا: فقد بين هذا الخبر أن النبي (ص) نحر هداياه في الحرم، فلا حجة لمحتج بنحره بالحديبية في غير الحرم. وقال آخرون: معنى هذه الآية وتأويلها على غير هذين الوجهين اللذين وصفنا من قول الفريقين اللذين ذكرنا اختلافهم على ما ذكرنا. وقالوا: إنما معنى ذلك: فإن أحصرتم أيها المؤمنون عن حجكم فمنعتم من المضي لاحرامه لعائق مرض أو خوف عدو وأداء اللازم لكم وحجكم حتى فاتكم الوقوف بعرفة، فإن عليكم ما استيسر من الهدي لما فاتكم من حجكم مع قضاء الحج الذي فاتكم. فقال أهل هذه المقالة: ليس للمحصر في الحج بالمرض والعلل غيره الاحلال إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة إن فاته الحج. قالوا: فأما إن أطاق شهود المشاهد فإنه غير محصر. قالوا: وأما العمرة فلا إحصار فيها، لان وقتها موجود أبدا. قالوا: والمعتمر لا يحل إلا بعمل آخر ما يلزمه في إحرامه. قالوا: ولم يدخل المعتمر في هذه الآية، وإنما عنى بها الحاج. ثم اختلف أهل هذه المقالة، فقال بعضهم: لا إحصار اليوم بعدو كما لاإحصار بمرض يجوز لمن فاته أن يحل من إحرامه قبل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة. ذكر من قال ذلك: 2687 - حدثني يعقوب بن إبر اهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، عن طاوس، قال: قال ابن عباس: لا إحصار اليوم. 2688 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم أن عائشة قالت: لا أعلم المحرم يحل بشئ دون البيت. 2689 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لا حصر إلا من حبسه عدو، فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة. وقال آخرون منهم: حصار العدو ثابت اليوم وبعد اليوم، على نحو ما ذكرنا من أقوالهم الثلاثة التي حكينا عنهم. ذكر من قال ذلك: وقال: ومعنى الآية: فإن أحصرتم عن الحج حتى فاتكم، فعليكم ما استيسر من الهدي لفوته إياكم: 2690 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبري يونس، عن ابن
[ 309 ]
شهاب، عن سالم، قال: كان عبد الله بن عمر ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة رسول الله (ص) ؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة ثم حل من كل شئ حتى يحج عاما قابلا، ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا. 2691 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: المحصر لا يحل من شئ حتى يبلغ البيت ويقيم على إحرامه كما هو إلا أن تصيبه جراحة أو جرح، فيتداوى بما يصلحه ويفتدي. فإذا وصل إلى البيت، فإن كانت عمرة قضاها، وإن كانت حجة فسخها بعمرة، وعليه الحج من قابل والهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. 2692 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع: أن ابن عمر مر على ابن حزابة وهو بالسقيا، فرأى به كسرا فاستفتاه، فأمره أن يقف كما هو لا يحل من شئ حتى يأتي البيت إلا أن يصيبه أذى فيتداوى وعليه ما استيسر من الهدي. وكان أهل بالحج. 2693 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر، قال: من أحصر بعد أن يهل بحج، فحبسه خوف أو مرض أو خلا له ظهر يحمله أو شئ من الامور كلها، فإنه يتعالج لحبسه ذلك بكل شئ لا بد له منه، غير أنه لا يحل من النساء والطيب، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها صيام أو صدقة أو نسك. فإن فاته الحج وهو بمحبسه ذلك، أو فاته أن يقف في مواقف عرفة قبل الفجر من ليلة المزدلفة، فقد فاته الحج، وصارت حجته عمرة يقدم مكة فيطوف بالبيت وبالصفا والمروة. فإن كان معه هدي نحره بمكة قريبا من المسجد الحرام، ثم حلق رأسه، أو قصر، ثم حل من النساء والطيب وغير ذلك. ثم عليه أن يحج قابلا ويهدي ما تيسر من الهدي. 2694 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر أنه قال: المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة. وإن اضطر إلى شئ من لبس الثياب التي لابد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى.
[ 310 ]
فهذا ما روي عن ابن عمر في الاحصار بالمرض وما أشبهه، وأما في المحصر بالعدو فإنه كان يقول فيه بنحو القول الذي ذكرناه قبل عن مالك بن أنس أنه كان يقوله. 2695 - حدثني تميم بن المنتصر، قال: ثنا عبد الله بن نمير، قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر أراد الحج حين نزل الحجاج بابن الزبير فكلمه ابناه سالم وعبيد الله، فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يكون بين الناس قتال فيحال بينك وبين البيت. قال: إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعلنا مع رسول الله (ص) حين حال كفار قريش بينه وبين البيت فحلق ورجع. وأما ما ذكرناه عنهم في العمرة من قولهم إنه لاإحصار فيها ولا حصر، فإنه: 2696 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني هشيم، عن أبي بشر، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير أنه أهل بعمرة فأحصر، قال: فكتب إلى ابن عباس وابن عمر، فكتبا إليه أن يبعث بالهدي، ثم يقيم حتى يحل من عمرته. قال: فأقام ستة أشهر أو سبعة أشهر. 2697 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا يعقوب، عن أبي العلاء بن الشخير، قال: خرجت معتمرا فصرعت عن بعيري فكسرت رجلي. فأرسلنا إلى ابن عباس وابن عمر نسألهما، فقالا: إن العمرة ليس لها وقت كوقت الحج، لا تحل حتى تطوف بالبيت، قال: فأقمت بالدثينة أو قريبا منه سبعة أشهر أو ثمانية أشهر.
[ 311 ]
2698 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال حدثني مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال: خرجت إلى مكة، حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة إلى عبد الله بن عباس، وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس، فلم يرخص لي أحد أن أحل، فأقمت على ذلك إلى سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة. 2699 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن شهاب في رجل أصابه كسر وهو معتمر، قال: يمكث على إحرامه حتى يأتي البيت ويطوف به وبالصفا والمروة، ويحلق أو يقصر، وليس عليه شئ. وأولى هذه الاقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من قال: إن الله عز وجل عنى بقوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءؤسكم حتى يبلغ الهدي محله كل محصر في إحرام بعمرة كان إحرام المحصر أو بحج، وجعل محل هديه الموضع الذي أحصر فيه، وجعل له الاحلال من إحرامه ببلوغ هديه محله. وتأول بالمحل المنحر أو المذبح، وذلك حين حل نحره أو ذبحه في حرم كان أو في حل، وألزمه قضاء ما حل منه من إحرامه قبل إتمامه إذا وجد إليه سبيلا، وذلك لتواتر الاخبار عن رسول الله (ص) أنه صد عام الحديبية عن البيت وهو محرم وأصحابه بعمرة، فنحر هو وأصحابه بأمره الهدي، وحلوا من إحرامهم قبل وصولهم إلى البيت، ثم قضوا إحرامهم الذي حلوا منه في العام الذي بعده. ولم يدع أحد من أهل العلم بالسير ولا غيرهم أن رسول الله (ص)) ولا أحدا من أصحابه أقام على إحرامه انتظارا للوصول إلى البيت والاحلال بالطواف به وبالسعي بين الصفا والمروة، ولا يخفى وصول هديه إلى الحرم. فأولى الافعال أن يقتدى به، فعل رسول الله (ص)، إذ لم يأت بحظره خبر، ولم تقم بالمنع منه حجة. فإذ كان ذلك كذلك، وكان أهل العلم مختلفين فيما اخترنا من القول في ذلك، فمن متأول معنى الآية تأويلنا، ومن مخالف ذلك، ثم كان ثابتا بما قلنا عن رسول الله (ص) النقل كان الذي نقل عنه أولى الامور بتأويل الآية، إذ كانت هذه الآية لا يتدافع أهل العلم أنها يومئذ نزلت وفي حكم صد المشركين إياه عن البيت أوحيت. وقد روي بنحو الذي قلنا في ذلك خبر.
[ 312 ]
2700 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثني الحجاج بن أبي عثمان، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، أن عكرمة مولى ابن عباس حدثه، قال: حدثني الحجاج بن عمرو الانصاري أنه سمع رسول الله (ص) يقول: من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى قال: فحدثت ابن عبا س وأبا هريرة بذلك، فقالا: صدق. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان، قال: ثنا حجاج الصواف، وحدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا سفيان بن حبيب، عن الحجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو، عن النبي (ص) نحوه، وعن ابن عباس وأبي هريرة. ومعنى هذا الخبر الامر بقضاء الحجة التي حل منها نظير فعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في قضائهم عمرتهم التي حلوا منها عام الحديبية من القابل في عام عمرة القضية. ويقال لمن زعم أن الذي حصره عدو إذا حل من إحرامه التطوع فلا قضاء عليه، وأن المحصر بالعلل عليه القضاء ما العلة التي أوجبت على أحدهما القضاء وأسقطت عن الآخر، وكلاهما قد حل من إحرام كان عليه إتمامه لولا العلة العائقة ؟ فإن قال: لان الآية إنما نزلت في الذي حصره العدو، فلا يجوز لنا نقل حكمها إلى غير ما نزلت فيه قيل له: قد دافعك عن ذل ك جماعة من أهل العلم، غير أنا نسلم لك ما قلت في ذلك، فهلا كان حكم المنع بالمرض والاحصار له حكم المنع بالعدو إذ هما متفقان في المنع من الوصول إلى البيت وإتمام عمل إحرامهما، وإن اختلفت أسباب منعهما، فكان أحدهما ممنوعا بعلة في بدنه، والآخر بمنع مانع ؟ ثم يسئل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. وأما الذين قالوا: لا إحصار في العمرة، فإنه يقال لهم: قد علمتم أن النبي (ص) إنما صد عن البيت، وهو محرم بالعمرة، فحل من إحرامه ؟ فما برهانكم على عدم الاحصار فيها ؟ أو رأيتم إن قال قائل: لا إحصار في حج، وإنما فيه فوت، وعلى الفائت الحج المقام على إحرامه حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، لانه لم يصح عن النبي (ص) أنه سن في الاحصار في الحج سنة ؟ فقد قال ذلك جماعة من أئمة الدين. فأما العمرة فإن
[ 313 ]
النبي (ص) سن فيها ما سن، وأنزل الله تبارك وتعالى في حكمها ما بين من الاحلال والقضاء الذي فعله (ص)، ففيها الاحصار دون الحج هل بينها وبينه فرق ؟ ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. القول في تأويل قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك. يعني بذلك جل ثناؤه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي، ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله إلا أن يضطر إلى حلقه منكم مضطر، إما لمرض، وإما لاذى برأسه، من هوام أو غيرها، فيحلق هنالك للضرورة النازلة به وإن لم يبلغ الهدي محله، فيلزمه بحلاق رأسه وهو كذلك، فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2701 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما أذى من رأسه ؟ قال: القمل وغيره، والصداع، وما كان في رأسه. وقال آخرون: لا يحلق إن أراد أن يفتدي الحج بالنسك أو الاطعام إلا بعد التكفير، وإن أراد أن يفتدي بالصوم حلق ثم صام. ذكر من قال ذلك: 2702 - حدثنا عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن أشعث، عن الحسن، قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه فإنه يحلق حين يبعث بالشاة، أو يطعم المساكين، وإن كان صوم حلق ثم صام بعد ذلك. ذكر من قال ذلك: 2703 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي شاة، فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله، فحلق رأسه، أو مس طيبا أو تداوى، كان عليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس. 2704 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي قال: من أحصر بمرض أو كسر
[ 314 ]
فليرسل بما استيسر من الهدي، ولا يحلق رأسه، ولا يحل حتى يوم النحر. فمن كان مريضا، أو اكتحل، أو ادهن، أو تداوى، أو كان به أذى من رأسه، فحلق، ففدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 2705 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهد محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك هذإذا كان قد بعث بهديه، ثم احتاج إلى حلق رأسه من مرض، وإلى طيب، وإلى ثوبيلبسه، قميص أو غير ذلك، فعليه الفدية. 2706 - وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح كاتب الليث، قال: حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: من أحصر عن الحج فأصابه في حبسه ذلك مرض أو أذى برأسه، فحلق رأسه في محبسه ذلك، فعليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثنا عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: من أحصر بعد أن يهل بحج، فحبسه مرض أو خوف، فإنه يتعالج في حبسه ذلك بكل شئ لا بد له منه، غير أنه لا يحل له النساء والطيب، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها: صيام، أو صدقة، أو نسك. 2707 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثني بشر بن السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: سئل علي رضي الله عنه عن قول الله جل ثناؤه: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: هذا قبل أن ينحر الهدي، إن أصابه شئ فعليه الكفارة. وقال آخرون: معنى ذلك: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه، فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك قبل الحلاق إذا أراد حلاقه. ذكر من قال ذلك: 2708 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو
[ 315 ]
صدقة أو نسك فمن اشتد مرضه أو آذاه رأسه وهو محرم، فعليه صيام أو إطعام أو نسك، ولا يحلق رأسه حتى يقدم فديته قبل ذلك. وعلة من قال هذه المقالة ما. 2709 - حدثنا به المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يعقوب، قال: سألت عطاء، عن قوله: فمن كان منكم مريضا أوبه أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقال: إن كعب بن عجرة مر بالنبي (ص) وبرأسه من الصئبان والقمل كثير، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: هل عندك شاة ؟ فقال كعب: ما أجدها. فقال له النبي (ص): إن شئت فأطعم ستة مساكين، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، ثم احلق رأسك. فأما المرض الذي أبيح معه العلاج بالطيب وحلق الرأس، فكل مرض كان صلاحه بحلقه كالبرسام الذي يكون من صلاح صاحبه حلق رأسه، وما أشبه ذلك، والجراحات التي تكون بجسد الانسان التي يحتاج معها إلى العلاج بالدواء الذي فيه الطيب ونحو ذلك من القروح والعلل العارضة للابدان. وأما الاذى الذي يكون إذا كان برأس الانسان خاصة له حلقه، فنحو الصداع والشقيقة، وما أشبه ذلك، وأن يكثر صئبان الرأس، وكل ما كان للرأس مؤذيا مما في حلقه صلاحه ودفع المضرة الحالة به، فيكون ذلك له بعموم قول الله عز وجل أو به أذى من رأسه. وقد تظاهرت الاخبار عن رسول الله (ص) أن هذه الآية نزلت عليه بسبب كعب بن عجرة، إذ شكا كثرة أذى برأسه من صئبانه، وذلك عام الحديبية. ذكر الاخبار التي رويت في ذلك: 2710 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة قالا: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا داود، عن الشعبي، عن كعب بن عجرة، قال: مر بي
[ 316 ]
رسول الله (ص) بالحديبية ولي وفرة فيها هوام ما بين أصل كل شعرة إلى فرعها قمل وصئبان، فقال: إن هذا لاذى، قلت: أجل يا رسول الله شديد، قال: أمعك دم ؟ قلت: لا. قال: فإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فتصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين، على كل مسكين نصف صاع. * - حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي، قال: ثنا خالد الطحان، عن داود، عن عامر، عن كعب بن عجرة، عن النبي بنحوه. * - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أسد بن عمرو، عن أشعث، عن عامر، عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة، قال: خرجت مع النبي (ص) زمن الحديبية ولي وفرة من شعر، قد قملت وأكلني الصئبان. فرآني رسول الله (ص)، فقال: احلق ففعلت، فقال: هل لك هدي ؟ فقلت: ما أجد. فقال: إنه ما استيسر من الهدي، فقلت: ما أجد. فقال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع. قال: ففي نزلت هذه الآية: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك إلى آخر الآية. وهذا الخبر ينبئ عن أن الصحيح من القول أن الفدية إنما تجب على الحالق بعد الحلق، وفساد قول من قال: يفتدي ثم يحلق لان كعبا يخبر أن النبي (ص) أمره بالفدية بعد ما أمره بالحلق فحلق. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن الاصبهاني، عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة أنه قال: أمرني رسول الله (ص) بصيام ثلاثة أيام، أو فرق من طعام بين ستة مساكين. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن
[ 317 ]
عبد الرحمن بن الاصبهاني، عن عبد الله بن معقل، قال: قعدت إلى كعب وهو في المسجد، فسألته عن هذه الآية: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقال كعب: نزلت في كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى رسول الله (ص) والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى، أتجد شاة ؟ فقلت: لا فنزلت هذه الآية: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك. قال: فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة. * - حدثني تميم، قال: أخبرنا إسحاق الازرق، عن شريك، عن عبد الرحمن بن الاصبهاني، قال: سمعت عبد الله بن معقل المري، يقول: سمعت كعب بن عجرة يقول: حججت مع النبي (ص)، فقمل رأسي ولحيتي وشاربي وحاجبي، فذكر ذلك للنبي ص)، فأرسل إلي فقال: ما كنت أرى هذا أصابك، ثم قال: ادعوا لي حلاقا فدعوه، فحلقني. ثم قال: أعندك شئ تنسكه عنك ؟ قال: قلت لا. قال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع من طعام. قال كعب: فنزلت هذه الآية في خاصة: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ثم كانت للناس عامة. * - حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: حدثني أيوب، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: مر بي رسول الله (ص) وأنا أوقد تحت قدر والقمل يتناثر على وجهي، فقال: أتؤذيك هوام رأسك ؟ قال: قلت نعم قال: احلقه وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو اذبح شاة. * - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب بإسناده عن النبي (ص) مثله، إلا أنه قال: والقمل يتناثر علي، أوقال: على حاجبي. وقال أيضا: أو انسك نسيكة. قال أيوب: لا أدري بأيتهن بدأ.
[ 318 ]
* - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا عبد الله بن عون، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب، قال: في أنزلت هذه الآية، قال: فقال لي: ادنه فدنوت، فقال: أيؤذيك هوامك ؟ قال: أظنه قال نعم. قال: فأمرني بصيام، أو صدقة، أو نسك ما تيسر. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن صالح بن أبي الخليل عن مجاهد، عن كعب بن عجرة: أن النبي (ص) أتى عليه زمن الحديبية وهو يوقد تحت قدر له وهوام رأسه تتناثر على وجهه، فقال: أتؤذيك هوامك ؟ قال: نعم. قال: احلق رأسك وعليك فدية من صيام أو صدقة أو نسك، تذبح ذبيحة أو تصوم ثلاثة أيام، أو تطعم ستة مساكين. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن أبي الخليل، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: ذكر لنا أن النبي (ص) أتى على كعب بن عجرة زمن الحديبية، ثم ذكر نحوه. * - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: وأخبرني سيف، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: مر بي رسول الله (ص) وأنا بالحديبية ورأسي يتهافت قملا، فقال: أيؤذيك هوامك ؟ قال قلت: نعم. قال: فاحلق قال: ففي نزلت هذه الآية: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح وأيوب السختياني، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: مر بي رسول الله (ص) يوم الحديبية، وأنا أوقد تحت قدر والقمل يتهافت علي، فقال: أتؤذيك هوامك ؟ قال: قلت: نعم قال: فاحلق، وانسك نسيكة، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم فرقا بين ستة مساكين. قال أيوب: انسك نسيكة. وقال ابن أبي نجيح: اذبح شاة. قال سفيان: والفرق ثلاثة آصع.
[ 319 ]
* - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة: أن رسول الله (ص) رآه وقمله يسقط على وجهه، فقال: أيؤذيك هوامك ؟ قال: نعم. فأمره أن يحلق وهو بالحديبية لم يتبين لهم أنهم يحلون بها، وهم على طمع أن يدخلوا مكة. فأنزل الله الفدية، فأمره رسول الله (ص) أن يطعم فرقا بين ستة مساكين، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: كنا مع النبي (ص) بالحديبية، ونحن محرمون، وقد حصرنا المشركون. قال: وكانت لي وفرة، فجعلت الهوام تساقط على وجهي. فمر بي النبي (ص)، فقال: أيؤذيك هوام رأسك ؟ قال: قلت نعم. ونزلت هذه الآية: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، عن كعب بن عجرة، قال: لفي نزلت وإياي عنى بها: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: قال النبي (ص) وهو بالحديبية، وهو عند الشجرة، وأنا محرم: أيؤذيك هوامه ؟ قلت: نعم، أو كلمة لا أحفظها عنى بها ذاك. فأنزل الله عز وجل: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك والنسك. شاة. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن مجاهد، قال: قال كعب بن عجرة: والذي نفسي بيده، لفي نزلت هذه الآية، وإياي عنى بها، ثم ذكر نحوه، قال: وأمره أن يحلق رأسه. * - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك بن أنس، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة: أنه كان مع رسول الله (ص)، فآذاه القمل في رأسه، فأمره رسول الله عليه
[ 320 ]
الصلاة والسلام أن يحلق رأسه وقال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان، أو أنسك بشاة، أي ذلك فعلت أجزأك. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن حميد بن قيس، عن مجاهد، (عن ابن أبي ليلى) عن كعب بن عجرة أن رسول الله (ص) قال له: لعله آذاك هوامك ؟ يعني القمل، قال: فقلت: نعم يا رسول الله. فقال رسول الله: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو أنسك بشاة. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالك بن أنس حدثه، عن عطاء بن عبد الله الخراساني أنه قال: أخبرني شيخ بسوق البرم بالكوفة، عن كعب بن عجرة أنه قال: جاءني رسول الله (ص) وأنا أنفخ تحت قدر لاصحابي، قد امتلا رأسي ولحيتي قملا، فأخذ بجبهتي، ثم قال: احلق هذا، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، وقد كان رسول الله (ص) علم أنه ليس عندي ما أنسك به. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن نافع، قال: حدثني أسامة بن زيد، عن محمد بن كعب القرظي، عن كعب بن عجرة، قال كعب: أمرني رسول الله (ص) حين آذاني القمل أن أحلق رأسي، ثم أصوم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين وقد علم أنه ليس عندي ما أنسك به. * - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا روح، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن كعب، قال: سمعت كعب بن عجرة يقول: أمرني، يعني رسول الله (ص)، أن أحلق وأفتدي بشاة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن الزبير بن عدي، عن أبي وائل شقيق ابن سلمة قال: لقيت كعب بن عجرة في هذه السوق، فسألته عن حلق رأسه ؟ فقال: أحرمت فأذاني القمل. فبلغ ذلك النبي (ص)، فأتاني وأنا أطبخ قدرا
[ 321 ]
لاصحابي، فحك بأصبعه رأسي فانتثر منه القمل، فقال النبي (ص): احلقه وأطعم ستة مساكين. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريح، قال: أخبرني عطاء أن النبي (ص) كان بالحديبية عام حبسوا بها، وقمل رأس رجل من أصحابه يقال له كعب بن عجرة، فقال له النبي (ص): أتؤذيك هذه الهوام ؟ قال: نعم. قال: فاحلق واجزز ثم صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين مدين. قال: قلت أسمى النبي (ص) مدين مدين ؟ قال: نعم، كذلك بلغنا أن النبي (ص) سمى ذلك لكعب، ولم يسم النسك. قال: وأخبرني أن النبي (ص) أخبر كعبا بذلك بالحديبية قبل أن يؤذن للنبي (ص) وأصحابه بالحلق والنحر، لا يدري عطاء كم بين الحلق والنحر. * - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثني عمي عبد الله بن وهب، قال: ثني الليث، عن ابن مسافر، عن ابن شهاب، عن فضالة بن محمد الانصاري، أنه أخبره عمن لا يتهم من قومه: أن كعب بن عجرة أصابه أذى في رأسه، فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله، فأمره النبي (ص) بصيام ثلاثة أيام. * - حدثني المثنى قال: ثنا أبو الاسود، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن مخرمة، عن أبيه، قال: سمعت عمرو بن شعيب يقول: سمعت شعيبا يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: قال رسول الله (ص) لكعب بن عجرة: أيؤذيك دواب رأسك ؟ قال: نعم، قال: فاحلقه وافتد إما بصوم ثلاثة أيام، وإما أن تطعم ستة مساكين، أو نسك شاة ففعل. وقد بينا قبل معنى الفدية، وأنها بمعنى الجزاء والبدل. واختلف أهل العلم في مبلغ الصيام والطعام اللذين أوجبهما الله على من حلق شعره من المحرمين في حال مرضه أو من أذى برأسه، فقال بعضهم: الواجب عليه من الصيام ثلاثة أيام، ومن الطعام ثلاثة آصع بين ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع. واعتلوا بالاخبار التي ذكرناها قبل. ذكر من قال ذلك: 2711 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي
[ 322 ]
مالك: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: الصيام: ثلاثة أيام، والطعام: إطعام ستة مساكين، والنسك: شاة. 2712 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، مثله. 2713 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد، مثله. 2714 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم ومجاهد أنهما قالا في قوله: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قالا: الصيام ثلاثة أيام، والطعام: إطعام ستة مساكين، والنسك: شاة فصاعدا. 2715 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أشعث، عن الشعبي، عن عبد الله بن معقل، عن كعب بن عجرة أنه قال في قوله: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: الصيام ثلاثة أيام، والطعام: إطعام ستة مساكين، والنسك: شاة فصاعدا إلا أنه قال في إطعام المساكين: ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين. 2716 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك إن صنع واحدا فعليه فدية، وإن صنع اثنين فعليه فديتان، وهو مخير أن يصنع أي الثلاثة شاء. أما الصيام فثلاثة أيام. وأما الصدقة فستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأما النسك فشاة فما فوقها. نزلت هذه الآية في كعب بن عجرة الانصاري كان أحصر فقمل رأسه، فحلقه. 2717 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن كان مريضا أو اكتحل، أو ادهن، أو تداوى، أو كان به أذى من رأسه من قمل فحلق، ففدية من صيام ثلاثة أيام، أو صدقة فرق بين ستة مساكين، أو نسك، والنسك: شاة. 2718 - حدثت عن عمار بن الحسن، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله قال: فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي
[ 323 ]
محله فحلق، ففدية من صيام أو صدقة، أو نسك. قال: فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة: إطعام ستة مساكين، بين كل مسكينين صاع. والنسك: شاة. 2719 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبير، قال: يصوم صاحب الفدية مكان كل مدين يوما، قال: مدا لطعامه، ومدا لادامه. 2720 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عنبسة بإسناده مثله. 2721 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا بشر بن السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: سئل علي رضي الله عن قول الله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: الصيام ثلاثة أيام، والصدقة: ثلاثة آصع على ستة مساكين، والنسك: شاة. 2722 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني يزيد بن أبي حبيب، عن حرب بن قيس مولى يحيى بن أبي طلحة أنه سمع محمد بن كعب، وهو يذكر الرجل الذي نزل فيه: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه قال: فأفتاه رسول الله (ص): أما الصيام: فثلاثة أيام، وأما المساكين فستة، وأما النسك فشاة. 2723 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي شاة، فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله حلق رأسه، أو مس طيبا، أو تداوى، كان عليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. والصيام: ثلاثة أيام، والصدقة: ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك: شاة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم ومجاهد قوله: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قالا: الصيام ثلاثة أيام، والصدقة: ثلاثة آصع على ستة مساكين، والنسك: شاة. وقال آخرون: الواجب عليه إذا حلق رأسه من أذى، أو تطيب لعلة من مرض، أو فعل ما لم يكن له فعله في حال صحته وهو محرم من الصوم: صيام عشرة أيام، ومن الصدقة: إطعام عشرة مساكين. ذكر من قال ذلك: 2724 - حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن أشعث،
[ 324 ]
عن الحسن في قوله: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه، حلق وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء فالصيام: عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين، كل مسكين مكوكين، مكوكا من تمر، ومكوكا من بر، والنسك: شاة. 2725 - حدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال: ثنا بشر بن عمرو، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال: إطعام عشرة مساكين. وقاس قائلو هذا القول كل صيام وجب على محرم أو صدقة جزاء من نقص دخل في إحرامه، أو فعل ما لم يكن له فعله بدلا من دم على ما أوجب الله على المتمتع من الصوم إذا لم يجد الهدي. وقالوا: جعل الله على المتمتع صيام عشرة أيام مكان الهدي إذا لم يجده، قالوا: فكل صوم وجب مكان دم فمثله، قالوا: فإذا لم يصم وأراد الاطعام فإن الله عز وجل أقام إطعام مسكين مكان صوم يوم لمن عجز عن الصوم في رمضان. قالوا: فكل من جعل الاطعام له مكان صوم لزمه فهو نظيره، فلذلك أوجبوا إطعام عشرة مساكين في فدية الحلق. وقال آخرون: بل الواجب على الحالق النسك شاة إن كانت عنده، فإن لم تكن عنده قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما، فتصدق به، وإلا صام لكل نصف صاع يوما. ذكر من قال ذلك: 2726 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ذكر الاعمش، قال: سأل إبراهيم سعيد بن جبير عن هذه الآية: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فأجابه بقوله: يحكم عليه إطعام، فإن كان عنده اشترى شاة، فإن لم تكن قومت الشاة دراهم فجعل مكانه طعاما فتصدق، وإلا صام لكل نصف صاع يوما. فقال إبراهيم: كذلك سمعت علقمة يذكر. قال: لما قال لي سعيد بن جبير: هذا ما أظرفه قال: قلت: هذا إبراهيم قال: ما أظرفه كان يجالسنا. قال: فذكرت ذلك لابراهيم، قال: فلما قلت يجالسنا، انتفض منها. 2727 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: يحكم على الرجل في الصيد، فإن لم يجد جزاءه قوم طعاما، فإن لم يكن طعام صام مكان كل مدين يوما، وكذلك الفدية.
[ 325 ]
وقال آخرون: بل هو مخير بين الخلال الثلاث يفتدي بأيها شاء. ذكر من قال ذلك: 2728 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سيف بن سليمان، عن مجاهد، قال: كل شئ في القرآن أو أو، فهو بالخيار، مثل الجراب فيه الخيط الابيض والاسود، فأيهما خرج أخذته. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: كل شئ في القرآن أو أو فصاحبه بالخيار، يأخذ الاولى فالاولى. 2729 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، قال: كل ما كان في القرآن كذا فمن لم يجد فكذا فالاول فالاول، وكل ما كان في القرآن أو كذا أو كذا، فهو فيه بالخيار. * - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا المحاربي عن يحيى بن أبي أنيسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وسئل عن قوله: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقال مجاهد: إذا قال الله تبارك وتعالى لشئ أو أو، فإن شئت فخذ بالاول، وإن شئت فخذ بالآخر. 2730 - حدثنا ابن بشار، قال: ثن أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال لي عطاء وعمرو بن دينار في قوله: كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قالا: له أيتهن شاء. 2731 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: كل شئ في القرآن أو أو، فلصاحبه أن يختار أيه شاء. قال ابن جريج: قال لي عمرو بن دينار: كل شئ في القرآن أو أو، فلصاحبه أن يأخذ بما شاء. 2732 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا ليث عن عطاء ومجاهد أنهما قالا: ما كان في القرآن أو كذا أو كذا، فصاحبه بالخيار، أي ذلك شاء فعل. 2733 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا يزيد، عن سفيان، عن ليث ومجاهد، عن ابن عباس، قال: كل شفي القرآن أو أو، فهو مخير فيه، فإن كان فمن فمن، فالاول فالاول.
[ 326 ]
2734 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أسباط بن محمد، قال: ثنا داود، عن عكرمة، قال: كل شئ في القرآن أو أو، فليتخير أي الكفارات شاء، فإذا كان فمن لم يجد، فالاول فالاول. 2735 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو النعمان عارم، قال: قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: قال: حدثت عن عطاء، قال: كل شئ في القرآن أو أو فهو خيار. والصواب من القول في ذلك عندنا ما ثبت به الخبر عن رسول الله (ص) وتظاهرت به عنه الرواية أنه أمر كعب بن عجرة بحلق رأسه من الاذى الذي كان برأسه ويفتدي إن شاء بنسك شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام فرق من طعام بين ستة مساكين كل مسكين نصف صاع. وللمفتدي الخيار بين أي ذلك شاء لان الله لم يحصره على واحدة منهن بعينها، فلا يجوز له أن يعدوها إلى غيرها، بل جعل إليه فعل أي الثلاث شاء. ومن أبى ما قلنا من ذلك قيل له: ما قلت في المكفر عن يمينه أمخير إذا كان موسرا في أن يكفر بأي الكفارات الثلاث شاء ؟ فإن قال: لا، خرج من قول جميع الامة، وإن قال بلى، سئل الفرق بينه وبين المفتدي من حلق رأسه وهو محرم من أذى به، ثم لن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. على أن ما قلنا في ذلك إجماع من الحجة، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره. وأما الزاعمون أن كفارة الحلق قبل الحلق، فإنه يقال لهم: أخبرونا عن الكفارة للمتمتع قبل التمتع أو بعده ؟ فإن زعموا أنها قبله قيل لهم: وكذلك الكفارة عن اليمين قبل اليمين. فإن زعموا أن ذلك كذلك، خرجوا من قول الامة. وإن قالوا: ذلك غير جائز. قيل: وما الوجه الذي من قبله وجب أن تكون كفارة الحلق قبل الحلق وهدي المتعة قبل التمتع ولم يجب أن تكون كفارة اليمين قبل اليمين ؟ وهل بينكم وبين من عكس عليكم الامر في ذلك فأوجب كفارة اليمين قبل اليمين وأبطل أن تكون كفارة الحلق كفارة له إلا بعد الحلق فرق من أصل أو نظير ؟ فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. فإن اعتل في كفارة اليمين قبل اليمين أنها غير مجزئة قبل الحلف بإجماع الامة، قيل له فرد الاخرى قياسا عليها إذ كان فيها اختلاف. وأما القائلون إن الواجب على الحالق رأسه من أذى من الصيام: عشرة أيام، ومن الاطعام: عشرة مساكين فمخالفون نص الخبر الثابت عن رسول الله (ص). فيقال لهم:
[ 327 ]
أرأيتم من أصاب صيدا فاختار الاطعام أو الصيام، أتسوون بين جميع ذلك بقتله الصيد صغيره وكبيره من الاطعام والصيام، أم تفرقون بين ذلك علقدر افتراق المقتول من الصيد في الصغر والكبر ؟ فإن زعموا أنهم يسوون بين جميع ذلك سووا بين ما يجب على من قتل بقرة وحشية وبين ما يجب على من قتل ولد ظبية من الاطعام والصيام وذلك قول إن قالوه لقول الامة مخالف. وإن قالوا: بل نخالف بين ذلك، فنوجب ذلك عليه على قدر قيمة المصاب من الطعام والصيام. قيل: فكيف رددتم الواجب على الحالق رأسه من أذى من الكفارة على الواجب على المتمتع من الصوم، وقد علمتم أن المتمتع غير مخير بين الصيام والاطعام والهدي، ولا هو متلف شيئا وجبت عليه منه الكفارة، وإنما هو تارك عملا من الاعمال، وتركتم رد الواجب عليه وهو متلف بحلق رأسه ما كان ممنوعا من إتلافه، ومخير بين الكفارات الثلاث، نظير مصيب الصيد، الذي هو بإصابته إياه له متلف ومخير في تكفيره بين الكفارات الثلاث ؟ وهل بينكم وبين من خالفكم في ذلك وجعل الحالق قياسا لمصيب الصيد، وجمع بين حكميهما لاتفاقهما في المعاني التي وصفنا، وخالف بين حكمه وحكم المتمتع في ذلك لاختلاف أمرهما فيما وصفنا فرق من أصل أو نظير ؟ فلن يقولوا في ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله، مع أن اتفاق الحجة على تخطئة قائل هذا القول في قوله هذا كفاية عن الاستشهاد على فساده بغيره، فكيف وهو مع ذلك خلاف ما جاءت به الآثار عن رسول الله (ص)، والقياس عليه بالفساد شاهد ؟ واختلف أهل العلم في الموضع الذي أمر الله أن ينسك نسك الحلق ويطعم فديته، فقال بعضهم: النسك والاطعام بمكة لا يجزئ بغيرها من البلدان. ذكر من قال ذلك: 2736 - حدثني يحيى بن طلحة، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن هشام، عن الحسن، قال: ما كان من دم أو صدقة فبمكة، وما سوى ذلك حيث شاء. 2737 - حدثني يحيى بن طلحة، ثنا فضيل، عن ليث، عن طاوس، قال: كل شئ من الحج فبمكة، إلا الصوم. 2738 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سألت عطاء عن النسك، قال: النسك بمكة لا بد. * - حدثنا ابن حميد قال: ثنا هارون، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، قال: الصدقة والنسك في الفدية بمكة، والصيام حيث شئت.
[ 328 ]
* - حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم، قال: ثنا ليث، عن طاوس أنه كان يقول: ما كان من دم أو طعام فبمكة، وما كان من صيام فحيث شاء. 2739 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبل، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: النسك بمكة أو بمنى. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: النسك بمكة أو بمنى، والطعام بمكة. وقال آخرون: النسك في الحلق والاطعام والصوم حيث شاء المفتدي. ذكر من قال ذلك: 2740 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن يعقوب بن خالد، قال: أخبرني أبو أسماء مولى ابن جعفر، قال: حج عثمان ومعه علي والحسين بن علي رضوان الله عليهم، فارتحل عثمان قال أبو أسماء: وكنت مع ابن جعفر قال: فإذا نحن برجل نائم وناقته عند رأسه، قال: فقلنا له: أيها النائم فاستيقظ، فإذا الحسين بن علي. قال: فحمله ابن جعفر حتى أتى به السقيا. قال: فأرسل إلى علي، فجاء ومعه أسماء بنت عميس. قال: فمرضناه نحوا من عشرين ليلة. قال: فقال علي للحسين: ما الذي تجد ؟ قال: فأومأ إلى رأسه. قال: فأمر به علي فحلق رأسه، ثم دعا ببدنة فنحرها. 2741 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن يعقوب بن خالد بن عبد الله بن المسيب المخزومي أخبره أنه سمع أبا أسماء مولى عبد الله بن جعفر، يحدث: أنه خرج مع عبد الله بن جعفر يريد مكة مع عثمان، حتى إذا كنا بين السقيا والعرج اشتكى الحسين بن علي، فأصبح في مقيله الذي قال فيه بالامس. قال أبو أسماء: فصحبته أنا وعبد الله بن جعفر، فإذا راحلة حسين قائمة وحسين مضطجع، فقال عبد الله بن جعفر: إن هذه لراحلة حسين. فلما دنا منه قال له: أيها النائم وهو يظن أنه نائم فلما دنا منه وجده يشتكي، فحمله إلى السقيا، ثم كتب إلى علي فقدم إليه إلى السقيا فمرضه قريبا من أربعين ليلة. ثم إن عليا قيل له: هذا حسين يشير إلى رأسه، فدعا علي بجزور فنحرها، ثم حلق رأسه. 2742 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني يحيى بن سعيد، قال: أقبل حسين بن علي مع عثمان حراما، حسبت أنه اشتكى
[ 329 ]
بالسقيا. فذكر ذلك لعلي، فجاء هو وأسماء بنت عميس، فمرضوه عشرين ليلة، فأشار حسين إلى رأسه، فحلقه ونحر عنه جزورا. قلت: فرجع به ؟ قال: لا أدري. وهذا الخبر يحتمل أن يكون ما ذكر فيه من نحر علي عن الحسين الناقة قبل حلقه رأسه، ثم حلقه رأسه بعد النحر إن كان على ما رواه مجاهد عن يزيد كان على وجه الاحلال من الحسين من إحرامه للاحصار عن الحج بالمرض الذي أصابه، وإن كان على ما رواه يعقوب عن هشيم من نحر علي عنه الناقة بعد حلقه رأسه أن يكون على وجه الافتداء من الحلق، وأن يكون كان يرى أن نسك الفدية يجزئ نحره دون مكة والحرم. 2743 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الفدية حيث شئت. 2744 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن الحكم، عن إبراهيم في الفدية في الصدقة والصوم والدم: حيث شاء. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبيدة، عن إبراهيم أنه كان يقول، فذكر مثله. وقال آخرون: ما كان من دم نسك فبمكة، وما كان من إطعام وصيام فحيث شاء المفتدي. ذكر من قال ذلك: 2745 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، وعبد الملك وغيرهما، عن عطاء أنه كان يقول: ما كان من دم فبمكة، وما كان من طعام وصيام فحيث شاء. وعلة من قال: الدم والاطعام بمكة، القياس على هدي جزاء الصيد وذلك أن الله شرط في هديه بلوغ الكعبة فقال: يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة. قالوا: فكل هدي وجب من جزاء أو فدية في إحرام، فسبيله سبيل جزاء الصيد في وجوب بلوغه الكعبة. قالوا: وإذا كان ذلك حكم الهدي كان حكم الصدقة مثله، لانها واجبة لمن وجب عليه الهدي، وذلك أن الاطعام فدية وجزاء كالدم، فحكمهما واحد. وأما علة من زعم أن للمفتدي أن ينسك حيث شاء ويتصدق ويصوم أن الله لم يشترط
[ 330 ]
على الحالق رأسه من أذى هديا، وإنما أوجب عليه نسكا أو إطعاما أو صياما، وحيثما نسك أو أطعم أو صام فهو ناسك ومطعم وصائم، وإذا دخل في عداد من يستحق ذلك الاسم كان مؤديا ما كلفه الله، لان الله لو أراد من إلزام الحالق رأسه في نسكه بلوغ الكعبة لشرط ذلك عليه، كما شرط في جزاء الصيد، وفي ترك اشتراط ذلك عليه دليل واضح، أنه حيث نسك أو أطعم أجزأ. وأما علة من قال: النسك بمكة والصيام والاطعام حيث شاء، فالنسك دم كدم الهدي، فسبيله سبيل هدي قاتل الصيد. وأما الاطعام فلم يشترط الله فيه أن يصرف إلى أهل مسكنة مكان دون مكان، كما شرط في هدي الجزاء بلوغ الكعبة، فليس لاحد أن يدعي أن ذلك لاهل مكان دون مكان، إذ لم يكن الله شرط ذلك لاهل مكان بعينه، كما ليس لاحد أن يدعى أن ما جعله الله من الهدي لساكني الحرم لغيرهم، إذ كان الله قد خص أن ذلك لمن به من أهل المسكنة. والصواب من القول في ذلك، أن الله أوجب على حالق رأسه من أذى من المحرمين فدية من صيام أو صدقة أو نسك، ولم يشترط أن ذلك عليه بمكان دون مكان، بل أبهم ذلك وأطلقه، ففي أي مكان نسك أو أطعم أو صام فيجزي عن المفتدي وذلك لقيام الحجة على أن الله إذ حرم أمهات نسائنا فلم يحصرهن على أنهن أمهات النساء المدخول بهن لم يجب أن يكن مردودات الاحكام على الربائب المحصورات على أن المحرمة منهن المدخول بأمها، فكذلك كل مبهمة في القرآن غير جائز رد حكمها على المفسرة قياسا، ولكن الواجب أن يحكم لكل واحدة منهما بما احتمله ظاهر التنزيل إلا أن يأتي في بعض ذلك خبر عن الرسول (ص) بإحالة حكم ظاهره إلى باطنه، فيجب التسليم حينئذ لحكم الرسول، إذ كان هو المبين عن مراد الله. وأجمعوا على أن الصيام مجزئ عن الحالق رأسه من أذى حيث صام من البلاد. واختلفوا فيما يجب أن يفعل بنسك الفدية من الحلق، وهل يجوز للمفتدي الاكل منه أم لا ؟ فقال بعضهم ليس للمفتدي أن يأكل منه، ولكن عليه أن يتصدق بجميعه. ذكر من قال ذلك: 2746 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الملك، عن عطاء، قال: ثلاث لا يؤكل منهن: جزاء الصيد، وجزاء النسك، ونذر المساكين.
[ 331 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام وهارون، عن عنبسة، عن سالم، عن عطاء قال: لا تأكل من فدية، ولا من جزاء، ولا من نذر، وكل من المتعة، ومن الهدي التطوع. 2747 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام وهارون، عن عنبسة، عن سالم، عن مجاهد، قال: جزاء الصيد والفدية والنذر لا يأكل منها صاحبها، ويأكل من التطوع والتمتع. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عمرو، عن الحجاج، عن عطاء، قال: لا تأكل من جزاء، ولا من فدية، وتصدق به. 2748 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال عطاء: لا يأكل من بدنته الذي يصيب أهله حراما والكفارات كذلك. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا عبد الملك والحجاج وغيرهما، عن عطاء أنه كان يقول: لا يؤكل من جزاء الصيد، ولا من النذر، ولا من الفدية، ويؤكل مما سوى ذلك. 2749 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم قالوا: لا يؤكل من الفدية. وقال مرة: من هدي الكفارة، ولا من جزاء الصيد. وقال بعضهم: له أن يأكل منه. ذكر من قال ذلك: 2750 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر، ويؤكل مما سوى ذلك. 2751 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، قال: من الفدية وجزاء الصيد والنذر. 2752 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، قال: الشاة بين ستة مساكين يأكل منه إن شاء، ويتصدق على ستة مساكين. 2753 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرني عبد الملك، قال: ثني من سمع الحسن، يقول: كل من ذلك كله، يعني من جزاء الصيد والنذر والفدية.
[ 332 ]
2754 - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا خالد بن الحرث، قال: ثنا الاشعث عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بالاكل من جزاء الصيد ونذر المساكين. وعلة من حظر على المفتدي الاكل من فدية حلاقه وفدية ما لزمته منه الفدية، أن الله أوجب على الحالق والمتطيب ومن كان بمثل حالهم فدية من صيام أو صدقة أو نسك، فلن يخلو ذلك الذي أوجبه عليه من الاطعام والنسك من أحد أمرين: إما أن يكون أوجبه عليه لنفسه أو لغيره أو له ولغيره، فإن كان أوجبه لغيره فغير جائز له أن يأكل منه، لان ما لزمه لغيره فلا يجزيه فيه إلا الخروج منه إلى من وجب له أو يكون له وحده، وما وجب له فليس عليه لانه غير مفهوم في لغة أن يقال: وجب على فلان لنفسه دينار أو درهم أو شاة، وإنما يجب له على غيره، فأما على نفسه فغير مفهوم وجوبه. أو يكون وجب عليه له ولغيره، فنصيبه الذي وجب له من ذلك غير جائز أن يكون عليه لما وصفنا. وإذا كان ذلك كذلك كان الواجب عليه ما هو لغيره وما هو لغيره بعض النسك، وإذا كان ذلك كذلك فإنما وجب عليه بعض النسك لا النسك كله. قالوا: وفي إلزام الله إياه النسك تاما ما يبين عن فساد هذا القول. وعلة من قال له أن يأكل من ذلك أن الله أوجب على المفتدي نسكا، والنسك في معاني الاضاحي وذلك هو ذبح ما يجزي في الاضاحي من الازواج الثمانية. قالوا: ولم يأمر الله بدفعه إلى المساكين. قالوا: فإذا ذبح فقد نسك، وفعل ما أمره الله، وله حينئذ الاكل منه، والصدقة منه بما شاء، وإطعام ما أحب منه من أحب، كما له ذلك في أضحيته والذي نقول به في ذلك: أن الله أوجب على المفتدي نسكا إن اختار التكفير بالنسك، ولن يخلو الواجب عليه في ذلك من أن يكون ذبحه دون غيره، أو ذبحه والتصدق به. فإن كان الواجب عليه في ذلك ذبحه، فالواجب أن يكون إذا ذبح نسكا فقد أدى ما عليه، وإن أكل جميعه ولم يطعم مسكينا منه شيئا، وذلك ما لا نعلم أحدا من أهل العلم قاله، أو يكون الواجب عليه ذبحه والصدقة به فإن كان ذلك عليه، فغير جائز له أكل ما عليه أن يتصدق به، كما لو لزمته زكاة في ماله لم يكن له أن يأكل منها، بل كان عليه أن يعطيها أهلها الذين جعلها الله لهم. ففي إجماعهم على أن ما ألزمه الله من ذلك فإنما ألزمه لغيره، دلالة واضحة على حكم ما اختلفوا فيه من غيره.
[ 333 ]
ومعنى النسك: الذبح لله في لغة العرب، يقال: نسك فلان لله نسيكة، بمعنى: ذبح لله ذبيحة ينسكها نسكا. كما: 2755 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: النسك: أن يذبح شاة. القول في تأويل قوله تعالى: فإذا أمنتم. اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فإذا برأتم من مرضكم الذي أحصركم عن حجكم أو عمرتكم. ذكر من قال ذلك: 2756 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: فإذا أمنتم فإذا برأتم. 2757 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه في قوله: فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج يقول: فإذا أمنت حين تحصر إذا أمنت من كسرك من وجعك، فعليك أن تأتي البيت فيكون لك متعة، فلا تحل حتى تأتي البيت. وقال آخرون: معنى ذلك: فإذا أمنتم من وجع خوفكم. ذكر من قال ذلك: 2758 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فإذا أمنتم لتعلموا أن القوم كانوا خائفين يومئذ. 2759 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فإذا أمنتم قال: إذا أمن من خوفه، وبرأ من مرضه. وهذا القول أشبه بتأويل الآية لان الامن هو خلاف الخوف، لا خلاف المرض، إلا أن يكون مرضا مخوفا منه الهلاك، فيقال: فإذا أمنتم الهلاك من خوف المرض وشدته، وذلك معنى بعيد. وإنما قلنا: إن معناه الخوف من العدو لان هذه الآيات نزلت على رسول الله (ص) أيام الحديبية وأصحابه من العدو خائفون، فعرفهم الله بها ما عليهم إذا أحصرهم خوف عدوهم عن الحج، وما الذي عليهم إذا هم أمنوا من ذلك، فزال عنهم خوفهم.
[ 334 ]
القول في تأويل قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي. يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أحصرتم أيها المؤمنون، فما استيسر من الهدي، فإذا أمنتم فزال عنكم خوفكم من عدوكم أو هلاككم من مرضكم فتمتعتم بعمرتكم إلى حجكم، فعليكم ما استيسر من الهدي. ثم اختلف أهل التأويل في صفة التمتع الذي عنى الله بهذه الآية، فقال بعضهم: هو أن يحصره خوف العدو، وهو محرم بالحج أو مرض أو عائق، من العلل حتى يفوته الحج، فيقدم مكة، فيخرج من إحرامه بعمل عمرة، ثم يحل فيستمتع بإحلاله من إحرامه ذلك إلى السنة المستقبلة، ثم يحج ويهدي، فيكون متمتعا بالاحلال من لدن يحل من إحرامه الاول إلى إحرامه الثاني من القابل. ذكر من قال ذلك: 2760 - حدثنا عمران بن موسى البصري، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا إسحاق بن سويد، قال: سمعت ابن الزبير وهو يخطب، وهو يقول: يا أيها الناس، والله ما التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون، إنما التمتع أن يهل الرجل بالحج فيحصره عدو أو مرض أو كسر أو يحبسه أمر حتى تذهب أيام الحج فيقد فيجعلها عمرة، فيتمتع بحله إلى العام القابل ثم يحج ويهدي هديا، فهذا التمتع بالعمرة إلى الحج. 2761 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء قال: كان ابن الزبير يقول: المتعة لمن أحصر. قال: وقال ابن عباس: هي لمن أحصر ومن خليت سبيله. 2762 - حدثني ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: أخبرني ابن جريج قال قال عطاء: كان ابن الزبير يقول: إنما المتعة للحصر وليست لمن خلي سبيله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فإن أحصرتم في حجكم فما استيسر من الهدي، فإذا أمنتم وقد حللتم من إحرامكم ولم تقضوا عمرة تخرجون بها من إحرامكم بحجكم ولكن حللتم حين أحصرتم بالهدي وأخرتم العمرة إلى السنة القابلة فاعتمرتم في أشهر الحج ثم حللتم فاستمتعتم بإحلالكم إلى حجكم، فعليكم ما استيسر من الهدي. ذكر من قال ذلك: 2763 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن الاعمش، عن إبراهيم عن علقمة: فإن أحصرتم قال: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر.
[ 335 ]
قال: يبعث بما استيسر من الهدي شاة. قال: فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله، وحلق رأسه، أو مس طيبا، أو تداوى، كان عليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. فإذا أمنتم فإذا برأ فمضى من وجهه ذلك حتى أتى البيت حل من حجه بعمرة وكان عليه الحج من قابل. وإن هو رجع ولم يتم إلى البيت من وجهه ذلك، فإن عليه حجة وعمرة ودما لتأخيره العمرة. فإن هو رجع متمتعا في أشهر الحج، فإن عليه ما استيسر من الهدي شاة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس في ذلك كله. 2764 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي قال: هذا رجل أصابه خوف أو مرض أو حابس حبسه حتى يبعث بهديه، فإذا بلغت محلها صار حلالا. فإن أمن أو برأ ووصل إلى البيت فهي له عمرة وأحل وعليه الحج عاما قابلا. وإن هو لم يصل إلى البيت حتى يرجع إلى أهله، فعليه عمرة وحجة وهدي. قال قتادة: والمتعة التي لا يتعاجم الناس فيها أن أصلها كان هكذا. 2765 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى: تلك عشرة كاملة قال: هذا المحصر إذا أمن فعليه المتعة في الحج وهدي المتمتع، فإن لم يجد فالصيام، فإن عجل العمرة قبل أشهر الحج فعليه فيها هدي. 2766 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا بشر بن السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي: فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فإن أخر العمرة حتى يجمعها مع الحج فعليه الهدي. وقال آخرون: عنى بذلك المحصر وغير المحصر. ذكر من قال ذلك: 2767 - حدثني ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: أخبرني ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أن ابن عباس كان يقول: المتعة لمن أحصر، ولمن خلي سبيله. وكان ابن عباس يقول: أصابت هذه الآية المحصر ومن خليت سبيله. وقال آخرون: معنى ذلك: فمن فسخ حجه بعمرة، فجعله عمرة، واستمتع بعمرته إلى حجه، فعليه ما استيسر من الهدي. ذكر من قال ذلك:
[ 336 ]
2768 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي أما المتعة فالرجل يحرم بحجة، ثم يهدمها بعمرة. وقد خرج رسول الله (ص) في المسلمين حاجا، حتى إذا أتوا مكة قال لهم رسول الله (ص): من أحب منكم أن يحل فليحل، قالوا: فما لك يا رسول الله ؟ قال: أنا معي هدي. وقال آخرون: بل ذلك الرجل يقدم معتمرا من أفق من الآفاق في أشهر الحج، فإذا قضى عمرته أقام حلالا بمكة حتى ينشئ منها الحج، فيحج من عامه ذلك، فيكون مستمتعا بإحلال إلى إحرامه بالحج. ذكر من قال ذلك: 2769 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج من يوم الفطر إلى يوم عرفة، فعليه ما استيسر من الهدي. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2770 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: قدم ابن عمر مرة في شوال، فأقمنا حتى حججنا، فقال: إنكم قد استمتعتم إلى حجكم بعمرة، فمن وجد منكم أن يهدي فليهد، ومن لا فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله. * - حدثنا ابن بشار، وعبد الحميد بن بيان قال ابن بشار: حدثنا، وقال عبد الحميد: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن نافع، أنه أخبره أنه خرج مع ابن عمر معتمرين في شوال، فأدركهما الحج وهما بمكة، فقال ابن عمر: من اعتمر معنا في شوال ثم حج، فهو متمتع عليه ما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. 2771 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عنبسة، عن ليث، عن عطاء في رجل اعتمر في غير أشهر الحج، فساق هديا تطوعا، فقدم مكة في أشهر الحج، قال: إن لم
[ 337 ]
يكن يريد الحج، فلينحر هديه ثم ليرجع إن شاء، فإن هو نحر الهدي وحل، ثم بدا له أن يقيم حتى يحج، فلينحر هديا آخر لتمتعه، فإن لم يجد فليصم. 2772 - حدثنا ابن حميد، ثنا هارون، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، مثل ذلك. 2773 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب بأنه كان يقول: من اعتمر في شوال أو في ذي القعدة ثم أقام بمكة حتى يحج، فهو متمتع، عليه ما على المتمتع. 2774 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن حجاج، عن عطاء مثل ذلك. 2775 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج، فما استيسر من الهدي. 2776 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع، قال: أخبرني ابن جريج، قال: كان عطاء يقول: المتعة لخلق الله أجمعين، الرجل، والمرأة، والحر، والعبد، هي لكل إنسان اعتمر في أشهر الحج ثم أقام ولم يبرح حتى يحج، ساق هديا مقلدا أو لم يسق إنما سميت المتعة من أجل أنه اعتمر في شهور الحج فتمتع بعمرة إلى الحج، ولم تسم المتعة من أجل أنه يحل بتمتع النساء. وأولى هذه الاقوال بتأويل الآية قول من قال: عنى بها: فإن أحصرتم أيها المؤمنون في حجكم فما استيسر من الهدي، فإذا أمنتم فمن تمتع ممن حل من إحرامه بالحج بسبب الاحصار بعمرة اعتمرها لفوته الحج في السنة القابلة في أشهر الحج إلى قضاء الحجة التي فاتته حين أحصر عنها، ثم دخل في عمرته فاستمتع بإحلاله من عمرته إلى أن يحج، فعليه ما استيسر من الهدي، وإن كان قد يكون متمتعا من أنشأ عمرة في أشهر الحج وقضاها ثم حل من عمرته وأقام حلالا حتى يحج من عامه غير أن الذي هو أولى بالذي ذكره الله في قوله: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج هو ما وصفنا من أجل أن الله عز وجل أخبر عما على المحصر عن الحج والعمرة من الاحكام في إحصاره، فكان مما أخبر تعالى ذكره أنه عليه إذا أمن من إحصاره فتمتع بالعمرة إلى الحج ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام كان معلوما بذلك أنه معني به اللازم له عند أمنه من إحصاره من العمل بسبب الاحلال الذي كان منه في حجه الذي أحصر فيه دون المتمتع الذي لم يتقدم عمرته ولا حجه إحصار مرض ولا خوف.
[ 338 ]
القول في تأويل قوله تعالى: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج. يعني بذلك جل ثناؤه: فما استيسر من الهدي، فهديه جزاء لاستمتاعه بإحلاله من إحرامه الذي حل منه حين عاد لقضاء حجته التي أحصر فيها وعمرته التي كانت لزمته بفوت حجته، فإن لم يجد هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج في حجه وسبعة إذا رجع إلى أهله. ثم اختلف أهل التأويل في الثلاثة أيام التي أوجب الله عليه صومهن في الحج أي أي أيام الحج هن ؟ فقال بعضهم: هن ثلاثة أيام من أيام حجه، أي أيام شاء بعد أن لا يتجاوز بآخرهن يوم عرفة. ذكر من قال ذلك: 2777 - حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا حميد بن الاسود، قال: ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي رضي الله عنه: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: قبل التروية يوما، ويوم التروية، ويوم عرفة. 2778 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر، عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة. 2779 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر في قوله: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: يوم قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، وإذا فاته صامها أيام منى. 2780 - حدثنا الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا حميد بن الاسود، عن هشام بن عروة، عن عروة، قال: المتمتع يصوم قبل التروية يوما، ويوم التروية ويوم عرفة. 2781 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن في قوله: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: آخرهن يوم عرفة. 2782 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، قال: سألت الحكم عن صوم ثلاثة أيام في الحج، قال: يصوم قبل التروية يوما، ويوم التروية، ويوم عرفة. 2783 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن الاعمش، عن إبراهيم: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج أنه قال: آخرها يوم عرفة.
[ 339 ]
2784 - حدثنا أبو كريب قال: ثنا بشير، قال: ثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال في المتمتع إذا لم يجد الهدي: صام يوما قبل يوم التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة. 2785 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، وهارون عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، قال: يصوم المتمتع الثلاثة الايام لمتعته في العشر إلى يوم عرفة. قال: وسمعت مجاهدا وطاوسا يقولان: إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه. 2786 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام وهارون عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صوم ثلاثة أيام للمتمتع، إذا لم يجد ما يهدي يصوم في العشر إلى يوم عرفة متى صام أجزأه، فإن صام الرجل في شوال أو ذي القعدة أجزأه. 2787 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا بشر بن بكر، عن الاوزاعي، قال: ثني يعقوب بن عطاء، أن عطاء بن أبي رباح، كان يقول: من استطاع أن يصومهن فيما بين أول يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة فليصم. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن في قوله: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: آخرها يوم عرفة. 2788 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، وحدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: قبل يوم التروية يوما، ويوم التروية، ويوم عرفة. 2789 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج آخرهن يوم عرفة من ذي الحجة. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2790 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: كان يقال عرفة وما قبلها يومين من العشر. 2791 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: فآخرها يوم عرفة.
[ 340 ]
2792 - حدثني أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: آخرها يوم عرفة. 2793 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا قطر، عن عطاء: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: آخرها يوم عرفة. 2794 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: عرفة وما قبلها من العشر. 2795 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم، قالا: صيام ثلاثة أيام في الحج في العشر آخرهن عرفة. 2796 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يزيد بن خير، قال: سألت طاوسا عن صيام ثلاثة أيام في الحج، قال: آخرهن يوم عرفة. 2797 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى: وسبعة إذا رجعتم وهذا على المتمتع بالعمرة إذا لم يجد هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة، فإن كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه وسبعة إذا رجع إلى أهله. 2798 - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا زياد بن المنذر، عن أبي جعفر: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: آخرها يوم عرفة. وقال آخرون: بل آخرهن انقضاء يوم منى. ذكر من قال ذلك: 2799 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل قال: ثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عليا كان يقول: من فاته صياثلاثة أيام في الحج صامهن أيام التشريق. 2800 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب، قال: ثني عمي عبد الله بن وهب، قال: ثني يونس عن الزهري، عن عروة بن الزبير، قال: قالت عائشة: يصوم المتمتع الذي يفوته الصيام أيام منى. 2801 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن نافع، قال: قال ابن عمر: من فاته صيام الثلاثة الايام في الحج، فليصم أيام التشريق فإنهن من الحج.
[ 341 ]
* - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمر بن محمد أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر قال: من اعتمر في أشهر الحج فلم يكن معه هدي ولم يصم الثلاثة الايام قبل أيام التشريق، فليصم أيام منى. 2802 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت عبد الله بن عيسى بن أبي ليلى يحدث عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وعن سالم، عن عبد الله بن عمر أنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصوم إلا لمن يجد هديا. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا هشام، عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر قال: إذا لم يصم الثلاثة الايام قبل النحر صام أيام التشريق، فإنها من أيام الحج. وذكر هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قال: 2803 - حدثنا المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد عن هشام بن عروة، عن أبيه في هذه الآية: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: هي أيام التشريق. 2804 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن يونس، عن أبي إسحاق، عن وبرة، عن ابن عمر، قال: يصوم يوما قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة. قال: وقال عبيد بن عمير: يصوم أيام التشريق. وعلة من قال: آخر الثلاثة الايام التي أوجب الله صومهن في الحج على من لم يجد الهدي من المتمتعين يوم عرفة، أن الله جل ثناؤه أوجب صومهن في الحج بقوله: فصيام ثلاثة أيام في الحج قالوا: وإذا انقضى يوم عرفة فقد انقضى الحج، لان يوم النحر يوم إحلال من الاحرام. قالوا: وقد أجمع الجميع أنه غير جائز له صوم يوم النحر قالوا: فإن يكن إجماعهم على أن ذلك له غير جائز من أجل أنه ليس من أيام الحج، فأيام التشريق بعده أحرى أن لا تكون من أيام الحج لان أيام الحج متى انقضت من سنة، فلن تعود إلى سنة أخرى بعدها. أو يكون إجماعهم على أن ذلك له غير جائز من أجل أنه يوم عيد، فأيام التشريق التي بعده في معناه لانها أيام عيد، وأن النبي (ص) قد نهى عن صومهن كما نهى عن صوم يوم النحر. قالوا: وإذا كان يفوت صومهن بمضي يوم عرفة لم يكن إلى صيامهن في الحج
[ 342 ]
سبيل لان الله شرط صومهن في الحج، فلم يجز عنه إلا الهدي الذي فرضه الله عليه لمتعته. وعلة من قال: آخر الايام الثلاثة التي ذكرها الله في كتابه انقضاء آخر أيام منى، أن الله أوجب على المتمتع ما استيسر مالهدي، ثم الصيام إن لم يجد إلى الهدي سبيلا. قالوا: وإنما يجب عليه نحر هدي المتعة يوم النحر، ولو كان له واجدا قبل ذلك. قالوا: فإذا كان ذلك كذلك فإنما رخص له في الصوم يوم يلزمه نحر الهدي فلا يجد إليه سبيلا. قالوا: والوقت الذي يلزمه فيه نحر الهدي يوم النحر والايام التي بعده من أيام النحر، فأما قبل ذلك فلم يمكن نحره. قالوا: فإذا كان النحر لم يكن له لازما قبل ذلك، وإنما لزمه يوم النحر فإنما لزمه الصوم يوم النحر، وذلك حين عدم الهدي فلم يجده، فوجب عليه الصوم. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فالصوم إنما يلزمه أوله في اليوم الذي يلي يوم النحر، وذلك أن النحر إنما كان لزمه من بعد طلوع الفجر، ومن ذلك الوقت إذا لم يجده يكون له الصوم. قالوا: وإذا طلع فجر يوم ولم يلزمه صومه قبل ذلك إذا كان الصوم لا يكون في بعض نهار يوم في واجب، علم أن الواجب عليه الصوم من اليوم الذي يليه إلى انقضاء الايام الثلاثة بعد يوم النحر من أيام التشريق. قالوا: ولا معنى لقول القائل: إن أيام منى ليست من أيام الحج لانهن ينسك فيهن بالرمي والعكوف على عمل الحج كما ينسك غير ذلك من أعمال الحج في الايام قبلها. قالوا: هذا مع شهادة الخبر الذي: 2805 - حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا يحيى بن سلام أن شعبة حدثه عن ابن أبي ليلى، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: رخص رسول الله (ص) للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاتته أيام العشر، أن يصوم أيام التشريق مكانها. لصحة ما قلنا في ذلك من القول وخطأ قول من خالف قولنا فيه.
[ 343 ]
2806 - حدثني يعقوب، قال: حدثني هشيم، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، قال: بعث رسول الله (ص) عبد الله بن حذافة بن قيس، فنادى في أيام التشريق، فقال: إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله، إلا من كان عليه صوم من هدي. واختلف أهل العلم في أول الوقت الذي يجب على المتمتع الابتداء في صوم الايام الثلاثة التي قال الله عزوجل: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج والوقت الذي يجوز له فيه صومهن، وإن لم يكن واجبا عليه فيه صومهن. فقال بعضهم: له أن يصومهن من أول أشهر الحج. ذكر من قال ذلك: 2807 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام وهارون، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطاوس أنهما كانا يقولان: إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه. قال: وقال مجاهد: إذا لم يجد المتمتع ما يهدي فإنه يصوم في العشر إلى يوم عرفة، متى ما صام أجزأه، فإن صام الرجل في شوال أو ذي القعدة أجزأه. 2808 - حدثني أحمد بن المغيرة، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: من صام يوما في شوال ويوما في ذي القعدة ويوما في ذي الحجة، أجزأه عنه من صوم التمتع. 2809 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، قال: إن شاء صام أول يوم من شوال. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد في قول الله عز وجل: فصيام ثلاثة أيام في الحج قال: إن شاء صامها في العشر، وإن شاء في ذي القعدة، وإن شاء في شوال. وقال آخرون: يصومهن في عشر ذي الحجة دون غيرها. ذكر من قال ذلك: 2810 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام وهارون، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء: يصوم الثلاثة الايام للمتعة في العشر إلى يوم عرفة. 2811 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا بشر بن بكر، عن الاوزاعي، قال: حدثني يعقوب أن عطاء بن أبي رباح كان يقول: من استطاع أن يصومهن فيما بين أول يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة فليصم.
[ 344 ]
2812 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: ولا بأس أن يصوم المتمتع في العشر وهو حلال. 2813 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا أبو شهاب، عن الحجاج، عن أبي جعفر، قال: لا يصام إلا في العشر. 2814 - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا الربيع، عن عطاء أنه كان يقول في صيام ثلاثة أيام في الحج، قال: في تسع من ذي الحجة أيها شئت، فمن صام قبل ذلك في شوال وفي ذي القعدة، فهو بمنزلة من لم يصم. وقال آخرون: له أن يصومهن قبل الاحرام بالحج. ذكر من قال ذلك: 2815 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، قال: إذا خشي أن لا يدرك الصوم بمكة صام بالطريق يوما أو يومين. 2816 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: لا بأس أن تصوم الثلاثة الايام في المتعة وأنت حلال. وقال آخرون: لا يجوز أن يصومهن إلا بعد ما يحرم بالحج. ذكر من قال ذلك: 2817 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يصومهن إلا وهو حرام. 2818 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر، عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة. 2819 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يجزيه صوم ثلاثة أيام وهو متمتع إلا أن يحرم. وقال مجاهد: يجزيه إذا صام في ذي القعدة. والصواب من القول في ذلك عندي أن للمتمتع أن يصوم الايام الثلاثة التي أوجب الله عليه صومهن لمتعته إذا لم يجد ما استيسر من الهدي من أول إحرامه بالحج بعد قضاء عمرته واستمتاعه بالاحلال إلى حجه إلى انقضاء آخر عمل حجه وذلك بعد انقضاء أيام منى سوى يوم النحر، فإنه غير جائز له صومه ابتدأ صومهن قبله أو ترك صومهن فأخره حتى انقضاء يوم عرفة.
[ 345 ]
وإنما قلنا: له صوم أيام التشريق، لما ذكرنا من العلة لقائل ذلك قبل، فإن صامها قبل إحرامه بالحج فإنه غير مجزئ صومه ذلك من الواجب عليه من الصوم الذي فرضه الله عليه لمتعته وذلك أن الله عز وجل إنما أوجب الصوم على من لم يجد هديا ممن استمتع بعمرته إلى حجه، فالمعتمر قبل إحلاله من عمرته وقبل دخوله في حجه غير مستحق اسم متمتع بعمرته إلى حجه، وإنما يقال له قبل إحرامه معتمر حتى يدخل بعد إحلاله في الحج قبل شخوصه عن مكة، فإذا دخل في الحج محرما به بعد قضاء عمرته في أشهر الحج ومقامه بمكة بعد قضاء عمرته حلالا حتى حج من عامه سمي متمتعا. فإذا استحق اسم متمتع لزمه الهدي، وحينئذ يكون له الصوم بعدمه الهدي إن عدمه فلم يجده. فأما إن صامه قبل دخوله في الحج وإن كان من نيته الحج، فإنما هو رجل صام صوما ينوي به قضاء عما عسى أن يلزمه أو لا يلزمه، فسبيله سبيل رجل معسر صام ثلاثة أيام ينوي بصومهن كفارة يمين ليمين يريد أن يحلف بها ويحنث فيها، وذلك ما لا خلاف بين الجميع أنه غير مجزئ من كفارة إن حلف بها بعد الصوم فحنث. فإن ظن ظان أن صوم المعتمر بعد إحلاله من عمرته أو قبله وقبل دخوله في الحج مجزئ عنه من الصوم الذي أوجبه الله عليه إن تمتع بعمرته إلى الحج، نظير ما أجزأ الحالف بيمين إذا كفر عنها قبل حنثه فيها بعد حلفه بها فقد ظن خطأ لان الله جعل ثناؤه جعل لليمين تحليلا هو غير تكفير، فالفاعل فيها قبل الحنث فيها ما يفعله المكفر بعد حنثه فيها محلل غير مكفر. والمتمتع إذا صام قبل تمتعه صائم، تكفيرا لما يظن أنه يلزمه ولما يلزمه، وهو كالمكفر عن قتل صيد يريد قتله وهو محرم قبل قتله، وعن تطيب قبل تطيبه. ومن أبى ما قلنا في ذلك ممن زعم أن للمعتمر الصوم قبل إحرامه بالحج، قيل له: ما قلت فيمن كفر من المحرمين عن الواجب على من ترك رمي الجمرات أيام منى يوم عرفة، وهو ينوي ترك الجمرات، ثم أقام بمنى أيام منى حتى انقضت تاركا رمي الجمرات، هل يجزيه تكفيره ذلك عن الواجب عليه في ترك ما ترك من ذلك ؟ فإن زعم أن ذلك يجزيه، سئل عن مثل ذلك في جميع مناسك الحج التي أوجب الله في تضييعه على المحرم أو في فعله كفارة، فإن سوى بين جميع ذلك فاد قوله، وسئل عن نظير ذلك في العازم على أن يجامع في شهر رمضان، وهو مقيم صحيح إذا كفر قبل دخول الشهر، ودخل الشهر ففعل ما كان عازما عليه هل تجزيه كفارته التي كفر عن الواجب من وطئه ذلك، وكذلك يسئل عمن أراد أن
[ 346 ]
يظاهر ما مرأته، فإن فاد قوله في ذلك، خرج من قول جميع الامة. وإن أبى شيئا من ذلك، سئل الفرق بينه وبين الصائم لمتعته قبل تمتعه وقبل إحرامه بالحج، ثم عكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. القول في تأويل قوله تعالى: وسبعة إذا رجعتم. يعني جل ثناؤه بذلك: فمن لم يجد ما استيسر من الهدي، فعليه صيام ثلاثة أيام في حجه وصيام سبعة أيام إذا رجع إلى أهله ومصره. فإن قال لنا قائل: أو ما يجب عليه صوم السبعة الايام بعد الايام الثلاثة التي يصومهن في الحج إلا بعد رجوعه إلى مصره وأهله ؟ قيل: بل قد أوجب الله عليه صوم الايام العشرة بعدم ما استيسر من الهدي لمتعته، ولكن الله تعالى ذكره رأفة منه بعباده رخص لمن أوجب ذلك عليه، كما رخص للمسافر والمريض في شهر رمضان الافطار وقضاء عدة ما أفطر من الايام من أيام أخر. ولو تحمل المتمتع فصام الايام السبعة في سفره قبل رجوعه إلى وطنه، أو صامهن بمكة، كان مؤديا ما عليه من فرض الصوم في ذلك، وكان بمنزلة الصائم شهر رمضان في سفره أو مرضه، مختارا للعسر على اليسر. وبالذي قلنا في ذلك قالت علماء الامة. ذكر من قال ذلك: 2820 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: وسبعة إذا رجعتم قال: هي رخصة إن شاء صامها في الطريق. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وسبعة إذا رجعتم قال: هن رخصة إن شاء صامها في الطريق، وإن شاء صامها بعد ما يرجع إلى أهله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، نحوه. 2821 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن: وسبعة إذا رجعتم قال: إن شاء صامها في الطريق، وإنما هي رخصة. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد، قال: إن شئت صم السبعة في الطريق، وإن شئت إذا رجعت إلى أهلك.
[ 347 ]
2822 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن قطر، عن عطاء، قال: يصوم السبعة إذا رجع إلى أهله أحب إلي. 2823 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: وسبعة إذا رجعتم قال: إن شئت في الطريق، وإن شئت بعد ما تقدم إلى أهلك. فإن قال: وما برهانك على أن معنى قوله: وسبعة إذا رجعتم إذا رجعتم إلى أهليكم وأمصاركم دون أن يكون معناه: إذا رجعتم من منى إلى مكة ؟ قيل: إجماع جميع أهل العلم على أن معناه ما قلنا دون غيره. ذكر بعض من قال ذلك: 2824 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: وسبعة إذا رجعتم قال: إذا رجعت إلى أهلك. 2825 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وسبعة إذا رجعتم إذا رجعتم إلى أمصاركم. 2826 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. 2827 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير: وسبعة إذا رجعتم قال: إلى أهلك. هالقول في تأويل قوله تعالى: تلك عشرة كاملة. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: كاملة فقال بعضهم: معنى ذلك: فصيام الثلاثة الايام في الحج والسبعة الايام بعد ما يرجع إلى أهله عشرة كاملة من الهدي. ذكر من قال ذلك: 2828 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن عباد، عن الحسن في قوله: تلك عشرة كاملة قال: كاملة من الهدي. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا هشيم، عن عباد، عن الحسن، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كملت لكم أجر من أقام على إحرامه ولم يحل ولم يتمتع تمتعكم بالعمرة إلى الحج. وقال آخرون: معنى ذلك الامر وإن كان مخرجه مخرج الخبر، وإنما عنى بقوله:
[ 348 ]
تلك عشرة كاملة تلك عشرة أيام فأكملوا صومها لا تقصروا عنها، لانه فرض عليكم صومها. وقال آخرون: بل قوله: كاملة توكيد للكلام، كما يقول القائل: سمعته بأذني ورأيته بعيني، وكما قال: فخر عليهم السقف من فوقهم ولا يكون الخر إلا من فوق، فأما من موضع آخر فإنما يجوز على سعة الكلام. وقال آخرون: إنما قال: تلك عشرة كاملة وقد ذكر سبعة وثلاثة، لانه إنما أخبر أنها مجزئة وليس يخبر عن عدتها، وقالوا: ألا ترى أن قوله: كاملة إنما هو وافية ؟. وأولى هذه الاقوال عندي قول من قال: معنى ذلك تلك عشرة كاملة عليكم فرضنا إكمالها. وذلك أنه جل ثناؤه قال: فمن لم يجد الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، ثم قال: تلك عشرة أيام عليكم إكمال صومها لمتعتكم بالعمرة إلى الحج. فأخرج ذلك مخرج الخبر، ومعناه الامر بها. القول في تأويل قوله تعالى: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. يعني جل ثناؤه بقوله ذلك أي التمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. كما: 2829 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام يعني المتعة أنها لاهل الآفاق، ولا تصلح لاهل مكة. 2830 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أن هذا لاهل الامصار ليكون عليهم أيسر من أن يحج أحدهم مرة ويعتمر أخرى، فتجمع حجته وعمرته في سنة واحدة. ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى بقوله: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم معنيون به، وأنه لا متعة لهم. فقال بعضهم: عنى بذلك أهل الحرم خاصة دوغيرهم. ذكر من قال ذلك: 2831 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: قال ابن عباس ومجاهد: أهل الحرم.
[ 349 ]
2832 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن عبد الكريم، عن مجاهد: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال: أهل الحرم. 2833 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، قال: بلغنا عن ابن عباس في قوله: حاضري المسجد الحرام قال: هم أهل الحرم، والجماعة عليه. 2834 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال قتادة: ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: يا أهل مكة إنه لا متعة لكم أحلت لاهل الآفاق وحرمت عليكم، إنما يقطع أحدكم واديا أو قال: يجعل بينه وبين الحرم واديا ثم يهل بعمرة. 2835 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا الليث، قال: ثني يحيى بن سعيد الانصاري: أن أهل مكة كانوا يغزون ويتجرون، فيقدمون في أشهر الحج ثم يحجون، ولا يكون عليهم الهدي ولا الصيام أرخص لهم في ذلك، لقول الله عز وجل: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. * - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: أهل الحرم. 2836 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: المتعة للناس، إلا لاهل مكة ممن لم يكن أهله من الحرم، وذلك قول الله عز وجل: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. قال: وبلغني عن ابن عباس مثل قول طاوس. وقال آخرون: عنى بذلك أهل الحرم ومن كان منزله دون المواقيت إلى مكة. ذكر من قال ذلك: 2837 - حدثنا ابن بشا، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن مكحول: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال: من كان دون المواقيت. 2838 - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك بإسناده مثله، إلا أنه قال: ما كان دون المواقيت إلى مكة.
[ 350 ]
2839 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن رجل، عن عطاء، قال: من كان أهله من دون المواقيت، فهو كأهل مكة لا يتمتع. وقال بعضهم: بل عنى بذلك أهل الحرم، ومن قرب منزله منه. ذكر من قال ذلك: 2840 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال: عرفة، ومر، وعرنة، وضجنان، والرجيع، ونخلتان. * - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري والمثنى قالا: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال: عرفة ومر، وعرنة، وضجنان، والرجيع. 2841 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري في هذه الآية قال: اليوم واليومين. 2842 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، قال: سمعت الزهري يقول: من كان أهله على يوم أو نحوه تمتع. 2843 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء: أنه جعل أهل عرفة من أهل مكة في قوله: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال: أهل مكة وفج وذي طوى، وما يلي ذلك فهو من مكة.
[ 351 ]
وأولى الاقوال في ذلك بالصحة عندنا قول من قال: إن حاضري المسجد الحرام من هو حوله ممن بينه وبينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصلوات لان حاضر الشئ في كلام العرب هو الشاهد له بنفسه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان لا يستحق أن يسمى غائبا إلا من كان مسافرا شاخصا عن وطنه، وكان المسافر لا يكون مسافرا إلا بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر في مثله الصلاة، وكان من لم يكن كذلك لا يستحق اسم غائب عن وطنه ومنزله، كان كذلك من لم يكن من المسجد الحرام على ما تقصر إليه الصلاة غير مستحق أن يقال: هو من غير حاضريه إذ كان الغائب عنه هو من وصفنا صفته. وإنما لم تكن المتعة لمن كان من حاضري المسجد الحرام من أجل أن التمتع إنما هو الاستمتاع بالاحلال من الاحرام بالعمرة إلى الحج مرتفقا في ترك العود إلى المنزل والوطن بالمقام بالحرم حتى ينشئ منه الاحرام بالحج، وكان المعتمر متى قضى عمرته في أشهر الحج ثم انصرف إلى وطنه، أو شخص عن الحرم إلى ما تقصر فيه الصلاة، ثم حج من عامه ذلك، بطل أن يكون مستمتعا لانه لم يستمتع بالمرفق الذي جعل للمستمتع من ترك العود إلى الميقات والرجوع إلى الوطن بالمقام في الحرم، وكان المكي من حاضري المسجد الحرام لا يرتفق بذلك من أجل أنه متى قضى عمرته أقام في وطنه بالحرم، فهو غير مرتفق بشئ مما يرتفق به من لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام فيكون متمتعا بالاحلال من عمرته إلى حجه. القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب. يعني بذلك جل اسمه: واتقوا الله بطاعته فيما ألزمكم من فرائضه وحدوده، واحذروا أن تعتدوا في ذلك وتتجاوزوا فيما بين لكم من مناسككم، فتستحلوا ما حرم فيها عليكم. واعلموا: تيقنوا أنه تعالى ذكره شديد عقابه لمن عاقبه على ما انتهك من محارمه وركب من معاصيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) يعني جل ثناؤه بذلك: وقت الحج أشهر معلومات. والاشهر يأولي الالباب مرفوعات بالحج، وإن كان له وقتا لا صفة ونعتا، إذ لم تكن محصورات بتعريف بإضافة إلى معرفة أو معهود،
[ 352 ]
فصار الرفع فيهن كالرفع في قول العرب في نظير ذلك من المحل المسلمون جانب والكفار جانب، برفع الجانب الذي لم يكن محصورا على حد معروف، ولو قيل جانب أرضهم أو بلادهم لكان النصب هو الكلام. ثم اختلف أهل التأويل في قوله: الحج أشهر معلومات فقال بعضهم: يعني بالاشهر المعلومات: شوالا، وذا القعدة، وعشرا من ذي الحجة. ذكر من قال ذلك: 2844 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله قوله: الحج أشهر معلومات قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة. 2845 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان وشريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم عن ابن عباس، مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر السلمي، قال: ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. 2846 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: الحج أشهر معلومات وهن: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، جعلهن الله سبحانه للحج، وسائر الشهور للعمرة، فلا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج، والعمرة يحرم بها في كل شهر. * - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: الحج أشهر معلومات قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. 2847 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن وأبو عامر قالا: ثنا سفيان، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أخبرنا الثوري عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله.
[ 353 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي مثله. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان وإسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله. 2849 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر، مثله. 2850 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، مثله. 2851 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2852 - حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم والشعبي. وأخبرنا يونس، عن الحسن. وأخبرنا جويبر، عن الضحاك. وأخبرنا حجاج، عن عطاء ومجاهد، مثله. 2853 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة في الحج أشهر معلومات. * - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: الحج أشهر معلومات قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة. 2854 - حدثنا أحمد بحازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. * - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيل الخراساني، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر مثله. وقال آخرون: بل يعني بذلك شوالا، وذا القعدة، وذا الحجة كله. ذكر من قال ذلك: 2855 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا ابن جريج، قال: قلت لنافع: أكان عبد الله يسمي أشهر الحج ؟ قال: نعم، شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
[ 354 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: ثنا ابن جريج، قال: قلت لنافع: أسمعت ابن عمر يسمي أشهر الحج ؟ قال: نعم، كان يسمي شوالا، وذا القعدة، وذا الحجة. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. 2856 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الحج أشهر معلومات، قال عطاء: فهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. 2857 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. 2858 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: الحج أشهر معلومات أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. وربما قال: وعشر ذي الحجة. 2859 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: الحج أشهر معلومات قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. 2860 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، مثله. 2861 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. فإن قال لنا قائل: وما وجه قائلي هذه المقالة، وقد علمت أن عمل الحج لا يعمل بعد تقضي أيام منى ؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي توهمته، وإنما عنوا بقيلهم الحج ثلاثة أشهر كوامل، أنهن الحج لا أشهر العمرة، وأن شهور العمرة سواهن من شهور السنة. ومما يدل على أن ذلك معناهم في قيلهم ذلك ما: 2862 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: قال ابن عمر: أن تفصلوا بين أشهر الحج والعمرة فتجعلوا العمرة في غير أشهر الحج، أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته. 2863 - حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال: أخبرني أبي، قال: ثنا شعبة، قال: ما لقيني أيوب أو قال: ما لقيت أيوب إلا سألني عن حديث قيس بن مسلم، عن
[ 355 ]
طارق بن شهاب، قال: قلت لعبد الله: امرأة منا قد حجت، أو هي تريد أن تحج، أفتجعل مع حجها عمرة ؟ فقال: ما أرى هؤلاء إلا أشهر الحج. قال: فيقول لي أيوب ومن عنده: مثل هذا الحديث حدثك قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أنه سأل عبد الله. 2864 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن ابن عون، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة. قال: فقيل له: العمرة في المحرم ؟ فقال: كانوا لا يرونها تامة. 2865 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن ابن عون، قال: سألت القاسم بن محمد عن العمرة في أشهر الحج، قال: كانوا لا يرونها تامة. 2866 - حدثنا ابن بيان الواسطي، قال: أخبرنا إسحاق عن عبد الله بن عون، عن ابن سيرين أنه كان يستحب العمرة في المحرم، قال: تكون في أشهر الحج. قال: كانوا لا يرونها تامة. 2867 - حدثنا ابن بيان، قال: ثنا إسحاق، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: قال ابن عمر للحكم بن الاعرج أو غيره: إن أطعتني انتظرت حتى إذا أهل المحرم خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة. 2868 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن أبي يعقوب، قال: سمعت ابن عمر يقول: لان أعتمر في عشر ذي الحجة أحب إلي من أن أعتمر في العشرين. 2869 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: سألت ابن مسعود عن امرأة منا أرادت أن تجمع مع حجها عمرة، فقا: أسمع الله يقول: الحج أشهر معلومات ما أراها إلا أشهر الحج. 2870 - حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا حزام القطعي، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: ما أحد من أهل العلم شك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج. ونظائر ذلك مما يطول باستيعاب ذكره الكتاب، مما يدل على أن معنى قيل من قال: وقت الحج ثلاثة أشهر كوامل، أنهن من غير شهور العمرة، وأنهن شهور لعمل الحج دون عمل العمرة، وإن كان عمل الحج إنما يعمل في بعضهن لا في جميعهن.
[ 356 ]
وأما الذين قالوا: تأويل ذلك: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة، فإنهم قالوا: إنما قصد الله جل ثناؤه بقوله: الحج أشهر معلومات إلى تعريف خلقه ميقات حجهم، لا الخبر عن وقت العمرة. قالوا: فأما العمرة، فإن السنة كلها وقت لها، لتظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) أنه اعتمر في بعض شهور الحج، ثم لم يصح عنه بخلاف ذلك خبر. قالوا: فإذا كان ذلك كذلك، وكان عمل الحج ينقضي وقته بانقضاء العاشر من أيام ذي الحجة، علم أن معنى قوله: الحج أشهر معلومات إنما هو ميقات الحج شهران وبعض الثالث. والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: إن معنى ذلك الحج شهران وعشر من الثالث لان ذلك من الله خبر عن ميقات الحج ولا عمل للحج يعمل بعد انقضاء أيام منى، فمعلوم أنه لم يعن بذلك جميع الشهر الثالث، وإذا لم يكن معنيا به جميعه صح قول من قال: وعشر ذي الحجة. فإن قال قائل: فكيف قيل: الحج أشهر معلومات وهو شهران وبعض الثالث ؟ قيل إن العرب لا تمتنع خاصة في الاوقات من استعمال مثل ذلك، فتقول له اليوم يومان منذ لم أره. وإنما تعني بذلك يوما وبعض آخر، وكما قال جل ثناؤه: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه وإنما يتعجل في يوم ونصف. وقد يفعل الفاعل منهم الفعل في الساعة، ثم يخرجه عاما على السنة والشهر، فيقول: زرته العام وأتيته اليوم، وهو لا يريد بذلك أن فعله أخذ من أول الوقت الذي ذكره إلى آخره، ولكنه يعني أنه فعله إذ ذاك وفي ذلك الحين، فكذلك الحج أشهر، والمراد منه الحج شهران وبعض آخر. فمعنى الآية إذا: ميقات حجكم أيها الناس شهران وبعض الثالث، وهو شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. القول في تأويل قوله تعالى: فمن فرض فيهن الحج. يعني بقوله جل ثناؤه: فمن فرض فيهن الحج فمن أوجب الحج على نفسه وألزمها إياه فيهن، يعني في الاشهر المعلومات التي بينها. وإيجابه إياه على نفسه العزم على عمل جميع ما أوجب الله على الحاج عمله وترك جميع ما أمره الله بتركه.
[ 357 ]
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي يكون به الرجل فارضا الحج بعد إجماع جميعهم، على أن معنى الفرض: الايجاب والالزام، فقال بعضهم: فرض الحج الاهلال. ذكر من قال ذلك: 2871 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ورقاء، عن عبد الله المدني بن دينار، عن ابن عمر قوله: فمن فرض فيهن الحج قال: من أهل بحج. 2872 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن العلاء بن المسيب، عن عطاء، قال: التلبية. 2873 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثنا علي، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان الثوري: فمن فرض فيهن الحج قال: فالفريضة الاحرام، والاحرام: التلبية. 2874 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن إبراهيم، يعني ابن مهاجر، عن مجاهد: فمن فرض فيهن الحج قال: الفريضة: التلبية. * - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: فمن فرض فيهن الحج قال: أهل. 2875 - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الفرض التلبية، ويرجع إن شاء ما لم يحرم. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فمن فرض فيهن الحج قال: الفرض: الاهلال. 2876 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: فمن فرض فيهن الحج قال: التلبية. 2877 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو الضرير، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن جبر بن حبيب، قال: سألت القاسم بن محمد عمن فرض فيهن الحج، قال: إذا اغتسلت ولبست ثوبك ولبيت، فقد فرضت الحج. وقال آخرون: فرض الحج إحرامه. ذكر من قال ذلك: 2878 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فمن فرض فيهن الحج يقول: من أحرم بحج أو عمرة.
[ 358 ]
2879 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قالوا جميعا: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: فمن فرض فيهن الحج قال: فمن أحرم. واللفظ لحديث ابن بشار. 2880 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك والحسن بن صالح، عن ليث، عن عطاء، قال: الفرض: الاحرام. 2881 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن عطاء وبعض أشياخنا عن الحسن في قوله: فمن فرض فيهن الحج قالا: فرض الحج: الاحرام. 2882 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فمن فرض فيهن الحج فهذا عند الاحرام. * - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، عن ابن عباس: قال: الفرض: الاحرام. 2883 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيل الخراساني، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر مثله. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، قال: أخبرنا المغيرة، عن إبراهيم: فمن فرض فيهن الحج قال: من أحرم. وهذا القول الثاني يحتمل أن يكون بمعنى ما قلنا من أن يكون الاحرام كان عند قائله الايجاب بالعزم. ويحتمل أن يكون كان عنده بالعزم والتلبية، كما قال القائلون القول الاول. وإنما قلنا: إن فرض الحج الاحرام لاجماع الجميع على ذلك. وقلنا: إن الاحرام هو إيجاب الرجل ما يلزم المحرم أن يوجبه على نفسه، على ما وصفنا آنفا، لانه لا يخلو القول في ذلك من أحد أمور ثلاثة: إما أن يكون الرجل غير محرم إلا بالتلبية وفعل جميع ما يجب على الموجب الاحرام على نفسه فعله، فإن يكن ذلك كذلك، فقد يجب أن لا يكون محرما إلا بالتجرد للاحرام، وأن يكون من لم يكن له متجردا فغير محرم. وفي إجماع الجميع على أنه قد يكون محرما وإن لم يكن متجردا من ثيابه بإيجابه الاحرام ما يدل على أنه قد يكون محرما وإن لم يلب، إذ كانت التلبية بعض مشاعر الاحرام، كما التجرد له بعض مشاعره.
[ 359 ]
وفي إجماعهم على أنه قد يكون محرما بترك بعض مشاعر حجه ما يدل على أن حكم غيره من مشاعره حكمه. أو يكون إذ فسد هذا القول قد يكون محرما وإن لم يلب ولم يتجرد ولم يعزم العزم الذي وصفنا. وفي إجماع الجميع على أنه لا يكون محرما من لم يعزم على الاحرام ويوجبه على نفسه إذا كان من أهل التكليف ما ينبئ عن فساد هذا القول، وإذ فسد هذا الوجهان فبينة صحة الوجه الثالث، وهو أن الرجل قد يكون محرما بإيجابه الاحرام بعزمه على سبيل ما بينا، وإن لم يظهر ذلك بالتجرد والتلبية وصنيع بعض ما عليه عمله من مناسكه. وإذا صح ذلك صح ما قلنا من أن فرض الحج هو ما قرن إيجابه بالعزم على نحو ما بينا قبل. القول في تأويل قوله تعالى: فلا رفث. اختلف أهل التأويل في معنى الرفث في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الافحاش للمرأة في الكلام، وذلك بأن يقول: إذا حللنا فعلت بك كذا وكذا لا يكني عنه، وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك: 2884 - حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ويونس. قالا: ثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن الرفث في قول الله: فلا رفث ولا فسوق قال: هو التعريض بذكر الجماع، وهي العرابة من كلام العرب، وهو أدنى الرفث. 2885 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن روح بن القاسم، عن ابن طاوس في قوله: فلا رفث قال: الرفث: العرابة والتعريض للنساء بالجماع. 2886 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عون، قال: ثنا زياد بن حصين، قال: ثني أبي حصين بن قيس، قال: أصعدت مع ابن عباس في الحاج، وكنت له خليلا، فلما كان بعدما أحرمنا قال ابن عباس، فأخذ بذنب بعيره، فجعل يلويه، وهو يرتجز ويقول: وهن يمشين بنا هميساإن تصدق الطير ننك لميسا قال: فقلت: أترفث وأنت محرم ؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء.
[ 360 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن رجل، عن أبي العالية الرياحي، عن ابن عباس أنه كان يحدو وهو محرم، ويقول: وهن يمشين بنا هميساإن تصدق الطير ننك لميسا قال: قلت: تتكلم بالرفث وأنت محرم ؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. 2887 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث: إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم. 2888 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي، مثله. 2889 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أيحل للمحرم أن يقول لامرأته: إذا حللت أصبتك ؟ قال: لا، ذاك الرفث. قال: وقال عطاء: الرفث ما دون الجماع. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثني محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الرفث: الجماع وما دونه من قول الفحش. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: قول الرجل لامرأته: إذا حللت أصبتك، قال: ذاك الرفث. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن الاعمش، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، قال كنت أمشي مع ابن عباس وهو محرم، وهو يرتجز ويقول: وهن يمشين بنا هميساإن تصدق الطيرننك لميسا قال: قلت: أترفث يا ابن عباس وأنت محرم ؟ قال: إنما الرفث ما روجع به النساء. 2890 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا سفيان ويحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرنا ابن الزبير السبائي وعطاء، أنه سمع طاوسا قال: سمعت ابن الزبير يقول: لا يحل للمحرم الاعرابة. فذكرته لابن عباس، فقال: صدق. قلت لابن عباس: وما الاعراب ؟ قال: التعريض.
[ 361 ]
2891 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس أنه كان يقول: لا يحل للمحرم الاعرابة. قال طاوس: والاعرابة: أن يقول وهو محرم: إذا حللت أصبتك. 2892 - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا فطر، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، قال: لا يكون رفث إلا ما واجهت به النساء. 2893 - حدثنا ابن بشار، ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن عطاء قال: كانوا يكرهون الاعرابة يعني التعريض بذكر الجماع وهو محرم. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن طاوس أنه سمع أباه أنه كان يقول: لا تحل الاعرابة، والاعرابة: التعريض. 2894 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن قول الله تعالى: فلا رفث قال: الرفث الذي ذكر ههنا ليس بالرفث الذي ذكر في: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ومن الرفث: التعريض بذكر الجماع، وهي الاعراب بكلام العرب. 2895 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أبو معاوية: قال: ثنا ابن جريج، عن عطاء: أنه كره التعريب للمحرم. * - حدثنا عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن طاوس أن أباه كان يقول: الرفث: الاعرابة مما رواه من شأن النساء، والاعرابة: الايضاح بالجماع. * - حدثنا عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: ثنا الحسن بن مسلم أنه سمع طاوسا يقول: لا يحل للمحرم الاعرابة. 2896 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: فلا رفث قال: الرفث: غشيان النساء والقبل والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك.
[ 362 ]
2897 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول للحادي: لا تعرض بذكر النساء. 2898 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر وابن جريج، عن ابن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الرفث في الصيام: الجماع، والرفث في الحج: الاعرابة، وكان يقول: الدخول والمسيس: الجماع. وقال آخرون: الرفث في هذا الموضع: الجماع نفسه. ذكر من قال ذلك: 2899 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن خصيف، عن مقسم، قال: الرفث: الجماع. 2900 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، مثله. * - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الرفث: إتيان النساء. * - حدثنا عبد الحميد قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس عن الرفث، فقال: الجماع. * - حدثنا عبد الحميد، قال: ثنا إسحاق، عن سفيان، عن عاصم الاحول، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس قال: الرفث: هو الجماع، ولكن الله كريم يكني عما شاء. 2901 - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن الاعمش، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية قال: سمعت ابن عباس يرتجز وهو محرم، يقول: خرجن يسرين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا قال شريك: إلا أنه لم يكن عن الجماع لميسا. فقلت: أليس هذا الرفث ؟ قال: لا إنما الرفث: إتيان النساء والمجامعة. * - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن عون، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، عن ابن عباس بنحوه، إلا أن عونا صرح به.
[ 363 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس، قال: الرفث: الجماع. 2902 - حدثنا عبد الحميد، قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله قوله: فلا رفث قال: الرفث: إتيان النساء. 2903 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا عوف، عن الحسن في قوله: فلا رفث قال: الرفث: غشيان النساء. 2904 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عمرو بن دينار الرفث: الجماع فما دونه من شأن النساء. * - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار بنحوه. 2905 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله: فلا رفث قال: الرفث: الجماع. 2906 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد: فلا رفث قال: الرفث: الجماع. 2907 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة في قوله: فلا رفث قال: كان قتادة يقول: الرفث: غشيان النساء. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، مثله. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الرفث: الجماع. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، قال: الرفث: الجماع. * - حدثنا أحمد، ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: الرفث: الجماع. 2908 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الرفث: المجامعة.
[ 364 ]
2909 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلا رفث فلا جماع. 2910 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فلا رفث قال: الرفث: الجماع. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فلا رفث قال: جماع النساء. 2911 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: فلا رفث قال: الرفث: الجماع. * - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الرفث: الجماع. 2912 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الرفث: الجماع. 2913 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة قال: الرفث: الجماع. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، قال: الرفث: الجماع. 2914 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن حسين بن عقيل. وحدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم. وحدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق، قالا: أخبرنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، قال: الرفث: الجماع. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، مثله. قال: وأخبرنا عبد الملك، عن عطاء، مثله. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم قالا: مثل ذلك. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، وأخبرنا مغيرة، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
[ 365 ]
* - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الرفث: النكاح. * - حدثنا أحمد بن حازم قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثني ثوير، قال: سمعت ابن عمر يقول الرفث: الجماع. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الرفث: غشيان النساء. قال معمر: وقال مثل ذلك الزهري عن قتادة. 2915 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الرفث: إتيان النساء، وقرأ: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: فلا رفث قال: الرفث: الجماع. * - حدثنا ابن حميد، ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. والصواب من القول في ذلك عندي أن الله جل ثناؤه نهى من فرض الحج في أشهر الحج عن الرفث، فقال: فمن فرض فيهن الحج فلا رفث. والرفث في كلام العرب: أصله الافحاش في المنطق على ما قد بينا فيما مضى، ثم تستعمله في الكناية عن الجماع. فإذ كان ذلك كذلك، وكان أهل العلم مختلفين في تأويله، وفي هذا النهي من الله عن بعض معاني الرفث أم عن جميع معانيه، وجب أن يكون على جميع معانيه، إذ لم يأت خبر بخصوص الرفث الذي هو بالمنطق عند النساء من سائر معاني الرفث يجب التسليم له، إذ كان غير جائز نقل حكم ظاهر آية إلى تأويل باطن إلا بحجة ثابتة. فإن قال قائل: إن حكمها من عموم ظاهرها إلى الباطن من تأويلها منقول بإجماع، وذلك أن الجميع لا خلاف بينهم في أن الرفث عند غير النساء غير محظور على محرم، فكان معلوما بذلك أن الآية معني بها بعض الرفث دون بعض. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن لا يحرم من معاني الرفث على المحرم شئ إلا ما أجمع على تحريمه عليه، أو قامت بتحريمه حجة يجب التسليم لها. قيل: إن ما خص من الآية فأبيح خارج من التحريم، والحظر ثابت لجميع ما لم تخصصه الحجة من معنى الرفث بالآية، كالذي كان عليه حكمه
[ 366 ]
لو لم يخص منه شئ، لان ما خص من ذلك وأخرج من عمومه إنما لزمنا إخراج حكمه من الحظر بأمر من لا يجوز خلاف أمره، فكان حكم ما شمله معنى الآية بعد الذي خص منها على الحكم الذي كان يلزم العباد فرضه بها لو لم يخصص منها شئ لان العلة فيما لم يخصص منها بعد الذي خص منها نظير العلة فيه قبل أن يخص منها شئ. القول في تأويل قوله تعالى: ولا فسوق. اختلف أهل التأويل في معنى الفسوق التي نهى الله عنها في هذا الموضع، فقال بعضهم: هي المعاصي كلها. ذكر من قال ذلك: 2916 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، قال الفسوق: المعاصي. 2917 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء: ولا فسوق قال: الفسوق: المعاصي. 2918 - حدثنا ابن بشار، قال: ثني محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الفسوق: المعاصي كلها، قال الله تعالى: وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم. * - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: ثنا إسحاق، عن ابن جريج، عن عطاء، مثله. 2919 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا عوف، عن الحسن في قوله: ولا فسوق قال: الفسوق: المعاصي. 2920 - حدثنا عبد الحميد ببيان، قال: ثنا إسحاق، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: الفسوق: المعصية. 2921 - حدثنا عبد الحميد، قال: ثنا إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الفسوق: المعاصي كلها. * - حدثني يعقوب قال: أخبرنا ابن عيينة، عن روح بن القاسم، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: ولا فسوق قال: الفسوق: المعاصي. 2922 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: ولا فسوققال: الفسوق: المعاصي.
[ 367 ]
2923 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، وحدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد جميعا، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: ولا فسوق قال: الفسوق: المعاصي. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولافسوق قال: المعاصي. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، ثنا شبل، عن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 2924 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الفسوق: المعاصي. قال: وقال مجاهد مثل قول سعيد. * - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: الفسوق: المعاصي. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ولا فسوق قال: الفسوق: عصيان الله. 2925 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: ولا فسوق قال: الفسوق: المعاصي. * - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الفسوق: المعاصي. * - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: ولا فسوق قال: المعاصي. قال: وأخبرنا عبد الملك، عن عطاء، مثله. * - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. 2926 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، مثله. 2927 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة قال: الفسوق: معصية الله، لا صغير من معصية الله.
[ 368 ]
* - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ولا فسوققال: الفسوق: معاصي الله كلها. * - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الفسوق: المعاصي. وقال مثل ذلك الزهري وقتادة. وقال آخرون: بل الفسوق في هذا الموضع ما عصي الله به في الاحرام مما نهى عنه فيه من قتل صيد وأخذ شعر وقلم ظفر، وما أشبه ذلك مما خص الله به الاحرام وأمر بالتجنب منه في خلال الاحرام. ذكر من قال ذلك: 2928 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الفسوق: إتيان معاصي الله في الحرم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الفسوق: ما أصيب من معاصي الله به، صيد أو غيره. وقال آخرون: بل الفسوق في هذا الموضع: السباب. ذكر من قال ذلك: 2929 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: الفسوق: السباب. 2930 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الفسوق: السباب. * - حدثني أحمد بن حازم الغفاري، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا ثوير، قال: سمعت ابن عمر يقول: الفسوق: السباب. 2931 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عمرو، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد: ولا فسوق قال: الفسوق: السباب. 2932 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي في قوله: ولا فسوق قال: أما الفسوق: فهو السباب. 2933 - حدثني المثنى، قال: ثنا المعلى بن أسد، قال: ثنا خالد، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الفسوق: السباب.
[ 369 ]
2934 - حدثني المثنى، قال: ثنا معلى، قال: ثنا عبد العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسار يحدث نحوه. 2935 - حدثنا القاسم، قال: ثني الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم قالا: الفسوق: السباب. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: الفسوق: السباب. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: ولا فسوق قال: الفسوق: السباب. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور عن إبراهيم، مثله. وقال آخرون: الفسوق: الذبح للاصنام. ذكر من قال ذلك: 2936 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في الفسوق: الذبح للانصاب، وقرأ: أو فسقا أهل لغير الله به فقطع ذلك أيضا قطع الذبح للانصاب بالنبي (ص) حين حج فعلم أمته المناسك. وقال آخرون: الفسوق: التنابز بالالقاب. ذكر من قال ذلك: 2937 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيل، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر مثله. وأولى الاقوال التي ذكرنا بتأويل الآية في ذلك، قول من قال: معنى قوله: ولا فسوق النهي عن معصية الله في إصابة الصيد وفعل ما نهى الله المحرم عن فعله في حال إحرامه وذلك أن الله جل ثناؤه قال: فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق يعني بذلك فلا يرفث، ولا يفسق: أي لا يفعل ما نهاه الله عن فعله في حال إحرامه، ولا يخرج عن طاعة الله في إحرامه. وقد علمنا أن الله جل ثناؤه قد حرم معاصيه على كل أحد، محرما
[ 370 ]
كان أو غير محرم، وكذلك حرم التنابز بالالقاب في حال الاحرام وغيرها بقوله: ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالالقاب وحرم على المسلم سباب أخيه في كل حال فرض الحج أو لم يفرضه. فإذ كان ذلك كذلك، فلا شك أن الذي نهى الله عنه العبد من الفسوق في حال إحرامه وفرضه الحج هو ما لم يكن فسوقا في حال إحلاله وقبل إحرامه بحجه كما أن الرفث الذي نهاه عنه في حال فرضه الحج، هو الذي كان له مطلقا قبل إحرامه لانه لا معنى لان يقال فيما قد حرم الله على خلقه في كل الاحوال: لا يفعلن أحدكم في حال الاحرام ما هو حرام عليه فعله في كل حال، لان خصوص حال الاحرام به لا وجه له وقد عم به جميع الاحوال من الاحلال والاحرام. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذي نهى عنه المحرم من الفسوق فخص به حال إحرامه، وقيل له: إذا فرضت الحج فلا تفعله، هو الذي كان له مطلقا قبل حال فرضه الحج، وذلك هو ما وصفنا وذكرنا أن الله جل ثناؤه خص بالنهي عنه المحرم في حال إحرامه مما نهاه عنه من الطيب واللباس والحلق وقص الاظفار وقتل الصيد، وسائر ما خص الله بالنهي عنه المحرم في حال إحرامه. فتأويل الآية إذا: فمن فرض الحج في أشهر الحج فأحرم فيهن. فلا يرفث عند النساء فيصرح لهن بجماعهن، ولا يجامعهن، ولا يفسق بإتيان ما نهاه الله في حال إحرامه بحجه، من قتل صيد، وأخذ شعر، وقلم ظفر، وغير ذلك مما حرم الله عليه فعله وهو محرم. القول في تأويل قوله تعالى: ولا جدال في الحج. اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل المحرم أحدا. ثم اختلف قائلو هذا القول، فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه. ذكر من قال ذلك: 2938 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله: ولا جدال في الحج قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. 2939 - حدثنا عبد الحميد، قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس، عن الجدال، فقال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
[ 371 ]
* - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. 2940 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، قال: الجدال: أن يماري الرجل أخاه حتى يغضبه. 2941 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير: ولا جدال في الحج قال: أن تمحن صاحبك حتى تغضبه. 2942 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا هارون، عن عمرو، عن شعيب بن خالد، عن سلمة بن كهيل، قال: سألت مجاهدا عن قوله: ولا جدال في الحج قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. 2943 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: ثنا إسحاق، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، قال: الجدال: هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه. 2944 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، قال: الجدال: المراء. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الجدال: أن تجادل صاحبك حتى تغضبه. 2945 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الجدال: أن تصخب على صاحبك. * - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: ولا جدال في الحج قال: المراء. 2946 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق، وحدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قالا: ثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، قال: الجدال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. 2947 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا واقد الخلقاني، عن عطاء، قال: أما الجدال: فتماري صاحبك حتى تغضبه.
[ 372 ]
2948 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: الجدال: المراء، أن تماري صاحبك حتى تغضبه 2949 - حدثني المثنى، قال: ثنا المعلى بن أسد، قال: ثنا خالد، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: الجدال: المراء. * - حدثني المثنى، قال: ثنا المعلى، قال: ثنا عبد العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسار يحدث نحوه. * - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن أبي جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم بمثله. * - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الجدال: أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبوا. 2950 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة: ولا جدال في الحج الجدال: الغضب، أن تغضب عليك مسلما، إلا أن تستعتب مملوكا فتعظه من غير أن تغضبه، ولا أمر عليك إن شاء الله تعالى في ذلك. 2951 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، قال: الجدال: أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو تغضبه. 2952 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة قالا: الجدال: هو الصخب والمراء وأنت محرم. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الجدال: ما أغضب صاحبك من الجدل. * - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ولا جدال في الحج قال: الجدال: المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله عن ذلك. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم عن ابن عباس، قال: الجدال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
[ 373 ]
* - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، قال: الجدال: المراء. * - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة قالا: هو الصخب والمراء وأنت محرم. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: ولا جدال في الحج كانوا يكرهون الجدال. وقال آخرون منهم: الجدال في هذا الموضع معناه: السباب. ذكر من قال ذلك: 2953 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الجدال في الحج: السباب والمراء والخصومات. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الجدال: السباب والمنازعة. 2954 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الجدال: السباب. 2955 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية جميعا، عن سعيد، عن قتادة قال: الجدال: السباب. وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك خاصا من الجدال والمراء، وإنما عنى الاختلاف فيمن هو أتم حجا من الحجاج. ذكر من قال ذلك: 2956 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي، قال: الجدال: كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم، وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم. وقال آخرون منهم: بل ذلك اختلاف كان يكون بينهم في اليوم الذي فيه الحج، فنهوا عن ذلك. ذكر من قال ذلك: 2957 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن جبير بن حبيب، عن القاسم بن محمد أنه قال: الجدال في الحج أن يقول بعضهم: الحج اليوم، ويقول بعضهم: الحج غدا.
[ 374 ]
وقال آخرون: بل اختلافهم ذلك في أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم. ذكر من قال ذلك: 2958 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولا جدال في الحج قال: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم. فقطعه الله حين أعلم نبيه (ص) بمناسكهم. وقال آخرون: بل قوله جل ثناؤه: ولا جدال في الحج خبر من الله تعالى عن استقامة وقت الحج على ميقات واحد لا يتقدمه ولا يتأخره، وبطول فعل النسئ. ذكر من قال ذلك: 2959 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد في قوله: ولا جدال في الحج قال: قد استقام الحج ولا جدال فيه. 2960 - حدثني محمد بن عمرو، قال: أخبرنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولا جدال في الحج قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج قد بين، كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون صفران لصفر وشهر ربيع الاول، ثم يقولون شهرا ربيع لشهر ربيع الآخر وجمادى الاولى، ثم يقولون جماديان لجمادى الآخرة ولرجب، ثم يقولون لشعبان رجب، ثم يقولون لرمضان شعبان، ثم يقولون لشوال رمضان، ويقولون لذي القعدة شوال، ثم يقولون لذي الحجة ذا القعدة، ثم يقولون للمحرم ذا الحجة، فيحجون في المحرم ثم يأتنفون، فيحسبون على ذلك عدة مستقبلة على وجه ما ابتدءوا، فيقولون المحرم وصفر وشهرا ربيع، فيحجون في المحرم ليحجوا في كل سنة مرتين، فيسقطون شهرا آخر، فيعدون على العدة الاولى، فيقولون صفران وشهرا ربيع نحو عدتهم في أول ما أسقطوا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه. 2961 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صاحب النسئ الذي ينسأ لهم أبو ثمامة رجل من بني كنانة.
[ 375 ]
* - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا ابن إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا جدال في الحج قال: لا شبهة في الحج قد بين الله أمر الحج. 2962 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ولا جدال في الحج قال: قد استقام أمر الحج فلا تجادلوا فيه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا جدال في الحج قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج قد بين. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد: ولا جدال في الحج قال: قد علم وقت الحج فلا جدال فيه، ولا شك. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عبد العزيز والعلاء، عن مجاهد، قال: هو شهر معلوم لا تنازع فيه. * - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن سالم، عن مجاهد: ولا جدال في الحج قال: لا شك في الحج. 2963 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: ولا جدال في الحج قال: المراء بالحج. 2964 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا جدال في الحج فقد تبين الحج. قال: كانوا يحجون وفي ذي الحجة عامين، وفي المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، ثم وافقت حجة أبي بكر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي (ص) بسنة، ثم حج النبي (ص) من قابل في ذي الحجة فذلك حين يقول رسول الله (ص): إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والارض. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: ولا جدال في الحج قال: بين الله أمر الحج ومعالمه فليس فيه كلام.
[ 376 ]
وأولى هذه الاقوال في قوله ولا جدال في الحج بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: قد بطل الجدال في الحج ووقته، واستقام أمره ووقته على وقت واحد، ومناسك متفقة غير مختلفة، ولا تنازع فيه ولا مراء وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن وقت الحج أشهر معلومات، ثم نفى عن وقته الاختلاف الذي كانت الجاهلية في شركها تختلف فيه. وإنما اخترنا هذا التأويل في ذلك ورأيناه أولى بالصواب مما خالفه لما قد قدمنا من البيان آنفا في تأويل قوله: ولا فسوق أنه غير جائز أن يكون الله خص بالنهي عنه في تلك الحال إلا ما هو مطلق مباح في الحال التي يخالفها، وهي حال الاحلال وذلك أن حكم ما خص به من ذلك حكم حال الاحرام إن كان سواء فيه حال الاحرام وحال الاحلال، فلا وجه لخصوصه به حالا دون حال، وقد عم به جميع الاحوال. وإذ كان ذلك كذلك، وكان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله: ولا جدال في الحج أن تأويله: لا تمار صاحبك حتى تغضبه، إلا أحد معنيين: إما أن يكون أراد لا تماره بباطل حتى تغضبه. فذلك ما لا وجه له، لان الله عز وجل قد نهي عن المراء بالباطل في كل حال محرما كان المماري أو محلا، فلا وجه لخصوص حال الاحرام بالنهي عنه لاستواء حال الاحرام والاحلال في نهى الله عنه. أو يكون أراد: لا تماره بالحق، وذلك أيضا ما لا وجه له لان المحرم لو رأى رجلا يروم فاحشة كان الواجب عليه مراءه في دفعه عنها، أو رآه يحاول ظلمه والذهاب منه بحق له قد غصبه عليه كان عليه مراؤه فيه وجداله حتى يتخلصه منه. والجدال والمراء لا يكون بين الناس إلا من أحد وجهين: إما من قبل ظلم، وإما من قبل حق، فإذا كان من أحد وجهيه غير جائز فعله بحال، ومن الوجه الآخر غير جائز تركه بحال، فأي وجوهه التي خص بالنهي عنه حال الاحرام ؟ وكذلك لا وجه لقول من تأول ذلك أنه بمعنى السباب، لان الله تعالى ذكره قد نهى المؤمنين بعضهم عن سباب بعض على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام في كل حال، فقال (ص): سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر فإذا كان المسلم عن سب المسلم منهيا في كل حال من أحواله، محرما كان أو غير محرم، فلا وجه لان يقال: لا تسبه في حال الاحرام إذا أحرمت.
[ 377 ]
وفيما روي عن رسول الله (ص) من الخبر الذي: 2965 - حدثنا به محمد بن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج مثل يوم ولدته أمه. * - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. * - حدثنا أحمد بن الوليد، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة عن النبي (ص)، مثل حديث ابن المثنى، عن وهب بن جرير. * - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، مثله أيضا. * - لحدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني منصور، قال: سمعت أبا حازم يحدث عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، نحوه. * - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله، عن الاعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كما ولدته أمه. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وأبو أسامة، عن سفيان، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص)، فذكر مثله، إلا أنه قال: رجع كما ولدته أمه. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال قال رسول الله (ص)، فذكر نحوه، إلا أنه قال: رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمه.
[ 378 ]
* - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور، عن هلال بن يسار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: فذكر نحوه، إلا أنه قال: رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمه. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور عن هلال بن يسار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): من حج هذا البيت يعني الكعبة فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه. * - حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا هشيم بن بشير، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كهيئة ولدته أمه. دلالة واضحة على أن قوله: ولا جدال في الحج بمعنى النفي عن الحج بأن يكون في وقته جدال ومراء دون النهي عن جدال الناس بينهم فيما يعنيهم من الامور أو لا يعنيهم. وذلك أنه (ص) أخبر أنه من حج فلم يرفث ولم يفسق استحق من الله الكرامة ما وصف أنه استحقه بحجه تاركا للرفث والفسوق اللذين نهى الله الحاج عنهما في حجه من غير أن يضم إليهما الجدال. فلو كان الجدال الذي ذكره الله في قوله: ولا جدال في الحج مما نهاه الله عنه بهذه الآية، على نحو الذي تأول ذلك من تأوله من أنه المراء والخصومات أو السباب وما أشبه ذلك، لما كان (ص) ليخص باستحقاق الكرامة التي ذكر أنه يستحقها الحاج الذي وصف أمره باجتناب خلتين مما نهاه الله عنه في حجه دون الثالثة التي هي مقرونة بهما. ولكن لما كان معنى الثالثة مخالفا معنى صاحبتيها في أنها خبر على المعنى الذي وصفنا، وأن الاخريين بمعنى النهي الذي أخبر النبي (ص) أن مجتنبهما في حجه مستوجب ما وصف من إكرام الله إياه مما أخبر أنه مكرمه به إذا كانتا بمعنى النهي، وكان المنتهي عنهما لله مطيعا بانتهائه عنهما، وترك ذلك الثالثة إذا لم تكن في معناهما، وكانت مخالفة سبيلها سبيلهما.
[ 379 ]
فإذا كان ذلككذلك، فالذي هو أولى بالقراءة من القراءات المخالفة بين إعراب الجدال وإعراب الرفث والفسوق، ليعلم سامع ذلك إذا كان من أهل الفهم باللغات أن الذي من أجله خولف بين إعرابيهما اختلاف معنييهما، وإن كان صوابا قراءة جميع ذلك باتفاق إعرابه على اختلاف معانيه، إذ كانت العرب قد تتبع بعض الكلام بعضا بإعراب مع اختلاف المعاني، وخاصة في هذا النوع من الكلام. فأعجب القراءات إلي في ذلك إذ كان الامر على ما وصفت، قراءة من قرأ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج برفع الرفث والفسوق وتنوينهما، وفتح الجدال بغير تنوين. وذلك هو قراءة جماعة البصريين وكثير من أهل مكة، منهم عبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء. وأما قول من قال: معناه النهي عن اختلاف المختلفين في أتمهم حجا، والقائلين معناه: النهي عن قول القائل: غدا الحج، مخالفا به قول الآخر: اليوم الحج، فقول في حكايته الكفاية عن الاستشهاد على وهائه وضعفه، وذلك أنه قول لا تدرك صحته إلا بخبر مستفيض وخبر صادق يوجب العلم أن ذلك كان كذلك، فنزلت الآية بالنهي عنه. أو أن معنى ذلك في بعض معاني الجدال دون بعض، ولا خبر بذلك بالصفة التي وصفنا. وأما دلالتنا على قول ما قلنا من أنه نفي من الله عز وجل عن شهور الحج، الاختلاف الذي كانت الجاهلية تختلف فيها بينها قبل كما وصفنا. وأما دلالتنا على أن الجاهلية كانت تفعل ذلك فالخبر المستفيض في أهل الاخبار أن الجاهلية كانت تفعل ذلك مع دلالة قول الله تقدس اسمه: إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما. القول في تأويل قوله تعالى: وما تفعلوا من خير يعلمه الله. يعني بذلك جل ثناؤه: افعلوا أيها المؤمنون ما أمرتكم به في حجكم من إتمام مناسككم فيه، وأداء فرضكم الواجب عليكم في إحرامكم، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من الرفث والفسوق في حجكم لتستوجبوا به الثواب الجزيل، فإنكم مهما تفعلوا من ذلك وغيره من خير وعمل صالح ابتغاء مرضاتي وطلب ثوابي، فأنا به عالم ولجميعه محص حتى أوفيكم أجره وأجازيكم عليه، فإني لا تخفى علي خافية ولا ينكتم عني ما أردتم بأعمالكم، لاني مطلع على سرائركم وعالم بضمائر نفوسكم.
[ 380 ]
القول في تأويل قوله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يحجون بغير زاد، وكان بعضهم إذا أحرم رمى بما معه من الزاد واستأنف غيره من الازودة، فأمر الله جل ثناؤه من لم يكن يتزود منهم بالتزود لسفره، ومن كان منهم ذا زاد أن يتحفظ بزاده فلا يرمي به. ذكر الاخبار التي رويت في ذلك: 2966 - حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا عمرو بن عبد الغفار، قال: ثنا محمد بن سوقة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها واستأنفوا زادا آخر، فأنزل الله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق. 2967 - حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عبا س، قال: كانوا يحجون ولا يتزودون، فنزلت: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. 2968 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا سفيان، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبير في قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، قال: الكعك والزيت. 2969 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبير، قال: هو الكعك والسويق. 2970 - حدثنا عمرو، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، قال: كان أناس يحجون، ولا يتزودون، فأنزل الله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. 2971 - حدثنا عمرو، قال: ثنا سفيان بن عيينة، قال: ثنا عبد الملك بن عطاء كوفي لنا. 2972 - وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عبد الملك، عن الشعبي في قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: التمر والسويق.
[ 381 ]
2973 - حدثنا عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا حنظلة، قال: سئل سالم عن زاد الحاج، فقال: الخبز واللحم والتمر. قال عمرو: وسمعت أبا عاصم مرة يقول: ثنا حنظلة سئل سالم عن زاد الحاج، فقال الخبز والتمر. 2974 - حدثنا عمرو، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: كان ناس من الاعراب يحجون بغير زاد ويقولون: نتوكل على الله، فأنزل الله جل ثناؤه: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. 2975 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: كان الحاج منهم لا يتزود، فأنزل الله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. * - حدثنا عمرو، قال: ثنا يحيى عن عمر بن ذر وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن ذر، عن مجاهد قال: كانوا يسافرون ولا يتزودون، فنزلت: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. وقال الحسن بن يحيى في حديثه: كانوا يحجون ولا يتزودون. * - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي قال: ثنا المحاربي، عن عمر بن ذر، عن مجاهد نحوه. * و - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهدا يحدث فذكر نحوه. 2976 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج يتوصلون بالناس بغير زاد، يقولون: نحن متكلون فأنزل الله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. * - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: وتزودوا قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج يتوصلون بالناس بغير زاد، فأمروا أن يتزودوا. 2977 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: كان أهل اليمن يتوصلون بالناس، فأمروا أن يتزودوا ولا يستمتعوا قال: وخير الزاد التقوى.
[ 382 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: كانوا لا يتزودون، فأمروا بالزاد، وخير الزاد التقوى. 2978 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى فكان الحسن يقول: إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون، ولا يتزودون، فأمرهم الله بالنفقة والزاد في سبيل الله، ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى. 2979 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة في قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: قال قتادة: كان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ثم ذكر نحو حديث بشر عن يزيد. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى كان ناس من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة، فأمرهم الله أن يتزودوا، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى. 2980 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون: نحج بيت الله ولا يطعمنا ؟ فقال الله: تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس. 2981 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى فكان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، فأمرهم الله أن يتزودوا، وأنبأ أن خير الزاد التقوى. 2982 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير: وتزودوا قال: السويق والدقيق والكعك. 2983 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: الخشكنانج والسويق. 2984 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عبد الملك بن عطاء البكالي، قال:
[ 383 ]
سمعت الشعبي يقول في قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: هو الطعام، وكان يومئذ الطعم قليلا. قال: قلت: وما الطعام ؟ قال: التمر والسويق. 2985 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وخير زاد الدنيا المنفعة من اللباس والطعام والشراب. 2986 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: كان ناس يتزودون إلى عقبة، فإذا انتهوا إلى تلك العقبة توكلوا ولم يتزودوا. 2987 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا المحاربي، قال: قال سفيان في قوله: وتزودوا قال: أمروا بالسويق والكعك. 2988 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرني أبي أنه سمع عكرمة يقول في قوله: وتزودوا قال: هو السويق والدقيق. 2989 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: كانت قبائل من العرب يحرمون الزاد إذا خرجوا حجاجا وعمارا لان يتضيفوا الناس، فقال الله تبارك وتعالى لهم: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. * - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا سفيان عن عمرو، عن عكرمة، قال: كان الناس يقدمون مكة بغير زاد، فأنزل الله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. فتأويل الآية إذا: فمن فرض في أشهر الحج الحج فأحرم فيهن فلا يرفثن ولا يفسقن، فإن أمر الحج قد استقام لكم، وعرفكم ربكم ميقاته وحدوده. فاتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه من أمرحجكم ومناسككم، فإنكم مهما تفعلوا من خير أمركم به أو ندبكم إليه يعلمه. وتزودوا من أقواتكم ما فيه بلاغكم إلى أداء فرض ربكم عليكم في حجكم ومناسككم، فإنه لا بر لله جل ثناؤه في ترككم التزود لانفسكم ومسألتكم الناس ولا في تضييع أقواتكم وإفسادها، ولكن البر في تقوى ربكم باجتناب ما نهاكم عنه في سفركم لحجكم وفعل ما أمركم به، فإنه خير التزود، فمنه تزودوا.
[ 384 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن الضحاك بن مزاحم. 2990 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى قال: والتقوى عمل بطاعة الله. وقد بينا معنى التقوى فيما مضى بما أغنى عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: واتقون يا أولي الالباب. يعني بذلك جل ثناؤه: واتقون يا أهل العقول والافهام بأداء فرائضي عليكم التي أوجبتها عليكم فحجكم ومناسككم وغير ذلك من ديني الذي شرعته لكم، وخافوا عقابي باجتناب محارمي التي حرمتها عليكم تنجوا بذلك مما تخافون من غضبي عليكم وعقابي، وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتي. وخص جل ذكره بالخطاب بذلك أولي الالباب، لانهم أهل التمييز بين الحق والباطل، وأهل الفكر الصحيح والمعرفة بحقائق الاشياء التي بالعقول تدرك وبالالباب تفهم، ولم يجعل لغيرهم من أهل الجهل في الخطاب بذلك حظا، إذ كانوا أشباحا كالانعام، وصورا كالبهائم، بل هم منها أضل سبيلا. والالباب: جمع لب، وهو العقل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذآ أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ئ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) * يعني بذلك جل ذكره: ليس عليكم أيها المؤمنون جناح. والجناح: الحرج كما: 2991 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم وهو لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الاحرام وبعده. وقوله: أن تبتغوا فضلا من ربكم يعني أن تلتمسوا فضلا من عند ربكم، يقال منه:
[ 385 ]
ابتغيت فضلا من الله ومن فضل الله أبتغيه ابتغاء: إذا طلبته والتمسته، وبغيته أبغيه بغيا، كما قال عبد بني الحسحاس: بغاك وما تبغيه حتى وجدته كأنك قد واعدته أمس موعدا يعني طلبك والتمسك. وقيل: إن معنى ابتغاء الفضل من الله: التماس رزق الله بالتجارة، وأن هذه الآية نزلت في قوم كانوا لا يرون أن يتجروا إذا أحرموا يلتمسون البر بذلك، فأعلمهم جل ثناؤه أن لا بر في ذلك وأن لهم التماس فضله بالبيع والشراء. ذكر من قال ذلك: 2992 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي، قال: ثنا المحاربي، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: كانوا يحجون ولا يتجرون، فأنزل الله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال: في الموسم. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهدا يحدث، قال: كان ناس لا يتجرون أيام الحج، فنزلت فيهم ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم. 2993 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة في قوله تبارك وتعالى: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال: إذا كنتم محرمين أن تبيعوا وتشتروا. 2994 - حدثنا طليق بن محمد الواسطي، قال: أخبرنا أسباط، قال: أخبرنا الحسن بن عمرو، عن أبي أمامة التيمي قال: قلت لابن عمر: إنا قوم نكري فهل لنا حج ؟ قال: أليس تطوفون بالبيت وتأتون المعروف وترمون الجمار وتحلقون رءوسكم ؟ فقلنا: بلى.
[ 386 ]
قال: جاء رجل إلى النبي: (ص) فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يدر ما يقول له حتى نزل جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم إلى آخر الآية، فقال النبي (ص): أنتم حجاج. 2995 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، قال: كانت تقرأ هذه الآية: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج. 2996 - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن منصور بن المعتمر في قوله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال: هو التجارة في البيع والشراء، والاشتراء لا بأس به. 2997 - حدثت عن أبي هشام الرفاعي، قال: ثنا وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج. 2998 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن علي بن مسهر، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: كان متجر الناس في الجاهلية عكاظ وذو المجاز، فلما جاء الاسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتى أنزل الله جل ثناؤه: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم. 2999 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا شبابة بن سوار، قال: ثنا شعبة، عن أبي أميمة، قال: سمعت ابن عمر، وسئل عن الرجل يحج ومعه تجارة، فقرأ ابن عمر: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كانوا لا يتجرون في أيام الحج، فنزلت: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه قال: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج. 3000 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا طلحة بن عمرو
[ 387 ]
الحضرمي، عن عطاء قوله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج، هكذا قرأها ابن عباس. 3001 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ليث، عن مجاهد في قوله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال: التجارة في الدنيا، والاجر في الآخرة. 3002 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال: التجارة أحلت لهم في المواسم، قال: فكانوا لا يبيعون، أو يبتاعون في الجاهلية بعرفة. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 3003 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا ضالة ليلة النفر وكانوا يسمونها ليلة الصدر، ولا يطلبون فيها تجارة ولا بيعا، فأحل الله عز وجل ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا على حوائجهم ويبتغوا من فضل ربهم. 3004 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن الزبير يقول: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج. 3005 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: قال ابن عباس: كانت ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية، فلما جاء الاسلام تركوا ذلك حتى نزلت: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج. 3006 - حدثنا أحمد بن حازم والمثنى، قالا: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: كان بعض الحاج يسمون الداج،
[ 388 ]
فكانوا ينزلون في الشق الايسر من منى، وكان الحاج ينزلون عند مسجد منى، فكانوا لا يتجرون، حتى نزلت: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فحجوا. * - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: كان ناس يحجون ولا يتجرون، حتى نزلت: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فرخص لهم في المتجر والركوب والزاد. 3007 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي، قوله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم: هي التجارة، قال: اتجروا في الموسم. * - حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال: كان الناس إذا أحرموا لم يتبايعوا حتى يقضوا حجهم، فأحله الله لهم. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة أيام الموسم، يقولون أيام ذكر، فأنزل الله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فحجوا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج. 3008 - حدثنا المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، قال: لا بأس بالتجارة في الحج، ثم قرأ: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم. 3009 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قوله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال: كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا على ضالة ولا ينتظرون لحاجة، وكانوا يسمونها ليلة الصدر، ولا يطلبون فيها تجارة فأحل الله ذلك كله أن يعرجوا على حاجتهم، وأن يطلبوا فضلا من ربهم. 3010 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مندل، عن عبد الرحمن بن المهاجر، عن أبي صالح مولى، عمر، قال: قلت لعمر: يا أمير المؤمنين،
[ 389 ]
كنتم تتجرون في الحج ؟ قال: وهل كانت معايشهم إلا في الحج. 3011 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن العلاء بن المسيب، عن رجل من بني تيم الله، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن: إنا قوم نكري فيزعمون أنه ليس لنا حج ؟ قال: ألستم تحرمون كما يحرمون، وتطوفون كما يطوفون، وترمون كما يرمون ؟ قال: بلى، قال: فأنت حاج جاء رجل إلى النبي (ص) فسأله عما سألت عنه، فنزلت هذه الآية: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم. * - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يتجروا بتجارة، ولم يعرجوا على كسير، ولا على ضالة فأحل الله ذلك، فقال: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم... إلى آخر الآية. 3012 - حدثني سعيد بن الربيع الرازي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فكانوا يتجرون فيها، فلما كان الاسلام كأنهم تأثموا منها، فسألوا النبي (ص)، فأنزل الله: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج. القول في تأويل قوله تعالى: فإذا أفضتم من عرفات. يعني جل ثناؤه بقوله: فإذا أفضتم فإذا رجعتم من حيث بدأتم. ولذلك قيل للذي يضرب القداح بين الايسار مفيض، لجمعه القداح ثم إفاضته إياها بين المياسرين، ومنه قول بشر بن أبي حازم الاسدي: فقلت لها ردي إليه جنانه فردت كما رد المنيح مفيض
[ 390 ]
ثم اختلف أهل العربية في عرفات، والعلة التي من أجلها صرفت وهي معرفة، وهل هي اسم لبقعة واحدة أم هي لجماعة بقاع ؟ فقال بعض نحويي البصريين: هي اسم كان لجماعة مثل مسلمات ومؤمنات، سميت به بقعة واحدة فصرف لما سميت به البقعة الواحدة، إذ كان مصروفا قبل أن تسمى به البقعة تركا منهم له على أصله لان التاء فيه صارت بمنزلة الياء والواو في مسلمين ومسلمون لانه تذكيره، وصار التنوين بمنزلة النون، فلما سمي به ترك على حاله كما يترك المسلمون إذا سمي به على حاله. قال: ومن العرب من لا يصرفه إذا سمي به، ويشبه التاء بهاء التأنيث وذلك قبيح ضعيف. واستشهدوا بقول الشاعر: تنورتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عالي ومنهم من لا ينون أذرعات، وكذلك عانات، وهو مكان. وقال بعض نحويي الكوفيين: إنما انصرفت عرفات لانهن على جماع مؤنث بالتاء.
[ 391 ]
قال: وكذلك ما كان من جماع مؤنث بالتاء، ثم سميت به رجلا أو مكانا أو أرضا أو امرأة انصرفت. قال: ولا تكاد العرب تسمي شيئا من الجماع إلا جماعا، ثم تجعله بعد ذلك واحدا. وقال آخرون منهم: ليست عرفات حكاية، ولا هي اسم منقول ولكن الموضع مسمى هو وجوانبه بعرفات، ثم سميت بها البقعة اسم للموضع، ولا ينفرد واحدها. قال: وإنما يجوز هذا في الاماكن والمواضع، ولا يجوز ذلك في غيرها من الاشياء. قال: ولذلك نصبت العرب التاء في ذلك لانه موضع، ولو كان محكيا لم يكن ذلك فيه جائزا، لان من سمى رجلا مسلمات أو بمسلمين لم ينقله في الاعراب عما كان عليه في الاصل، فلذلك خالف عانات وأذرعات ما سمي به من الاسماء على جهة الحكاية. واختلف أهل العلم في المعنى الذي من أجله قيل لعرفات عرفات فقال بعضهم: قيل لها ذلك من أجل أن إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه لما رآها عرفها بنعتها الذي كان لها عنده، فقال: قد عرفت، فسميت عرفات بذلك. وهذا القول من قائله يدل على أن عرفات اسم للبقعة، وإنما سميت بذلك لنفسها وما حولها، كما يقال: ثوب أخلاق، وأرض سباسب، فتجمع بما حولها. ذكر من قال ذلك: 3013 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما أذن إبراهيم في الناس بالحج، فأجابوه بالتلبية، وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلى عرفات ونعتها فخرج، فلما بلغ الشجرة عند العقبة، استقبله الشيطان يرده، فرماه بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة. فطار فوقع على الجمرة الثانية، فصده أيضا، فرماه وكبر فطار فوقع على الجمرة الثالثة، فرماه وكبر فلما رأى أنه لا يطيقه، ولم يدر إبراهيم أين يذهب، فانطلق حتى أتى ذا المجاز، فلما نظر إليه فلم يعرفه جاز، فلذلك سمي ذا المجاز. ثم انطلق حتى وقع بعرفات فلما نظر إليها عرف النعت، قال: قد عرفت، فسمي عرفات. فوقف إبراهيم بعرفات، حتى إذا أمسى ازدلف إلى جمع، فسميت المزدلفة، فوقف بجمع. 3014 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن سليمان التيمي، عن نعيم بن أبي هند، قال: لما وقف جبريل بإبراهيم عليهما السلام بعرفات، قال: عرفت، فسميت عرفات لذلك.
[ 392 ]
3015 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال ابن المسيب: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بعث الله جبريل إلى إبراهيم فحج به، فلما أتى عرفة قال: قد عرفت، وكان قد أتاها مرة قبل ذلك، ولذلك سميت عرفة. وقال آخرون: بل سميت بذلك بنفسها وببقاع أخر سواها. ذكر من قال ذلك: 3016 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع بن مسلم القرشي، عن أبي طهفة عن أبي الطفيل، عن ابن عباس قال: إنما سميت عرفات، لان جبريل عليه السلام، كان يقول لابراهيم: هذا موضع كذا، وهذا موضع كذا، فيقول: قد عرفت، فلذلك سميت عرفات. 3017 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء قال: إنما سميت عرفة أن جبريل كان يري إبراهيم عليهما السلام المناسك، فيقول: عرفت عرفت، فسمي عرفات. 3018 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن زكريا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: أصل الجبل الذي يلي عرنة وما وراءه موقف حتى يأتي الجبل جبل عرفة. وقال ابن أبي نجيح: عرفات: النبعة والنبيعة وذات النابت، وذلك قول الله: فإذا أفضتم من عرفات وهو الشعب الاوسط. وقال زكريا: ما سال من الجبل الذي يقف عليه الامام إلى عرفة، فهو من عرفة، وما دبر ذلك الجبل فليس من عرفة. وهذا القول يدل على أنها سميت بذلك نظير ما يسمى الواحد باسم الجماعة المختلفة الاشخاص. وأولى الاقوال بالصواب في ذلك عندي أن يقال: هو اسم لواحد سمي بجماع، فإذا صرف ذهب به مذهب الجماع الذي كان له أصلا، وإذا ترك صرفه ذهب به إلى أنه اسم لبقعة واحدة معروفة، فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الامصار والقرى المعارف. القول في تأويل قوله تعالى: فاذكروا الله عند المشعر الحرام.
[ 393 ]
يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا أفضتم فكررتم راجعين من عرفة إلى حيث بدأتم الشخوص إليها منه فاذكروا الله يعني بذلك الصلاة، والدعاء عند المشعر الحرام. وقد بينا قبل أن المشاعر هي المعالم من قول القائل: شعرت بهذا الامر: أي علمت، فالمشعر هو المعلم، سمي بذلك لان الصلاة عنده والمقام والمبيت والدعاء من معالم الحج وفروضه التي أمر الله بها عباده. وقد: 3019 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن زكريا، عن ابن أبي نجيح، قال: يستحب للحاج أن يصلي في منزله بالمزدلفة إن استطاع، وذلك أن الله قال: فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم. فأما المشعر فإنه هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى محسر، وليس مأزما عرفة من المشعر. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3020 - حدثنا هناد بن السري قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: رأى ابن عمر الناس يزدحمون على الجبيل بجمع فقال: أيها الناس إن جمعا كلها مشعر. 3021 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن نافع، عن ابن عمر أنه سئل عن قوله: فاذكروا الله عند المشعر الحرام قال: هو الجبل وما حوله. 3022 - حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن ابن عباس قال: ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر. 3023 - حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا الثوري، عن السدي، عن سعيد بن جبير، مثله. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، وحدثني أحمد بن حازم قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن سعيد بن جبير، قال: سألته عن المشعر الحرام فقال: ما بين جبلي المزدلفة. 3024 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن
[ 394 ]
الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: المشعر الحرام: المزدلفة كلها. قال معمر: وقاله قتادة. * - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، قال: أنبأنا الثوري، عن السدي، عن سعيد بن جبير: فاذكروا الله عند المشعر الحرام قال: ما بين جبلي المزدلفة هو المشعر الحرام. 3025 - حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا أبي، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: سألت عبد الله بن عمر عن المشعر الحرام، فقال: إذا انطلقت معي أعلمتكه. قال: فانطلقت معه، فوقفنا حتى إذا أفاض الامام سار وسرنا معه، حتى إذا هبطت أيدي الركاب، وكنا في أقصى الجبال مما يلي عرفات قال: أين السائل عن المشعر الحرام ؟ أخذت فيه، قلت: ما أخذت فيه ؟ قال: كلها مشاعر إلى أقصى الحرم. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الاودي، قال: سألت عبد الله بن عمر، عن المشعر الحرام. قال: إن تلزمني أركه. قال: فلما أفاض الناس من عرفة وهبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال، قال: أين السائل عن المشعر الحرام ؟ قال: قلت: ها أنا ذاك، قال: أخذت فيه، قلت: ما أخذت فيه ؟ قال: حين هبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال فهو مشعر إلى مكة. * - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن عمارة بن زاذان، عن مكحول الازدي، قال: سألت ابن عمر يوم عرفة عن المشعر الحرام ؟ فقال: الزمني فلما كان من الغد وأتينا المزدلفة، قال: أين السائل عن المشعر الحرام ؟ هذا المشعر الحرام. 3026 - حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: المشعر الحرام: المزدلفة كلها. 3027 - حدثنا هناد، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أين المزدلفة ؟ قال: إذا أفضت من مأزمي عرفة، فذلك إلى محسر. قال: وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة، ولكن مفاضاهما. قال: قف بينهما إن شئت، وأحب إلي أن تقف دون قزح، هلم إلينا من أجل طريق الناس.
[ 395 ]
* - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: رآهم ابن عمر يزدحمون على قزح، فقال علام يزدحم هؤلاء كل ما ههنا مشعر. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المشعر الحرام المزدلفة كلها. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 3028 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام وذلك ليلة جمع. قال قتادة: كان ابن عباس يقول: ما بين الجبلين مشعر. 3029 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: المشعر الحرام هو ما بين جبال المزدلفة، ويقال: هو قرن قزح. 3030 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فاذكروا الله عند المشعر الحرام وهي المزدلفة، وهي جمع. وذكر عن عبد الرحمن بن الاسود ما: 3031 - حدثنا به هناد، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عبد الرحمن بن الاسود، قال: لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام. 3032 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن السدي، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: المشعر الحرام: ما بين جبلي مزدلفة. 3033 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا قيس، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عمر عن المشعر الحرام ؟ فقال: ما أدري، وسألت ابن عباس، فقال: ما بين الجبلين.
[ 396 ]
3034 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الجبيل وما حوله مشاعر. 3035 - حدثنا أحمد قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن ثوير، قال: وقفت مع مجاهد على الجبيل، فقال: هذا المشعر الحرام. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حسن بن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، الجبيل وما حوله مشاعر. وإنما جعلنا أول حد المشعر مما يلي منى منقطع وادي محسر مما يلي المزدلفة، لان المثنى، 3036 - حدثني قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن النبي (ص) قال: عرفة كلها موقف إلا عرنة، وجمكلها موقف إلا محسرا. 3037 - حدثني يعقوب، قال: ثني هشيم، عن حجاج، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير، أنه قال: كل مزدلفة موقف إلا وادي محسر. 3038 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن حجاج، قال: أخبرني من سمع عروة بن الزبير يقول مثل ذلك. 3039 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن هشام بن عروة، قال: قال عبد الله بن الزبير في خطبته: تعلمن أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، تعلمن أن مزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر. غير أن ذلك وإن كان كذلك فإني أختار للحاج أن يجعل وقوفه لذكر الله من المشعر الحرام على قزح وما حوله، لان: 3040 - أبا كريب حدثنا، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الرحمن بن الحرث المخزومي، عن زيد بن علي، عن
[ 397 ]
عبيد الله بن أبي رافع، عن علي قال: لما أصبح رسول الله (ص) بالمزدلفة، غدا فوقف على قزح، وأردف الفضل، ثم قال: هذا الموقف، وكل مزدلفة موقف. 3041 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الرحمن بن الحرث، عن زيد بن علي بن الحسين، عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع، عن رسول الله (ص) بنحوه. 3042 - حدثنا هناد وأحمد الدولابي، قالا: ثنا سفيان، عن ابن المنكدر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن ابن الحويرث، قال: رأيت أبا بكر واقفا عل قزح وهو يقول: أيها الناس أصبحوا أيها الناس أصبحوا ثم دفع. 3043 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عبد الله بن عثمان، عن يوسف بن ماهك، قال: حججت مع ابن عمر، فلما أصبح بجمع صلى الصبح، ثم غدا وغدونا معه حتى وقف مع الامام على قزح، ثم دفع الامام فدفع بدفعته. وأما قول عبد الله بن عمر حين صار بالمزدلفة: هذا كله مشاعر إلى مكة، فإن معناه أنها معالم من معالم الحج ينسك في كل بقعة منها بعض مناسك الحج، لا أن كل ذلك المشعر الحرام الذي يكون الواقف حيث وقف منه إلى بطن مكة قاضيا ما عليه من الوقوف بالمشعر الحرام من جمع. وأما قول عبد الرحمن بن الاسود: لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام فلانه يحتمل أن يكون أراد: لم أجد أحدا يخبرني عن حدأوله ومنتهى آخره على حقه وصدقه لان حدود ذلك على صحتها حتى لا يكون فيها زيادة ولا نقصان لا يحيط بها إلا القليل من أهل المعرفة بها، غير أن ذلك وإن لم يقف على حد أوله ومنتهى آخره وقوفا لا زيادة فيه ولا نقصان إلا من ذكرت، فموضع الحاجة للوقوف لاخفاء به على أحد من سكان تلك الناحية وكثير من غيرهم، وكذلك سائر مشاعر الحج والاماكن التي فرض الله عز وجل على عباده أن ينسكوا عندها كعرفات ومنى والحرم. القول في تأويل قوله تعالى: واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين. يعني بذلك جل ثناؤه: واذكروا الله أيها المؤمنون عند المشعر الحرام بالثناء عليه، والشكر له على أياديه عندكم، وليكن ذكركم إياه بالخضوع لامره، والطاعة له والشكر على ما أنعم عليكم من التوفيق، لما وفقكم له من سنن إبراهيم خليله بعد الذي كنتم فيه من
[ 398 ]
الشرك والحيرة والعمى عن طريق الحق وبعد الضلالة كذكره إياكم بالهدى، حتى استنقذكم من النار به بعد أن كنتم على شفا حفرة منها، فنجاكم منها. وذلك هو معنى قوله: كما هداكم. وأما قوله: وإن كنتم من قبله لمن الضالين فإن من أهل العربية من يوجه تأويل إن إلى تأويل ما، وتأويل اللام التي في لمن إلى إلا. فتأويل الكلام على هذا المعنى: وما كنتم من قبل هداية الله إياكم لما هداكم له من ملة خليله إبراهيم التي اصطفاها لمن رضي عنه من خلقه إلا من الضالين. ومنهم من يوجه تأويل إن إلى قد، فمعناه على قول قائل هذه المقالة: واذكروا الله أيها المؤمنون كما ذكركم بالهدى، فهداكم لما رضيه من الاديان والملل، وقد كنتم من قبل ذلك من الضالين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، ومن المعني بالامر بالافاضة من حيث أفاض الناس، ومن الناس الذين أمروا بالافاضة من موضع إفاضتهم. فقال بعضهم: المعني بقوله: ثم أفيضوا قريش، ومن ولدته قريش الذين كانوا يسمون في الجاهلية الحمس، أمروا في الاسلام أن يفيضوا من عرفات، وهي التي أفاض منها سائر الناس غير الحمس. وذلك أن قريشا ومن ولدته قريش، كانوا يقولون: لا نخرج من الحرم. فكانوا لا يشهدون موقف الناس بعرفة معهم، فأمرهم الله بالوقوف معهم. ذكر من قال ذلك: 3044 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، قال: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه. عن عائشة قالت: كانت قريش ومن كان على دينها وهم الحمس، يقفون بالمزدلفة يقولون: نحن قطين الله، وكان من سواهم يقفون بعرفة. فأنزل الله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس. 3045 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثني أبي، قال: ثنا
[ 399 ]
أبان، قال: ثنا هشام بن عروة، عن عروة: أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان كتبت إلي في قول النبي (ص) لرجل من الانصار إني أحمس وإني لا أدري أقالها النبي أم لا ؟ غير أني سمعتها تحدث عنه. والحمس: ملة قريش، وهم مشركون، ومن ولدت قريش في خزاعة وبني كنانة. كانوا لا يدفعون من عرفة، إنما كانوا يدفعون من المزدلفة وهو المشعر الحرام، وكانت بنو عامر حمسا، وذلك أن قريشا ولدتهم، ولهم قيل: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وأن العرب كلها كانت تفيض من عرفة إلا الحمس، كانوا يدفعون إذا أصبحوا من المزدلفة. 3046 - حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا أبو توبة، قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان، عن حسين بن عبيد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت العرب تقف بعرفة، وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة، فأنزل الله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فرفع النبي (ص) الموقف إلى موقف العرب بعرفة. 3047 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عبد الملك، عن عطاء: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس من حيث تفيض جماعة الناس. 3048 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن مجاهد قال: إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى السماء الدنيا في الملائكة، فيقول: هلم إلي عبادي، آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي فيقول: ما جزاؤهم ؟ فيقال: أن تغفر لهم. فذلك قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم. 3049 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قال: عرفة. قال: كانت قريش تقول: نحن الحمس أهل الحرم ولا نخلف الحرم ونفيض من المزدلفة. فأمروا أن يبلغوا عرفة. 3050 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، قال قتادة: وكانت قريش وكل حليف لهم وبني أخت لهم لا يفيضون من عرفات، إنما يفيضون من المغمس ويقولون: إنما نحن أهل الله، فلا نخرج
[ 400 ]
من حرمه. فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات، وأخبرهم أن سنة إبراهيم وإسماعيل هكذا: الافاضة من عرفات. 3051 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قال: كانت العرب تقف بعرفات، فتعظم قريش أن تقف معهم، فتقف قريش بالمزدلفة فأمرهم الله أن يفيضوا مع الناس من عرفات. 3052 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، قال: كانت قريش وكل ابن أخت وحليف لهم لا يفيضون مع الناس من عرفات، يقفون في الحرم ولا يخرجون منه، يقولون: إنما نحن أهل حرم الله فلا نخرج من حرمه. فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس وكانت سنة إبراهيم وإسماعيل الافاضة من عرفات. 3053 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، قال: كانت قريش لا أدري قبل الفيل أو بعده ابتدعت أمر الحمس، رأيا رأوه بينهم قالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقاطنو مكة وساكنوها، فليس لاحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم، وقالوا: قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم. فتركوا الوقوف على عرفة، والافاضة منها، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم، ويرون لسائر الناس أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها. إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة، ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس والحمس: أهل الحرم ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل مثل الذي لهم بولادتهم إياهم، فيحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم. وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك، ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن، حتى قالوا: لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الاقط، ولا يسلئوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الادم ما كانوا حراما، ثم رفعوا في ذلك فقالوا لا ينبغي لاهل الحل
[ 401 ]
أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا جاءوا حجاجا أو عمارا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة. فحملوا على ذلك العرب فدانت به، وأخذوا بما شرعوا لهم من ذلك، فكانوا على ذلك حتى بعث الله محمدا (ص)، فأنزل الله حين أحكم له دينه وشرع له حجته: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم يعني قريشا والناس العرب. فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات، والوقوف عليها، والافاضة منها فوضع الله أمر الحمس، وما كانت قريش ابتدعت منه عن الناس بالاسلام حين بعث الله رسوله. * - حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت قريش تقف بقزح، وكان الناس يقفون بعرفة. قال: فأنزل الله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس. وقال آخرون: المخاطبون بقوله: ثم أفيضوا المسلمون كلهم، والمعني بقوله: من حيث أفاض الناس من جمع، وبالناس إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام. ذكر من قال ذلك: 3054 - حدثت عن القاسم بن سلام، قال: ثنا هارون بن معاوية الفزاري، عن أبي بسطام عن الضحاك، قال: هو إبراهيم. والذي نراه صوابا من تأويل هذه الآية، أنه عنى بهذه الآية قريش ومن كان متحمسا معها من سائر العرب لاجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله. وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية: فمن فرض فيهن الحج، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم، وما تفعلوا من خير يعلمه الله. وهذا إذ كان ما وصفنا تأويله فهو من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم، على نحو ما تقدم بياننا في مثله، ولولا إجماع من وصفت إجماعه على أن ذلك تأويله. لقلت: أولى التأويلين بتأويل الآية ما قاله الضحاك من أن الله عنى بقوله: من حيث أفاض الناس من حيث أفاض إبراهيم لان الافاضة من عرفات لا شك أنها قبل الافاضة من جمع، وقبل وجوب الذكر عند المشعر الحرام. وإذ كان ذلك لا شك كذلك وكان الله عز وجل إنما أمر بالافاضة من الموضع الذي أفاض منه الناس بعد انقضاء ذكر الافاضة من عرفات وبعد أمره بذكره عند المشعر الحرام، ثم قال بعد ذلك:
[ 402 ]
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس كان معلوما بذلك أنه لم يأمر بالافاضة إلا من الموضع الذي لم يفيضوا منه دون الموضع الذي قد أفاضوا منه، وكان الموضع الذي قد أفاضوا منه فانقضى وقت الافاضة منه، لا وجه لان يقال: أفض منه. فإذا كان لا وجه لذلك وكان غير جائز أن يأمر الله عز وجل بأمر لا معنى له، كانت بينة صحة ما قاله من التأويل في ذلك، وفساد ما خالفه لولا الاجماع الذي وصفناه وتظاهر الاخبار بالذي ذكرنا عمن حكينا قوله من أهل التأويل فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه: والناس جماعة، وإبراهيم (ص) واحد، والله تعالى ذكره يقول: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ؟ قيل: إن العرب تفعل ذلك كثيرا، فتدل بذكر الجماعة على الواحد. ومن ذلك قول الله عز وجل: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم والذي قال ذلك واحد، وهو فيما تظاهرت به الرواية من أهل السير نعيم بن مسعود الاشجعي، ومنه قول الله عز وجل: يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا قيل: عنى بذلك النبي (ص). ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى. القول في تأويل قوله تعالى: واستغفروا الله إن الله غفور رحيم. يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا أفضتم من عرفات منصرفين إلى منى فاذكروا الله عند المشعر الحرام وادعوه واعبدوه عنده، كما ذكركم بهدايته، فوفقكم لما ارتضى لخليله إبراهيم، فهداه له من شريعة دينه بعد أن كنتم ضلالا عنه. وفي ثم في قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس من التأويل وجهان: أحدهما ما قاله الضحاك من أن معناه: ثم أفيضوا فانصرفوا راجعين إلى منى من حيث أفاض إبراهيم خليلي من المشعر الحرام، وسلوني المغفرة لذنوبكم، فإني لها غفور، وبكم رحيم. كما: 3055 - حدثني إسماعيل بن سيف العجلي، قال: ثنا عبد القاهر بن السري السلمي، قال: ثنا ابن كنانة، ويكنى أبا كنانة، عن أبيه، عن العباس بن مرداس السلمي، قال: قال رسول الله (ص): دعوت الله يوم عرفة أن يغفر لامتي ذنوبها، فأجابني أن قد غفرت، إلا ذنوبها بينها وبين خلقي، فأعدت الدعاء يومئذ، فلم أجب بشئ، فلما كان غداة
[ 403 ]
المزدلفة قلت: يا رب إنك قادر أن تعوض هذا المظلوم من ظلامته، وتغفر لهذا الظالم، فأجابني أن قد غفرت قال: فضحك رسول الله (ص)، قال: فقلنا: يا رسول الله (ص) رأيناك تضحك في يوم لم تكن تضحك فيه ؟ قال: ضحكت من عدو الله إبليس لما سمع بما سمع إذا هو يدعو بالويل والثبور، ويضع التراب على رأسه. 3056 - حدثني مسلم بن حاتم الانصاري، قال: ثنا بشار بن بكير الحنفي، قالا: ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع، عن ابن عمر، قال: خطبنا رسول الله (ص) عشية عرفة، فقال: أيها الناس إن الله تطول عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم أفيضوا على اسم الله فلما كان غداة جمع قال: أيها الناس إن الله قد تطول عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله فقال أصحابه: يا رسول الله أفضت بنا بالامس كئيبا حزينا، وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا قال رسول الله (ص): إني سألت ربي بالامس شيئا لم يجد لي به، سألته التبعات فأبى علي، فلما كان اليوم أتاني جبريل قال: إن ربك يقرئك السلام ويقول التبعات ضمنت عوضها من عندي. فقد بين هذان الخبران أن غفران الله التبعات التي بين خلقه فيما بينهم إنما هو غداة جمع، وذلك في الوقت الذي قال جل ثناؤه: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله لذنوبكم، فإنه غفور لها حينئذ، تفضلا منه عليكم، رحيم بكم. والآخر منهما: ثم أفيضوا من عرفة إلى المشعر الحرام، فإذا أفضتم إليه منها فاذكروا الله عنده كما هداكم. القول في تأويل قوله تعالى:. * (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبآءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق) *
[ 404 ]
يعني بقوله جل ثناؤه: فإذا قضيتم مناسككم فإذا فرغتم من حجكم فذبحتم نسائككم، فاذكروا الله يقال منه: نسك الرجل ينسك نسكا ونسكا ونسيكة ومنسكا إذا ذبح نسكه، والمنسك: اسم مثل المشرق والمغرب. فأما النسك فالدين، فإنه يقال منه ما كان الرجل ناسكا، ولقد نسك، ونسك نسكا ونسكا ونساكة، وذلك إذا تقرأ. وبمثل الذي قلنا في معنى المناسك في هذا الموضع قال مجاهد. 3057 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإذا قضيتم مناسككم قال: إهراقة الدماء. * - وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وأما قوله: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فإن أهل التأويل اختلفوا في صفة ذكر القوم آباءكم الذين أمرهم الله أن يجعلوا ذكرهم إياه كذكرهم آباءهم أو أشد ذكرا، فقال بعضهم: كان القوم في جاهليتهم بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم يجتمعون فيتفاخرون بماثر آبائهم، فأمرهم الله في الاسلام أن يكون ذكرهم بالثناء والشكر والتعظيم لربهم دون غيره، وأن يلزموا أنفسهم من الاكثار من ذكره نظير ما كانوا ألزموا أنفسهم في جاهليتهم من ذكر آبائهم. ذكر من قال ذلك: 3058 - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: ثنا إسحاق بن يوسف، عن القاسم بن عثمان، عن أنس في هذه الآية، قال: كانوا يذكرون آباءهم في الحج، فيقول بعضهم: كان أبي يطعم الطعام، ويقول بعضهم: كان أبي يضرب بالسيف، ويقول بعضهم: كان أبي جز نواصي بني فلان. 3059 - وحدثني محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد العزيز، عن مجاهد قال: كانوا يقولون: كان آباؤنا ينحرون الجزر، ويفعلون كذا، فنزلت هذه الآية: اذكروا الله كذكركم آباءكم أو اشد ذكرا. 3060 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي وائل: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا قال: كان أهل الجاهلية يذكرون فعال آبائهم.
[ 405 ]
3061 - حدثنا أبو كريب، قال: سمعت أبا بكر بن عياش، قال: كان أهل الجاهلية إذا فرغوا من الحج قاموا عند البيت فيذكرون آباءهم وأيامهم: كان أبي يطعم الطعام، وكان أبي يفعل، فذلك قوله: فاذكروا الله كذكركم آباءكم. قال أبو كريب: قلت ليحيى بن آدم: عمن هو ؟ قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل. * - وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرني حجاج عمن حدثه، عن مجاهد في قوله: اذكروا الله كذكركم آباءكم قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آباءهم، وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم، فنزلت هذه الآية. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد في قوله: فاذكروا الله كذكركم آباءكم قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة، وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم. قال: فنزلت هذه الآية. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم قال: تفاخرت العرب بينها بفعل آبائها يوم النحر حين فرغوا فأمروا بذكر الله مكان ذلك. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 3062 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم قال قتادة: كان أهل الجاهلية إذا قضوا مناسكهم بمنى قعدوا حلقا، فذكروا صنيع آبائهم في الجاهلية وفعالهم به، يخطب خطيبهم ويحدث محدثهم، فأمر الله عز وجل المسلمين أن يذكروا الله كذكر أهل الجاهلية آباءهم أو أشد ذكرا. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا قال: كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتمعوا فافتخروا وذكروا آباءهم وأيامها، فأمروا أن يجعلوا مكان ذلك ذكر الله، يذكرونه كذكرهم آباءهم، أو أشد ذكرا. 3063 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا: كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة، فنزلت هذه الآية.
[ 406 ]
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول ذلك يوم النحر حين ينحرون قال: قال فاذكروا الله كذكركم آباءكم قال: كانت العرب يوم النحر حين يفرغون يتفاخرون بفعال آبائها، فأمروا بذكر الله عز وجل مكان ذلك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فاذكروا الله كذكر الابناء والصبيان الآباء. ذكر من قال ذلك: 3064 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عثمان بأبي رواد، عن عطاء أنه قال في هذه الآية: كذكركم آباءكم قال: هو قول الصبي: يا أباه. 3065 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا زهير، عن جويبر، عن الضحاك: فاذكروا الله كذكركم آباءكم يعني بالذكر، ذكر الابناء الآباء. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال لي عطاء: كذكركم آباءكم: أبه أمه. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا صالح بن عمر، عن عبد الملك، عن عطاء، قال: كالصبي يلهج بأبيه وأمه. 3066 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: فإذا قضييتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا يقول: كذكر الابناء الآباء أو أشد ذكرا. 3067 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا يقول: كما يذكر الابناء الآباء. 3068 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كذكركم آباءكم يعني ذكر الابناء الآباء. وقال آخرون: بل قيل لهم: اذكروا الله كذكركم آباءكم لانهم كانوا إذا قضوا مناسكهم فدعوا ربهم لم يذكروا غير آبائهم فأمروا من ذكر الله بنظير ذكر آبائهم. ذكر من قال ذلك:
[ 407 ]
3069 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا قال: كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى يقوم الرجل فيسأل الله ويقول: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال، فأعطني مثل ما أعطيت أبي. ليس يذكر الله، إنما يذكر آباءه، ويسأل أن يعطى في الدنيا. والصواب من القول عندي في تأويل ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر عباده المؤمنين بذكره بالطاعة له في الخضوع لامره والعبادة له بعد قضامناسكهم. وذلك الذكر جائز أن يكون هو التكبير الذي أمر به جل ثناؤه بقوله: واذكروا الله في أيام معدودات الذي أوجبه على من قضى نسكه بعد قضائه نسكه، فألزمه حينئذ من ذكره ما لم يكن له لازما قبل ذلك، وحث على المحافظة عليه محافظة الابناء على ذكر الآباء في الاكثار منه بالاستكانة له والتضرع إليه بالرغبة منهم إليه في حوائجهم كتضرع الولد لوالده والصبي لامه وأبيه، أو أشد من ذلك إذ كان ما كان بهم وبآبائهم من نعمة فمنه وهو وليه. وإنما قلنا: الذكر الذي أمر الله جل ثناؤه به الحاج بعد قضاء مناسكه بقوله: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا جائز أن يكون هو التكبير الذي وصفنا من أجل أنه لا ذكر لله أمر العباد به بعد قضاء مناسكهم لم يكن عليهم من فرضه قبل قضائهم مناسكهم، سوى التكبير الذي خص الله به أيام منى. فإذ كان ذلك كذلك، وكان معلوما أنه جل ثناؤه قد أوجب على خلقه بعد قضائهم مناسكهم من ذكره ما لم يكن واجبا عليهم قبل ذلك، وكان لا شئ من ذكره خص به ذلك الوقت سوى التكبير الذي ذكرناه، كانت بينة صحة ما قلنا من تأويل ذلك على ما وصفنا. القول في تأويل قوله تعالى: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق. يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا قضيتم مناسككم أيها المؤمنون فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا وارغبوا إليه فيما لديه من خير الدنيا والآخرة بابتهال وتمسكن، واجعلوا أعمالكم لوجهه خالصا ولطلب مرضاته، وقولوا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ولا تكونوا كمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، فكانت أعمالهم للدنيا وزينتها، فلا يسألون ربهم إلا متاعها، ولا حظ لهم في ثواب الله، ولا نصيب لهم في جناته وكريم ما أعد لاوليائه، كما قال في ذلك أهل التأويل.
[ 408 ]
3070 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي وائل: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا هب لنا غنما، هب لنا إبلا وماله في الآخرة من خلاق * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي وائل، قال: كانوا في الجاهلية يقولون: هب لنا إبلا، ثم ذكر مثله. 3071 - حدثنا أبو كريب، قال: سمعت أبا بكر بن عياش في قوله: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق قال: كانوا يعني أهل الجاهلية يقفون يعني بعد قضاء مناسكهم فيقولون: اللهم ارزقنا إبلا، اللهم ارزقنا غنما. فأنزل الله هذه الآية: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق. قال أبو كريب: قلت ليحيى بن آدم: عمن هو ؟ قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل. 3072 - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن القاسم بن عثمان، عن أنس: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون فيقولون: اللهم أسقنا المطر، وأعطنا على عدونا الظفر، وردنا صالحين إلى صالحين. 3073 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا نصرا ورزقا، ولا يسألون لآخرتهم شيئا. * - وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 3074 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قول الله: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق فهذا عبد نوى الدنيا لها عمل ولها نصب. 3075 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي في قوله: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق قال: كانت العرب إذا
[ 409 ]
قضت مناسكها وأقامت بمنى لا يذكر الله الرجل منهم، إنما يذكر أباه، ويسأل أن يعطى في الدنيا. 3076 - وحدثني يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا قال: كانوا أصنافا ثلاثة في تلك المواطن يومئذ: رسول الله (ص)، وأهل الكفر، وأهل النفاق. فمن الناس من يقول: ربنا آتنافي الدنيا وما له في الآخرة من خلاق إنما حجوا للدنيا والمسألة لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها، ومنهم من يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية. قال: والصنف الثالث ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا... الآية. وأما معنى الخلاق فقد بيناه في غير هذا الموضع، وذكرنا اختلاف المختلفين في تأويله والصحيح لدينا من معناه بالشواهد من الادلة وأنه النصيب، بما فيه كفاية عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * اختلف أهل التأويل في معنى الحسنة التي ذكر الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: يعني بذلك: ومن الناس من يقول: ربنا أعطنا عافية في الدنيا وعافية في الآخرة: ذكر من قال ذلك: 3077 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة قال: في الدنيا عافية، وفي الآخرة عافية. قال قتادة: وقال رجل: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فمرض مرضا حتى أضنى على فراشه، فذكر للنبي (ص) شأنه، فأتاه النبي (ص)، فقيل له:
[ 410 ]
إنه دعا بكذا وكذا، فقال النبي (ص): إنه لا طاقة لاحد بعقوبة الله، ولكن قل: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فقالها، فما لبث إلا أياما أو يسيرا حتى برأ. 3078 - حدثني المثنى، قال: ثنا سعيد بن الحكم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: ثني حميد، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: عاد رسول الله (ص) رجلا قد صار مثل الفرخ المنتوف، فقال رسول الله (ص): هل كنت تدعو الله بشئ، أو تسأل الله شيئا ؟ قال: قلت: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعاقبني به في الدنيا. قال: سبحان الله هل يستطيع ذلك أحد أو يطيقه فهلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. وقال آخرون: بل عنى الله عز وجل بالحسنة في هذا الموضع: في الدنيا: العلم والعبادة، وفي الآخرة: الجنة. ذكر من قال ذلك: 3079 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عباد، عن هشام بن حسان، عن الحسن: ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة قال: الحسنة في الدنيا: العلم والعبادة، وفي الآخرة: الجنة. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن سفيان بن حسين، عن الحسن في قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار قال: العبادة في الدنيا، والجنة في الآخرة. 3080 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن واقد العطار، قال: ثنا عباد بن العوام، عن هشام، عن الحسن في قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة قال: الحسنة في الدنيا: الفهم في كتاب الله والعلم. 3081 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوري يقول هذه الآية: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة قال: الحسنة في الدنيا: العلم والرزق الطيب، وفي الآخرة حسنة: الجنة. وقال آخرون: الحسنة في الدنيا: المال، وفي الآخرة: الجنة. ذكر من قال ذلك:
[ 411 ]
3082 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قال: فهؤلاء النبي (ص) والمؤمنون. 3083 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة هؤلاء المؤمنون أما حسنة الدنيا فالمال، وأما حسنة الآخرة فالجنة. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن قوم من أهل الايمان به وبرسوله، ممن حج بيته، يسألون ربهم الحسنة في الدنيا، والحسنة في الآخرة، وأن يقيهم عذاب النار. وقد تجمع الحسنة من الله عز وجل العافية في الجسم والمعاش والرزق وغير ذلك والعلم والعبادة. وأما في الآخرة فلا شك أنها الجنة، لان من لم ينلها يومئذ فقد حرم جميع الحسنات وفارق جميع معاني العافية. وإنما قلنا إن ذلك أولى التأويلات بالآية لان الله عز وجل لم يخصص بقوله مخبرا عن قائل ذلك من معاني الحسنة شيئا، ولا نصب على خصوصه دلالة دالة على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فالواجب من القول فيه ما قلنا من أنه لا يجوز أن يخص من معاني ذلك شئ، وأن يحكم له بعمومه على ما عمه الله. وأما قوله: وقنا عذاب النار فإنه يعني بذلك: اصرف عنا عذاب النار، يقال منه: وقيته، كذا أقيه وقاية وواقية ووقاء ممدودا، وربما قالوا: وقاك الله وقيا: إذا دفعت عنه أذى أو مكروها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) * يعني بقوله جل ثناؤه: أولئك الذين يقولون بعد قضاء مناسكهم: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار رغبة منهم إلى الله جل ثناؤه فيما عنده، وعلما منهم بأن الخير كله من عنده، وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء. فأعلم جل ثناؤه أن لهم نصيبا وحظا من حجهم ومناسكهم وثوابا جزيلا على عملهم الذي كسبوه، وباشروا معاناته بأموالهم وأنفسهم خاصا ذلك لهم دون الفريق الآخر الذين عانوا ما عانوا من نصب أعمالهم وتعبها، وتكلفوا ما تكلفوا من أسفارهم بغير رغبة منهم فيما عند ربهم من الاجر والثواب، ولكن رجاء خسيس من عرض الدنيا وابتغاء عاجل حطامها. كما:
[ 412 ]
3084 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق قال: فهذا عبد نوى الدنيا لها عمل ولها نصب، ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا أي حظ من أعمالهم. 3085 - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق إنما حجوا للدنيا والمسألة، لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها، ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قال: فهؤلاء النبي (ص) والمؤمنون أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب لهؤلاء الاجر بما عملوا في الدنيا. وأما قوله: والله سريع الحساب فإنه يعني جل ثناؤه: أنه محيط بعمل الفريقين كليهما اللذين من مسألة أحدهما: ربنا آتنا في الدنيا ومن مسألة الآخر: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فمحص له بأسرع الحساب، ثم إنه مجاز كلا الفريقين على عمله. وإنما وصف جل ثناؤه نفسه بسرعة الحساب، لانه جل ذكره يحصي ما يحصى من أعمال عباده بغير عقد أصابع ولا فكر ولا روية فعل العجزة الضعفة من الخلق، ولكنه لا يخفى عليه شئ في الارض ولا في السماء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما، ثم هو مجاز عباده على كل ذلك فلذلك جل ذكره امتدح بسرعة الحساب، وأخبر خلقه أنه ليس لهم بمثل فيحتاج في حسابه إلى عقد كف أو وعي صدر. القول في تأويل قوله تعالى: * (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) * يعني جل ذكره: اذكروا الله بالتوحيد والتعظيم في أيام محصيات، وهي أيام رمي الجمار، أمر عباده يومئذ بالتكبير أدبار الصلوات، وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار يرمي بها جمرة من الجمار. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: ذكر من قال ذلك:
[ 413 ]
3086 - حدثني يعقوب بن إبراهيم: قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: واذكروا الله في أيام معدودات قال: أيام التشريق. * - وحدثني محمد بن نافع البصري، قال: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. * - وحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: واذكروا الله في أيام معدودات يعني الايام المعدودات أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد النحر. * - وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: واذكروا الله في أيام معدودات يعني أيام التشريق. * - وحدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. 3087 - وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا مخلد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: سمعه يوم الصدر يقول بعد ما صدر يكبر في المسجد ويتأول: واذكروا الله في أيام معدودات. * - حدثنا علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: واذكروا الله في أيام معدودات يعني أيام التشريق. 3088 - وحدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح في قول الله عز وجل: واذكروا الله في أيام معدودات قال: هي أيام التشريق. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، مثله. 3089 - وحدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: واذكروا الله في أيام معدودات قال أيام التشريق بمنى. 3090 - حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد وعطاء قالا: هي أيام التشريق.
[ 414 ]
* - وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 3091 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: الايام المعدودات: أيام التشريق. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. 3092 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: الايام المعدودات: الايام بعد النحر. 3093 - وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سألت إسماعيل بن أبي خالد عن الايام المعدودات، فقال: أيام التشريق. 3094 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: واذكروا الله في أيام معدودات كنا نحدث أنها أيام التشريق. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: واذكروا الله في أيام معدودات قال: هي أيام التشريق. 3095 - وحدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما الايام المعدودات: فهي أيام التشريق. 3096 - وحدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. 3097 - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن مالك، قال: الايام المعدودات: ثلاثة أيام بعد يوم النحر. 3098 - وحدثت عن حسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: في أيام معدودات قال: أيام التشريق الثلاثة. 3099 - وحدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت ابن زيد عن الايام المعدودات، والايام المعلومات ؟ فقال: الايام المعدودات: أيام التشريق، والايام المعلومات: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق.
[ 415 ]
وإنما قلنا: إن الايام المعدودات هي: أيام منى وأيام رمي الجمار لتظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) أنه كان يقول فيها: إنها أيام ذكر الله عز وجل. ذكر الاخبار التي رويت بذلك: 3100 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم، قالا: ثنا هشيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال: أيام التشريق أيام طعم وذكر. 3101 - وحدثنا خلاد، قال: ثنا روح، قال: ثنا صالح، قال: ثني ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى: لا تصوموا هذه الايام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل. 3102 - وحدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال جميعا: ثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن عائشة أن رسول الله (ص) قال: إن هذه الايام أيام أكل وشرب وذكر الله. 3103 - وحدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة، قالت: نهى رسول الله (ص) عن صوم أيام التشريق وقال: هي أيام أكل وشرب وذكر الله. 3104 - وحدثني يعقوب، قال: ثني هشيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن دينار: أن رسول الله (ص) بعث بشر بن سحيم، فنادى في أيام التشريق، فقال: إن هذه الايام أيام أكل وشرب وذكر الله. 3105 - وحدثني يعقوب. قال: ثنا هشيم، عن سفيان بن حسين، عن الزهري،
[ 416 ]
قال: بعث رسول الله (ص) عبد الله بن حذافة بن قيس فنادى في أيام التشريق فقال: إن هذه الايام أيام أكل وشرب وذكر الله، إلا من كان عليه صوم من هدي. 3106 - وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيم، عن مسعود بن الحكم الزرقي، عن أمه قالت: لكأني أنظر إلى علي رضي الله عنه على بغلة رسول الله (ص) البيضاء حين وقف على شعب الانصار وهو يقول: أيها الناس إنها ليست بأيام صيام، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر. فإن قال قائل: إن النبي (ص) إذ قال في أيام منى: إنها أيام أكل وشرب وذكر الله لم يخبر أمته أنها الايام المعدودات التي ذكرها الله في كتابه، فما تنكر أن يكون النبي (ص) عنى بقوله: وذكر الله: الايام المعلومات ؟ قيل: غير جائز أن يكون عنى ذلك، لان الله لم يكن يوجب في الايام المعلومات من ذكره فيها ما أوجب في الايام المعدودات، وإنما وصف المعلومات جل ذكره بأنها أيام يذكر فيها اسم الله على بهائم الانعام، فقال: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فلم يوجب في الايام المعلومات من ذكره كالذي أوجبه في الايام المعدودات من ذكره، بل أخبر أنها أيام ذكره على بهائم الانعام. فكان معلوما إذ قال (ص) لايام التشريق: إنها أيام أكل وشرب وذكر الله فأخرج قوله: وذكر الله، مطلقا بغير شرط ولا إضافة، إلى أنه الذكر على بهائم الانعام، أنه عنى بذلك الذكر الذي ذكره الله في كتابه، فأوجبه على عباده مطلقا بغير شرط ولا إضافة إلى معنى في الايام المعدودات. وأنه لو كان أراد بذلك (ص) وصف الايام المعلومات به، لوصل قوله: وذكر، إلى أنه ذكر الله على ما رزقهم من بهائم الانعام، كالذي وصف الله به ذلك ولكنه أطلق ذلك باسم الذكر من غير وصله بشئ، كالذي أطلقه تبارك وتعالى باسم الذكر، فقال: واذكروا الله في أيام معدودات فكان ذلك من أوضح الدليل على أنه عنى بذلك ما ذكره الله في كتابه وأوجبه في الايام المعدودات. القول في تأويل قوله تعالى: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: فمن تعجل في يومين من
[ 417 ]
أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه في نفره وتعجله في النفر، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره. ذكر من قال ذلك: 3107 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا هشيم، عن عطاء، قال: لا إثم عليه في تعجيله، ولا إثم عليه في تأخيره. 3108 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، مثله. 3109 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن عكرمة، مثله. 3110 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: فمن تعجل في يومين يوم النفر فلا إثم عليه لا حرج عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. 3111 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما من تعجل في يومين فلا إثم عليه، يقول: من نفر في يومين فلا جناح عليه، ومن تأخر فنفر في الثالث فلا جناح عليه. 3112 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فمن تعجل في يومين يقول: فمن تعجل في يومين: أي من أيام التشريق فلا إثم عليه، ومن أدركه الليل بمنى من اليوم الثاني من قبل أن ينفر فلا نفر له حتى تزول الشمس الغد. ومن تأخر فلا إثم عليه يقول: من تأخر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه قال: رخص الله في أن ينفروا في يومين منها إن شاءوا، ومن تأخر في اليوم الثالث فلا إثم عليه. 3113 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه قال في تعجيله.
[ 418 ]
* - وحدثنا هناد بن السري، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: ثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم قال: لا إثم عليه: لا إثم على من تعجل، ولا إثم على من تأخر. * - وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، قال: هذا في التعجيل. 3114 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك وإسرائيل، عن زيد بن جبير، قال: سمعت ابن عمر يقول: حل النفر في يومين لمن اتقى. 3115 - وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه في تعجله ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخره. 3116 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أللمكي أن ينفر في النفر الاول ؟ قال: نعم، قال الله عز وجل: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه فهي للناس أجمعين. * - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه قال: ليس عليه إثم. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فمن تعجل في يومين بعد يوم النحر فلا إثم عليه يقول: من نفر من منى في يومين بعد النحر فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخره، فلا حرج عليه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه في تعجله ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخره. وقال آخرون: بل معناه: فمن تعجل في يومين فهو مغفور له لا إثم عليه، ومن تأخر كذلك. ذكر من قال ذلك: 3117 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن ثوير، عن أبيه، عن عبد الله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال: ليس عليه إثم. 3118 - وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن
[ 419 ]
إبراهيم، عن عبد الله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه أي غفر له ومن تأخر فلا إثم عليه قال: غفر له. * - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مسعر، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه أي غفر له. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعا. عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال: قد غفر له. 3119 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم في قوله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قد غفر له. * - وحدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله قال في هذه الآية: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال: برئ من الاثم. 3120 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن ابن عمر: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال: رجع مغفورا له. 3121 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في قوله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال: قد غفر له. 3122 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن جابر، عن أبي عبد الله، عن ابن عباس: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه قال: قد غفر له، إنهم يتأولونها على غير تأويلها، إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب فكيف بالحج ؟. 3123 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن إبراهيم وعامر: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قالا: غفر له. 3124 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: ثني من أصدقه، عن ابن مسعود قوله: فلا إثم عليه قال: خرج من الاثم كله ومن تأخر فلا إثم عليه قال: برئ من الاثم كله، وذلك في الصدر عن الحج. قال ابن جريج:
[ 420 ]
وسمعت رجلا يحدث عن عطاء بن أبي رباح، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: فلا إثم عليه، قال: غفر له، ومن تأخر فلا إثم عليه، قال: غفر له. 3125 - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا أسود بن سوادة القطان، قال: سمعت معاوية بن قرة قال: يخرج من ذنوبه. وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه فيما بينه وبين السنة التي بعدها. ذكر من قال ذلك: 3126 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، قال: سألت مجاهدا عن قول الله عز وجل: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال: لمن في الحج، ليس عليه إثم حتى الحج من عام قابل. وقال آخرون: بل معناه: فلا إثم عليه إن اتقى الله فيما بقي من عمره. ذكر من قال ذلك: 3127 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال: ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي. 3128 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله. * - وحدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، مثله. 3129 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال: لمن اتقى بشرط. 3130 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه لا جناح عليه، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلا جناح عليه لمن اتقى وكان ابن عباس يقول: وددت أني من هؤلاء ممن يصيبه اسم التقوى.
[ 421 ]
3131 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: هي في مصحف عبد الله: لمن اتقى الله. 3132 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه فلا حرج عليه، يقول لمن اتقى معاصي الله عز وجل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فلا إثم عليه، أي فلا حرج عليه في تعجيله النفر إن هو اتقى قتل الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلم ينفر فلا حرج عليه. ذكر من قال ذلك: 3133 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا محمد بن أبي صالح: لمن اتقى أن يصيب شيئا من الصيد حتى يمضي اليوم الثالث. 3134 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ولا يحل له أن يقتل صيدا حتى تخلو أيام التشريق. وقال آخرون: بل معناه: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر فلا إثم عليه، أي مغفور له. ومن تأخر فنفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه، أي مغفور له إن اتقى على حجه أن يصيب فيه شيئا نهاه الله عنه. ذكر من قال ذلك: 3135 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: لمن اتقى قال: يقول لمن اتقى على حجه. قال قتادة: ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول: من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه، أو ما سلف من ذنبه. وأولى هذه الاقوال بالصحة قول من قال: تأويل ذلك: فمن تعجل في يومين من أيام منى الثلاثفنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه، لحط الله ذنوبه، إن كان قد اتقى الله في حجه فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه وفعل فيه ما أمره الله بفعله وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده. ومن تأخر إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غد النفر الاول، فلا إثم عليه لتكفير الله له ما سلف من آثامه وأجرامه، إن كان اتقى الله في حجة بأدائه بحدوده.
[ 422 ]
وإنما قلنا إن ذلك أولى تأويلاته لتظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) أنه قال: من حج هذا البيت فل يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنه قال صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة. 3136 - حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله (ص): تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، عن عمرو بن قيس، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله عن النبي (ص) بنحوه. 3137 - حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا ابن عيينة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن عمر يبلغ به النبي (ص) قال: تابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعة ما بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير الخبث، أو خبث الحديد. 3138 - حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: ثنا سعيد بن عبد الحميد، قال: ثنا ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): إذا قضيت حجك فأنت مثل ما ولدتك أمك. وما أشبه ذلك من الاخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب، مما ينبئ عن أن من حج فقضاه بحدوده على ما أمره الله، فهو خارج من ذنوبه، كما قال جل ثناؤه: فلا إثم عليه لمن اتقى الله في حجه. فكان في ذلك من قول رسول الله (ص) ما يوضح عن أن معنى قوله عز وجل: فلا إثم عليه أنه خارج من ذنوبه، محطوطة عنه آثامه، مغفورة له أجرامه. وأنه لا معنى لقول من تأول قوله فلا إثم عليه فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث لان الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترك عمله فيرخص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله، أو فيما كان عليه عمله،
[ 423 ]
فيرخص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه. فأما ما على العامل عمله فلا وجه لوضع الحرج عنه فيه إن هو عمله، وفرضه عمله، لانه محال أن يكون المؤدى فرضا عليه حرجا بأدائه، فيجوز أن يقال: قد وضعنا عنك فيه الحرج. وإذ كان ذلك كذلك، وكان الحاج لا يخلو عند من تأول قوله: فلا إثم عليه فلا حرج عليه، أو فلا جناح عليه من أن يكون فرضه النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق، فوضع عنه الحرج في المقام، أو أن يكون فرضه المقام إلى اليوم الثالث، فوضع عنه الحرج في النفر في اليوم الثاني، فإن يكن فرضه في اليوم الثاني من أيام التشريق المقام إلى اليوم الثالث منها، فوضع عنه الحرج في نفره في اليوم الثاني منها، وذلك هو التعجل الذي قيل: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه فلا معنى لقوله على تأويل من تأول ذلك: فلا إثم عليه فلا جناح عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لان المتأخر إلى اليوم الثالث إنما هو متأخر عن أداء فرض عليه تارك قبول رخصة النفر، فلا وجه لان يقال: لا حرج عليك في مقامك على أداء الواجب عليك، لما وصفنا قبل، أو يكون فرضه في اليوم الثاني النفر، فرخص له في المقام إلى اليوم الثالث فلا معنى أن يقال: لا حرج عليك في تعجلك النفر الذي هو فرضك وعليك فعله للذي قدمنا من العلة وكذلك لا معنى لقول من قال: معناه: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ولا حرج عليه في نفره ذلك، إاتقى قتل الصيد إلى انقضاء اليوم الثالث لان ذلك لو كان تأويلا مسلما لقائله لكان في قوله: ومن تأخر فلا إثم عليه ما يبطل دعواه، لانه لا خلاف بين الامة في أن الصيد للحاج بعد نفره من منى في اليوم الثالث حلال، فما الذي من أجله وضع عنه الحرج في قوله: ومن تأخر فلا إثم عليه إذا هو تأخر إلى اليوم الثالث ثم نفر ؟ هذا مع إجماع الحجة على أن المحرم إذا رمى وذبح وحلق وطاف بالبيت فقد حل له كل شئ، وتصريح الرواية المروية عن رسول الله (ص) بنحو ذلك، التي: 3139 - حدثنا بها هناد بن السري الحنظلي، قال: ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج، عن أبي بكربن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة قالت: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها متى يحل المحرم ؟ فقالت: قال رسول الله (ص): إذا رميتم وذبحتم وحلقتم حل لكم كل شئ إلا النساء. قال: وذكر الزهري عن عمرة، عن عائشة، عن النبي (ص)، مثله.
[ 424 ]
وأما الذي تأول ذلك أنه بمعنى: لا إثم عليه إلى عام قابل فلا وجه لتحديد ذلك بوقت، وإسقاطه الاثم عن الحاج سنة مستقبلة، دون آثامه السالفة، لان الله جل ثناؤه لم يحصر ذلك على نفي إثم وقت مستقبل بظاهر التنزيل، ولا على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، بل دلالة ظاهر التنزيل تبين عن أن المتعجل في اليومين والمتأخر لا إثم على كل واحد منهما في حاله التي هو بها دون غيرها من الاحوال، والخبر عن الرسول (ص) يصرح بأنه بانقضاء حجه على ما أمر به خارج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. ففي ذلك من دلالة ظاهر التنزيل، وصريح قول الرسول (ص) دلالة واضحة على فساد قول من قال: معنى قوله: فلا إثم عليه فلا إثم عليه من وقت انقضاء حجه إلى عام قابل. فإن قال لنا قائل: ما الجالب اللام في قوله: لمن اتقى وما معناها ؟ قيل: الجالب لها معنى قوله: فلا إثم عليه لان في قوله: فلا إثم عليه معنى حططنا ذنوبه وكفرنا آثامه، فكان في ذلك معنى: جعلنا تكفير الذنوب لمن اتقى الله في حجه، فترك ذكر جعلنا تكفير الذنوب اكتفاء بدلالة قوله: فلا إثم عليه. وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه كأنه إذا ذكر هذه الرخصة فقد أخبر عن أمر، فقال: لمن اتقى أي هذا لمن اتقى. وأنكر بعضهم ذلك من قوله، وزعم أن الصفة لا بد لها من شئ تتعلق به، لانها لا تقوم بنفسها، ولكنها فيما زعم من صلة قول متروك، فكان معنى الكلام عنده ما قلنا: ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى، وقام قوله: ومن تأخر فلا إثم عليه مقام القول. وزعم بعض أهل العربية أن موضع طرح الاثم في المتعجل، فجعل في المتأخر، وهو الذي أدى ولم يقصر، مثل ما جعل على المقصر، كما يقال في الكلام: إن تصدقت سرا فحسن، وإن أظهرت فحسن. وهما مختلفان، لان المتصدق علانية إذا لم يقصد الرياء فحسن، وإن كان الاسرار أحسن وليس في وصف حالتي المتصدقين بالحسن وصف إحداهما بالاثم وقد أخبر الله عز وجل عن النافرين بنفي الاثم عنهما، ومحال أن ينفي عنهما إلا ما كان في تركه الاثم على ما تأوله قائلو هذه المقالة. وفي إجماع الجميع على أنهما جميعا لو تركا النفر وأقاما بمنى لم يكونا آثمين ما يدل على فساد التأويل الذي تأوله من حكينا عنه هذا القول. وقال أيضا: فيه وجه آخر، وهو معنى نهي الفريقين عن أن يؤثم
[ 425 ]
أحد الفريقين الآخر، كأنه أراد بقوله: فلا إثم عليه لا يقل المتعجل للمتأخر: أنت آثم، ولا المتأخر للمتعجل أنت آثم بمعنى: فلا يؤثمن أحدهما الآخر. وهذا أيضا تأويل لقول جميع أهل التأويل مخالف، وكفى بذلك شاهدا على خطئه. القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون. يعني بذلك جل ثناؤه: واتقوا الله أيها المؤمنون فيما فرض عليكم من فرائضه، فخافوه في تضييعها والتفريط فيها، وفيما نهاكم عنه في حجكم ومناسككم أن ترتكبوه أو تأتوه وفيما كلفكم في إحرامكم لحجكم أن تقصروا في أدائه والقيام به، واعلموا أنكم إليه تحشرون، فمجازيكم هو بأعمالكم، المحسن منكم بإحسانه، والمسئ بإساءته، وموف كل نفس منكم ما عملت وأنتم لا تظلمون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) * وهذا نعت من الله تبارك وتعالى للمنافقين، يقول جل ثناؤه: ومن الناس من يعجبك يا محمد ظاهر قوله وعلانيته، ويستشهد الله على ما في قلبه، وهو ألد الخصام، جدل بالباطل. ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية، قال بعضهم: نزلت في الاخنس بن شريق، قدم على رسول الله (ص)، فزعم أنه يريد الاسلام، وحلف أنه ما قدم إلا لذلك، ثم خرج فأفسد أموالا من أموال المسلمين. ذكر من قال ذلك: 3140 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام قال: نزلت في الاخنس بن شريق الثقفي، وهو حليف لبني زهرة. وأقبل إلى النبي (ص) بالمدينة، فأظهر له الاسلام، فأعجب النبي (ص) ذلك منه، وقال: إنما جئت أريد الاسلام، والله يعلم أني صادق. وذلك قوله: ويشهد الله على ما في قلبه ثم خرج من عند النبي (ص)، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع، وعقر الحمر، فأنزل الله عز وجل: وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل.
[ 426 ]
وأما ألد الخصام: فأعوج الخصام، وفيه نزلت: ويل لكل همزة لمزة ونزلت فيه: ولا تطع كل حلاف مهين إلى عتل بعد ذلك زنيم. وقال آخرون: بل نزل ذلك في قوم من أهل النفاق تكلموا في السرية التي أصيبت لرسول الله (ص) بالرجيع. ذكر من قال ذلك: 3141 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما أصيبت هذه السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة والمدينة، فقال رجال ما لمنافقين: يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في بيوتهم، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله عز وجل في ذلك من قول المنافقين، وما أصاب أولئك النفر في الشهادة والخير من الله: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا أي ما يظهر بلسانه من الاسلام ويشهد الله على ما في قلبه أي من النفاق وهو ألد الخصام أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك، وإذا تولى أي خرج من عندك سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد أي لا يحب عمله ولا يرضاه، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله الذين شروا أنفسهم لله بالجهاد في سبيل الله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني هذه السرية. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما أصيبت السرية التي كان فيها عاصم ومرثد بالرجيع، قال رجال من المنافقين، ثم ذكر نحو حديث أبي كريب. وقال آخرون: بل عنى بذلك جميع المنافقين، وعنى بقوله: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه اختلاف سريرته وعلانيته. ذكر من قال ذلك: 3142 - حدثني محمد بن أبي معشر، قال: أخبرني أبي أبو معشر نجيح، قال: سمعت سعيد المقبري يذاكر محمد بن كعب، فقال سعيد: إن في بعض الكتب: إن لله
[ 427 ]
عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، قال الله تبارك وتعالى: أعلي يجترءون، وبي يغترون ؟ وعزتي لابعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله جل ثناؤه. فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله ؟ قال: قول الله عز وجل: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية. فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد. 3143 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن القرظي، عن نوف، وكان يقرأ الكتب، قال: إني لاجد صفة ناس من هذه الامة في كتاب الله المنزل: قوم يحتالون الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس لباس مسوك الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب، فعلي يجترءون، وبي يغترون، حلفت بنفسي لابعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيهم حيران قال القرظي: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون، فوجدتها: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به. 3144 - وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة قوله: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه قال: هو المنافق. 3145 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ومن الناس من يعجبك قوله قال: علانيته في الدنيا، ويشهد الله في الخصومة أنما يريد الحق. 3146 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام قال:
[ 428 ]
هذا عبد كان حسن القول سيئ العمل، يأتي رسول الله (ص) فيحسن له القول، وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها. 3147 - وحدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه قال: يقول قولا في قلبه غيره، والله يعلم ذلك. وفي قوله ويشهد الله على ما في قلبه وجهان من القراءة: فقرأته عامة القراء: ويشهد الله على ما في قلبه بمعنى أن المنافق الذي يعجب رسول الله (ص) قوله، يستشهد الله على ما في قلبه، أن قوله موافق اعتقاده، وأنه مؤمن بالله ورسوله وهو كاذب. كما: 3148 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا إلى والله لا يحب الفساد كان رجل يأتي إلى النبي (ص) فيقول: أي رسول الله أشهد أنك جئت بالحق والصدق من عند الله. قال: حتى يعجب النبي (ص) بقوله. ثم يقول: أما والله يا رسول الله، إن الله ليعلم ما في قلبي مثل ما نطق به لساني. فذلك قوله: ويشهد الله على ما في قلبه. قال: هؤلاء المنافقون، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله حتى بلغ: إن المنافقين لكاذبون بما يشهدون أنك رسول الله. وقال السدي: ويشهد الله على ما في قلبه يقول: الله يعلم أني صادق، أني أريد الاسلام. 3149 - حدثني بذلك موسى بن هارون، قال: ثنا عمربن حماد، عن أسباط. وقال مجاهد: ويشهد الله في الخصومة، أنما يريد الحق. 3150 - حدثني بذلك محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عنه. وقرأ ذلك آخرون: ويشهد الله على ما في قلبه بمعنى: والله يشهد على الذي في قلبه من النفاق، وأنه مضمر في قلبه غير الذي يبديه بلسانه وعلى كذبه في قلبه. وهي قراءة ابن محيصن، وعلى ذلك المعنى تأوله ابن عباس. وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فيما مضى في حديث أبي كريب، عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق الذي ذكرناه آنفا.
[ 429 ]
والذي نختار في ذلك من قول القراء قراءة من قرأ: ويشهد الله على ما في قلبه بمعنى يستشهد الله على ما في قلبه، لاجماع الحجة من القراء عليه. القول في تأويل قوله تعالى: وهو ألد الخصام. الالد من الرجال: الشديد الخصومة، يقال في فعلت منه: قد لددت يا هذا ولم تكن ألد، فأنت تلد لددا ولدادة فأما إذ غلب من خاصمه، فإنما يقال فيه: لددت يا فلان فلانا فأنت تلده لدا، ومنه قول الشاعر: ثم أردي وبهم من تردي تلد أقران الخصوم اللد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: أنه ذو جدال. ذكر من قال ذلك: 3151 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد، قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: وهو ألد الخصام أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك. 3152 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وهو ألد الخصام يقول: شديد القسوة في معصية الله جدل بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللسان جاهل العمل يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة. 3153 - حدثنا الحسن بن يحيى. قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: وهو ألد الخصام قال: جدل بالباطل. وقال آخرون: معنى ذلك أنه غير مستقيم الخصومة ولكنه معوجها. ذكر من قال ذلك:
[ 430 ]
3154 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وهو ألد الخصام قال: ظالم لا يستقيم. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد، قال الالد الخصام: الذي لا يستقيم على خصومة. 3155 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ألد الخصام: أعوج الخصام. قال أبو جعفر: وكلا هذين القولين متقارب المعنى، لان الاعوجاج في الخصومة من الجدال واللدد. وقال آخرون: معنى ذلك: وهو كاذب في قوله. ذكر من قال ذلك: 3156 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا وكيع، عن بعض أصحابه، عن الحسن، قال: الالد الخصام: الكاذب القول. وهذا القول يحتمل أن يكون معناه معنى القولين الاولين إن كان أراد به قائله أنه يخاصم بالباطل من القول والكذب منه جدلا واعوجاجا عن الحق. وأما الخصام: فهو مصدر من قول القائل: خاصمت فلانا خصاما ومخاصمة. وهذا خبر من الله تبارك وتعالى عن المنافق الذي أخبر نبيه محمدا (ص) أنه يعجبه إذا تكلم قيله ومنطقه، ويستشهد الله على أنه محق في قيله ذلك لشدة خصومته وجداله بالباطل والزور من القول. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) * يعني بقوله جل ثناؤه: وإذا تولى، وإذا أدبر هذا المنافق من عندك يا محمد منصرفا عنك. كما: 3157 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: وإذا تولى قال: يعني: وإذا خرج من عندك سعى. وقال بعضهم: وإذا غضب. ذكر من قال ذلك:
[ 431 ]
3158 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج قال: قال ابن جريج في قوله: وإذا تولى قال: إذا غضب. فمعنى الآية: وإذا خرج هذا المنافق من عندك يا محمد غضبان عمل في الارض بما حرم الله عليه، وحاول فيها معصية الله، وقطع الطريق، وإفساد السبيل على عباد الله، كما قد ذكرنا آنفا من فعل الاخنس بن شريق الثقفي الذي ذكر السدي أن فيه نزلت هذه الآية من إحراقه زرع المسلمين وقتله حمرهم. والسعي في كلام العرب العمل، يقال منه: فلان يسعى على أهله، يعني به يعمل فيما يعود عليهم نفعه ومنه قول الاعشى: وسعى لكندة سعي غير مواكل قيس فضر عدوها ونبالها يعني بذلك: عمل لهم في المكارم. وكالذي قلنا في ذلك كان مجاهد يقول. 3159 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله وإذا تولى سعى قال: عمل. واختلف أهل التأويل في معنى الافساد الذي أضافه الله عز وجل إلى هذا المنافق، فقال بعضهم: تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطريق وإخافته السبيل، كما قد ذكرنا قبل من فعل الاخنس بن شريق. وقال بعضهم: بل معنى ذلك قطع الرحم وسفك دماء المسلمين. ذكر من قال ذلك: 3160 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج في قوله: سعى في الارض ليفسد فيها قطع الرحم، وسفك الدماء، دماء المسلمين، فإذا قيل: لتفعل كذا وكذا ؟ قال أتقرب به إلى الله عز وجل. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وصف هذا المنافق بأنه إذا تولى مدبرا عن رسول الله (ص) عمل في أرض الله بالفساد. وقد يدخل في الافساد جميع المعاصي، وذلك أن العمل بالمعاصي إفساد في الارض، فلم يخصص الله وصفه ببعض معاني الافساد دون بعض. وجائز أن يكون ذلك الافساد منه كان بمعنى قطع الطريق، وجائز أن يكون غير ذلك، وأي ذلك كان منه فقد كان إفسادا في الارض، لان ذلك منه لله عز وجل معصية. غير أن الاشبه بظاهر التنزيل أن يكون كان يقطع الطريق، ويخيف السبيل، لان الله
[ 432 ]
تعالى ذكره وصفه في سياق الآية بأنه سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، وذلك بفعل مخيف السبيل أشبه منه بفعل قطاع الرحم. القول في تأويل قوله تعالى: ويهلك الحرث والنسل. اختلف أهل التأويل في وجه إهلاك هذا المنافق، الذي وصفه الله بما وصفه به من صفة إهلاك الحرث والنسل فقال بعضهم: كان ذلك منه إحراقا لزرع قوم من المسلمين وعقرا لحمرهم. 3161 - حدثني بذلك موسى بن هارون، قال: ثني عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي. وقال آخرون بما. 3162 - حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا عثام، قال: ثنا النضر بن عربي، عن مجاهد: وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل الآية قال: إذا تولى سعى في الارض بالعدوان والظلم، فيحبس الله بذلك القطر، فيهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد. قال: ثم قرأ مجاهد: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قال: ثم قال: أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر. والذي قاله مجاهد وإن كان مذهبا من التأويل تحتمله الآية، فإن الذي هو أشبه بظاهر التنزيل من التأويل ما ذكرنا عن السدي، فلذلك اخترناه. وأما الحرث، فإنه الزرع، والنسل: العقب والولد، وإهلاكه الزرع: إحراقه. وقد يجوز أن يكون كان كما قال مجاهد باحتباس القطر من أجل معصيته ربه وسعيه بالافساد في الارض، وقد يحتمل أن يكون كان بقتله القوام به والمتعاهدين له حتى فسد فهلك. وكذلك جائز في معنى إهلاكه النسل أن يكون كان بقتله أمهاته أو آباءه التي منها يكون النسل، فيكون في قتله الآباء والامهات انقطاع نسلهما. وجائز أن يكون كما قال مجاهد، غير أن ذلك وإن كان تحتمله الآية فالذي هو أولى بظاهرها ما قاله السدي غير أن السدي ذكر أن الذي نزلت فيه هذه الآية إنما نزلت في قتله حمر القوم من المسلمين وإحراقه زرعا لهم. وذلك وإن كان جائزا أن يكون كذلك، فغير فاسد أن تكون الآية نزلت فيه، والمراد بها كل من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي لا يحل قتله بحال والذي يحل قتله في بعض الاحوال إذا قتله بغير
[ 433 ]
حق بل ذلك كذلك عندي، لان الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا دون شئ بل عمه. وبالذي قلنا في عموم ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3163 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي أنه سأل ابن عباس: ويهلك الحرث والنسل قال: نسل كل دابة. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، أنه سأل ابن عباس: قال: قلت أرأيت قوله الحرث والنسل قال: الحرث حرثكم، والنسل: نسل كل دابة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس عن الحرث والنسل، فقال: الحرث: ما تحرثون، والنسل: نسل كل دابة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثناحكام، عن عمرو، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن رجل من تميم، عن ابن عباس، مثله. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ويهلك الحرث والنسل فنسل كل دابة، والناس أيضا. 3164 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ويهلك الحرث قال: نبات الارض والنسلمن كل دابة تمشي من الحيوان من الناس والدواب. 3165 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ويهلك الحرث قال: نبات الارض، والنسل: نسل كل شئ. 3166 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: الحرث: النبات، والنسل: نسل كل دابة. 3167 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:
[ 434 ]
ويهلك الحرث قال: الحرث الذي يحرثه الناس: نبات الارض، والنسل: نسل كل دابة. 3168 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ويهلك الحرث والنسل قال: الحرث: الزرع، والنسل من الناس والانعام، قال: يقتل نسل الناس والانعام. قال: وقال مجاهد: يبتغي في الارض هلاك الحرث: نبات الارض، والنسل: من كل شئ من الحيوان. 3169 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: ويهلك الحرث والنسل قال: الحرث: الاصل، والنسل: كل دابة والناس منهم. 3170 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سئل سعيد بن عبد العزيز عن فساد الحرث والنسل وما هما أي حرث وأي نسل ؟ قال سعيد: قال مكحول: الحرث: ما تحرثون، وأما النسل: فنسل كل شئ. وقد قرأ بعض القراء: ويهلك الحرث والنسل برفع يهلك على معنى: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، ويهلك الحرث والنسل، وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها، والله لا يحب الفساد. فيرد ويهلك على ويشهد الله عطفا به عليه. وذلك قراءة عندي غير جائزة وإن كان لها مخرج في العربية لمخالفتها لما عليه الحجة مجمعة من القراءة في ذلك قراءة: ويهلك الحرث والنسل وأن ذلك في قراءة أبي بن كعب ومصحفه فيما ذكرنا: ليفسد فيها وليهلك الحرث والنسل، وذلك من أدل الدليل على تصحيح قراءة من قرأ ذلك ويهلك بالنصب عطفا به على: ليفسد فيها. القول في تأويل قوله تعالى: والله لا يحب الفساد. يعني بذلك جل ثناؤه: والله لا يحب المعاصي، وقطع السبيل، وإخافة الطريق. والفساد: مصدر من قول القائل: فسد الشئ يفسد، نظير قولهم: ذهب يذهب ذهابا، ومن العرب من يجعل مصدر فسد فسودا، ومصدر ذهب يذهب ذهوبا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 435 ]
* (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) * يعني بذلك جل ثناؤه: وإذا قيل لهذا المنافق الذي نعت نعته لنبيه عليه الصلاة والسلام وأخبره أنه يعجبه قوله في الحياة الدنيا: اتق الله، وخفه في إفسادك في أرض الله، وسعيك فيها بما حرم الله عليك من معاصيه، وإهلاكك حروث المسلمين ونسلهم استكبر ودخلته عزة وحمية بما حرم الله عليه، وتمادى في غيه وضلاله. قال الله جل ثناؤه: فكفاه عقوبة من غيه وضلاله صلي نار جهنم ولبئس المهاد لصاليها. واختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية، فقال بعضهم: عنى بها كل فاسق ومنافق. ذكر من قال ذلك: 3171 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال: ثنا بسطام بن مسلم، قال: ثنا أبو رجاء العطاردي، قال: سمعت عليا في هذه الآية: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا إلى: والله رءوف بالعباد قال علي: اقتتلا ورب الكعبة. 3172 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم إلى قوله: والله رءوف بالعباد قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى السبحة وفرغ دخل مربدا له، فأرسل إلى فتيان قد قرءوا القرآن، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة، قال: فيأتون فيقرءون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال فمروا بهذه الآية: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد قال ابن زيد: وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله. فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان. فسمع عمر ما قال، فقال: وأي شئ قلت ؟ قال: لا شئ يا أمير المؤمنين. قال: ماذا قلت ؟ اقتتل الرجلان ؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالاثم، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالاثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي فقاتله، فاقتتل الرجلان. فقال عمر: لله
[ 436 ]
تلادك يا بن عباس. وقال آخرون: بل عنى به الاخنس بن شريق، وقد ذكرنا من قال ذلك فيما مضى. وأما قوله: ولبئس المهاد فإنه يعني: ولبئس الفراش والوطاء: جهنم التي أوعد بها جل ثناؤه هذا المنافق، ووطأها لنفسه بنفاقه وفجوره وتمرده على ربه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغآء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) * يعني جل ثناؤه: ومن الناس من يبيع نفسه بما وعد الله المجاهدين في سبيله وابتاع به أنفسهم بقوله: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وقد وأما قوله: دللنا على أن معنى شرى باع في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ابتغاء مرضات الله فإنه يعني أن هذا الشاري يشري إذا اشترى طلب مرضاة الله. ونصب ابتغاء بقوله يشري، فكأنه قال: ومن الناس من يشري من أجل ابتغاء مرضاة الله، ثم ترك من أجل وعمل فيه الفعل. وقد زعم بعض أهل العربية أنه نصب ذلك على الفعل على يشري كأنه قال: لابتغاء مرضاة الله، فلما نزع اللام عمل الفعل. قال: ومثله: حذر الموت وقال الشاعر وهو حاتم: وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن قول اللئيم تكرما
[ 437 ]
وقال: لما أذهب اللام أعمل فيه الفعل. وقال بعضهم: أيما مصدر وضع موضع الشرط وموضع أن فتحسن فيها الباء واللام، فتقول: أتيتك من خوف الشر، ولخوف الشر، وبأن خفت الشر فالصفة غير معلومة، فحذفت وأقيم المصدر مقامها. قال: ولو كانت الصفة حرفا واحدا بعينه لم يجز حذفها كما غير جائز لمن قال: فعلت هذا لك ولفلان، أن يسقط اللام. ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فيه ومن عنى بها، فقال بعضهم: نزلت في المهاجرين والانصار، وعنى بها المجاهدون في سبيل الله. ذكر من قال ذلك: 3173 - حدثنا الحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله قال: المهاجرون والانصار. وقال بعضهم: نزلت في رجال من المهاجرين بأعيانهم. ذكر من قال ذلك: 3174 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله قال: نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذرالغفاري جندب بن السكن أخذ أهل أبي ذر أبا ذر، فانفلت منهم، فقدم على النبي (ص)، فلما رجع مهاجرا عرضوا له، وكانوا بمر الظهران، فانفلت أيضا حتى قدم على النبي عليه الصلاة والسلام. وأما صهيب فأخذه أهله، فافتدى منهم بماله، ثم خرج مهاجرا فأدركه منقذ بن عمير بن جدعان، فخرج له مما بقي من ماله، وخلى سبيله. 3175 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله الآية، قال: كان رجل من أهل مكة أسلم، فأراد أن يأتي النبي (ص) ويهاجر إلى المدينة، فمنعوه وحبسوه، فقال لهم: أعطيكم داري ومالي وما كان لي من شئ فخلوا عنى فألحق بهذا الرجل فأبوا. ثم إن بعضهم قال لهم: خذوا منه ما كان له من شئ وخلوا عنه ففعلوا، فأعطاهم داره وماله، ثم خرج فأنزل الله عز وجل على النبي (ص) بالمدينة: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله الآية فلما دنا من المدينة تلقاه عمر في رجال، فقال له عمر: ربح البيع، قال: وبيعك فلا يخسر، قال: وما ذاك ؟ قال: أنزل فيك كذا وكذا. وقال آخرون: بل عنى بذلك كل شار نفسه في طاعة الله وجهاد في سبيله أو أمر بمعروف. ذكر من قال ذلك:
[ 438 ]
3176 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا حسين بن الحسن أبو عبد الله، قال: ثنا أبو عون، عن محمد، قال: حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه، فقالوا: ألقى بيده، فقال أبو هريرة: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله. 3177 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا إسرائيل، عن طارق بن عبد الرحمن، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة، قال: بعث عمر جيشا فحاصروا أهل حصن، وتقدم رجل من بجيلة، فقاتل، فقتل، فأكثر الناس فيه يقولون: ألقى بيده إلى التهلكة. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: كذبوا، أليس الله عز وجل يقول: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد. 3178 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشام، عن قتادة، قال: حمل هشام بن عامر على الصف حتى شقه، فقال أبو هريرة: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله. 3179 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا حزام بن أبي حزم، قال: سمعت الحسن قرأ: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد أتدرون فيم أنزلت ؟ نزلت في أن المسلم لقي الكافر فقال له: قل لا إله إلا الله، فإذا قلتها عصمت دمك ومالك إلا بحقهما. فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لاشرين نفسي لله. فتقدم فقاتل حتى قتل. 3180 - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، ثنا زياد بن أبي مسلم، عن أبي الخليل، قال: سمع عمر إنسانا قرأ هذه الآية: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله قال: استرجع عمر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل. والذي هو أولى بظاهر هذه الآية من التأويل، ما روي عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم، من أن يكون عنى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. وذلك أن الله جل ثناؤه وصف صفة فريقين: أحدهما منافق يقول بلسانه خلاف ما في نفسه وإذا اقتدر على معصية الله ركبها وإذالم يقتدر رامها وإذا نهى أخذته العزة بالاثم بما هو به آثم، والآخر منهما بائع نفسه طالب من الله رضا الله. فكان
[ 439 ]
الظاهر من التأويل أن الفريق الموصوف بأنشرى نفسه لله وطلب رضاه، إنما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب رضا الله. فهذا هو الاغلب الاظهر من تأويل الآية. وأما ما روي من نزول الآية في أمر صهيب، فإن ذلك غير مستنكر، إذ كان غير مدفوع جواز نزول آية من عند الله على رسوله (ص) بسبب من الاسباب، والمعني بها كل من شمله ظاهرها. فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عز ذكره وصف شاريا نفسه ابتغاء مرضاته، فكل من باع نفسه في طاعته حتى قتل فيها أو استقتل وإن لم يقتل، فمعني بقوله: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله في جهاد عدو المسلمين كان ذلك منه أو في أمر بمعروف أو نهي عن منكر. القول في تأويل قوله تعالى: والله رءوف بالعباد. قددللنا فيما مضى على معنى الرأفة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأنها رقة الرحمة فمعنى ذلك: والله ذو رحمة واسعة بعبده الذي يشري نفسه له في جهاد من حاده في أمره من أهل الشرك والفسوق وبغيره من عباده المؤمنين في عاجلهم وآجل معادهم، فينجز لهم الثواب على ما أبلوا في طاعته في الدنيا، ويسكنهم جناته على ما عملوا فيها من مرضاته. القول في تأول قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) * اختلف أهل التأويل في معنى السلم في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: الاسلام. ذكر من قال ذلك: 3181 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: ادخلوا في السلم قال: ادخلوا في الاسلام. 3182 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: ادخلوا في السلم قال: ادخلوا في الاسلام. 3183 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ادخلوا في السلم كافة قال: السلم: الاسلام.
[ 440 ]
3184 - حدثني موسى بن هارون، قال: أخبرنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ادخلوا في السلم يقول: في الاسلام. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن مجاهد: ادخلوا في الاسلام. 3185 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ادخلوا في السلم قال: السلم: الاسلام. 3186 - حدثت عن الحسين بن فرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: ادخلوا في السلم: في الاسلام. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ادخلوا في الطاعة. ذكر من قال ذلك: 3187 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ادخلوا في السلم يقول: ادخلوا في الطاعة. وقد اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز: ادخلوا في السلم بفتح السين. وقرأته عامة قراء الكوفيين بكسر السين. فأما الذين فتحوا السين من السلم، فإنهم وجهوا تأويلها إلى المسالمة، بمعنى: ادخلوا في الصلح والمسالمة وترك الحرب وإعطاء الجزية. وأما الذين قرءوا ذلك بالكسر من السين فإنهم مختلفون في تأويله فمنهم من يوجهه إلى الاسلام، بمعنى ادخلوا في الاسلام كافة، ومنهم من يوجهه إلى الصلح، بمعنى: ادخلوا في الصلح، ويستشهد على أن السين تكسر، وهي بمعنى الصلح بقول زهير بن أبي سلمى: وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من الامر نسلم وأولى التأويلات بقوله: ادخلوا في السلم قول من قال: معناه: ادخلوا في الاسلام كافة. وأما الذي هو أولى القراءتين بالصواب في قراءة ذلك، فقراءة من قرأ بكسر السين
[ 441 ]
لان ذلك إذا قرئ كذلك وإن كان قد يحتمل معنى الصلح، فإن معنى الاسلام: ودوام الامر الصالح عند العرب، أغلب عليه من الصلح والمسالمة، وينشد بيت أخي كندة: دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرينا بكسر السين، بمعنى: دعوتهم للاسلام لما ارتدوا، وكان ذلك حين ارتدت كندة مع الاشعث بعد وفاة رسول الله (ص). وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقرأ سائر ما في القرآن من ذكر السلم بالفتح سوى هذه التي في سورة البقرة، فإنه كان يخصها بكسر سينها توجيها منه لمعناها إلى الاسلام دون ما سواها. وإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل في قوله: ادخلوا في السلم وصرفنا معناه إلى الاسلام، لان الآية مخاطب بها المؤمنون، فلن يعدو الخطاب إذ كان خطابا للمؤمنين من أحد أمرين، إما أن يكون خطابا للمؤمنين بمحمد المصدقين به وبما جاء به، فإن يكن ذلك كذلك، فلا معنى أن يقال لهم وهم أهل الايمان: ادخلوا في صلح المؤمنين ومسالمتهم، لان المسالمة والمصالحة إنما يؤمر بها من كان حربا بترك الحرب. فأما الموالي فلا يجوز أن يقال له: صالح فلانا، ولا حرب بينهما ولا عداوة. أو يكون خطابا لاهل الايمان بمن قبل محمد (ص) من الانبياء المصدقين بهم، وبما جاءوا به من عند الله المنكرين محمدا ونبوته، فقيل لهم: ادخلوا في السلم يعني به الاسلام لا الصلح. لان الله عز وجل إنما أمر عباده بالايمان به وبنبيه محمد (ص) وما جاء به، وإلى ذلك دعاهم دون المسالمة والمصالحة بل نهى نبيه (ص) في بعض الاحوال عن دعاء أهل الكفر إلى الاسلام، فقال: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الاعلون والله معكم وإنما أباح له (ص) في بعض
[ 442 ]
الاحوال إذا دعوه إلى الصلح ابتداء المصالحة، فقال له جل ثناؤه: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها فأما دعاؤهم إلى الصلح ابتداء فغير موجود في القرآن، فيجوز توجيه قوله ادخلوا في السلم إلى ذلك. فإن قال لنا قائل: فأي هذين الفريقين دعى إلى الاسلام كافة ؟ قيل قد اختلف في تأويل ذلك، فقال بعضهم: دعى إليه المؤمنون بمحمد (ص)، وما جاء به. وقال آخرون: قيل: دعي إليه المؤمنون بمن قبل محمد (ص) من الانبياء المكذبون بمحمد. فإن قال: فما وجه دعاء المؤمن بمحمد وبما جاء به إلى الاسلام ؟ قيل: وجه دعائه إلى ذلك الامر له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه. وإذا كان ذلك معناه، كان قوله كافة من صفة السلم، ويكون تأويله: ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئا منه يا أهل الايمان بمحمد وما جاء به. وبنحو هذا المعنى كان يقول عكرمة في تأويل ذلك. 3188 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: ادخلوا في السلم كافة قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وشعبة بن عمرو وقيس بن زيد، كلهم من يهود، قالوا: يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه، وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل فنزلت: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان. فقد صرح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الاسلام، والعمل بجميع شرائع الاسلام، والنهي عن تضييع شئ من حدوده. وقال آخرون: بل الفريق الذي دعى إلى السلم فقيل لهم ادخلوا فيه بهذه الآية هم أهل الكتاب، أمروا بالدخول في الاسلام. ذكر من قال ذلك: 3189 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس في قوله: ادخلوا في السلم كافة يعني أهل الكتاب.
[ 443 ]
3190 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قول الله عز وجل: ادخلوا في السلم كافة قال: يعني أهل الكتاب. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الاسلام كلها، وقد يدخل في الذين آمنوا المصدقون بمحمد (ص)، وبما جاء به، والمصدقون بمن قبله من الانبياء والرسل، وما جاءوا به، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الاسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شئ من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم الايمان، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض. وبمثل التأويل الذي قلنا في ذلك كان مجاهد يقول. 3191 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: ادخلوا في السلم كافة قال: ادخلوا في الاسلام كافة ادخلوا في الاعمال كافة. القول في تأويل قوله تعالى: كافة يعني جل ثناؤه كافة عامة جميعا. كما: 3192 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: في السلم كافة قال: جميعا. 3193 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: في السلم كافة قال: جميعا. 3194 - وحدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في السلم كافة قال: جميعا، وعن أبيه، عن قتادة، مثله. 3195 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع بن الجراح، عن النضر، عن مجاهد، ادخلوا في الاسلام جميعا. 3196 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس: كافة: جميعا.
[ 444 ]
3197 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كافة جميعا، وقرأ: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة جميعا. 3198 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ادخلوا في السلم كافة قال: جميعا. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. يعني جل ثناؤه بذلك: اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الاسلام كلها، وادخلوا في التصديق به قولا وعملا، ودعوا طرائق الشيطان وآثاره أن تتبعوها فإنه لكم عدو مبين لكم عداوته. وطريق الشيطان الذي نهاهم أن يتبعوه هو ما خالف حكم الاسلام وشرائعه، ومنه تسبيت السبت وسائر سنن أهل الملل التي تخالف ملة الاسلام. وقد بينت معنى الخطوات بالادلة الشاهدة على صحته فيما مضى، فكرهت إعادته في هذا المكان. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم) * يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أخطأتم الحق، فضللتم عنه، وخالفتم الاسلام وشرائعه، من بعدما جاءتكم حججي، وبينات هداي، واتضحت لكم صحة أمر الاسلام بالادلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون، فاعلموا أن الله ذو عزة، لا يمنعه من الانتقام منكم مانع، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع، حكيم فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه بعد إقامته الحجة عليكم، وفي غيره من أموره. وقد قال عدد من أهل التأويل: إن البينات هي محمد (ص) والقرآن. وذلك قريب من الذي قلنا في تأويل ذلك، لان محمدا (ص) والقرآن من حجج الله على الذين خوطبوا بهاتين الآيتين. غير أن الذي قلناه في تأويل ذلك أولى بالحق، لان الله جل ثناؤه، قد احتج على من خالف الاسلام من أخبار أهل الكتاب بما عهد إليهم في التوراة والانجيل وتقدم إليهم على
[ 445 ]
ألسن أنبيائهم بالوصاة به، فذلك وغيره من حجج الله تبارك وتعالى عليهم مع ما لزمهم من الحجج بمحمد (ص) وبالقرآن فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله: فإن زللتم: 3199 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي في قوله: فإن زللتم يقول: فإن ضللتم. 3200 - وحدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فإن زللتم قال: والزلل: الشرك. ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله: من بعد ما جاءتكم البينات: 3201 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: من بعد ما جاءتكم البينات يقول: من بعد ما جاءكم محمد (ص). 3202 - وحدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج: فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات قال: الاسلام والقرآن. 3203 - وحدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فاعلموا أن الله عزيز حكيم يقول: عزيز في نقمته، حكيم في أمره. القول في تأويل قوله تعالى: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر وإلى الله ترجع الامور) * يعني بذلك جل ثناؤه: هل ينظر المكذبون بمحمد (ص) وما جاء به، إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة. ثم اختلفت القراء في قراءة قوله: والملائكة. فقرأ بعضهم: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة بالرفع عطفا بالملائكة على اسم الله تبارك وتعالى، على معنى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام. ذكر من قال ذلك: 3204 - حدثني أحمد بن يوسف، عن أبي عبيد القاسم بن سلام، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: في قراءة
[ 446 ]
أبي بن كعب: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام قال: تأتي الملائكة في ظلل من الغمام، ويأتي الله عز وجل فيما شاء. 3205 - وقد حدثت هذا الحديث عن عمار بن الحسن، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة الآية. وقال أبو جعفر الرازي: وهي في بعض القراءة: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام، كقوله: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا. وقرأ ذلك آخرون: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة بالخفض عطفا بالملائكة على الظلل بمعنى: هينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة. وكذلك اختلفت القراء في قراءة ظلل، فقرأها بعضهم: في ظلل، وبعضهم: في ظلال. فمن قرأها في ظلل، فإنه وجهها إلى أنها جمع ظلة، والظلة تجمع ظلل وظلال، كما تجمع الخلة خلل وخلال، والجلة جلل وجلال. وأما الذي قرأها في ظلال فإنه جعلها جمع ظلة، كما ذكرنا من جمعهم الخلة خلال. وقد يحتمل أن يكون قارئه كذلك وجهه إلى أن ذلك جمع ظل، لان الظلة والظل قد يجمعان جميعا ظلالا. والصواب من القراءة في ذلك عندي هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام لخبر روي عن رسول الله (ص) أنه قال: إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا فدل بقوله طاقات على أنها ظلل لا ظلال، لان واحد الظلل ظلة، وهي الطاق. واتباعا لخط المصحف. وكذلك الواجب في كل ما اتفقت معانيه واختلفت في قراءته القراء ولم يكن على إحدى القراءتين دلالة تنفصل بها من الاخرى غير اختلاف خط المصحف، فالذي ينبغي أن تؤثر قراءته منها ما وافق رسم المصحف. وأما الذي هو أولى القراءتين في: والملائكة فالصواب بالرفع عطفا بها على اسم الله تبارك وتعالى على معنى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وإلا أن
[ 447 ]
تأتيهم الملائكة على ما روي عن أبي بن كعب، لان الله جل ثناؤه قد أخبر في غير موضع من كتابه أن الملائكة تأتيهم، فقال جل ثناؤه: وجاء ربك والملك صفا صفا وقال: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك. فإن أشكل على امرئ قول الله جل ثناؤه: والملك صفا صفا فظن أنه مخالف معناه معنى قوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة إذ كان قوله والملائكة في هذه الآية بلفظ جمع، وفي الاخرى بلفظ الواحد. فإن ذلك خطأ من الظان، وذلك أن الملك في قوله: وجاء ربك والملك بمعنى الجميع، ومعنى الملائكة، والعرب تذكر الواحد بمعنى الجميع، فتقول: فلان كثير الدرهم والدينار، يراد به الدراهم والدنانير، وهلك البعير والشاة بمعنى جماعة الابل والشاء، فكذلك قوله: والملك بمعنى الملائكة. ثم اختلف أهل التأويل في قوله: ظلل من الغمام وهل هو من صلة فعل الله جل ثناؤه، أو من صلة فعل الملائكة، ومن الذي يأتي فيها ؟ فقال بعضهم: هو من صلة فعل الله، ومعناه: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وأن تأتيهم الملائكة. ذكر من قال ذلك: 3206 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام قال: هو غير السحاب لم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة. 3207 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام قال: يأتيهم الله وتأتيهم الملائكة عند الموت. 3208 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام قال: طاقات من الغمام والملائكة حوله. قال ابن جريج وقال غيره والملائكة بالموت. وقول عكرمة هذا وإن كان موافقا قول من قال: إن قوله في ظلل من الغمام من صلة
[ 448 ]
فعل الرب تبارك وتعالى الذي قد تقدم ذكرناه، فإنه له مخالف في صفة الملائكة وذلك أن الواجب من القراءة على تأويل قول عكرمة هذا في الملائكة الخفض، لانه تأول الآية: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة، لانه زعم أن الله تعالى يأتي في ظلل من الغمام والملائكة حوله. هذا إن كان وجه قوله والملائكة حوله، إلى أنهم حول الغمام، وجعل الهاء في حوله من ذكر الغمام وإن كان وجه قوله: والملائكة حوله إلى أنهم حول الرب تبارك وتعالى، وجعل الهاء في حوله من ذكر الرب عز جل، فقوله نظير قول الاخرين الذين قد ذكرنا قولهم غير مخالفهم في ذلك. وقال آخرون: بل قوله في ظلل من الغمام من صلة فعل الملائكة، وإنما تأتي الملائكة فيها، وأما الرب تعالى ذكره فإنه يأتي فيما شاء. ذكر من قال ذلك: 3209 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة... الآية، قال: ذلك يوم القيامة، تأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام. قال: الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والرب تعالى يجئ فيما شاء. وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من وجه قوله: في ظلل من الغمام إلى أنه من صلة فعل الرب عز وجل، وأن معناه: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وتأتيهم الملائكة. لما: 3210 - حدثنا به محمد بن حميد، قال: ثنا إبراهيم بن المختار، عن ابن جريج، عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي (ص) قال: إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا وذلك قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر. وأما معنى قوله: هل ينظرون فإنه ما ينظرون، وقد بينا ذلك بعلله فيما مضى من كتابنا هذا قبل. ثم اختلف في صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فقال بعضهم: لا صفة لذلك غير الذي وصف به نفسه عز وجل من المجئ والاتيان والنزول، وغير جائز تكلف القول في ذلك لاحد إلا بخبر من الله جل جلاله، أو من رسول مرسل. فأما القول في صفات الله وأسمائه، فغير جائز لاحد من جهة الاستخراج إلا بما ذكرنا.
[ 449 ]
وقال آخرون: إتيانه عز وجل نظير ما يعرف من مجئ الجائي من موضع إلى موضع وانتقاله من مكان إلى مكان. وقال آخرون: معنى قوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله يعني به: هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله، كما ي: قد خشينا أن يأتينا بنو أمية، يراد به حكمهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: هل ينظرون إلا أن يأتيهم ثوابه وحسابه وعذابه، كما قال عزوجل: بل مكر الليل والنهار وكما يقال: قطع الوالي اللص أو ضربه، وإنما قطعه أعوانه. وقد بينا معنى الغمام فيما مضى من كتابنا هذا قبل فأغنى ذلك عن تكريره، لان معناه ههنا هو معناه هنالك. فمعنى الكلام إذا: هل ينظر التاركون الدخول في السلم كافة والمتبعون خطوات الشيطان إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، فيقضي في أمرهم ما هو قاض. 3211 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع المديني، عن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الانصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): توقفون موقفا واحدا يوم القيامة مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم، قد حصر عليكم فتبكون حتى ينقطع الدمع، ثم تدمعون دما، وتبكون حتى يبلغ ذلك منكم الاذقان، أو يلجمكم فتصيحون، ثم تقولون: من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا ؟ فيقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم ؟ جبل الله تربته، وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيؤتى آدم، فيطلب ذلك إليه، فيأبى، ثم يستقرئون الانبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا أبى، قال رسول الله (ص): حتى يأتوني، فإذا جاءوني خرجت حتى آتي الفحص، قال أبو هريرة: يا رسول الله: وما الفحص ؟ قال: قدام العرش، فأخر ساجدا، فلا أزال ساجدا حتى يبعث الله إلي ملكا، فيأخذ بعضدي فيرفعني، ثم يقول الله لي: يا محمد فأقول: نعم وهو أعلم، فيقول: ما شأنك ؟ فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك فاقض بينهم فيقول: قد شفعتك، أنا آتيكم فأقضي بينكم. قال رسول الله (ص): فانصرف حتى أقف مع الناس،
[ 450 ]
فبينا نحن وقوف سمعنا حسا من السماء شديدا، فهالنا، فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الارض من الجن والانس حتى إذا دنوا من الارض أشرقت الارض بنورهم، وأخذوا مصافهم، فقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ قالوا: لا وهو آت ثم نزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من فيها من الجن والانس، حتى إذا دنوا من الارض أشرقت الارض بنورهم، وأخذوا مصافهم، فقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ قالوا: لا وهو آت. ثم نزل أهل السماء الثالثة بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من في الارض من الجن والانس حتى إذا دنوا من الارض أشرقت الارض بنورهم، وأخذوا مصافهم، فقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ قالوا: لا وهو آت، ثم نزل أهل السموات على عدد ذلك من التضعيف حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان رب العرش ذي الجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، قدوس قدوس، سبحان ربنا الاعلى، سبحان ذي السلطان والعظمة، سبحانه أبدا أبدا، فينزل تبارك وتعالى يحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الارض السفلى والسموات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم، فوضع الله عز وجل عرشه حيث شاء من الارض. ثم ينادي مناد نداء يسمع الخلائق، فيقول: يا معشر الجن والانس إني قد أنصت منذ يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع كلامكم، وأبصر أعمالكم، فأنصتوا إلي، فإنما هي صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فيقضي الله عز وجل بين خلقه الجن والانس والبهائم، فإنه ليقتص يومئذ للجماء من ذات القرن. وهذا الخبر يدل على خطأ قول قتادة في تأويله قوله: والملائكة أنه يعني به: الملائكة تأتيهم عند الموت، لان (ص) ذكر أنهم يأتونهم بعد قيام الساعة في موقف الحساب حين تشقق السماء. وبمثل ذلك روي الخبر عن جماعة من الصحابة والتابعين كرهنا إطالة الكتاب بذكرهم وذكر ما قالوا في ذلك. ويوضح أيضا صحة ما اخترنا في قراءة قوله: والملائكة
[ 451 ]
بالرفع على معنى: وتأتيهم الملائكة، ويبين عن خطأ قراءة من قرأ ذلك بالخفض لانه أخبر (ص) أن الملائكة تأتي أهل القيامة في موقفهم حين تفطر السماء قبل أن يأتيهم ربهم في ظلل من الغمام، إلا أن يكون قارئ ذلك ذهب إلى أنه عز وجل عنى بقوله ذلك: إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وفي الملائكة الذين يأتون أهل الموقف حين يأتيهم الله في ظلل من الغمام فيكون ذلك وجها من التأويل وإن كان بعيدا من قول أهل العلم ودلالة الكتاب وآثار رسول الله (ص) الثابتة. القول في تأويل قوله تعالى: وقضي الامر وإلى الله ترجع الامور. يعني جل ثناؤه بذلك: وفصل القضاء بالعدل بين الخلق، على ما ذكرناه قبل عن أبي هريرة عن النبي (ص): من أخذ الحق لكل مظلوم من كل ظالم، حتى القصاص للجماء من القرناء من البهائم. وأما قوله: وإلى الله ترجع الامور فإنه يعني: وإلى الله يئول القضاء بين خلقه يوم القيامة والحكم بينهم في أمورهم التي جرت في الدنيا من ظلم بعضهم بعضا، واعتداء المعتدي منهم حدود الله، وخلاف أمره، وإحسان المحسن منهم، وطاعته إياه فيما أمره به، فيفصل بين المتظالمين، ويجازي أهل الاحسان بالاحسان، وأهل الاساءة بما رأى، ويتفضل على من لم يكن منهم كافرا فيعفو ولذلك قال جل ثناؤه: وإلى الله ترجع الامور وإن كانت أمور الدنيا كلها والآخرة من عنده مبدؤها وإليه مصيرها، إذ كان خلقه في الدنيا يتظالمون، ويلي النظر بينهم أحيانا في الدنيا بعض خلقه، فيحكم بينهم بعض عبيده، فيجور بعض، ويعدل بعض، ويصيب واحد، ويخطئ واحد، ويمكن من تنفيذ الحكم على بعض، ويتعذر ذلك على بعض لمنعة جانبه وغلبته بالقوة. فأعلم عباده تعالى ذكره أن مرجع جميع ذلك إليه في موقف القيامة، فينصف كلا من كل، ويجازي حق الجزاء كلا، حيث لا ظلم ولا ممتنع من نفوذ حكمه عليه، وحيث يستوي الضعيف والقوي، والفقير والغني، ويضمحل الظلم وينزل سلطان العدل. وإنما أدخل عز وجل الالف واللام في الامور لانه جل ثناؤه عنى بها جميع الامور، ولم يعن بها بعضا دون بعض، فكان ذلك بمعنى قول القائل: يعجبني العسل، والبغل أقوى من الحمار، فيدخل فيه الالف واللام، لانه لم يقصد به قصد بعض دون بعض، إنما يراد به العموم والجمع. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 452 ]
* (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب) * يعني بذلك جل ثناؤه: سل يا محمد بني إسرائيل الذين لا ينتظرون بالانابة إلى طاعتي، والتوبة إلي بالاقرار بنبوتك وتصديقك فيما جئتهم به من عندي، إلا أن آتيهم في ظلل من الغمام وملائكتي، فأفصل القضاء بينك وبين من آمن بك وصدقك بما أنزلت إليك من كتبي، وفرضت عليك وعليهم من شرائع ديني وبينهم كم جئتهم به من قبلك من آية وعلامة، على ما فرضت عليهم من فرائضي، فأمرتهم به من طاعتي، وتابعت عليهم من حججي على أيدي أنبيائي ورسلي من قبلك مؤيدة لهم على صدقهم بينة أنها من عندي، واضحة أنها من أدلتي على صدق نذري ورسلي فيما افترضت عليهم من تصديقهم وتصديقك، فكفروا حججي، وكذبوا رسلي، وغيروا نعمي قبلهم، وبدلوا عهدي ووصيتي إليهم. وأما الآية فقد بينت تأويلها فيما مضى من كتابنا بما فيه الكفاية وهي ههنا. ما: 3212 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر، وهم اليهود. 3213 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة يقول: آتاهم الله آيات بينات: عصا موسى ويده، وأقطعهم البحر، وأغرق عدوهم وهم ينظرون، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى. وذلك من آيات الله التي آتاها بني إسرائيل في آيات كثيرة غيرها، خالفوا معها أمر الله، فقتلوا أنبياء الله ورسله، وبدلوا عهده ووصيته إليهم، قال الله: ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب. وإنما أنبأ الله نبيه بهذه الآيات، فأمره بالصبر على من كذبه، واستكبر على ربه، وأخبره أن ذلك فعل من قبله من أسلاف الامم قبلهم بأنبيائهم، مع مظاهرته عليهم الحجج، وأن من هو بين أظهرهم من اليهود إنما هم من بقايا من جرت عاداتهم ممن قص عليه قصصهم من بني إسرائيل.
[ 453 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب. يعني بالنعم جل ثناؤه الاسلام وما فرض من شرائع دينه. ويعني بقوله: ومن يبدل نعمة الله ومن يغير ما عاهد الله في نعمته التي هي الاسلام من العمل والدخول فيه فيكفر به، فإنه معاقبه بما أوعد على الكفر به من العقوبة، والله شديد عقابه، أليم عذابه. فتأويل الآية إذا يا أيها الذين آمنوا بالتوراة فصدقوا بها، ادخلوا في الاسلام جميعا، ودعوا الكفر، وما دعاكم إليه الشيطان من ضلالته، وقد جاءتكم البينات من عندي بمحمد، وما أظهرت على يديه لكم من الحجج والعبر، فلا تبدلوا عهدي إليكم فيه وفيما جاءكم به من عندي في كتابكم بأنه نبيي ورسولي، فإنه من يبدل ذلك منكم فيغيره فإني له معاقب بالاليم من العقوبة. وبمثل الذي قلنا في قوله: ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3114 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته قال: يكفر بها. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 3215 حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ومن يبدل نعمة الله قال: يقول: من يبدلها كفرا. 3216 - حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته يقول: ومن يكفر نعمته من بعد ما جاءته. القول في تأويل قوله تعالى: * (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرو من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشآء بغير حساب) * يعني جل ثناؤه بذلك: زين للذين كفروا حب الحياة الدنيا العاجلة في الذنب، فهم يبتغون فيها المكاثرة والمفاخرة، ويطلبون فيها الرياسات والمباهاة ويستكبرون عن
[ 454 ]
اتباعك يا محمد، والاقرار بما جئت به من عندي تعظما منهم على من صدقك واتبعك، ويسخرون بمن تبعك من أهل الايمان، والتصديق بك، في تركهم المكاثرة، والمفاخرة بالدنيا وزينتها من الرياش والاموال، بطلب الرياسات وإقبالهم على طلبهم ما عندي برفض الدنيا وترك زينتها، والذين عملوا لي وأقبلوا على طاعتي ورفضوا لذات الدنيا وشهواتها، اتباعا لك، وطلبا لما عندي، واتقاء منهم بأداء فرائضي، وتجنب معاصي فوق الذين كفروا يوم القيامة بإدخال المتقين الجنة، وإدخال الذين كفروا النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة منهم. ذكر من قال ذلك: 3217 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قوله: زين للذين كفروا الحياة الدنيا قال: الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها، ويسخرون من الذين آمنوا في طلبهم الآخرة. قال ابن جريج: لا أحسبه إلا عن عكرمة، قال: قالوا: لو كان محمد نبيا كما يقول، لاتبعه أشرافنا وساداتنا، والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود. 3218 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة قال: فوقهم في الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب. ويعني بذلك: والله يعطي الذين اتقوا يوم القيامة من نعمه وكراماته وجزيل عطاياه، بغير محاسبة منه لهم على ما من به عليهم من كرامته. فإن قال لنا قائل: وما في قوله: يرزق من يشاء بغير حساب من المدح ؟ قيل: المعنى الذي فيه من المدح الخبر عن أنه غير خائف نفاد خزائنه، فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها، إذ كان الحساب من المعطي إنما يكون ليعلم قدر العطاء الذي يخرج من ملكه إلى غيره لئلا يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به، فربنا تبارك وتعالى غير خائف نفاد خزائنه، ولا انتقاص شئ من ملكه بعطائه ما يعطي عباده، فيحتاج إلى حساب ما يعطي، وإحصاء ما يبقي فذلك المعنى الذي في قوله: والله يرزق من يشاء بغير حساب. القول في تأويل قوله تعالى: * (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد
[ 455 ]
ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشآء إلى صراط مستقيم) * اختلف أهل التأويل في معنى الامة في هذا الموضع، وفي الناس الذين وصفهم الله بأنهم كانوا أمة واحدة فقال بعضهم: هم الذين كانوا بين آدم ونوح، وهم عشرة قرون، كلهم كانوا على شريعة من الحق، فاختلفوا بعد ذلك. ذكر من قال ذلك: 3219 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام بن منبه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله كان الناس أمة واحدة فاختلفوا. 3220 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: كان الناس أمة واحدة قال: كانوا على الهدى جميعا، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فكان أول نبي بعث نوح. فتأويل الامة على هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس الدين، كما قال النابغة الذبياني: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع يعني ذا الدين. فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء: كان الناس أمة مجتمعة على ملة واحدة ودين واحد، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. وأصل الامة الجماعة، تجتمع على دين واحد، ثم يكتفى بالخبر عن الامة من الخبر عن الدين لدلالتها عليه كما قال جل ثناؤه: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة يراد به أهل دين واحد وملة واحدة. فوجه ابن عباس في تأويله قوله: كان الناس أمة واحدة إلى أن الناس كانوا أهل دين واحد حتى اختلفوا.
[ 456 ]
وقال آخرون: بل تأويل ذلك كان آدم على الحق إماما لذريته، فبعث الله النبيين في ولده ووجهوا معنى الامة إلى الطاعة لله والدعاء إلى توحيده واتباع أمره من قول الله عز وجل: إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا يعني بقوله أمة إماما في الخير يقتدى به، ويتبع عليه. ذكر من قال ذلك: 3221 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كان الناس أمة واحدة قال: آدم. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 3222 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: كان الناس أمة واحدة قال: آدم، قال: كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. قال مجاهد: آدم أمة وحده، وكأن من قال هذا القول استجاز بتسمية الواحد باسم الجماعة لاجتماع أخلاق الخير الذي يكون في الجماعة المفرقة فيمن سماه بالامة، كما يقال: فلان أمة واحدة، يقوم مقام الامة. وقد يجوز أن يكون سماه بذلك لانه سبب لاجتماع الاسباب من الناس على ما دعاهم إليه من أخلاق الخير، فلما كان آدم (ص) سببا لاجتماع من اجتمع على دينه من ولده إلى حال اختلافهم سماه بذلك أمة. وقال آخرون: معنى ذلك كان الناس أمة واحدة على دين واحد يوم استخرج ذرية آدم من صلبه، فعرضهم على آدم. ذكر من قال ذلك: 3223 - حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: كان الناس أمة واحدة وعن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ففطرهم يومئذ على الاسلام، وأقروا له بالعبودية، وكانوا أمة واحدة مسلمين كلهم. ثم اختلفوا من بعد آدم، فكان أبي يقرأ: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين إلى فيما اختلفوا فيه وإن الله إنما بعث الرسل وأنزل الكتب عند الاختلاف. 3224 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: كان
[ 457 ]
الناس أمة واحدة قال: حين أخرجهم من ظهر آدم لم يكونوا أمة واحدة قط غير ذلك اليوم، فبعث الله النبيين. قال: هذا حين تفرقت الامم. وتأويل الآية على هذا القول نظير تأويل قول من قال بقول ابن عباس: إن الناس كانوا على دين واحد فيما بين آدم ونوح. وقد بينا معناه هنالك إلا أن الوقت الذي كان فيه الناس أمة واحدة مخالف الوقت الذي وقته ابن عباس. وقال آخرون بخلاف ذلك كله في ذلك، وقالوا: إنما معنى قوله: كان الناس أمة واحدة على دين واحد، فبعث الله النبيين. ذكر من قال ذلك: 3225 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: كان الناس أمة واحدة يقول: كان دينا واحدا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. وأولى التأويلات في هذه الآية بالصواب أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عباده أن الناس كانوا أمة واحدة على دين واحد وملة واحدة. كما: 3226 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كان الناس أمة واحدة يقول: دينا واحدا على دين آدم، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. وكان الدين الذي كانوا عليه دين الحق. كما قال أبي بن كعب وكما: 3227 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: هي في قراءة ابن مسعود: اختلفوا فيه على الاسلام. فاختلفوا في دينهم، فبعث الله عند اختلافهم في دينهم النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه رحمة منه جل ذكره بخلقه واعتذارا منه إليهم. وقد يجوز أن يكون ذلك الوقت الذي كانوا فيه أمة واحدة من عهد آدم إلى عهد نوح عليهما السلام، كما روى عكرمة، عن ابن عباس، وكما قاله قتادة. وجائز أن يكون كان
[ 458 ]
ذلك حين عرض على آدم خلقه. وجائز أن يكون كان ذلك في وقت غير ذلك. ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر يثبت به الحجة على أي هذه الاوقات كان ذلك، فغير جائز أن نقول فيه إلا ما قال الله عز وجل من أن الناس كانوا أمة واحدة، فبعث الله فيهم لما اختلفوا الانبياء والرسل. ولا يضرنا الجهل بوقت ذلك، كما لا ينفعنا العلم به إذا لم يكن العلم به لله طاعة، غير أنه أي ذلك كان، فإن دليل القرآن واضح على أن الذين أخبر الله عنهم أنهم كانوا أمة واحدة، إنما كانوا أمة واحدة على الايمان ودين الحق دون الكفر بالله والشرك به. وذلك أن الله عز وجل قال في السورة التي يذكر فيها يونس: وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون فتوعد جل ذكره على الاختلاف لا على الاجتماع، ولا على كونهم أمة واحدة، ولو كان اجتماعهم قبل الاختلاف كان على الكفر ثم كان الاختلاف بعد ذلك، لم يكن إلا بانتقال بعضهم إلى الايمان، ولو كان ذلك كذلك لكان الوعد أولى بحكمته جل ثناؤه في ذلك الحال من الوعيد لانها حال إنابة بعضهم إلى طاعته، ومحال أن يتوعد في حال التوبة والانابة، ويترك ذلك في حال اجتماع الجميع على الكفر والشرك. وأما قوله: فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فإنه يعني أنه أرسل رسلا يبشرون من أطاع الله بجزيل الثواب، وكريم المآب ويعني بقوله ومنذرين ينذرون من عصى الله فكفر به، بشدة العقاب، وسوء الحساب والخلود في النار وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه يعني بذلك ليحكم الكتاب وهو التوراة بين الناس فيما اختلف المختلفون فيه فأضاف جل ثناؤه الحكم إلى الكتاب، وأنه الذي يحكم بين الناس دون النبيين والمرسلين، إذ كان من حكم من النبيين والمرسلين بحكم، إنما يحكم بما دلهم عليه الكتاب الذي أنزل الله عز وجل، فكان الكتاب بدلالته على ما دل وصفه على صحته من الحكم حاكما بين الناس، وإن كان الذي يفصل القضاء بينهم غيره. القول في تأويل قوله تعالى: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعدما جاءتهم البينات بغيا بينهم. يعني جل ثناؤه بقوله: وما اختلف فيه وما اختلف في الكتاب الذي أنزله وهو التوراة، إلا الذين أوتوه يعني بذلك اليهود من بني إسرائيل، وهم الذين أوتوا التوراة
[ 459 ]
والعلم بها. والهاء في قوله أوتوه عائدة على الكتاب الذي أنزله الله. من بعد ما جاءتهم البينات يعني بذلك: من بعد ما جاءتهم حجج الله وأدلته أن الكتاب الذي اختلفوا فيه وفي أحكامه عند الله، وأنه الحق الذي لا يسعهم الاختلاف فيه، ولا العمل بخلاف ما فيه. فأخبر عز ذكر عن اليهود من بني إسرائيل أنهم خالفوا الكتاب التوراة، واختلفوا فيه على علم منهم، ما يأتون متعمدين الخلاف على الله فيما خالفوه فيه من أمره وحكم كتابه. ثم أخبر جل ذكره أن تعمدهم الخطيئة التي أنزلها، وركوبهم المعصية التي ركبوها من خلافهم أمره، إنما كان منهم بغيا بينهم. والبغي مصدر من قول القائل: بغى فلان على فلان بغيا إذا طغى واعتدى عليه فجاوز حده، ومن ذلك قيل للجرح إذا أمد، وللبحر إذا كثر ماؤه ففاض، وللسحاب إذا وقع بأرض فأخصبت: بغى كل ذلك بمعنى واحد، وهي زيادته وتجاوز حده. فمعنى قوله جل ثناؤه: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم من ذلك. يقول: لم يكن اختلاف هؤلاء المختلفين من اليهود من بني إسرائيل في كتابي الذي أنزلته مع نبي عن جهل منهم به، بل كان اختلافهم فيه، وخلاف حكمه من بعد ما ثبتت حجته عليهم بغيا بينهم، طلب الرياسة من بعضهم على بعض، واستذلالا من بعضم لبعض. كما: 3228 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ثم رجع إلى بني إسرائيل في قوله: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه يقول: إلا الذين أوتوا الكتاب والعلم من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم يقول: بغيا على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها وزينتها، أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس. فبغى بعضهم على بعض، وضرب بعضهم رقاب بعض. ثم اختلف أهل العربية في من التي في قوله: من بعد ما جاءتهم البينات ما حكمها ومعناها ؟ وما المعنى المنتسق في قوله وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم ؟ فقال بعضهم: من ذلك للذين أوتوا الكتاب وما بعده صلة له. غير أنه زعم أن معنى الكلام: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه بغيا بينهم من بعد ما جاءتهم البينات. وقد أنكر ذلك بعضهم فقال: لا معنى لما قال هذا القائل، ولا لتقديم البغي قبل من، لان من إذا كان الجالب لها البغي، فخطأ أن تتقدمه لان البغي مصدر، ولا تتقدم
[ 460 ]
صلة المصدر عليه. وزعم المنكر ذلك أن الذين مستثنى، وأن من بعد ما جاءتهم البينات مستثنى باستثناء آخر. وأن تأويل الكلام: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه، ما اختلفوا فيه إلا بغيا، ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءتهم البينات. فكأنه كرر الكلام توكيدا. وهذا القول الثاني أشبه بتأويل الآية، لان القوم لم يختلفوا إلا من بعد قيام الحجة عليهم ومجئ البينات من عند الله، وكذلك لم يختلفوا إلا بغيا، فذلك أشبه بتأويل الآية. القول في تأويل قوله تعالى: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. يعني جل ثناؤه بقوله: فهدى الله فوفق الذين آمنوا وهم أهل الايمان بالله وبرسوله محمد (ص) المصدقين به وبما جاء به أنه من عند الله لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه. وكان اختلافهم الذي خذلهم الله فيه، وهدى له الذين آمنوا بمحمد (ص) فوفقهم لاصابته: الجمعة، ضلوا عنها وقد فرضت عليهم كالذي فرض علينا، فجعلوها السبت فقال (ص): نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، وهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له، فلليهود غدا وللنصارى بعد غد. 3229 - حدثنا بذلك أحمد بن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عياض بن دينار الليثي، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم (ص). فذكر الحديث. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الاعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه قال: قال النبي (ص): نحن الآخرون الاولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فهذا اليوم الذي هدانا الله له والناس لنا فيه تبع، غدا لليهود، وبعد غد للنصارى. وكان مما اختلفوا فيه أيضا ما قال ابن زيد، وهو ما:
[ 461 ]
3230 - حدثني به يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله فهدى الله الذين آمنوا للاسلام، واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يصلي إلى المشرق، ومنهم من يصلي إلى بيت المقدس، فهدانا للقبلة واختلفوا في الصيام، فمنهم من يصوم بعض يوم، وبعضهم بعض ليلة، وهدانا الله له. واختلفوا في يوم الجمعة، فأخذت اليهود السبت وأخذت النصارى الاحد، فهدانا الله له. واختلفوا في إبراهيم، فقالت اليهود كان يهوديا، وقالت النصارى كان نصرانيا، فبرأه الله من ذلك، وجعله حنيفا مسلما، وما كان من المشركين الذين يدعونه من أهل الشرك. واختلفوا في عيسى، فجعلته اليهود لفرية، وجعلته النصارى ربا، فهدانا الله للحق فيه فهذا الذي قال جل ثناؤه: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه. قال: فكانت هداية الله جل ثناؤه الذين آمنوا بمحمد، وبما جاء به لما اختلف هؤلاء الاحزاب من بني إسرائيل الذين أوتوا الكتاب فيه من الحق بإذنه أن وفقهم لاصابة ما كان عليه من الحق من كان قبل المختلفين الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية إذ كانوا أمة واحدة، وذلك هو دين إبراهيم الحنيف المسلم خليل الرحمن، فصاروا بذلك أمة وسطا، كما وصفهم به ربهم ليكونوا شهداء على الناس. كما: 3231 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه فهداهم الله عند الاختلاف أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف، أقاموا على الاخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأقاموا على الامر الاول الذي كان قبل الاختلاف، واعتزلوا الاختلاف فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وآل فرعون، أن رسلهم قدبلغوهم، وأنهم كذبوا رسلهم. وهي في قراءة أبي بن كعب: لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فكان أبو العالية يقول في هذه الآية المخرج من الشبهات والضلالات والفتن. 3232 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه يقول: اختلف الكفار فيه، فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك وهي في قراءة ابن مسعود: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه على الاسلام.
[ 462 ]
وأما قوله: بإذنه فإنه يعني جل ثناؤه بعلمه بما هداهم له، وقد بينا معنى الاذن إذ كان بمعنى العلم في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ههنا. وأما قوله: والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فإنه يعني به: والله يسدد من يشاء من خلقه ويرشده إلى الطريق القويم على الحق الذي لا اعوجاج فيه، كما هدى الذين آمنوا بمحمد (ص)، لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه بغيا بينهم، فسددهم لاصابة الحق والصواب فيه. وفي هذه الآية البيان الواضح على صحة ما قاله أهل الحق من أن كل نعمة على العباد في دينهم أو دنياهم، فمن الله عز وجل. فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه أهداهم للحق أم هداهم للاختلاف ؟ فإن كان هداهم للاختلاف فإنما أضلهم، وإن كان هداهم للحق فكيف قيل: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه ؟ قيل: إن ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه، وإنما معنى ذلك: فهدى الله الذين آمنوا للحق فيما اختلف فيه من كتاب الله الذين أوتوه، فكفر بتبديله بعضهم، وثبت على الحق والصواب فيه بعضهم، وهم أهل التوراة الذين بدلوها، فهدى الله للحق مما بدلوا وحرفوا الذين آمنوا من أمة محمد (ص). قال أبو جعفر: فإن أشكل ما قلنا على ذي غفلة، فقال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كما قلت، ومن إنما هي في كتاب الله في الحق واللام في قوله: لما اختلفوا فيه وأنت تحول اللام في الحق، ومن في الاختلاف في التأويل الذي تتأوله فتجعله مقلوبا ؟ قيل: ذلك في كلام العرب موجود مستفيض، والله تبارك وتعالى إنما خاطبهم بمنطقهم، فمن ذلك قول الشاعر: كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرجم وإنما الرجم فريضة الزنا. وكما قال الآخر: إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره وإنما سراج الذي يحلى بالعين، لا العين بسراج.
[ 463 ]
وقد قال بعضهم: إن معنى قوله فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق أن أهل الكتب الاول اختلفوا، فكفر بعضهم بكتاب بعض، وهي كلها من عند الله، فهدى الله أهل الايمان بمحمد للتصديق بجميعها، وذلك قول، غير أن الاول أصح القولين، لان الله إنما أخبر باختلافهم في كتاب واحد. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) * وأما قوله: أم حسبتم كأنه استفهم بأم في ابتداء لم يتقدمه حرف استفهام لسبوق كلام هو به متصل، ولو لم يكن قبله كلام يكون به متصلا، وكان ابتداء لم يكن إلا بحرف من حروف الاستفهام لان قائلا لو كان قال مبتدئا كلاما لآخر: أم عندك أخوك ؟ لكان قائلا ما لا معنى له ولكن لو قال: أنت رجل مدل بقوتك أم عندك أخوك ينصرك ؟ كان مصيبا. وقد بينا بعض هذا المعنى فيما مضى من كتابنا هذا بما فيه الكفاية عن إعادته. فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الانبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتبتلوا بما ابتلوا واختبروا به من البأساء وهو شدة الحاجة والفاقة والضراء، وهي العلل والاوصاب ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهد حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا. ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريب، وأنه معليهم على عدوهم، ومظهرهم عليه، فنجز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا. وهذه الآية فيما يزعم أهل التأويل نزلت يوم الخندق، حين لقي المؤمنون ما لقوا من شدة الجهد، من خوف الاحزاب، وشدة أذى البرد، وضيق العيش الذي كانوا فيه يومئذ، يقول الله عز وجل للمؤمنين من أصحاب رسول الله (ص): يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها إلى قوله: وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزلا شديدا. ذكر من قال نزلت هذه الآية يوم الاحزاب:
[ 464 ]
3233 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا قال: نزل هذا يوم الاحزاب حين قال قائلهم: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. 3234 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا قال: نزلت في يوم الاحزاب، أصاب رسول الله (ص) وأصحابه بلاء وحصر، فكانوا كما قال الله عز وجل: وبلغت القلوب الحناجر. وأما قوله: ولما يأتكم فإن عامة أهل العربية يتأولونه بمعنى: ولم يأتكم، ويزعمون أن ما صلة وحشو، وقد بينت القول في ما التي يسميها أهل العربية صلة ما، حكمها في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته. وأما معنى قوله: مثل الذين خلوا من قبلكم فإنه يعني: شبه الذين خلوا فمضوا قبلكم. وقد دللت في غير هذا الموضع على أن المثل الشبه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3235 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا. 3236 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن عبد الملك بن جريج، قال قوله: حتى يقول الرسول والذين آمنوا قال: هو خيرهم وأعلمهم بالله. وفي قوله: حتى يقول الرسول وجهان من القراءة: الرفع، والنصب. ومن رفع فإنه يقول: لما كان يحسن في موضعه فعل أبطل عمل حتى فيها، لان حتى غير عاملة في فعل، وإنما تعمل في يفعل، وإذا تقدمها فعل وكان الذي بعدها يفعل، وهو مما قد فعل وفرغ منه، وكان ما قبلها من الفعل غير متطاول، فالفصيح من كلام العرب حينئذ
[ 465 ]
الرفع في يفعل وإبطال عمل حتى عنه، وذلك نحو قول القائل: قمت إلى فلان حتى أضربه، والرفع هو الكلام الصحيح في أضربه، إذا أراد: قمت إليه حتى ضربته، إذا كان الضرب قد كان وفرغ منه، وكان القيام غير متطاول المدة. فأما إذا كان ما قبل حتى من الفعل على لفظ فعل متطاول المدة، وما بعدها من الفعل على لفظ غير منقض، فالصحيح من الكلام نصب يفعل وإعمال حتى، وذلك نحو قول القائل: ما زال فلان يطلبك حتى يكلمك، وجعل ينظر إليك حتى يثبتك فالصحيح من الكلام الذي لا يصح غيره النصب بحتى، كما قال الشاعر: مطوت بهم حتى تكل مطيهم وحتى الجياد ما يقدن بأرسان فنصب تكل والفعل الذي بعد حتى ماض، لان الذي قبلها من المطو متطاول، والصحيح من القراءة إذا كان ذلك كذلك: وزلزلوا حتى يقول الرسول، نصب يقول، إذ كانت الزلزلة فعلا متطاولا، مثل المطو بالابل. وإنما الزلزلة في هذا الموضع: الخوف من العدو، لا زلزلة الارض، فلذلك كانت متطاولة وكان النصب في يقول وإن كان بمعنى فعل أفصح وأصح من الرفع فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (يسألونك ماذا ينفقون قل مآ أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) * يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك أصحابك يا محمد، أي شئ ينفقون من أموالهم فيتصدقون به، وعلى من ينفقونه فيما ينفقونه ويتصدقون به ؟ فقل لهم: ما أنفقتم من أموالكم وتصدقتم به فأنفقوه وتصدقوا به واجعلوه لآبائكم وأمهاتكم وأقربيكم، ولليتامى منكم والمساكين وابن السبيل، فإنكم ما تأتوا من خير وتصنعوه إليهم فإن الله به عليم، وهو
[ 466 ]
محصيه لكم حتى يوفيكم أجوركم عليه يوم القيامة، ويثيبكم على ما أطعتموه بإحسانكم عليه. والخير الذي قال جل ثناؤه في قوله: قل ما أنفقتم من خير هو المال الذي سأل رسول الله (ص) أصحابه من النفقة منه، فأجابهم الله عنه بما أجابهم به في هذه الآية. وفي قوله: ماذا وجهان من الاعراب: أحدهما أن يكون ماذا بمعنى أي شئ، فيكون نصبا بقوله: ينفقون، فيكون معنى الكلام حينئذ: يسألونك أي شئ ينفقون، ولا ينصب ب يسألونك. والآخر منهما الرفع. وللرفع في ذلك وجهان: أحدهما أن يكون ذا الذي مع ما بمعنى الذي، فيرفع ما ب ذا وذا ب ما، وينفقون من صلة ذا، فإن العرب قد تصل ذا، وهذا كما قال الشاعر: عدس، ما لعباد عليك إمارة أمنت وهذا تحملين طليق فتحملين من صلة هذا، فيكون تأويل الكلام حينئذ: يسألونك ما الذي ينفقون. والآخر من وجهي الرفع أن تكون ماذا بمعنى أي شئ، فيرفع ماذا، وإن كان قوله: ينفقون واقعا عليه، إذ كان العامل فيه وهو ينفقون لا يصلح تقديمه قبله، وذلك أن الاستفهام لا يجوز تقديم الفعل فيه قبل حرف الاستفهام، كما قال الشاعر: ألا تسألان المرء ماذا يحاول أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
[ 467 ]
وكما قال الآخر: وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من يغشى منى أنا عارف فرفع كل ولم ينصبه بعارف. إذ كان معنى قوله: وما كل من يغشى منى أنا عارف جحود معرفة من يغشى منى، فصار في معنى ما أحد. وهذه الآية (نزلت) فيما ذكر قبل أن يفرض الله زكاة الاموال. ذكر من قال ذلك: 3237 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين قال: يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة، وإنما هي النفقة ينفقها الرجل على أهله والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة. 3238 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: سأل المؤمنون رسول الله (ص) أين يضعون أموالهم ؟ فنزلت: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل فذلك النفقة في التطوع والزكاة سوى ذلك كله. قال: وقال مجاهد: سألوا فأفتاهم في ذلك ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين وما ذكر معهما. 3239 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، قال: سمعت ابن أبي نجيح في قول الله: يسألونك ماذا ينفقون قال: سألوه فأفتاهم في ذلك: فللوالدين والاقربين وما ذكر معهما. 3240 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن
[ 468 ]
قوله: قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين قال: هذا من النوافل. قال: يقول: هم أحق بفضلك من غيرهم. وهذا الذي قاله السدي من أنه لم يكن يوم نزلت هذه الآية زكاة، وإنما كانت نفقة ينفقها الرجل على أهله، وصدقة يتصدق بها، ثم نسختها الزكاة، قول ممكن أن يكون، كما قال: وممكن غيره. ولا دلالة في الآية على صحة ما قال، لانه ممكن أن يكون قوله: قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين الآية، حثا من الله جل ثناؤه على الانفاق على من كانت نفقته غير واجبة من الآباء والامهات والاقرباء، ومن سمى معهم في هذه الآية، وتعريفا من الله عباده مواضع الفضل التي تصرف فيها النفقات، كما قال في الآية الاخرى: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة وهذا القول الذي قلناه في قول ابن جريج الذي حكيناه. وقد بينا معنى المسكنة، ومعنى ابن السبيل فيما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) * يعني بذلك جل ثناؤه: كتب عليكم القتال فرض عليكم القتال، يعني قتال المشركين، وهو كره لكم. واختلف أهل العلم في الذين عنوا بفرض القتال، فقال بعضهم: عنى بذلك أصحاب رسول الله (ص) خاصة دون غيرهم. ذكر من قال ذلك: 3241 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء قلت له: كتب عليكم القتال وهو كره لكم أواجب الغزو على الناس من أجلها ؟ قال: لا، كتب على أولئك حينئذ. 3242 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا خالد، عن حسين بن قيس، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: كتب عليكم القتال وهو كره لكم قال: نسختها قالوا سمعنا وأطعنا.
[ 469 ]
وهذا قول لا معنى له، لان نسخ الاحكام من قبل الله عز وجل لا من قبل العباد، وقوله: قالوا سمعنا وأطعنا خبر من الله عن عباده المؤمنين وأنهم قالوه لا نسخ منه. 3243 - حدثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا معاوية بن عمرو، قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، قال: سألت الاوزاعي عن قول الله عز وجل: كتب عليكم القتال وهو كره لكم أواجب الغزو على الناس كلهم ؟ قال: لا أعلمه، ولكن لا ينبغي للائمة والعامة تركه، فأما الرجل في خاصة نفسه فلا. وقال آخرون: هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية، فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين كالصلاة على الجنائز وغسلهم الموتى ودفنهم، وعلى هذا عامة علماء المسلمين. وذلك هو الصواب عندنا لاجماع الحجة على ذلك، ولقول الله عز وجل: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى فأخبر جل ثناؤه أن الفضل للمجاهدين، وأن لهم وللقاعدين الحسنى، ولو كان القاعدون مضيعين فرضا لكان لهم السوأى لا الحسنى. وقال آخرون: هو فرض واجب على المسلمين إلى قيام الساعة. ذكر من قال ذلك: 3244 - حدثنا حسين بن ميسر، قال: ثنا روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن داود بن أبي عاصم، قال: قلت لسعيد بن المسيب: قد أعلم أن الغزو واجب على الناس فسكت. وقد أعلم أن لو أنكر ما قلت لبين لي. وقد بينا فيما مضى معنى قوله كتب بما فيه الكفاية. القول في تأويل قوله تعالى: وهو كره لكم. يعني بذلك جل ثناؤه: وهو ذو كره لكم، فترك ذكر ذو اكتفاء بدلالة قوله: كره لكم عليه، كما قال: واسأل القرية. وبنحو الذي قلنا في ذلك روي عن عطاء في تأويله. ذكر من قال ذلك: 3245 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: وهو كره لكم قال: كره إليكم حينئذ. والكره بالضم: هو ما حمل الرجل نفسه عليه من غير إكراه أحد إياه عليه، والكره
[ 470 ]
بفتح الكاف: هو ما حمله غيره، فأدخله عليه كرها وممن حكي عنه هذا القول معاذ بن مسلم. 3246 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن معاذ بن مسلم، قال: الكره: المشقة، والكره: الاجبار. وقد كان بعض أهل العربية يقول الكره والكره لغتان بمعنى واحد، مثل الغسل والغسل، والضعف والضعف، والرهب والرهب. وقال بعضهم: الكره بضم الكاف اسم، والكره بفتحها مصدر. القول في تأويل قوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم. يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تكرهوا القتال، فإنكم لعلكم أن تكرهوه وهو خير لكم، ولا تحبوا ترك الجهاد، فلعلكم أن تحبوه وهو شر لكم. كما: 3247 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وذلك لان المسلمين كانوا يكرهون القتال، فقال: عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. يقول: إن لكم في القتال الغنيمة والظهور والشهادة، ولكم في القعود أن لا تظهروا على المشركين، ولا تستشهدوا، ولا تصيبوا شيئا. 3248 - حدثني محمد بن إبراهيم السلمي، قال: ثني يحيى بن محمد بن مجاهد، قال: أخبرني عبيد الله بن أبي هاشم الجعفي، قال: أخبرني عامر بن واثلة قال: قال ابن عباس: كنت ردف النبي (ص)، فقال: يا ابن عباس ارض عن الله بما قدر وإن كان خلاف هواك، فإنه مثبت في كتاب الله قلت: يا رسول الله فأين وقد قرأت القرآن ؟ قال: في قوله: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون. القول في تأويل قوله تعالى: والله يعلم وأنتم لا تعلمون. يعني بذلك جل ثناؤه: والله يعلم ما هو خير لكم مما هو شر لكم، فلا تكرهوا ما
[ 471 ]
كتبت عليكم من جهاد عدوكم، وقتال من أمرتكم بقتاله، فإني أعلم أن قتالكم إياهم، هو خير لكم في عاجلكم ومعادكم وترككم قتالهم شر لكم، وأنتم لا تعلمون من ذلك ما أعلم، يحضهم جل ذكره بذلك على جهاد أعدائه، ويرغبهم في قتال من كفر به. القول في تأويل قوله تعالى: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك يا محمد أصحابك عن الشهر الحرام وذلك رجب عن قتال فيه. وخفض القتال على معنى تكرير عن عليه، وكذلك كانت قراءة عبد الله بن مسعود فيما ذكر لنا. وقد: 3249 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قال: يقول: يسألونك عن قتال فيه. قال: وكذلك كان يقرؤها: عن قتال فيه. قال أبو جعفر: قل يا محمد قتال فيه، يعني في الشهر الحرام كبير: أي عظيم عند الله استحلاله، وسفك الدماء فيه. ومعنى قوله: قتال فيه قل القتال فيه كبير. وإنما قال: قل قتال فيه كبير، لان العرب كانت لا تقرع فيه الاسنة، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يهيجه تعظيما له، وتسميه مضر الاصم لسكون أصوات السلاح وقعقعته فيه. وقد: 3250 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، قال: ثنا الزبير، عن جابر قال: لم يكن رسول الله (ص) يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى، أو يغزو حتى إذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ.
[ 472 ]
وقوله جل ثناؤه: وصد عن سبيل الله ومعنى الصد عن الشئ: المنع منه، والدفع عنه، ومنه قيل: صد فلان بوجهه عن فلان: إذا أعرض عنه فمنعه من النظر إليه. وقوله: وكفر به يعني: وكفر بالله، والباء في به عائدة على اسم الله الذي في سبيل الله. وتأويل الكلام: وصد عن سبيل الله، وكفر به، وعن المسجد الحرام وإخراج أهل المسجد الحرام، وهم أهله وولاته أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام. فالصد عن سبيل الله مرفوع بقوله أكبر عند الله وقوله: وإخراج أهله منه عطف على الصد ثم ابتدأ الخبر عن الفتنة فقال: والفتنة أكبر من القتل يعني: الشرك أعظم وأكبر من القتل، يعني من قتل ابن الحضرمي الذي استنكرتم قتله في الشهر الحرام. وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله: والمسجد الحرام معطوف على القتال، وأن معناه: يسألونك عن الشهر الحرام، عن قتال فيه، وعن المسجد الحرام، فقال الله جل ثناؤه: وإخراج أهله منه أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام. وهذا القول مع خروجه من أقوال أهل العلم، قول لا وجه له لان القوم لم يكونوا في شك من عظيم ما أتى المشركون إلى المسلمين في إخراجهم إياهم من منازلهم بمكة، فيحتاجوا إلى أن يسألوا رسول الله (ص) عن إخراج المشركين إياهم من منازلهم، وهل ذلك كان لهم ؟ بل لم يدع ذلك عليهم أحد من المسلمين، ولا أنهم سألوا رسول الله (ص) عن ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، فلم يكن القوم سألوا رسول الله (ص) إلا عما ارتابوا بحكمه كارتيابهم في أمر قتل ابن الحضرمي، إذ ادعوا أن قاتله من أصحاب رسول الله (ص) قتله في الشهر الحرام، فسألوا عن أمره، لارتيابهم في حكمه. فأما إخراج المشركين أهل الاسلام من المسجد الحرام، فلم يكن فيهم أحد شاكا أنه كان ظلما منهم لهم فيسألوا عنه. ولا خلاف بين أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) في سبب قتل ابن الحضرمي وقاتله. ذكر الرواية عمن قال ذلك: 3251 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، قال: ثني الزهري، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير، قال: بعث رسول الله (ص) عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الاولى، وبعث معه بثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم من الانصار أحد، وكتب له كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما
[ 473 ]
أمره، ولا يستكره من أصحابه أحدا. وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين من بني عبد شمس أبو حذيفة بن ربيعة ومن بني أمية بن عبد شمس، ثم من حلفائهم عبد الله بن جحش بن رياب، وهو أمير القوم، وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة، ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان حليف لهم، ومن بني زهرة بن كلاب: سعد بن أبي وقاص ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة حليف لهم، وواقد بن عبد الله بن مناة بن عويم بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة، وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف لهم، ومن بني الحرث بن فهر سهيل بن بيضاء. فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب ونظر فيه، فإذا فيه: إذا نظرت إلى كتابي هذا، فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال: سمعا وطاعة، ثم قال لاصحابه: قد أمرني رسول الله (ص) أن أمضي إلى نخلة فأرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لامر رسول الله (ص) فمضى ومضى أصحابه معه، فلم يتخلف عنه أحد، وسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له نجران، أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا عليه يعتقبانه، فتخلفا عليه في طلبه، ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيها منهم عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة فلما رآهم القوم هابوهم، وقد نزلوا قريبا منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن، وقد كان حلق رأسه فلما رأوه أمنوا وقالوا: عمار فلا بأس علينا منهم وتشاور القوم فيهم، وذلك في أخر يوم من جمادى، فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم، ولئن قتلتموهم لنقتلنهم في الشهر الحرام. فتردد القوم فهابوا الاقدام عليهم، ثم
[ 474 ]
شجعوا عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله فأعجزهم. وقدم عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والاسيرين، حتى قدموا على رسول الله (ص) بالمدينة. وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله بن جحش قال لاصحابه إن لرسول الله (ص) مما غنمتم الخمس وذلك قبل أن يفرض الخمس من الغنائم. فعزل لرسول الله (ص) خمس العير، وقسم سائرها على أصحابه فلما قدموا على رسول الله (ص) قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، فوقف العير والاسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال رسول الله (ص) ذلك، سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم المسلمون فيما صنعوا، وقالوا لهم: صنعتم ما لم تؤمروا به، وقاتلتم في الشهر الحرام ولم تؤمروا بقتال وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، فسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الاموال وأسروا. فقال من يرد ذلك عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في جمادى وقالت يهود تتفاءل بذلك على رسول الله (ص): عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو: عمرت الحرب، والحضرمي: حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله: وقدت الحرب فجعل الله عليهم ذلك وبهم. فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله عز وجل على رسوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه أي عن قتال فيه قل قتال فيه كبير إلى قوله: والفتنة أكبر من القتل أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم عنه، إذ أنتم أهله وولاته، أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم والفتنة أكبر من القتل أي قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه وذلك أكبر عند الله من القتل، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، أي هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين فلما نزل القرآن بهذا من الامر، وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، قبض رسول الله (ص) العير والاسيرين. 3252 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وذلك أن رسول الله (ص) بعث سرية وكانوا سبعة نفر، وأمر عليهم عبد الله بن جحش الاسدي، وفيهم عمار بن
[ 475 ]
ياسر، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل، وسهيل بن بيضاء، وعامر بن فهيرة، وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب وكتب مع ابن جحش كتابا وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل ملل، فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه: أن سر حتى تنزل بطن نخلة. فقال لاصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص، فإني موص وماض لامر رسول الله (ص) فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان أضلا راحلة لهما، فأتيا نجران يطلبانها، وسار ابن جحش إلى بطن نخلة، فإذا هم بالحكم بن كيسان، وعبد الله بن المغيرة، والمغيرة بن عثمان، وعمرو بن الحضرمي. فاقتتلوا، فأسروا الحكم بن كيسان وعبد الله بن المغيرة، وانفلت المغيرة، وقتل عمرو بن الحضرمي، قتله واقد بن عبد الله، فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد (ص) فلما رجعوا إلى المدينة بالاسيرين وما غنموا من الاموال أراد أهل مكة أن يفادوا بالاسيرين، فقال النبي (ص): حتى ننظر ما فعل صاحبانا فلما رجع سعد وصاحبه فادى بالاسيرين، ففجر عليه المشركون وقالوا: محمد يزعم أنه يتبع طاعة الله، وهو أول من استحل الشهر الحرام وقتل صاحبنا في رجب، فقال المسلمون: إنما قتلناه في جمادى، وقيل في أول ليلة من رجب، وآخر ليلة من جمادى وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل رجب، فأنزل الله عز وجل يعير أهل مكة: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير لا يحل، وما صنعتم أنتم يا مشعر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام، حين كفرتم بالله، وصددتم عنه محمدا وأصحابه، وإخراج أهل المسجد الحرام منه حين أخرجوا محمدا، أكبر من القتل عند الله، والفتنة هي الشرك أعظم عند الله من القتل في الشهر الحرام، فذلك قوله: وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل. 3253 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى الصنعاني، قال: ثنا المعتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه أنه حدثه رجل، عن أبي السوار يحدثه، عن جندب بن عبد الله. عن
[ 476 ]
رسول الله (ص) أنه بعث رهطا، فبعث عليهم أبا عبيدة فلما أخذ لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله (ص)، فبعث رجلا مكانه يقال له عبد الله بن جحش، وكتب له كتابا، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ كذا وكذا، ولا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك. فلما قرأ الكتاب استرجع وقال: سمعا وطاعة لامر الله ورسوله. فخبرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب. فرجع رجلان ومضى بقيتهم. فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا ذلك اليوم أمن رجب أو من جمادى ؟ فقال المشركون للمسلمين: فعلتم كذا وكذا في الشهر الحرام فأتوا النبي (ص) فحدثوه الحديث، فأنزل الله عز وجل: يسألونك عالشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل والفتنة: هي الشرك. وقال بعض الذين أظنه قال: كانوا في السرية: والله ما قتله إلا واحد، فقال: إن يكن خيرا فقد وليت، وإن يكن ذنبا فقد عملت. 3254 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قال: إن رجلا من بني تميم أرسله النبي (ص) في سرية، فمر بابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة، فرماه بسهم فقتله وكان بين قريش ومحمد عقد، فقتله في آخر يوم من جمادى الآخرة، وأول يوم من رجب، فقالت قريش: في الشهر الحرام ولنا عهد ؟ فأنزل الله عز وجل: قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به وصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله من قتل ابن الحضرمي، والفتنة كفر بالله، وعبادة الاوثان أكبر من هذا كله. 3255 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، وعثمان الجزري، عن مقسم مولى ابن عباس، قال: لقي واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي في أول ليلة من رجب، وهو يرى أنه من جمادى فقتله، وهو أول قتيل من المشركين، فعير المشركون المسلمين فقالوا: أتقتلون في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام يقول: وصد عن سبيل الله، وكفر بالله والمسجد الحرام، وصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله من قتل عمرو بن الحضرمي والفتنة:
[ 477 ]
يقول: الشرك الذي أنتم فيه أكبر من ذلك أيضا. قال الزهري: وكان النبي (ص) فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل بعد. 3256 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وذلك أن المشركين صدوا رسول الله (ص)، وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام، ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل، فعاب المشركون على رسول الله (ص) القتال في شهر حرام، فقال الله عز وجل: وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله من القتل فيه وإن محمدا بعث سرية، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب وإن أصحاب محمد (ص) كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى وكانت أول رجب ولم يشعروا، فقتله رجل منهم واحد. وإن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك، فقال الله عز وجل: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وغير ذلك أكبر منه صد عن سبيل الله، وكفر به، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه، إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الذي أصاب محمد والشرك بالله أشد. 3257 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن أبي مالك، قال: لما نزلت: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير إلى قوله: والفتنة أكبر من القتل استكبروه، فقال: والفتنة: الشرك الذي أنتم عليه مقيمون أكبر مما استكبرتم. 3258 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، عن أبي مالك الغفاري قال: بعث رسول الله (ص) عبد الله بن جحش في جيش، فلقي ناسا من المشركين ببطن نخلة، والمسلمون يحسبون أنه آخر يوم من جمادى، وهو أول يوم من رجب، فقتل المسلمون ابن الحضرمي، فقال المشركون: ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام ؟ وقد قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير إلى قوله: أكبر عند الله من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي والفتنة التي أنتم عليها مقيمون، يعني الشرك أكبر من القتل. 3259 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، قال: وكان يسميها، يقول: لقي واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي ببطن نخلة فقتله.
[ 478 ]
3260 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه فيمن نزلت ؟ قال: لا أدري، قال ابن جريج: قال عكرمة ومجاهد: في عمرو بن الحضرمي، قال ابن جريج: وأخبرنا ابن أبي حسين عن الزهري ذلك أيضا. 3261 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام قال يقول: صد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه، فكل هذا أكبر من قتل ابن الحضرمي، والفتنة أكبر من القتل كفر بالله وعبادة الاوثان أكبر من هذا كله. 3262 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير كان أصحاب محمد (ص) قتلوا ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فعير المشركون المسلمين بذلك، فقال الله: قتال في الشهر الحرام كبير، وأكبر من ذلك صد عن سبيل الله وكفر به، وإخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام. وهذان الخبران اللذان ذكرناهما عن مجاهد والضحاك، ينبئان عن صحة ما قلنا في رفع الصد به، وأن رافعه أكبر عند الله، وهما يؤكدان صحة ما روينا في ذلك عن ابن عباس، ويدلان على خطأ من زعم أنه مرفوع على العطف على الكبير. وقول من زعم أن معناه: وكبير صد عن سبيل الله، وزعم أن قوله: وإخراج أهله منه أكبر عند الله خبر منقطع عما قبله مبتدأ. 3263 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي في قوله: والفتنة أكبر من القتل قال: يعني به الكفر. 3264 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وإخراج أهله منه أكبر عند الله من ذلك. ثم عير المشركين بأعمالهم أعمال السوء فقال: والفتنة أكبر من القتل أي الشرك بالله أكبر من القتل. وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك روي عن ابن عباس. 3265 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 479 ]
عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما قتل أصحاب رسول الله (ص) عمرو بن الحضرمي في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب، أرسل المشركون إلى رسول الله (ص) يعيرونه بذلك، فقال: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وغير ذلك أكبر منه: صد عن سبيل الله، وكفر به، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر من الذي أصاب محمد (ص). وأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في الذي ارتفع به قوله: وصد عن سبيل الله فقال بعض نحويي الكوفيين في رفعه وجهان: أحدهما: أن يكون الصد مردودا على الكبير، يريد: قل القتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به، وإن شئت جعلت الصد كبيرا، يريد به: قل القتال فيه كبير، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به، قال: فأخطأ، يعني الفراء في كلا تأويليه، وذلك أنه إذا رفع الصد عطفا به على كبير، يصير تأويل الكلام: قل القتال في الشهر الحرام كبير، وصد عن سبيل الله، وكفر بالله. وذلك من التأويل خلاف ما عليه أهل الاسلام جميعا، لانه لم يدع أحد أن الله تبارك وتعالى جعل القتال في الاشهر الحرم كفرا بالله، بل ذلك غير جائز أن يتوهم على عاقل يعقل ما يقول أن يقوله، وكيف يجوز أن يقوله ذو فطرة صحيحة، والله جل ثناؤه يقول في أثر ذلك: وإخراج أهله منه أكبر عند الله ؟ فلو كان الكلام على ما رآه جائزا في تأويله هذا، لوجب أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام كان أعظم عند الله من الكفر به، وذلك أنه يقول في أثره: وإخراج أهله منه أكبر عند الله وفي قيام الحجة بأن لا شئ أعظم عند الله من الكفر به، ما يبين عن خطأ هذا القول. وأما إذا رفع الصد بمعنى ما زعم أنه الوجه الآخر، وذلك رفعه بمعنى: وكبير صد عن سبيل الله، ثم قيل: وإخراج أهله منه أكبر عند الله، صار المعنى: إلى أن إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام أعظم عند الله من الكفر بالله، والصد عن سبيله، وعن المسجد الحرام، ومتأول ذلك كذلك داخل من الخطأ مثل الذي دخل فيه القائل القول الاول من تصييره بعض خلال الكفر أعظم عند الله من الكفر بعينه، وذلك مما لا يخيل على أحد خطؤه وفساده. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: القول الاول في رفع الصد، ويزعم أنه معطوف به على الكبير، ويجعل قوله: وإخراج أهله مرفوعا على الابتداء، وقد بينا فساد ذلك وخطأ تأويله.
[ 480 ]
ثم اختلف أهل التأويل في قوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير هل هو منسوخ أم ثابت الحكم ؟ فقال بعضهم: هو منسوخ بقول الله عز وجل: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة وبقوله: اقتلوا المشركين. ذكر من قال ذلك: 3266 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء بن ميسرة: أحل القتال في الشهر الحرام في براءة قوله: فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة يقول: فيهن وفي غيرهن. 3267 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: كان النبي (ص) فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام، ثم أحل بعد. وقال آخرون: بل ذلك حكم ثابت لا يحل القتال لاحد في الاشهر الحرم بهذه الآية، لان الله جعل القتال فيه كبيرا. ذكر من قال ذلك: 3268 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسن، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قلت لعطاء: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير قلت: ما لهم وإذ ذاك لا يحل لهم أن يغزوا أهل الشرك في الشهر الحرام، ثم غزوهم بعد فيه، فحلف لي عطاء بالله ما يحل للناس أن يغزوا في الشهر الحرام، ولا أن يقاتلوا فيه، وما يستحب، قال: ولا يدعون إلى الاسلام قبل أن يقاتلوا ولا إلى الجزية تركوا ذلك. والصواب من القول في ذلك ما قاله عطاء بن ميسرة، من أن النهي عن قتال المشركين في الاشهر الحرم منسوخ بقول الله جل ثناؤه: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم، وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة. وإنما قلنا ذلك ناسخ لقوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير لتظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) أنه غزا هوازن بحنين، وثقيفا بالطائف، وأرسل أبا عامر إلى أوطاس لحرب
[ 481 ]
من بها من المشركين في بعض الاشهر الحرم، وذلك في شوال وبعض ذي القعدة، وهو من الاشهر الحرم. فكان معلوما بذلك أنه لو كان القتال فيهن حراما وفيه معصية، كان أبعد الناس من فعله (ص). وأخرى: أن جميع أهل العلم بسير رسول الله (ص) لا تتدافع أن بيعة الرضوان على قتال قريش كانت في ذي القعدة، وأنه (ص) إنما دعا أصحابه إليها يومئذ لانه بلغه أن عثمان بن عفان قتله المشركون إذ أرسله إليهم بما أرسله به من الرسالة، فبايع (ص) على أن يناجز القوم الحرب ويحاربهم حتى رجع عثمان بالرسالة، وجرى بين النبي (ص) وقريش الصلح، فكف عن حربهم حينئذ وقتالهم، وكان ذلك في ذي القعدة، وهو من الاشهر الحرم. فإذا كان ذلك كذلك فبين صحة ما قلنا في قوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وأنه منسوخ. فإن ظن ظان أن النهي عن القتال في الاشهر الحرم كان بعد استحلال النبي (ص) إياهن لما وصفنا من حروبه، فقد ظن جهلا وذلك أن هذه الآية، أعني قوله: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه، وما كان من أمرهم وأمر القتيل الذي قتلوه، فأنزل الله في أمره هذه الآية في آخر جمادى الآخرة من السنة الثانية من مقدم رسول الله (ص) المدينة وهجرته إليها، وكانت وقعة حنين والطائف في شوال من سنة ثمان من مقدمه المدينة وهجرته إليها، وبينهما من المدة ما لا يخفى على أحد. القول في تأويل قوله تعالى: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا. يعني تعالى ذكره: ولا يزال مشركو قريش يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن قدروا على ذلك. كما: 3269 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، قال: ثني الزهري ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا أي هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين، يعني على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم حتى يردوهم إلى الكفر، كما كانوا يفعلون بمن قدروا عليه منهم قبل الهجرة. 3270 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا قال: كفار قريش.
[ 482 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. يعني بقوله جل ثناؤه: ومن يرتدد منكم عن دينه من يرجع منكم عن دينه، كما قال جل ثناؤه: فارتدا على آثارهما قصصا يعني بقوله: فارتدا: رجعا. ومن ذلك قيل: استرد فلان حقه من فلان، إذا استرجعه منه. وإنما أظهر التضعيف في قوله: يرتدد لان لام الفعل ساكنة بالجزم، وإذا سكنت فالقياس ترك التضعيف، وقد تضعف وتدغم وهي ساكنة بناء على التثنية والجمع. وقوله: فيمت وهو كافر يقول: من يرجع عن دينه، دين الاسلام، فيمت وهو كافر، فيمت قبل أن يتوب من كفره، فهم الذين حبطت أعمالهم يعني بقوله: حبطت أعمالهم بطلت وذهبت، وبطولها: ذهاب ثوابها، وبطول الاجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة. وقوله: وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يعني الذين ارتدوا عن دينهم فماتوا على كفرهم، هم أهل النار المخلدون فيها. وإنما جعلهم أهلها لانهم لا يخرجون منها، فهم سكانها المقيمون فيها، كما يقال: هؤلاء أهل محلة كذا، يعني سكانها المقيمون فيها. ويعني بقوله: هم فيها خالدون هم فيها لابثون لبثا من غير أمد ولا نهاية. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) * يعني بذلك جل ذكره: إن الذين صدقوا بالله وبرسوله، وبما جاء به. وبقوله: والذين هاجروا: الذين هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم، ومجاورتهم في ديارهم، فتحولوا عنهم، وعن جوارهم وبلادهم إلى غيرها، هجرة... لما انتقل عنه
[ 483 ]
إلى ما انتقل إليه. وأصل المهاجرة المفاعلة، من هجرة الرجل الرجل للشحناء تكون بينهما، ثم تستعمل في كل من هجر شيئا لامر كرهه منه. وإنما سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله (ص) مهاجرين لما وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم، كراهة منهم النزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم، بحيث لا يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم إلى الموضع الذي يأمنون ذلك. وأما قوله: وجاهدوا فإنه يعني: وقاتلوا وحاربوا وأصل المجاهدة المفاعلة، من قول الرجل: قد جهد فلان فلانا على كذا، إذا كربه وشق عليه يجهده جهدا. فإذا كان الفعل من اثنين كل واحد منهما يكابد من صاحبه شدة ومشقة، قيل: فلان يجاهد فلانا، يعني أن كل واحد منهما يفعل بصاحبه ما يجهده ويشق عليه، فهو يجاهده مجاهدة وجهادا. وأما سبيل الله: فطريقه ودينه. فمعنى قوله إذا: والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين تحولوا من سلطان أهل الشرك هجرة لهم، وخوف فتنتهم على أديانهم، وحاربوهم في دين الله ليدخلوهم فيه، وفيما يرضى الله، أولئك يرجون رحمة الله أي يطمعون أن يرحمهم الله فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم، والله غفور أي ساتر ذنوب عباده بعفوه عنها، متفضل عليهم بالرحمة. وهذه الآية أيضا ذكر أنها نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه. ذكر من قال ذلك: 3271 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه أنه حدثه رجل، عن أبي السوار يحدثه، عن جندب بن عبد الله قال: لما كان من أمر عبد الله بن جحش وأصحابه، وأمر ابن الحضرمي ماكان قال بعض المسلمين إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم، أظنه قال: وزرا، فليس لهم فيه أجر، فأنزل الله: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم. 3272 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني الزهري، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: أنزل الله عز وجل القرآن بما أنزل من الامر، وفرج الله عن المسلمين في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه، يعني في قتلهم ابن الحضرمي، فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن، طمعوا في الاجر، فقالوا: يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر
[ 484 ]
المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم فوقفهم الله من ذلك على أعظم الرجاء. 3273 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: أثنى الله على أصحاب نبيه محمد (ص) أحسن الثناء، فقال: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم هؤلاء خيار هذه الامة، ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون، وأنه من رجا طلب، ومن خاف هرب. 3274 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ئ في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شآء الله لاعنتكم إن الله عزيز حكيم) * يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك أصحابك يا محمد عن الخمر وشربها. والخمر: كل شراب خامر العقل فستره وغطى عليه، وهو من قول القائل: خمرت الاناء إذا غطيته، وخمر الرجل: إذا دخل في الخمر، ويقال: هو في خمار الناس وغمارهم، يراد به: دخل في عرض الناس، ويقال للضبع: خامري أم عامر، أي استتري. وما خامر العقل من داء وسكر فخالطه وغمره فهو خمر، ومن ذلك أيضا خمار المرأة، وذلك لانها تستر به رأسها فتغطيه، ومنه يقال: هو يمشي لك الخمر، أي مستخفيا، كما قال العجاج: في لامع العقبان لا يأتي الخمر يوجه الارض ويستاق الشجر
[ 485 ]
ويعني بقوله: لا يأتي الخمر: لا يأتي مستخفيا ولا مسارقة، ولكن ظاهرا برايات وجيوش والعقبان جمع عقاب، وهي الرايات. وأما الميسر فإنها المفعل من قول القائل: يسر لي هذا الامر: إذا وجب لي فهو ييسر لي يسرا وميسرا، والياسر: الواجب، بقداح وجب ذلك أو مباحه أو غير ذلك، ثم قيل للمقامر: ياسر، ويسر، كما قال الشاعر: فبت كأنني يسر غبين يقلب بعدما اختلع القداحا وكما قال النابغة: أو ياسر ذهب القداح بوفره أسف نأكله الصديق مخلع يعني بالياسر: المقامر، وقيل للقمار: ميسر، وكان مجاهد يقول نحو ما قلنا في ذلك. 3275 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله يسألونك عن الخمر والميسر قال: القمار، وإنما سمي الميسر لقولهم أيسروا واجزروا، كقولك ضع كذا وكذا. 3276 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: كل القمار من الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز. 3277 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الاحوص، قال: قال عبد الله: إياكم وهذه الكعاب الموسومة التي تزجرون بها زجرا فإنهن من الميسر.
[ 486 ]
3278 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الاحوص، مثله. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن نافع، قال: ثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي الاحوص، عن عبد الله أنه قال: إياكم وهذه الكعاب التي تزجرون بها زجرا، فإنها من الميسر. 3279 - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عاصم، عن محمد بن سيرين، قال: القمار: ميسر. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن عاصم الاحول، عن محمد بن سيرين، قال: كل شئ له خطر، أو في خطر أبو عامر شك فهو من الميسر. * - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عاصم، عن محمد بن سيرين، قال: كل قمار ميسر حتى اللعب بالنرد على القيام والصياح والريشة يجعلها الرجل في رأسه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن ابن سيرين، قال: كل لعب فيه قمار من شرب أو صياح أو قيام فهو من الميسر. 3280 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا خالد بن الحرث، قال: ثنا الاشعث، عن الحسن، أنه قال: الميسر: القمار. 3281 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا المعتمر، عن ليث، عن طاوس وعطاء قالا: كل قمار فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالكعاب 3282 - والجوز. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد، قال: الميسر: القمار. 3283 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك بن
[ 487 ]
عمير، عن أبي الاحوص، عن عبيد الله قال: إياكم وهاتين الكعبتين يزجر بهما زجرا فإنهما من الميسر. 3284 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: أما قوله والميسر، فهو القمار كله. 3285 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عبيد الله بن عمر أنه سمع عمر بن عبيد الله يقول للقاسم بن محمد: النرد: ميسر، أرأيت الشطرنج ميسر هو ؟ 3286 - حدثني علي بن فقال القاسم: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة، فهو ميسر. داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: الميسر: القمار، كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله. 3287 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: الميسر القمار. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: الميسر القمار. 3288 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الليث، عن مجاهد وسعيد بن جبير، قالا: الميسر: القمار كله، حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان. 3289 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: سمعت عبيد بن سليمان يحدث عن الضحاك قوله: الميسر: قال: القمار. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: الميسر: القمار. 3290 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد، قال: ثنا موسى بن عقبة، عن نافع أن ابن عمر كان يقول: القمار من الميسر.
[ 488 ]
3291 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: الميسر قداح العرب، وكعاب فارس. قال: وقال ابن جريج، وزعم عطاء بن ميسرة أن الميسر: القمار كله. 3292 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: قال مكحول: الميسر: القمار. * - حدثنا الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا الفضل بن سليمان وشجاع بن الوليد، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الميسر: القمار. وأما قوله: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس فإنه يعني بذلك جل ثناؤه: قل يا محمد لهم فيهما، يعني في الخمر والميسر إثم كبير. فالاثم الكبير الذي فيهما ما ذكر عن السدي فيما: 3293 - حدثني به موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: فيهما إثم كبير فإثم الخمر أن الرجل يشرب فيسكر فيؤذي الناس. وإثم الميسر أن يقامر الرجل فيمنع الحق ويظلم. 3294 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قل فيهما إثم كبير قال: هذا أول ما عيبت به الخمر. 3295 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: قل فيهما إثكبير يعني ما ينقص من الدين عند من يشربها. والذي هو أولى بتأويل الآية، الاثم الكبير الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه في الخمر والميسر، فالخمر ما قاله السدي زوال عقل شارب الخمر إذا سكر من شربه إياها حتى يعزب عنه معرفة ربه، وذلك أعظم الآثام، وذلك معنى قول ابن عباس إن شاء الله. وأما في الميسر فما فيه من الشغل به عن ذكر الله، وعن الصلاة، ووقوع العداوة والبغضاء بين المتياسرين بسببه، كما وصف ذلك به ربنا جل ثناؤه بقوله: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة.
[ 489 ]
وأما قوله: ومنافع للناس فإن منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها، وما يصلون إليه بشربها من اللذة، كما قال الاعشى في صفتها: لنا من صحاها خبث نفس وكأبة وذكرى هموم ما تفك أذاتها وعند العشاء طيب نفس ولذة ومال كثير عدة نشواتها وكما قال حسان: فنشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء وأما منافع الميسر فيما يصيبون فيه من أنصباء الجزور، وذلك أنهم كانوا يياسرون على الجزور، وإذا أفلج الرجل منهم صاحبه نحره، ثم اقتسموا أعشارا على عدد القداح، وفي ذلك يقول أعشى بني ثعلبة: وجزور أيسار دعوت إلى الندى ونياط مقفرة أخاف ضلالها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 490 ]
3296 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: المنافع ههنا: ما يصيبون من الجزور. 3297 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي: أما منافعهما فإن منفعة الخمر في لذته وثمنه، ومنفعة الميسر فيما يصاب من القمار. 3298 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس قال: منافعهما قبل أن يحرما. 3299 - حدثنا علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ومنافع للناس قال: يقول فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها. واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأه عظم أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين قل فيهما إثم كبير بالباء، بمعنى: قل في شرب هذه والقمار هذا كبير من الآثام. وقرأه آخرون من أهل المصرين، البصرة والكوفة: قل فيهما إثم كثير بمعنى الكثرة من الآثام، وكأنهم رأوا أن الاثم بمعنى الآثام، وإن كان في اللفظ واحدا فوصفوه بمعناه من الكثرة. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالباء: قل فيهما إثم كبير لاجماع جميعهم على قوله: وإثمهما أكبر من نفعهما وقراءته بالباء وفي ذلك دلالة بينة على أن الذي وصف به الاثم الاول من ذلك هو العظم والكبر، لا الكثرة في العدد. ولو كان الذي وصف به من ذلك الكثرة، لقيل وإثمهما أكثر من نفعهما. القول في تأويل قوله تعالى: وإثمهما أكبر من نفعهما. يعني بذلك عز ذكره: والاثم بشرب هذه والقمار هذا، أعظم وأكبر مضرة عليهم من النفع الذي يتناولون بهما. وإنما كان ذلك كذلك، لانهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض وقاتل بعضهم بعضا، وإذا ياسروا وقع بينهم فيه بسببه الشر، فأداهم ذلك إلى ما يأثمون به. ونزلت هذه الآية في الخمر قبل أن يصرح بتحريمها، فأضاف الاثم جل ثناؤه إليهما، وإنما الاثم بأسبابهما، إذ كان عن سببهما يحدث. وقد قال عدد من أهل التأويل: معنى ذلك: وإثمهما بعد تحريمهما أكبر من نفعهما قبل تحريمهما. ذكر من قال ذلك:
[ 491 ]
3300 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وإثمهما أكبر من نفعهما قال: منافعهما قبل التحريم، وإثمهما بعد ما حرما. 3301 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه عن الربيع: ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ينزل المنافع قبل التحريم، والاثم بعد ما حرم. 3302 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرني عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإثمهما أكبر من نفعهما يقول: إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم. 3303 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: وإثمهما أكبر من نفعهما يقول: ما يذهب من الدين والاثم فيه أكبر مما يصيبون في فرحها إذا شربوها. وإنما اخترنا ما قلنا في ذلك من التأويل لتواتر الاخبار وتظاهرها بأن هذه نزلت قبل تحريم الخمر والميسر، فكان معلوما بذلك أن الاثم الذي ذكر الله في هذه الآية فأضافه إليهما إنما عنى به الاثم الذي يحدث عن أسبابهما على ما وصفنا، لا الاثم بعد التحريم. ذكر الاخبار الدالة على ما قلنا من أن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر: 3304 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا قيس، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: لما نزلت: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس فكرهها قوم لقوله: فيهما إثم كبير وشربها قوم لقوله: ومنافع للناس، حتى نزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون قال: فكانوا يدعونها في حين الصلاة ويشربونها في غير حين الصلاة، حتى نزلت: إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فقال عمر: ضيعة لك اليوم قرنت بالميسر. 3305 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا محمد بن أبي حميد، عن أبي توبة المصري، قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: أنزل الله عز وجل في الخمر
[ 492 ]
ثلاثا، فكان أول ما أنزل: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير الآية، فقالوا: يا رسول الله ننتفع بها ونشر بها، كما قال الله عز وجل في كتابه. ثم نزلت هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى... الآية، قالوا: يا رسول الله لا نشربها عند قرب الصلاة قال: ثم نزلت: إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه الآية، قال: فقال رسول الله (ص): حرمت الخمر. 3306 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن قالا: قال الله: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما فنسختها الآية التي في المائدة، فقال: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الآية. 3307 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عوف، عن أبي القموص زيد بن علي، قال: أنزل الله عز وجل في الخمر ثلاث مرات فأول ما أنزل قال الله: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما قال: فشربها من المسلمين من شاء الله منهم على ذلك، حتى شرب رجلان، فدخلا في الصلاة، فجعلا يهجران كلاما لا يدري عوف ما هو، فأنزل الله عز وجل فيهما: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فشربها من شربها منهم، وجعلوا يتقونها عند الصلاة، حتى شربها فيما زعم أب والقموص رجل، فجعل ينوح على قتلى بدر: تحيي بالسلامة أم عمرووهل لك بعد رهطك من سلام
[ 493 ]
ذريني أصطبح بكرا فإني رأيت الموت نقب عن هشام وود بنو المغيرة لو فدوه بألف من رجال أو سوام كأني بالطوي طوي بدرمن الشيزى يكلل بالسنام كأني بالطوي طوي بدرمن الفتيان والحلل الكرام قال: فبلغ ذلك رسول الله (ص)، فجاء فزعا يجر رداءه من الفزع حتى انتهى إليه، فلما عاينه الرجل، فرفع رسول الله (ص) شيئا كان بيده ليضربه، قال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله، والله لا أطعمها أبدا فأنزل الله تحريمها: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس... إلى قوله: فهل أنتم منتهون فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: انتهينا انتهينا. 3308 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا إسحاق الازرق، عن زكريا عن سماك، عن الشعبي، قال: نزلت في الخمر أربع آيات: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس فتركوها، ثم نزلت: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا فشربوها. ثم نزلت الآيتان في المائدة إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام إلى قوله: فهل أنتم منتهون. 3309 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: نزلت هذه الآية: يسألونك عن الخمر والميسر الآية، فلم يزالوا بذلك يشربونها، حتى صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما، فدعا ناسا من أصحاب النبي (ص) فيهم علي بن أبي طالب، فقرأ: قل يا أيها الكافرون ولم يفهمها، فأنزل الله عز وجل يشدد في الخمر: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فكانت لهم حلالا، يشربون من صلاة الفجر حتى يرتفع النهار أو ينتصف، فيقومون إلى صلاة الظهر وهم مصحون، ثم لا يشربونها حتى يصلوا العتمة وهي العشاء، ثم يشربونها
[ 494 ]
حتى ينتصف الليل وينامون، ثم يقومون إلى صلاة الفجر وقد صحوا. فلم يزالوا بذلك يشربونها، حتى صنع سعد بن أبي وقاص طعاما، فدعا ناسا من أصحاب النبي (ص) فيهم رجل من الانصار، فشوى لهم رأس بعير ثم دعاهم عليه، فلما أكلوا وشربوا من الخمر سكروا وأخذوا في الحديث، فتكلم سعد بشئ، فغضب الانصاري، فرفع لحى البعير فكسر أنف سعد، فأنزل الله نسخ الخمر وتحريمها وقال: إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام إلى قوله: فهل أنتم منتهون. 3310 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وعن رجل عن مجاهد في قوله: يسألونك عن الخمر والميسر قال: لما نزلت هذه الآية شربها بعض الناس وتركها بعض، حتى نزل تحريمها في سورة المائدة. 3311 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قل فيهما إثم كبير قال: هذا أول ما عيبت به الخمر. 3312 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس فذمهما الله ولم يحرمهما لما أراد أن يبلغ بهما من المدة والاجل، ثم أنزل الله في سورة النساء أشد منها: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فكانوا يشربونها، حتى إذا حضرت الصلاة سكتوا عنها، فكان السكر عليهم حراما. ثم أنزل الله عز وجل في سورة المائدة بعد غزوة الاحزاب: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر إلى: لعلكم تفلحون فجاء تحريمها في هذه الآية قليلها وكثيرها، ما أسكر منها وما لم يسكر، وليس للعرب يومئذ عيش أعجب إليهم منها. 3313 - وحدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما. قال: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله (ص): إن ربكم يقدم في تحريم الخمر. قال: ثم نزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون قال النبي (ص): إن ربكم يقدم في تحريم الخمر. قال: ثم نزلت: يا أيها
[ 495 ]
الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فحرمت الخمر عند ذلك. 3314 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: يسألونك عن الخمر والميسر الآية كلها، قال نسخت ثلاثة: في سورة المائدة، وبالحد الذي حد النبي (ص)، وضرب النبي (ص). قال: كان النبي (ص) يضربهم بذلك حدا، ولكنه كان يعمل في ذلك برأيه، ولم يكن حدا مسمى وهو حد. وقرأ: إنما الخمر والميسر الآية. القول في تأويل قوله تعالى: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو. يعني جل ذكره بذلك: ويسألك يا محمد أصحابك: أي شئ ينفقون من أموالهم فيتصدقون به، فقل لهم يا محمد أنفقوا منها العفو. واختلف أهل التأويل في معنى: العفو في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: الفضل. ذكر من قال ذلك: 3315 - حدثنا عمرو بن علي الباهلي، قال: ثنا وكيع ح، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: العفو: ما فضل عن أهلك 3316 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: قل العفو: أي الفضل. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: هو الفضل. 3317 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاء في قوله: العفو، قال: الفضل. 3318 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: العفو، يقول: الفضل.
[ 496 ]
3319 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: كان القوم يعملون في كل يوم بما فيه، فإن فضل ذلك اليوم فضل عن العيال قدموه ولا يتركون عيالهم جوعا، ويتصدقون به على الناس. 3320 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا يونس، عن الحسن في قوله: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: هو الفضل فضل المال. وقال آخرون: معنى ذلك ما كان عفوا لا يبين على من أنفقه أو تصدق به. ذكر من قال ذلك: 3321 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو يقول: ما لا يتبين في أموالكم. 3322 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن جريج، عن طاوس في قول الله جل وعز: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: اليسير من كل شئ. وقال آخرون: معنى ذلك: الوسط من النفقة ما لم يكن إسرافا ولا إقتارا. ذكر من قال ذلك: 3323 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن في قوله: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو يقول: لا تجهد مالك حتى ينفد للناس. 3324 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنحجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء، عن قوله: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: العفو في النفقة أن لا تجهد مالك حتى ينفد، فتسأل الناس. 3325 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء، عن قوله يسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: العفو: ما لم يسرفوا، ولم يقتروا في الحق. قال: وقال مجاهد: العفو صدقة عن ظهر غنى. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عوف، عن الحسن في قوله: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: هو أن لا تجهد مالك.
[ 497 ]
وقال آخرون: معنى ذلك قل العفو خذ منهم ما أتوك به من شئ قليلا أو كثيرا. ذكر من قال ذلك: 3326 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو يقول: ما أتوك به من شئ قليل أو كثير، فاقبله منهم. وقال آخرون: معنى ذلك ما طاب من أموالكم. ذكر من قال ذلك: 3327 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: يقول الطيب منه، يقول: أفضل مالك وأطيبه. 3328 - حدثت عن عمار بن الحسن قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، قال: كان يقول: العفو: الفضل. يقول: أفضل مالك. وقال آخرون: معنى ذلك: الصدقة المفروضة. ذكر من قال ذلك: 3329 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، أو عيسى عن قيس، عن مجاهد شك أبو عاصم قول الله جل وعز: قل العفو قال: الصدقة المفروضة. وأولى هذه الاقوال بالصواب قول من قال: معنى العفو: الفضل من مال الرجل عن نفسه وأهله في مؤنتهم وما لا بد لهم منه. وذلك هو الفضل الذي تظاهرت به الاخبار عن رسول الله (ص) بالاذن في الصدقة، وصدقة في وجه البر. ذكر بعض الاخبار التي رويت عن رسول الله (ص) بذلك: 3330 - حدثنا علي بن مسلم، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رجل: يا رسول الله عندي دينار قال: أنفقه على نفسك ؟ قال: عندي آخر قال: أنفقه على أهلك قال: عندي آخر قال: أنفقه على ولدك قال: عندي آخر قال: فأنت أبصر. 3331 - حدثني محمد بن معمر البحراني، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله (ص): إذا
[ 498 ]
كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول، ثم إن وجد فضلا بعد ذلك فليتصدق على غيرهم. 3332 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم، عن عمر بقتادة، عن محمود بن لبيد، عن جابر بن عبد الله، قال: أتى رسول الله (ص) رجل ببيضة من ذهب أصابها في بعض المعادن، فقال: يا رسول الله، خذ هذه مني صدقة، فوالله ما أصبحت أملك غيرها فأعرض عنه، فأتاه من ركنه الايمن، فقال له مثل ذلك، فأعرض عنه. ثم قال له مثل ذلك فأعرض عنه. ثم قال له مثل ذلك، فقال: هاتها مغضبا، فأخذها فحذفه بها حذفة لو أصابه شجه أو عقره، ثم قال: يجئ أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى. 3333 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم المخرمي، قال: سمعت أبا الاحوص يحدث عن عبد الله، عن النبي (ص) أنه قال: ارضخ من الفضل، وابدأ بمن تعول، ولا تلام على كفاف. وما أشبه ذلك من الاخبار التي يطول باستقصاء ذكرها الكتاب. فإذا كان الذي أذن (ص) لامته الصدقة من أموالهم بالفضل عن حاجة المتصدق الفضل من ذلك، هو العفو من مال الرجل إذ كان العفو في كلام العرب في المال وفي كل شئ هو الزيادة والكثرة، ومن ذلك قوله جل ثناؤه: حتى عفوا بمعنى: زادوا على ما كانوا عليه من العدد وكثروا، ومنه قول الشاعر: ولكنا يعض السيف منا بأسوق عافيات الشحم كوم
[ 499 ]
يعني به كثيرات الشحوم. ومن ذلك قيل للرجل: خذ ما عفا لك من فلان، يراد به: ما فضل فصفا لك عن جهده بما لم تجهده. كان بينا أن الذي أذن الله به في قوله قل العفو لعباده من النفقة، فأذنهم بإنفاقه إذا أرادوا إنفاقه هو الذي بين لامته رسول الله (ص) بقوله: خير الصدقة ما أنفقت عن غنى وأذنهم به. فإن قال لنا قائل: وما تنكر أن يكون ذلك العفو هو الصدقة المفروضة ؟ قيل: أنكرنا ذلك لقيام الحجة على أن من حلت في ماله الزكاة المفروضة، فهلك جميع ماله إلا قدر الذي لزم ماله لاهل سهمان الصدقة، أن عليه أن يسلمه إليهم، إذا كان هلاك ماله بعد تفريطه في أداء الواجب كان لهم (في) ماله إليهم، وذلك لا شك أنه جهده إذا سلمه إليهم لا عفوه، وفي تسمية الله جل ثناؤه ما علم عباده وجه إنفاقهم من أموالهم عفوا، ما يبطل أن يكون مستحقا اسم جهد في حالة، وإذا كان ذلك كذلك فبين فساد قول من زعم أن معنى العفو هو ما أخرجه رب المال إلى إمامه، فأعطاه كائنا ما كان من قليل ماله وكثيره، وقول من زعم أنه الصدقة المفروضة. وكذلك أيضا لا وجه لقول من يقول: إن معناه ما لم يتبين في أموالكم، لان النبي (ص) لما قال له أبو لبابة: إن من توبتي أن أنخلع إلى الله ورسوله من مالي صدقة، قال النبي (ص): يكفيك من ذلك الثلث وكذلك روي عن كعب بن مالك أن النبي (ص) قال له نحوا من ذلك. والثلث لا شك أنه بين فقده من مال ذي المال، ولكنه عندي كما قال جل ثناؤه: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وكما قال جل ثناؤه لمحمد (ص): ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا وذلك هو ما حده صلى الله عليه وسلم فيما دون ذلك على قدر المال واحتماله.
[ 500 ]
ثم اختلف أهل العلم في هذه الآية: هل هي منسوخة، أم ثابتة الحكم على العباد ؟ فقال بعضهم: هي منسوخة نسختها الزكاة المفروضة. ذكر من قال ذلك: 3334 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: كان هذا قبل أن تفرض الصدقة. 3335 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: لم تفرض فيه فريضة معلومة، ثم قال: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ثم نزلت الفرائض بعد ذلك مسماة. 3336 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو هذه نسختها الزكاة. وقال آخرون: بل مثبتة الحكم غير منسوخة. ذكر من قال ذلك: 3337 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد أو عيسى، عن قيس، عن مجاهد شك أبو عاصم، قال قال: العفو: الصدقة المفروضة. والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس على ما رواه عنه عطية من أن قوله: قل العفو ليس بإيجاب فرض فرض من الله حقا في ماله، ولكنه إعلام منه ما يرضيه من النفقة مما يسخطه جوابا منه لمن سأل نبيه محمدا (ص) عما فيه له رضا، فهو أدب من الله لجميع خلقه على ما أدبهم به في الصدقة غير المفروضات ثابت الحكم غير ناسخ لحكم كان قبله بخلافه، ولا منسوخ بحكم حدث بعده، فلا ينبغي لذي ورع ودين أن يتجاوز في صدقات التطوع وهباته وعطايا النفل وصدقته ما أدبهم به نبيه (ص) بقوله: إذا كان عند أحدكم فضل فليبدأ بنفسه، ثم بأهله، ثم بولده ثم يسلك حينئذ في الفضل مسالكه التي ترضي الله ويحبها. وذلك هو القوام بين الاسراف والاقتار الذي ذكره الله عز وجل في كتابه إن شاء الله تعالى. ويقال لمن زعم أن ذلك منسوخ: ما الدلالة على نسخه ؟ وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم على أن للرجل أن ينفق من ماله صدقة وهبة ووصية الثلث، فما
[ 501 ]
الذي دل على أن ذلك منسوخ ؟ فإن زعم أنه يعني بقوله: إنه منسوخ أن إخراج العفو من المال غير لازم فرضا، وأن فرض ذلك ساقط بوجود الزكاة في المال قيل له: وما الدليل على أن إخراج العفو كان فرضا، فأسقطه فرض الزكاة ؟ ولا دلالة في الآية على أن ذلك كان فرضا، إذ لم يكن أمر من الله عز ذكره، بل فيها الدلالة على أنها جواب ما سأل عنه القوم على وجه التعرف لما فيه لله الرضا من الصدقات، ولا سبيل لمدعي ذلك إلى دلالة توجب صحة ما ادعى. وأما القراء فإنهم اختلفوا في قراءة العفو، فقرأته عامة قراء الحجاز وقراء الحرمين وعظم قراء الكوفيين: قل العفو نصبا، وقرأه بعض قراء البصريين: قل العفو رفعا. فمن قرأه نصبا جعل ماذا حرفا واحدا، ونصبه بقوله: ينفقون على ما قد بينت قبل، ثم نصب العفو على ذلك فيكون معنى الكلام حينئذ: ويسألونك أي شئ ينفقون ؟ ومن قرأه رفعا جعل ما من صلة ذا ورفعوا العفو فيكون معنى الكلام حينئذ: ما الذي ينفقون، قل الذي ينفقون العفو. ولو نصب العفو، ثم جعل ماذا حرفين بمعنى: يسألونك ماذا ينفقون ؟ قل ينفقون العفو، ورفع الذين جعلوا ماذا حرفا واحدا بمعنى: ما ينفقون ؟ قل الذي ينفقون خبرا كان صوابا صحيحا في العربية. وبأي القراءتين قرئ ذلك عندي صواب لتقارب معنييهما مع استفاضة القراءة بكل واحدة منهما. غير أن أعجب القراءتين إلي وإن كان الامر كذلك قراءة من قرأه بالنصب، لان من قرأ به من القراء أكثر وهو أعرف وأشهر. القول في تأويل قوله تعالى: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة. يعني بقول عز ذكره: كذلك يبين الله لكم الآيات هكذا يبين أي كما بينت لكم أعلامي وحججي، وهي آياته في هذه السورة، وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي، وبينت لكم حدودي وفرائضي، ونبهتكم فيها على الادلة على وحدانيتي، ثم على حجج رسولي إليكم، فأرشدتكم إلى ظهور الهدى، فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد (ص) آياتي وحججي، وأوضحها لكم لتتفكروا في وعدي ووعيدي وثوابي وعقابي، فتجاوزوا طاعتي التي تنالون بها ثوابي في الدار الآخرة، والفوز بنعيم الابد
[ 502 ]
على القليل من اللذات، واليسير من الشهوات، بركوب معصيتي في الدنيا الفانية التي من ركبها، كان معاده إلي، ومصيره إلى ما لا قبل له به من عقابي وعذابي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3338 - حدثنا علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال: يعني في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها. 3339 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال: يقول: لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة، فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا. 3340 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال: قوله: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال: أما الدنيا فتعلمون أنها دار بلاء ثم فناء، والآخرة دار جزاء ثم بقاء، فتتفكرون، فتعملون للباقية منهما. قال: وسمعت أبا عاصم يذكر نحو هذا أيضا. 3341 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة وإنه من تفكر فيهما عرف فضل إحداهما على الاخرى وعرف أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء، وأن الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء، فكونوا ممن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير، وإن تخالطوهم فإخوانكم. اختلف أهل التأويل فيما نزلت هذه الآية: فقال بعضهم نزلت... 3342 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:: لما نزلت: ولا تقربوا مال اليتيم إلا
[ 503 ]
بالتي هي أحسن عزلوا أموال اليتامى، فذكروا ذلك لرسول الله (ص)، فنزلت: وإن تخالطوهم فإخوانكم ولو شاء الله لاعنتكم فخالطوهم. 3343 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشئ من طعامه، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد. فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله (ص)، فأنزل الله عز وجل: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم. 3344 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد، قال: لما نزلت: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قال: كنا نصنع لليتيم طعاما فيفضل منه الشئ، فيتركونه حتى يفسد، فأنزل الله: وإن تخالطوهم فإخوانكم. 3345 - حدثنا يحيى بن داود الواسطي، قال: ثنا أبو أسامة، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، قال: سئل عبد الرحمن بن أبي ليلى عن مال اليتيم، فقال: لما نزلت: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن اجتنبت مخالطتهم، واتقوا كل شئ حتى اتقوا الماء، فلما نزلت: وإن تخالطوهم فإخوانكم قال: فخالطوهم. 3346 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ويسألونك عن اليتامى الآية كلها، قال: كان الله أنزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن فكبرت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم في مأكل ولا في غيره. فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة، فقال: وإن تخالطوهم فإخوانكم.
[ 504 ]
* - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لما نزلت: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن اعتزل الناس اليتامى فلم يخالطوهم في مأكل ولا مشرب ولا مال، قال: فشق ذلك على الناس، فسألوا رسول الله (ص)، فأنزل الله عز وجل: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم. 3347 - حدثت عن عمار قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم... الآية. قال: فذكر لنا والله أعلم أنه أنزل في بني إسرائيل: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده فكبرت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم في طعام ولا شراب ولا غير ذلك. فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة فقال: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم يقول: مخالطتهم في ركوب الدابة، وشرب اللبن، وخدمة الخادم. يقول للولي الذي يلي أمرهم: فلا بأس عليه أن يركب الدابة أو يشرب اللبن، أو يخدمه الخادم. وقال آخرون في ذلك بما: 3348 - حدثني عمرو بن علي قال: ثنا عمران بن عيينة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم الآية، قال: كان يكون في حجر الرجل اليتيم، فيعزل طعامه وشرابه وآنيته، فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله: وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح فأحل خلطهم. 3349 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، قال: ثنا أشعث، عن الشعبي، قال: لما نزلت هذه الآية: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا قال: فاجتنب الناس الايتام، فجعل الرجل يعزل طعامه من طعامه وماله من ماله، وشرابه من شرابه. قال: فاشتد ذلك على الناس، فنزلت: وإن
[ 505 ]
تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح. قال الشعبي: فمن خالط يتيما فليتوسع عليه، ومن خالطه ليأكل من ماله فلا يفعل. * - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وذلك أن الله لما أنزل: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا كره المسلمون أن يضموا اليتامى، وتحرجوا أن يخالطوهم في شئ، فسألوا رسول الله (ص)، فأنزل الله: قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم. 3350 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم قال: لما نزلت سورة النساء عزل الناس طعامهم، فلم يخالطوهم. قال: ثم جاءوا إلى النبي (ص) فقالوا: إنا يشق علينا أن نعزل طعام اليتامى وهم يأكلون معناه فنزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم. قال ابن جريج وقال مجاهد: عزلوا طعامهم عن طعامهم، وألبانهم عن ألبانهم، وأدمهم عن أدمهم، فشق ذلك عليهم، فنزلت: وإن تخالطوهم فإخوانكم قال: مخالطة اليتيم في المراعي والادم. قال ابن جريج: وقال ابن عباس: الالبان وخدمة الخادم وركوب الدابة. قال ابن جريج: وفي المساكن، قال: والمساكن يومئذ عزيزة. * - حدثنا محمد بن سنان، قال: ثنا الحسين بن الحسن الاشقر، قال: أخبرنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن و: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما قال: اجتنب الناس مال اليتيم وطعامه، حتى كان يفسد إن كان لحما أو غيره، فشق ذلك على الناس، فشكوا ذلك إلى رسول الله (ص)، فأنزل الله: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير. 3351 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي
[ 506 ]
نجيح، عن قيس بن سعد أو عيسى، عن قيس بن سعد، شك أبو عاصم عن مجاهد: وإن تخالطوهم فإخوانكم قال: مخالطة اليتيم في الرعي والادم. وقال آخرون: بل كان اتقاء مال اليتيم واجتنابه من أخلاق العرب، فاستفتوا في ذلك لمشقته عليهم، فأفتوا بما بينه الله في كتابه. ذكر من قال ذلك: 3352 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح قال: كانت العرب يشددون في اليتيم حتى لا يأكلوا معه في قصعة واحدة، ولا يركبوا له بعيرا، ولا يستخدموا له خادما، فجاءوا إلى النبي (ص) فسألوه عنه، فقال: قل إصلاح لهم خير يصلح له ماله وأمره له خير، وإن يخالطه فيأكل معه ويطعمه، ويركب راحلته ويحمله، ويستخدم خادمه ويخدمه، فهو أجود. والله يعلم المفسد من المصلح. 3353 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير إلى: إن الله عزيز حكيم وإن الناس كانوا إذا كان في حجر أحدهم اليتيم جعل طعامه على ناحية ولبنه على ناحية، مخافة الوزر. وإنه أصاب المؤمنين الجهد، فلم يكن عندهم ما يجعلون خدما لليتامى، فقال الله: قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم... إلى آخر الآية. 3354 - حدثت عن الحسن بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ويسألونك عن اليتامى كانوا في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم، فلا يمسون من أموالهم شيئا، ولا يركبون لهم دابة، ولا يطعمون لهم طعاما. فأصابهم في الاسلام جهد شديد، حتى احتاجوا إلى أموال اليتامى، فسألوا نبي الله (ص) عن شأن اليتامى، وعن مخالطتهم، فأنزل الله: وإن تخالطوهم فإخوانكم يعني بالمخالطة: ركوب الدابة، وخدمة الخادم، وشرب اللبن. فتأويل الآية إذا: ويسألك يا محمد أصحابك عن مال اليتامى، وخلطهم أموالهم به في النفقة والمطاعمة والمشاربة والمساكنة والخدمة، فقل لهم: تفضلكم عليهم بإصلاحكم
[ 507 ]
أموالهم من غير مرزئة شئ من أموالهم، وغير أخذ عوض من أموالهم على إصلاحكم ذلك لهم، خير لكم عند الله، وأعظم لكم أجرا، لما لكم في ذلك من الاجر والثواب، وخير لهم في أموالهم في عاجل دنياهم، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم. وإن تخالطوهم فتشاركوهم بأموالكم أموالهم في نفقاتكم ومطاعمكم ومشاربكم ومساكنكم، فتضموا من أموالهم عوضا من قيامكم بأمورهم وأسبابهم وإصلاح أموالهم، فهم إخوانكم، والاخوان يعين بعضهم بعضا، ويكنف بعضهم بعضا فذو المال يعين ذا الفاقة، وذو القوة في الجسم يعين ذا الضعف. يقول تعالى ذكره: فأنتم أيها المؤمنون وأيتامكم كذلك إن خالطتموهم بأموالكم، فخلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم وسائر أموالكم بأموالهم، فأصبتم من أموالهم فضل مرفق بما كان منكم من قيامكم بأموالهم وولائهم، ومعاناة أسبابهم على النظر منكم لهم نظر الاخ الشفيق لاخيه العامل فيما بينه وبينه بما أوجب الله عليه وألزمه، فذلك لكم حلال، لانكم إخوان بعضكم لبعض. كما: 3355 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وإن تخالطوهم فإخوانكم قال: قد يخالط الرجل أخاه. 3356 - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن أبي مسكين، عن إبراهيم، قال: إني لاكره أن يكون مال اليتيم كالعرة. 3357 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة، قالت: إني لاكره أن يكون مال اليتيم عندي عرة حتى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي. فإن قال لنا قائل: وكيف قال فإخوانكم فرفع الاخوان، وقال في موضع آخر: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا. قيل: لافتراق معنييهما، وذلك أن أيتام المؤمنين إخوان المؤمنين، خالطهم المؤمنون بأموالهم أو لم يخالطوهم. فمعنى الكلام: وإن تخالطوهم فهم إخوانكم. والاخوان مرفوعون بالمعنى المتروك ذكره وهو هم لدلالة الكلام عليه، وإنه لم يرد بالاخوان الخبر عنهم أنهم كانوا إخوانا من أجل مخالطة ولاتهم إياهم. ولو كان ذلك
[ 508 ]
المراد لكانت القراءة نصبا، وكان معناه حينئذ وإن تخالطوهم فخالطوا إخوانكم، ولكنه قرئ رفعا لما وصفت من أنهم إخوان للمؤمنين الذين يلونهم خالطوهم أو لم يخالطوهم. وأما قوله: فرجالا أو ركبانا فنصب لانهما حالان للفعل غير دائبين، ولا يصلح معهما هو، وذلك أنك لو أظهرت هو معهما لاستحال الكلام. ألا ترى أنه لو قال قائل: إن خفت من عدوك أن تصلي قائما، فهو راجل أو راكب لبطل المعنى المراد بالكلام ؟ وذلك أن تأويل الكلام: فإن خفتم أن تصلوا قياما من عدوكم، فصلوا رجالا أو ركبانا ولذلك نصبه إجراء على ما قبله من الكلام كما تقول في نحوه من الكلام: إن لبست ثيابا فالبياض، فتنصبه لانك تريد إن لبست ثيابا فالبس البياض، ولست تريد الخبر عن أن جميع ما يلبس من الثياب فهو البياض، ولو أردت الخبر عن ذلك لقلت: إن لبست ثيابا فالبياض رفعا، إذ كان مخرج الكلام على وجه الخبر منك عن اللابس أن كل ما يلبس من الثياب فبياض، لانك تريد حينئذ: إن لبست ثيابا فهي بياض. فإن قال: فهل يجوز النصب في قوله: فإخوانكم ؟ قيل: جائز في العربية، فأما في القراءة فإنما منعناه لاجماع القراء على رفعه. وأما في العربية فإنما أجزناه لانه يحسن معه تكرير ما يحمل في الذي قبله من الفعل فيهما: وإن تخالطوهم فإخوانكم تخالطون فيكون ذلك جائزا في كلام العرب. القول في تأويل قوله تعالى: والله يعلم المفسد من المصلح. يعني تعالى ذكره بذلك: إن ربكم وإن أذن لكم في مخالطتكم اليتامى على ما أذن لكم به، فاتقوا الله في أنفسكم أتخالطوهم وأنتم تريدون أكل أموالهم بالباطل، وتجعلون مخالطتكم إياهم ذريعة لكم إلى إفساد أموالهم، وأكلها بغير حقها، فتستوجبوا بذلك منه العقوبة التي لا قبل لكم بها، فإنه يعلم من خالط منكم يتيمه، فشاركه في مطعمه ومشربه ومسكنه وخدمه ورعاته في حال مخالطته إياه ما الذي يقصد بمخالطته إياه إفساد ماله، وأكله بالباطل، أم إصلاحه وتثميره، لانه لا يخفى عليه منه شئ، ويعلم أيكم المريد إصلاح ماله، من المريد إفساده. كما:
[ 509 ]
3358 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره: والله يعلم المفسد من المصلح قال: الله يعلم حين تخلط مالك بماله أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغير حق. 3359 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أشعث، عن الشعبي: والله يعلم المفسد من المصلح قال الشعبي: فمن خالط يتيما فليتوسع عليه، ومن خالطه ليأكل ماله فلا يفعل. القول في تأويل قوله تعالى: ولو شاء الله لاعنتكم. يعني تعالى ذكره بذلك: ولو شاء الله لحرم ما أحله لكم من مخالطة أيتامكم بأموالكم أموالهم، فجهدكم ذلك وشق عليكم، ولم تقدروا على القيام باللازم لكم من حق الله تعالى، والواجب عليكم في ذلك من فرضه، ولكنه رخص لكم فيه، وسهله عليكم، رحمة بكم ورأفة. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لاعنتكم فقال بعضهم بما: 3360 - حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، أو عيسى، عن قيس بن سعد، عن مجاهد شك أبو عاصم في قول الله تعالى ذكره: ولو شاء الله لاعنتكم لحرم عليكم المرعى والادم. قال أبو جعفر: يعني بذلك مجاهد، رعي مواشي والي اليتيم مع مواشي اليتيم والاكل من إدامه، لانه كان يتأول في قوله: وإن تخالطوهم فإخوانكم أنه خلطة الولي اليتيم بالرعي والادم. 3361 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ولو شاء الله لاعنتكم يقول: ولو شاء الله لاحرجكم، فضيق عليكم، ولكنه وسع ويسر، فقال: ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف. 3362 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولو شاء الله لاعنتكم يقول: لجهدكم، فلم تقوموا بحق ولم تؤدوا فريضة.
[ 510 ]
3363 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع نحوه، إلا أنه قال: فلم تعملوا بحق. 3364 - حدثني موسى قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولو شاء الله لاعنتكم لشدد عليكم. 3365 - حدثني يونس. قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: ولو شاء الله لاعنتكم قال: لشق عليكم في الامر، ذلك العنت. 3366 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قوله: ولو شاء اللاعنتكم قال: ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا. وهذه الاقوال التي ذكرناها عمن ذكرت عنه، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها، فإنها متقاربات المعاني لان من حرم عليه شئ فقد ضيق عليه في ذلك الشئ، ومن ضيق عليه في شئ، فقد أحرج فيه، ومن أحرج في شئ أو ضيق عليه فيه فقد جهد، وكل ذلك عائد إلى المعنى الذي وصفت من أن معناه الشدة والمشقة، ولذلك قيل: عنت فلانا: إذا شق عليه وجهده فهو يعنت عنتا، كما قال تعالى ذكره: عزيز عليه ما عنتم يعني ما شق عليكم وآذاكم وجهدكم، ومنه قوله تعالى ذكره: ذلك لمن خشي العنت منكم فهذا إذا عنت العانت، فإن صيره غيره كذلك قيل: أعنته فلان في كذا: إذا جهده وألزمه أمرا جهده القيام به يعنته إعناتا، فكذلك قوله: لاعنتكم معناه: لاوجب لكم العنت بتحريمه عليكم ما يجهدكم ويحرجكم مما لا تطيقون القيام باجتنابه وأداء الواجب له عليكم فيه. وقال آخرون: معنى ذلك: لاوبقكم وأهلككم. ذكر من قال ذلك: 3367 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قرأ علينا: ولو شاء الله لاعنتكم قال ابن عباس: ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن فضيل وجرير، عن منصور، وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: ولو شاء الله لاعنتكم قال: لجعل ما أصبتم موبقا.
[ 511 ]
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله عزيز حكيم. يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله عزيز في سلطانه لا يمنعه مانع مما أحل بكم من عقوبة، لو أعنتكم بما يجهدكم القيام به من فرائضه، فقصرتم في القيام به، ولا يقدر دافع أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره مما يفعله بكم وبغيركم من ذلك لو فعله هو، لكنه بفضل رحمته من عليكم بترك تكليفه إياكم ذلك، وهو حكيم في ذلك لو فعله بكم، وفي غيره من أحكامه وتدبيره لا يدخل أفعاله خلل ولا نقص ولا وهي ولا عيب، لانه فعل ذي الحكمة الذي لا يجهل عواقب الامور، فيدخل تدبيره مذمة عاقبة، كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم بعواقب الامور، لسوء اختيارهم فيها ابتداء. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) * اختلف أهل التأويل في هذه الآية: هل نزلت مرادا بها كل مشركة، أم مراد بحكمها بعض المشركات دون بعض ؟ وهل نسخ منها بعد وجوب الحكم بها شئ أم لا ؟ فقال بعضهم: نزلت مرادا بها تحريم نكاح كل مشركة على كل مسلم من أن أجناس الشرك كانت عابدة وثن أو كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو من غيرهم من أصناف الشرك، ثم نسخ تحريم نكاح أهل الكتاب بقوله: يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات إلى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم. ذكر من قال ذلك: 3368 - حدثني علي بن واقد، قال: ثني عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حل لكم إذا آتيتموهن أجورهن. 3369 - حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد،
[ 512 ]
عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن فنسخ من ذلك نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين. 3370 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال: نساء أهل مكة ومن سواهن من المشركين، ثم أحل منهن نساء أهل الكتاب. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 3371 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ولا تنكحوا المشركات إلى قوله: لعلهم يتذكرون قال: حرم الله المشركات في هذه الآية، ثم أنزل في سورة المائدة، فاستثنى نساء أهل الكتاب، فقال: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن. وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية مرادا بحكمها مشركات العرب لم ينسخ منها شئ ولم يستثن، إنما هي آية عامة ظاهرها خاص تأويلها. ذكر من قال ذلك: 3372 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن يعني مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه. 3373 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال: المشركات من ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية. * - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة في قوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن يعني مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه. 3374 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير قوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال: مشركات أهل الاوثان. وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية مرادا بها كل مشركة من أي أصناف الشرك كانت
[ 513 ]
غير مخصوص منها مشركة دون مشركة، وثنية كانت أو مجوسية أو كتابية، ولا نسخ منها شئ. ذكر من قال ذلك: 3375 - حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري، قال: ثنا شهر بن حوشب، قال: سمعت عبد الله بن عباس، يقول: نهى رسول الله (ص) عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرم كل ذات دين غير الاسلام، وقال الله تعالى ذكره: ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله. وقد نكح طلحة بن عبيد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه غضبا شديدا حتى هم بأن يسطو عليهما، فقالا: نحن نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، فقال: لئن حل طلاقهن، لقد حل نكاحهن، ولكن انتزعهن منكم صغرة قماء. وأولى هذه الاقوال بتأويل الآية ما قاله قتادة من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات، وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها لم ينسخ منها شئ، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها. وذلك أن الله تعالى ذكره أحل بقوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم للمؤمنين من نكاح محصناتهن، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات. وقد بينا في غير هذا الموضع من كتابنا هذا، وفي كتابنا كتاب اللطيف من البيان أن كل آيتين أو خبرين كان أحدهما نافيا حكم الآخر في فطرة العقل، فغير جائز أن يقضى على أحدهما بأنه ناسخ حكم الآخر إلا بحجة من خبر قاطع للعذر مجيئه، وذلك غير موجود بأن قوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ناسخ ما كان قد وجب تحريمه من النساء بقوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن. فإن لم يكن ذلك موجودا كذلك، فقول القائل: هذه ناسخة هذه دعوى لا برهان له عليها، والمدعي دعوى لا برهان له عليها متحكم، والتحكم لا يعجز عنه أحد. وأما القول الذي روي عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه
[ 514 ]
من تفريقه بين طلحة وحذيفة وامرأتيهما اللتين كانتا كتابيتين، فقول لا معنى له لخلافه ما الامة مجتمعة على تحليله بكتاب الله تعالى ذكره، وخبر رسوله (ص). وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من القول خلاف ذلك بإسناد هو أصح منه، وهو ما: 3376 - حدثني به موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا سفيان بن سعيد، عن يزيد بن أبي زياد، عن زيد بن وهب، قال: قال عمر: المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة. وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم نكاح اليهودية والنصرانية، حذرا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك فيزهدوا في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني، فأمرهما بتخليتهما. كما: 3377 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا الصلت بن بهرام، عن شقيق، قال: تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه عمر: خل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكن أخاف أن تعاطوا المؤمنات منهن. 3378 - وقد حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق الازرق، عن شريك، عن أشعث بن سوار، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (ص) نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا. فهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه، فالقول به لاجماع الجميع على صحة القول به أولى من خبر عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب. فمعنى الكلام إذا: ولا تنكحوا أيها المؤمنون مشركات غير أهل الكتاب حتى يؤمن، فيصدقن بالله ورسوله، وما أنزل عليه. القول في تأويل قوله تعالى: ولامة مؤمنة خير من مشركة. يعني تعالى ذكره بقوله: ولامة مؤمنة بالله وبرسوله، وبما جاء به من عند الله خير
[ 515 ]
عند الله، وأفضل من حرة مشركة كافرة وإن شرف نسبها وكرم أصلها. يقول: ولا تبتغوا المناكح في ذوات الشرف من أهل الشرك بالله، فإن الاماء المسلمات عند الله خير منكحا منهن. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل نكح أمة، فعذل في ذلك وعرضت عليه حرة مشركة. ذكر من قال ذلك: 3379 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم قال: نزلت في عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداء، وأنه غضب عليها فلطمها ثم فزع، فأتى النبي (ص) فأخبره بخبرها، فقال له النبي (ص): ما هي يا عبد الله ؟ قال: يا رسول الله هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال: هذه مؤمنة فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لاعتقنها ولاتزوجنها ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين، فقالوا: تزوج أمة. وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين، وينكحوهم رغبة في أحسابهم. فأنزل الله فيهم: ولامة مؤمنة خير من مشركة وعبد مؤمن خير من مشرك. 3380 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني الحجاج، قال: قال ابن جريج في قوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال: المشركات لشرفهن حتى يؤمن. القول في تأويل قوله تعالى: ولو أعجبتكم. يعني تعالى ذكره بذلك: وإن أعجبتكم المشركة من غير أهل الكتاب في الجمال والحسب والمال فلا تنكحوها، فإن الامة المؤمنة خير عند الله منها وإنما وضعت لو موضع إن لتقارب مخرجيهما ومعنييهما، ولذلك تجاب كل واحدة منهما بجواب صاحبتها على ما قد بينا فيما مضى قبل. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم. يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركا، كائنا من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان. فلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم، ولان تزوجوهن من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله، وبما جاء به معند الله، خير
[ 516 ]
لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله، وإن أعجبكم حسبه ونسبه. وكان أبو جعفر محمد بن علي يقول: هذا القول من الله تعالى ذكره، دلالة على أن أولياء المرأة أحق بتزويجها من المرأة. 3381 - حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي، قال: أخبرنا حفص بن غياث عن شيخ لم يسمه، قال أبو جعفر النكاح بولي في كتاب الله. ثم قرأ: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا برفع التاء. 3382 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والزهري في قوله: ولا تنكحوا المشركين قال: لا يحل لك أن تنكح يهوديا أو نصرانيا، ولا مشركا من غير أهل دينك. 3383 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: ولا تنكحوا المشركين لشرفهم حتى يؤمنوا. 3384 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا قال: حرم المسلمات على رجالهم يعني رجال المشركين. القول في تأويل قوله تعالى: أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون. يعني تعالى ذكره بقوله: أولئك هؤلاء الذين حرمت عليكم أيها المؤمنون مناكحتهم من رجال أهل الشرك ونسائهم يدعونكم إلى النار، يعني يدعونكم إلى العمل بما يدخلكم النار، وذلك هو العمل الذي هم به عاملون من الكفر بالله ورسوله. يقول: ولا تقبلوا منهم ما يقولون، ولا تستنصحوهم، ولا تنكحوهم، ولا تنكحوا إليهم، فإنهم لا يألونكم خبالا ولكن اقبلوا من الله ما أمركم به، فاعملوا به، وانتهوا عما نهاكم عنه، فإنه يدعوكم إلى الجنة. يعني بذلك: يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنة ويوجب لكم النجاة إن عملتم به من النار، وإلى ما يمحو خطاياكم أو ذنوبكم فيعفو عنها، ويسترها عليكم. وأما قوله: بإذنه فإنه يعني أنه يدعوكم إلى ذلك بإعلامه إياكم سبيله وطريقه الذي به الوصول إلى الجنة والمغفرة ثم قال تعالى ذكره: ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون
[ 517 ]
يقول: ويوضح حججه وأدلته في كتابه الذي أنزله على لسان رسوله لعباده ليتذكروا فيعتبروا، ويميزوا بين الامرين اللذين أحدهما دعاء إلى النار والخلود فيها والآخر دعاء إلى الجنة وغفران الذنوب، فيختاروا خيرهما لهم. ولم يجهل التمييز بين هاتين إلا غبي الرأي، مدخول العقل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * يعني تعالى ذكره بقوله: ويسألونك عن المحيض ويسألك يا محمد أصحابك عن الحيض وقيل المحيض لان ما كان من الفعل ماضيه بفتح عين الفعل وكسرها في الاستقبال، مثل قول القائل: ضرب يضرب، وحبس يحبس، ونزل ينزل، فإن العرب تبني مصدره على المفعل والاسم على المفعل مثل المضرب والمضرب من ضربت، ونزلت منزلا ومنزلا. ومسموع في ذوات الياء الالف والياء المعيش والمعاش والمعيب والمعاب، كما قال رؤبة في المعيش: إليك أشكو شدة المعيش ومر أعوام نتفن ريشي وإنما كان القوم سألوا رسول الله (ص) فيما ذكر لنا عن الحيض، لانهم كانوا قبل بيان الله لهم ما يتبينون من أمره، لا يساكنون حائضا في بيت، ولا يؤاكلونهن في إناء، ولا يشاربونهن، فعرفهم الله بهذه الآية أن الذي عليهم في أيام حيض نسائهم أن يجتنبوا جماعهن فقط دون ما عدا ذلك من مضاجعتهن ومآكلتهن ومشاربتهن. كما: 3385 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ويسألونك عن المحيض حتى بلغ: حتى يطهرن فكان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت، ولا تؤاكلهم في إناء، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك، فحرم فرجها ما
[ 518 ]
دامت حائضا، وأحل ما سوى ذلك: أن تصبغ لك رأسك، وتؤاكلك من طعامك، وأن تضاجعك في فراشك إذا كان عليها إزار محتجزة به دونك. 3386 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. وقد قيل: إنهم سألوا عن ذلك، لانهم كانوا في أيام حيضهن يجتنبون إتيانهن في مخرج الدم ويأتونهن في أدبارهن. فنهاهم الله عن أن يقربوهن في أيام حيضهن حتى يطهرن، ثم أذن لهم إذا تطهرن من حيضهن في إتيانهن من حيث أمرهم باعتزالهن، وحرم إتيانهن في أدبارهن بكل حال. ذكر من قال ذلك: 3387 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا خصيف، قال: ثني مجاهد، قال: كانوا يجتنبون النساء في المحيض، ويأتونهن في أدبارهن، فسألوا النبي (ص) عن ذلك، فأنزل الله: ويسألونك عن المحيض إلى: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله في الفرج ولا تعدوه. وقيل: إن السائل الذي سأل رسول الله (ص) عن ذلك كان ثابت بن الدحداح الانصاري. 3388 - حدثني بذلك موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي. القول في تأويل قوله تعالى: قل هو أذى. يعني تعالى ذكره بذلك: قل لمن سألك من أصحابك يا محمد عن المحيض هو أذى. والاذى: هو ما يؤذى به من مكروه فيه، وهو في هذا الموضع يسمى أذى لنتن ريحه وقذره ونجاسته، وهو جامع لمعان شتى من خلال الاذى غير واحدة. وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك على تقارب معاني بعض ما قالوا فيه من بعض، فقال بعضهم قوله: قل هو أذى قل هو قذر. ذكر من قال ذلك: 3389 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: قل هو أذى قال: أما أذى: فقذر.
[ 519 ]
3390 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: قل هو أذى قال: قل هو أذى، قال: قذر. وقال آخرون: قل هو دم. ذكر من قال ذلك: 3391 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى قال: الاذى: الدم. القول في تأويل قوله تعالى: فاعتزلوا النساء في المحيض. يعني تعالى ذكره بقوله: فاعتزلوا النساء في المحيض فاعتزلوا جماع النساء ونكاحهن في محيضهن. كما: 3392 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: فاعتزلوا النساء في المحيض يقول: اعتزلوا نكاح فروجهن. واختلف أهل العلم في الذي يجب على الرجل اعتزاله من الحائض، فقال بعضهم: الواجب على الرجل اعتزال جميع بدنها أن يباشره بشئ من بدنه. ذكر من قال ذلك: 3393 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا عوف، عن محمد، قال: قلت لعبيدة: ما يحل لي من امرأتي إذا كانت حائضا ؟ قال: اللحاف واحد، والفراش شتى. 3394 - حدثني تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: ثنا محمد، عن الزهري، عن عروة، عن ندبة، مولاة آل عباس قالت: بعثتني ميمونة ابنة الحرث، أو حفصة ابنة عمر، إلى امرأة عبد الله بن عباس، وكانت بينهما قرابة من قبل النساء، فوجدت فراشها معتزلا فراشه، فظننت أن ذلك عن الهجران، فسألتها عن اعتزال فراشه فراشها، فقالت: إني طامث، وإذا طمثت أعتزل فراشي. فرجعت فأخبرت بذلك ميمونة أو حفصة، فردتني إلى ابن عباس، تقول لك أمك: أرغبت عن سنة رسول الله (ص) فوالله لقد كان النبي (ص) ينام مع المرأة من نسائه، وإنها لحائض، وما بينه وبينها إلا ثوب ما يجاوز الركبتين.
[ 520 ]
3395 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب وابن عون، عن محمد، قال: قلت لعبيدة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قال: الفراش واحد، واللحاف شتى، فإن لم يجد إلا أن يرد عليها من ثوبه رد عليها منه. واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره أمر باعتزال النساء في حال حيضهن، ولم يخصص منهن شيئا دون شئ، وذلك عام على جميع أجسادهن واجب اعتزال كل شئ من أبدانهن في حيضهن. وقال آخرون: بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن موضع الاذى، وذلك موضع مخرج الدم. ذكر من قال ذلك: 3396 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: حدثني عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، قال: ثنا مروان الاصغر، عن مسروق بن الاجدع، قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا قالت: كل شئ إلا الجماع. 3397 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا عن عائشة أنها قالت: وأين كان ذو الفراشين وذو اللحافين ؟ 3398 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحرم على الرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت: فرجها. 3399 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن كتاب أبي قلابة: أن مسروقا ركب إلى عائشة، فقال: السلام على النبي وعلى أهل بيته فقالت عائشة: أبو عائشة مرحبا فأذنوا له، فدخل فقال: إني أريد أن أسألك عن شئ وأنا أستحيي فقالت: إنما أنا أمك وأنت ابني. فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قالت له: كل شئ إلا فرجها. 3400 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، عن ميمون بن مهران، عن عائشة قالت له: ما فوق الازار.
[ 521 ]
3401 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع: أن عائشة قالت في مضاجعة الحائض: لا بأس بذلك إذا كان عليها إزار. 3402 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي معشر قال: سألت عائشة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ فقالت: كل شئ إلا الفرج. 3403 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال: قال ابن عباس: إذا جعلت الحائض على فرجها ثوبا أو ما يكف الاذى، فلا بأس أن يباشر جلدها زوجها. 3404 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا يزيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه سئل: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قال: ما فوق الازار. 3405 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هاشم بن القاسم، قال: ثنا الحكم بن فضيل، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اتق من الدم مثل موضع النعل. 3406 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، عن أم سلمة، قالت في مضاجعة الحائض: لا بأس بذلك إذا كان على فرجها خرقة. 3407 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: للرجل من امرأته كل شئ ما خلا الفرج يعني وهي حائض قال: يبيتان في لحاف واحد، يعني الحائض إذا كان على الفرج ثوب. 3408 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن. قال: يبيتان في لحاف واحد يعني الحائض إذا كان على الفرج ثوب. 3409 - حدثنا تميم، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن ليث، قال: تذاكرنا عند مجاهد الرجل يلاعب امرأته وهي حائض، قال: اطعن بذكرك حيثما شئت فيما بين الفخذين والاليتين والسرة، ما لم يكن في الدبر أو الحيض. 3410 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، قال: يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ قال: إذا كفت الاذى. 3411 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثني عمران بن حدير، قال: سمعت عكرمة يقول: كل شئ من الحائض لك حلال غير مجرى الدم.
[ 522 ]
وعلة قائل هذه المقالة، قيام الحجة بالاخبار المتواترة عن رسول الله (ص) أنه كان يباشر نساءه وهن حيض، ولو كان الواجب اعتزال جميعهن لما فعل ذلك رسول الله (ص)، فلما صح ذلك عن رسول الله (ص)، علم أن مراد الله تعالى ذكره بقوله: فاعتزلوا النساء في المحيض هو اعتزال بعض جسدها دون بعض. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يكون ذلك هو الجماع المجمع على تحريمه على الزوج في قبلها دون ما كان فيه اختلاف من جماعها في سائر بدنها. وقال آخرون: بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن في حال حيضهن ما بين السرة إلى الركبة، وما فوق ذلك ودونه منها. ذكر من قال ذلك: 3412 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن شريح، قال له: ما فوق السرة. وذكر الحائض. 3413 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا يزيد، عن سعيد بن جبير، قال: سئل ابن عباس عن الحائض: ما لزوجها منها ؟ فقال: ما فوق الازار. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب وابن عون، عن محمد، قال: قال شريح: له ما فوق سرتها. 3414 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، قال: سئل سعيد بن المسيب: ما للرجل من الحائض ؟ قال: ما فوق الازار. وعلة من قال هذه المقالة صحة الخبر عن رسول الله (ص) بما: 3415 - حدثني به ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان الشيباني وحدثني أبو السائب، قال: حدثنا حفص، قال: ثنا الشيباني، قال: ثنا عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: سمعت ميمونة، تقول: كان رسول الله (ص) إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض أمرها فاتزرت. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن
[ 523 ]
الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة: أن النبي (ص) كان يباشرها وهي حائض فوق الازار. 3416 - حدثني سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الاسود، عن عائشة، قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها فاتزرت بإزار ثم يباشرها. * - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن الشيباني، عن عبد الرحمن بن الاسود، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي (ص) أن تأتزر ثم يباشرها. ونظائر ذلك من الاخبار التي يطول باستيعاب ذكر جميعها الكتاب قالوا: فما فعل النبي (ص) من ذلك فجائز، وهو مباشرة الحائض ما دون الازار وفوقه، وذلك دون الركبة وفوق السرة، وما عدا ذلك من جسد الحائض فواجب اعتزاله لعموم الآية. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه لما ذكرنا من العلة لهم. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تقربوهن حتى يطهرن. اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: حتى يطهرن بضم الهاء وتخفيفها، وقرأه آخرون بتشديد الهاء وفتحها. وأما الذين قرءوه بتخفيف الهاء وضمها فإنهم وجهوا معناه إلى: ولا تقربوا النساء في حال حيضهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويطهرن. وقال بهذا التأويل جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3417 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي ومؤمل، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ولا تقربوهن حتى يطهرن قال: انقطاع الدم.
[ 524 ]
3418 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان أو عثمان بن الاسود: ولا تقربوهن حتى يطهرن حتى ينقطع عنهن الدم. 3419 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله العتكي، عن عكرمة في قوله: ولا تقربوهن حتى يطهرن قال: حتى ينقطع الدم. وأما الذين قرءوا ذلك بتشديد الهاء وفتحها، فإنهم عنوا به: حتى يغتسلن بالماء وشددوا الطاء لانهم قالوا: معنى الكلمة: حتى يتطهرن أدغمت التاء في الطاء لتقارب مخرجيهما. وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: حتى يطهرن بتشديدها وفتحها، بمعنى: حتى يغتسلن، لاجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تطهر. وإنما اختلف في التطهر الذي عناه الله تعالى ذكره، فأحل له جماعها، فقال بعضهم: هو الاغتسال بالماء، ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تغسل جميع بدنها. وقال بعضهم: هو الوضوء للصلاة. وقال آخرون: بل هو غسل الفرج، فإذا غسلت فرجها فذلك تطهرها الذي يحل به لزوجها غشيانها. فإذا كان إجماع من الجميع أنها لا تحل لزوجها بانقطاع الدم حتى تطهر، كان بينا أن أولى القراءتين بالصواب أنفاهما للبس عن فهم سامعها، وذلك هو الذي اخترنا، إذ كان في قراءة قارئها بتخفيف الهاء وضمها ما لا يؤمن معه اللبس على سامعها من الخطإ في تأويلها، فيرى أن للزوج غشيانها بعد انقطاع دم حيضها عنها وقبل اغتسالها وتطهرها. فتأويل الآية إذا: ويسألونك عن المحيض، قل هو أذى، فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهن، ولا تقربوهن حتى يغتسلن فيتطهرن من حيضهن بعد انقطاعه. القول في تأويل قوله تعالى: فإذا تطهرن. يعني تعالى ذكره بقوله: فإذا تطهرن فأتوهن فإذا اغتسلن فتطهرن بالماء فجامعوهن. فإن قال قائل: أففرض جماعهن حينئذ ؟ قيل: لا. فإن قال: فما معنى قوله إذا: فأتوهن ؟ قيل: ذلك إباحة ما كان منع قبل ذلك من جماعهن وإطلاق لما كان حظر في
[ 525 ]
حال الحيض، وذلك كقوله: وإذا حللتم فاصطادوا وقوله: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وما أشبه ذلك. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله فإذا تطهرن فقال بعضهم: معنى ذلك: فإذا اغتسلن. ذكر من قال ذلك: 3420 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: فإذا تطهرن يقول: فإذا طهرت من الدم وتطهرت بالماء. 3421 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثني محمد بن مهدي ومؤمل، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإذا تطهرن فإذا اغتسلن. 3422 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله العتكي، عن عكرمة في قوله: فإذا تطهرن يقول: اغتسلن. 3423 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان أو عثمان بن الاسود: فإذا تطهرن إذا اغتسلن. 3424 - حدثنا عمران بن موسى، ثنا عبد الوارث، ثنا عامر، عن الحسن في الحائض ترى الطهر، قال: لا يغشاها زوجها حتى تغتسل وتحل لها الصلاة. 3425 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه كره أن يطأها حتى تغتسل يعني المرأة إذا طهرت. وقال آخرون: معنى ذلك فإذا تطهرن للصلاة. ذكر من قال ذلك: 3426 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا ليث، عن طاوس ومجاهد أنهما قالا: إذا طهرت المرأة من الدم فشاء زوجها أن يأمرها بالوضوء قبل أن تغتسل إذا أدركه الشبق فليصب. وأولى التأويلين بتأويل الآية قول من قال: معنى قوله: فإذا تطهرن فإذا اغتسلن لاجماع الجميع على أنها لا تصير بالوضوء بالماء طاهرا الطهر الذي يحل لها به الصلاة، وأن القول لا يخلو في ذلك من أحد أمرين: إما أن يكون معناه: فإذا تطهرن من النجاسة
[ 526 ]
فأتوهن. وإن كان ذلك معناه، فقد ينبغي أن يكون متى انقطع عنها الدم فجائز لزوجها جماعها إذا لم تكن هنالك نجاسة ظاهرة، هذا إن كان قوله: فإذا تطهرن جائزا استعماله في التطهر من النجاسة، ولا أعلمه جائزا إلا على استكراه الكلام أو يكون معناه: فإذا تطهرن للصلاة في إجماع الجميع من الحجة على أنه غير جائز لزوجها غشيانها بانقطاع دم حيضها، إذا لم يكن هنالك نجاسة دون التطهر بالماء إذا كانت واجدته أدل الدليل على أن معناه: فإذا تطهرن الطهر الذي يجزيهن به الصلاة. وفي إجماع الجميع من الامة على أن الصلاة لا تحل لها إلا بالاغتسال أوضح الدلالة على صحة ما قلنا من أن غشيانها حرام إلا بعد الاغتسال، وأن معنى قوله: فإذا تطهرن فإذا اغتسلن فصرن طواهر الطهر الذي يجزيهن به الصلاة. القول في تأويل قوله تعالى: فأتوهن من حيث أمركم الله. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله فقال بعضهم: معنى ذلك: فأتوا نساءكم إذا تطهرن من الوجه الذي نهيتكم عن إتيانهن منه في حال حيضهن، وذلك الفرج الذي أمر الله بترك جماعهن فيه في حال الحيض. ذكر من قال ذلك: 3427 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس في قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهن. 3428 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله يقول: في الفرج لا تعدوه إلى غيره، فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى. 3429 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة في قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: من حيث أمركم أن تعتزلوا. 3430 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير أنه قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس أتاه رجل فوقف على رأسه، فقال: يا أبا العباس أو يا أبا الفضل ألا تشفيني عن آية المحيض ؟ قال: بلى فقرأ: ويسألونك عن المحيض حتى بلغ آخر الآية، فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، ثم أمرت أن تأتي.
[ 527 ]
3431 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن عمرة، عن مجاهد، قال: دبر المرأة مثله من الرجل. ثم قرأ: ويسألونك عن المحيض إلى: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهن. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: أمروا أن يأتوهن من حيث نهوا عنه. * - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا خصيف، قال: ثني مجاهد: فأتوهن من حيث أمركم الله في الفرج، ولا تعدوه. * - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فأتوهن من حيث أمركم الله يقول: إذا تطهرن فأتوهن من حيث نهي عنه في المحيض. 3432 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان أو عثمان بن الاسود: فأتوهن من حيث أمركم الله باعتزالهن منه. 3433 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله أي من الوجه الذي يأتي منه المحيض طاهرا غير حائض، ولا تعدوا ذلك إلى غيره. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: طواهر من غير جماع ومن غير حيض من الوجه الذي يأتي المحيض ولا يتعدى إلى غيره. قال سعيد: ولا أعلمه إلا عن ابن عباس. 3434 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله من حيث نهيتم عنه في المحيض. وعن أبيه عن ليث، عن مجاهد في قوله: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله من حيث نهيتم عنه، واتقوا الادبار. 3435 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن يزيد بن الوليد، عن إبراهيم في قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: في الفرج.
[ 528 ]
وقال آخرون: معناه: فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله فيه أن تأتوهن منه، وذلك الوجه هو الطهر دون الحيض. فكان معنى قائل ذلك في الآية: فأتوهن من قبل طهرهن لا من قبل حيضهن. ذكر من قال ذلك: 3436 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فأتوهن من حيث أمركم الله يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض. 3437 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين في قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: من قبل الطهر. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي رزين بمثله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن أبي رزين: فأتوهن من حيث أمركم الله يقول: ائتوهن من عند الطهر. * - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا علي بن هاشم، عن الزبرقان، عن أبي رزين: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: من قبل الطهر، ولا تأتوهن من قبل الحيض. 3438 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله العتكي، عن عكرمة قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله يقول: إذا اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله يقول: طواهر غير حيض. 3439 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: يقول طواهر غير حيض. 3440 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: من حيث أمركم الله من الطهر.
[ 529 ]
3441 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: فأتوهن طهرا غير حيض. * - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: ائتوهن طاهرات غير حيض. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سلمة بن نبيط، عن الضحاك: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: طهرا غير حيض في القبل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فأتوا النساء من قبل النكاح لا من قبل الفجور. ذكر من قال ذلك: 3442 - حدثنا عمرو بن علي قال: ثنا وكيع، قال: ثنا إسماعيل الازرق، عن أبي عمر الاسدي، عن ابن الحنفية: فأتوهن من حيث أمركم الله قال: من قبل الحلال من قبل التزويج. وأولى الاقوال بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال: معنى ذلك: فأتوهن من قبل طهرهن وذلك أن كل أمر بمعنى فنهي عن خلافه وضده، وكذلك النهي عن الشئ أمر بضده وخلافه. فلو كان معنى قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله فأتوهن من قبل مخرج الدم الذي نهيتكم أن تأتوهن من قبله في حال حيضهن، لوجب أن يكون قوله: ولا تقربوهن حتى يطهرن تأويله: ولا تقربوهن في مخرج الدم دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها، فيكون مطلقا في حال حيضها إتيانهن في أدبارهن. وفي إجماع الجميع على أن الله تعالى ذكره لم يطلق في حال الحيض من إتيانهن في أدبارهن شيئا حرمه في حال الطهر ولا حرم من ذلك في حال الطهر شيئا أحله في حال الحيض، ما يعلم به فساد هذا القول. وبعد: فلو كان معنى ذلك على ما تأوله قائلو هذه المقالة لوجب أن يكون الكلام: فإذا تطهرن فأتوهن من حي ث أمركم الله، حتى يكون معنى الكلام حينئذ على التأويل الذي تأوله، ويكون ذلك أمرا بإتيانهن في فروجهن، لان الكلام المعروف إذا أريد ذلك أن يقال:
[ 530 ]
أتى فلان زوجته من قبل فرجها، ولا يقال: أتاها من فرجها إلا أن يكون أتاها من قبل فرجها في مكان غير الفرج. فإن قال لنا قائل: فإن ذلك وإن كان كذلك، فليس معنى الكلام: فأتوهن في فروجهن، وإنما معناه، فأتوهن من قبل قبلهن في فروجهن، كما يقال: أتيت هذا الامر من مأتاه. قيل له: إن كان ذلك كذلك، فلا شك أن مأتى الامر ووجهه غيره، وأن ذلك مطلبه. فإن كان ذلك على ما زعمتم، فقد يجب أن يكون معنى قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله غير الذي زعمتم أنه معناه بقولكم: ائتوهن من قبل مخرج الدم ومن حيث أمرتم باعتزالهن، ولكن الواجب أن يكون تأويله على ذلك: فأتوهن من قبل وجوههن في أقبالهن، كما كان قول القائل ائت الامر من مأتاه إنما معناه: اطلبه من مطلبه، ومطلب الامر غير الامر المطلوب، فكذلك يجب أن مأتى الفرج الذي أمر الله في قولهم بإتيانه غير الفرج. وإذا كان كذلك وكان معنى الكلام عندهم: فأتوهن من قبل وجوههن في فروجهن، وجب أن يكون على قولهم محرما إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن، وذلك إن قالوه خرج من قاله من قيل أهل الاسلام، وخالف نص كتاب الله تعالى ذكره وقول رسول الله (ص) وذلك أن الله يقول: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وأذن رسول الله (ص) في إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن. فقد تبين إذا إذ كان الامر على ما وصفنا فساد تأويل من قال ذلك: فأتوهن في فروجهن حيث نهيتكم عن إتيانهن في حال حيضهن، وصحة القول الذي قلناه، وهو أن معناه: فأتوهن في فروجهن من الوجه الذي أذن الله لكم بإتيانهن، القول في تأويل قوله تعالى: إن وذلك حال طهرهن وتطهرهن دون حال حيضهن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. يعني تعالى ذكره بقوله: إن الله يحب التوابين المنيبين من الادبار عن الله وعن طاعته إليه وإلى طاعته وقد بينا معنى التوبة قبل. واختلف في معنى قوله: ويحب المتطهرين فقال بعضهم: هم المتطهرون بالماء. ذكر من قال ذلك:
[ 531 ]
3443 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا طلحة، عن عطاء قوله: إن الله يحب التوابين قال: التوابين من الذنوب، ويحب المتطهرين قال: المتطهرين بالماء للصلاة. * - حدثني أحمد بن حازم قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا طلحة، عن عطاء، مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء: إن الله يحب التوابين من الذنوب لم يصيبوها ويحب المتطهرين بالماء للصلاة. وقال آخرون: معنى ذلك إن الله يحب التوابين من الذنوب، ويحب المتطهرين من أدبار النساء أن يأتوها. ذكر من قال ذلك: 3444 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إبراهيم بن نافع، قال: سمعت سليمان مولى أم علي، قال: سمعت مجاهدا يقول: من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين. وقال آخرون: معنى ذلك: ويحب المتطهرين من الذنوب أن يعودوا فيها بعد التوبة منها. ذكر من قال ذلك: 3445 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: يحب التوابين من الذنوب لم يصيبوها، ويحب المتطهرين من الذنوب: لا يعودون فيها. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: إن الله يحب التوابين من الذنوب، ويحب المتطهرين بالماء للصلاة لان ذلك هو الاغلب من ظاهر معانيه. وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر أمر المحيض، فنهاهم عن أمور كانوا يفعلونها في جاهليتهم، من تركهم مساكنة الحائض ومؤاكلتها ومشاربتها، وأشياء غير ذلك مما كان تعالى ذكره يكرهها من عباده. فلما استفتى أصحاب رسول الله (ص) عن ذلك أوحى الله تعالى إليه في ذلك، فبين لهم ما يكرهه مما يرضاه ويحبه، وأخبرهم أنه يحب من خلقه من أناب إلى رضاه ومحبته، تائبا مما يكرهه. وكان مما بين لهم من ذلك أنه قد حرم عليهم إتيان نسائهم وإن طهرن من حيضهن حتى يغتسلن، ثم قال: ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن فإن الله يحب المتطهرين، يعني بذلك المتطهرين من الجنابة والاحداث للصلاة، والمتطهرات بالماء من الحيض والنفاس والجنابة والاحداث من النساء. وإنما قال: ويحب المتطهرين،
[ 532 ]
ولم يقل المتطهرات، وإنما جرى قبل ذلك ذكر التطهر للنساء لان ذلك بذكر المتطهرين يجمع الرجال والنساء، ولو ذكر ذلك بذكر المتطهرات لم يكن للرجال في ذلك حظ، وكان للنساء خاصة، فذكر الله تعالى ذكره بالذكر العام جميع عباده المكلفين، إذ كان قد تعبد جميعهم بالتطهر بالماء، وإن اختلفت الاسباب التي توجب التطهر عليهم بالماء في بعض المعاني واتفقت في بعض. القول في تأويل قوله تعالى: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لانفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين) * يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم مزدرع أولادكم، فأتوا مزدرعكم كيف شئتم، وأين شئتم. وإنما عنى بالحرث وهو الزرع المحتدث والمزدرع، ولكنهن لما كن من أسباب الحرث جعلن حرثا، إذ كان مفهوما معنى الكلام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3446 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا ابن المبارك، عن يونس، عن عكرمة، عن ابن عباس: فأتوا حرثكم قال: منبت الولد. 3447 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: نساؤكم حرث لكم أما الحرث فهي مزرعة يحرث فيها. القول في تأويل قوله تعالى: فأتوا حرثكم أنى شئتم. يعني تعالى ذكره بذلك: فانكحوا مزدرع أولادكم من حيث شئتم من وجوه المأتى. والاتيان في هذا الموضع كناية عن اسم الجماع. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: أنى شئتم فقال بعضهم: معنى أنى: كيف. ذكر من قال ذلك: 3448 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: يأتيها كيف شاء ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض.
[ 533 ]
* - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: ائتها أنى شئت مقبلة ومدبرة، ما لم تأتها في الدبر والمحيض. 3449 - حدثنا علي بن داود قال: ثنا أبو صالح. قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم يعني بالحرث: الفرج، يقول: تأتيه كيف شئت مستقبلة ومستدبرة وعلى أي ذلك أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره، وهو قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله. 3450 - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن عبد الكريم، عن عكرمة: فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: يأتيها كيف شاء ما لم يعمل عمل قوم لوط. 3451 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد: فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: يأتيها كيف شاء، واتق الدبر والحيض. 3452 - حدثني عبيد اللبن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، قال: ثني يزيد أن ابن كعب كان يقول: إنما قوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول: ائتها مضطجعة وقائمة ومنحرفة ومقبلة ومدبرة كيف شئت إذا كان في قبلها. 3453 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن مرة الهمداني، قال: سمعته يحدث أن رجلا من اليهود لقي رجلا من المسلمين، فقال له: أيأتي أحدكم أهله باركا ؟ قال: نعم. قال: فذكر ذلك لرسول الله (ص)، قال: فنزلت هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول: كيف شاء بعد أن يكون في الفرج. 3454 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شئت قائما أو قاعدا أو على جنب إذا كان يأتيها من الوجه الذي يأتي منه المحيض، ولا يتعدى ذلك إلى غيره. 3455 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فأتوا حرثكم أنى شئتم ائت حرثك كيف شئت من قبلها، ولا تأتيها في دبرها. أنى شئتم قال: كيف شئتم.
[ 534 ]
3456 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحرث، عن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن علي حدثه: أنه بلغه أن ناسا من أصحاب رسول الله (ص) جلسوا يوما ورجل من اليهود قريب منهم، فجعل بعضهم يقول: إني لآتي امرأتي وهي مضطجعة، ويقول الآخر: إني لآتيها وهي قائمة، ويقول الآخر: إني لآتيها على جنبها وباركة فقال اليهودي: ما أنتم إلا أمثال البهائم، ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة. فأنزل الله تعالى ذكره: نساؤكم حرث لكم فهو القبل. وقال آخرون: معنى: أنى شئتم من حيث شئتم، وأي وجه أحببتم. ذكر من قال ذلك: 3457 - حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: ثنا ابن أبي فديك، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الاشهل، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبرها ويقول: إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض. وينهى عن إتيان المرأة في دبرها ويقول: إنما نزلت هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول: من أي وجه شئتم. 3458 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن واضح، قال: ثنا العتكي، عن عكرمة: فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: ظهرها لبطنها غير معاجزة، يعني الدبر. 3459 - حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن يزيد، عن الحرث بن كعب، عن محمد بن كعب، قال: إن ابن عباس كان يقول: اسق نباتك من حيث نباته. 3460 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول: من أين شئتم. ذكر لنا والله أعلم أن اليهود قالوا: إن العرب يأتون النساء من قبل أعجازها، فإذا فعلوا ذلك جاء الولد أحول فأكذب الله أحدوثتهم، فقال: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. 3461 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: يقول: ائتوا النساء في (غير) أدبارهن على كل نحو. قال ابن جريج:
[ 535 ]
سمعت عطاء بن أبي رباح قال: تذاكرنا هذا عند ابن عباس، فقال ابن عباس: ائتوهن من حيث شئتم مقبلة ومدبرة فقال رجل: كان هذا حلال. فأنكر عطاء أن يكون هذا هكذا، وأنكره، كأنه إنما يريد الفرج مقبلة ومدبرة في الفرج. وقال آخرون: معنى قوله: أنى شئتم متى شئتم. ذكر من قال ذلك: 3462 - حدثت عن حسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول: متى شئتم. 3463 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، وهو عمار الدهني، عن سعيد بن جبير أنه قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس، أتاه رجل فوقف على رأسه، فقال: يا أبا العباس أو يا أبا الفضل ألا تشفيني من آية المحيض ؟ فقال: بلى فقرأ: ويسألونك عن المحيض حتى بلغ آخر الآية، فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم من ثم أمرت أن تأتي، فقال له الرجل: يا أبا الفضل كيف بالآية التي تتبعها: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ؟ فقال: إي ويحك وفي الدبر من حرث ؟ لو كان ما تقول حقا لكان المحيض منسوخا إذا اشتغل من ههنا جئت من ههنا ولكن أنى شئتم من الليل والنهار. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أين شئتم، وحيث شئتم. ذكر من قال ذلك: 3464 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا ابن عون، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلم. قال: فقرأت ذات يوم هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال: أتدري فيمن نزلت هذه الآية ؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. * - حدثني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، صاحب الكرابيسي، عن ابن عون، عن نافع، قال: كنت أمسك على ابن عمر المصحف، إذ تلا هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال: أن يأتيها في دبرها. 3465 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا عبد الملك بن
[ 536 ]
مسلمة، قال: ثنا الدراوردي، قال: قيل لزيد بن أسلم: إن محمد بن المنكدر ينهى عن إتيان النساء في أدبارهن فقال زيد: أشهد على محمد لاخبرني أنه يفعله. 3466 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر، قال: ثني عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك بن أنس، أنه قيل له: يا أبا عبد الله إن الناس يروون عن سالم: كذب العبد أو العلج على أبي، فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له: إن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر، فقال له: يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري، فنحمض لهن ؟ فقال: وما التحميض ؟ قال: الدبر فقال ابن عمر: أف أف، يفعل ذلك مؤمن ؟ أو قال مسلم. فقال مالك: أشهد على ربيعة لاخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع. 3467 - حدثني محمد بن إسحاق، قال: أخبرنا عمرو بن طارق، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن موسى بن أيوب الغافقي، قال: قلت لابي ماجد الزيادي: إن نافعا يحدث عن ابن عمر: في دبر المرأة فقال: كذب نافع، صحبت ابن عمر ونافع مملوك، فسمعته يقول: ما نظرت إلى فرج امرأتي منذ كذا وكذا. 3468 - حدثني أبو قلابة قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثني أبي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: في الدبر. 3469 - حدثني أبو مسلم، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال ثنا روح بن القاسم، عن قتادة قال: سئل أبو الدرداء عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: هل يفعل ذلك إلا كافر قال: روح: فشهدت ابن أبي مليكة يسئل عن ذلك، فقال: قد أردته من جارية لي البارحة فاعتاص علي، فاستعنت بدهن أو بشحم. قال: فقلت له: سبحان الله أخبرنا قتادة أن أبا الدرداء قال: هل يفعل ذلك إلا كافر فقال: لعنك الله ولعن قتادة فقلت: لا أحدث عنك شيئا أبدا، ثم ندمت بعد ذلك. واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم بما: 3470 - حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي
[ 537 ]
أويس الاعشى، عن سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أن رجلا أتى امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك، فأنزل الله: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. 3471 - حدثني يونس، قال: أخبرني ابن نافع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن رجلا أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول الله (ص)، فأنكر الناس ذلك وقالوا: أثفرها فأنزل الله تعالى ذكره: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. وقال آخرون: معنى ذلك: ائتوا حرثكم كيف شئتم، إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا. ذكر من قال ذلك: 3472 - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن ليث، عن عيسى بن سنان، عن سعيد بن المسيب: فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا. 3473 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن يونس، عن أبي إسحاق، عن زائدة بن عمير، عن ابن عباس قال: إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل. وأما الذين قالوا: معنى قوله: أنى شئتم كيف شئتم مقبلة ومدبرة في الفرج والقبل فإنهم قالوا: إن الآية إنما نزلت في استنكار قوم من اليهود استنكروا إتيان النساء في أقبالهن من قبل أدبارهن. قالوا: وفي ذلك دليل على صحة ما قلنا من أن معنى ذلك على ما قلنا. واعتلوا لقيلهم ذلك بما: 3474 - حدثني به أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها، حتى انتهى إلى هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش، كانوا يشرحون النساء بمكة، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات. فلما قدموا المدينة تزوجوا في
[ 538 ]
الانصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شئ لم نكن نؤتى عليه فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله (ص)، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شئت فمقبلة وإن شئت فمدبرة وإن شئت فباركة وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث، يقول: ائت الحرث من حيث شئت. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق بإسناده نحوه. 3475 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابرا يقول: إن اليهود كانوا يقولون: إذا جامالرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول، فأنزل الله تعالى ذكره: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. * - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قالت اليهود: إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها وكان بينهما ولد كان أحول، فأنزل الله تعالى ذكره: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. 3476 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الله بن عثمان بن جشم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أم سلمة زوج النبي (ص)، قالت: تزوج رجل امرأة، فأراد أن يجبيها، فأبت عليه وقالت: حتى أسأل رسول الله (ص). قالت أم سلمة: فذكرت ذلك لي. فذكرت أم سلمة ذلك لرسول الله (ص)، فقال: أرسلي إليها فلما جاءت قرأ عليها رسول الله (ص): نساؤكم
[ 539 ]
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا، صماما واحدا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان بن عبد الله بن عثمان، عن ابن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أم سلمة، قالت: قدم المهاجرون فتزوجوا في الانصار، وكانوا يجبون، وكانت الانصار لا تفعل ذلك، فقالت امرأة لزوجها: حتى آتي النبي (ص) فأسأله عن ذلك. فأتت النبي (ص)، فاستحيت أن تسأله، فسألت أنا. فدعاها رسول الله (ص)، فقرأ عليها: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا صماما واحدا. * - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي (ص) بنحوه. * - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان الثوري، عن عبد لله بن عثمان بن جشم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي (ص): نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: صماما واحدا، صماما واحدا. * - حدثني محمد بن معمر البحراني، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثني وهيب، قال: ثني عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط قال: قلت لحفصة: إني أريد أن أسألك عن شئ وأنا أستحيي منك أن أسألك. قالت: سل يا بني عما بدا لك قال: قلت: أسألك عن غشيان النساء في أدبارهن ؟ قالت: حدثتني أم سلمة، قالت: كانت الانصار لا تجبي، وكان المهاجرون يجبون، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الانصار. ثم ذكر نحو حديث أبي كريب، عن معاوية بن هشام. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن ابن المنكدر:
[ 540 ]
قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: إن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته باركة جاء الولد أحول، فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. 3477 - حدثني محمد بن أحمد بن عبد الله الطوسي، قال: ثنا الحسن بن موسى، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جاء عمر إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله هلكت قال: وما الذي أهلكك ؟ قال حولت رحلي الليلة. قال: فلم يرد عليه شيئا، قال: فأوحى الله إلى رسول الله (ص) هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة. 3478 - حدثنا زكريا بن يحيى المصري، قال: ثنا أبو صالح الحراني، قال: ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن عامر بن يحيى أخبره عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس: أن ناسا من حمير أتوا إلى رسول الله (ص) يسألونه عن أشياء، فقال رجل منهم: يا رسول الله إني رجل أحب النساء، فكيف ترى في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى ذكره في سورة البقرة بيان ما سألوا عنه، وأنزل فيما سأل عنه الرجل: نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال والصواب من رسول الله (ص): ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج القول في ذلك عندنا قول من قال: معنى قوله أنى شئتم من أي وجه شئتم، وذلك أن أنى في كلام العرب كلمة تدل إذا ابتدئ بها في الكلام على المسألة عن الوجوه والمذاهب، فكأن القائل إذا قال لرجل: أنى لك هذا المال ؟ يريد من أي الوجوه لك، ولذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول: من كذا وكذا، كما قال تعالى ذكره مخبرا عن زكريا في مسألته مريم: أنى لك هذا قالت هو من عند الله وهي مقاربة أين وكيف في المعنى، ولذلك تداخلت معانيها، فأشكلت أنى على سامعها ومتأولها حتى تأولها بعضهم بمعنى أين، وبعضهم بمعنى كيف، وآخرون بمعنى متى، وهي مخالفة جميع ذلك في معناها وهن لها مخالفات. وذلك أن أين إنما هي حرف استفهام عن الاماكن
[ 541 ]
والمحال، وإنما يستدل على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الاجوبة عنها. ألا ترى أن سائلا لو سأل آخر فقال: أين مالك ؟ لقال بمكان كذا، ولو قال له: أين أخوك ؟ لكان الجواب أن يقول: ببلدة كذا، أو بموضع كذا، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله، فيعلم أن أين مسألة عن المحل. ولو قال قائل لآخر: كيف أنت ؟ لقال: صالح أو بخير أو في عافية، وأخبره عن حاله التي هو فيها، فيعلم حينئذ أن كيف مسألة عن حال المسؤول عن حاله. ولو قال له: أنى يحيي الله هذا الميت ؟ لكان الجواب أن يقال: من وجه كذا ووجه كذا، فيصف قولا نظير ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال: أنى يحيى هذه الله بعد موتها فعلا حين بعثه من بعد مماته. وقد فرقت الشعراء بين ذلك في أشعارها، فقال الكميت بن زيد: تذكر من أنى ومن أين شربه يوءامر نفسيه كذي الهجمة الابل وقال أيضا: أنى ومن أين نابك الطرب من حيث لا صبوة ولاريب فيجاء ب أنى للمسألة عن الوجه وب أين للمسألة عن المكان، فكأنه قال: من أي وجه ومن أي موضع راجعك الطرب. والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره: فأتوا حرثكم أنى شئتم كيف شئتم، أو تأوله بمعنى حيث شئتم، أو بمعنى متى شئتم، أو بمعنى أين شئتم أن قائلا لو قال لآخر: أنى تأتي أهلك ؟ لكان الجواب أن يقول: من قبلها أو من دبرها، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت: أنى لك هذا أنها قالت: هو من عند الله. وإذ
[ 542 ]
كان ذلك هو الجواب، فمعلوم أن معنى قول الله تعالى ذكره: فأتوا حرثكم أنى شئتم إنما هو: فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتي، وأن ما عدا ذلك من التأويلات فليس للآية بتأويل. وإذ كان ذلك هو الصحيح، فبين خطأ قول من زعم أن قوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم دليل على إباحة إتيان النساء في الادبار، لان الدبر لا يحترث فيه، وإنما قال تعالى ذكره: حرث لكم فأتوا الحرث من أي وجوهه شئتم، وأي محترث في الدبر فيقال ائته من وجهه. وتبين بما بينا صحة معنى ما روي عن جابر وابن عباس من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين إذا أتى الرجل المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول. القول في تأويل قوله تعالى: وقدموا لانفسكم. اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: قدموا لانفسكم الخير. ذكر من قال ذلك: 3479 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، أما قوله: وقدموا لانفسكم فالخير. وقال آخرون: بل معنى ذلك وقدموا لانفسكم ذكر الله عند الجماع وإتيان الحرث قبل إتيانه ذكر من قال ذلك: 3480 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد، عن عطاء، قال: أراه عن ابن عباس: وقدموا لانفسكم قال: التسمية عند الجماع يقول بسم الله. والذي هو أولى بتأويل الآية، ما روينا عن السدي، وهوأن قوله: وقدموا لانفسكم أمر من الله تعالى ذكره عباده بتقديم الخير، والصالح من الاعمال ليوم معادهم إلى ربهم، عدة منهم ذلك لانفسهم عند لقائه في موقف الحساب، فإنه قال تعالى ذكره: وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية، لان الله تعالى ذكره عقب قوله: وقدموا لانفسكم بالامر باتقائه في ركوب معاصيه، فكان الذي هو أولى بأن يكون الذي قبل التهديد على المعصية عاما الامر بالطاعة عاما. فإن قال لنا قائل: وما وجه الامر بالطاعة بقوله: وقدموا لانفسكم من قوله:
[ 543 ]
نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ؟ قيل: إن ذلك لم يقصد به ما توهمته، وإنما عنى به وقدموا لانفسكم من الخيرات التي ندبناكم إليها بقولنا: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين وما بعده من سائر ما سألوا رسول الله (ص)، فأجيبوا عنه مما ذكره الله تعالى ذكره في هذه الآيات، ثم قال تعالى ذكره: قد بينا لكم ما فيه رشدكم وهدايتكم إلى ما يرضي ربكم عنكم، فقدموا لانفسكم الخير الذي أمركم به، واتخذوا عنده به عهدا لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم، واتقوه في معاصيه أن تقربوها وفي حدوده أن تضيعوها، واعلموا أنكم لا محالة ملاقوه في معادكم، فمجاز المحسن منكم بإحسانه والمسئ بإساءته. القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين. وهذا تحذير من الله تعالى ذكره عباده أن يأتوا شيئا مما نهاهم عنه من معاصيه، وتخويف لهم عقابه عند لقائه، كما قد بينا قبل، وأمر لنبيه محمد (ص) أن يبشر من عباده بالفوز يوم القيامة، وبكرامة الآخرة، وبالخلود في الجنة من كان منهم محسنا مؤمنا بكتبه ورسله وبلقائه، مصدقا إيمانه قولا بعمله ما أمره به ربه، وافترض عليه من فرائضه فيما ألزمه من حقوقه، وبتجنبه ما أمره بتجنبه من معاصيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) * اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم فقال بعضهم: معناه: ولا تجعلوه علة لايمانكم، وذلك إذا سئل أحدكم الشئ من الخير والاصلاح بين الناس، قال: علي يمين بالله ألا أفعل ذلك، أو قد حلفت بالله أن لا أفعله. فيعتل في تركه فعل الخير والاصلاح بين الناس بالحلف بالله. ذكر من قال ذلك: 3481 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم قال: هو الرجل يحلف على الامر الذي لا يصلح، ثم يعتل بيمينه يقول الله: أن تبروا وتتقوا هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح، وإن حلفت كفرت عن يمينك وفعلت الذي هو خير لك. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر
[ 544 ]
عن ابن طاوس، عن أبيه مثله، إلا أنه قال: وإن حلفت فكفر عن يمينك، وافعل الذي هو خير. 3482 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا عبيد الله عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس قال: هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدق، أو يكون بينه وبين إنسان مغاضبة، فيحلف لا يصلح بينهما ويقول: قد حلفت، قال: يكفر عن يمينه، ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم. 3483 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا يقول: لا تعتلوا بالله أن يقول أحدكم: إنه تألى أن لا يصل رحما، ولا يسعى في صلاح، ولا يتصدق من ماله، مهلا مهلا بارك الله فيكم فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان، فلا تطيعوه، ولا تنفذوا له أمرا في شئ من نذوركم ولا أيمانكم. 3484 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم قال: هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبر، فإذا قيل له قال: قد حلفت. 3485 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس قال: الانسان يحلف أن لا يصنع الخير الامر الحسن يقول حلفت، قال الله: افعل الذي هو خير، وكفر عن يمينك، ولا تجعل الله عرضة. 3486 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم... الآية، هو الرجل يحرم ما أحل الله له على نفسه، فيقول: قد حلفت فلا يصلح إلا أن أبر يميني. فأمرهم الله أن يكفروا أيمانهم، ويأتوا الحلال. 3487 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس أما عرضة: فيعرض بينك
[ 545 ]
وبين الرجل الامر، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله، وأما تبروا: فالرجل يحلف لا يبر ذا رحمه، فيقول: قد حلفت. فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه، وليبره ولا يبالي بيمينه، وأما تصلحوا: فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه، فيحلف أن لا يصلح بينهما، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه، وهذا قبل أن تنزل الكفارات. 3488 - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم قال: يحلف أن لا يتقي الله ولا يصل رحمه ولا يصلح بين اثنين، فلا يمنعه يمينه. وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم، فتجعلوا ذلك حجة لانفسكم في ترك فعل الخير. ذكر من قال ذلك: 3489 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم يقول: لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير. 3490 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس كان الرجل يحلف على الشئ من البر والتقوى لا يفعله. فنهى الله عز وجل عن ذلك، فقال: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا. 3491 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكمقال: هو الرجل يحلف أن لا يبر قرابته ولا يصل رحمه ولا يصلح بين اثنين. يقول: فليفعل وليكفر عن يمينه. 3492 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن إبراهيم النخعي في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس قال: لا تحلف أن لا تتقي الله، ولا تحلف أن لا تبر ولا تعمل خيرا، ولا تحلف أن لا تصل، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس، ولا تحلف أن تقتل وتقطع. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن داود، عن سعيد بن جبير ومغيرة عن إبراهيم في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة الآية، قالا: هو
[ 546 ]
الرجل يحلف أن يبر ولا يتقي ولا يصلح بين الناس، وأمر أن يتقي الله، ويصلح بين الناس، ويكفر عن يمينه. 3493 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم فأمروا بالصلة والمعروف والاصلاح بين الناس، فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله وليدع يمينه. 3494 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم الآية، قال ذلك في الرجل يحلف أن لا يبر ولا يصل رحمه ولا يصلح بين الناس، فأمره الله أن يدع يمينه ويصل رحمه ويأمر بالمعروف ويصلح بين الناس. 3495 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا محمد بن حرب، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الاسود، عن عروة، عن عائشة في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس قالت: لا تحلفوا بالله وإن بررتم. 3496 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثت أن قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم الآية، نزلت في أبي بكر في شأن مسطح. * - حدثنا هناد، قال: ثنا ابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم الآية، قال: يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يصل رحمه. 3497 - حدثني المثنى، ثنا سويد، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم قال: يحلف أن لا يتقي الله، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين، فلا ينفعه يمينه: حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد، عن مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم قال: هو
[ 547 ]
أن يحلف الرجل أن لا يصنع وأولى خيرا ولا يصل رحمه ولا يصلح بين الناس، نهاهم الله عن ذلك التأويلين بالآية تأويل من قال: معنى ذلك تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبين الله وبين الناس. وذلك أن العرضة في كلام العرب: القوة والشدة، يقال منه: هذا الامر عرضة له، يعني بذلك: قوة لك على أسبابك، ويقال: فلانة عرضة للنكاح: أي قوة، ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق: من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الاعلام مجهول يعني ب عرضتها: قوتها وشدتها. فمعنى قوله تعالى ذكره: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم إذا: لا تجعلوا الله قوة لايمانكم في أن لا تبروا، ولا تتقوا، ولا تصلحوا بين الناس، ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البر والاصلاح بين الناس فليحنث في يمينه، وليبر، وليتق الله، وليصلح بين الناس، وليكفر عن يمينه. وترك ذكر لا من الكلام لدلالة الكلام عليها واكتفاء بما ذكر عما ترك، كما قال امرؤ القيس: فقلت يمين الله أبرح قاعداولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي بمعنى: فقلت: يمين الله لا أبرح. فحذف لا اكتفاء بدلالة الكلام عليها. وأما قوله: أن تبروا فإنه اختلف في تأويل البر الذي عناه الله تعالى ذكره، فقال
[ 548 ]
بعضهم: هو فعل الخير كله. وقال آخرون: هو البر بذي رحمه، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى. وأولى ذلك بالصواب قول من قال: عنى به فعل الخير كله، وذلك أن أفعال الخير كلها من البر. ولم يخصص الله في قوله أن تبروا معنى دون معنى من معاني البر، فهو على عمومه، والبر بذوي القرابة أحد معاني البر. وأما قوله: وتتقوا فإن معناه: أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في فرائضه وحدوده أن تضيعوها أو تتعدوها، وقد ذكرنا تأويل من تأول ذلك أنه بمعنى التقوى قبل. وقال آخرون في تأويله بما: 3498 - حدثني به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: أن تبروا وتتقوا قال: كان الرجل يحلف على الشئ من البر والتقوى لا يفعله، فنهى الله عز وجل عن ذلك، فقال: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس الآية، قال: ويقال: لا يتق بعضكم بعضا بي، تحلفون بي وأنتم كاذبون ليصدقكم الناس وتصلحون بينهم، فذلك قوله: أن تبروا وتتقوا... الآية. وأما قوله: وتصلحوا بين الناس فهو الاصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مأثم فيه، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه. وأما الذي ذكرنا عن السدي من أن هذه الآية نزلت قبل نزول كفارات الايمان، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة، والخبر عما كان لا تدرك صحته إلا بخبر صادق، وإلا كان دعوى لا يتعذر مثلها وخلافها على أحد. وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الايمان في سورة المائدة، واكتفي بذكرها هناك عن إعادتها ههنا، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجب من الكفارات في الايمان التي يحنث فيها الحالف. القول في تأويل قوله تعالى: والله سميع عليم. يعني تعالى ذكره بذلك: والله سميع لما يقوله الحالف منكم بالله إذا حلف، فقال: والله لا أبر، ولا أتقي، ولا أصلح بين الناس، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم، عليم بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك، الخير تريدون أم غيره، لاني علام الغيوب وما تضمره الصدور، لا تخفى علي خافية، ولا ينكتم عني أمر علن، فظهر أو خفي فبطن، وهذا من الله
[ 549 ]
تعالى ذكره تهدد ووعيد. يقول تعالى ذكره: واتقون أيها الناس أن تظهروا بألسنتكم من القول، أو بأبدانكم من الفعل، ما نهيتكم عنه، أو تضمروا في أنفسكم، وتعزموا بقلوبكم من الارادات والنيات بفعل ما زجرتكم عنه، فتستحقوا بذلك مني العقوبة التي قد عرفتكموها، فإني مطلع على جميع ما تعلنونه أو تسرونه. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم) * اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم وفي معنى اللغو. فقال بعضهم في معناه: يؤاخذكم الله بما سبقتكم به ألسنتكم من الايمان على عجلة وسرعة، فيوجب عليكم بكفارة إذا لم تقصدوا الحلف واليمين، وذلك كقول القائل: فعل هذا والله، أو أفعله والله، أو لا أفعله والله، على سبوق المتكلم بذلك لسانه بما وصل به كلامه من اليمين. ذكر من قال ذلك: 3499 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة عن ابن عباس: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هي بلى والله، ولا والله. 3500 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن القاسم، عن عائشة في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت: لا والله، وبلى والله. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة نحوه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألت عائشة علغو اليمين، قالت: هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس. * - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قول الله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت: لا والله، وبلى والله.
[ 550 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت: لا والله، وبلى الله، يصل بها كلامه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عبد الملك، عن عطاء قال: دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت: هو لا والله، وبلى والله، ليس مما عقدتم الايمان. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا ابن أبي ليلى، عن عطاء، قال: أتيت عائشة مع عبيد بن عمير، فسألها عبيد عن قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فقالت عائشة: هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله، ما لم يعقد عليه قلبه. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: انطلقت مع عبيد بن عمير إلى عائشة وهي مجاورة في ثبير، فسألها عبيد عن لغو اليمين، فقالت: لا والله، وبلى والله. 3501 - حدثنا محمد بن موسى الحرسي، قال: ثنا حسان بن إبراهيم الكرماني، قال: ثنا إبراهيم الصائغ، عن عطاء في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: قالت عائشة: قال رسول الله (ص): هو قول الرجل في بيته كلا والله وبلى والله. 3502 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت: هم القوم يتدارؤن في الامر، فيقول هذا: لا والله، وبلى والله، وكلا والله، يتدارؤن في الامر لا تعقد عليه قلوبهم. 3503 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: قول الرجل: لا والله، وبلى والله، يصل به كلامه ليس فيه كفارة. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا المغيرة، عن الشعبي، قال: هو الرجل يقول: لا والله، وبلى والله، يصل حديثه.
[ 551 ]
* - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا ابن عون، قال: سألت عامرا عن قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو لا والله، وبلى والله. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي جميعا، عن ابن عون، عن الشعبي مثله. 3504 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، قال: قال أبو قلابة في لا والله وبلى والله: أرجو أن يكون لغة. وقال يعقوب في حديثه: أرجو أن يكون لغوا. وقال ابن وكيع في حديثه: أرجو أن يكون لغة، ولم يشك. 3505 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع وهناد، قالوا: ثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: لا والله، وبلى والله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مالك، عن عطاء، قال: سمعت عائشة تقول في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت: لا والله، وبلى والله. * - حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن عطاء، مثله. 3506 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم الاحول، عن عكرمة في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو قول الناس: لا والله وبلى والله. 3507 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الشعبي وعكرمة قالا: لا والله، وبلى والله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة عن عمرو، عن عطاء، قال: دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة، فسألها، فقالت: لا والله، وبلى والله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن ابن أبي ليلى وأشعث، عن عطاء، عن عائشة: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت: لا والله، وبلى والله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي وجرير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: لا والله، وبلى والله. * - حدثنا ابن وكيع وهناد، قالا: ثنا يعلى، عن عبد الملك، عن عطاء، قال: قالت
[ 552 ]
عائشة في قول الله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت: هو قولك: لا والله، وبلى والله، ليس لها عقد الايمان. * - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن مغيرة، عن الشعبي قال: اللغو: قول الرجل: لا والله، وبلى والله، يصل به كلامه ما لم يك شيئا يعقد عليه قلبه. * - حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو أن سعيد بن أبي هلال حدثه أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول: سمعت عائشة تقول: لغو اليمين قول الرجل: لا والله، وبلى والله فيما لم يعقد عليه قلبه. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عمرو: وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي، عن عطاء، عن عائشة، بذلك. 3508 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: الرجلان يتبايعان، فيقول أحدهما: والله لا أبيعك بكذا وكذا، ويقول الآخر: والله لا أشتريه بكذا وكذا فهذا اللغو لا يؤاخذ به وقال آخرون: بل اللغو في اليمين: اليمين التي يحلف بها الحالف وهو يرى أنه كما يحلف عليه ثم تبين غيرذلك وأنه بخلاف الذي حلف عليه. ذكر من قال ذلك: 3509 - حدثني يونس بن عبد الاعلى قال: أخبرني ابن نافع، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، عن أبي هريرة أنه كان يقول: لغو اليمين: حلف الانسان على الشئ يظن أنه الذي حلف عليه، فإذا هو غير ذلك. 3510 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم واللغو: أن يحلف الرجل على الشئ يراه حقا وليس بحق. 3511 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح: قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم هذا في الرجل يحلف على أمر إضرار أن يفعله فلا يفعله، فيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير. ومن اللغو أيضا: أن يحلف الرجل على أمر لا يألو فيه الصدق وقد أخطأ في يمينه، فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم عليه. 3512 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشام، عن
[ 553 ]
قتادة، عن سليمان بن يسار في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: خطأ غير عمد. 3513 - حدثنا ابن بشار قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن في هذه الآية: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو أن تحلف على الشئ وأنت يخيل إليك أنه كما حلفت وليس كذلك فلا يؤاخذه الله ولا كفارة، ولكن المؤاخذة والكفارة فيما حلف عليه على علم. * - حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: ثنا وكيع، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن، قال: هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنه كما حلف. * - حدثنا سفيان، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الحسن: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الرجل يحلف على اليمين يرى أنها كذلك، وليست كذلك. * - حدثنا هناد، قال: ثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الرجل يحلف على الشئ وهو يرى أنه كذلك، فلا يكون كما قال فلا كفارة عليه. 3514 - حدثنا هناد وأبو كريب وابن وكيع، قالوا: ثنا وكيع، عن سفيان، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنها كما حلف عليه، وليست كذلك. 3515 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح في قول الله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: من حلف بالله ولا يعلم إلا أنه صادق فيما حلف. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم حلف الرجل على الشئ وهو لا يعلم إلا أنه على ما حلف عليه فلا يكون كما حلف، كقوله: إن هذا البيت لفلان وليس له، وإن هذا الثوب لفلان وليس له. 3516 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الرجل يحلف على الشئ يرى أنه فيه صادق.
[ 554 ]
* - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الرجل يحلف على الامر يرى أنه كما حلف عليه فلا يكون كذلك، قال: فلا يؤاخذ بذلك. قال: وكان يحب أن يكفر. * - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا الجعفي، عن زائدة، عن منصور، قال: قال إبراهيم: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: أن يحلف على الشئ وهو يرى أنه صادق وهو كاذب، فذلك اللغو لا يؤاخذ به. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم نحوه، إلا أنه قال: إن حلفت على الشئ وأنت ترى أنك صادق وليس كذلك. 3517 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو إدريس، قال: أخبرنا حصين، عن أبي مالك أنه قال: اللغو: الرجل يحلف على الايمان، وهو يرى أنه كما حلف. 3518 - حدثني إسحاق بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن زياد، قال: هو الذي يحلف على اليمين يرى أنه فيها صادق. 3519 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا بكير بن أبي السميط، عن قتادة في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الخطأ غير العمد، الرجل يحلف على الشئ يرى أنه كذلك وليس كذلك. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور ويونس، عن الحسن قال: اللغو: الرجل يحلف على الشئ يرى أنه كذلك فليس عليه فيه كفارة. 3520 - حدثنا هناد وابن وكيع قال هناد: حدثنا وكيع وقال ابن وكيع: حدثني أبي، عن عمران بن حدير قال: سمعت زرارة بن أوفى قال: هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنها كما حلف. 3521 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عمر بن بشير، قال: سئل عامر عن هذه الآية: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: اللغو: أن يحلف الرجل لا يألو عن الحق فيكون غير ذلك، فذلك اللغو الذي لا يؤاخذ به. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فاللغو: اليمين الخطأ غير العمد، أن تحلف على الشئ
[ 555 ]
وأنت ترى أنه كما حلفت عليه ثم لا يكون كذلك، فهذا لا كفارة عليه، ولا مأثم فيه. 3522 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أما اللغو: فالرجل يحلف على اليمين، وهو يرى أنها كذلك فلا تكون كذلك، فليس عليه كفارة. 3523 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: اللغو: اليمين الخطأ في غير عمد أن يحلف على الشئ وهو يرى أنه كما حلف عليه، وهذا ما ليس عليه فيه كفارة. * - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن حصين، عن أبي مالك، قال: أما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها فالرجل يحلف على اليمين وهو يرى أنه فيها صادق، فذلك اللغو. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين عن أبي مالك مثله، إلا أنه قال: الرجل يحلف على الامر، يرى أنه كما حلف عليه فلا يكون كذلك، فليس عليه فيه كفارة، وهو اللغو. 3524 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد، وعن ابن أبي طلحة كذا قال ابن أبي جعفر قالا: من قال: والله لقد فعلت كذا وكذا وهو يظن أن قد فعله، ثم تبين أنه لم يفعله، فهذا لغو اليمين، وليس عليه فيه كفارة. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن رجل، عن الحسن في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الخطأ غير العمد، كقول الرجل: والله إن هذا لكذا وكذا وهو يرى أنه صادق ولا يكون كذلك. قال معمر: وقاله قتادة أيضا. 3525 - حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو، قال: سئل سعيد عن اللغو في اليمين، قال سعيد وقال مكحول: الخطأ غير العمد، ولكن الكفارة فيما عقدت قلوبكم. 3526 - حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو، عن سعيد بن عبد العزيز، عن
[ 556 ]
مكحول أنه قال: اللغو الذي لا يؤاخذ الله به: أن يحلف الرجل على الشئ الذي يظن أنه فيه صادق، فإذا هو فيه غير ذلك، فليس عليه فيه كفارة، وقد عفا الله عنه. 3527 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: إذا حلف على اليمين وهو يرى أنه فيه صادق وهو كاذب، فلا يؤاخذ به، وإذا حلف على اليمين وهو يعلم أنه كاذب، فذاك الذي يؤاخذ به. وقال آخرون: بل اللغو من الايمان التي يحلف بها صاحبها في حال الغضب على غير عقد قلب ولا عزم، ولكن وصلة للكلام. ذكر من قال ذلك. 3528 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، عن خالد، عن عطاء، عن رستم، عن ابن عباس، قال: لغو اليمين: أن تحلف وأنت غضبان. 3529 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن طاوس، قال: كل يمين حلف عليها رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه فيها، قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم وعلة من قال هذه المقالة. ما: 3530 - حدثني به أحمد بن منصور المروزي، قال: ثنا عمر بن يونس اليمامي، قال: ثنا سليمان بن أبي سليمان الزهري، عن يحيى بن أبي كثير، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): لا يمين في غضب. وقال آخرون، بل اللغو في اليمين: الحلف على فعل ما نهى الله عنه، وترك ما أمر الله بفعله. ذكر من قال ذلك: 3531 - حدثنا هناد، قال: ثنا حفص بن غياث، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير، قال: هو الذي يحلف على المعصية، فلا يفي ويكفر يمينه قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم. * - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا
[ 557 ]
داود، عن سعيد بن جبير، قال: لغو اليمين أن يحلف الرجل على المعصية لله لا يؤاخذه الله بإيفائها. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن سعيد بن جبير بنحوه، وزاد فيه: قال: وعليه كفارة. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى ويزيد بن هارون، عن داود، عن سعيد بنحوه. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن سعيد بن جبير: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله بتركها. 3532 - حدثنا الحسن بن الصباح البزار، قال: ثنا إسحاق، عن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند، قال: ثنا خالد بن إلياس، عن أم أبيه: أنها حلفت أن لا تكلم ابنة ابنها ابنة أبي الجهم، فأتت سعيد بن المسيب وأبا بكر وعروة بن الزبير، فقالوا: لا يمين في معصية، ولا كفارة عليها. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها. قلت: فكيف يصنع ؟ قال: يكفر عن يمينه ويترك المعصية. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو الرجل يحلف على الحرام، فلا يؤاخذه الله بتركه. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا داود، عن سعيد بن جبير، قال في لغو اليمين، قال: هي اليمين في المعصية، قال: أو لا تقرأ فتفهم ؟ قال الله: لا
[ 558 ]
يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان قال: فلا يؤاخذه بالايفاء، ولكن يؤاخذه بالتمام عليها، قال: وقال لا تجعلوا الله عرضة لايمانكم... إلى قوله: والله غفور حليم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله بتركها ويكفر. 3533 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن عاصم، عن الشعبي، عن مسروق في الرجل يحلف على المعصية، فقال: أيكفر خطوات الشيطان ؟ ليس عليه كفارة. 3534 - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثل ذلك. 3535 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي في الرجل يحلف على المعصية قال: كفارتها أن يتوب منها. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن الشعبي أنه كان يقول: يترك المعصية ولا يكفر، ولو أمرته بالكفارة لامرته أن يتم على قوله. 3536 - حدثنا يحيى بن داود الواسطي، قال: ثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن عامر، عن مسروق قال: كل يمين لا يحل لك أن تفي بها فليس فيها كفارة. وعلة من قال هذا القول من الاثر ما: 3537 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، قال: ثني عبد الرحمن بن الحرث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله (ص) قال: من نذر فيما لا يملك فلا نذر له، ومن حلف على معصية الله فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له. 3538 - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا علي بن مسهر، عن حارثة بن
[ 559 ]
محمد، عن عمرة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية لله فبره أن يحنث بها ويرجع عن يمينه. وقال آخرون: اللغو من الايمان: كل يمين وصل الرجل بها كلامه على غير قصد منه إيجابها على نفسه. ذكر من قال ذلك: 3539 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا هشام، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم، قال: لغو اليمين: أن يصل الرجل كلامه بالحلف، والله ليأكلن، والله ليشربن، ونحو هذا لا يتعمد به اليمين ولا يريد به حلفا، ليس عليه كفارة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم: لغو اليمين: ما يصل به كلامه: والله لتأكلن، والله لتشربن. 3540 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هما الرجلان يتساومان بالشئ، فيقول أحدهما: والله لا أشتريه منك بكذا، ويقول الآخر: والله لا أبيعك بكذا وكذا. 3541 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبي (ص)، قالت: أيمان اللغو ما كان في الهزل والمراء والخصومة والحديث الذي لا يعتمد عليه القلب. وعلة من قال هذا القول من الاثر ما: 3542 - حدثنا به محمد بن موسى الحرسي، قال: ثنا عبيد الله بن ميمون المرادي، قال: ثنا عوف الاعرابي، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: مر رسول الله (ص) بقوم ينتضلون يعني يرمون ومع النبي (ص) رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم، فقال: أصبت والله وأخطأت فقال الذي مع النبي (ص): حنث الرجل يا رسول الله، قال: كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة. وقال آخرون: اللغو من الايمان: ما كان من يمين بمعنى الدعاء من الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا، أو بمعنى الشرك والكفر. ذكر من قال ذلك:
[ 560 ]
3543 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا إسماعيل بن مرزوق، عن يحيى بن أيوب، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم في قول الله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: هو كقول الرجل: أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا، أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا. فهو هذا، ولا يترك الله له مالا ولا ولدا. يقول: لو يؤاخذكم الله بهذا لم يترك لكم شيئا. * - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا إسماعيل، قال: ثني يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن زيد بن أسلم، بمثله. 3544 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا إسماعيل بن مرزوق، قال: ثني يحيى بن أيوب أن زيد بن أسلم كان يقول في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم مثل قول الرجل: هو كافر وهو مشرك. قال: لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قلبه. 3545 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: اللغو في هذا: الحلف بالله ما كان بالالسن فجعله لغوا، وهو أن يقول: هو كافر بالله، وهو إذا يشرك بالله، وهو يدعو مع الله إلها. فهذا اللغو الذي قال الله في سورة البقرة. وقال آخرون: اللغو من الايمان: ما كانت فيه كفارة. ذكر من قال ذلك: 3546 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فهذا في الرجل يحلف على أمر إضرار أن يفعله فلا يفعله، فيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفر يمينه ويأتي الذي هو خير. 3547 - حدثني يحيى بن جعفر، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: اليمين المكفرة. وقال آخرون: اللغو من الايمان: هو ما حنث فيه الحالف ناسيا. ذكر من قال ذلك: 3548 - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا هشيم، قال: أخبرني مغيرة، عن إبراهيم، قال: هو الرجل يحلف على الشئثم ينساه يعني في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم.
[ 561 ]
قال أبو جعفر: واللغو من الكلام في كلام العرب كل كلام كان مذموما وفعلا لا معنى له مهجورا، يقال منه: لغا فلان في كلامه يلغو لغوا: إذا قال قبيحا من الكلام، ومنه قول الله تعالى ذكره: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقوله: وإذا مروا باللغو مروا كراما ومسموع من العرب لغيت باسم فلان، بمعنى أولعت بذكره بالقبيح. فمن قال لغيت، قال ألغى لغا، وهي لغة لبعض العرب، ومنه قول الراجز: ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم فإذا كان اللغو ما وصفت، وكان الحالف بالله ما فعلت كذا وقد فعل ولقد فعلت كذا وما فعل، واصلا بذلك كلامه على سبيل سبوق لسانه من غير تعمد إثم في يمينه، ولكن لعادة قد جرت له عند عجلة الكلام، والقائل: والله إن هذا لفلان وهو يراه كما قال، أو والله ما هذا فلان وهو يراه ليس به، والقائل: ليفعلن كذا والله، أو لا يفعل كذا والله، على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام، وسبوق اللسان للعادة، على غير تعمد حلف على باطل، والقائل هو مشرك أو هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا، أو إن فعل كذا من غير عزم على كفر، أو يهودية أو نصرانية جميعهم قائلون هجرا من القول، وذميما من المنطق، وحالفون من الايمان بألسنتهم ما لم تتعمد فيه الاثم قلوبهم. كان معلوما أنهم لغاة في أيمانهم لا تلزمهم كفارة في العاجل، ولا عقوبة في الآجل لاخبار الله تعالى ذكره أنه غير مؤاخذ عباده بما لغوا من أيمانهم، وأن الذي هو مؤاخذهم به ما تعمدت فيه الاثم قلوبهم. وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحا عن رسول الله (ص) أنه قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فأوجب الكفارة بإتيان الحالف ما حلف أن لا يأتيه مع وجوب إتيان الذي هو خير من الذي حلف عليه أن لا يأتيه، وكانت الغرامة في المال أو إلزام الجزاء من المجزي أبدان الجازين، لا شك عقوبة كبعض العقوبات التي جعلها الله تعالى ذكره نكالا لخلقه فيما تعدوا من حدوده، وإن كان يجمع
[ 562 ]
جميعها أنها تمحيص وكفارات لمن عوقب بها فيما عوقبوا عليه كان بينا أن من ألزم الكفارة في عاجل دنياه فيما حلف به من الايمان فحنث فيه، وإن كانت كفارة لذنبه فقد واخذه الله بها بإلزامه إياه الكفارة منها، وإن كان ما عجل من عقوبته إياه على ذلك مسقطا عنه عقوبته في آجله. وإذ كان تعالى ذكره قد واخذه بها، فغير جائز لقائل أن يقول: وقد واخذه بها هي من اللغو الذي لا يؤاخذ به قائله، فإذ كان ذلك غير جائز، فبين فساد القول الذي روي عن سعيد بن جبير أنه قال: اللغو: الحلف على المعصية، لان ذلك لو كان كذلك لم يكن على الحالف، على معصية الله كفارة بحنثه في يمينه، وفي إيجاب سعيد عليه الكفارة دليل واضح على أن صاحبها بها مؤاخذ لما وصفنا: من أن من لزمه الكفارة في يمينه فليس ممن لم يؤاخذ بها. فإذا كان اللغو هو ما وصفنا مما أخبرنا الله تعالى ذكره أنه غير مؤاخذنا به، وكل يمين لزمت صاحبها بحنثه فيها الكفارة في العاجل، أو أوعد الله تعالى ذكره صاحبها العقوبة عليها في الآجل، وإن كان وضع عنه كفارتها في العاجل، فهي مما كسبته قلوب الحالفين، وتعمدت فيه الاثم نفوس المقسمين، وما عدا ذلك فهو اللغو وقد بينا وجوهه. فتأويل الكلام إذا: لا تجعلوا الله أيها المؤمنون عرضة لايمانكم، وحجة لانفسكم في أقسامكم في أن لا تبروا، ولا تتقوا، ولا تصلحوا بين الناس، فإن الله لا يؤاخذكم بما لغته ألسنتكم من أيمانكم، فنطقت به من قبيح الايمان وذميمها، على غير تعمدكم الاثم وقصدكم بعزائم صدوركم إلى إيجاب عقد الايمان التي حلفتم بها، ولكنه إنما يؤاخذكم بما تعمدتم فيه عقد اليمين وإيجابها على أنفسكم، وعزمتم على الاتمام على ما حلفتم عليه بقصد منكم وإرادة، فيلزمكم حينئذ إما كفارة في العاجل، وإما عقوبة في الآجل. القول في تأويل قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم. اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أوعد الله تعالى ذكره بقوله: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم عباده أنه مؤاخذهم به بعد إجماع جميعهم على أن معنى قوله: بما كسبت قلوبكم ما تعمدت. فقال بعضهم: المعنى الذي أوعد الله عباده مؤاخذتهم به هو حلف الحالف منهم على كذب وباطل. ذكر من قال ذلك: 3549 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: إذا
[ 563 ]
حلف الرجل على اليمين وهو يرى أنه صادق وهو كاذب، فلا يؤاخذ بها، وإذا حلف وهو يعلم أنه كاذب، فذاك الذي يؤاخذ به. * - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا حسين الجعفي عن زائدة، عن منصور، قال: قال إبراهيم: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال: أن يحلف على الشئ وهو يعلم أنه كاذب، فذاك الذي يؤاخذ به. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم أن تحلف وأنت كاذب. 3550 - حدثني المثنى، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان وذلك اليمين الصبر الكاذبة، يحلف بها الرجل على ظلم أو قطيعة. فتلك لا كفارة لها إلا أن يترك ذلك الظلم، أو يرد ذلك المال إلى أهله، وهو قوله تعالى ذكره: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى قوله: ولهم عذاب أليم. 3551 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ما عقدت عليه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 3552 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء قال: لا تؤاخذ حتى تقصد الامر ثم تحلف عليه بالله الذي لا إله إلا هو فتعقد عليه يمينك. والواجب على هذا التأويل أن يكون قوله تعالى ذكره: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم في الآخرة بما شاء من العقوبات، وأن تكون الكفارة إنما تلزم الحالف في الايمان التي هي لغو. وكذلك روي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنه كان لا يرى الكفارة إلا في الايمان التي تكون لغوا. فأما ما كسبته القلوب، وعقدت فيه على الاثم، فلم يكن يوجب فيه الكفارة. وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك فيما مضى قبل.
[ 564 ]
وإذ كان ذلك تأويل الآية عندهم، فالواجب على مذهبهم أن يكون معنى الآية في سورة المائدة: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم، واحفظوا أيمانكم. وبنحو ما ذكرناه عن ابن عباس من القول في ذلك كان سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وجماعة أخر غيرهم يقولون، وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك آنفا. وقال آخرون: المعنى الذي أوعد الله تعالى عباده المؤاخذة به بهذه الآية هو حلف الحالف على باطل يعلمه باطلا، وفي ذلك أوجب الله عندهم الكفارة دون اللغو الذي يحلف به الحالف وهو مخطئ في حلفه يحسب أن الذي حلف عليه كما حلف وليس ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك: 3553 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم يقول: بما تعمدت قلوبكم، وما تعمدت فيه المأثم، فهذا عليك فيه الكفارة. 3554 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله سواء. وكأن قائلي هذه المقالة وجهوا تأويل مؤاخذة الله عبده على ما كسبه قلبه من الايمان الفاجرة، إلى أنها مؤاخذة منه له بها بإلزامه الكفارة فيه. وقال بنحو قول قتادة جماعة أخر في إيجاب الكفارة على الحالف اليمين الفاجرة، منهم عطاء والحكم. 3555 - حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء والحكم أنهما كانا يقولان فيمن حلف كاذبا متعمدا: يكفر. وقال آخرون: بل ذلك معنيان: أحدهما مؤاخذ به العبد في حال الدنيا بإلزام الله إياه الكفارة منه، والآخر منهما مؤاخذ به في الآخرة، إلا أن يعفو. ذكر من قال ذلك: 3556 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم أما ما كسبت قلوبكم: فما عقدت قلوبكم، فالرجل يحلف على اليمين يعلم أنها كاذبة إرادة أن يقضي أمره. والايمان ثلاثة: اللغو،
[ 565 ]
والعمد، والغموس، والرجل يحلف على اليمين وهو يريد أن يفعل ثم يرى خيرا من ذلك، فهذه اليمين التي قال الله تعالى ذكره: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فهذه لها كفارة. وكأن قائل هذه المقالة وجه تأويل قوله: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم إلى غير ما وجه إليه تأويل قوله: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان وجعل قوله: بما كسبت قلوبكم الغموس من الايمان التي يحلف بها الحالف على علم منه بأنه في حلفه بها مبطل، وقوله: بما عقدتم الايمان اليمين التي يستأنف فيها الحنث أو البر، وهو في حال حلفه بها عازم على أن يبر فيها. وقال آخرون: بل ذلك هو اعتقاد الشرك بالله والكفر. ذكر من قال ذلك: 3557 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا إسماعيل بن مرزوق، قال: ثني يحيى بن أيوب، عن محمد، يعني ابن عجلان، أن يزيد بن أسلم كان يقول في قول الله تعالى ذكره: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم مثل قول الرجل: هو كافر، هو مشرك، قال: لا يؤاخذه الله حتى يكون ذلك من قلبه. 3558 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: اللغو في هذا: الحلف بالله ما كان بالالسن فجعله لغوا، وهو أن يقول: هو كافر بالله، وهو إذا يشرك بالله، وهو يدعو مع الله إلها، فهذا اللغو الذي قال الله تعالى في سورة البقرة: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال: بما كان في قلوبكم صدقا واخذك به، فإن لم يكن في قلبك صدقا لم يواخذك به، وإن أثمت. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أوعد عباده أن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من الايمان، فالذي تكسبه قلوبهم من الايمان، هو ما قصدته، وعزمت عليه على علم ومعرفة منها بما تقصده وتريده، وذلك يكون منها على وجهين: أحدهما على وجه العزم على ما يكون به العازم عليه في حال عزمه بالعزم عليه آثما وبفعله مستحقا المؤاخذة من الله عليها، وذلك كالحالف على الشئ الذي لم يفعله أنه قد فعله، وعلى الشئ الذي قد فعله أنه لم يفعله، قاصدا القيل الكذب، وذاكرا أنه قد فعل ما حلف عليه أنه لم يفعله، أو أنه لم يفعل ما حلف عليه أنه قد فعل، فيكون الحالف بذلك إن
[ 566 ]
كان من أهل الايمان بالله وبرسوله في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء واخذه به في الآخرة، وإن شاء عفا عنه بتفضله، ولا كفارة عليه فيها في العاجل، لانها ليست من الايمان التي يحنث فيها، وإنما الكفارة تجب في الايمان بالحنث فيها، والحالف الكاذب في يمينه ليست يمينه مما يتبدأ فيه الحنث فتلزم فيه الكفارة. والوجه الآخر منهما: على وجه العزم عل إيجاب عقد اليمين في حال عزمه على ذلك، فذلك مما لا يؤاخذ به صاحبه حتى يحنث فيه بعد حلفه، فإذا حنث فيه بعد حلفه كان مؤاخذا بما كان اكتسبه قلبه من الحلف بالله على إثم وكذب في العاجل بالكفارة التي جعلها الله كفارة لذنبه. القول في تأويل قوله تعالى: والله غفور حليم. يعني تعالى ذكره بذلك: والله غفور لعباده فيما لغوا من أيمانهم التي أخبر الله تعالى ذكره أنه لا يؤاخذهم بها، ولو شاء واخذهم بها، ولما واخذهم بها فكفروها في عاجل الدنيا بالتكفير فيه، ولو شاء واخذهم في آجل الآخرة بالعقوبة عليه، فساتر عليهم فيها، وصافح لهم بعفوه عن العقوبة فيها وغير ذلك من ذنوبهم. حليم في تركه معاجلة أهل معصيته العقوبة على معاصيهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فآءوا فإن الله غفور رحيم) * يعني تعالى ذكره بقوله: للذين يؤلون الذين يقسمون ألية، والالية: الحلف. كما: 3559 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب في قوله: للذين يؤلون يحلفون. يقال: آلى فلان يؤلي إيلاء وألية، كما قال الشاعر: كفينا من تغيب من تراب وأحنثنا ألية مقسمينا ويقال ألوة وألوة، كما قال الراجز: () (يا ألوة ما ألوة ما ألوتي
[ 567 ]
() وقد حكي عنهم أيضا أنهم يقولون: إلوة مكسورة الالف، والتربص: النظر والتوقف. ومعنى الكلام: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر، فترك ذكر أن يعتزلوا اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام عليه. واختلف أهل التأويل في صفة اليمين التي يكون بها الرجل مؤليا من امرأته، فقال بعضهم: اليمين التي يكون بها الرجل مؤليا من امرأته، أن يحلف عليها في حال غضب على وجه الاضرار لها أن لا يجامعها في فرجها، فأما إن حلف على غير وجه الاضرار على غير غضب فليس هو موليا منها. ذكر من قال ذلك: 3560 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن حريث بن عميرة، عن أم عطية، قالت: قال جبير: أرضعي ابن أخي مع ابنك فقالت: ما أستطيع أن أرضع اثنين. فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه. فلما فطمته مر به على المجلس، فقال له القوم: حسنا ما غذوتموه. قال جبير: إني حلفت ألا أقربها حتى تفطمه. فقال له القوم: هذا إيلاء. فأتى عليا فاستفتاه، فقال: إن كنت فعلت ذلك غضبا فلا تصلح لك امرأتك، وإلا فهي امرأتك. 3561 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع عطية بن جبير، قال: توفيت أم صبي نسيبة لي، فكانت امرأة أبي ترضعه، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه. فلما مضت أربعة أشهر قيل له: قد بانت منك وأحسب شك أبو جعفر، قال: فأتى عليا يستفتيه، فقال: إن كنت قلت ذلك غضبا فلا امرأة لك، وإلا فهي امرأتك. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني سماك، قال: سمعت عطية بن جبير يذكر نحوه عن علي. 3562 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، قال: ثنا داود، عن سماك، عن رجل من بني عجل، عن أبي عطية: أنه توفي أخوه وترك ابنا له صغيرا، فقال أبو عطية لامرأته: أرضعيه فقالت: إني أخشى أن تغيلهما، فحلف أن لا
[ 568 ]
يقربها حتى تفطمهما ففعل حتى فطمتهما. فخرج ابن أخي أبي عطية إلى المجلس، فقالوا: لحسن ما غذى أبو عطية ابن أخيه قال: كلا زعمت أم عطية أني أغيلهما فحلفت أن لا أقربها حتى تفطمهما. فقالوا له: قد حرمت عليك امرأتك. فذكرت ذلك لعلي رضي الله عنه، فقال علي: إنما أردت الخير، وإنما الايلاء في الغضب. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن سماك، عن أبي عطية أن أخاه توفي، فذكر نحوه. 3563 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، أن رجلا هلك أخوه، فقال لامرأته: أرضعي ابن أخي فقالت: أخاف أن تقع علي. فحلف أن لا يمسها حتى تفطم. فأمسك عنها حتى إذا فطمته أخرج الغلام إلى قومه، فقالوا: لقد أحسنت غذاءه فذكر لهم شأنه، فذكروا امرأته. قال: فذهب إلى علي فاستحلفه بالله ما أردت بذلك ؟ يعني إيلاء، قال: فردها عليه. 3564 - حدثنا علي بن عبد الاعلى، قال: ثنا المحاربي، عن أشعث بن سوار، عن سماك، عن عطية بن أبي عطية، قال: توفي أخ لي وترك يتيما له رضيعا، وكنت رجلا معسرا لم يكن بيدي ما أسترضع له. قال: فقالت لي امرأتي، وكان لي منها ابن ترضعه: إن كفيتني نفسك كفيتكهما. فقلت: وكيف أكفيك نفسي ؟ قالت: لا تقربني، فقلت: والله لا أقربك حتى تفطميهما. قال: ففطمتهما. وخرجا على القوم، فقالوا: ما نراك إلا قد أحسنت ولايتهما. قال: فقصصت عليهم القصة. فقالوا: ما نراك إلا آليت منها، وبانت منك. قال: فأتيت عليا، فقصصت عليه القصة، فقال: إنما الايلاء ما أريد به الايلاء. 3565 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر البرساني، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: لا إيلاء إلا بغضب. * - وحدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: لا إيلاء إلا بغضب. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا ابن وكيع، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الاصم، عن ابن عباس، قال: لا إيلاء إلا بغضب.
[ 569 ]
3566 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن علي، قال: لا إيلاء إلا بغضب. 3567 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة: أن عليا قال: إذا قال الرجل لامرأته وهي ترضع: والله لا قربتك حتى تفطمي ولدي، يريد به صلاح ولد، قال: ليس عليه إيلاء. 3568 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسحاق بن منصور السلولي عن محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل إلى علي، فقال: إني قلت لامرأتي لا أقربها سنتين، قال: قد آليت منها. قال: إنما قلت لانها ترضع. قال: فلا إذا. 3569 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن علي أنه كان يقول: إنما الايلاء ما كان في غضب يقول الرجل: والله لا أقربك والله لا أمسك، فأما ما كان في إصلاح من أمر الرضاع وغيره، فإنه لا يكون إيلاء ولا تبين منه. 3570 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، يعني ابن مهدي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن حفص، عن الحسن أنه سئل عنها، فقال: لا والله ما هو بإيلاء. 3571 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا بشر بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: إذا حلف من أجل الرضاع فليس بإيلاء. 3572 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، ثني يونس، قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يقول: والله لا أقرب امرأتي حتى تفطم ولدي، قال: لا أعلم الايلاء يكون إلا بحلف بالله فيما يريد المرء أن يضار به امرأته من اعتزالها، ولا نعلم فريضة الايلاء إلا على أولئك، فلا نرى أن هذا الذي أقسم بالاعتزال لامرأته حتى تفطم ولده، أقسم إلا على أمر يتحرى به فيه الخير، فلا نرى وجب على هذا ما وجب على المولي الذي يولي في الغضب. وقال آخرون: سواء إذا حلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها في فرجها كان حلفه في غضب أو غير غضب، كل ذلك إيلاء. ذكر من قال ذلك: 3573 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة،
[ 570 ]
عن إبراهيم في رجل، قال لامرأته: إن غشيتك حتى تفطمي ولدك فأنت طالق، فتركها أربعة أشهر. قال: هو إيلاء. * - حدثنا محمد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، قال: كل شئ يحول بينه وبين غشيانها فتركها حتى تمضي أربعة أشهر فهو داخل عليه. 3574 - حدثني المثنى، قال: ثنا حسان بن موسى، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو عوانة عن المغيرة، عن القعقاع، قال: سألت الحسن عن رجل ترضع امرأته صبيا فحلف أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، فقال: ما أرى هذا بغضب، وإنما الايلاء في الغضب. قال: وقال ابن سيرين: ما أدري ما هذا الذي يحدثون ؟ إنما قال الله: للذين يؤلون من نسائهم إلى فإن الله سميع عليم إذا مضت أربعة أشهر فليخطبها إن رغب فيها. 3575 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في رجل حلف أن لا يكلم امرأته، قال: كانوا يرون الايلاء في الجماع. * - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: قال: كل يمين منعت جماعا حتى تمضي أربعة أشهر فهي إيلاء. 3576 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل وأشعث، عن الشعبي، مثله. 3577 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي قالا: كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء. وقال آخرون: كل يمين حلف بها الرجل في مساءة امرأته فهي إيلاء منه منها على الجماع، حلف أو غيره، في رضا حلف أو سخط. ذكر من قال ذلك: 3578 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن خصيف، عن الشعبي قال: كل يمين حالت بين الرجل وبين امرأته فهي إيلاء، إذا قال: والله لاغضبنك، والله لاسوءنك، والله لاضربنك، وأشباه هذا.
[ 571 ]
3579 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثني أبي وشعيب، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن أبي ذئب العامري: أن رجلا من أهله قال لامرأته: إن كلمتك سنة فأنت طالق واستفتى القاسم وسالما فقالا: إن كلمتها قبل سنة فهي طالق، وإن لم تكلمها فهي طالق إذا مضت أربعة أشهر. 3580 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت حمادا، قال: قلت لابراهيم: الايلاء أن يحلف أن لا يجامعها ولا يكلمها، ولا يجمع رأسه برأسها، أو ليغضبنها، أو ليحرمنها، أو ليسوأنها ؟ قال: نعم. 3581 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سألت الحكم عن رجل قال لامرأته: والله لاغيظنك فتركها أربعة أشهر. قال: هو إيلاء. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: سمعت شعبة قال: سألت الحكم، فذكر مثله. 3582 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: ثنا يونس، قال: قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب: أنه قال: إن حلف رجل أن لا يكلم امرأته يوما أو شهرا، قال: فإنا نرى ذلك يكون إيلاء، وقال: إلا أن يكون حلف أن لا يكلمها، فكان يمسها فلا نرى ذلك يكون من الايلاء. والفئ أن يفئ إلى امرأته فيكلمها أو يمسها، فمن فعل ذلك قبل أن تمضي الاربعة الاشهر فقد فاء ومن فاء بعد أربعة أشهر وهي في عدتها فقد فاء وملك امرأته، غير أنه مضت لها تطليقة. وعلة من قال: إنما الايلاء في الغضب والضرار، أن الله تعالى ذكره إنما جعل الاجل الذي أجل في الايلاء مخرجا للمرأة من عضل الرجل وضراره إياها فيما لها عليه من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف. وإذا لم يكن الرجل لها عاضلا، ولا مضارا بيمينه وحلفه على ترك جماعها، بل كان طالبا بذلك رضاها، وقاضيا بذلك حاجتها، لم يكن بيمينه تلك موليا، لانه لا معنى هنالك يلحق المرأة به من قبل بعلها مساءة وسوء عشرة، فيجعل الاجل الذي جعل المولي لها مخرجا منه. وأما علة من قال: الايلاء في حال الغضب والرضا سواء عموم الآية، وأن الله تعالى ذكره لم يخصص من قوله: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر بعضا دون
[ 572 ]
بعض، بل عم به كل مول مقسم، فكل مقسم على امرأته أن لا يغشاها مدة هي أكثر من الاجل الذي جعل الله له تربصه، فمؤل من امرأته عند بعضهم. وعند بعضهم هو مؤل، وإن كانت مدة يمينه الاجل الذي جعل له تربصه. وأما علة من قال بقول الشعبي والقاسم وسالم، أن الله تعالى ذكره جعل الاجل الذي حده للمولي مخرجا للمرأة من سوء عشرة بعلها إياها وإضراره بها. وليست اليمين عليها بأن لا يجامعها ولا يقربها بأولى بأن تكون من معاني سوء العشرة والضرار من الحلف عليها أن لا يكلمها أو يسوءها أو يغيظها لان كل ذلك ضرر عليها، وسوء عشرة لها. وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك بالصواب قول من قال: كل يمين منعت المقسم الجماع أكثر من المدة التي جعل الله المولي تربصها قائلا في غضب كان ذلك أو رضا، وذلك للعلة التي ذكرناها قبل لقائلي ذلك. وقد أتينا على فساد قول من خالف ذلك في كتابنا كتاب اللطيف بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم. يعني تعالى ذكره بذلك: فإن رجعوا إلى ترك ما حلفوا عليه أن يفعلوه بهن من ترك جماعهن فجامعوهن وحنثوا في أيمانهم، فإن الله غفور لما كان منهم من الكذب في أيمانهم بأن لا يأتوهن ثم أتوهن، ولما سلف منهم إليهن من اليمين على ما لم يكن لهم أن يحلفوا عليه، فحلفوا عليه رحيم بهم وبغيرهم من عباده المؤمنين. وأصل الفئ: الرجوع من حال إلى حال، ومنه قوله تعالى ذكره: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما إلى قوله: حتى تفئ إلى أمر الله يعني: حتى ترجع إلى أمر الله. ومنه قول الشاعر: ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الانسان ما ليس قاضيا يقال منه: فاء فلان يفئ فيئة، مثل الجيئة، وفيئا. والفيئة: المرة. فأما في الظل، فإنه يقال: فاء الظل يفئ فيوءا وفيئا، وقد يقال فيوءا أيضا في المعنى الاول، لان الفئ في كل الاشياء بمعنى الرجوع. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا فيما يكون به المؤلي
[ 573 ]
فائيا، فقال بعضهم: لا يكون فائيا إلا بالجماع. ذكر من قال ذلك: 3583 - حدثنا علي بن سهل الرملي، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: الفئ: الجماع. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو نعيم، عن يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: الفئ: الجماع. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، مثله. * - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن صاحب له، عن الحكم بن عتيبة عن مقسم، عن ابن عباس، مثله. 3584 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن الشعبي، عن مسروق، قال: الفئ: الجماع. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن الشعبي، عن مسروق مثله. 3585 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: كان عامر لا يرى الفئ إلا الجماع. * - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا إسماعيل، عن عامر، بمثله. 3586 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير قال: الفئ: الجماع. * - حدثنا أبو عبد الله النشائي، قال: ثنا إسحاق الازرق، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، مثله. 3587 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، قال: الفئ: الجماع، لا عذر له إلا أن يجامع، وإن كان في سجن أو سفر سعيد القائل.
[ 574 ]
3588 - حدثني محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن جبير أنه قال: لا عذر له حتى يغشى. 3589 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن حماد وإياس، عن الشعبي، قال أحدهما، عن مسروق، قال: الفئ: الجماع. وقال الآخر عن الشعبي: الفئ: الجماع. 3590 - حدثنا ابن بشار، قال: ثن عبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في رجل آلى من امرأته ثم شغله مرض، قال: لا عذر له حتى يغشى. 3591 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير في الرجل يولي من امرأته قبل أن يدخل بها، أو بعد ما دخل بها، فيعرض له عارض يحبسه، أو لا يجد ميسوق: أنه إذا مضت أربعة أشهر أنها أحق بنفسها. 3592 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم والشعبي قالا: إذا آلى الرجل من امرأته ثم أراد أن يفئ، فلا فئ إلا الجماع. وقال آخرون: الفئ: المراجعة باللسان أو القلب في حال العذر، وفي غير حال العذر الجماع. ذكر من قال ذلك: 3593 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة أنهما قالا: إذا كان له عذر فأشهد فذاك له. يعني في رجل آلى من امرأته فشغله مرض أو طريق فأشهد على مراجعة امرأته. 3594 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن صاحب له، عن الحكم قال: تذاكرنا أنا والنخعي ذلك، قال النخعي: إذا كان له عذر فأشهد فقد فاء، وقلت أنا: لا عذر له حتى يغشى. فانطلقنا إلى أبي وائل، فقال: إنى أرجو إذا كان له عذر فأشهد جاز. 3595 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، قال: إن آلى ثم مرض، أو سجن، أو سافر فراجع، فإن له عذرا أن لا يجامع. قال: وسمعت الزهري يقول مثل ذلك: 3596 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم في النفساء يؤلي منها زوجها، قال: هذه في
[ 575 ]
محارب سئل عنها أصحاب عبد الله، فقالوا: إذا لم يستطع كفر عن يمينه وأشهد على الفئ. 3597 - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء، قال: نزل به ضيف، فآلى من امرأته فنفست، فأراد أن يفئ فلم يستطع أن يقربها من أجل نفاسها. فأتى علقمة فذكر ذلك له، فقال: أليس قد فئت بقلبك ورضيت ؟ قال: بلى. قال: فقد فئت هي امرأتك. 3598 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الاعمش، عن إبراهيم: أن رجلا آلى من امرأته، فولدت قبل أن تمضي أربعة أشهر أراد الفيئة، فلم يستطع من أجل الدم حتى مضت أربعة أشهر. فسأل عنها علقمة بن قيس، فقال: أليس قد راجعتها في نفسك ؟ قال: بلى. قال: فهي امرأتك. 3599 - حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: أخبرنا عامر، عن الحسن، قال: إذا آلى من امرأته ثم لم يقدر أن يغشاها من عذر، قال: يشهد أنه قد فاء وهي امرأته. 3600 - حدثنا عمران، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عامر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة بمثله. 3601 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة. عن عكرمة قال: وحدثنا عبد الاعلى قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة قال: إذا آلى من امرأته فجهد أن يغشاها فلم يستطع، فله أن يشهد على رجعتها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة أنهما سئلا عن رجل آلى من امرأته، فشغله أمر، فأشهد على مراجعة امرأته، قالا: إذا كان له عذر فذاك له. 3602 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: انطلقت أنا وإبراهيم إلى أبي الشعثاء، فحدث أن رجلا من بني سعد بن همام آلى من امرأته فنفست، فلم يستطع أن يقربها، فسأل الاسود أو بعض أصحاب عبد الله، فقال: إذا أشهد فهي امرأته.
[ 576 ]
3603 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم أنه قال: إن كان له عذر فأشهد فذلك له يعني المؤلي من امرأته. 3604 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه كان يحدث عن أبي الشعثاء، عن علقمة وأصحاب عبد الله: أنهم قالوا في الرجل إذا آلى من امرأته فنفست، قالوا: إذا أشهد فهي امرأته. 3605 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، قال: إذا آلى الرجل من أمرته ثم فاء فليشهد على فيئه. وإذا آلى الرجل من امرأته وهو في أرض غير الارض التي فيها امرأته فليشهد على فيئه. فإن أشهد وهو لا يعلم أن ذلك لا يجزيه من وقوعه عليها فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها فهي امرأته. وإن علم أنه لا فئ إلا في الجماع في هذا الباب ففاء وأشهد على فيئه وليقع عليها حتى مضت أربعة أشهر، فقد بانت منه. 3606 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني يونس، قال: قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أنه إذا آلى الرجل من امرأته، قال: فإن كان به مرض ولا يستطيع أن يمسها، أو كان مسافرا فحبس، قال: فإذا فاء وكفر عن يمينه فأشهد على فيئه قبل أن تمضي أربعة أشهر فلا نراه إلا قد صلح له أن يمسك امرأته ولم يذهب من طلاقها شئ. قال: وقال ابن شهاب في رجل يؤلي من امرأته ولم يبق لها عليه إلا تطليقة، فيريد أن يفئ في آخر ذلك وهو مريض أو مسافر، أو هي مريضة أو طامث أو غائبة لا يقدر على أن يبلغها حتى تمضي أربعة أشهر أله في شئ من ذلك رخصة أن يكفر عن يمينه، ولم يقدر على أن يطأ امرأته ؟ قال: نرى والله أعلم إن فاء قبل الاربعة الاشهر فهي امرأته، بعد أن يشهد على ذلك ويكفر عن يمينه، وإن لم يبلغها ذلك من فيئته، فإنه قد فاء قبل أن يكون طلاقا. 3607 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: الفئ: الجماع. فإن هو لم يقدر على المجامعة، وكانت به علة من مرض، أو كان غائبا، أو كان محرما، أو شئ له فيه عذر، ففاء بلسانه وأشهد على الرضا، فإن ذلك له فئ إن شاء الله.
[ 577 ]
وقال آخرون: الفئ: المراجعة باللسان بكل حال. ذكر من قال ذلك: 3608 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، عن منصور وحماد، عن إبراهيم، قال: الفئ: أن يفئ بلسانه. 3609 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن زياد الاعلم، عن الحسن، قال: الفئ: الاشهاد. * - حدثنا المثنى قال: ثني الحجاج، قال: ثنا حماد، عن زياد الاعلم، عن الحسن، مثله. 3610 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: إن فاء في نفسه أجزأه، يقول: قد فاء. 3611 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن إسماعيل بن رجاء، قال: ذكروا الايلاء عند إبراهيم، فقال: أرأيت إن لم ينتشر ذكره ؟ إذا أشهد فهي امرأته. قال أبو جعفر: وإنما اختلف المختلفون في تأويل الفئ على قدر اختلافهم في معنى اليمين التي تكون إيلاء، فمن كان من قوله: إن الرجل لا يكون مؤليا من امرأته الايلاء الذي ذكره الله في كتابه إلا بالحلف عليها أن لا يجامعها جعل الفئ الرجوع إلى فعل ما حلف عليه أن لا يفعله من جماعها، وذلك الجماع في الفرج إذا قدر على ذلك وأمكنه، وإذا لم يقدر عليه ولم يمكنه، إحداث النية أن يفعله إذا قدر عليه وأمكنه وإبداء ما نوى من ذلك بلسانه ليعلمه المسلمون في قول من قال ذلك. وأما قول من رأى أن الفئ هو الجماع دون غيره، فإنه لم يجعل العائق له عذرا، ولم يجعل له مخرجا من يمينه غير الرجوع إلى ما حلف على تركه وهو الجماع. وأمامن كان من قوله: إنه قد يكون مؤليا منها بالحلف على ترك كلامها، أو على أن يسوأها أو يغيظها، أو ما أشبه ذلك من الايمان، فإن الفئ عنده الرجوع إلى ترك ما حلف عليه أن يفعله مما فيه مساءتها بالعزم على الرجوع عنه أبدى ذلك بلسانه في كل حال عزم فيها على الفئ. وأولى الاقوال بالصحة في ذلك عندنا قول من قال: الفئ: هو الجماع لان الرجل لا يكون مؤليا عندنا من امرأته إلا بالحلف على ترك جماعها المدة التي ذكرنا للعلل التي
[ 578 ]
وصفنا قبل. وإذا كان ذلك هو الايلاء فالفئ الذي يبطل حكم الايلاء عنه لا شك أنه غير جائز أن يكون إلا ما كان الذي آلى عليه خلافا لانه لما جعل حكمه إن لم يفئ إلى ما آلى على تركه الحكم الذي بينه الله لهم في كتابه كان الفئ إلى ذلك معلوما أنه فعل ما آلى على تركه إن أطاقه، وذلك هو الجماع، غير أنه إذا حيل بينه وبين الفئ الذي هو الجماع بعذر، فغير كائن تاركا جماعها على الحقيقة، لان المرء إنما يكون تاركا ماله إلى فعله وتركه سبيل، فأما من لم يكن له إلى فعل أمر سبيل، فغير كائن تاركه. وإذ كان ذلك كذلك فإحداث العزم في نفسه على جماعها مجزئ عنه في حال العذر، حتى يجد السبيل إلى جماعها. وإن أبدى ذلك بلسانه وأشهد على نفسه في تلك الحال بالاوبة والفئ كان أعجب إلي. القول في تأويل قوله تعالى: فإن الله غفور رحيم. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فإن الله غفور لكم فيما اجترمتم بفيئكم إليهن من الحنث في اليمين التي حلفتم عليهن بالله أن لا تغشوهن، رحيم بكم في تخفيفه عنكم كفارة أيمانكم التي حلفتم عليهن ثم حنثتم فيه. ذكر من قال ذلك: 3612 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم قال: لا كفارة عليه. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، قال: إذا فاء فلا كفارة عليه. 3613 - حدثنا المثنى، قال: ثنا حماد بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: ثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كانوا يرون في قول الله: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم أن كفارته فيؤه. وهذا التأويل الذي ذكرنا هو التأويل الواجب على قول من زعم أن كل حانث في يمين هو في المقام عليها حرج، فلا كفارة عليه في حنثه فيها، وإن كفارتها الحنث فيها.
[ 579 ]
وأما على قول من أوجب على الحانث في كل يمين حلف بها برا كان الحنث فيها أو غير بر، فإن تأويله: فإن الله غفور للمؤلين من نسائهم فيما حنثوا فيه من إيلائهم، بأن فاءوا فكفروا أيمانهم بما ألزم الله الحانثين في أيمانهم من الكفارة، رحيم بهم بإسقاطه عنهم العقوبة في العاجل والآجل على ذلك بتكفيره إياه بما فرض عليهم من الجزاء والكفارة، وبما جعل لهم من المهل الاشهر الاربعة، فلم يجعل فيها للمرأة التي آلى منها زوجها ما جعل لها بعد الاشهر الاربعة. كما: 3614 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: حدثنا يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيوإن عزموا الطلاق قال: وتلك رحمة الله ملكه أمرها الاربعة الاشهر إلا من معذرة، لان الله قال: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع. ذكر بعض من قال: إذا فاء المولي فعليه الكفارة: 3615 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر وهو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها، فيتربص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفر يمينه بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. 3616 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني يونس، قال: ثني ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب بنحوه. 3617 - حدثنا المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، قال: إذا آلى فغشيها قبل الاربعة الاشهر كفر عن يمينه. 3618 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو
[ 580 ]
عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم في النفساء يؤلي منها زوجها، قال: هذه في محارب سئل عنها أصحاب عبد الله، فقالوا: إذا لم يستطع كفر عن يمينه وأشهد على الفئ. 3619 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: إن فاء فيها كفر يمينه وهي امرأته. 3620 - حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. 3621 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، عن الاعمش، عن إبراهيم في الايلاء قال: يوقف قبل أن تمضي الاربعة الاشهر، فإن راجعها فهي امرأته وعليه يمين يكفرها إذا حنث. قال أبو جعفر: وهذا التأويل الثاني هو الصحيح عندنا في ذلك لما قد بينا من العلل في كتابنا كتاب الايمان من أن الحنث موجب الكفارة في كل ما ابتدئ فيه الحنث من الايمان بعد الحلف على معصية كانت اليمين أو على طاعة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) * اختلف أهل التأويل في معنى قول الله تعالى ذكره وإن عزموا الطلاق فقال بعضهم: معنى ذلك: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا فرجعوا إلى ما أوجب الله لهن من العشرة بالمعروف في الاشهر الاربعة التي جعل الله لهم تربصهم عنهن وعن جماعهن وعشرتهن في ذلك بالواجب، فإن الله لهم غفور رحيم، وإن تركوا الفئ إليهن في الاشهر الاربعة التي جعل الله لهم التربص فيهن حتى ينقضين طلق منهم نساؤهم اللاتي آلوا منهن بمضيهن، ومضيهن عند قائلي ذلك هو الدلالة على عزم المولي على طلاق امرأته التي آلى منها. ثم اختلف متأولو هذا التأويل بينهم في الطلاق الذي يلحقها بمضي الاشهر الاربعة، فقال بعضهم: هو تطليقة بائنة. ذكر من قال ذلك: 3622 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا محمد بن بشر، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس أو الحسن، عن علي قال: إذ مضت أربعة أشهر، فهي تطليقة بائنة.
[ 581 ]
3623 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة أن عليا وابن مسعود كانا يجعلانها تطليقة إذا مضت أربعة أشهر فهي أحق بنفسها. قال قتادة: وقول علي وعبد الله أعجب إلي في الايلاء. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أن عليا قال في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر بانت بتطليقة. 3624 - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا معمر، عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت كانا يقولان: إذا مضت الاربعة الاشهر فهي واحدة بائنة. 3625 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرنا عطاء الخراساني، قال: سمعني أبو سلمة بن عبد الرحمن أسأل ابن المسيب عن الايلاء، فمررت به، فقال: ما قال لك ابن المسيب ؟ فحدثته بقوله. فقال: أفلا أخبرك ما كان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت يقولان ؟ قلت: بلى. قال: كانا يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة وهي أحق بنفسها. 3626 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد، عن الاوزاعي، عن عطاء الخراساني، قال: ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عثمان بن عفان، قال: إذا مضت أربعة أشهر من يوم آلى فتطليقة بائنة. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن معمر، أو حدثت عنه، عن عطاء الخراساني، عن أبي سلمة عن عثمان وزيد أنهما كانا يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. 3627 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن إبراهيم، عن عقلمة، قال: آلى عبد الله بن أنيس من امرأته، فمكثت ستة أشهر، فأتى ابن مسعود فسأله، فقال: أعلمها أنها قد ملكت أمرها. فأتاها فأخبرها، وأصدقها رطلا من ورق. 3628 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله أنه كان يقول في الايلاء: إذا مضت الاربعة الاشهر فهي تطليقة بائنة.
[ 582 ]
* - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثل ذلك. 3629 - حدثني أبو السائب، قال: * - حدثنا أبو معاوية عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: آلى عبد الله بن أنيس من امرأته، قال: فخرج فغاب عنها ستة أشهر، ثم جاء فدخل عليها، فقيل: إنها قد بانت منك فأتى عبد الله فذكر ذلك له، فقال له عبد الله: قد بانت منك، فأتها وأعلمها واخطبها إلى نفسها فأتاها فأعلمها أنها قد بانت منه وخطبها إلى نفسها، وأصدقها رطلا من ورق. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، عن عطاء، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود أنه قال في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة. 3630 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر: أن رجلا من بني هلال يقال له فلان ابن أنيس أو عبد الله بن أنيس، أراد من أهله ما يريد الرجل من أهله، فأبت، فحلف أن لا يقربها. فطرأ على الناس بعث من الغد، فخرج فغاب ستة أشهر، ثم قدم فأتى أهله، ما يرى أن عليه بأسا. فخرج إلى القوم فحدثهم بسخطه على أهله حيث خرج وبرضاه عنهم حين قدم. فقال القوم: فإنها قد حرمت عليك. فأتى ابن مسعود فسأله عن ذلك، فقال ابن مسعود: أما علمت أنها حرمت عليك ؟ قال لا. قال: فانطلق فاستأذن عليها، فإنها ستنكر ذلك، ثم أخبرها أن يمينك التي كنت حلفت عليها صارت طلاقا، وأخبرها أنها واحدة وأنها أملك بنفسها، فإن شاءت خطبتها فكانت عندك على ثنتين، وإلا فهي أملك بنفسها. 3631 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي: قال: ثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله، قال في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وتعتد ثلاثة قروء. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور والاعمش ومغيرة، عن إبراهيم: أن عبد الله بن أنيس آلى من امرأته، فمضت أربعة أشهر، ثم جامعها وهو ناس، فأتى علقمة، فذهب به إلى عبد الله، فقال عبد الله: بانت منك فاخطبها إلى نفسها، فأصدقها رطلا من فضة.
[ 583 ]
3632 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة: أن النعمان بن بشير آلى من امرأته، فضرب ابن مسعود فخذه وقال: إذا مضت أربعة أشهر فاعترف بتطليقة. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت داود، عن عامر أن ابن مسعود قال في المؤلي: إذا مضت أربعة أشهر ولم يفئ فقد بانت منه امرأته بواحدة وهو خاطب. 3633 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: عزم الطلاق انقضاء الاربعة الاشهر. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، مثله. * - حدثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة. 3634 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا خالد بن مخلد، عن جعفر بن برقان، عن عبد الاعلى بن ميمون بن مهران، عن عكرمة أنه قال: إذا مضت الاربعة الاشهر فهي تطليقة بائنة. فذكر ذلك عن ابن عباس. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو نعيم، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: عزيمة الطلاق انقضاء الاربعة. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، مثله. 3635 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا الاعمش، عن حبيب، عن سعيد بن جبير: أن أمير مكة سأله عن المؤلي، فقال: كان ابن عمر يقول: إذا مضت أربعة أشهر ملكت أمرها، وكان ابن عباس يقول ذلك.
[ 584 ]
* - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا حفص، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. 3636 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا حفص، عن حجاج، عن سالم المكي، عن ابن الحنفية، مثله. 3637 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبان بن صالح، عن ابن شهاب: أن قبيصة بن ذؤيب قال في الايلاء: هي تطليقة بائنة وتأتنف العدة وهي أملك بأمرها. 3638 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن شريح أنه أتاه رجل فقال: إني آليت من امرأتي فمضت أربعة أشهر قبل أن أفئ. فقال شريح: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم لم يزده عليها. فأتى مسروقا فذكر ذلك له، فقال: يرحم الله أبا أمية لو أنا قلنا مثل ما قال لم يفرج أحد عنه، وإنما أتاه ليفرج عنه. ثم قال: هي تطليقة بائنة، وأنت خاطب من الخطاب. * - حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن مغيرة أنه سمع الشعبي يحدث أنه شهد شريحا وسأله رجل عن الايلاء فقال: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر الآية، قال: فقمت من عنده، فأتيت مسروقا، فقلت: يا أبا عائشة وأخبرته بقول شريح، فقال: يرحم الله أبا أمية، لو أن الناس كلهم قالوا مثل هذا من كان يفرج عنا مثل هذا ثم قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة. 3639 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو داود، عن جرير بن حازم، قال: قرأت في كتاب أبي قلابة عند أيوب: سألت سالم بن عبد الله وأبا سلمة بن عبد الرحمن فقالا: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. 3640 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو داود، عن جرير بن حازم، عن قيس بن سعد، عن عطاء، قال: إذا مضت أربعة أشهر، فهي تطليقة بائنة، ويخطبها في العدة. 3641 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا معتمر، عن أبيه في الرجل يقول لامرأته: والله لا يجمع رأسي ورأسك شئ أبدا ويحلف أن لا يقربها أبدا، فإن مضت أربعة
[ 585 ]
أشهر ولم يفئ كانت تطليقة بائنة وهو خاطب قول علي وابن مسعود وابن عباس والحسن. 3642 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، أنه سئل عن رجل قال لامرأته: إن قربتك فأنت طالق ثلاثا، قال: فإذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وسقط ذلك. 3643 - حدثنا سوار، قال: ثنا بشر بن المفضل، وحدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع جميعا، عن يزيد بن إبراهيم، قال: سمعت الحسن ومحمدا في الايلاء، قالا: إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت بتطليقة بائنة، وهو خاطب من الخطاب. 3644 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، قال: كنا نتحدث في الالية أنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. 3645 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، عن الاعمش، عن إبراهيم في الايلاء قال: إن مضت، يعني أربعة أشهر بانت منه. 3646 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن النخعي قال: إن قربها قبل الاربعة الاشهر فقد بانت منه بثلاث، وإن تركها حتى تمضي الاربعة الاشهر بانت منه بالايلاء في رجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إن قربتك سنة. 3647 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، قال: أعتم عبيد الله بن زياد عند هند في ليلة أم عثمان ابنة عمر بن عبيد الله فلما أتاها أمرت جواريها، فأغلقن الابواب دونه، فحلف أن لا يأتيها حتى تأتيه، فقيل له: إن مضت أربعة أشهر ذهبت منك. 3648 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عوف، قال: بلغني أن الرجل إذا آلى من امرأته فمضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، ويخطبها إن شاء. 3649 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر في الذي يقسم، وإن مضت الاربعة الاشهر فقد حرمت عليه، فتعتد عدة المطلقة وهو أحد الخطاب.
[ 586 ]
3650 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، قال: إذا مضت الاربعة الاشهر فهي تطليقة بائنة. 3651 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وهذا في الرجل يؤلي من امرأته ويقول: والله لا يجتمع رأسي ورأسك، ولا أقربك، ولا أغشاك فكان أهل الجاهلية يعدونه طلاقا، فحد الله لهما أربعة أشهر، فإن فاء فيها كفر يمينه وهي امرأته، وإن مضت أربعة أشهر ولم يفئ فهي تطليقة بائنة، وهي أحق بنفسها، وهو أحد الخطاب. 3652 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. * - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر قال: كان ابن مسعود وعمر بن الخطاب يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي طالق بائنة، وهي أحق بنفسها. 3653 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق قال: ثنا أبو وهب، عن جويبر، عن الضحاك: للذين يؤلون الآية، هو الذي يحلف أن لا يقرب امرأته، فإن مضت أربعة أشهر ولم يفئ ولم يطلق بانت منه بالايلاء، فإن رجعت إليه فمهر جديد، ونكاح ببينة، ورضا من المؤلي. وقال آخرون: بل الذي يلحقها بمضي الاربعة الاشهر تطليقة يملك فيها الزوج الرجعة. ذكر من قال ذلك: 3654 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام قالا: إذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر، فواحدة وهو أملك لرجعتها. 3655 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن إدريس، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة يملك الرجعة. 3656 - حدثنا أبو هشام قال: ثنا ابن مهدي قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن مكحول، قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة، يملك الرجعة.
[ 587 ]
3657 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: هي واحدة وهو أحق بها، يعني إذا مضت الاربعة الاشهر. وكان الزهري يفتي بقول أبي بكر هذا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا الليث، قال: ثني يونس، قال: قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته فمضت الاربعة الاشهر قبل أن يفئ فهي تطليقة وهو أملك بها ما كانت في عدتها. 3658 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا أبو يونس القوي، قال: قال لي سعيد بن المسيب: ممن أنت ؟ قال: قلت من أهل العراق، قال: لعلك ممن يقول: إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت ؟ لا ولو مضت أربع سنين. 3659 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حجاج بن رشدين قال: ثنا عبد الجبار بن عمر، عن ربيعة أنه قال في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة، وتستقبل عدتها، وزوجها أحق برجعتها. 3660 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: كان ابن شبرمة يقول: إذا مضت أربعة أشهر فله الرجعة ويخاصم بالقرآن، ويتأول هذه الآية: وبعولتهن أحق بردهن في ذلكثم نزع: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم. 3661 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: قال أبو عمرو: ونحن في ذلك يعني ف الايلاء على قول أصحابنا الزهري ومكحول أنها تطليقة يعني مضي الاربعة الاشهر وهو أملك بها في عدتها. وقال آخرون: معنى قوله: للذين يؤلون من نسائهم إلى قوله: فإن الله سميع عليم للذين يؤلون على الاعتزال من نسائهم تنظر أربعة أشهر بأمره وأمرها، فإن فاءوا بعد انقضاء الاشهر الاربعة إليهن، فرجعوا إلى عشرتهن بالمعروف، وترك هجرانهن، وأتوا إلى غشيانهن وجماعهن، فإن الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فأحدثوا لهن طلاقا بعد الاشهر الاربعة، فإن الله سميع لطلاقهم إياهن، عليم بما فعلوا بهن من إحسان وإساءة.
[ 588 ]
وقال متأولو هذا التأويل: مضي الاشهر الاربعة يوجب للمرأة المطالبة على زوجها المؤلي منها بالفئ أو الطلاق، ويجب على السلطان أن يقف الزوج على ذلك، فإن فاء أو طلق، وإلا طلق عليه السلطان. ذكر من قال ذلك: 3662 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرنا المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب، أن عمر قافي الايلاء: لا شئ عليه حتى يوقف، فيطلق أو يمسك. * - حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن المثنى، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، مثله. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن عمر بن الخطاب أنه قال في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر لم يجعله شيئا. 3663 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن عيينة، عن الشيباني، عن الشعبي، عن عمرو بن سلمة، عن علي أنه كان يقف المؤلي بعد الاربعة الاشهر حتى يفئ أو يطلق. 3664 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن الشيباني، عن الشعبي، عن عمرو بن سلمة، عن علي قال في الايلاء: يوقف. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الشيباني، عن بكير بن الاخنس، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي أنه كان يقفه. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن الشيباني، عن بكير بن الاخنس، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي أنه كان يوقفه. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، عن مروان بن الحكم، عن علي قال: يوقف المؤلي عند انقضاء الاربعة الاشهر حتى يفئ أو يطلق. قال أبو كريب، قال ابن إدريس: وهو قول أهل المدينة. * - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، عن مروان، عن علي مثله.
[ 589 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، عن مروان بن الحكم، عن علي، قال: المؤلي إما أن يفئ، وإما أن يطلق. 3665 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، أن عثمان كان يقف المؤلي بقول أهل المدينة. * - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: لقيت طاوسا فسألته، فقال: كان عثمان يأخذ بقول أهل المدينة. 3666 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي الدرداء أنه قال: ليس له أجل وهي معصية، يوقف في الايلاء، فإما أن يمسك، وإما أن يطلق. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أن أبا الدرداء قال في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فإنه يوقف، إما أن يفئ، وإما أن يطلق. 3667 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أن أبا الدرداء كان يقول: هي معصية، ولا تحرم عليه امرأته بعد الاربعة الاشهر، ويجعل عليها العدة بعد الاربعة الاشهر. 3668 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أن أبا الدرداء وسعيد بن المسيب قالا: يوقف عند انقضاء الاربعة الاشهر، فإما أن يفئ، وإما أن يطلق، ولا يزال مقيما على معصية حتى يفئ أو يطلق. 3669 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة أن أبا الدرداء وعائشة قالا: يوقف المؤلي عند انقضاء الاربعة، فإما أن يفئ، وإما أن يطلق. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الدرداء وسعيد بن المسيب، نحوه. 3670 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا الحسن، عن ابن أبي
[ 590 ]
مليكة، قال: قالت عائشة: يوقف عند انقضاء الاربعة الاشهر، فإما أن يفئ، وإما أن يطلق. قال: قلت: أنت سمعتها ؟ قال: لا تبكتني. * - حدثنا إبراهيم بن مسلم بن عبد الله، قال: ثنا عمران بن ميسرة، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا حسن بن الفرات بإسناده عن عائشة، مثله. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، مثله. 3671 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: إذا آلى الرجل أن لا يمس امرأته فمضت أربعة أشهر، فإما أن يمسكها كما أمره الله، وإما أن يطلقها لا يوجب عليه الذي صنع طلاقا ولا غيره. 3672 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد وناجية بن بكر وابن أبي الزنا، عن أبي الزناد، قال: أخبرني القاسم بن محمد: أن خالد بن العاص المخزومي كانت عنده ابنة أبي سعيد بن هشام، وكان يحلف فيها مرارا كثيرة أن لا يقربها الزمان الطويل، قال: فسمعت عائشة تقول له: ألا تتقي الله يا ابن العاص في ابنة أبي سعيد ؟ أما تحرج ؟ أما تقرأ هذه الآية التي في سورة البقرة ؟ قال: فكأنها تؤثمه، ولا ترى أنه فارق أهله. 3673 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال في المؤلي: لا يحل له إلا ما أحل الله له، إما أن يفئ، وإما أن يطلق. * - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا عبد الله بن نمير، قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، نحوه. 3674 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يجوز للمؤلي أن لا يفعل ما أمره الله، يقول: يبين رجعتها، أو يطلق عند
[ 591 ]
انقضاء الاربعة الاشهر يبين رجعتها، أو يطلق قال أبو كريب: قال ابن إدريس وزاد فيه: وراجعته فيه، فقال قولا معناه: إن له الرجعة. 3675 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن سعيد بن جبير أن عمر قال نحوا من قول ابن عمر. 3676 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جرير بن حازم، قال: أخبرنا نافع أن ابن عمر قال في الايلاء: يوقف عند الاربعة الاشهر. 3677 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: إذا آلى الرجل أن لا يمس امرأته فمضت أربعة أشهر، فإما أن يمسكها كما أمره الله، وإما أن يطلقها ولا يوجب عليه الذي صنع طلاقا ولا غيره. 3678 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن عيينة، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عمر عن الايلاء فقال: الامراء يقضون بذلك. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: يوقف المؤلي بعد انقضاء الاربعة، فإماأن يطلق، وإما أن يفئ. 3679 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، قال: سألت اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله (ص)، عن الرجل يؤلي من امرأته، فكلهم يقول: ليس عليه شئ حتى تمضي الاربعة الاشهر فيوقف، فإن فاء وإلا طلق. 3680 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن سعيد بن المسيب في الرجل يؤلي من امرأته قال: كان لا يرى أن تدخل عليه فرقة حتى يطلق. 3681 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن سعيد بن المسيب في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر إنما جعله الله وقتا لا يحل له أن يجاوز حتى يفئ أو يطلق، فإن جاوز فقد عصى الله لا تحرم عليه امرأته.
[ 592 ]
* - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن فضيل، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، قال: إذا مضت أربعة أشهر، فإما أن يفئ، وإما أن يطلق. * - حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن المسيب في الايلاء: يوقف عند انقضاء الاربعة الاشهر، فإما أن يفئ، وإما أن يطلق. * - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن معمر، أو حدثته عنه، عن عطاء الخراساني، قال: سألت ابن المسيب عن الايلاء، فقال: يوقف. 3682 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عطاء الخراساني، عن ابن المسيب، وعن ابن طاوس، عن أبيه، قالا: يوقف المؤلي بعد انقضاء الاربعة، فإما أن يفئ، وإما أن يطلق. 3683 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثني مالك بن أنس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام مثل ذلك. يعني مثل قول عمر بن الخطاب في الايلاء: لا شئ عليه، حتى يوقف، فيطلق، أو يمسك. 3684 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال في الايلاء: يوقف. 3685 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح. وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر قال إذا مضى أربعة أشهر أخذ فيوقف حتى يراجع أهله، أو يطلق. 3686 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن عيينة، عن أيوب، عن سليمان بن يسار: أن مروان وقفه بعد ستة أشهر. 3687 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عمر بن عبد العزيز في الايلاء، قال: يوقف عند الاربعة الاشهر حتى يفئ، أو يطلق. 3688 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس قوله: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا
[ 593 ]
ينكحها، فيتربص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفر عن يمينه، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها أجبره السلطان إما أن يفئ فيراجع، وإما أن يعزم فيطلق، كما قال الله سبحانه. 3689 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا الآية، قال: كان علي وابن عباس يقولان: إذا آلى الرجل من امرأته فمضت الاربعة الاشهر فإنه يوقف فيقال له أمسكت أو طلقت، فإن أمسك فهي امرأته، وإن طلق فهي طالق. 3690 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: للذين يؤلون من نسائهم قال: هو الرجل يحلف أن لا يصيب امرأته كذا وكذا، فجعل الله له أربعة أشهر يتربص بها. وقال: قول الله تعالى ذكره: تربص أربعة أشهر يتربص بها فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم فإذا رفعته إلى الامام ضرب له أجلا أربعة أشهر، فإن فاء وإلا طلق عليه، فإن لم ترفعه فإنما هو حق لها تركته. 3691 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، عن مالك، قال: لا يقع على المؤلي طلاق حتى يوقف، ولا يكون مؤليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر، فإذا حلف على أربعة أشهر فلا إيلاء عليه، لانه يوقف عند الاربعة أشهر، وقد سقطت عنه اليمين، فذهب الايلاء. 3692 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، قال: قال ابن عمر: حتى يرفع إلى السلطان، وكان أبي يقول ذلك ويقول: لا والله وإن مضت أربع سنين حتى يوقف. 3693 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا فطر، قال: قال محمد بن كعب القرظي وأنا معه: لو أن رجلا آلى من امرأته أربع سنين لم نكنها منه حتى نجمع بينهما، فإن فاء فاء، وإن عزم الطلاق عزم. 3694 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عبد العزيز الماجشون، عن داود بن الحصين، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: يوقف إذا مضت الاربعة.
[ 594 ]
وقال آخرون: ليس الايلاء بشئ. ذكر من قال ذلك: 3695 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا ابن علية، عن عمرو بن دينار، قال: سألت ابن المسيب عن الايلاء فقال: ليس بشئ. 3696 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثني جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: سألت ابن عمر عن رجل آلى من امرأته فمضت أربعة أشهر فلم يفئ إليها، فتلا هذه الآية: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر... الآية. 3697 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: أرسلت إلى عطاء أسأله عن المؤلي، فقال: لا علم لي به. وقال آخرون من أهل هذه المقالة: بل معنى قوله: وإن عزموا الطلاق وإن امتنعوا من الفيئة بعد استيقاف الامام إياهم على الفئ أو الطلاق. ذكر من قال ذلك: 3698 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: يوقف المؤلي عند انقضاء الاربعة، فإن فاء جعلها امرأته، وإن لم يفئ جعلها تطليقة بائنة. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: يوقف المؤلي عند انقضاء الاربعة، فإن لم يفئ فهي تطليقة بائنة. قال أبو جعفر: وأشبه هذه الاقوال بما دل عليه ظاهر كتاب الله تعالى ذكره، قول عمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومن قال بقولهم في الطلاق: أن قوله: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم إنما معناه: فإن فاءوا بعد وقفالامام إياهم من بعد انقضاء الاشهر الاربعة، فرجعوا إلى أداء حق الله عليهم لنسائهم اللاتي آلوا منهن، فإن الله لهم غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فطلقوهن، فإن الله سميع لطلاقهم إذا طلقوا، عليم بما أتوا إليهن. وإنما قلنا ذلك أشبه بتأويل الآية، لان الله تعالى ذكره ذكر حين قال: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم، ومعلوم أن انقضاء الاشهر الاربعة غير مسموع، وإنما هو معلوم، فلو كان عزم الطلاق انقضاء الاشهر الاربعة لم تكن الآية مختومة بذكر الله الخبر عن
[ 595 ]
الله تعالى ذكره أنه سميع عليم كما أنه لم يختم الآية التي ذكر فيها الفئ إلى طاعته في مراجعة المؤلي زوجته التي آلى منها وأداء حقها إليها بذكر الخبر عن أنه شديد العقاب، إذ لم يكن موضع وعيد على معصية، ولكنه ختم ذلك بذكر الخبر عن وصفه نفسه تعالى ذكره بأنه غفور رحيم، إذ كان موضع وعد المنيب على إنابته إلى طاعته، فكذلك ختم الآية التي فيها ذكر القول، والكلام بصفة نفسه بأنه للكلام سميع وبالفعل عليم، فقال تعالى ذكره: وإن عزم المؤلون على نسائهم على طلاق من آلوا منه من نسائهم، فإن الله سميع لطلاقهم إياهن إن طلقوهن، عليم بما أتوا إليهن مما يحل لهم، ويحرم عليهم. وقد استقصينا البيان عن الدلالة على صحة هذا القول في كتابنا كتاب اللطيف من البيان عن أحكام شرائع الدين فكرهنا إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) * يعني تعالى ذكره: والمطلقات اللواتي طلقن بعد ابتناء أزواجهن بهن، وإفضائهم إليهن إذا كن ذوات حيض وطهر، يتربصن بأنفسهن عن نكاح الازواج ثلاثة قروء. واختلف أهل التأويل في تأويل القرء الذي عناه الله بقوله: يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فقال بعضهم: هو الحيض. ذكر من قال ذلك: 3699 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قال: حيض. 3700 - حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ثلاثة قروء أي ثلاث حيض. يقول: تعتد ثلاث حيض. 3701 - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا همام بن يحيى، قال: سمعت
[ 596 ]
قتادة في قوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء يقول: جعل عدة المطلقات ثلاث حيض، ثم نسخ منها المطلقة التي طلقت قبل أن يدخل بها زوجها، واللائي يئسن من المحيض، واللائي لم يحضن، والحامل. 3702 - حدثنا علي بن عبد الاعلى، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: القروء: الحيض. 3703 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قال: ثلاث حيض. 3704 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال عمرو بن دينار: الاقراء الحيض عن أصحاب النبي (ص). 3705 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن رجل سمع عكرمة قال: الاقراء: الحيض، وليس بالطهر، قال تعالى فطلقوهن لعدتهن ولم يقل: لقروئهن. * - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قال: ثلاث حيض. 3706 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء أما ثلاثة قروء: فثلاث حيض. 3707 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي أنه رفع إلى عمر، فقال لعبد الله بن مسعود: لتقولن فيها فقال: أنت أحق أن تقول قال: لتقولن قال: أقول: إن زوجها أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، قال: ذاك رأيي وافقت ما في نفسي فقضى بذلك عمر. * - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن قتادة، أن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود، فذكر نحوه. 3708 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، أن عمر بن الخطاب وابن مسعود قالا: زوجها أحق بها ما لم تغتسل، أو قالا: تحل لها الصلاة.
[ 597 ]
3709 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، قال: ثنا مطر أن الحسن حدثهم: أن رجلا طلق امرأته، ووكل بذلك رجلا من أهله، أو إنسانا من أهله، فغفل ذلك الذي وكله بذلك حتى دخلت امرأته في الحيضة الثالثة، وقربت ماءها لتغتسل، فانطلق الذي وكل بذلك إلى الزوج، فأقبل الزوج وهي تريد الغسل، فقال: يا فلانة قالت: ما تشاء ؟ قال: إني قد راجعتك. قالت: والله مالك ذلك قال: بلى والله قال: فارتفعا إلى أبي موسى الاشعري، فأخذ يمينها بالله الذي لا إله إلا هو إن كنت لقد اغتسلت حين ناداك ؟ قالت: لا والله ما كنت فعلت، ولقد قربت مائي لاغتسل فردها على زوجها، وقال: أنت أحق ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. * - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن مطر، عن الحسن، عن أبي موسى الاشعري بنحوه. 3710 - حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يونس، عن الحسن، قال: قال عمر: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. 3711 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، عن يونس بن جبير: أن عمر بن الخطاب طلق امرأته، فأرادت أن تغتسل من الحيضة الثالثة، فقال عمر بن الخطاب: امرأتي ورب الكعبة فراجعها. قال ابن بشار: فذكرت هذا الحديث لعبد الرحمن بن مهدي، فقال: سمعت هذا الحديث من أبي هلال، عن قتادة، وأبو هلال لا يحتمل هذا. 3712 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا عند عمر بن الخطاب، فجاءت امرأة فقالت: إن زوجي طلقني واحدة أو إثنتين، فجاء وقد وضعت مائي، وأغلقت بابي، ونزعت ثيابي. فقال عمر لعبد الله: ما ترى ؟ قال: أراها امرأته ما دون أن تحل لها الصلاة. قال عمر: وأنا أرى ذلك. 3713 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الاسود أنه قال في رجل طلق امرأته ثم تركها حتى دخلت في الحيضة الثالثة، فأرادت أن تغتسل، ووضعت ماءها لتغتسل، فراجعها: فأجازه عمر وعبد الله بن مسعود.
[ 598 ]
* - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الاسود، بمثله، إلا أنه قال: ووضعت الماء للغسل، فراجعها، فسأل عبد الله وعمر، فقال: هو أحق بها ما لم تغتسل. 3714 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قالا: كان عمر وعبد الله يقولان: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة يملك الرجعة، فهو أحق بها ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة. 3715 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا المغيرة، عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين، فهو أحق برجعتها، وبينهما الميراث ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن الحسن: أن رجلا طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم وكل بها بعض أهله، فغفل الانسان حتى دخلت مغتسلها، وقربت غسلها، فأتاه فآذنه، فجاء فقال: إني قد راجعتك فقالت: كلا والله قال: بلى والله قالت: كلا والله قال: بلى والله قال: فتحالفا، فارتفعا إلى الاشعري، واستحلفها بالله لقد كنت اغتسلت وحلت لك الصلاة. فأبت أن تحلف، فردها عليه. * - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، أن عمر استشار ابن مسعود في الذي طلق امرأته تطليقة أو ثنتين، فحاضت الحيضة الثالثة، فقال ابن مسعود: أراه أحق بها ما لم تغتسل، فقال عمر: وافقت الذي في نفسي. فردها على زوجها. 3716 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا النعمان بن راشد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن عليا كان يقول: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. 3717 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: إذا انقطع الدم رجعة. 3718 - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي طاهر اعتدت ثلاث حيض سوى الحيضة التي طهرت منها.
[ 599 ]
3719 - حدثني محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن مطر، عن عمرو بن شعيب، أن عمر سأل أبا موسى عنها، وكان بلغه قضاؤه فيها، فقال أبو موسى قضيت أن زوجها أحق بها ما لم تغتسل. فقال عمر: لو قضيت غير هذا لاوجعت لك رأسك. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن علي بن أبي طالب قال في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها تطليقة أو ثنتين، قال: لزوجها الرجعة عليها، حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة. 3720 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن رفيع، عن أبي عبيدة بن عبد الله، قال: أرسل عثمان إلى أبي يسأله عنها، فقال أبي: وكيف يفتي منافق ؟ فقال عثمان: أعيذك بالله أن تكون منافقا، ونعوذ بالله أن نسميك منافقا، ونعيذك بالله أن يكون مثل هذا كان في الاسلام ثم تموت ولم تبينه قال: فإني أرى أنه حق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة. قال: فلا أعلم عثمان إلا أخذ بذلك. 3721 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: وأخبرنا معمر، عن قتادة قالا: راجع رجل امرأته حين وضعت ثيابها تريد الاغتسال فقال: قد راجعتك، فقالت: كلا فاغتسلت. ثم خاصمها إلى الاشعري، فردها عليه. 3722 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن رفيع، عن معبد الجهني، قال: إذا غسلت المطلقة فرجها من الحيضة الثالثة بانت منه وحلت للازواج. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن حماد، عن إبراهيم: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، ويحل لها الصوم. * - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
[ 600 ]
* - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، عن سعيد، عن درست، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن علي، مثله. وقال آخرون: بل القرء الذي أمر الله تعالى ذكره المطلقات أن يعتددن به: الطهر. ذكر من قال ذلك: 3723 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، قالت: الاقراء: الاطهار. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي (ص) أنها كانت تقول: الا قراء: الاطهار. 3724 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عمرة وعروة، عن عائشة قالت: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للازواج. قال الزهري: قالت عمرة: كانت عائشة تقول: القرء: الطهر، وليس بالحيضة. 3725 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، مثل قول زيد وعائشة. 3726 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، مثل قول زيد. 3727 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للازواج. قال معمر: وكان الزهري يفتي بقول زيد. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: بلغني أن عائشة قالت: إنما الاقراء: الاطهار. * - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت، قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها.
[ 601 ]
3728 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي وعبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن ابن المسيب في رجل طلق امرأته واحدة أو إثنتين، قال: قال زيد بن ثابت: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها. وزاد ابن أبي عدي قال: قال علي بن أبي طالب: هو أحق بها ما لم تغتسل. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن زيد وعلي، بمثله. 3729 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت، قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا ميراث لها. 3730 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية وحدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قالا جميعا: ثنا أيوب، عن نافع، عن سليمان بن يسار: أن الاحوص رجل من أشراف أهل الشام طلق امرأته تطليقة أو إثنتين، فمات وهي في الحيضة الثالثة، فرفعت إلى معاوية، فلم يوجد عنده فيها علم، فسأل عنها فضالة بن عبيد ومن هناك من أصحاب رسول الله (ص)، فلم يوجد عندهم فيها علم، فبعث معاوية راكبا إلى زيد بن ثابت، فقال: لا ترثه، ولو ماتت لم يرثها. فكان ابن عمر يرى ذلك. 3731 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له الاحوص من أهل الشام طلق امرأته تطليقة، فمات وقد دخلت في الحيضة الثالثة، فرفع إلى معاوية، فلم يدر ما يقول، فكتب فيها إلى زيد بن ثابت، فكتب إليه زيد: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فلا ميراث بينهما. * - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن أيوب، عن نافع، عن سليمان بن يسار، أن رجلا يقال له الاحوص، فذكر نحوه عن معاوية وزيد. * - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن أيوب، عن نافع، قال: قال ابن عمر: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال في المطلقة: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت.
[ 602 ]
3732 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمر بن محمد، أن نافعا أخبره، عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت أنهما كانا يقولان: إذا دخلت المرأة في الدم من الحيضة الثالثة، فإنها ترثه ولا يرثها، وقد برئت منه وبرئ منها. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: بلغني، عن زيد بن ثابت قال: إذا طلقت المرأة، فدخلت في الحيضة الثالثة أنه ليس بينهما ميراث ولا رجعة. 3733 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: سمعت سالم بن عبد الله يقول مثل قول زيد بن ثابت. 3734 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: وسمعت يحيى يقول: بلغني عن أبان بن عثمان أنه كان يقول ذلك. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبيد الله، عن زيد بن ثابت، مثل ذلك. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن نافع: أن معاوية بعث إلى زيد بن ثابت فكتب إليه زيد: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت. وكان ابن عمر يقوله. 3735 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سليمان وزيد بن ثابت أنهما قالا: إذا حاضت الحيضة الثالثة فلا رجعة، ولا ميراث. * - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن قيس بن سعد، عن بكير بن عبد الله بن الاشج، عن زيد بن ثابت، قال: إذا طلق الرجل امرأته، فرأت الدم في الحيضة الثالثة، فقد انقضت عدتها. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة عن موسى بن شداد، عن عمر بن ثابت الانصاري، قال: كان زيد بن ثابت يقول: إذا حاضت المطلقة الثالثة قبل أن يراجعها زوجها فلا يملك رجعتها. 3736 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، عن سعيد، عن درست، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن عائشة وزيد بن ثابت قالا: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها.
[ 603 ]
قال أبو جعفر: والقرء في كلام العرب: جمعه قروء، وقد تجمعه العرب أقراء، يقال في أفعل منه: أقرأت المرأة: إذا صارت ذات حيض وطهر، فهي تقرئ إقراء. وأصل القرء في كلام العرب: الوقت لمجئ الشئالمعتاد مجيئه لوقت معلوم، ولادبار الشئ المعتاد إدباره لوقت معلوم، ولذلك قالت العرب: أقرأت حاجة فلان عندي، بمعنى دنا قضاؤها، وجاء وقت قضائها وأقرأ النجم: إذا جاء وقت أفوله، وأقرأ: إذا جاء وقت طلوعه، كما قال الشاعر: إذا ما الثريا وقد أقرأت أحس السماكان منها أفولا وقيل: أقرأت الريح: إذا هبت لوقتها، كما قال الهذلي: شنئت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح بمعنى هبت لوقتها وحين هبوبها. ولذلك سمى بعض العرب وقت مجئ الحيض قرءا، إذا كان دما يعتاد طهوره من فرج المرأة في وقت، وكمونه في آخر، فسمي وقت مجيئه قرءا، كما سمى الذين سموا وقت مجئ الريح لوقتها قرءا، ولذلك قال (ص) لفاطمة بنت أبي حبيش: دعي الصلاة أيام أقرائك بمعنى: دعي الصلاة أيام إقبال حيضك. وسمى آخرون من العرب وقت مجئ الطهر قرءا، إذ كان وقت مجيئه وقتا لادبار الدم دم الحيض، وإقبال الطهر المعتاد مجيئه لوقت معلوم، فقال في ذلك الاعشى ميمون بن قيس: وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لاقصاها عزيم عزائكا
[ 604 ]
مورثة مالا وفي الذكر رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا فجعل القرء: وقت الطهر. ولما وصفنا من معنى القرء أشكل تأويل قول الله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء على أهل التأويل، فرأى بعضهم أن الذي أمرت به المرأة المطلقة ذات الاقراء من الاقراء أقراء الحيض، وذلك وقت مجيئه لعادته التي تجئ فيه، فأوجب عليها تربص ثلاث حيض بنفسها عن خطبة الازواج. ورأى آخرون أن الذي أمرت به من ذلك إنما هو أقراء الطهر، وذلك وقت مجيئه لعادته التي تجئ فيه، فأوجب عليها تربص ثلاث أطهار. فإذ كان معنى القرء ما وصفنا لما بينا، وكان الله تعالى ذكره قد أمر المريد بطلاق امرأته أن لا يطلقها إلا طاهرا غير مجامعة، وحرم عليه طلاقها حائضا، كان اللازم للمطلقة المدخول بها إذا كانت ذات أقراء تربص أوقات محدودة المبلغ بنفسها عقيب طلاق زوجها إياها أن تنظر إلى ثلاثة قروء بين طهري كل قرء منهن قرء، هو خلاف ما احتسبته لنفسها قروءا تتربصهن. فإذا انقضين، فقد حلت للازواج، وانقضت عدتها وذلك أنها إذا فعلت ذلك، فقد دخلت في عداد من تربص من المطلقات بنفسها ثلاثة قروء بين طهري كل قرء منهن قرء له مخالف، وإذا فعلت ذلك كانت مؤدية ما ألزمها ربها تعالى ذكره بظاهر تنزيله. فقد تبين إذا إذ كان الامر على ما وصفنا أن القرء الثالث من أقرائها على ما بينا الطهر الثالث، وأن بانقضائه ومجئ قرء الحيض الذي يتلوه انقضاء عدتها. فإن ظن ذو غباوة إذ كنا قد نسمي وقت مجئ الطهر قرءا، ووقت مجئ الحيض قرءا أنه يلزمنا أن نجعل عدة المرأة منقضية بانقضاء الطهر الثاني، إذ كان الطهر الذي طلقها فيه، والحيضة التي بعده، والطهر الذي يتلوها أقراء كلها فقد ظن جهلا، وذلك أن الحكم عندنا في كل ما أنزله الله في كتابه على ما احتمله ظاهر التنزيل ما لم يبين الله تعالى ذكره لعباده، أن مراده منه الخصوص، إما بتنزيل في كتابه، أو على لسان رسول الله (ص). فإذا خص منه البعض، كان الذي خص من ذلك غير داخل في الجملة التي أوجب الحكم بها، وكان سائرها على عمومها، كما قد بينا في كتابنا: كتاب لطيف القول من البيان عن أصول الاحكام وغيره من كتبنا. فالاقراء التي هي أقراء الحيض بين طهري أقراء الطهر غير محتسبة من أقراء المتربصة
[ 605 ]
بنفسها بعد الطلاق لاجماع الجميع من أهل الاسلام أن الاقراء التي أوجب الله عليها تربصهن ثلاثة قروء، بين كل قرء منهن أوقات مخالفات المعنى لاقرائها التي تربصهن، وإذ كن مستحقات عندنا اسم أقراء، فإن ذلك من إجماع الجميع لم يجز لها التربص إلا على ما وصفنا قبل. وفي هذه الآية دليل واضح على خطأ قول من قال: إن امرأة المولي التي آلى منها تحل للازواج بانقضاء الاشهر الاربعة إذا كانت قد حاضت ثلاث حيض في الاشهر الاربعة لان الله تعالى ذكره إنما أوجب عليها العدة بعد عزم المولي على طلاقها، وإيقاع الطلاق بها بقوله: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فأوجب تعالى ذكره على المرأة إذا صارت مطلقة تربص ثلاثة قروء، فمعلوم أنها لم تكن مطلقة يوم آلى منها زوجها لاجماع الجميع على أن الايلاء ليس بطلاق موجب على المولى منها العدة. وإذ كان ذلك كذلك، فالعدة إنما تلزمها بعد الطلاق، والطلاق إنما يلحقها بما قد بيناه قبل. وأما معنى قوله: والمطلقات فإنه: والمخليات السبيل غير ممنوعات بأزواج ولا مخطوبات، وقول القائل: فلانة مطلقة، إنما هو مفعلة من قول القائل: طلق الرجل زوجته فهي مطلقة وأما قولهم: هي طالق، فمن قولهم: طلقها زوجها فطلقت هي، وهي تطلق طلاقا، وهي طالق. وقد حكي عن بعض أحياء العرب أنها تقول: طلقت المرأة وإنما قيل ذلك لها إذا خلاها زوجها، كما يقال للنعجة المهملة بغير راع ولا كالئ إذا خرجت وحدها من أهلها للرعي مخلاة سبيلها: هي طالق فمثلت المرأة المخلاة سبيلها بها، وسميت بما سميت به النعجة التي وصفنا أمرها. وأما قولهم: طلقت المرأة، فمعنى غير هذا إنما يقال في هذا إذا نفست، هذا من الطلق، والاول من الطلاق. وقد بينا أن التربص إنما هو التوقف عن النكاح، وحبس النفس عنه في غير هذا الموضع.
[ 606 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: ولا يحل لهن، يعني للمطلقات أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الحيض إذا طلقن، حرم عليهن أن يكتمن أزواجهن الذين طلقوهن في الطلاق الذي عليهم لهن فيه رجعة يبتغين بذلك إبطال حقوقهم من الرجعة عليهن. ذكر من قال ذلك: 3737 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: قال الله تعالى ذكره: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلى قوله: وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم قال: بلغنا أن ما خلق في أرحامهن الحمل، وبلغنا أنه الحيضة، فلا يحل لهن أن يكتمن ذلك لتنقضي العدة ولا يملك الرجعة إذا كانت له. 3738 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: الحيض. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: أكثر ذلك الحيض. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت مطرفا، عن الحكم، قال: قال إبراهيم في قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: الحيض. 3739 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة في قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: الحيض. ثم قال خالد: الدم. وقال آخرون: هو الحيض، غير أن الذي حرم الله تعالى ذكره عليها كتمانه فيما خلق في رحمها من ذلك هو أن تقول لزوجها المطلق وقد أراد رجعتها قبل الحيضة الثالثة: قد حضت الحيضة الثالثة كاذبة، لتبطل حقه بقيلها الباطل في ذلك. ذكر من قال ذلك: 3740 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبيدة بن مغيث، عن إبراهيم في
[ 607 ]
قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: الحيض المرأة تعتد قرأين، ثم يريد زوجها أن يراجعها، فتقول: قد حضت الثالثة. 3741 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: أكثر ما عني به الحيض. وقال آخرون: بل المعنى الذي نهيت عن كتمانه زوجها المطلق الحبل والحيض جميعا. ذكر من قال ذلك: 3742 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا الاشعث، عن نافع، عن ابن عمر: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الحيض والحمل، لا يحل لها إن كانت حائضا أن تكتم حيضها، ولا يحل لها إن كانت حاملا أن تكتم حملها. 3743 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن ادريس، قال: سمعت مطرفا، عن الحكم، عن مجاهد في قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: الحمل والحيض.. قال: ابن كريب: قال ابن إدريس: هذا أول حديث سمعته من طرف. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن الحكم، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: الحبل. * - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن ليث، عن مجاهد في قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: من الحيض والولد. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: من الحيض والولد. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: لا يحل للمطلقة أن تقول إني حائض وليست بحائض، ولا تقول: إني حبلى وليست بحبلى، ولا تقول: لست بحبلى وهي بحبلى.
[ 608 ]
* - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحجاج، عن مجاهد، قال: الحيض والحبل، قال: تفسير أن لا تقول إني حائض وليست بحائض، ولا ليست بحائض وهي حائض، ولا أني حبلى وليست بحبلى، ولا لست بحبلى وهي حبلى. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحجاج، عن القاسم بن نافع، عن مجاهد نحو هذا التفسير في هذه الآية. 3744 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، مثله، وزاد فيه: قال: وذلك كله في بغض المرأة زوجها وحبه. 3745 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن يقول: لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الحيض والحبل، لا يحل لها أن تقول: إني قدحضت ولم تحض، ولا يحل أن تقول: إني لم أحض وقد حاضت، ولا يحل لها أن تقول إني حبلى وليست بحبلى، ولا أن تقول: لست بحبلى وهي حبلى. 3746 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية، قال: لا يكتمن الحيض ولا الولد، ولا يحل لها أن تكتمه وهو لا يعلم متى تحل لئلا يرتجعها مضارة. 3747 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن يعني الولد، قال: الحيض والولد هو الذي اؤتمن عليه النساء. وقال آخرون: بل عنى بذلك الحبل. ثم اختلف قائلو ذلك في السبب الذي من أجله نهيت عن كتمان ذلك الرجل، فقال بعضهم: نهيت عن ذلك لئلا تبطل حق الزوج من الرجعة إذا أراد رجعتها قبل وضعها وحملها. ذكر من قال ذلك: 3748 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن قباث بن رزين، عن علي بن رباح أنه حدثه أن عمر بن الخطاب قال لرجل: اتل هذه الآية
[ 609 ]
فتلا. فقال: إن فلانة ممن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن. وكانت طلقت وهي حبلى، فكتمت حتى وضعت. 3749 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل، فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها، وهو قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يوءمن بالله واليوم الآخر. 3750 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول: الطلاق مرتان بينهما رجعة، فإن بدا له أن يطلقها بعد هاتين فهي ثالثة، وإن طلقها ثلاثا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. إنما اللاتي ذكرن في القرآن: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يوءمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن هي التي طلقت واحدة أو ثنتين، ثم كتمت حملها لكي تنجو من زوجها، فأما إذا بت الثلاث تطليقات فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره. وقال آخرون: السبب الذي من أجله نهين عن كتمان ذلك أنهن في الجاهلية كن يكتمنه أزواجهن خوف مراجعتهم إياهن حتى يتزوجن غيرهم، فيلحق بسببه الحمل الذي هو من الزوج المطلق بمن تزوجته فحرم الله ذلك عليهن. ذكر من قال ذلك: 3751 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا سويد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: كانت المرأة إذا طلقت كتمت ما في بطنها وحملها لتذهب بالولد إلى غير أبيه، فكره الله ذلك لهن. * - حدثني محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: علم الله أن منهن كواتم يكتمن الولد، وكان أهل الجاهلية كان الرجل يطلق امرأته وهي حامل، فتكتم الولد وتذهب به إلى غيره، وتكتم مخافة الرجعة، فنهى الله عن ذلك، وقدم فيه. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر منها.
[ 610 ]
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله نهين عن كتمان ذلك، هو أن الرجل كان إذا أراد طلاق امرأته سألها هل بها حمل لكيلا يطلقها، وهي حامل منه للضرر الذي يلحقه وولده في فراقها إن فارقها، فأمرن بالصدق في ذلك ونهين عن الكذب. ذكر من قال ذلك: 3752 - حدثني موسى، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فالرجل يريد أن يطلق امرأته فيسألها: هل بك حمل ؟ فتكتمه إرادة أن تفارقه، فيطلقها وقد كتمته حتى تضع. وإذا علم بذلك فإنها ترد إليه عقوبة لما كتمته، وزوجها أحق برجعتها صاغرة. وأولى هذه الاقوال بتأويل الآية قول من قال: الذي نهيت المرأة المطلقة عن كتمانه زوجها المطلقها تطليقة أو تطليقتين مما خلق الله في رحمها الحيض والحبل لانه لا خلاف بين الجميع أن العدة تنقضي بوضع الولد الذي خلق الله في رحمها كما تنقضي بالدم إذا رأته بعد الطهر الثالث في قول من قال: القرء: الطهر، وفي قول من قال: هو الحيض إذا انقطع من الحيضة الثالثة فتطهرت بالاغتسال. فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره إنما حرم عليهن كتمان المطلق الذي وصفنا أمره ما يكون بكتمانهن إياه بطول حقه الذي جعله الله له بعد الطلاق عليهن إلى انقضاء عددهن، وكان ذلك الحق يبطل بوضعهن ما في بطونهن إن كن حوامل، وبانقضاء الاقراء الثلاثة إن كن غير حوامل، علم أنهن منهيات عن كتمان أزواجهن المطلقين من كل واحد منهما أعني من الحيض والحبل مثل الذي هن منهيات عنه من الآخر، وأن لا معنى لخصوص من خص بأن المراد بالآية من ذلك أحدهما دون الآخر، إذ كان جميع مما خلق الله في أرحامهن، وأن في كل واحدة منهما من معنى بطول حق الزوج بانتهائه إلى غاية مثل ما في الآخر. ويسأل من خص ذلك فجعله لاحد المعنيين دون الآخر عن البرهان على صحة دعواه من أصل أو حجة يجب التسليم لها، ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله. وأما الذي قاله السدي من أنه معني به نهي النساء كتمان أزواجهن الحبل عند إرادتهم طلاقهن، فقول لما يدل عليه ظاهر التنزيل مخالف، وذلك أن الله تعالى ذكره قال: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن بمعنى: ولا يحل أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الثلاثة القروء إن كن
[ 611 ]
يؤمن بالله واليوم الآخر. وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر تحريم ذلك عليهن بعد وصفه إياهن بما وصفهن به من فراق أزواجهن بالطلاق، وإعلامهن ما يلزمهن من التربص معرفا لهن بذلك ما يحرم عليهن وما يحل، وما يلزمهن من العدة ويجب عليهن فيها، فكان مما عرفهن أن من الواجب عليهن أن لا يكتمن أزواجهن الحيض والحبل الذي يكون بوضع هذا وانقضاء هذا إلى نهاية محدودة انقطاع حقوق أزواجهن ضرار منهن لهم، فكان نهيه عما نهاهن عنه من ذلك بأن يكون من صفة ما يليه قبله ويتلوه بعده، أولى من أن يكون من صفة ما لم يجر له ذكر قبله. فإن قال قائل: ما معنى قوله: إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر أو يحل لهن كتمان ذلك أزواجهن إن كن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر حتى خص النهي عن ذلك المؤمنات بالله واليوم الآخر ؟ قيل: معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه، وإنما معناه: أن كتمان المرأة المطلقة زوجها المطلقها ما خلق الله تعالى في رحمها من حيض وولد في أيام عدتها من طلاقه ضرارا له ليس من فعل من يؤمن بالله واليوم الآخر ولا من أخلاقه، وإنما ذلك من فعل من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر وأخلاقهن من النساء الكوافر فلا تتخلقن أيتها المؤمنات بأخلاقهن، فإن ذلك لا يحل لكن إن كنتن تؤمن بالله واليوم الآخر وكنتن من المسلمات لا أن المؤمنات هن المخصوصات بتحريم ذلك عليهن دون الكوافر، بل الواجب على كل من لزمته فرائض الله من النساء اللواتي لهن أقراء إذا طلقت بعد الدخول بها في عدتها أن لا تكتم زوجها ما خلق الله في رحمها من الحيض والحبل. القول في تأويل قوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا. والبعولة جمع بعل: وهو الزوج للمرأة، ومنه قول جرير: أعدوا مع الحلي الملاب فإنما جرير لكم بعل وأنتم حلائله وقد يجمع البعل البعولة والبعول، كما يجمع الفحل الفحول والفحولة، والذكر الذكور والذكورة. وكذلك ما كان على مثال فعول من الجمع، فإن العرب كثيرا ما تدخل فيه
[ 612 ]
الهاء، فأما ما كان منها على مثال فعال فقليل في كلامهم دخول الهاء فيه، وقد حكي عنهم العظام والعظامة، ومنه قول الراجر: (ثم دفنت الفرث والعظامة) وقد قيل: الحجارة والحجار، والمهارة والمهار، والذكارة والذكار، للذكور. وأما تأويل الكلام، فإنه: أزواج المطلقات اللاتي فرضنا عليهن أن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وحرمنا عيلهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، أحق وأولى بردهن إلى أنفسهم في حال تربصهن إلى الاقراء الثلاثة، وأيام الحبل، وارتجاعهن إلى حبالهم منهن بأنفسهن أن يمنعهن من أنفسهن ذلك كما: 3753 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا يقول: إذ طلق الرجل امرأته تطليقة أو ثنتين، وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع. 3754 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: وبعولتهن أحق بردهن قال: في العدة. 3755 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: قال الله تعالى ذكره: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا وذلك أن الرجل كان
[ 613 ]
إذا طلق امرأته كان أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا، فنسخ ذلك فقال: الطلاق مرتان... الآية. 3756 - حدثنا موسى بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك في عدتهن. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: في العدة. 3757 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أي في القروء في الثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، أو كانت حاملا، فإذا طلقها زوجها واحدة أو اثنتين راجعها إن شاء ما كانت في عدتها. 3758 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر، فنهاهن الله عن ذلك وقال: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك قال قتادة: أحق برجعتهن في العدة. 3759 - حدثنا عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك يقول: في العدة ما لم يطلقها ثلاثا. 3760 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك يقول: أحق برجعتها صاغرة عقوبة لما كتمت زوجها من الحمل. 3761 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وبعولتهن أحق بردهن أحق برجعتهن ما لم تنقض العدة. 3762 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك قال: ما كانت في العدة إذا أراد المراجعة. فإن قال لنا قائل: فما لزوج طلق واحدة أو اثنتين بعد الافضاء إليها عليها رجعة في
[ 614 ]
أقرائها الثلاثة، إلا أن يكون مريدا بالرجعة إصلاح أمرها وأمره ؟ قيل: أما فيما بينه وبين الله تعالى فغير جائز إذا أراد ضرارها بالرجعة لا إصلاح أمرها وأمره مراجعتها. وأما في الحكم فإنه مقضي له عليها بالرجعة نظير ما حكمنا عليه ببطول رجعته عليها لو كتمته حملها الذي خلقه الله في رحمها أو حيضها حتى انقضت عدتها ضرارا منها له، وقد نهى الله عن كتمانه ذلك، فكان سواء في الحكم في بطول رجعة زوجها عليها وقد أثمت في كتمانها إياه ما كتمته من ذلك حتى انقضت عدتها هي والتي أطاعت الله بتركها كتمان ذلك منه، وإن اختلفا في طاعة الله في ذلك ومعصيته، فكذلك المراجعة زوجته المطلقة واحدة أو ثنتين بعد الافضاء إليها وهما حران، وإن أراد ضرار المراجعة برجعته فمحكوم له بالرجعة وإن كان آثما برأيه في فعله ومقدما على ما لم يبحه الله له، والله ولي مجازاته فيما أتى من ذلك. فأما العباد فإنهم غير جائز لهم الحول بينه وبين امرأته التي راجعها بحكم الله تعالى ذكره له بأنها حينئذ زوجته، فإن حاول ضرارها بعد المراجعة بغير الحق الذي جعله الله له أخذ لها الحقوق التي ألزم الله تعالى ذكره الازواج للزوجات حتى يعدو ضرر ما أراد من ذلك عليه دونها، وفي قوله: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أبين الدلالة على صحة قول من قال: إن المؤلي إذا عزم الطلاق فطلق امرأته التي آلى منها أن له عليها الرجعة في طلاقه ذلك، وعلى فساد قول من قال: إن مضي الاشهر الاربعة عزم الطلاق، وأنه تطليقه بائنة، لان الله تعالى ذكره إنما أعلم عباده ما يلزمهم إذا آلوا من نسائهم وما يلزم النساء من الاحكام في هذه الآية بإيلاء الرجال وطلاقهم، إذا عزموا ذلك وتركوا الفئ. القول في تأويل قوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها. ذكر من قال ذلك: 3763 - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو عاصم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف قال: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن، فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته. 3764 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف قال: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم.
[ 615 ]
وقال آخرون: معنى ذلك: ولهن على أزواجهن من التصنع والمواتاة مثل الذي عليهن لهم في ذلك. ذكر من قال ذلك: 3765 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي لان الله تعالى ذكره بقول: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. والذي هو أولى بتأويل الآية عندي: وللمطلقات واحدة أو ثنتين بعد الافضاء إليهن على بعولتهن أن لا يراجعوهن ضرارا في أقرائهن الثلاثة إذا أرادوا رجعتهن فيهن إلا أن يريدوا إصلاح أمرهن وأمرهم فلا يراجعوهن ضرارا، كما عليهن لهم إذا أرادوا رجعتهن فيهن أن لا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الولد ودم الحيض ضرارا منهن لهم لتيقنهن بأنفسهن، ذلك أن الله تعالى ذكره نهى المطلقات عن كتمان أزواجهن في أقرائهن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر، وجعل أزواجهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا، فحرم الله على كل واحد منهما مضارة صاحبه، وعرف كل واحد منهما ما له وما عليه من ذلك، ثم عقب ذلك بقوله: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فبين أن الذي على كل واحد منهما لصاحبه من ترك مضارته مثل الذي له على صاحبه من ذلك. فهذا التأويل هو أشبه بدلالة ظاهر التنزيل من غيره، وقد يحتمل أن يكون كل ما على كل واحد منها لصاحبه داخلا في ذلك، وإن كانت الآية نزلت فيما وصفنا، لان الله تعالى ذكره قد جعل لكل واحد منهما على الآخر حقا، فلكل واحد منهما على الآخر من أداء حقه إليه مثل الذي عليه له، فيدخل حينئذ في الآية ما قاله الضحاك وابن عباس وغير ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: وللرجال عليهن درجة. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى الدرجة التي جعل الله للرجال على النساء الفضل الذي فضلهم الله عليهن في الميراث والجهاد وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك: 3766 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وللرجال عليهن درجة قال: فضل ما فضله الله به عليها من الجهاد، وفضل ميراثه، وكل ما فضل به عليها.
[ 616 ]
* - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 3767 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر: عن قتادة: وللرجال عليهن درجة قال: للرجال درجة في الفضل على النساء. وقال آخرون: بل تلك الدرجة: الامرة والطاعة. ذكر من قال ذلك: 3768 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن زيد بن أسلم في قوله: وللرجال عليهن درجة قال: إمارة. 3769 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وللرجال عليهن درجة قال: طاعة قال: يطعن الازواج الرجال، وليس الرجال يطيعونهن. 3770 - حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أزهر، عن ابن عون، عن محمد في قوله: وللرجال عليهن درجة قال: لا أعلم إلا أن لهن مثل الذي عليهن إذا عرفن تلك الدرجة. وقال آخرون: تلك الدرجة له عليها بما ساق إليها من الصداق، وإنها إذا قذفته حدت، وإذا قذفها لاعن. ذكر من قال ذلك: 3771 - حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا جرير، عن عبيدة، عن الشعبي في قوله: وللرجال عليهن درجة قال: بما أعطاها من صداقها، وأنه إذا قذفها لاعنها، وإذا قذفته جلدت وأقرت عنده. وقال آخرون: تلك الدرجة التي له عليها إفضاله عليها وأداء حقها إليها، وصفحه عن الواجب له عليها، أو عن بعضه. ذكر من قال ذلك: 3772 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن بشر بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها، لان الله تعالى ذكره يقول: وللرجال عليهن درجة. وقال آخرون: بل تلك الدرجة التي له عليها أن جعل له لحية وحرمها ذلك. ذكر من قال ذلك:
[ 617 ]
3773 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا عبيد بن الصباح، قال: ثنا حميد، قال: وللرجال عليهن درجة قال: لحية. وأولى هذه الاقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن الدرجة التي ذكر الله تعالى ذكره في هذا الموضع الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه، وذلك أن الله تعالى ذكره قال: وللرجال عليهن درجة عقيب قوله: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فأخبر تعالى ذكره أن على الرجل من ترك ضرارها في مراجعته إياها في أقرائها الثلاثة وفي غير ذلك من أمورها وحقوقها، مثل الذي له عليها من ترك ضراره في كتمانها إياه ما خلق الله في أرحامهن وغير ذلك من حقوقه. ثم ندب الرجال إلى الاخذ عليهن بالفضل إذا تركن أداء بعض ما أوجب الله لهم عليهن، فقال تعالى ذكره: وللرجال عليهن درجة بتفضلهم عليهن، وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهم عليهن، وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عباس بقوله: ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها لان الله تعالى ذكره يقول: وللرجال عليهن درجة. ومعنى الدرجة: الرتبة والمنزلة، وهذا القول من الله تعالى ذكره، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر، فمعناه معنى ندب الرجال إلى الاخذ على النساء بالفضل ليكون لهم عليهن فضل درجة. القول في تأويل قوله تعالى: والله عزيز حكيم. يعني تعالى ذكره بذلك: والله عزيز في انتقامه ممن خالف أمره، وتعدى حدوده، فأتى النساء في المحيض، وجعل الله عرضة لايمانه أن يبر ويتقي، ويصلح بين الناس، وعضل امرأته بإيلائه، وضارها في مراجعته بعد طلاقه، ولمن كتم من النساء ما خلق الله في أرحامهن أزواجهن، ونكحن في عددهن، وتركن التربص بأنفسهن إلى الوقت الذي حده الله لهن، وركبن غير ذلك من معاصيه، حكيم فيما دبر في خلقه، وفيما حكم وقضى بينهم من أحكامه. كما: 3774 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: والله عزيز حكيم يقول: عزيز في نقمته، حكيم في أمره. وإنما توعد الله تعالى ذكره بهذا القول عباده لتقديمه قبل ذلك بيان ما حرم عليهم أو نهاهم عنه من ابتداء قوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن إلى قوله: وللرجال عليهن درجة ثم أتبع ذلك بالوعيد ليزدجر أولو النهي، وليذكر أولو الحجا، فيتقوا عقابه، ويحذروا عذابه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 618 ]
* (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: هو دلالة على عدد الطلاق الذي يكون للرجل فيه الرجعة على زوجته، والعدد الذي تبين به زوجته منه. ذكر من قال إن هذه الآية أنزلت لان أهل الجاهلية وأهل الاسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهاية تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه، فجعل الله تعالى ذكره لذلك حدا حرم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأته المطلقة إلا بعد زوج، وجعلها حينئذ أملك بنفسها منه. ذكر الاخبار الواردة بما قلنا في ذلك: 3775 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان الرجل يطلق ما شاء ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدتها كانت امرأته، فغضب رجل من الانصار على امرأته، فقال لها: لا أقربك ولا تحلين مني قالت له: كيف ؟ قال: أطلقك، حتى إذا دنا أجلك راجعتك ثم أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. قال: فشكت ذلك إلى النبي (ص)، فأنزل الله تعالى ذكره: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف... الآية. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن هشام، عن أبيه، قال رجل لامرأته على عهد النبي (ص): لا آويك، ولا أدعك تحلين فقالت له: كيف تصنع ؟ قال: أطلقك، فإذا دنا مضي عدتك راجعتك، فمتى تحلين ؟ فأتت النبي (ص)، فأنزل الله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فاستقبله الناس جديدا من كان طلق ومن لم يكن طلق.
[ 619 ]
3776 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان أهل الجاهلية كان الرجل يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك، ثم يراجع ما كانت في العدة، فجعل الله حد الطلاق ثلاث تطليقات. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم امرأته ثم يراجعها لا حد في ذلك، هي امرأته ما راجعها في عدتها، فجعل الله حد ذلك يصير إلى ثلاثة قروء، وجعل حد الطلاق ثلاث تطليقات. 3777 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: الطلاق مرتان قال كان الطلاق قبل أن يجعل الله الطلاق ثلاثا ليس له أمد يطلق الرجل امرأته مائة، ثم إن أراد أن يراجعها قبل أن تحل كان ذلك له، وطلق رجل امرأته حتى إذا كادت أن تحل ارتجعها، ثم استأنف بها طلاقا بعد ذلك ليضارها بتركها، حتى إذا كان قبل انقضاء عدتها راجعها، وصنع ذلك مرارا. فلما علم الله ذلك منه، جعل الطلاق ثلاثا، مرتين، ثم بعد المرتين إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. 3778 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أما قوله: الطلاق مرتان فهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة. 3779 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فيطلقها تطليقتين، فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها رجعة، فإن شاء طلقها أخرى، فلم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فتأويل الآية على هذا الخبر الذي ذكرنا عدد الطلاق الذي لكم أيها الناس فيه على أزواجكم الرجعة إذا كن مدخولا بهن: تطليقتان، ثم الواجب على من راجع منكم بعد التطليقتين إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، لانه لا رجعة له بعد التطليقتين إن سرحها فطلقها الثالثة. وقال آخرون إنما أنزلت هذه الآية على نبي الله (ص) تعريفا من الله تعالى ذكره عباده سنة طلاقهم نساءهم إذا أرادوا طلاقهن، لا دلالة على القدر الذي تبين به المرأة من زوجها. ذكر من قال ذلك:
[ 620 ]
3780 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله في قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال: يطلقها بعد ما تطهر من قبل جماع، ثم يدعها حتى تطهر مرة أخرى، ثم يطلقها إن شاء، ثم إن أراد أن يراجعها راجعها، ثم إن شاء طلقها، وإلا تركها حتى تتم ثلاث حيض وتبين منه به. 3781 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين، فليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا. 3782 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح،، عن مجاهد في قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال: يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء، ثم يطلق الثانية كما يطلق الاولى، فإن أحب أن يفعل، فإن طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهما تطليقتان وقرآن، ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء حين تجمع عليها ثيابها. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال: فحاضت الحيضة الثانية، كما طلق الاولى، فهذان تطليقتان وقرءان، ثم قال: الثالثة، وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم. وتأويل الآية على قول هؤلاء: سنة الطلاق التي سننتها وأبحتها لكم إن أردتم طلاق نسائكم، أن تطلقوهن ثنتين في كل طهر واحدة، ثم الواجب بعد ذلك عليكم: إما أن تمسكوهن بمعروف، أو تسرحوهن بإحسان. والذي هو أولى بظاهر التنزيل ما قاله عروة وقتادة ومن قال مثل قولهما من أن الآية إنما هي دليل على عدد الطلاق الذي يكون به التحريم، وبطول الرجعة فيه، والذي يكون
[ 621 ]
فيه الرجعة منه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال في الآية التي تتلوها: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فعرف عباده القدر الذي به تحرم المرأة على زوجها إلا بعد زوج، ولم يبين فيها الوقت الذي يجوز الطلاق فيه والوقت الذي لا يجوز ذلك فيه، فيكون موجها تأويل الآية إلى ما روي عن ابن مسعود ومجاهد ومن قال بمثل قولهما فيه. وأما قوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فإن في تأويله وفيما عني به اختلافا بين أهل التأويل، فقال بعضهم: عنى الله تعالى ذكره بذلك الدلالة على اللازم للازواج المطلقات اثنتين بعد مراجعتهم إياهن من التطليقة الثانية من عشرتهن بالمعروف، أو فراقهن بطلاق. ذكر من قال ذلك: 3783 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: الطلاق مرتان ؟ قال: يقول عند الثالثة: إما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان. وغيره قالها قال: وقال مجاهد: الرجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره، فإذا تكلم الثالثة فليست منه بسبيل، وتعتد لغيره. 3784 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، قال: أتى النبي (ص) رجل فقال: يا رسول الله أرأيت قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فأين الثالثة ؟ قال رسول الله (ص): إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان هي الثالثة. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال يا رسول الله، الطلاق مرتان، فأين الثالثة ؟ قال: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن إسماعيل، عن أبي رزين، قال: قال رجل: يا رسول الله، يقول الله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف فأين الثالثة ؟ قال: التسريح بإحسان.
[ 622 ]
3785 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: أو تسريح بإحسان قال في الثالثة. 3786 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: كان الطلاق ليس له وقت حتى أنزل الله: الطلاق مرتان قال: الثالثة: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقال آخرون منهم: بل عنى الله بذلك الدلالة على ما يلزمهم لهن بعد التطليقة الثانية من مراجعة بمعروف أو تسريح بإحسان، بترك رجعتهن حتى تنقضي عدتهن، فيصرن أملك لانفسهن. وأنكروا قول الاولين الذين قالوا: إنه دليل على التطليقة الثالثة. ذكر من قال ذلك: 3787 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي في قوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان إذا طلق واحدة أو اثنتين، إما أن يمسك ويمسك: يراجع بمعروف وإما سكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها. 3788 - حدثنا علي بن عبد الاعلى، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: أو تسريح بإحسان والتسريح: أن يدعها حتى تمضي عدتها. 3789 - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال: يعني تطليقتين بينهما مراجعة، فأمر أن يمسك أو يسرح بإحسان. قال: فإن هو طلقها ثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وكأن قائلي هذا القول الذي ذكرناه عن السدي والضحاك ذهبوا إلى أن معنى الكلام: الطلاق مرتان، فإمساك في كل واحدة منهما لهن بمعروف، أو تسريح لهن بإحسان. وهذا مذهب مما يحتمله ظاهر التنزيل لولا الخبر الذي ذكرته عن النبي (ص)، الذي رواه إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين فإن اتباع الخبر عن رسول الله (ص) أولى بنا من غيره. فإذ كان ذلك هو الواجب، فبين أن تأويل الآية: الطلاق الذي لازواج النساء على نسائهم فيه الرجعة مرتان، ثم الامر بعد ذلك إذا راجعوهن في الثانية، إما إمساك بمعروف، وإما تسريح منهم لهن بإحسان بالتطليقة الثالثة حتى تبين منهم، فتبطل ما كان لهن عليهن من الرجعة ويصرن أملك لانفسهن منهم. فإن قال قائل: وما ذلك الامساك الذي هو بمعروف ؟ قيل: هو ما:
[ 623 ]
3790 - حدثنا به علي بن عبد الاعلى المحاربي، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: فإمساك بمعروف قال: المعروف: أن يحسن صحبتها. 3791 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: فإمساك بمعروف قال: ليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها. فإن قال: فما التسريح بإحسان ؟ قيل: هو ما: 3792 - حدثني به المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: أو تسريح بإحسان قيل: يسرحها، ولا يظلمها من حقها شيئا. 3793 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال: هو الميثاق الغليظ. 3794 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أو تسريح بإحسان قال: الاحسان: أن يوفيها حقها، فلا يؤذيها، ولا يشتمها. 3795 - حدثنا علي بن عبد الاعلى، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: أو تسريح بإحسان قال: التسريح بإحسان: أن يدعها حتى تمضي عدتها، ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها. فذلك التسريح بإحسان، والمتعة على قدر الميسرة. 3796 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: وأخذن منكم ميثاقا غليظا قال قوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. فإن قال: فما الرافع للامساك والتسريح ؟ قيل: محذوف اكتفي بدلالة ما ظهر من الكلام من ذكره، ومعناه: الطلاق مرتان، فالامر الواجب حينئذ به إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. وقد بينا ذلك مفسرا في قوله: فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
[ 624 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافان ألا يقيما حدود الله. يعني تعالى ذكره بقوله: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ولا يحل لكم أيها الرجال أن تأخذوا من نسائكم إذا أنتم أردتم طلاقهن بطلاقكم وفراقكم إياهن شيئا مما أعطيتموهن من الصداق، وسقتم إليهن، بل الواجب عليكم تسريحهن بإحسان، وذلك إيفاؤهن حقوقهن من الصداق والمتعة وغير ذلك مما يجب لهن عليكم إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله وذلك قراءة عظم أهل الحجاز والبصرة بمعنى إلا أن يخاف الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله. 3797 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني ثور، عن ميمون بن مهران، قال: في حرف أبي بن كعب أن الفداء تطليقة. قال: فذكرت ذلك لايوب، فأتينا رجلا عنده مصحف قديم لابي خرج من ثقة، فقرأناه فإذا فيه: إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله، فإن ظنا ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به: لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. والعرب قد تضع الظن موضع الخوف والخوف موضع الظن في كلامها لتقارب معنييهما، كما قال الشاعر: أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام أنك عائبي بمعنى: ما ظننت. وقرأه آخرون من أهل المدينة والكوفة: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فأما
[ 625 ]
قارئ ذلك كذلك من أهل الكوفة، فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك اعتبارا منه بقراءة ابن مسعود، وذكر أنه في قراءة ابن مسعود: إلا أن تخافوا ألا يقيما حدود الله وقراءة ذلك كذلك اعتبارا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه خطأ وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه، فإنما أعمل الخوف في أن وحدها، وذلك غير مدفوعة صحته، كما قال الشاعر: إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها فأما قارئه إلا أن يخافا بذلك المعنى، فقد أعمل في متروكة تسميته وفي أن، فأعمله في ثلاثة أشياء: المتروك الذي هو اسم ما لم يسم فاعله، وفي أن التي تنوب عن شيئين، ولا تقول العرب في كلامها ظنا أن يقوما، لكن قراءة ذلك كذلك صحيحة على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك اعتبارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا، ولكن على أن يكون مرادا به إذا قرئ كذلك: إلا أن يخاف بأن لا يقيما حدود الله، أو على أن لا يقيما حدود الله، فيكون العامل في أن غير الخوف، ويكون الخوف عاملا فيما لم يسم فاعله. وذلك هو الصواب عندنا في القراءة لدلالة ما بعده على صحته، وهو قوله: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فكان بينا أن الاول بمعنى: إلا أن تخافوا أن لا يقيما حدود الله. فإن قال قائل: وأية حال الحال التي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود الله حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها ؟ قيل: حال نشوزها وإظهارها له بغضته، حتى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحق، ويخاف على زوجها بتقصيرها في أداء حقوقه التي ألزمها الله له تركه أداء الواجب لها عليه، فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله فيطيعاه فيما ألزم كل واحد منهما لصاحبه، والحال التي أباح النبي (ص) لثابت بن قيس بن شماس أخذ ما كان أتى زوجته إذ نشزت عليه بغضا منها له. كما:
[ 626 ]
3798 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: قرأت على فضيل، عن أبي جرير أنه سأل عكرمة، هل كان للخلع أصل ؟ قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلع كان في الاسلام أخت عبد الله بن أبي، أنها أتت رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شئ أبدا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها. قال زوجها: يا رسول الله إني أعطيتها أفضل مالي حديقة فلتردد علي حديقتي قال: ما تقولين ؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته قال: ففرق بينهما. 3799 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا أبو عمرو السدوسي، عن عبد الله، يعني ابن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة: أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، فضربها فكسر بعضها، فأتت رسول الله (ص) بعد الصبح، فاشتكته، فدعا رسول الله (ص) ثابتا، فقال: خذ بعض مالها وفارقها قال: ويصلح ذلك يارسول الله ؟ قال: نعم، قال: فإني أصدقتها حديقتين وهما بيدها. فقال النبي (ص): خذهما وفارقها ففعل. 3800 - حدثنا أبو يسار، قال: ثنا روح، قال: ثنا مالك، عن يحيى، عن عمرة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الانصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله (ص) رآها عند بابه بالغلس، فقال رسول الله (ص) من هذه ؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهل، لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها. فلما جاء ثابت قال له رسول الله (ص): هذه حبيبة بنت سهل تذكر ما شاء الله أن تذكر. فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطانيه عندي. فقال رسول الله (ص): خذ منها فأخذ منها وجلست في بيتها. 3801 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن بن واقد، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن جميلة بنت أبي ابن سلول، أنها كانت عند ثابت بن
[ 627 ]
قيس فنشزت عليه، فأرسل إليها النبي (ص)، فقال: يا جميلة ما كرهت من ثابت ؟ قالت: والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا، إلا إني كرهت دمامته. فقال لها: أتردين الحديقة ؟ قالت: نعم فردت الحديقة وفرق بينهما. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في شأنهما، أعنى في شأن ثابت بن قيس وزوجته هذه. 3802 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة، قال: وكانت اشتكته إلى رسول الله (ص)، فقال رسول الله (ص): تردين عليه حديقته ؟ فقالت: نعم فدعاه رسول الله (ص) فذكر ذلك له، فقال: ويطيب لي ذلك ؟ قال: نعم، قال ثابت: قد فعلت فنزلت: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها. وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في معنى الخوف منهما أن لا يقيما حدود الله، فقال بعضهم: ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها، فإذا ظهر ذلك منها له، حل له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها. ذكر من قال ذلك: 3803 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها، فتدعوك إلى أن تفتدي منك، فلا جناح عليك فيما افتدت به. 3804 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: قال ابن جريج: أخبرني هشام بن عروة أن عروة كان يقول: لا يحل الفداء حتى يكون الفساد من قبلها، ولم يكن يقول: لا يحل له حتى تقول: لا أبر لك قسما، ولا أغتسل لك من جنابة. 3805 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال: قال جابر بن زيد: إذا كان النشز من قبلها حل الفداء.
[ 628 ]
* - حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول: إذا كان سوء الخلق وسوء العشرة من قبل المرأة فذاك يحل خلعها. * - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا محمد بن كثير، عن حماد، عن هشام، عن أبيه أنه قال: لا يصلح الخلع، حتى يكون الفساد من قبل المرأة. 3806 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر في امرأة قالت لزوجها: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة. قال: ما هذا ؟ وحرك يده، لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذه وليتركها. 3807 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها، فإن انتهت وإلا ضربها، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان، فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها: تفعل بها كذا وتفعل بها كذا، ويقول الحكم الذي من أهله: تفعل به كذا وتفعل به كذا، فأيهما كان أظلم رده السلطان وأخذ فوق يده، وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع. 3808 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف إلى قوله: فلا جناح عليهما فيما افتدت به قال: إذا كانت المرأة راضية مغتبطة مطيعة، فلا يحل له أن يضربها، حتى تفتدي منه، فإن أخذ منها شيئا على ذلك، فما أخذ منها فهو حرام، وإذا كان النشوز والبغض والظلم من قبلها، فقد حل له أن يأخذ منهما افتدت به. 3809 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله قال: لا يحل للرجل أن يخلع امرأته إلا أن يرى ذلك منها، فأما أن يكون يضارها حتى تختلع، فإن ذلك لا يصلح، ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء، وأساءت عشرته، فقد حل له خلعها. 3810 - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن
[ 629 ]
الضحاك في قوله: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا قال: الصداق إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله وحدود الله أن تكون المرأة ناشزة، فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله، فإن قبلت وإلا هجرها، والهجران أن لا يجامعها ولا يضاجعها على فراش واحد ويوليها ظهره ولا يكلمها، فإن أبت غلظ عليها القول بالشتيمة لترجع إلى طاعته، فإن أبت فالضرب ضرب غير مبرح، فإن أبت إلا جماحا فقد حل له منها الفدية. وقال آخرون: بل الخوف من ذلك أن لا تبر له قسما ولا تطيع له أمرا، وتقول: لا أغتسل لك من جنابة ولا أطيع لك أمرا، فحينئذ يحل له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها. ذكر من قال ذلك: 3811 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قال الحسن: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة، ولا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، فحينئذ حل الخلع. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: إذا قالت المرأة لزوجها: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم حدا من حدود الله، فقد حل له مالها. 3812 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن محمد بن سالم، قال: سألت الشعبي، قلت: متى يحل للرجل أن يأخذ من مال امرأته ؟ قال: إذا أظهرت بغضه وقالت: لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا. 3813 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي أنه كان يعجب من قول من يقول: لا تحل الفدية حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة. وقال: إن الزاني يزني ثم يغتسل. 3814 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في الناشز، قال: إن المرأة ربما عصت زوجها، ثم أطاعته، ولكن إذا عصته فلم تبر قسمه، فعند ذلك تحل الفدية. 3815 - حدثني يونس، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا لا يحل له أن يأخذ من مهرها شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإذا لم يقيما حدود الله، فقد حل له الفداء وذلك أن تقول: والله لا أبر
[ 630 ]
لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أكرم لك نفسا، ولا أغتسل لك من جنابة. فهو حدود الله، فإذا قالت المرأة ذلك فقد حل الفداء للزوج أن يأخذه ويطلقها. 3816 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن علي بن بذيمة، عن مقسم في قوله: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن يقول: إلا أن يفحشن في قراءة ابن مسعود، قال إذا عصتك وآذتك، فقد حل لك ما أخذت منها. 3817 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا قال: الخلع، قال: ولا يحل له إلا أن تقول المرأة لا أبر قسمه ولا أطيع أمره، فيقبله خيفة أن يسئ إليها إن أمسكها، ويتعدى الحق. وقال آخرون: بل الخوف من ذلك أن تبتذ له بلسانها قولا أنها له كارهة. ذكر من قال ذلك: 3818 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن أيوب بن موسى، ععطاء بن أبي رباح، قال: يحل الخلع أن تقول المرأة لزوجها: إني لاكرهك، وما أحبك، ولقد خشيت أن أنام في جنبك ولا أؤدي حقك. وتطيب نفسك بالخلع. وقال آخرون: بل الذي يبيح له أخذ الفدية أن يكون خوف أن لا يقيما حدود الله منهما جميعا لكراهة كل واحد منهما صحبة الآخر. ذكر من قال ذلك: 3819 - حدثنا حميد بن مسعدة قال: ثنا بشر بن المفضل قال: ثنا داود، عن عامر، حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، قال: قال عامر: أحل له مالها بنشوزه ونشوزها. 3820 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: قال ابن جريج، قال: طاوس: يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره، ولم يكن يقول قول السفهاء: لا أبر لك قسما، ولكن يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة.
[ 631 ]
3821 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله قال: فيما افترض الله عليهما في العشرة والصحبة. 3822 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، قال: لا يحل الخلع حتى يخافا أن لا يقيما حدود الله في العشرة التي بينهما. وأولى هذه الاقوال بالصحة قول من قال: لا يحل للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها، حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه منهما جميعا، على ما ذكرناه عن طاوس والحسن ومن قال في ذلك قولهما لان الله تعالى ذكره إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود الله. فإن قال قائل: فإن كان الامر على ما وصفت فالواجب أن يكون حراما على الرجل قبول الفدية منها إذا كان النشوز منها دونه، حتى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها له ؟ قيل له: إن الامر في ذلك بخلاف ما ظننت، وذلك أن في نشوزها عليه داعية له إلى التقصير في واجبها ومجازاتها بسوء فعلها به، وذلك هو المعنى الذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله. فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما في واجب حق صاحبه قد وجد وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للمسلمين، فليس هناك للخوف موضع، إذ كان المخوف قد وجد، وإنما يخاف وقوع الشئ قبل حدوثه فأما بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه ولا الزيادة في مكروهه. القول في تأويل قوله تعالى: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله التي إذا خيف من الزوج والمرأة أن لا يقيماها حلت له الفدية من أجل الخوف عليهما بصنيعها، فقال بعضهم: هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه، وأذاها له بالكلام. ذكر من قال ذلك: 3823 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به قال: هو
[ 632 ]
تركها إقامة حدود الله، واستخفافها بحق زوجها، وسوء خلقها، فتقول له: والله لا أبر لك قسما، ولا أطأ لك مضجعا، ولا أطيع لك أمرا فإن فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية. 3824 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن في قوله: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به قال: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة حل له أن يأخذ منها. 3825 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: ثنا يونس، عن الزهري قال: يحل الخلع حين يخافا أن لا يقيما حدود الله، وأداء حدود الله في العشرة التي بينهما. وقال آخرون: معنى ذلك: فإن خفتم أن لا يطيعا الله. ذكر من قال ذلك: 3826 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن عامر: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله قال: أن لا يطيعا الله. 3827 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الحدود: الطاعة. والصواب من القول في ذلك: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ما أوجب الله عليهما من الفرائض فيما ألزم كل واحد منهما من الحق لصاحبه من العشرة بالمعروف، والصحبة بالجميل، فلا جناح عليهما فيما افتدت به. وقد يدخل في ذلك ما رويناه عن ابن عباس والشعبي، وما رويناه عن الحسن والزهري، لان من الواجب للزوج على المرأة إطاعته فيما أوجب الله طاعته فيه، وأن لا تؤذيه بقول، ولا تمتنع عليه إذا دعاها لحاجته، فإذا خالفت ما أمرها الله به من ذلك كانت قد ضيعت حدود الله التي أمرها بإقامتها. وأما معنى إقامة حدود الله، فإنه العمل بها، والمحافظة عليها، وترك تضييعها، وقد بينا ذلك فيما مضى قبل من كتابنا هذا بما يدل على صحته. القول في تأويل قوله تعالى: فلا جناح عليهما فيما افتدت به. يعني قوله تعالى ذكره بذلك: فإن خفتم أيها المؤمنون ألا يقيم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما على صاحبه من حق، وألزمه له من فرض، وخشيتم عليهما تضييع فرض
[ 633 ]
الله وتعدي حدوده في ذلك فلا جناح حينئذ عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها، ولا حرج عليهما فيما أعطت هذه على فراق زوجها إياها ولا على هذا فيما أخذ منها من الجعل والعوض عليه. فإن قال قائل: وهل كانت المرأة حرجة لو كان الضرر من الرجل بها حتى افتدت به نفسها، فيكون لا جناح عليها فيما أعطته من الفدية على فراقها إذا كان النشوز من قبلها ؟ قيل: لو علمت في حال ضراره بها ليأخذ منها ما آتاها أن ضراره ذلك إنما هو ليأخذ منها ما حرم الله عليه أخذه على الوجه الذي نهاه الله عن أخذه منها، ثم قدرت أن تمتنع من إعطائه بما لا ضرر عليها في نفس، ولا دين، ولا حق عليها في ذهاب حق لها لما حل لها إعطاؤه ذلك، إلا على وجه طيب النفس منها بإعطائه إياه على ما يحل له أخذه منها لانها متى أعطته ما لا يحل له أخذه منها وهي قادرة على منعه ذلك بما لا ضرر عليها في نفس، ولا دين، ولا في حق لها تخاف ذهابه، فقد شاركته في الاثم بإعطائه ما لا يحل له أخذه منها على الوجه الذي أعطته عليه، فكذلك وضع عنها الجناح إذا كان النشوز من قبلها، وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفس، ابتغاء منها بذلك سلامتها وسلامة صاحبها من الوزر والمأثم، وهي إذا أعطته على هذا الوجه باستحقاق الاجر والثواب من الله تعالى أولى إن شاء الله من الجناح والحرج، ولذلك قال تعالى ذكره: فلا جناح عليهما فوضع الحرج عنها فيما أعطته على هذا الوجه من الفدية على فراقه إياها، وعنه فيما قبض منها إذا كانت معطية على المعنى الذي وصفنا، وكان قابضا منها ما أعطته من غير ضرار، بل طلب السلامة لنفسه ولها في أديانهما وحذار الاوزار والمأثم. وقد يتجه قوله: فلا جناح عليهما وجها آخر من التأويل وهو أنها لو بذلت ما بذلت من الفدية على غير الوجه الذي أذن نبي الله (ص) لامرأة ثابت بن قيس بن شماس، وذلك لكراهتها أخلاق زوجها أو دمامة خلقه، وما أشبه ذلك من الامور التي يكرهها الناس بعضهم من بعض، ولكن على الانصراف منها بوجهها إلى آخر غيره على وجه الفساد وما لا يحل لها كان حراما عليها أن تعطى على مسألتها إياه فراقها على ذلك الوجه شيئا لان مسألتها إياه الفرقة على ذلك الوجه معصية منها لله، وتلك هي المختلعة إن خولعت على ذلك الوجه التي روي عن النبي (ص) أنه سماها منافقة. كما:
[ 634 ]
3828 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني المعتمر بن سليمان، عن ليث، عن أبي إدريس، عن ثوبان مولى رسول الله (ص)، عن النبي (ص) أنه قال: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس حرم الله عليها رائحة الجنة. وقال: المختلعات هن المنافقات. 3829 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مزاحم بن دواد بن علية، عن أبيه، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي الخطاب عن أبي زرعة، عن أبي إدريس، عن ثوبان مولى رسول الله (ص)، عن رسول الله (ص) قال: المختلعات هن المنافقات. 3830 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حفص بن بشر، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن أشعث بن سوار، عن الحسن، عن ثابت بن يزيد، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله (ص): إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قالا جميعا: ثنا أيوب، عن أبي قلابة، عمن حدثه، عن ثوبان أن رسول الله (ص) قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، عن رسول الله (ص) نحوه. فإذا كان من وجوه افتداء المرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجة، وعليها في افتدائها نفسها على ذلك الحرج والجناح، وكان من وجوهه ما يكون الحرج والجناح فيه على الرجل دون المرأة، ومنه ما يكون عليهما، ومنه ما لا يكون عليهما فيه حرج ولا جناح. قيل في الوجه: الذي لا حرج عليهما فيه لا جناح إذ كان فيما حاولا وقصدا من
[ 635 ]
افتراقهما بالجعل الذي بذلته المرأة لزوجها لا جناح عليهما فيما افتدت به من الوجه الذي أبيح لهما، وذلك أن يخافا أن لا يقيما حدود الله بمقام كل واحد منهما على صاحبه. وقد زعم بعض أهل العربية أن في ذلك وجهين: أحدهما أن يكون مرادا به: فلا جناح على الرجل فيما افتدت به المرأة دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا كما قال في سورة الرحمن: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وهما من الملح لا من العذب، قال: ومثله: فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما وإنما الناسي صاحب موسى وحده قال: ومثله في الكلام أن تقول: عندي دابتان أركبهما وأسقي عليهما وإنما تركب إحداهما وتسقي على الاخرى، وهذا من سعة العربية التي يحتج بسعتها في الكلام. قال: والوجه الآخر أن يشتركا جميعا في أن لا يكون عليهما جناح، إذ كانت تعطي ما قد نفي عن الزوج فيه الاثم. اشتركت فيه، لانها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت إلى مثل ذلك. قال أبو جعفر: فلم يصب الصواب في واحد من الوجهين، ولا في احتجاجه فيما احتج به قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان. فأما قوله: فلا جناح عليهما فقد بينا وجه صوابه، وسنبين وجه قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان في موضعه إذا أتينا عليه إن شاء الله تعالى. وإنما خطأنا قوله ذلك لان الله تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الحرج عن الزوجين إذا افتدت المرأة من زوجها على ما أذن، وأخبر عن البحرين أن منهما يخرج اللؤلؤ والمرجان، فأضاف إلى اثنين، فلو جاز لقائل أن يقول: إنما أريد به الخبر عن أحدهما فيما لم يكن مستحيلا أن يكون عنهما جاز في كل خبر كان عن اثنين غير مستحيلة صحته أن يكون عنهما أن يقال: إنما هو خبر عن أحدهما، وذلك قلب المفهوم من كلام الناس والمعروف من استعمالهم في مخاطباتهم، وغير جائز حمل كتاب الله تعالى ووحيه جل ذكره على الشواذ من الكلام وله في المفهوم الجاري بين الناس وجه صحيح موجود. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فلا جناح عليهما فيما افتدت به أمعني به: أنهما موضوع عنهما الجناح في كل ما افتدت به المرأة نفسها من شئ أم في بعضه ؟ فقال
[ 636 ]
بعضهم: عنى بذلك فلا جناح عليهما فيما افتدت به من صداقها الذي كان آتاها زوجها الذي تختلع منه واحتجوا في قولهم ذلك بأن آخر الآية مردود على أولها، وأن معنى الكلام: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به مما آتيتموهن. قالوا: فالذي أحله الله لهما من ذلك عند الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله هو الذي كان حظر عليهما قبل حال الخوف عليهما من ذلك. واحتجوا في ذلك بقصة ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله (ص) إنما أمر امرأته إذ نشزت عليه أن ترد ما كان ثابت أصدقها، وأنها عرضت الزيادة فلم يقبلها النبي (ص). ذكر من قال ذلك: 3831 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع أنه كان يقول: لا يصلح له أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها، ويقول: إن الله يقول: فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه، يقول: من المهر. وكذلك كان يقرؤها: فيما افتدت به منه. 3832 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا بشر بن بكر، عن الاوزاعي، قال: سمعت عمرو بن شعيب وعطاء بن أبي رباح والزهري يقولون في الناشز: لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها. 3833 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد، ثنا أبو عمرو، عن عطاء، قال: الناشز لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء أنه كره أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها. 3834 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا ابن إدريس، عن أشعث، عن الشعبي، قال: كان يكره أن يأخذ الرجل من المختلعة فوق ما أعطاها، وكان يرى أن يأخذ دون ذلك. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن الشعبي، قال: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي أنه كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، يعني المختلعة.
[ 637 ]
3835 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا عن الحكم بن عتيبة، قال: كان علي رضي الله عنه يقول: لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها. 3836 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن الحكم أنه قال في المختلعة: أحب إلي أن لا يزداد. 3837 - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن حميد أن الحسن كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. * - حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن مطر أنه سأل الحسن، أو أن الحسن سئل عن رجل تزوج امرأة على مائتي درهم، فأراد أن يخلعها، هل له أن يأخذ أربعمائة ؟ فقال: لا والله، ذاك أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الحسن يقول: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها. قال معمر: وبلغني عن علي أنه كان يرى أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها. 3838 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن ابن المسيب، قال: ما أحب أن يأخذ منها كل ما أعطاها حتى يدع لها منه ما يعيشها. 3839 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس أن أباه كان يقول في المفتدية: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. 3840 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها. وقال آخرون: بل عنى بذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من قليل ما تملكه وكثيره. واحتجوا لقولهم ذلك بعموم الآية، وأنه غير جائز إحالة ظاهر عام إلى باطن خاص إلا بحجة يجب التسليم لها قالوا: ولا حجة يجب التسليم لها بأن الآية مراد بها بعض الفدية دون بعض من أصل أو قياس، فهي على ظاهرها وعمومها. ذكر من قال ذلك: 3841 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب عن كثير مولى سمرة: أن عمر أتي بامرأة ناشز، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ثلاثا، ثم دعا بها فقال:
[ 638 ]
كيف وجدت ؟ قالت: ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي حبستني. فقال لزوجها: اخلعها ولو من قرطها. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن كثير مولى سمرة، قال: أخذ عمر بن الخطاب امرأة ناشزة فوعظها، فلم تقبل بخير، فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام وذكر نحو حديث ابن علية. 3842 - حدثنا ابن بشار ومحمد بن يحيى قالا: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن حميد بن عبد الرحمن: أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فشكت زوجها، فقال: إنها ناشز. فأباتها في بيت الزبل، فلما أصبح قال لها: كيف وجدت مكانك ؟ قالت: ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة. فقال: خذ ولو عقاصها. 3843 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع: أن مولاة لصفية اختلعت من زوجها بكل شئ تملكه إلا من ثيابها، فلم يعب ذلك ابن عمر. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا معتمر، قال: سمعت عبيد الله يحدث، عن نافع، قال: ذكر لابن عمر مولاة له اختلعت من زوجها بكل مال لها، فلم يعب ذلك عليها ولم ينكره. 3844 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا هشيم، عن حميد، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب: أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. ثم تلا هذه الآية: فلا جناح عليهما فيما افتدت به. 3845 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال في الخلع: خذ ما دون عقاص شعرها، وإن كانت المرأة لتفتدي ببعض مالها. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الخلع بما دون عقاص الرأس. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أنه قال في المختلعة: خذ منها ولو عقاصها.
[ 639 ]
* - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: الخلع بما دون عقاص الرأس، وقد تفتدي المرأة ببعض مالها. 3846 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن الربيع ابنة معوذ بن عفراء حدثته قالت: كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني، ويحرمني إذا غاب. قالت: فكانت مني زلة يوما، فقلت: أختلع منك بكل شئ أملكه قال: نعم قالت: ففعلت قالت: فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان، فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه. أو قالت: ما دون عقاص الرأس. 3847 - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا الحسن بن يحيى، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: لا بأس بما خلعها به من قليل أو كثير، ولو عقصها. 3848 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: إن شاء أخذ منها أكثر مما أعطاها. 3849 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عباس: ليأخذ منها حتى قرطها. يعني في الخلع. 3850 - حدثني المثنى، قال: ثنا مطرف بن عبد الله، قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن نافع، عن مولاة لصفية ابنة أبي عبيد: أنها اختلعت من زوجها بكل شئ لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر. * - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا حميد، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب أنه تلا هذه الآية: فلا جناح عليهما فيما افتدت به قال: يأخذ أكثر مما أعطاها. 3851 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يزيد وسهل بن يوسف وابن أبي عدي،
[ 640 ]
عن حميد، قال: قلت لرجاء بن حيوة: إن الحسن يقول في المختلعة: لا يأخذ أكثر مما أعطاها، ويتأول: ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا قال رجاء: فإن قبيصة بن ذؤيب كان يرخص أن يأخذ أكثر مما أعطاها، ويتأول: فلا جناح عليهما فيما افتدت به. وقال آخرون: هذه الآية منسوخة بقوله: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا. ذكر من قال ذلك: 3852 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا عقبة بن أبي الصهباء قال: سألت بكرا عن المختلعة أيأخذ منها شيئا ؟ قال لا وقرأ: وأخذن منكم ميثاقا غليظا. 3853 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا عقبة بن أبي الصهباء، قال: سألت بكر بن عبد الله عن رجل تريد امرأته منه الخلع، قال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا. قلت: يقول الله تعالى ذكره في كتابه: فلا جناح عليهما فيما افتدت به قال: هذه نسخت. قلت: فأني حفظت ؟ قال: حفظت في سورة النساء قول الله تعالى ذكره: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. وأولى هذه الاقوال بالصواب قول من قال: إذا خيف من الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله على سبيل ما قدمنا البيان عنه، فلا حرج عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها من قليل ما تملكه وكثيره مما يجوز للمسلمين أن يملكوه، وإن أتى ذلك على جميع ملكها لان الله تعالى ذكره لم يخص ما أباح لهما من ذلك على حد لا يجاوز، بل أطلق ذلك في كل ما افتدت به غير أني أختار للرجل استحبابا لا تحتيما إذا تبين من امرأته أن افتداءها منه لغير معصية لله، بل خوفا منها على دينها أن يفارقها بغير فدية ولا جعل فإن شحت نفسه بذلك، فلا يبلغ بما يأخذ منها جميع ما آتاها. فأما ما قاله بكر بن عبد الله من أن هذا الحكم في جميع الآية منسوخ بقوله: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فقول لا معنى له، فنتشاغل بالانابة عن خطئه لمعنيين. أحدهما: إجماع الجميع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المسلمين، على
[ 641 ]
تخطئته وإجازة أخذ الفدية من المفتدية نفسها لزوجها، وفي ذلك الكفاية عن الاستشهاد على خطئه بغيره. والآخر: أن الآية التي في سورة النساء إنما حرم الله فيها على زوج المرأة أن يأخذ منها شيئا مما آتاها، بأن أراد الرجل استبدال زوج بزوج من غير أن يكون هنالك خوف من المسلمين عليهما بمقام أحدهما على صاحبه أن لا يقيما حدود الله، ولا نشوز من المرأة على الرجل. وإذا كان الامر كذلك، فقد بينا أن أخذ الزوج من امرأته مالا على وجه الاكراه لها والاضرار بها حتى تعطيه شيئا من مالها على فراقها حرام، ولو كان ذلك حبة فضة فصاعدا. وأما الآية التي في سورة البقرة، فإنها إنما دلت على إباحة الله تعالى ذكره له أخذ الفدية منها في حال الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله بنشوز المرأة، وطلبها فراق الرجل، ورغبته فيها. فالامر الذي أذن به للزوج في أخذ الفدية من المرأة في سورة البقرة ضد الامر الذي نهى من أجله عن أخذ الفدية في سورة النساء، كما الحظر في سورة النساء غير الطلاق والاباحة في سورة البقرة. فإنما يجوز في الحكمين أن يقال أحدهما ناسخ إذا اتفقت معاني المحكوم فيه، ثم خولف بين الاحكام فيه باختلاف الاوقات والازمنة. وأما اختلاف الاحكام باختلاف معاني المحكوم فيه في حال واحدة ووقت واحد، فذلك هو الحكمة البالغة، والمفهوم في العقل والفطرة، وهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل. وأما الذي قاله الربيع بن أنس من أن معنى الآية: فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه، يعني بذلك: مما آتيتموهن، فنظير قول بكر في دعواه نسخ قوله: فلا جناح عليهما فيما افتدت به بقوله: وآتيتم إحداهن قنطارافلا تأخذوا منه شيئا لادعائه في كتاب الله ما ليس موجودا في مصاحف المسلمين رسمه. ويقال لمن قال بقوله: قد قال من قد علمت من أئمة الدين: إنما معنى ذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من ملكها، فهل من حجة تبين تهافتهم غير الدعوى، فقد احتجوا بظاهر التنزيل، وادعيت فيه خصوصا. ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في شئ من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. وقد بينا الادلة بالشواهد على صحة قول من قال للزوج أن يأخذ منها كل ما أعطته المفتدية التي أباح الله لها الافتداء في كتابنا كتاب اللطيف فكرهنا إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.
[ 642 ]
يعني تعالى ذكره بذلك: تلك معالم فصوله، بين ما أحل لكم، وما حرم عليكم أيها الناس، فلا تعتدوا ما أحل لكم من الامور التي بينها وفصلها لكم من الحلال، إلى ما حرم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته. وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها هذه الاشياء التي بينت لكم في هذه الآيات التي مضت من نكاح المشركات الوثنيات، وإنكاح المشركين المسلمات، وإتيان النساء في المحيض، وما قد بين في الآيات الماضية قبل قوله: تلك حدود الله مما أحل لعباده وحرم عليهم، وما أمر ونهى. ثم قال لهم تعالى ذكره: هذه الاشياء التي بينت لكم حلالها من حرامها حدودي، يعني به: معالم فصول ما بين طاعتي ومعصيتي فلا تعتدوها يقول: فلا تتجاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرمته عليكم، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه، ولا طاعتي إلى معصيتي، فإن من تعدى ذلك يعني من تخطاه وتجاوزه إلى ما حرمت عليه أو نهيته، فإنه هو الظالم، وهو الذي فعل ما ليس له فعله، ووضع الشئ في غير موضعه. وقد دللنا فيما مضى على معنى الظلم وأصله بشواهده الدالة على معناه، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن خالفت ألفاظ تأويلهم ألفاظ تأويلنا، غير أن معنى ما قالوا في ذلك (يرجع) إلى معنى ما قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 3854 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها يعني بالحدود: الطاعة. 3855 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها يقول: من طلق لغير العدة فقد اعتدى وظلم نفسه، ومن يتعد حدود الله، فأولئك هم الظالمون. قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكر عن الضحاك لا معنى له في هذا الموضع، لانه لم يجر للطلاق في العدة ذكر، فيقال: تلك حدود الله، وإنما جرى ذكر العدد الذي يكون
[ 643 ]
للمطلق فيه الرجعة، والذي لا يكون له فيه الرجعة دون ذكر البيان عن الطلاق للعدة. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) * اختلف أهل التأويل فيما دل عليه هذا القول من الله تعالى ذكره فقال بعضهم: دل على أنه إن طلق الرجل امرأته التطليقة الثالثة بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما: الطلاق مرتان فإن امرأته تلك لا تحل له بعد التطليقة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره، يعني به غير المطلق. ذكر من قال ذلك: 3856 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: جعل الله الطلاق ثلاثا، فإذا طلقها واحدة فهو أحق بها ما لم تنقض العدة، وعدتها ثلاث حيض، فإن انقضت العدة قبل أن يكون راجعها فقد بانت منه، وصارت أحق بنفسها، وصار خاطبا من الخطاب، فكان الرجل إذا أراد طلاق أهله نظر حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة في قبل عدتها عند شاهدي عدل، فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت في عدتها، وإن تركها حتى تنقضي عدتها فقد بانت منه بواحدة، وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي في عدتها نظر حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة أخرى في قبل عدتها، فإن بدا له مراجعتها راجعها، فكانت عنده على واحدة، وإن بدا له طلاقها طلقها الثالثة عند طهرها، فهذه الثالثة التي قال الله تعالى ذكره: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. 3857 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره يقول: إن طلقها ثلاثا، فلا تحل حتى تنكح زوجا غيره. 3858 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: إذا طلق واحدة أو ثنتين فله الرجعة ما لم تنقض العدة، قال: والثالثة قوله: فإن طلقها يعني بالثالثة فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره.
[ 644 ]
* - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، بنحوه. 3859 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فإن طلقها بعد التطليقتين فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، وهذه الثالثة. وقال آخرون: بل دل هذا القول على ما يلزم مسرح امرأته بإحسان بعد التطليقتين اللتين قال الله تعالى ذكره فيهما: الطلاق مرتان. قالوا: وإنما بين الله تعالى ذكره بهذا القول عن حكم قوله: أو تسريح بإحسان وأعلم أنه إن سرح الرجل امرأته بعد التطليقتين فلا تحل له المسرحة كذلك إلا بعد زوج. ذكر من قال ذلك: 3860 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره قال: عاد إلى قوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال أبو جعفر: والذي قاله مجاهد في ذلك عندنا أولى بالصواب للذي ذكرنا عن رسول الله (ص) في الخبر الذي رويناه عنه أنه قال: أو سئل فقيل: هذا قول الله تعالى ذكره: الطلاق مرتان فأين الثالثة ؟ قال: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. فأخبر (ص)، أن الثالثة إنما هي قوله: أو تسريح بإحسان. فإذ كان التسريح بالاحسان هو الثالثة، فمعلوم أن قوله: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره من الدلالة على التطليقة الثالثة بمعزل، وأنه إنما هو بيان عن الذي يحل للمسرح بالاحسان إن سرح زوجته بعد التطليقتين، والذي يحرم عليه منها، والحال التي يجوز له نكاحها فيها، وإعلام عباده أن بعد التسريح على ما وصفت لا رجعة للرجل على امرأته. فإن قال قائل: فأي النكاحين عنى الله بقوله: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره النكاح الذي هو جماع أم النكاح الذي هو عقد تزويج ؟ قيل: كلاهما، وذلك أن المرأة إذا نكحت رجلا نكاح تزويج لم يطأها في ذلك النكاح ناكحها ولم يجامعها حتى
[ 645 ]
يطلقها لم تحل للاول، وكذلك إن وطئها واطئ بغير نكاح لم تحل للاول لاجماع الامة جميعا. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن تأويل قوله: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا، ثم يجامعها فيه، ثم يطلقها. فإن قال: فإن ذكر الجماع غير موجود في كتاب الله تعالى ذكره، فما الدلالة على أن معناه ما قلت ؟ قيل: الدلالة على ذلك إجماع الامة جميعا على أن ذلك معناه. وبعد، فإن الله تعالى ذكره قال: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلو نكحت زوجا غيره بعقب الطلاق قبل انقضاء عدتها، كان لا شك أنها ناكحة نكاحا بغير المعنى الذي أباح الله تعالى ذكره لها ذلك به، وإن لم يكن ذكر العدة مقرونا بقوله: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لدلالته على أن ذلك كذلك بقوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وكذلك قوله: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وإن لم يكن مقرونا به ذكر الجماع والمباشرة والافضاء فقد دل على أن ذلك كذلك بوحيه إلى رسول الله (ص) وبيانه ذلك على لسانه لعباده. ذكر الاخبار المروية بذلك عن رسول الله (ص): 3861 - حدثني عبيد الله بن إسماعيل الهباري، وسفيان بن وكيع، وأبو هشام الرفاعي، قالوا: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن الاسود، عن عائشة، قالت: سئل رسول الله (ص) عن رجل طلق امرأته فتزوجت رجلا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها، أتحل لزوجها الاول ؟ فقال رسول الله (ص): لا تحل لزوجها الاول حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي (ص)، نحوه. 3862 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن
[ 646 ]
عائشة، قال: سمعتها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله (ص)، فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فقال لها: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، نحوه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: ثني عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي (ص) أخبرته أن امرأة رفاعة القرظي جاءت رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله، فذكر مثله. 3863 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته، فبت طلاقها، فتزوجها بعد عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت النبي (ص) فقالت: يا نبي الله إنها كانت عند رفاعة، فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل الهدبة. فتبسم رسول الله (ص)، ثم قال لها: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قالت: وأبو بكر جالس عند النبي (ص) وخالد بن سعيد بن العاص بباب الحجرة لم يؤذن له، فطفق خالد ينادي يا أبا بكر يقول: يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله (ص) ؟. 3864 - حدثنا محمد بن يزيد الاودي، قال: ثنا يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة أن رسول الله (ص) قال: لا حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق الاول. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عبيد الله، قال: سمعت القاسم يحدث عن عائشة، قال: قالت: قال رسول الله (ص): لا حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق صاحبه.
[ 647 ]
* - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى، عن عبيد الله، قال: ثنا القاسم، عن عائشة، أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت زوجا، فطلقها قبل أن يمسها، فسئل رسول الله (ص): أتحل للاول ؟ قال: لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الاول. 3865 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا موسى بن عيسى الليثي، عن زائدة، عن علي بن زيد، عن أم محمد، عن عائشة، عن النبي (ص)، قال: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجغيره، فيذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه. 3866 - حدثني العباس بن أبي طالب، قال: أخبرنا سعيد بن حفص الطلحي، قال: أخبرنا شيبان، عن يحيى، عن أبي الحارث الغفاري، عن أبي هريرة، عن رسول الله (ص)، قال: حتى يذوق عسيلتها. 3867 - حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، قال: ثني أبي، قال: ثنا شيبان، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي الحارث الغفاري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص) في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا، فتتزوج غيره، فيطلقها قبل أن يدخل بها، فيريد الاول أن يراجعها، قال: لا، حتى يذوق عسيلتها. 3868 - حدثني محمد بن إبراهيم الانماطي، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا محمد بن دينار، قال: حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي، عن أنس بن مالك، عن النبي (ص) في رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها آخر فطلقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى زوجها الاول ؟ قا: لا، حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته. 3869 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، ويعقوب بن ماهان، قالا: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عباس: أن الغميصاء أو الرميصاء جاءت إلى رسول الله (ص) تشكو زوجها، وتزعم أنه لا يصل إليها،
[ 648 ]
قال: فما كان إلا يسيرا حتى جاء زوجها، فزعم أنها كاذبة، ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الاول، فقال رسول الله (ص): ليس لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره. 3870 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين الاحمري، عن سالم بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي (ص) في رجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة، فتتزوج زوجا آخر، فيطلقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى الاول ؟ قال: لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن رزين الاحمري، عن ابن عمر، عن النبي (ص) أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا، فيتزوجها رجل، فأغلق الباب، فطلقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى زوجها الآخر ؟ قال: لا حتى يذوق عسيلتها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن رزين، عن ابن عمر أنه سأل النبي (ص) وهو يخطب عن رجل طلق امرأته، فتزوجت بعده، ثم طلقها أو مات عنها، أيتزوجها الاول ؟ قال: لا حتى تذوق عسيلته. القول في تأويل قوله تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله. يعني تعالى ذكره بقوله: فإن طلقها فإن طلق المرأة التي بانت من زوجها بآخر التطليقات الثلاث بعد ما نكحها مطلقها الثاني، زوجها الذي نكحها بعد بينونتها من الاول فلا جناح عليهما يقول تعالى ذكره: فلا حرج على المرأة التي طلقها هذا الثاني من بعد بينونتها من الاول، وبعد نكاحه إياها، وعلى الزوج الاول الذي كانت حرمت عليه ببينونتها منه بآخر التطليقات أن يتراجعا بنكاح جديد. كما: 3871 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن
[ 649 ]
يقيما حدود الله يقول: إذا تزوجت بعد الاول، فدخل الآخر بها، فلا حرج على الاول أن يتزوجها إذا طلق الآخر أو مات عنها، فقد حلت له. 3872 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشام، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: إذا طلق واحدة أو ثنتين، فله الرجعة ما لم تنقض العدة. قال: والثالثة قوله: فإن طلقها يعني الثالثة فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره، فيدخل بها، فإن طلقها هذا الاخير بعد ما يدخل بها، فلا جناح عليهما أن يتراجعا يعني الاول إن ظنا أن يقيما حدود الله. وأما قوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله فإن معناه: إن رجوا مطمعا أن يقيما حدود الله. وإقامتهما حدود الله: العمل بها، وحدود الله: ما أمرهما به، وأوجب لكل واحد منهما على صاحبه، وألزم كل واحد منهما بسبب النكاح الذي يكون بينهما. وقد بينا معنى الحدود ومعنى إقامة ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وكان مجاهد يقول في تأويل قوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله ما: 3873 - حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقد وجه بعض أهل التأويل قوله إن ظنا إلى أنه بمعنى: إن أيقنا. وذلك ما لا وجه له، لان أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله تعالى ذكره. فإذ كان ذلك كذلك، فما المعنى الذي به يوقن الرجل والمرأة أنهما إذا تراجعا أقاما حدود الله ؟ ولكن معنى ذلك كما قال تعالى ذكره: إن ظنا بمعنى طمعا بذلك ورجوله وأن التي في قوله أن يقيما في موضع نصب بظنا، وأن التي في أن يتراجعا جعلها بعض أهل العربية في موضع نصب بفقد الخافض، لان معنى الكلام: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا، فلما حذفت
[ 650 ]
في التي كانت تخفضها نصبها، فكأنه قال: فلا جناح عليهما تراجعهما. وكان بعضهم يقول: موضعه خفض، وإن لم يكن معها خافضها، وإن كان محذوفا فمعروف موضعه. القول في تأويل قوله تعالى: وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون. يعني تعالى ذكره بقوله: وتلك حدود الله هذه الامور التي بينها لعباده في الطلاق والرجعة والفدية والعدة والايلاء وغير ذلك مما يبينه لهم في هذه الآيات، حدود الله معالم فصول حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته، يبينها: يفصلها، فيميز بينها، ويعرفهم أحكامها لقوم يعلمونها إذا بينها الله لهم، فيعرفون أنها من عند الله، فيصدقون بها، ويعملون بما أودعهم الله من علمه، دون الذين قد طبع الله على قلوبهم، وقضى عليهم أنهم لا يؤمنون بها، ولا يصدقون بأنها من عند الله، فهم يجهلون أنها من الله، وأنها تنزيل من حكيم حميد. ولذلك خص القوم الذي يعلمون بالبيان دون الذين يجهلون، إذ كان الذين يجهلون أنها من عنده قد آيس نبيه محمدا (ص) من تصديق كثير منهم بها، وإن كان بينها لهم من وجه الحجة عليهم ولزوم العمل لهم بها، وإنما أخرجها من أن تكون بيانا لهم من وجه تركهم الاقرار والتصديق به. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئ عليم) * يعني تعالى ذكره بذلك: وإذا طلقتم أيها الرجال نساءكم فبلغن أجلهن، يعني ميقاتهن الذي وقته لهن من انقضاء الاقراء الثلاثة إن كانت من أهل الاقراء وانقضاء الاشهر، إن كانت من أهل الشهور، فأمسكوهن يقول: فراجعوهن إن أردتم رجعتهن في الطلقة التي فيها رجعة، وذلك إما في التطليقة الواحدة أو التطليقتين كما قال تعالى ذكره: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وأما قوله: بمعروف فإنه عنى بما أذن به من الرجعة من الاشهاد على الرجعة قبل
[ 651 ]
انقضاء العدة دون الرجعة بالوطئ والجماع، لان ذلك إنما يجوز للرجل بعد الرجعة، وعلى الصحبة مع ذلك والعشرة بما أمر الله به وبينه لكم أيها الناس. أو سرحوهن بمعروف يقول: أو خلوهن يقضين تمام عدتهن وينقضي بقية أجلهن الذي أجلته لهن لعددهن بمعروف، يقول: بإيفائهن تمام حقوقهن عليكم على ما ألزمتكم لهن من مهر ومتعة ونفقة وغير ذلك من حقوقهن قبلكم. ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا يقول: ولا تراجعوهن إن راجعتموهن في عددهن مضارة لهن لتطولوا عليهن مدة انقضاء عددهن، أو لتأخذوا منهن بعض ما آتيتموهن بطلبهن الخلع منكم لمضارتكم إياهن بإمساككم إياهن، ومراجعتكموهن ضرارا واعتداء. وقوله: لتعتدوا يقول: لتظلموهن بمجاوزتكم في أمرهن حدودي التي بينتها لكم. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3874 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق: ولا تمسكوهن ضرارا قال: يطلقها حتى إذا كادت تنقضي راجعها، ثم يطلقها، فيدعها، حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها، ولا يريد إمساكها، فذلك الذي يضار ويتخذ آيات الله هزوا. 3875 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل الحسن عن قوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قال: كان الرجل يطلق المرأة، ثم يراجعها، ثم يطلقها، ثم يراجعها يضارها فنهاهم الله عن ذلك. 3876 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف قال نهى الله عن الضرار ضرارا أن يطلق الرجل امرأته، ثم يراجعها عند آخر يوم يبقى من الاجل حتى يفي لها تسعة أشهر ليضارها به. 3877 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال: نهى عن الضرار، والضرار في الطلاق: أن يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها. وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو.
[ 652 ]
3878 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها، ثم يطلقها، يفعل ذلك يضارها ويعضلها، فأنزل الله هذه الآية. 3879 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قال: كان الرجل يطلق امرأته تطليقة واحدة ثم يدعها، حتى إذا ما تكاد تخلو عدتها راجعها، ثم يطلقها، حتى إذا ما كاد تخلو عدتها راجعها، ولا حاجة له فيها، إنما يريد أن يضارها بذلك، فنهى الله عن ذلك وتقدم فيه، وقال: ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه. 3880 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: قال الله تعالى ذكره: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا فإذا طلق الرجل المرأة وبلغت أجلها فليراجعها بمعروف أو ليسرحها بإحسان، ولا يحل له أن يراجعها ضرارا، وليست له فيها رغبة إلا أن يضارها. 3881 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قال: هو في الرجل يحلف بطلاق امرأته، فإذا بقي من عدتها شئ راجعها يضارها بذلك، ويطول عليها فنهاهم الله عن ذلك. 3882 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك بن أنس، عن ثور بن زيد الديلي: أن رجلا كان يطلق امرأته ثم يراجعها، ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها، كيما يطول عليها بذلك العدة ليضارها فأنزل الله تعالى ذكره: ولا تمسكوهن ضرارالتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ليعظم ذلك.
[ 653 ]
3883 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سليمان الباهلي، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولا تمسكوهن ضرارا: هو الرجل يطلق امرأته واحدة، ثم يراجعها، ثم يطلقها، ثم يراجعها، ثم يطلقها ليضارها بذلك لتختلع منه. 3884 - حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا قال: نزلت في رجل من الانصار يدعى ثابت بن بشار طلق امرأته حتى إذا انقضت عدتها إلا يومين أو ثلاثا راجعها ثم طلقها، ففعل ذلك بها، حتى مضت لها تسعة أشهر مضارة يضارها، فأنزل الله تعالى ذكره: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. 3885 - حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرني أبي، قال: سمعت عبد العزيز يسأل عن طلاق الضرار، فقال: يطلق ثم يراجع، ثم يطلق، ثم يراجع، فهذا الضرار الذي قال الله: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. 3886 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قال: الرجل يطلق امرأته تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض ض ثلاث حيض، ثم يراجعها، ثم يطلقها تطليقة، ثم يمسك عنها حتى تحيض ثلاث حيض، ثم يراجعها لتعتدوا قال: لا يطاول عليهن. وأصل التسريح من سرح القوم، وهو ما أطلق من نعمهم للرعي، يقال للمواشي المرسلة للرعي: هذا سرح القوم، يراد به مواشيهم المرسلة للرعي، ومنه قول الله تعالى ذكره: والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون يعني بقوله حين تسرحون: حين ترسلونها للرعي فقيل للمرأة إذا خلاها زوجها فأبانها منه: سرحها تمثيلا لذلك بتسريح المسرح ماشيته للرعي وتشبيها به. القول في تأويل قوله تعالى: ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه. يعني تعالى ذكره بذلك: ومن يراجع امرأته بعد طلاقه إياها في الطلاق الذي له فيه
[ 654 ]
عليها الرجعة ضرارا بها ليعتدي حد الله في أمرها، فقد ظلم نفسه، يعني فأكسبها بذلك إثما، وأوجب لها من الله عقوبة بذلك. وقد بينا معنى الظلم فيما مضى، وأنه وضع الشئ في غير موضعه وفعل ما ليس للفاعل فعله. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تتخذوا آيات الله هزوا. يعني تعالى ذكره: ولا تتخذوا أعلام الله وفصوله بين حلاله وحرامه وأمره ونهيه في وحيه وتنزيله استهزاء ولعبا، فإنه قد بين لكم في تنزيله وآي كتابه ما لكم من الرجعة على نسائكم في الطلاق الذي جعل لكم عليهن فيه الرجعة، وما ليس لكم منها، وما الوجه الجائز لكم منها وما الذي لا يجوز، وما الطلاق الذي لكم عليهن فيه الرجعة وما ليس لكم ذلك فيه، وكيف وجوه ذلك رحمة منه بكم ونعمة منه عليكم، ليجعل بذلك لبعضكم من مكروه إن كان فيه من صاحبه مما هو فيه المخرج والمخلص بالطلاق والفراق، وجعل ما جعل لكم عليهن من الرجعة سبيلا لكم إلى الوصول إلى ما نازعه إليه ودعاه إليه هواه بعد فراقه إياهن منهن، لتدركوا بذلك قضاء أوطاركم منهن، إنعاما منه بذلك عليكم، لا لتتخذوا ما بينت لكم من ذلك في آي كتابي وتنزيلي تفضلا مني ببيانه عليكم، وإنعاما ورحمة مني بكم لعبا وسخريا. وبمعنى ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3887 - حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أيوب بن سليمان، قال: ثنا أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سليمان بن أرقم، أن الحسن حدثهم: أن الناس كانوا على عهد رسول الله (ص) يطلق الرجل أو يعتق، فيقال: ما صنعت ؟ فيقول: إنما كنت لاعبا قال رسول الله (ص): من طلق لاعبا أو أعتق لاعبا فقد جاز عليه قال الحسن: وفيه نزلت: ولا تتخذوا آيات الله هزوا. 3888 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ولا تتخذوا آيات الله هزوا قال: كان الرجل يطلق امرأته، فيقول: إنما
[ 655 ]
طلقت لاعبا، ويتزوج أو يعتق أو يتصدق فيقول: إنما فعلت لاعبا، فنهوا عن ذلك، فقال تعالى ذكره: ولا تتخذوا آيات الله هزوا. 3889 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن أبي العلاء، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي موسى: أن رسول الله (ص) غضب على الاشعريين فأتاه أبو موسى، فقال: يا رسول الله غضبت على الاشعريين فقال: يقول أحدكم قد طلقت قد راجعت ليس هذا طلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قبل عدتها. * - حدثنا أبو زيد، عن ابن شبة، قال: ثنا أبو غسان النهدي، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن أبي خالد، يعني الدالاني، عن أبي العلاء الاودي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي موسى الاشعري، عن النبي (ص) أنه قال لهم: يقول أحدكم لامرأته: قد طلقتك، قد راجعتك ليس هذا بطلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قبل عدتها. القول في تأويل قوله تعالى: واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة. يعني تعالى ذكره بذلك: واذكروا نعمة الله عليكم بالاسلام، الذي أنعم عليكم به، فهداكم له، وسائر نعمه التي خصكم بها دون غيركم من سائر خلقه، فاشكروه على ذلك بطاعته فيما أمركم به ونهاكم عنه، واذكروا أيضا مع ذلك، ما أنزل عليكم من كتابه ذلك، القرآن الذي أنزله على نبيه محمد (ص)، واذكروا ذلك فاعملوا به، واحفظوا حدوده فيه. والحكمة: يعني: وما أنزل عليكم من الحكمة، وهي السنن التي علمكموها رسول الله (ص) وسنها لكم. وقد ذكرت اختلاف المختلفين في معنى الحكمة فيما مضى قبل في قوله: ويعلمهم الكتاب والحكمة فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
[ 656 ]
القول في تأويل قوله تعالى: يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئ عليم. يعني تعالى ذكره بقوله: يعظكم به يعظكم بالكتاب الذي أنزل عليكم. والهاء التي في قوله به عائدة على الكتاب. واتقوا الله يقول: وخافوا الله فيما أمركم به، وفيما نهاكم عنه في كتابه الذي أنزله عليكم، وفيما أنزله فبينه على لسان رسول الله (ص) لكم أن تضيعوه وتتعدوا حدوده، فتستوجبوا ما لا قبل لكم به من أليم عقابه، ونكال عذابه. وقوله: واعلموا أن الله بكل شئ عليم يقول: واعلموا أيها الناس أن ربكم الذي حد لكم هذه الحدود، وشرع لكم هذه الشرائع، وفرض عليكم هذه الفرائض في كتابه وفي تنزيله، على رسوله محمد (ص) بكل ما أنتم عاملوه من خير وشر، وحسن وسيئ، وطاعة ومعصية، عالم لا يخفى عليه من ظاهر ذلك وخفيه وسره وجهره شئ، وهو مجازيكم بالاحسان إحسانا، وبالسيئ سيئا، إلا أن يعفو ويصفح فلاتتعرضوا لعقابه، ولا تظلموا أنفسكم. القول في تأويل قوله تعالى:) * وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون) * ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل كانت له أخت كان زوجها من ابن عم لها، فطلقها وتركها فلم يراجعها حتى انقضت عدتها، ثم خطبها منه، فأبى أن يزوجها إياه ومنعها منه وهي فيه راغبة. ثم اختلف أهل التأويل في الرجل الذي كان فعل ذلك فنزلت فيه هذه الآية، فقال بعضهم: كان ذلك الرجل معقل بن يسار المزني. ذكر من قال ذلك: 3890 - حدثني محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن معقل بن يسار، قال: كانت أخته تحت رجل فطلقها ثم خلا عنها حتى إذا انقضت عدتها خطبها، فحمي معقل من ذلك أنفا وقال: خلا عنها وهو يقدر عليها
[ 657 ]
فحال بينه وبينها. فأنزل الله تعالى ذكره: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن، عن معقل بن يسار: أن أخته طلقها زوجها، فأراد أن يراجعها، فمنعها معقل، فأنزل الله تعالى ذكره: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن... إلى آخر الآية. 3891 - حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا عباد بن راشد، قال: ثنا الحسن، قال: ثني معقل بن يسار، قال: كانت لي أخت تخطب وأمنعها الناس، حتى خطب إلي ابن عم لي فأنكحتها، فاصطحبا ما شاء الله، ثم إنه طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، ثم خطبت إلي فأتاني يخطبها مع الخطاب، فقلت له: خطبت إلي فمنعتها الناس، فأثرتك بها، ثم طلقت طلاقا لك فيه رجعة، فلما خطبت إلي آتيتني تخطبها مع الخطاب ؟ والله لا أنكحها أبدا قال: ففي نزلت هذه الآية: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف قال: فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه. 3892 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذكر لنا أن رجلا طلق امرأته تطليقة، ثم خلا عنها حتى انقضت عدتها، ثم قرب بعد ذلك يخطبها والمرأة أخت معقل بن يسار فأنف من ذلك معقل بن يسار، وقال: خلا عنها وهي في عدتها ولو شاء راجعها، ثم يريد أن يراجعها وقد بانت منه ؟ فأبى عليها أن يزوجها إياه. وذكر لنا أن نبي الله لما نزلت هذه الآية دعاه فتلاها عليه، فترك الحمية واستقاد لامر الله. 3893 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن
[ 658 ]
قوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن إلى آخر الآية، قال: نزلت هذه الآية في معقل بن يسار. قال الحسن: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وفرشتك أختي وأكرمتك، ثم طلقتها، ثم جئت تخطبها ؟ لا تعود إليك أبدا قال: وكان رجل صدق لا بأس به، وكانت المرأة تحب أن ترجع إليه، قال الله تعالى ذكره: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف قال: فقلت الآن أفعل يا رسول الله فزوجها منه. 3894 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو بكر الهذلي، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: كانت أخت معقل بن يسار تحت رجل فطلقها، فخطب إليه فمنعها أخوها، فنزلت: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن... إلى آخر الآية. 3895 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن الآية، قال: نزلت في امرأة من مزينة طلقها زوجها وأبينت منه، فنكحها آخر، فعضلها أخوها معقل بن يسار يضارها خيفة أن ترجع إلى زوجها الاول. قال ابن جريج: وقال عكرمة: نزلت في معقل بن يسار، قال ابن جريج أخته جميل ابنة يسار كانت تحت أبي البداح طلقها، فانقضت عدتها، فخطبها، فعضلها معقل بن يسار. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف نزلت في امرأة من مزينة طلقها زوجها فعضلها أخوها أن ترجع إلى زوجها الاول وهو معقل بن يسار أخوها. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله، إلا أنه لم يقل فيه: وهو معقل بن يسار.
[ 659 ]
3896 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق الهمداني: أن فاطمة بنت يسار طلقها زوجها، ثم بدا له فخطبها، فأبى معقل، فقال: زوجناك فطلقتها وفعلت فأنزل الله تعالى ذكره: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن. 3897 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة في قوله: فلا تعضلوهن قال: نزلت في معقل بن يسار، كانت أخته تحت رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء فخطبها، فعضلها معقل، فأبى أن ينكحها إياه، فنزلت فيها هذه الآية يعني به الاولياء يقول: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن. 3898 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن رجل، عن معقل بن يسار قال: كانت أختي عند رجل فطلقها تطليقة بائنة، فخطبها، فأبيت أن أزوجها منه، فأنزل الله تعالى ذكره: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن... الآية. وقال آخرون: كان الرجل جابر بن عبد الله الانصاري. ذكر من قال ذلك: 3899 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف. قال: نزلت في جابر بن عبد الله الانصاري، وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة، فانقضت عدتها، ثم رجع يريد رجعتها، فأما جابر فقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية وكانت المرأة تريد زوجها قد راضته، فنزلت هذه الآية. وقال آخرون: نزلت هذه الآية دلالة على نهي الرجل عن مضارة وليته من النساء، يعضلها عن النكاح. ذكر من قال ذلك: 3900 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن فهذا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فتنقضي عدتها، يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة، فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله سبحانه أن يمنعوها.
[ 660 ]
* - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف كان الرجل يطلق امرأته تبين منه، وينقضي أجلها، ويريد أن يراجعها، وترضى بذلك، فيأبى أهلها، قال الله تعالى ذكره: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف. 3901 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق في قوله: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن قال: كان الرجل يطلق امرأته، ثم يبدو له أن يتزوجها، فيأبى أولياء المرأة أن يزوجوها، فقال الله تعالى ذكره: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف. 3902 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم في قوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن قال: المرأة تكون عند الرجل فيطلقها، ثم يريد أن يعود إليها فلا يعضلها وليها أن ينكحها إياه. 3903 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب: قال الله تعالى ذكره: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن... الآية، فإذا طلق الرجل المرأة وهو وليها، فانقضت عدتها، فليس له أن يعضلها حتى يرثها ويمنعها أن تستعف بزوج. 3904 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن هو الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم يسكت عنها، فيكون خاطبا من الخطاب، فقال الله لاولياء المرأة: لا تعضلوهن، يقول: لا تمنعوهن أن يرجعن إلى أزواجهن بنكاح جديد إذا تراضوا بينهم بالمعروف إذا رضيت المرأة وأرادت أن تراجع زوجها بنكاح جديد. والصواب من القول في هذه الآية أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنزلها دلالة على تحريمه على أولياء النساء مضارة من كانوا له أولياء من النساء بعضلهن عمن أردن نكاحه من أزواج كانوا لهن، فبن منهن بما تبين به المرأة من زوجها من طلاق أو فسخ نكاح. وقد يجوز أن تكون نزلت في أمر معقل بن يسار وأمر أخته أو في أمر جابر بن عبد الله وأمر ابنة عمه، وأي ذلك كان فالآية دالة على ما ذكرت.
[ 661 ]
ويعني بقوله تعالى: فلا تعضلوهن لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن أيها الاولياء من مراجعة أزواجهن بنكاح جديد تبتغون بذلك مضارتهن، يقال منه: عضل فلان فلانة عن الازواج يعضلها عضلا. وقد ذكر لنا أن حيا من أحياء العرب من لغتها: عضل يعضل، فمن كان من لغته عضل، فإنه إن صار إلى يفعل، قال: يعضل بفتح الضاد، والقراءة على ضم الضاد دون كسرها، والضم من لغة من قال عضل. وأصل العضل: الضيق، ومنه قول عمر رحمة الله عليه: وقد أعضل به أهل العراق، لا يرضون عن وال، ولا يرضى عنهم وال، يعني بذلك حملوني على أمر ضيق شديد لا أطيق القيام به، ومنه أيضا: الداء العضال، وهو الداء الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج، وتجاوزه حد الادواء التي يكون لها علاج، ومنه قول ذي الرمة: ولم أقذف لمؤمنة حصان بإذن الله موجبة عضالا ومنه قيل: عضل الفضاء بالجيش لكثرتم: إذا ضاق عنهم من كثرتهم. وقيل: عضلت المرأة: إذا نشب الولد في رحمها فضاق عليه الخروج منها، ومنه قول أوس بن حجر: وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا ولكنه النائي إذا كنت آمنا وصاحبك الادنى إذا الامر أعضلا وأن التي في قوله أن ينكحن في موضع نصب قوله: تعضلوهن. ومعنى قوله: إذا تراضوا بينهم بالمعروف إذا تراضى الازواج والنساء بما يحل، ويجوز أن يكون عوضا من أبضاعهن من المهور ونكاح جديد مستأنف. كما: 3905 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عمير بن
[ 662 ]
عبد الله، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن البيلماني، قال: قال رسول الله (ص): أنكحوا الايامى فقال رجل يا رسول الله ما العلائق بينهم، قال: ما تراضى عليه أهلوهم. 3906 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن الحارث، قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي (ص) بنحو منه. وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال: لا نكاح إلا بولي من العصبة. وذلك أن الله تعالى ذكره منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح، ونهاه عن ذلك، فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها، أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها، وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله إنكاحها، فلا عضل هنالك لها من أحد، فينهى عاضلها عن عضلها. وفي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقا لا يصح عقده إلا به، وهو المعنى الذي أمر الله به الولي من تزويجها إذا خطبها خاطبها ورضيت به، وكان رضى عند أوليائها جائزا في حكم المسلمين لمثلها أن تنكح مثله، ونهاه عن خلافه من عضلها، ومنعها عما أرادت من ذلك وتراضت هي والخاطب به. القول في تأويل قوله تعالى: ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر. يعني تعالى ذكره بقوله ذلك ما ذكر في هذه الآية: من نهي أولياء المرأة عن عضلها عن النكاح يقول: فهذا الذي نهيتكم عنه من عضلهن عن النكاح عظة مني من كان منكم أيها الناس يؤمن بالله واليوم الآخر يعني يصدق بالله فيوحده، ويقر بربوبيته، واليوم الاخر يقول: ومن يؤمن باليوم الآخر فيصدق بالبعث للجزاء والثواب والعقاب، ليتقي الله في نفسه، فلا يظلمها بضرار وليته، ومنعها من نكاح من رضيته لنفسها ممن أذنت لها في نكاحه.
[ 663 ]
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل ذلك يوعظ به وهو خطاب للجميع، وقد قال من قبل: فلا تعضلوهن وإذا جاز أن يقال في خطاب الجميع ذلك أفيجوز أن تقول لجماعة من الناس وأنت تخاطبهم أيها القوم: هذا غلامك وهذا خادمك، وأنت تريد: هذا خادمكم وهذا غلامكم ؟ قيل لا، إن ذلك غير جائز مع الاسماء الموضوعات، لان ما أضيف له الاسماء غيرها، فلا يفهم سامع سمع قول قائل لجماعة أيها القوم هذا غلامك، أنه عنى بذلك: هذا غلامكم، إلا على استخطاء الناطق في منطقه ذلك، فإن طلب لمنطقه ذلك وجها، فالصواب صرف كلامه ذلك إلى إنه انصرف عن خطاب القوم بما أراد خطابهم به إلى خطاب رجل واحد منهم أو من غيرهم، وترك مجاوزة القوم بما أراد مجاوزتهم به من الكلام، وليس ذلك كذلك في ذلك لكثرة جري ذلك على ألسن العرب في منطقها وكلامها، حتى صارت الكاف التي هي كناية اسم المخاطب فيها كهيئة حرف من حروف الكلمة التي هي متصلة، وصارت الكلمة بها كقول القائل هذا، كأنها ليس معها اسم مخاطب، فمن قال: ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر أقر الكاف من ذلك موحدة مفتوحة في خطاب الواحدة من النساء والواحد من الرجال، والتثنية والجمع، ومن قال: ذلكم يوعظ به كسر في خطاب الواحدة من النساء، وفتح في خطاب الواحد من الرجال فقال في خطاب الاثنين منهم ذلكما، وفي خطاب الجمع ذلكم. وقد قيل: إن قوله: ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله خطاب للنبي (ص)، ولذلك وجه ثم رجع إلى خطاب المؤمنين بقوله: من كان منكم يؤمن بالله وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه لم يكن فيه مؤنة. القول في تأويل قوله تعالى: ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون. يعني تعالى ذكره بقوله: ذلكم نكاح أزواجهن لهن، ومراجعة أزواجهن أياهن بما أباح لهن من نكاح ومهر جديد، أزكى لكم أيها الاولياء والازواج والزوجات. ويعني بقوله: أزكى لكم أفضل وخير عند الله من فرقتهن أزواجهن. وقد دللنا فيما مضى على معنى الزكاة، فأغنى ذلك عن إعادته. وأما قوله وأطهر فإنه يعني بذلك: أطهر لقلوبكم وقلوبهن وقلوب أزواجهن من الريبة، وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما أعني الزوج والمرأة علاقة حب،
[ 664 ]
لم يؤمن أن يتجاوزا ذلك إلى غير ما أحله الله لهما، ولم يؤمن من أوليائهما أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا منه بريئين. فأمر الله تعالى ذكره الاولياء إذا أراد الازواج التراجع بعد البينونة بنكاح مستأنف في الحال التي أذن الله لهما بالتراجع أن لا يعضل وليته عما أرادت من ذلك، وأن يزوجها، لان ذلك أفضل لجميعهم، وأطهر لقلوبهم مما يخاف سبوقه إليها من المعاني المكروهة. ثم أخبر تعالى ذكره عباده أنه يعلم من سرائرهم وخفيات أمورهم، ما لا يعلمه بعضهم من بعض، ودلهم بقوله لهم ذلك في الموضع أنه إنما أمر أولياء النساء بإنكاح من كانوا أولياءه من النساء إذا تراضت المرأة والزوج الخاطب بينهم بالمعروف، ونهاهم عن عضلهن عن ذلك لما علم مما في قلب الخاطب والمخطوبة من غلبة الهوى والميل من كل واحد منهما إلى صاحبه بالمودة والمحبة، فقال لهم تعالى ذكره: افعلوا ما أمرتكم به إن كنتم تؤمنون بي وبثوابي وبعقابي في معادكم في الآخرة، فإني أعلم من قلب الخاطب والمخطوبة ما لا تعلمونه من الهوى والمحبة، وفعلكم ذلك أفضل لكم عند الله ولهم، وأزكى وأطهر لقلوبكم وقلوبهن في العاجل. القول في تأويل قوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم مآ آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) * يعني تعالى ذكره بذلك: والنساء اللواتي بن من أزواجهن ولهن وأولاد قد ولدنهم من أزواجهن قبل بينونتهن منهم بطلاق أو ولدنهم منهم بعد فراقهم إياهن من وطئ كان منهم لهن قبل البينونة يرضعن أولادهن، يعني بذلك أنهن أحق برضاعهم من غيرهن. وليس ذلك بإيجاب من الله تعالى ذكره عليهن رضاعهم، إذا كان المولود له والدا حيا موسرا لان الله تعالى ذكره قال في سورة النساء القصرى: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى
[ 665 ]
وأخبر تعالى أن الوالدة والمولود له إن تعاسرا في الاجرة التي ترضع بها المرأة ولدها، أن أخرى سواها ترضعه، فلم يوجب عليها فرضا رضاع ولدها، فكان معلوما بذلك أن قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين دلالة على مبلغ غاية الرضاع التي متى اختلف الولدان في رضاع المولود بعدها، جعل حدا يفصل به بينهما، لا دلالة على أن فرضا على الوالدات رضاع أولادهن. وأما قوله حولين فإنه يعني به سنتين، كما: 3907 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين سنتين. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وأصل الحول من قول القائل: حال هذا الشئ: إذا انتقل، ومنه قيل: تحول فلان من مكان كذا: إذا انتقل عنه. فإن قال لنا قائل: وما معنى ذكر كاملين في قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين بعد قوله يرضعن حولين وفي ذكر الحولين مستغنى عن ذكر الكاملين ؟ إذ كان غير مشكل على سامع سمع قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين ما يراد به، فما الوجه الذي من أجله زيد ذكر كاملين ؟ قيل: إن العرب قد تقول: أقام فلان بمكان كذا حولين أو يومين أو شهرين، وإنما أقام به يوما وبعض آخر أو شهرا وبعض آخر، أو حولا وبعض آخر فقيل حولين كاملين ليعر ف سامع ذلك أن الذي أريد به حولان تامان، لا حول وبعض آخر، وذلك كما قال الله تعالى ذكره: واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. ومعلوم أن المتعجل إنما يتعجل في يوم ونصف، فكذلك ذلك في اليوم الثالث من أيام التشريق، وأنه ليس منه شئ تام، ولكن العرب تفعل ذلك في الاوقات خاصة، فتقول: اليوم يومان منذ لم أره، وإنما تعني بذلك يوما وبعض آخر، وقد توقع الفعل الذي تفعله في الساعة أو اللحظة على العام والزمان واليوم، فتقول زرته عام كذا، وقتل فلان فلانا زمان صفين، وإنما تفعل ذلك لانها لا تقصد بذلك الخبر عن عدد الايام والسنين، وإنما تعني
[ 666 ]
بذلك الاخبار عن الوقت الذي كان فيه المخبر عنه، فجاز أن ينطق بالحولين واليومين على ما وصفت قبل، لان معنى الكلام في ذلك: فعلته إذ ذاك، وفي ذلك الوقت. فكذلك قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لما كان الرضاع في الحولين وليسا بالحولين، فكان الكلام لو أطلق في ذلك بغير تضمين الحولين بالكمال، وقيل: والوالدات يرضعن أولادهن حولين محتملا أن يكون معنيا به حول وبعض آخر نفي اللبس عن سامعيه بقوله: كاملين أن يكون مرادا به حول وبعض آخر، وأبين بقوله: كاملين عن وقت تمام حد الرضاع، وأنه تمام الحولين بانقضائهما دون انقضاء أحدهما وبعض الآخر. ثم اختلف أهل التأويل في الذي دلت عليه هذه الآية من مبلغ غاية رضاع المولودين، أهو حد لكل مولود، أو هو حد لبعض دون بعض ؟ فقال بعضهم: هو حد لبعض دون بعض. ذكر من قال ذلك: 3908 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود عن عكرمة، عن ابن عباس في التي تضع لستة أشهر: أنها ترضع حولين كاملين، وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين لتمام ثلاثين شهرا، وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت واحدا وعشرين شهرا. 3909 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة بمثله، ولم يرفعه إلى ابن عباس. 3910 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي عبيدة قال: رفع إلى عثمان امرأة ولدت لستة أشهر، فقال: إنها رفعت لاأراها إلا قد جاءت بشر أو نحو هذا ولدت لستة أشهر، فقال ابن عباس: إذا أتمت الرضاع كان الحمل لستة أشهر. قال: وتلا ابن عباس: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، فإذا أتمت الرضاع كان الحمل لستة أشهر. فخلى عثمان سبيلها. وقال آخرون: بل ذلك حد رضاع كل مولود اختلف والداه في رضاعه، فأراد أحدهما البلوغ إليه، والآخر التقصير عنه. ذكر من قال ذلك:
[ 667 ]
3911 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين فجعل الله سبحانه الرضاع حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ثم قال: فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده. 3912 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين قال: إن أرادت أمه أن تقصر عن حولين كان عليها حقا أن تبلغه لا أن تزيد عليه إلا أن يشاء. 3913 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء جميعا، عن الثوري في قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة والتمام: الحولان، قال: فإذا أراد الاب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض المرأة فليس له ذلك، وإذا قالت المرأة أنا أفطمه قبل الحولين وقال الاب لا. فليس لها أن تفطمه حتى يرضى الاب حتى يجتمعا، فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه، وإذا اختلفا لم يفطماه قبل الحولين، وذلك قوله: فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور. وقال آخرون: بل دل الله تعالى ذكره بقوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين على أن لا رضاع بعد الحولين، فإن الرضاع إنما هو. كان في الحولين. ذكر من قال ذلك: 3914 - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، قال: ثنا الزهري، عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: إن الله تعالى ذكره يقول: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ولا نرى رضاعا بعد الحولين يحرم شيئا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: كان ابن عمر وابن عباس يقولان: لا رضاع بعد الحولين. 3915 - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا حفص، عن الشيباني، عن أبي الضحى، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله قال: ما كان من رضاع بعد سنتين أو في الحولين بعد الفطام فلا رضاع.
[ 668 ]
3916 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد و عبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم عن علقمة: أنه رأى امرأة ترضع بعد حولين، فقال لا ترضعيه. 3917 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الشيباني، قال: سمعت الشعبي، يقول: ما كان من وجور أو سعوط أو رضاع في الحولين فإنه يحرم، وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئا. 3918 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم أنه كان يحدث عن عبد الله أنه قال: لا رضاع بعد فصال أو بعد حولين. 3919 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حسن بن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ليس يحرم من الرضاع بعد التمام، إنما يحرم ما أنبت اللحم وأنشأ العظم. 3920 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عمرو بن دينار، أن ابن عباس قال: لا رضاع بعد فصال السنتين. * - حدثنا هلال بن العلاء الرقي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عبيد الله، عن زيد، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، قال: سمعت ابن عباس يقول: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين قال: لا رضاع إلا في هذين الحولين. وقال آخرون: بل كان قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين دلالة من الله تعالى ذكره عباده على أن فرضا على والدات المولودين أن يرضعنهم حولين كاملين، ثم خفف تعالى ذكره ذلك بقوله: لمن أراد أن يتم الرضاعة فجعل الخيار في ذلك إلى الآباء والامهات إذا أرادوا الاتمام أكملوا حولين، وإن أرادوا قبل ذلك فطم المولود كان ذلك إليهم على النظر منهم للمولود. ذكر من قال ذلك: 3921 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ثم أنزل الله اليسر والتخفيف بعد ذلك، فقال تعالى ذكره: لمن أراد أن يتم الرضاعة
[ 669 ]
3922 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين يعني المطلقات يرضعن أولادهن حولين كاملين، ثم أنزل الرخصة والتخفيف بعد ذلك، فقال: لمن أراد أن يتم الرضاعة. ذكر من قال: إن الوالدات اللواتي ذكرهن الله في هذا الموضع البائنات من أزواجهن على ما وصفنا قبل. 3923 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قال: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين إلى: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف أما الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، فالرجل يطلق امرأته وله منها ولد، وأنها ترضع له ولده بما يرضع له غيرها. 3924 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، بنحوه. وأولى الاقوال بالصواب في قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة القول الذي رواه علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، ووافقه على القول به عطاء والثوري، والقول الذي روي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن عمر، وهو أنه دلالة على الغاية التي ينتهي إليها في رضاع المولود إذا اختلف والده، وأن لا رضاع بعد الحولين يحرم شيئا، وأنه معني به كل مولود لستة أشهر كان ولاده، أو لسبعة أو لتسعة. فأما قولنا: إنه دلالة على الغاية التي ينتهي إليها في الرضاع عند اختلاف الوالدين فيه فلان الله تعالى ذكره لما حد في ذلك حدا، كان غير جائز أن يكون ما وراء حده موافقا في الحكم ما دونه، لان ذلك لو كان كذلك، لم يكن للحد معنى معقول. وإذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن الذي هو دون الحولين من الاجل لما كان وقت رضاع، كان ما وراءه غير وقت له، وأنه وقت لترك الرضاع، وأن تمام الرضاع لما كان تمام الحولين، وكان التام
[ 670 ]
من الاشيأ لا معنى إلى الزيادة فيه، كان لا معنى للزيادة في الرضاع على الحولين، وأن ما دون الحولين من الرضاع لما كان محرما، كان ما ورأه غير محرم. وإنما قلنا هو دلالة على أنه معني به كل مولود لاي وقت كان ولاده، لستة أشهر، أو سبعة، أو تسعة، لان الله تعالى ذكره عم بقوله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) ولم يخصص به بعض المولودين دون بعض. وقد دللنا على فساد القول بالخصوص بغير بيان الله تعالى ذكره ذلك في كتابه، أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابنا (كتاب البيان عن أصول الاحكام) بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالى ذكره قد بين ذلك بقوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) فجعل ذلك حدا للمعنيين كليهما، فغير جائز أن يكون حمل ورضاع أكثر من الحد الذي حده الله تعال ذكره، فما نقص من مدة الحمل عن تسعة أشهر، فهو مزيد في مدة الرضاع، وما زيد في مدة الحمل نقص من مدة الرضاع، وغير جائز أن يجاوز بهما كليهما مدة ثلاثين شهرا، كما حده الله تعالى ذكره ؟ قيل له: فقد يجب أن يكون مدة الحمل على هذه المقالة إن بلغت حولين كاملين، ألا يرضع المولود إلا ستة أشهر، وإن بلغت أربع سنين أن يبطل الرضاع فلا ترضع، لان الحمل قد استغرق الثلاثين شهرا وجاوز غايته. أو يزعم قائل هذه المقالة أن مدة الحمل لن تجاوز تسعة أشهر، فيخرج من قول جميع الحجة، ويكابر الموجود والمشاهد، وكفى بهما حجة على خطأ دعواه إن ادعى ذلك، فإلى أي الامرين لجأ قائل هذه المقالة وضح لذوي الفهم فساد قوله. فإن قال لنا قائل: فما معنى قوله إن كان الامر على ما وصفت: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) وقد ذكرت آنفا أنه غير جائز أن يكون ما جاوز حد الله تعالى ذكره نظير ما دون حده في الحكم، وقد قلت: إن الحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثين شهرا ؟ قيل: إن الله تعالى ذكره لم يجعل قوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) حدا تعبد عبادة بأن لا يجاوزه كما جعل قوله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) حدا لرضاع المولود التام الرضاع، وتعبد العباد بحمل والديه عليه عند اختلافهما فيه، وإرادة أحدهما الضرار به. وذلك أن الامر من الله تعالى ذكره إنما يكون فيما يكون للعباد السبيل إلى طاعته بفعله والمعصية بتركه، فأما ما لم يكن لهم إلى فعله، ولا إلى تركه سبيل فذلك مما لا يجوز الامر به ولا النهي عنه، ولا التعبد به فإذا كان ذلك
[ 671 ]
كذلك، وكان الحمل مما لا سبيل للنسأ إلى تقصير مدته، ولا إلى إطالتها فيضعنه متى شئن ويتركن وضعه إذا شئن، كان معلوما أن قوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) إنما هو خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خلفه من حملته وولدته وفصلته في ثلاثين شهرا، لا أمر بأن لا يتجاوز في مدة حمله وفصاله ثلاثون شهرا لما وصفنا، وكذلك قال ربنا تعالى ذكره في كتابه: (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1). فإن ظن ذو غبأ، أن الله تعالى ذكره إذ وصف أن من خلقه من حملته أمه ووضعته وفصلته في ثلاثين شهرا، فواجب أن يكون جميع خلقه ذلك صفتهم، وأن ذلك دلالة على أن حمل كل عباده وفصاله ثلاثون شهرا، فقد يجب أن يكون كل عباده صفتهم أن يقولوا إذا بلغوا أشدهم وبلغوا أبعين سنة (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه) (1) على ما وصف الله به الذي وصف في هذه الاية. وفي وجودنا من يستحكم كفره بالله وكفرانه نعم ربه عليه، وجرأته على والديه بالقتل والشتم وضروب المكاره عند استكماله الاربعين من سنيه وبلوغه أشده ما يعلم أنه لم يعن والله بهذه الاية صفة جميع عباده، بل يعلم أنه إنما وصف بها بعضا منهم دون بعض، وذلك ما لا ينكره ولا يدفعه أحد، لان من يولد من الناس لتسعة أشهر أكثر ممن يولد لاربع سنين ولسنتين، كما أن من يولد لتسعة أشهر أكثر ممن يولد لستة أشهر ولسبعة أشهر. واختلفت القرأ في قرأة ذلك، فقرأ عامة أهل المدينة والعراق والشام: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) بالبأ في (يتم) ونصب (الرضاعة) بمعنى: لمن أراد من الابأ والامهات أن يتم رضاع ولده، وقرأه بعض أهل الحجاز (لمن أراد أن تتم الرضاعة) بالتأ في (تتم)، ورفع (الرضاعة) بصفتها (2). والصواب من القرأة في ذلك عندنا قرأة من قرأ باليأ في (يتم) ونصب (الرضاعة)، لان الله تعالى ذكره قال (والوالدات يرضعن أولادهن) فكذلك هن يتممها إذا أردن هن والمولود له إتمامها، وأنها القرأة التي جأ بها النقل المستفيض الذي ثبتت به الحجة دون القرأة الاخرى. وقد حكي في الرضاعة سماعا من العرب كسر الرأ التي فيها، وإن تكن
[ 672 ]
صحيحة فهي نظيرة الوكالة والوكالة والدلالة والدلالة، ومهرت الشئ مهارة ومهارة، فيجوز حينئذ الرضاع والرضاع، كما قيل والحصاد والحصاد. وأما القرأة فبالفتح لا غير. القول في تأويل قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف). يعني تعالى ذكره بقوله: (وعلى المولود له) وعلى آبأ الصبيان للمراضع رزقهن، يعني رزق والدتهن. ويعني بالرزق ما يقوتهن من طعام، وما لا بد لهن من غذأ ومطعم وكسوتهن، ويعني بالكسوة: الملبس. ويعني بقوله: (بالمعروف) بما يجب لمثلها على مثله إذ كان الله تعالى ذكره قد علم تفاوت أحوال خلقه بالغنى والفقر، وأن منهم الموسع والمقتر وبين ذلك، فأمر كلا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته، كما قال تعالى ذكره: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (1) وكما: 3925 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا، فتراضيا على أن ترضع حولين كاملين، فعلى الوالد رزق المرضع والكسوة بالمعروف على قدر الميسرة، لا تكلف نفسا إلا وسعها. 3926 - حدثني علي بن سهل الرملي، قال: ثنا زيد، وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان قوله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) والتمام: الحولان (وعلى المولود له) على الاب طعامها وكسوتها بالمعروف. 3927 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) قال: على الاب. القول في تأويل قوله تعالى: (لا تكلف نفس إلا وسعها). يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحمل نفس من الامور إلا ما لا يضيق عليها ولا يتعذر عليها وجوده إذا أرادت. وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك: لا يوجب الله على الرجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم إلا ما أطاقوه ووجدوا إليه السبيل، كما
[ 673 ]
قال تعالى ذكره: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) (1). كما: 3928 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان: (لا تكلف نفس إلا وسعها) إلا ما أطاقت. والوسع: الفعل من قول القائل: وسعني هذا الامر، فهو يسعني سعة، ويقال: هذا الذي أعطيتك وسعي، أي ما يتسع لي أن أعطيك فلا يضيق علي إعطاؤكه وأعطيتك من جهدي إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه. فمعنى قوله (لا تكلف نفس إلا وسعها) هو ما وصفت من أنها لا تكلف إلا ما يتسع لها بذل ما كلفت بذله، فلا يضيق عليها، ولا يجهدها، لا ما ظنه جهلة أهل القدر من أن معناه: لا تكلف نفس إلا ما قد أعطيت عليه القدرة من الطاعات، لان ذلك لو كان كما زعمت لكان قوله تعالى ذكره: (انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (2) إذا كان دالا على أنهم غير مستطيعي السبيل إلى ما كلفوه واجبا أن يكون القوم في حال واحدة قد أعطوا الاستطاعة على ما منعوها عليه. وذلك من قائله إن قاله إحالة في كلامه، ودعوى باطل لا يخيل بطوله (3). وإذا كان بينا فساد هذا القول، فمعلوم أن الذي أخبر تعالى ذكره أنه كلف النفوس من وسعها غير الذي أخبر أنه كلفها مما لا تستطيع إليه السبيل. القول في تأويل قوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده). اختلفت القرأ في قرأة ذلك، فقرأ عامة قرأ أهل الحجاز والكوفة والشام: (لا تضار والدة بولدها) بفتح الرأ بتأويل لا تضارر على وجه النهي وموضعه إذا قرئ كذلك جزم، غير أنه حرك، إذ ترك التضعيف بأخف الحركات وهو الفتح، ولو حرك إلى الكسر كان جائزا إتباعا لحركة لام الفعل حركة عينه، وإن شئت فلان الجزم إذا حرك حرك إلى الكسر. وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز وبعض أهل البصرة: (لا تضار والدة بولدها)
[ 674 ]
رفع (1). ومن قرأه كذلك لم يحتمل قرأته معنى النهي، ولكنها تكون بالخبر عطفا بقوله (لا تضار) على قوله: (لا تكلف نفس إلا وسعها). وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى من رفع لا تضار والدة بولدها هكذا في الحكم، أنه لا تضار والدة بولدها، أي ما ينبغي أن تضار، فلما حذفت (ينبغي) وصار (تضار) في وضعه صار على لفظه، واستشهد لذلك بقول الشاعر: على الحكم المأتي يوما إذا قضى * * قضيته أن لا يجوز ويقصد (2) فزعم أنه رفع يقصد بمعنى ينبغي. والمحكي عن العرب سماعا غير الذي قال، وذلك أنه روي عنهم سماعا فتصنع ماذا، إذا أرادوا أن يقولوا: فتريد أن تصنع ماذا، فينصبونه بنية (أن)، وإذا لم ينووا (أن) ولم يريدوها، قالوا: فتريد ماذا، فيرفعون تريد، لان لا جالب ل (أن) قبله، كما كان له جالب قبل تصنع، فلو كان معنى قوله لاتضار إذا قرئ رفعا بمعنى: ينبغي أن لا تضار، أما ما ينبغي أن تضار ثم خذف ينبغي وأن، وأقيم تضار مقام ينبغي لكان الواجب أن يقرأ إذا قرئ بذلك المعنى نصبا لا رفعا، ليعلم بنصبه المتروك قبله المعني بالمراد، كما فعل بقوله فتصنع ماذا، ولكن معنى ذلك ما قلنا إذا رفع على العطف على لا تكلف ليست تكلف نفس إلا وسعها، وليست تضار والدة بولدها، يعني بذلك أنه ليس ذلك في دين الله وحكمه وأخلاق المسلمين. وأولى القرأتين بالصواب في ذلك قرأة من قرأ بالنصب، لانه نهي من الله تعالى ذكره كل واحد من أبوي المولود عن مضارة صاحبه له حرام عليهما ذلك بإجماع المسلمين، فلو كان ذلك خبرا لكان حراما عليهما ضرارهما به كذلك. وبما قلنا في ذلك من أن ذلك بمعنى النهي تأوله أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 675 ]
3929 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، آعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لا تضار والدة بولدها) لا تأبى أن ترضعه ليشق ذلك على أبيه، ولا يضار الوالد بولده، فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها. * - حدثني المثنى، قال: ثنا حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. 3930 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) قال: نهى الله تعالى عن الضرار وقدم فيه، فنهى الله أن يضار الوالد فينتزع الولد من أمه إذا كانت راضية بما كان مسترضعا به غيرها، ونهيت الوالدة أن تقذف الولد إلى أبيه ضرارا. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (لا تضار والدة بولدها) ترمي به إلى أبيه ضرارا، (ولا مولود له بولده) يقول: ولا الولد فينتزعه منها ضرارا إذا رضيت من أجر الرضاع ما رضي به غيرها، فهي أحق به إذا رضيت بذلك. 3931 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن: (لا تضار والدة بولدها) قال: ذلك إذا طلقها، فليس له أن يضارها، فينتزع الولد منها إذا رضيت منه بمثل ما يرضى به غيرها، وليس لها أن تضاره فتكلفه ما لا يطيق إذا كان إنسانا مسكينا فتقذف إليه ولده. 3932 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: لا تضار والدة بولدها لا تضار أم بولدها، ولا أب بولده. يقول: لا تضار أم بولدها فتقذفه إليه إذا كان الاب حيا أو إلى عصبته إذا كان الاب ميتا، ولا يضار الاب المرأة إذا أحبت أن ترضع ولدها ولا ينتزعه. 3933 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: لا تضار والدة بولدها يقول: لا ينزع الرجل ولده من امرأته فيعطيه غيرها بمثل الاجر الذي تقبله هي به، ولا تضار والدة بولدها فتطرح الام إليه ولده تقول لا إليه ساعة تضعه، ولكن عليها من الحق أن ترضعه حتى يطلب مرضعا. 3934 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني
[ 676 ]
عقيل، عن ابن شهاب، وسئل عن قول الله تعالى ذكره: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين إلى لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده. قال ابن شهاب: والوالدات أحق برضاع أولادهن ما قبلن رضاعهن بما يعطى غيرهن من الاجر وليس للوالدة أن تضار بولدها فتأبى رضاعة مضارة وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها من الاجر، وليس للمولود له أن ينزع ولده من والدته مضارا لها وهي تقبل من الاجر ما يعطاه غيرها. 3935 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال ثنا زيد جميعا، عن سفيان في قوله: لا تضار والدة بولدها لا ترم بولدها إلى الاب إذا فارقها تضاره بذلك، ولا مولود له بولده ولا ينزع الاب منها ولدها، يضارها بذلك. 3936 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده قال: لا ينتزعه منها وهي تحب أن ترضعه فيضارها، ولا تطرحه عليه وهو لا يجد من ترضعه ولا يجد ما يسترضعه به. 3937 - حدثنا عمرو بن علي الباهلي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني ابن جريج، عن عطاء في قوله: لا تضار والدة بولدها قال: لا تدعنه ورضاعه من شأنها مضارة لابيه ولا يمنعها الذي عنده مضارة لها. وقال بعضهم: الوالدة التي نهى الرجل عن مضارتها: ظئر الصبي. ذكر من قال ذلك: 3938 - حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا هارون النحوي، قال: ثنا الزبير بن الحارث عن عكرمة في قوله: لا تضار والدة بولدها قال: هي الظئر. فمعنى الكلام: لا يضارر والد مولود والدته بمولوده منها، ولا والدة مولود والده بمولودها منه، ثم ترك ذكر الفاعل في يضار، فقيل: لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له بولده، كما يقال إذا نهي عن إكرام رجل بعينه فيما لم يسم فاعله ولم يقصد بالنهي عن إكرامه قصد شخص بعينه: لا يكرم عمرو ولا يجلس إلى أخيه، ثم ترك التضعيف فقيل: لا يضار، فحركت الراء الثانية التي كانت مجزومة لو أظهر التضعيف بحركة الراء الاولى. وقد زعم بعض أهل العربية أنها إنما حركت إلى الفتح في هذا الموضع لانه أحد
[ 677 ]
الحركات. وليس للذي قال من ذلك معنى، لان ذلك إنما كان جائزا أن يكون كذلك لو كان معنى الكلام: لا تضارون والدة بولدها، وكان المنهي عن الضرار هي الوالدة. على أن معنى الكلام لو كان كذلك لكان الكسر في تضار أفصح من الفتح، والقراءة به كانت أصوب من القراءة بالفتح، كما أن مد بالثوب أفصح من مد به. وفي إجماع القراء على قراءة: لا تضار بالفتح دون الكسر دليل واضح على إغفال من حكيت قوله من أهل العربية في ذلك. فإن قال قائل ذلك قاله توهما منه أنه معنى ذلك: لاتضارر والدة، وأن الوالدة مرفوعة بفعلها، وأن الراء الاولى حظها الكسر فقد أغفل تأويل الكلام، وخالف قول جميع من حكينا قول من أهل التأويل. وذلك أن الله تعالى ذكره تقدم إلى كل واحد من أبوي المولود بالنهي عن ضرار صاحبه بمولودها، لاأنه نهى كل واحد منهما عن أن يضار المولود، وكيف يجوز أن ينهاه عن مضارة الصبي، والصبي في حال ما هو رضيع غير جائز أن يكون منه ضرار لاحد، فلو كان ذلك معناه، لكل التنزيل: لا تضر والدة بولدها. وقد زعم آخرون من أهل العربية أن الكسر في تضار جائز، والكسر في ذلك عندي غير جائز في هذا الموضع، لانه إذا كسر تغير معناه عن معنى لا تضار الذي هو في مذهب ما لم يسم فاعله، إلى معنى لا تضار الذي هو في مذهب ما قد سمي فاعله. فإذا كان الله تعالى ذكره قد نهى كل واحد من أبوي المولود عن مضارة صاحبه بسبب ولدهما، فحق على إمام المسلمين إذا أراد الرجل نزع ولده من أمه بعد بينونتها منه، وهي تحضنه وتكلفه وترضعه بما يحضنه به غيرها ويكلفه به ويرضعه من الاجرة، أن يأخذ الوالد بتسليم ولدها ما دام محتاجا الصبي إليها في ذلك بالاجرة التي يعطاها غيرها. وحق عليه إذا كان الصبي لا يقبل ثدي غير والدته، أو كان المولود له لا يجد من يرضع ولده، وإن كان يقبل ثدي غير أمه، أو كان معدما لا يجد ما يستأجر به مرضعا ولا يجد ما يتبرع عليه برضاع مولوده، أن يأخذ والدته البائنة من والده برضاعه وحضانته لان الله تعالى ذكره حرم على كل واحد من أبويه ضرار صاحبه بسببه، فالاضرار به أحرى أن يكون محرما مع ما في الاضرار به من مضارة صاحبه. القول في تأويل قوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك.
[ 678 ]
اختلف أهل التأويل في الوارث الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله: وعلى الوارث مثل ذلك وأي وارث هو ؟ ووارث من هو ؟ فقال بعضهم: هو وارث الصبي وقالوا: معنى الآية: وعلى وارث الصبي إذا 3939 - حدثنا بشر كان (أبوه) ميتا الذي كان على أبيه في حياته. ذكر من قال ذلك بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قالا: ثنا سعيد، عن قتادة: وعلى الوارث مثل ذلك على وارث الولد. 3940 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وعلى الوارث مثل ذلك على وارث الولد. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة: وعلى الوارث مثل ذلك قال: وعلى وارث الصبي مثل ما على أبيه. ثم اختلف قائلو هذه المقالة في وارث المولود الذي ألزمه الله تعالى مثل الذي وصف، فقال بعضهم: هم وارث الصبي من قبل أبيه من عصبته كائنا من كان أخا كان أو عما أو ابن عم أو ابن أخ. ذكر من قال ذلك: 3941 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره أن سعيد بن المسيب أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قال في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك قال) حبس بني عم على منفوس كلالة بالنفقة عليه مثل العاقلة. 3942 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أن الحسن كان يقول: وعلى الوارث مثل ذلك على العصبة.
[ 679 ]
* - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الله بن إدريس وأبو عاصم، قالا: ثنا ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب قال: وقف عمر ابن عم على منفوس كلالة برضاعه. 3943 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن يونس أن الحسن كان يقول: إذا توفي الرجل وامرأته حامل، فنفقتها من نصيبها، ونفقة ولدها من نصيبه من ماله إن كان له، فإن لم يكن له مال فنفقته على عصبته. قال: وكان يتأول قوله: وعلى الوارث مثل ذلك على الرجال. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، قال: على العصبة الرجال دون النساء. 3944 - حدثنا أبو كريب وعمرو بن علي قالا: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا هشام عن ابن سيرين أنه أتى عبد الله بن عتبة مع اليتيم وليه، ومع اليتيم من يتكلم في نفقته، فقال لولي اليتيم: لو لم يكن له مال لقضيت عليك بنفقته، لان الله تعالى يقول: وعلى الوارث مثل ذلك. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: أتى عبد الله بن عتبة في رضاع صبي، فجعل رضاعه في ماله، وقال لوليه: لو لم يكن له مال جعلنا رضاعه في مالك، ألا تراه يقول: وعلى الوارث مثل ذلك ؟ 3945 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك قال: على الوارث ما على الاب إذا لم يكن للصبي مال، وإذا كان له ابن عم أو عصبة ترثه فعليه النفقة. 3946 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وعلى الوارث مثل ذلك قال: الولي من كان. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بشر ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 3947 - حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي، قال: ثنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا
[ 680 ]
ابن المبارك، قال: أخبرنا يعقوب، يعني ابن القاسم، عن عطاء وقتادة في يتيم ليس له شئ: أتجبر أولياؤه على نفقته ؟ قالا: نعم، ينفق عليه حتى يدرك. 3948 - حدثت عن يعلى بن عبيد، عن جويبر، عن الضحاك قال: إن مات أبو الصبي وللصبي مال أخذ رضاعه من المال، وإن لم يكن له مال أخذ من العصبة، فإن لم يكن للعصبة مال أجبرت عليه أمه. وقال آخرون منهم: بل ذلك على وارث المولود من كان من الرجال والنساء. ذكر من قال ذلك: 3949 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أنه كان يقول: وعلى الوارث مثل ذلك على وارث المولود ما كان على الوالد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له على الرجال والنساء على قدر ما يرثون. 3950 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أغرم ثلاثة كلهم يرث الصبي أجر رضاعه. 3951 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين: أن عبد الله بن عتبة جعل نفقة صبي من ماله، وقال لوارثه: أما إنه لو لم يكن له مال أخذناك بنفقته، ألا ترى أنه يقول: وعلى الوارث مثل ذلك ؟. وقال آخرون منهم: هو من ورثته من كان منهم ذا رحم محرم للمولود، فأما من كان ذا رحم منه وليس بمحرم كابن العم والمولى ومن أشبههما فليس من عناه الله بقوله: وعلى الوارث مثل ذلك. والذين قالوا هذه المقالة: أبو حنيفة، وأبو يوسف، محمد. وقالت فرقة أخرى: بل الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله: وعلى الوارث مثل ذلك المولود نفسه. ذكر من قال ذلك: 3952 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا أبو زرعة و عبد الله بن راشد، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا جعفر بن ربيعة أن بشر بن نصر
[ 681 ]
المزني وكان قاضيا قيل ابن حجيرة في زمان عبد العزيز كان يقول: وعلى الوارث مثل ذلك قال: الوارث: هو الصبي. 3953 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عبد الله بن يزيد المقرى، قال: أخبرنا حيوة: قال: أخبرنا جعفر بن ربيعة، عن قبيصة بن ذؤيب: وعلى الوارث مثل ذلك قال: هو الصبي. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريح، قال: أخبرني جعفر بن ربيعة، أن قبيصة بن ذؤيب كان يقول: الوارث: هو الصبي، يعني قوله: وعلى الوارث مثل ذلك. 3954 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك: وعلى الوارث مثل ذلك قال: يعني بالوارث: الولد الذي يرضع. قال أبو جعفر: وتأويل ذلك على ما تأوله هؤلاء: وعلى الوارث المولود مثل ما كان على المولود له. وقال آخرون: بل هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما. ذكر من قال ذلك: 3955 - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي، قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت سفيان يقول في صبي له عم وأم وهي ترضعه، قال: يكون رضاعه بينهما، ويرفع عن العم بقدر ما ترث الام، لان الام تجبر على النفقة على ولدها. القول في تأويل قوله تعالى: مثل ذلك. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: مثل ذلك فقال بعضهم: تأويله: وعلى الوارث للصبي بعد وفاة أبويه مثل الذي كان على والده من أجر رضاعه ونفقته إذا لم يكن للمولود مال. ذكر من قال ذلك: 3956 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك قال: على الوارث رضاع الصبي. * - حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن منصور، عن إبراهيم: وعلى الوارث مثل ذلك قال: أجر الرضاع.
[ 682 ]
* - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: وعلى الوارث مثل ذلك قال: الرضاع. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك قال: أجر الرضاع. 3957 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله بن عتبة: وعلى الوارث مثل ذلك قال: الرضاع. 3958 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد، عن عبد الله بن عتبة في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك قال: النفقة بالمعروف. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: وعلى الوارث مثل ذلك قال: على الوارث ما على الاب من الرضاع إذا لم يكن للصبي مال. * - حدثنا سفيان، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الرضاع والنفقة. * - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن إبراهيم: وعلى الوارث مثل ذلك قال: الرضاع. 3959 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، قال: الرضاع. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا أبو عوانة عن مطرف، عن الشعبي: وعلى الوارث مثل ذلك قال: أجر الرضاع. * - حدثنا عمرو، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، والشعبي مثله. 3960 - حدثنا أبو كريب وعمرو بن علي، قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس، قال سمعت هشاما عن الحسن في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك قال: الرضاع. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن هشام وأشعث، عن الحسن، مثله.
[ 683 ]
3961 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن: وعلى الوارث مثل ذلك يقول: في النفقة على الوارث إذا لم يكن له مال. 3962 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن مجاهد مثله. 3963 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن مجاهد: وعلى الوارث مثل ذلك قال: النفقة بالمعروف. 3964 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وعلى الوارث مثل ذلك على الولي كفله ورضاعه إن لم يكن للمولود مال. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: وعلى الوارث مثل ذلك قال: وعلى الوارث من كان مثل ما وصف من الرضاع. قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد مثل ذلك في الرضاعة، قال: وعلى الوارث مثل ذلك قال: وعلى الوارث أيضا كفله ورضاعه إن لم يكن له مال، وأن لا يضار أمه. 3965 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني الحجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: وعلى الوارث مثل ذلك قال: نفقته حتى يفطم إن كان أبوه لم يترك له مالا. 3966 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وعلى الوارث مثل ذلك قال: وعلى وارث الولد ما كان على الولد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له. * - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي، قال: ثنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة: وعلى الوارث مثل ذلك قال: على وارث الصبي مثل ما على أبيه، إذا كان قد هلك أبوه ولم يكن له مال، فإن على الوارث أجر الرضاع. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: وعلى الوارث مثل ذلك قال: إذا مات وليس له مال كان على الوارث رضاع الصبي.
[ 684 ]
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: وعلى الوارث مثل ذلك أن لا يضار. ذكر من قال ذلك: 3967 - حدثنا عمرو بن علي و محمد بن بشار، قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن علي بن الحكم، عن الضحاك بن مزاحم: وعلى الوارث مثل ذلك قال: أن لا يضار. 3968 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم الاحول، عن الشعبي في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك قال: لا يضار، ولا غرم عليه. 3969 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك أن لا يضار. 3970 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب: والوالدات يرضعن أولادهن حولين قال: الوالدات أحق برضاع أولادهن ما قبلن رضاعهن بما يعطى غيرهن من الاجر. وليس لوالدة أن تضار بولدها فتأبى رضاعه مضارة، وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها. وليس للمولود له أن ينزع ولده من والدته ضرارا لها، وهي تقبل من الاجر ما يعطى غيرها وعلى الوارث مثل ذلك مثل الذي على الوالد في ذلك. 3971 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثنا علي، قال: ثنا زيد، عن سفيان: وعلى الوارث مثل ذلك قال: أن لا يضار وعليه مثل ما على الاب من النفقة والكسوة. وقال آخرون: بل تأويل ذلك: وعلى الوارث المولود مثل الذي كان على المولود له من رزق والدته وكسوتها بالمعروف. ذكر من قال ذلك: 3972 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك: وعلى الوارث مثل ذلك قال: على الوارث عند الموت، مثل ما على الاب للمرضع من النفقة والكسوة، قال: ويعني بالوارث: الولد الذي يرضع أن يؤخذ من ماله إن كان له مال أجر ما أرضعته أمه، فإن لم يكن للمولود مال ولا لعصبته فليس لامه أجر، وتجبر على أن ترضع ولدها بغير أجر. 3973 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي:
[ 685 ]
وعلى الوارث مثل ذلك قال: على وارث الولد مثل ما على الوالد من النفقة والكسوة. وقال آخرون: معنى ذلك: وعلى الوارث مثل ما ذكره الله تعالى ذكره. ذكر من قال ذلك: 3974 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: قوله تعالى ذكره: وعلى الوارث مثل ذلك قال: مثل ما ذكره الله تعالى ذكره. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال بالصواب في تأويل قوله: وعلى الوارث مثل ذلك أن يكون المعنى بالوارث ما قاله قبيصة بن ذؤيب والضحاك بن مزاحم ومن ذكرنا قوله آنفا من أنه معني بالوارث المولود، وفي قوله: مثل ذلك أن يكون معنيا به مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف إن كانت من أهل الحاجة، وهي ذات زمانة وعاهة، ومن لا احتراف فيها ولا زوج لها تستغني به، وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على والده لها من أجر رضاعة. وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالصواب مما عداه من سائر التأويلات التي ذكرنا، لانه غير جائز أن يقال في تأويل كتاب الله تعالى ذكره قول إلا بحجة واضحة على ما قد بينا في أول كتابنا هذا وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله: وعلى الوارث مثل ذلك محتملا ظاهره: وعلى الوارث الصبي المولود مثل الذي كان على المولود له، ومحتملا. وعلى وارث المولود له مثل الذي كان عليه في حياته من ترك ضرار الوالدة ومن نفقة المولود، وغير ذلك من التأويلات على نحو ما قد قدمنا ذكره، وكان الجميع من الحجة قد أجمعوا على أن من ورثة المولود من لا شئ عليه من نفقته وأجر رضاعه، وصح بذلك من الدلالة على أن سائر ورثته غير آبائه وأمهاته وأجداده وجداته من قبل أبيه أو أمه في حكمه، في أنهم لا يلزمهم له نفقة ولا أجر رضاع، إذ كان مولى النعمة من ورثته، وهو ممن لا يلزمه له نفقة ولا أجر رضاع فوجب بإجماعهم على ذلك أن حكم سائر ورثته غير من استثني حكمه وكان إذا بطل أن يكون معنى ذلك ما وصفنا من أنه معني به ورثة المولود، فبطول القول الآخر وهو أنه معني به ورثة المولود له سوى المولود أحرى، لان الذي هو أقرب بالمولود قرابة ممن هو أبعد منه إذا لم يصح وجوب نفقته وأجر رضاعه عليه، فالذي هو أبعد منه قرابة أحرى أن لا يصح وجوب ذلك عليه.
[ 686 ]
وأما الذي قلنا من وجوب رزق الوالدة وكسوتها بالمعروف على ولدها إذا كانت الوالدة بالصفة التي وصفنا على مثل الذي كان يجب لها من ذلك على المولود له، فما لا خلاف فيه من أهل العلم جميعا، فصح ما قلنا في الآية من التأويل بالنقل المستفيض وراثة عمن لا يجوز خلافه، وما عدا ذلك من التأويلات فمتنازع فيه، وقد دللنا على فساده. القول في تأويل قوله تعالى: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما. يعني تعالى ذكره بقوله: فإن أرادا إن أراد والد المولود ووالدته فصالا، يعني فصال ولدهما من اللبن. ويعني بالفصال: الفطام، وهو مصدر من قول القائل: فاصلت فلانا أفاصله مفاصلة وفصالا: إذا فارقه من خلطة كانت بينهما، فكذلك فصال الفطيم، إنما هو منعه اللبن وقطعه شربه، وفراقه ثدي أمه إلا الاغتذاء بالاقوات التي يغتذي بها البالغ من الرجال. وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3975 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: فإن أرادا فصالا يقول إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين. 3976 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فإن أرادا فصالا فإن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده. 3977 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما قال: الفطام. وأما قوله: عن تراض منهما وتشاور فإنه يعني بذلك: عن تراض من والدي المولود وتشاور منهما. ثم اختلف أهل التأويل في الوقت الذي أسقط الله الجناح عنها إن فطماه عن تراض منهما وتشاور، وأي الاوقات الذي عناه الله تعالى ذكره بقوله: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فقال بعضهم: عنى بذلك: فإن أرادا فصالا في الحولين عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح عليهما. ذكر من قال ذلك: 3978 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فإن أرادا
[ 687 ]
فصالا عن تراض منهما وتشاور يقول: إذا أرادا أن يفطماه قبل الحولين فتراضيا بذلك، فليفطماه. 3979 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: إذا أرادت الوالدة أن تفصل ولدها قبل الحولين، فكان ذلك عن تراض منهما وتشاور، فلا بأس به. 3980 - حدثنا سفيان، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور قال: التشاور فيما دون الحولين ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى، وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: التشاور: ما دون الحولين، فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور دون الحولين، فلا جناح عليهما، فإن لم يجتمعا فليس لها أن تفطمه دون الحولين. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: التشاور: ما دون الحولين، ليس لها حتى يجتمعا. 3981 - حدثني المثنى،، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني الليث، قال: أخبرنا عقيل، عن ابن شهاب: فإن أرادا فصالا يفصلان ولدهما، عن تراض منهما وتشاور دون الحولين الكاملين، فلا جناح عليهما. 3982 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان، قال: التشاور ما دون الحولين إذا اصطلحا دون ذلك، وذلك قوله: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور. فإن قالت المرأة: أنا أفطمه قبل الحولين، وقال الاب لا، فليس لها أن تفطمه قبل الحولين. وإن لم ترض الام فليس له ذلك حتى يجتمعا فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه، وإذا اختلفا لم يفطماه قبل الحولين، وذلك قوله: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما. 3983 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور قال: قبل السنتين، فلا جناح عليهما. وقال آخرون: معنى ذلك: فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح عليهما في أي وقت أرادا ذلك، قبل الحولين أراد ذلك أم بعد الحولين. ذكر من قال ذلك:
[ 688 ]
3984 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما أن يفطماه قبل الحولين وبعده. وأما قوله: عن تراض منهما وتشاور فإنه يعني: عن تراض منهما وتشاور فيما فيه مصلحة المولود لفطمه. كما: 3985 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور قال: غير مسيئين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما، فلا جناح عليهما. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وأولى التأويلين بالصواب، تأويل من قال: فإن أراد فصالا في الحولين عن تراض منهما وتشاور، لان تمام الحولين غاية لتمام الرضاع وانقضائه، ولا تشاور بعد انقضائه وإنما التشاور والتراضي قبل انقضاء نهايته. فإن ظن ذو غفلة أن للتشاور بعد انقضاء الحولين معنى صحيحا، إذا كان من الصبيان من تكون به علة يحتاج من أجلها إلى تركه والاغتذاء بلبن أمه، فإن ذلك إذا كان كذلك، فإنما هو علاج كالعلاج بشرب بعض الادوية لا رضاع. فأما الرضاع الذي يكون في الفصال منه قبل انقضاء آخره تراض وتشاور من والدي الطفل الذي أسقط الله تعالى ذكره لفطمهما إياه الجناح عنهما قبل انقضاء آخر مدته، فإنما الحد الذي حده الله تعالى ذكره بقوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة على ما قد أتينا على البيان عنه فيما مضى قبل. وأما الجناح: فالحرج. كما: 3986 - حدثني به المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فلا جناح عليهما فلا حرج عليهما. القول في تأويل قوله تعالى: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف. يعني تعالى ذكره بذلك: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم مراضع غير أمهاتهم إذا أبت أمهاتهم أن يرضعنهم بالذي يرضعنهم به غيرهن من الاجر، أو من خيفة ضيعة منكم
[ 689 ]
على أولادكم بانقطاع ألبان أمهاتهم أو غير ذلك من الاسباب، فلا حرج عليكم في استرضاعهن إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 3987 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم خيفة الضيعة على الصبي فلا جناح عليكم. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي، قال: ثنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو بشر ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 3988 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم إن قالت المرأة: لا طاقة لي به فقد ذهب لبني، فتسترضع له أخرى. 3989 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ليس للمرأة أن تترك ولدها بعد أن يصطلحا على أن ترضع، ويسلمان ويجبران على ذلك. قال: فإن تعاسروا عند طلاق أو موت في الرضاع فإنه يعرض على الصبي المراضع، فإن قبل مرضعا صار ذلك وأرضعته، وإن لم يقبل مرضعا فعلى أمه أن ترضعه بالاجر إن كان له مال أو لعصبته، فإن لم يكن له مال ولا لعصبته أكرهت على رضاعه. 3990 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا أبت الام أن ترضعه فلا جناح على الاب أن يسترضع له غيرها. 3991 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف قال: إذا رضيت الوالدة أن تسترضع ولدها ورضي الاب أن يسترضع ولده، فليس عليهما جناح. واختلفوا في قوله: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف فقال بعضهم: معناه: إذا سلمتم
[ 690 ]
لامهاتهم ما فارقتموهن عليه من الاجرة على رضاعهن بحساب ما استحقته إلى انقطاع لبنها، أو الحال التي عذر أبو الصبي بطلب مرضع لولده غير أمه واسترضاعه له. ذكر من قال ذلك: 3992 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف قال: حساب ما أرضع به الصبي. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف حساب ما يرضع به الصبي. 3993 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف إن قالت يعني الام: لا طاقة لي به فقد ذهب لبني، فسترضع له أخرى، وليسلم لها أجرها بقدر ما أرضعت. 3994 - حدثني المثنى، قال: ثني سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قلت، يعني لعطاء: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم قال: أمه وغيرها، فلا جناح عليكم إذا سلمتم قال: إذا سلمت لها أجرها، ما آتيتم قال: ما أعطيتم. وقال آخرون: معنى ذلك: إذا سلمتم للاسترضاع عن مشورة منكم ومن أمهات أولادكم الذين تسترضعون لهم، وتراض منكم ومنهن باسترضاعهم. ذكر من قال ذلك: 3995 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف يقول: إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم. 3996 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: أخبرني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب: لا جناح عليهما أن يسترضعا أولادهما، يعني أبوي المولود إذا سلما ولم يتضارا. 3997 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف يقول: إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف إلى التي استرضعتموها بعد إباء أم المرضع من الاجرة بالمعروف. ذكر من قال ذلك: 3998 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال: ثنا زيد جميعا،
[ 691 ]
عن سفيان في قوله: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف قال: إذا سلمتم إلى هذه التي تستأجرون أجرها بالمعروف، يعني إلى من استرضع للمولود إذا أبت الام رضاعه. وأولى الاقوال بالصواب في تأويل ذلك قول من قال تأويله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم إلى تمام رضاعهن، ولم تتفقوا أنتم ووالدتهم على فصالهم، ولم تروا ذلك من صلاحهم، فلا جناح عليكم أن تسترضعوهم ظؤرة إن امتنعت أمهاتهم من رضاعهم لعلة بهن أو لغير علة إذا سلمتم إلى أمهاتهم وإلى المسترضعة الآخرة حقوقهن التي آتيتموهن بالمعروف. يعني بذلك المعنى الذي أوجبه الله لهن عليكم، وهو أن يوفيهن أجورهن على ما فارقهن عليه ف حال الاسترضاع ووقت عقد الاجارة. وهذا هو المعنى الذي قاله ابن جريج، ووافقه على بعضه مجاهد والسدي ومن قال بقولهم في ذلك. وإنما قضينا لهذا التأويل أنه أولى بتأويل الآية من غيره، لان الله تعالى ذكره ذكر قبل قوله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم أمر فصالهم، وبين الحكم في فطامهم قبل تمام الحولين الكاملين، فقال: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما في الحولين الكاملين، فلا جناح عليها. فالذي هو أولى بحكم الآية، إذ كان قد بين فيها وجه الفصال قبل الحولين أن يكون الذي يتلو ذلك حكم ترك الفصال وإتمام الرضاع إلى غاية نهايته، وأن يكون إذ كان قد بين حكم الام إذا هي اختارت الرضاع بما يرضع به غيرها من الاجرة، أن يكون الذي يتلو ذلك من الحكم بيان حكمها وحكم الولد إذا هي امتنعت من رضاعه كما كان ذلك كذلك في غير هذا الموضع من كتاب الله تعالى، وذلك في قوله: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى، فأتبع ذكر بيان رضا الوالدات برضاع أولادهن، ذكر بيان امتناعهن من رضاعهن، فكذلك ذلك في قوله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم. وإنما اخترنا في قوله: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف ما اخترنا من التأويل لان الله تعالى ذكره فرض على أبي المولود تسليم حق والدته إليها مما آتاها من الاجرة على رضاعها له بعد بينونتها منه، كما فرض عليه ذلك لمن استأجره لذلك ممن ليس من مولده بسبيل وأمره بإيتاء كل واحدة منهما حقها بالمعروف على رضاع ولده فلم يكن قوله: إذا سلمتم بأن يكون معنيا به إذا سلمتم إلى أمهات أولادكم الذين
[ 692 ]
يرضعون حقوقهن بأولى منه بأن يكون معنيا به إذا سلمتم ذلك إلى المراضع سواهن ولا الغرائب من المولود بأولى أن يكن معنيات بذلك من الامهات، إذ كان الله تعالى ذكره قد أوجب على أبي المولود لكل من استأجره لرضاع ولده من تسليم أجرتها إليها مثل الذي أوجب عليه من ذلك للاخرى، فلم يكن لنا أن نحيل ظاهر تنزيل إلى باطن ولا نقل عام إلى خاص إلا بحجة يجب التسليم لها فصح بذلك ما قلنا. وأما معنى قوله: بالمعروف فإن معناه: بالاجمال والاحسان وترك البخس والظلم فيما وجب للمراضع. القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير. يعني تعالى ذكره بقوله: واتقوا الله وخافوا الله فيما فرض لبعضكم على بعض من الحقوق وفيما ألزم نساءكم لرجالكم ورجالكم لنسائكم، وفيما أوجب عليكم لاولادكم فاحذروه أن تخالفوه فتعتدوا في ذلك وفي غيره من فرائضه وحقوقه حدوده، فتستوجبوا بذلك عقوبته، واعلموا أن الله بما تعملون من الاعمال أيها الناس سرها وعلانيتها، وخفيها وظاهرها، وخيرها وشرها، بصير يراه ويعلمه، ولا يخفى عليه شئ، ولا يغي ب عنه منه شئ، فهو يحصي ذلك كله عليكم حتى يجازيكم بخير ذلك وشره. ومعنى بصيرذو إبصار، وهو في معنى مبصر. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير) * يعني تعالى ذكره بذلك: والذين يتوفون منكم من الرجال أيها الناس، فيموتون ويذرون أزواجا يتربصن أزواجهن بأنفسهن. فإن قال قائل: فأين الخبر عن الذين يتوفون ؟ قيل: متروك لانه لم يقصد قصد الخبر عنهم، وإنما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدة في وفاة أزواجهن، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الاموات إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة، إذ كان معروفا مفهوما معنى ما أريد بالكلام، هو نظير قول القائل في الكلام:
[ 693 ]
بعض جبتك متخرقة، في ترك الخبر عما ابتدئ به الكلام إلى الخبر عن بعض أسبابه. وكذلك الازواج اللواتي عليهن التربص لما كان إنما ألزمهن التبرص بأسباب أزواجهن صرف الكلام عن خبر من ابتدئ بذكره إلى الخبر عمن قصد قصد الخبر عنه، كما قال الشاعر: لعلي إن مالت بي الريح ميلة على ابن أبي ذبان أن يتندما فقال لعلي، ثم قال أن يتندما، لان معنى الكلام: لعل ابن أبي ذبان أن يتندم إن مالت بي الريح ميلة عليه. فرجع بالخبر إلى الذي أراد به، وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره. ومنه قول الشاعر: ألم تعلموا أن ابن قيس وقتله بغير دم دار المذلة حلت فألغى ابن قيس وقد ابتدأ بذكره، وأخبر عن قتله أنه ذل. وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر الذين يتوفون متروك، وأن معنى الكلام: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ينبغي لهن أن يتربصن بعد موتهم وزعم أنه لم يذكر موتهم كما يحذف بعض الكلام، وأن يتربصن رفع إذ وقع موقع ينبغي، وينبغي رفع. وقد دللنا على فساد قول من قال فرفع يتربصن بوقوعه موقع ينبغي فيما مضى، فأغنى عن إعادته. وقال آخرون منهم: إنما لم يذكر الذين بشئ، لانه صار الذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء: من يلقك منا يصيب خيرا، الذي يلقاك منا تصيب خيرا. قال: ولا يجوز هذا إلا على معنى الجزاء، وفي البيتين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا. وأما قوله: يتربصن بأنفسهن فإنه يعني به: يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الازواج والطيب والزينة والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن أربعة أشهر وعشرا إلا أن يكن حوامل، فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن، فإذا وضعن حملهن انقضت عددهن حينئذ.
[ 694 ]
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم مثل ما قلنا فيه. 3999 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فهذه عد المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملا، فعدتها أن تضع ما في بطنها. 4000 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب، عن قول الله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قال ابن شهاب: جعل الله هذه العدة للمتوفى عنها زوجها، فإن كانت حاملا فيحلها من عدتها أن تضع حملها، وإن استأخر فوق الاربعة الاشهر والعشر فما استأخر، لا يحلها إلا أن تضع حملها. وإنما قلنا: عنى بالتربص ما وصفنا لتظاهر الاخبار عن رسول الله (ص) بما: 4001 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وأبو أسامة، عن شعبة، وحدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن حميد بن نافع، قال: سمعت زينب ابنة أم سلمة تحدث قال أبو كريب: قال أبوأ سامة، عن أم سلمة أن امرأة توفي عنها زوجها، واشتكت عينها، فأتت النبي (ص) تستفتيه في الكحل، فقال: لقد كانت إحداكن تكون في الجاهلية في شر أحلاسها، فتمكث في بيتها حولا إذا توفي عنها زوجها، فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة أفلا أربعة أشهر وعشرا. 4002 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، قال: سمعت نافعا، عن صفية ابنة أبي عبيد أنها سمعت حفصة ابنة عمر زوج النبي (ص) تحدث عن النبي (ص) قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا.
[ 695 ]
قال يحيى: والاحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران، ولا تكتحل ولا تزين. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى، عن نافع، عن صفية ابنة أبي عبيد، عن حفصة ابنة عمر، أن النبي (ص) قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج. 4003 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني حميد بن نافع أن زينب ابنة أم سلمة أخبرته عن أم سلمة، أو أم حبيبة زوج النبي (ص): أن امرأة أتت النبي (ص)، فذكرت أن ابنتها توفي عنها زوجها، وأنها قد خافت على عينها. فزعم حميد عن زينب أن رسول الله (ص) قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول، وإنما هي أربعة أشهر وعشر. 4004 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع: أنه سمع زينب ابنة أم سلمة تحدث عن أم حبيبة أو أم سلمة أنها ذكرت أن امرأة أتت النبي (ص) قد توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها وهي تريد أن تكحل عينها، فقال رسول الله (ص): قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة بعد الحول، وإنما هي أربعة أشهر وعشر قال ابن بشار: قال يزيد، قال يحيى: فسألت حميدا عن رميها بالبعرة، قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها عمدت إلى شر بيتها، فقعدت فيه حولا، فإذا مرت بها سنة ألقت بعرة وراءها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا شعبة، عن يحيى، عن حميد بن نافع بهذا الاسناد، مثله.
[ 696 ]
4005 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا ابن عيينة، عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع، عن زينب ابنة أم سلمة، عن أم سلمة: أن امرأة أتت النبي (ص) فقالت: إن ابنتي مات زوجها فاشتكت عينها، أفتكتحل ؟ فقال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول، وإنما هي الآن أربعة أشهر وعشر. قال: قلت: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول ؟ قال: كان نساء الجاهلية إذا مات زوج إحداهن لبست أطمار ثيابها، وجلست في أخس بيوتها، فإذا حال عليها الحول أخذت بعرة فدحرجتها على ظهر حمار، وقالت: قد حللت. 4006 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع عن زينب ابنة أم سلمة، عن أمها أم سلمة، وأم حبيبة زوجي النبي (ص): أن امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله (ص) فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد خفت على عينها، وهي تريد الكحل. قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول وإنما هي أربعة أشهر وعشر، قال حميد: فقلت لزينب: وما رأس الحول ؟ قالت زينب: كانت المرأة في الجاهلية إذا هلك زوجها عمدت إلى أشر بيت لها فجلست فيه، حتى إذا مرت بها سنة خرجت، ثم رمت ببعرة وراءها. 4007 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا معصفرا، ولا تكتحل بالاثمد، ولا بكحل فيه طيب وإن وجعت عينها، ولكن تكتحل بالصبر وما بدا لها من الاكحال سوى الاثمد مما ليس فيه طيب، ولا تلبس حليا وتلبس البياض ولا تلبس السواد. 4008 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر في المتوفى عنها زوجها: لا تكتحل، ولا تطيب، ولا تبيت عن بيتها، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب تجلبب به.
[ 697 ]
4009 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا ابن جريج عن عطاء، قال: بلغني عن ابن عباس، قال: تنهى المتوفى عنها زوجها أن تزين وتطيب. 4010 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن المتوفى عنها زوجها لا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا تمس طيبا، ولا تكتحل، ولا تمتشط. وكان لا يرى بأسا أن تلبس البرد. وقال آخرون: إنما أمرت المتوفى عنها زوجها أن تربص بنفسها عن الازواج خاصة، فأما عن الطيب والزينة والمبيت عن المنزل فلم تنه عن ذلك، ولم تؤمر بالتربص بنفسها عنه. ذكر من قال ذلك: 4011 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن: أنه كان يرخص في التزين والتصنع، ولا يرى الاحداد شيئا. 4012 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا لم يقل تعتد في بيتها، تعتد حيث شاءت. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسماعيل، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، قال: قال ابن عباس: إنما قال الله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولم يقل تعتد في بيتها، فلتعتد حيث شاءت. واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره إنما أمر المتوفى عنها بالتربص عن النكاح، وجعلوا حكم الآية على الخصوص. وبما: 4013 - حدثني به محمد بن إبراهيم السلمي، قال: حدثنا أبو عاصم، وحدثني محمد بن معمر البحراني، قال: حدثنا أبو عامر، قالا جميعا: حدثنا محمد بن طلحة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أسماء بنت عميس، قالت: لما أصيب جعفر قال لي رسول الله (ص) تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت.
[ 698 ]
* - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو نعيم وابن الصلت، عن محمد بن طلحة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن شداد، عن أسماء، عن النبي (ص) بمثله. قالوا: فقد بين هذا الخبر عن النبي (ص) أن لا إحداد على المتوفى عنها زوجها، وأن القول في تأويل قوله: يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا إنما هو يتربصن بأنفسهن عن الازواج دون غيره. وأما الذين أوجبوا الاحداد على المتوفى عنها زوجها، وترك النقلة عن منزلها الذي كانت تسكنه يوم توفي عنها زوجها، فانهم اعتلوا بظاهر التنزيل وقالوا: أمر الله المتوفى عنها أن تربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا، فلم يأمرها بالتربص بشئ مسمى في التنزيل بعينه، بل عم بذلك معاني التربص. قالوا: فالواجب عليها أتربص بنفسها عن كل شئ، إلا ما أطلقته لها حجة يجب التسليم لها. قالوا: فالتربص عن الطيب والزينة والنقلة مما هو داخل في عموم الآية كما التربص عن الازواج داخل فيها. قالوا: وقد صح عن رسول الله (ص) الخبر بالذي قلنا في الزينة والطيب. وأما في النقلة، فإن: 4014 - أبا كريب حدثنا، قال: ثنا يونس بن محمد، عن فليح بن سليمان، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته الفريعة ابنة مالك أخت أبي سعيد الخدري قالت: قتل زوجي وأنا في دار، فاستأذنت رسول الله (ص) في النقلة، فأذن لي. ثم ناداني بعد أن توليت، فرجعت إليه، فقال: يا فريعة حتى يبلغ الكتاب أجله. قالوا: فبين رسول الله (ص) صحة ما قلنا في معنى تربص المتوفى عنها زوجها ما خالفه. قالوا: وأما ما روى عن ابن عباس فإنه لا معنى له بخروجه عن ظاهر التنزيل والثابت من الخبر عن الرسول (ص). قالوا: وأما الخبر الذي روى عن أسماء ابنة عميس عن رسول الله (ص) من أمره إياها بالتسلب ثلاثا، ثم أن تصنع ما بدا لها، فإنه غير دال على أن لا إحداد على المرأة، بل
[ 699 ]
إنما دل على أمر النبي (ص) إياها بالتسلب ثلاثا، ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه مما لم يكن زينة ولا تطيبا لانه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب. وذلك كالذي أذن (ص) للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن، فإن ذلك لا من ثياب زينة ولا من ثياب تسلب، وكذلك كل ثوب لم يدخل عليه صبغ بعد نسجه مما يصبغه الناس لتزيينه، فإن لها لبسه، لانها تلبسه غير متزينة الزينة التي يعرفها الناس. فإن قال لنا قائل: وكيف قيل يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولم يقل وعشرة ؟ وإذ كان التنزيل كذلك، أفبالليالي تعتد المتوفى عنها العشر أم بالايام ؟ قيل: بل تعتد بالايام بلياليها. فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك فكيف قيل وعشرا ولم يقل وعشرة، والعشر بغير الهاء من عدد الليالي دون الايام ؟ فإن أجاز ذلك المعنى فيه ما قلت، فهل تجيز عندي عشر وأنت تريد عشرة من رجال ونساء ؟ قلت: ذلك جائز في عدد الليالي والايام، وغير جائز مثله في عدد بني آدم من الرجال النساء وذلك أن العرب في الايام والليالي خاصة إذا أبهمت العدد غلبت فيه الليالي، حتى إنهم فيما روي لنا عنهم ليقولون: صمنا عشرا من شهر رمضان، لتغليبهم الليالي على الايام وذلك أن العدد عندهم قد جرى في ذلك بالليالي دون الايام، فإذا أظهروا مع العدد مفسره أسقطوا من عدد المؤنث الهاء، وأثبتوها في عدد المذكر، كما قال تعالى ذكره: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فأسقط الهاء من سبع، وأثبتها في الثمانية. وأما بنو آدم، فإن من شأن العرب إذا اجتمعت الرجال والنساء ثم أبهمت عددها أن تخرجه على عدد الذكران دون الاناث، وذلك أن الذكران من بني آدم موسوم واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم، وليس كذلك سائر الاشياء غيرهم، وذلك أن الذكور من غيرهم ربما وسم بسمة الانثى، كما قيل للذكر والاثنى شاة، وقيل للذكور والاناث من البقر بقر، وليس كذلك في بني آدم. فإن قال: فما معنى زيادة هذه العشرة الايام على الاشهر ؟ قيل: قد قيل في ذلك فيما: 4015 - حدثنا به ابن وكيع قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قال: قلت: لم صارت هذه العشر مع الاشهر الاربعة ؟ قال: لانه ينفخ فيه الروح في العشر.
[ 700 ]
4016 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو عاصم، عن سعيد، عن قتادة، قال: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشر ؟ قال: فيه ينفخ الروح. القول في تأويل قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف. يعني تعالى ذكره بقوله: فإذا بلغن الاجل الذي أبيح لهن فيه ما كان حظر عليهن في عددهن من وفاة أزواجهن، وذلك بعد انقضاء عددهن، ومضي الاشهر الاربعة والايام العشرة، فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف. يقول: فلا حرج عليكم أيها الاولياء أولياء المرأة فيما فعل المتوفي عنهن حينئذ في أنفسهن من تطيب وتزين ونقلة من المسكن الذي كن يعتددن فيه ونكاح من يجوز لهن نكاحه بالمعروف يعني بذلك: على ما أذن الله لهن فيه وأباحه لهن. وقد قيل: إنما عنى بذلك النكاح خاصة. وقيل: إن معنى قوله بالمعروف إنما هو النكاح الحلال. ذكر من قال ذلك: 4017 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروفقال: الحلال الطيب. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف قال: المعروف: النكاح الحلال الطيب. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: قوله: فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف قال: هو النكاح الحلال الطيب. 4018 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: هو النكاح. 4019 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب: فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف قال: في نكاح من هوينه إذا كان معروفا. القول في تأويل قوله تعالى: والله بما تعملون خبير.
[ 701 ]
يعني تعالى ذكره بذلك: والله بما تعملون أيها الاولياء في أمر من أنتم وليه من نسائكم من عضلهن وإنكاحهن ممن أردن نكاحه بالمعروف، ولغير ذلك من أموركم وأمورهم، خبير يعني ذو خبرة وعلم، لا يخفى عليه منه شئ. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم) * يعني تعالى ذكره بذلك: ولا جناح عليكم أيها الرجال فيما عرضتم به من خطبة النساء للنساء المعتدات، من وفاة أزواجهن في عددهن، ولم تصرحوا بعقد نكاح. والتعريض الذي أبيح في ذلك، هو ما: 4020 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد عن ابن عباس قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: التعريض أن يقول: إنى أريد التزويج، وإني لاحب امرأة من أمرها أمرها، يعرض لها بالقول بالمعروف. 4021 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس: لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: إني أريد أن أتزوج. 4022 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: التعريض ما لم ينصب للخطبة. قال مجاهد: قال رجل لامرأة في جنازة زوجها لا تسبقيني بنفسك، قالت: قد سبقت. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال في هذه الآية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: التعريض ما لم ينصب للخطبة.
[ 702 ]
* - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس: فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: التعريض أن يقول للمرأة في عدتها: إني لا أريد أن أتزوج غيرك إن شاء الله، ولوددت أني وجدت امرأة صالحة، ولا ينصب لها ما دامت في عدتها. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء يقول: يعرض لها في عدتها، يقول لها: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك، ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك ونحو هذا من الكلام فلا حرج. * - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: هو أن يقول لها في عدتها: إني أريد التزويج، ووددت أن الله رزقني امرأة ونحو هذا، ولا ينصب للخطبة. 4023 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة في هذه الآية، قال: يذكرها إلى وليها يقول: لا تسبقني بها. 4024 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: يقول: إنك لجميلة، وإنك لنافقة، وإنك إلى خير. 4025 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد أنه كره أن يقول: لا تسبقيني بنفسك. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: هو قول الرجل للمرأة: إنك لجميلة وإنك لنافقة وإنك لالى خير. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال:
[ 703 ]
يعرض للمرأة في عدتها فيقول: والله إنك لجميلة، وإن النساء لمن حاجتي، وإنك إلى خير إن شاء الله. 4026 - حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، قال: هو قول الرجل: إني أريد أن أتزوج، وإني إن تزوجت أحسنت إلى امرأتي، هذا التعريض. * - حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: يقول: لاعطينك، لاحسنن إليك، لافعلن بك كذا وكذا. 4027 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم، في قوله: فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: قول الرجل للمرأة في عدتها يعرض بالخطبة: والله إني فيك لراغب، وإنى عليك لحريص، ونحو هذا. 4028 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع القاسم بن محمد يقول: فيما عرضتم به من خطبة النساء هو قول الرجل للمرأة: إنك لجميلة، وإنك لنافقة، وإنك إلى خير. 4029 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: كيف يقول الخاطب ؟ قال: يعرض تعريضا ولا يبوح بشئ، يقول: إن لي حاجة وأبشري، وأنت بحمد الله نافقة، ولا يبوح بشئ. قال عطاء: وتقول هي: قد أسمع ما تقول. ولا تعده شيئا، ولا تقول: لعل ذاك. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد، قال: ثني عبد الرحمن بن القاسم: أنه سمع القاسم يقول في المرأة يتوفى عنها زوجها، والرجل يريد خطبتها، ويريد كلامها ما الذي يجمل به من القول ؟ قال: يقول: إني فيك لراغب، وإني عليك لحريص، وإني بك لمعجب، وأشباه هذا من القول. 4030 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في
[ 704 ]
قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: لا بأس بالهدية في تعريض النكاح. 4031 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، قال: كان إبراهيم لا يرى بأسا أن يهدي لها في العدة إذا كانت من شأنه. 4032 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: يقول: إنك لنافقة، وإنك لمعجبة، وإنك لجميلة، وإن قضى الله شيئا كان. 4033 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: كان إبراهيم النخعي يقول: إنك لمعجبة، وإني فيك لراغب. 4034 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: وأخبرني يعني شبيبا عن سعيد، عن شعبة، عن منصور، عن الشعبي أنه قال في هذه الآية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء. قال: لا يأخذ ميثاقها ألا تنكح غيره. 4035 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: كان أبي يقول: كل شئ كان دون أن يعزما عقدة النكاح، فهو كما قال الله تعالى ذكره ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء. 4036 - حدثنا ابن حميد. قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء. والتعريض فيما سمعنا: أن يقول الرجل وهي في عدتها: إنك لجميلة، إنك إلى خير، إنك لنافقة، إنك لتعجبيني، ونحو هذا، فهذا التعريض. 4037 - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن خالته سكينة ابنة حنظلة بن عبد الله بن حنظلة، قالت: دخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي، فقال: يا ابنة حنظلة أنا من علمت قرابتي من
[ 705 ]
رسول الله (ص)، وحق جدي علي وقدمي في الاسلام. فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر أتخطبني في عدتي، وأنت يؤخذ عنك فقال: أو قد فعلت ؟ إنما أخبرك بقرابتي من رسول الله (ص) وموضعي، قد دخل رسول الله (ص) على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبي سلمة، فتوفي عنها، فلم يزل رسول الله (ص) يذكر لها منزلته من الله وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله على يده، فما كانت تلك خطبة. 4038 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء قال: لا جناح على من عرض لهن بالخطبة قبل أن يحللن إذا كنوا في أنفسهن من ذلك. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه أنه كان يقول في قول الله تعالى ذكره: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدة من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن الله سائق إليك خيرا ورزقا، ونحو هذا من الكلام. واختلف أهل العربية في معنى الخطبة. فقال بعضهم: الخطبة: الذكر، والخطبة: التشهد. وكأن قائل هذا القول تأول الكلام: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من ذكر النساء عندهم وقد زعم صاحب هذا القول أنه قال: تواعدوهن سرا، لانه لما قال: لا جناح عليكم، كأنه قال: اذكروهن، ولكن لا تواعدوهن سرا. وقال آخرون منهم: الخطبة أخطب خطبة وخطبا، قال: وقول الله تعالى ذكره: قال فما خطبك يا سامري يقال إنه من هذا. قال: وأما الخطبة، فهو المخطوب من قولهم: خطب على المنبر واختطب. قال أبو جعفر: والخطبة عندي هي الفعلة من قول القائل: خطبت فلانة، كالجلسة من قوله: جلس، أو القعدة من قوله: قعد. ومعنى قولهم: خطب فلان فلانة سألها خطبه إليها في نفسها، وذلك حاجته، من قولهم: ما خطبك ؟ بمعنى: ما حاجتك وما أمرك ؟.
[ 706 ]
وأما التعريض فهو ما كان من لحن الكلام الذي يفهم به السامع الفهم ما يفهم بصريحه. القول في تأويل قوله تعالى: أو أكننتم في أنفسكم. يعني تعالى ذكره بقوله: أو أكننتم في أنفسكم أو أخفيتم في أنفسكم، فأسررتموه من خطبتهن وعزم نكاحهن وهن في عددهن، فلا جناح عليكم أيضا في ذلك إذا لم تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله. يقال منه: أكن فلان هذا الامر في نفسه، فهو يكنه إكنانا وكنه: إذا ستره، يكنه كنا وكنونا، وجلس في الكن. ولم يسمع: كننته في نفسي، وإنما يقال: كننته في البيت أو في الارض: إذا خبأته فيه، ومنه قوله تعالى ذكره: كأنهن بيض مكنون أي مخبوء، ومنه قول الشاعر: ثلاث من ثلاث قداميات من اللائي تكن من الصقيع وتكن بالتاء هو أجود ويكن، ويقال: أكنته ثيابه من البرد، وأكنه البيت من الريح. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 4039 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أو أكننتم في أنفسكم قال: الاكنان: ذكر خطبتها في نفسه لا يبديه لها، هذا كله حل معروف. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. 4040 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: أو أكننتم في أنفسكم قال: أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشئ.
[ 707 ]
4041 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع القاسم بن محمد يقول، فذكر نحوه. 4042 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: أو أكننتم في أنفسكم قال: جعلت في نفسك نكاحها وأضمرت ذلك. 4043 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان: أو أكننتم في أنفسكم أيسر في نفسه أن يتزوجها. 4044 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن في قوله: أو أكننتم في أنفسكم قال: أسررتم. قال أبو جعفر: وفي إباحة الله تعالى ذكره ما أباح من التعريض بنكاح المعتدة لها في حال عدتها وحظره التصريح، ما أبان عن افتراق حكم التعريض في كل معاني الكلام وحكم التصريح منه. وإذا كان ذلك كذلك تبين أن التعريض بالقذف غير التصريح به، وأن الحد بالتعريض بالقذف لو كان واجبا وجوبه بالتصريح به لوجب من الجناح بالتعريض بالخطبة في العدة نظير الذي يجب بعزم عقدة النكاح فيها، وفي تفريق الله تعالى ذكره بين حكميها في ذلك الدلالة الواضحة على افتراق أحكام ذلك في القذف. القول في تأويل قوله تعالى: علم الله أنكم ستذكرونهن. يعني تعالى ذكره بذلك: علم الله أنكم ستذكرون المعتدات في عددهن بالخطبة في أنفسكم وبألسنتكم. كما: 4045 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن: علم الله أنكم ستذكرونهن قال: الخطبة. 4046 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبالنساء قال: ذكرك إياها في نفسك. قال: فهو قول الله: علم الله أنكم ستذكرونهن. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن في قوله: علم الله أنكم ستذكرونهن قال: هي الخطبة.
[ 708 ]
القول في تأويل قوله تعالى: ولكن لا تواعدوهن سرا. اختلف أهل التأويل في معنى السر الذي نهى الله تعالى عباده عن مواعدة المعتدات به، فقال بعضهم: هو الزنا. ذكر من قال ذلك: 4047 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا همام، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: الزنا. 4048 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي مجلز قوله: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: الزنا. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سليمان التيمي، عن أبي مجلز، مثله. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، مثله. 4049 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن أبي مجلز: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: الزنا. قيل لسفيان التيمي: ذكره ؟ قال: نعم. 4050 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن رجل، عن الحسن في المواعدة مثل قول أبي مجلز. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: الزنا. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا أشعث وعمران، عن الحسن، مثله. 4051 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى، قالا: ثنا سفيان، عن السدي، قال: سمعت إبراهيم يقول: لا تواعدوهن سرا قال: الزنا. * - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن إبراهيم، مثله. 4052 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: لا تواعدوهن سرا قال: الزنا.
[ 709 ]
* - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: الزنا. 4053 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن في قوله: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: الفاحشة. 4054 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، وحدثني يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: لا تواعدهن سرا قال: السر: الزنا. 4055 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: لا تواعدوهن سرا قال: فذلك السر: الزنية، كان الرجل يدخل من أجل الزنية وهو يعرض بالنكاح، فنهى الله عن ذلك، إلا من قال معروفا. * - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا منصور، عن الحسن وجويبر، عن الضحاك وسليمان التيمي، عن أبي مجلز أنهم قالوا: الزنا. 4056 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: ولكن لا تواعدوهن سرا للفحش، والخضع من القول. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: هو الفاحشة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تأخذوا ميثاقهن وعهودهن في عددهن أن لا ينكحن غيركم. ذكر من قال ذلك: 4057 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لا تواعدوهن سرا يقول: لا تقل لها إني عاشق، وعاهديني أن لا تتزوجي غيري، ونحو هذا. 4058 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير في قوله: لا تواعدوهن سرا قال: لا يقاصها على كذا وكذا أن لا تتزوج غيره.
[ 710 ]
4059 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن إسرائيل، عن جابر عن عامر ومجاهد وعكرمة، قالوا: لا يأخذ ميثاقها في عدتها أن لا تتزوج غيره. 4060 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، قال: ذكر لي عن الشعبي أنه قال في هذه الآية: لا تواعدوهن سرا قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن الشعبي: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: لا يأخذ ميثاقها في أن لا تتزوج غيره. 4061 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الشعبي، قال: سمعته يقول في قوله: لا تواعدوهن سرا قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك، ولا يوجب العقدة حتى تنقضي العدة. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي: لا تواعدوهن سرا قال: لا يأخذ عليها ميثاقا أن لا تتزوج غيره. 4062 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ولكن لا تواعدهن سرا يقول: أمسكي علي نفسك، فأنا أتزوج، ويأخذ عليها عهدا أن لا تنكحي غيري. 4063 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: هذا في الرجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها أن لا تنكح غيره، فنهى الله عن ذلك، وقدم فيه وأحل الخطبة والقول بالمعروف، ونهى عن الفاحشة، والخضع من القول. 4064 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: أن تواعدها سرا على كذا وكذا على أن لا تنكحي غيري. 4065 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: لا تواعدوهن سرا قال: مواعدة السر: أن يأخذ
[ 711 ]
عليها عهدا وميثاقا أن تحبس نفسها عليه، ولا تنكح غيره. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يقول لها الرجل: لا تسبقيني بنفسك. ذكر من قال ذلك: 4066 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: قول الرجل للمرأة: لا تفوتيني بنفسك، فإني ناكحك. هذا لا يحل. 4067 - حدثني المثنى، قال ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: هو قول الرجل للمرأة: لا تفوتيني. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: المواعدة أن يقول: لا تفوتيني بنفسك. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: ولكن لا تواعدوهن سرا أن يقول: لا تفوتيني بنفسك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تنكحوهن في عدتهن سرا. ذكر من قال ذلك: 4068 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولكن لا تواعدوهن سرا يقول: لا تنكحوهن سرا، ثم يمسكها حتى إذا حلت أظهرت ذلك وأدخلتها. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ولكن لا تواعدوهن سرا قال: كان أبي يقول: لا تواعدوهن سرا، ثم تمسكها، وقد ملكت عقدة نكاحها، فإذا حلت أظهرت ذلك وأدخلتها. قال أبو جعفر: وأولى الاقوال بالصواب في تأويل ذلك، تأويل من قال: السر في هذا الموضع: الزنا وذلك أن العرب تسمي الجماع وغشيان الرجل المرأة سرا، لان ذلك مما يكون بين الرجال والنساء في خفاء غير ظاهر مطلع عليه، فيسمى لخفائه سرا. من ذلك قول رؤبة بن العجاج:
[ 712 ]
فعف عن أسرارها بعد العسق ولم يضعها بين فرك وعشق يعني بذلك: عف عن غشيانها بعد طول ملازمته ذلك. ومنه قول الحطيئة: ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع وكذلك يقال لكل ما أخفاه المرء في نفسه سر، ويقال: هو في سر قومه، يعني في خيارهم وشرفهم. فلما كان السر إنما يوجه في كلامها إلى أحد هذه الاوجه الثلاثة، وكان معلوما أن أحدهن غير معني به قوله: ولكن لا تواعدوهن سرا وهو السر الذي هو معنى الخيار والشرف، فلم يبق إلا الوجهان الآخران وهو السر الذي بمعنى ما أخفته نفس المواعدين المتواعدين، والسر الذي بمعنى الغشيان والجماع. فلما لم يبق غيرهما، وكانت الدلالة واضحة على أن أحدهما غير معني به صح أن الآخر هو المعني به. فإن قال: فما الدلالة على أن مواعدة القول سرا غير معني به على ما قال من قال: إن معنى ذلك: أخذ الرجل ميثاق المرأة أن لا تنكح غيره، أو على ما قال من قال: قول الرجل لها: لا تسبقيني بنفسك ؟ قيل: لان السر إذا كان بالمعنى الذي تأوله قائلو ذلك، فلن يخلو ذلك السر من أن يكون هو مواعدة الرجل المرأة ومسألته إياها أن لا تنكح غيره، أو يكون هو النكاح الذي سألها أن تجيبه إليه بعد انقضاء عدتها وبعد عقده له دون الناس غيره. فإن كان السر الذي نهى الله الرجل أن يواعد المعتدات هو أخذ العهد عليهن أن لا ينكحن غيره، فقد بطل أن يكون السر معناه ما أخفى من الامور في النفوس، أو نطق به فلم يطلع عليه، وصارت العلانية من الامر سرا، وذلك خلاف المعقول في لغة من نزل القرآن بلسانه، إلا أن يقول قائل هذه المقالة: إنما نهى الله الرجال عن مواعدتهن ذلك سرا بينهم وبينهن، لاأن نفس الكلام بذلك وإن كان قد أعلن سر. فيقال له: إن قال ذلك فقد يجب أن تكون جائزة مواعدتهن النكاح والخطبة صريحا علانية، إذ كان المنهي عنه من المواعدة إنما هو ما كان منها سرا. فإن قال إن ذلك كذلك خرج من قول جميع الامة على أن ذلك ليس من قيل أحد ممن تأول الآية أن السر ها هنا بمعنى المعاهدة أن لا تنكح غير المعاهد. وإن قال: ذلك غير جائز. قيل له: فقد بطل أن يكون معنى ذلك: إسرار الرجل
[ 713 ]
إلى المرأة بالمواعدة، لان معنى ذلك لو كان كذلك لم يحرم عليه مواعدتها مجاهرة وعلانية، وفي كون ذلك عليه محرما سرا وعلانية ما أبان أن معنى السر في هذا الموضع غير معنى إسرار الرجل إلى المرأة بالمعاهدة، أن لا تنكح غيره إذا انقضت عدتها أو يكون إذا بطل هذا الوجه معنى ذلك: الخطبة والنكاح الذي وعدت المرأة الرجل أن لا تعدوه إلى غيره، فذلك إذا كان، فإنما يكون بولي وشهود علانية غير سر، وكيف يجوز أن يسمى سرا وهو علانية لا يجوز إسراره ؟ وفي بطول هذه الاوجه أن تكون تأويلا لقوله: ولكن لا تواعدوهن سرا بما عليه دللنا من الادلة وضوح صحة تأويل ذلك أنه بمعنى الغشيان والجماع. وإذا كان ذلك صحيحا، فتأويل الآية: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما عرضتم به للمعتدات من وفاة أزواجهن من خطبة النساء وذلك حاجتكم إليهن، فلم تسرحوا لهن بالنكاح والحاجة إليهن إذا أكننتم في أنفسكم، فأسررتم حاجتكم إليهن وخطبتكم إياهن في أنفسكم ما دمن في عددهن، علم الله أنكم ستذكرون خطبتهن وهن في عددهن. فأباح لكم التعريض بذلك لهن، وأسقط الحرج عما أضمرته نفوسكم حلما منه، ولكن حرم عليكم أن تواعدوهن جماعا في عددهن، بأن يقول أحدكم لاحداهن في عدتها: قد تزوجتك في نفسي، وإنما أنتظر انقضاء عدتك، فيسألها بذلك القول إمكانه من نفسها الجماع والمباضعة، فحرم الله تعالى ذكره ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: إلا أن تقولوا قولا معروفا. قال أبو جعفر: ثم قال تعالى ذكره: إلا أن تقولوا قولا معروفا فاستثنى القول المعروف مما نهى عنه، من مواعدة الرجل المرأة السر، وهو من غير جنسه ولكنه من الاستثناء الذي قد ذكرت قبل أنه يأتي بمعنى خلاف الذي قبله في الصفة خاصة، وتكون إلا فيه بمعنى لكن، فقوله: إلا أن تقولوا قولا معروفا منه، ومعناه: ولكن قولوا قولا معروفا. فأباح الله تعالى ذكره أن يقول لها المعروف من القول في عدتها، وذلك هو ما أذن له بقوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء. كما: 4069 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير: إلا أن تقولوا قولا معروفا قال: يقول: إني فيك لراغب، وإني لارجو أن نجتمع. 4070 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن
[ 714 ]
صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا أن تقولوا قولا معروفا قال: هو قوله: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك. 4071 - حدثني المثنى، قال حدثنا: سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: إلا أن تقولوا قولا معروفا قال: يعني التعريض. * - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: إلا أن تقولوا قولا معروفا قال: يعني التعريض. 4072 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء إلى حتى يبلغ الكتاب أجله قال: هو الرجل يدخل على المرأة وهي في عدتها، فيقول: والله إنكم لاكفاء كرام، وإنكم لرعة، وإنك لتعجبيني، وإن يقدر شئ يكن. فهذا القول المعروف. 4073 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، وحدثني علي، قال: حدثنا زيد، قالا جميعا: قال سفيان: إلا أن تقولوا قولا معروفا قال: يقول: إني فيك لراغب، وإني أرجو إن شاء الله أن نجتمع. 4074 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: إلا أن تقولوا قولا معروفا قال: يقول: إن لك عندي كذا، ولك عندي كذا، وأنا معطيك كذا وكذا. قال: هذا كله وما كان قبل أن يعقد عقدة النكاح، فهذا كله نسخه قوله: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله. 4075 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: إلا أن تقولوا قولا معروفا قال: المرأة تطلق، أو يموت عنها زوجها، فيأتيها الرجل فيقول: احبس علي نفسك، فإن لي بك رغبة، فتقول: وأنا مثل ذلك. فتتوق نفسه لها، فذلك القول المعروف. القول في تأويل قوله تعالى: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله. يعني تعالى ذكره بقوله: ولا تعزموا عقدة النكاح ولا تصححوا عقدة النكاح في
[ 715 ]
عدة المرأة المعتدة، فتوجبوها بينكم وبينهن، وتعقدوها قبل انقضاء العدة حتى يبلغ الكتاب أجله يعني: يبلغن أجل الكتاب الذي بينه الله تعالى ذكره بقوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فجعل بلوغ الاجل للكتاب. والمعنى: للمتناكحين أن لا ينكح الرجل المرأة المعتدة فيعزم عقدة النكاح عليها حتى تنقضي عدتها، فيبلغ الاجل الذي أجله الله في كتابه لانقضائها. كما: 4076 - حدثنا محمد بن بشار وعمرو بن علي، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن ليث، عن مجاهد: حتى يبلغ الكتاب أجله قال: حتى تنقضي العدة. 4077 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: حتى يبلغ الكتاب أجله قال: حتى تنقضي أربعة أشهر وعشر. 4078 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: حتى يبلغ الكتاب أجله قال: حتى تنقضي العدة. 4079 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. 4080 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: حتى يبلغ الكتاب أجله قال: تنقضي العدة. * - حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قوله: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله قال: حتى تنقضي العدة. 4081 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: حتى يبلغ الكتاب أجله قال: لا يتزوجها حتى يخلو أجلها. 4082 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو قتيبة، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن الشعبي في قوله: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله قال: مخافة أن تتزوج المرأة قبل انقضاء العدة.
[ 716 ]
* - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الاعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله حتى تنقضي العدة. 4083 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، وحدثني علي، قال: حدثنا زيد جميعا، عن سفيان قوله: حتى يبلغ الكتاب أجله قال: حتى تنقضي العدة. القول في تأويل قوله تعالى: واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم. يعني تعالى ذكره بذلك: واعلموا أيها الناس أن الله يعلم ما في أنفسكم من هواهن ونكاحهن وغير ذلك من أموركم. فاحذروه يقول: فاحذروا الله واتقوه في أنفسكم أن تأتوا شيئا مما نهاكم عنه من عزم عقدة نكاحهن أو مواعدتهن السر في عددهن، وغير ذلك مما نهاكم عنه في شأنهن في حال ما هن معتدات، وفي غير ذلك. واعلموا أن الله غفور يعني أنه ذو ستر لذنوب عباده وتغطية عليها فيما تكنه نفوس الرجال من خطبة المعتدات وذكرهم إياهن في حال عددهن، وفي غير ذلك من خطاياهم. وقوله: حليم يعني أنه ذو أناة لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) * يعني تعالى ذكره بقوله لا جناح عليكم لا حرج عليكم إن طلقتم النساء، يقول: لا حرج عليكم في طلاقكم نساءكم وأزواجكم ما لم تماسوهن، يعني بذلك: ما لم تجامعوهن. والمماسة في هذا الموضع كناية عن اسم الجماع. كما: 4084 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قالا جميعا: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: المس: الجماع، ولكن الله يكني ما يشاء بما شاء. 4085 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: المس: النكاح. وقد اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز والبصرة: ما لم تمسوهن بفتح التاء من تمسوهن، وبغير ألف من قولك: مسسته أمسه مسا ومسيسا
[ 717 ]
ومسيسى مقصور مشدد غير مجرى. وكأنهم اختاروا قراءة ذلك إلحاقا منهم له بالقراءة المجتمع عليها في قوله: ولم يمسسني بشر. وقرأ ذلك آخرون: ما لم تماسوهن بضم التاء والالف بعد الميم إلحاقا منهم ذلك بالقراءة المجمع عليها في قوله: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا وجعلوا ذلك بمعنى فعل كل واحد من الرجل والمرأة بصاحبه من قولك: ماسست الشئ مماسة ومساسا. والذي نرى في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى متفقتا التأويل، وإن كان في إحداهما زيادة معنى غير موجبة اختلافا في الحكم والمفهوم. وذلك أنه لا يجهل ذو فهم إذا قيل له: مسست زوجتي أن الممسوسة قد لاقى من بدنها بدن الماس ما لاقاه مثله من بدن الماس، فكل واحد منهما وإن أفرد الخبر عنه بأنه الذي ماس صاحبه معقول، كذلك الخبر نفسه أن صاحبه المسوس قد ماسه، فلا وجه للحكم لاحدى القراءتين مع اتفاق معانيهما، وكثرة القراءة بكل واحدة منهما بأنها أولى بالصواب من الاخرى، بل الواجب أن يكون القارئ بأيتهما قرأ مصيب الحق في قراءته. وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن المطلقات قبل الافضاء إليهن في نكاح قد سمي لهن فيه الصداق. وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لان كل منكوحة فإنما هي إحدى اثنتين إما مسمى لها الصداق، أو غير مسمى لها ذلك، فعلمنا بالذي يتلو ذلك من قوله تعالى ذكره أن المعنية بقوله: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن إنما هي المسمى له، لان المعنية بذلك لو كانت غير المفروض لها الصداق لما كان لقوله: أو تفرضوا لهن فريضة معنى معقول، إذ كان لا معنى لقول قائل: لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تفرضوا لهن فريضة في نكاح لم تماسوهن فيه أو ما لم تفرضوا لهن فريضة. فإذ كان لا معنى لذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك: لا جناح عليكم إن طلقتم المفروض لهن من نسائكم الصداق قبل أن تماسوهن، وغير المفروض لهن قبل الفرض. القول في تأويل قوله تعالى: أو تفرضوا لهن فريضة. يعني تعالى ذكره بقوله أو تفرضوا لهن أو توجبوا لهن، وبقوله: فريضة صداقا واجبا. كما:
[ 718 ]
4086 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: أن تفرضوا لهن فريضة قال: الفريضة: الصداق. وأصل الفرض: الواجب، كما قال الشاعر: كانت فريضة ما أتيت كما كان الزناء فريضة الرجم يعني كما كان الرجم الواجب من حد الزنا، لذلك قيل: فرض السلطان لفلان ألفين، يعني بذلك أوجب له ذلك ورزقه من الديوان. القول في تأويل قوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره. يعني تعالى ذكره بقوله: ومتعوهن وأعطوهن ما يتمتعن به من أموالكم على أقداركم ومنازلكم من الغنى والاقتار. ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ ما أمر الله به الرجال من ذلك، فقال بعضهم: أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودونه الكسوة. ذكر من قال ذلك: 4087 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: متعة الطلاق أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عكرمة، ابن عباس بنحوه. 4088 - حدثنا أحمد قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن داود، عن الشعبي قوله: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره قلت له: ما أوسط متعة المطلقة ؟ قال: خمارها ودرعها وجلبابها وملحفتها. 4089 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين فهذا الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداقا ثم يطلقها من قبل أن ينكحها،
[ 719 ]
فأمر الله سبحانه أن يمتعها على قدر عسره ويسره، فإن كان موسرا متعها بخادم أو شبه ذلك، وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك. 4090 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي في قوله: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره قال: قلت للشعبي: ما وسط ذلك ؟ قال: كسوتها في بيتها ودرعها وخمارها وملحفتها وجلبابها. قال الشعبي: فكان شريح يمتع بخمسمائة. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر: أن شريحا كان يمتع بخمسائة. قلت لعامر: ما وسط ذلك ؟ قال: ثيابها في بيتها درع وخمار وملحفة وجلباب. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عامر الشعبي أنه قال: وسط من المتعة ثياب المرأة في بيتها درع وخمار وملحفة وجلباب. * - حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا داود، عن الشعبي: أن شريحا متع بخمسمائة. وقال الشعبي: وسط من المتعة درع وخمار وجلباب وملحفة. 4091 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين قال: هو الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فلها متاع بالمعروف ولا صداق لها. قال: أدنى ذلك ثلاثة أثواب درع وخمار وجلباب وإزار. 4092 - حدثنا بشر بن معاذ، قال ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) * حتى بلغ: * (حقا على المحسنين) * فهذا في الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا، ثم يطلقها قبل ان يدخل بها، فلها متاع بالمعروف، ولا فريضة لها. وكان يقال: إذا كان واجدا فلابد من مئزر وجلباب ودرع وخمار. 4093 - حدثنا أبو كريب، قال ثنا ابن أبي زائدة، عن صالح بن صالح، قال: سئل عامر: بكم يمتع الرجل امرأته ؟ قال على قدر ماله. 4096 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا شعبة، عن سعد بن
[ 720 ]
إبراهيم، قال: سمعت حميد بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن أمه قالت: كأني أنظر إلى جارية سودأ حممها عبد الرحمن أم أبي سلمة (1) حين طلقها قيل لشعبة: ما حممها ؟ قال: متعها (1). * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه بنحوه، عن عبد الرحمن بن عوف. 4095 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: كان يمتع بالخادم أو بالنفقة أو بالكسوة. قال: ومتع الحسن بن علي، أحسبه قال: بعشرة آلاف. 4096 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعد بن إبراهيم: أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته، فمتعها بالخادم. 4097 - حدثت عن عبد الله بن يزيد المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب أنه كان يقول في متعة المطلقة: أعلاه الخادم، وأدناه الكسوة والنفقة، ويرى أن ذلك على ما قال الله تعالى ذكره: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره). وقال آخرون: مبلغ ذلك إذا اختلف الزوج والمرأة فيه قدر نصف صداق مثل تلك المرأة المنكوحة بغير صداق مسمى في عقده، وذلك قول أبي حنيفة وأصحابه. والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس ومن قال بقوله من أن الواجب من ذلك للمرأة المطلقة على الرجل على قدر عسره ويسره، كما قال الله تعالى ذكره: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) لا على قدر المرأة. ولو كان ذلك واجبا للمرأة على قدر صداق مثلها إلى قدر نصفه لم يكن لقيله تعالى ذكره: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) معنى مفهوم، ولكان الكلام: ومتعوهن على قدرهن وقدر نصف صداق أمثالهن. وفي إعلام الله تعالى ذكره عباده أن ذلك على قدر الرجل في عسره ويسره، لا على
[ 721 ]
قدره وقدر نصف صداق مثلها ما يبين عن صحة ما قلنا وفساد ما خالفه. وذلك أن المرأة قد يكون صداق مثلها المال العظيم، والرجل في حال طلاقه إياها مقتر لا يملك شيئا، فإن قضي عليه بقدر نصف صداق مثلها ألزم ما يعجز عنه بعض من قد وسع عليه، فكيف المقدور عليه (1) ؟ وإذا فعل ذلك به، كان الحاكم بذلك عليه قد تعدى حكم قول الله تعالى ذكره: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) ولكن ذلك على قدر عسر الرجل ويسره، لا يجاوز بذلك خادم أو قيمتها، إن كان الزوج موسعا، وإن كان مقترا فأطاق أدنى ما يكون كسوة لها، وذلك ثلاثة أثواب ونحو ذلك، قضي عليه بذلك وإن كان عاجزا عن ذلك فعلى قدر طاقته، وذلك على قدر اجتهاد الامام العادل عند الخصومة إليه فيه. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ومتعوهن) هل هو على الوجوب، أو على الندب ؟ فقال بعضهم: هو على الوجوب يقضى بالمتعة في مال المطلق، كما يقضى عليه بسائر الديون الواجبة عليه لغيره وقالوا: ذلك واجب عليه لكل مطلقة كائنة من كانت من نسائه. ذكر من قال ذلك: 4098 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن وأبو العالية يقولان: لكل مطلقة متاع، دخل بها أو لم يدخل بها وإن كان قد فرض لها. 4099 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن يونس أن الحسن كان يقول: لكل مطلقة متاع، وللتي طلقها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها. 4100 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن سعيد بن جبير في هذه الاية: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) (2) قال: لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: لكل مطلقة متاع. 4101 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: كان أبو العالية يقول: لكل مطلقة متعة، وكان الحسن يقول: لكل مطلقة متعة.
[ 722 ]
4102 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، قال: سئل الحسن، عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها وقد فرض لها، هل لها متاع ؟ قال الحسن: نعم والله. فقيل للسائل، وهو أبو بكر الهذلي: أو ما تقرأ هذه الاية: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) (1) ؟ قال: نعم والله. وقال آخرون: المتعة للمطلقة على زوجها المطلقها واجبة، ولكنها واجبة لكل مطلقة سوى المطلقة المفروض لها الصداق. فأما المطلقة المفروض لها الصداق إذا طلقت قبل الدخول بها، فإنها لا متعة لها، وإنما لها نصف الصداق المسمى. ذكر من قال ذلك: 4103 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع أن ابن عمر كان يقول: لكل مطلقة متعة، إلا التي طلقها ولم يدخل بها وقد فرض لها، فلها نصف الصداق ولا متعة لها. * - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر بنحوه. 4104 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي وعبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في الذي يطلق امرأته وقد فرض لها، أنه قال في المتاع: قد كان لها المتاع في الاية التي في الاحزاب (2)، فلما نزلت الاية التي في البقرة، جعل لها النصف من صداقها إذا سمى، ولا متاع لها، وإذا لم يسم فلها المتاع. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي وعبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد (3) نحوه. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان سعيد بن المسيب يقول: إذا لم يدخل بها جعل لها في سورة الاحزاب المتاع، ثم أنزلت الاية التي في سورة البقرة: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة
[ 723 ]
فنصف ما فرضتم) فنسخت هذه الاية ما كان قبلها إذا كان لم يدخل بها وكان قد سمى لها صداقا، فجعل لها النصف ولا متاع لها. * - حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: نسخت هذه الاية: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدوها فمتعوهن) (1)... الاية التي في البقرة. 4105 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حميد، عن مجاهد، قال: لكل مطلقة متعة، إلا التي فارقها وقد قرض لها من قبل أن يدخل بها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في التي يفارقها زوجها قبل أن يدخل بها وقد فرض لها، قال: ليس لها متعة. 4106 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن نافع، قال: إذا تزوج الرجل المرأة وقد فرض لها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فلها نصف الصداق ولا متاع لها، وإذا لم يفرض لها فإنما لها المتاع. 4107 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: سئل ابن أبي نجيح وأنا أسمع عن الرجل يتزوج، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها وقد فرض لها، هل لها متاع ؟ قال: كان عطأ يقول: لا متاع لها. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في التي فرض لها ولم يدخل بها، قال: إن طلقت فلها نصف الصداق ولا متعة لها. 4108 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، أن شريحا كان يقول في الرجل إذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها وقد سمى لها صداقا، قال: لها في النصف متاع. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن شريح، قال: لها في النصف متاع.
[ 724 ]
وقال آخرون: المتعة حق لكل مطلقة، غير أن منها ما يقضى به على المطلق، ومنها ما لا يقضى به عليه، ويلزمه فيما بينه وبين الله إعطاؤها. ذكر من قال ذلك: 4109 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: متعتان: إحداهما يقضي بها السلطان، والاخرى حق على المتقين: من طلق قبل أن يفرض ويدخل فإنه يؤخذ بالمتعة فإنه لا صداق عليه، ومن طلق بعد ما يدخل أو يفرض فالمتعة حق. 4110 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب: قال الله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) فإذا تزوج الرجل المرأة ولم يفرض لها، ثم طلقها من قبل أن يمسها وقبل أن يفرض لها، فليس عليه إلا متاع بالمعروف يفرض لها السلطان بقدر، وليس عليها عدة، وقال الله تعالى ذكره: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فإذا طلق الرجل المرأة وقد فرض لها ولم يمسسها، فلها نصف صداقها، ولا عدة عليها. 4111 - حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: أخبرنا زهير، عن معمر، عن الزهري أنه قال: متعتان يقضي بإحداهما السلطان ولا يقضي بالاخرى، فالمتعة التي يقضي بها السلطان حقا على المحسنين، والمتعة التي لا يقضي بها السلطان حقا على المتقين. وقال آخرون: لا يقضي الحاكم ولا السلطان بشئ من ذلك على المطلق، وإنما ذلك من الله تعالى ذكره ندب وإرشاد إلى أن تمتع المطلقة. ذكر من قال ذلك: 4112 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم: أن رجلا طلق امرأته، فخاصمته إلى شريح، فقرأ هذه الاية: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) (1) قال: إن كنت من المتقين فعليك المتعة ولم يقض لها. قال شعبة: وجدته مكتوبا عندي عن أبي الضحى. 4113 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: كان
[ 725 ]
شريح يقول في متاع المطلقة: لا تأب أن تكون من المحسنين، لا تأب أن تكون من المتقين. 4114 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق أن شريحا قال للذي قد دخل بها: إن كنت من المتقين فمتع. قال أبو جعفر: وكأن قائلي هذا القول ذهبوا في تركهم إيجاب المتعة فرضا للمطلقات إلى أن قول الله تعالى ذكره: (حقا على المحسنين) وقوله: (حقا على المتقين) (1) دلالة على أنها لو كانت واجبة وجوب الحقوق اللازمة الاموال بكل حال لم يخصص المتقون والمحسنون بأنها حق عليهم دون غيرهم، بل كان يكون ذلك معموما به كل أحد من الناس. وأما موجبوها على كل أحد سوى المطلقة المفروض لها الصداق، فإنهم اعتلوا بأن الله تعالى ذكره لما قال: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) (1) كان دليلا على أن لك مطلقة متاعا سوى من استثناه الله تعالى ذكره في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلما قال: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) كان في ذلك دليل عندهم على أن حقها النصف مما فرض لها، لان المتعة جعلها الله في الاية التي قبلها عندهم لغير المفروض لها، فكان معلوما عندهم بخصوص الله بالمتعة غير المفروض لها أن حكمها غير حكم التي لم يفرض لها إذا طلقها قبل المسيس (2) فيما لها على الزوج من الحقوق. والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: لكل مطلقة متعة، لان الله تعالى ذكره قال: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) (1) فجعل الله تعالى ذكره ذلك لكل مطلقة ولم يخصص منهن بعضا دون بعض، فليس لاحد إحالة ظاهر تنزيل عام إلى باطن خاص إلا بحجة يجب التسليم لها. فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد خص المطلقة قبل المسيس إذا كان مفروضا لها بقوله: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) إذ لم يجعل لها غير نصف الفريضة ؟ قيل: إن الله تعالى ذكره إذا دل على وجوب شئ في بعض تنزيله، ففي دلالته على وجوبه في الموضع الذي دل عليه الكفاية عن تكريره، حتى يدل على بطول فرضه، وقد دل بقوله: (وللمطلقات متاع بالمعروف) (1) على وجوب
[ 726 ]
المتعة لكل مطلقة، فلا حاجة بالعباد إلى تكرير ذلك في كل آية وسورة. وليس في دلالته على أن للمطلقة قبل المسيس المفروض لها الصداق نصف ما فرض لها دلالة على بطول المتعة عنه، لانه غير مستحيل في الكلام لو قيل: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم والمتعة (1)، فلما لم يكن ذلك محالا في الكلام كان معلوما أن نصف الفريضة إذا وجب لها لم يكن في وجوبه لها نفي عن حقها من المتعة، ولما لم يكن اجتماعهما للمطلقة محالا - وكان الله تعالى ذكره قد دل على وجوب ذلك لها، وإن كانت الدلالة على وجوب أحدهما في آية غير الاية التي فيها الدلالة على وجوب الاخرى - ثبت وصح وجوبهما لها. هذا إذا لم يكن على أن للمطلقة المفروض لها الصداق إذا طلقت قبل المسيس (2) دلالة غير قول الله تعالى ذكره: (وللمطلقات متاع بالمعروف) (3) فكيف وفي قول الله تعالى ذكره: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) الدلالة الواضحة على أن الفروض لها إذا طلقت قبل المسيس لها من المتعة مثل الذي لغير المفروض لها منها ؟ وذلك أن الله تعالى ذكره لما قال: (لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) كان معلوما بذلك أنه قد دل به على حكم طلاق صنفين من طلاق النسأ: أحدهما المفروض له، والاخر غير المفروض له، وأنها المطلقة المفروض لها قبل المسيس، لانه قال: (لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تمسوهن) ثم قال تعالى ذكره: (ومتعوهن) فأوجب المتعة للصنفين منهن جميعا: المفروض لهن، وغير المفروض لهن. فمن ادعى أن ذلك لاحد الصنفين، سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير، ثم عكس عليه القول في ذلك فلن يقول في شئ منه قولا إلا ألزم في الاخر مثله. وأرى أن المتعة للمرأة حق واجب إذا طلقت على زوجها المطلقها على ما بينا آنفا يؤخذ بها الزوج كما يؤخذ بصداقها، لا يبرئه منها إلا أداؤه إليها، أو إلى من يقوم مقامها في قبضها منه، أو ببرأة تكون منها له. وأرى أن سبيلها سبيل صداقها وسائر ديونها قبله يحبس بها إن طلقها فيها إذا لم يكن له شئ ظاهر يباع عليه إذا امتنع من إعطائها ذلك. وإنما قلنا ذلك، لان الله تعالى ذكره قال: (ومتعوهن) فأمر الرجال أن يمتعوهن، وأمره فرض إلا أن
[ 727 ]
يبين تعالى ذكره أنه عنى به الندب والارشاد لما قد بينا في كتابنا المسمى بلطيف البيان عن أصول الاحكام، لقوله: (وللمطلقات متاع بالمعروف) (1). ولا خلاف بين جميع أهل التأويل أن معنى ذلك: وللمطلقات على أزواجهن متاع بالمعروف. وإذا كان ذلك كذلك، فلن يبرأ الزوج مما لها عليه إلا بما وصفنا قبل من أدأ أو إبرأ على ما قد بينا. فإن ظن ذو غبأ أن الله تعالى ذكره إذ قال: (حقا على المحسنين) و (حقا على المتقين) (1) أنها غير واجبة لانها لو كانت واجبة لكانت على المحسن وغير المحسن، والمتقي وغير المتقي. فإن الله تعالى ذكره قد أمر جميع خلقه بأن يكونوا من المحسنين، ومن المتقين، وما وجب من حق على أهل الاحسان والتقى، فهو على غيرهم أوجب، ولهم ألزم. وبعد، فإن في إجماع الحجة على أن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس واجبة بقوله: (ومتعوهن) وجوب نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس، قال الله تعالى ذكره فيما أوجب لها من ذلك، الدليل الواضح (2) أن ذلك حق واجب لكل مطلقة بقوله: (وللمطلقات متاع بالمعروف) وإن كان قال: (حقا على المتقين) (1). ومن أنكر ما قلنا في ذلك، سئل عن المتعة (3) للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، فإن أنكر وجوبه خرج من قول جميع الحجة، ونوظر مناظرتنا المنكرين في عشرين دينارا زكاة، والدافعين زكاة العروض إذا كانت للتجارة، وما أشبه ذلك. فإن أوجب ذلك لها، سئل الفرق بين وجوب ذلك لها، والوجوب لكل مطلقة، وقد شرط فيما جعل لها من ذلك بأنه حق على المحسنين، كما شرط فيما جعل للاخر بأنه حق على المتقين، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الاخر مثله. وأجمع الجميع على أن المطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، لا شئ لها على زوجها المطلقها غير المتعة. ذكر بعض من قال ذلك من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم: 4115 - حدثنا أبو كريب ويونس بن عبد الاعلى، قالا: ثنا ابن عيينة، عن عمرو بن
[ 728 ]
دينار، عن عطأ، عن ابن عباس، قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يفرض لها وقبل أن يدخل بها، فليس لها إلا المتاع. 4116 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، قال: قال الحسن: إن طلق الرجل امرأته ولم يدخل بها ولم يفرض لها، فليس لها إلا المتاع. 4117 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: إذا تزوج الرجل المرأة ثم طلقها ولم يفرض لها، فإنما لها المتاع. 4118 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: إذا تزوج الرجل المرأة ولم يفرض لها، ثم طلقها قبل أن يمسها وقبل أن يفرض لها، فليس لها عليه إلا المتاع بالمعروف. 4119 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) قال: ليس لها صداق إلا متاع بالمعروف. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه، إلا أنه قال: ولا متاع إلا بالمعروف. 4120 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تمسوهن) إلى: (ومتعوهن) قال: هذا الرجل توهب له، فيلطلقها قبل أن يدخل بها، فإنما عليه المتعة. 4121 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال في هذه الاية: هو الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فلها متاع بالمعروف، ولا فريضة لها. 4122 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. 4123 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: سمعت الضحاك يقول في قوله: (ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) هذا رجل وهبت له امرأته فطلقها من قبل أن يمسها، فلها المتعة، ولا فريضة لها، وليست عليها عدة.
[ 729 ]
وأما الموسع. فهو الذي قد صار من عيشه إلى سعة وغنى، يقال منه: أوسع فلان فهو يوسع إيساعا وهو موسع. وأما المقتر: فهو المقل من المال، يقال: قد أقتر فهو يقتر إقتارا، وهو مقتر. واختلف القرأ في قرأة القدر، فقرأه بعضهم: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) بتحريك الدال إلى الفتح من القدر، توجيها منهم ذلك إلى الاسم من التقدير، الذي هو من قول القائل: قدر فلان هذا الامر. وقرأ آخرون بتسكين الدال منه، توجيها منهم ذلك إلى المصدر من ذلك، كما قال الشاعر (1): وما صب رجلي في حديد مجاشع مع القدر إلا حاجة لي أريدها (2) والقول في ذلك عندي أنهما جميعا قرأتان قد جأت بهما الامة، ولا يحيل القرأة باحداهما معنى في الاخرى، بل هما متفقتا المعنى، فبأي القرأتين قرأ القارئ ذلك، فهو للصواب مصيب. وإنما يجوز اختيار بعض القرأات على بعض لبينونة المختارة على غيرها بزيادة معنى أوجبت لها الصحة دون غيرها، وأما إذا كانت المعاني في جميعها متفقة، فلا وجه للحكم لبعضها بأنه أولى أن يكون مقرؤا به من غيره. فتأويل الاية إذا: لا حرج عليكم أيها الناس لان طلقتم النسأ، وقد فرضتم لهن ما لم تماسوهن، وإن طلقتموهن ما لم تماسوهن قبل أن تفرضوا لهن، ومتعوهن جميعا على ذي السعة والغنى منكم من متاعهن حينئذ بقدر غناه وسعته، وعلى ذي الاقتار والفاقة منكم منه بقدر طاقته وإقتاره. القول في تأويل قوله تعالى: (متاعا بالمعروف حقا على المحسنين). يعني تعالى ذكره بذلك: ومتعوهن متاعا. وقد يجوز أن يكون متاعا منصوبا قطعا (3) من القدر، لان المتاع نكرة، والقدر معرفة. ويعني بقوله (بالمعروف): بما أمركم الله به
[ 730 ]
من إعطائكم لهن ذلك بغير ظلم، ولا مدافعة منكم لهن به. ويعني بقوله: (حقا على المحسنين): متاعا بالمعروف الحق على المحسنين فلما دل إدخال الالف واللام على الحق، وهو من نعت المعروف، والمعروف معرفة، والحق نكرة، نصب على القطع منه، كما يقال: أتاني الرجل راكبا. وجائز أن يكون نصب على المصدر من جملة الكلام الذي قبله، كقول القائل: عبد الله عالم حقا، فالحق منصوب من نية كلام المخبر كأنه قال: أخبركم بذلك حقا. والتأويل الاول هو وجه الكلام، لان معنى الكلام: فمتعوهن متاعا بمعروف حق على كل من كان منكم محسنا. وقد زعم بعضهم أن ذلك منصوب بمعنى أحق ذلك حقا، والذي قاله من ذلك بخلاف ما دل عليه ظاهر التلاوة، لان الله تعالى ذكره جعل المتاع للمطلقات حقا لهن على أزواجهن، فزعم قائل هذا القول أن معنى ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه يحق أن ذلك على المحسنين. فتأويل الكلام إذا: إذ كان الامر كذلك: ومتعوهن على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره، متاعا بالمعروف الواجب على المحسنين. ويعني بقوله: (المحسنين) الذين يحسنون إلى أنفسهن في المسارعة إلى طاعة الله فيما ألزمهم به، وأدائهم ما كلفهم من فرائضه. فإن قال قائل: إنك قد ذكرت أن الجناح هو الحرج، وقد قال الله تعالى ذكره: (لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تمسوهن) فهل علينا من جناح لو طلقناهن بعد المسيس (1)، فيوضع عنا بطلاقنا إياهن قبل المسيس ؟ قيل: قد ريي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات) (2). 4124 - حدثنا بذلك ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي وعبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ 731 ]
وروي عنه أنه قال: (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله، يقولون قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك) (1). 4125 - حدثنا بذلك ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجائز أن يكون الجناح الذي وضع الناس في طلاقهم نسأهم قبل المسيس، هو الذي كان يلحقهم منه بعد ذوقهم إياهن، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان بعضهم يقول: معنى قوله في هذا الموضع: لا جناح: لا سبيل عليكم للنسأ إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، ولم تكونوا فرضتم لهن فريضة في إتباعكم بصداق ولا نفقة. وذلك مذهب لولا ما قد وصفت من أن المعني بالطلاق قبل المسيس في هذه الاية صنفان من النسأ: أحدهما المفروض لها، والاخر غير المفروض لها، فإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لان يقال: لا سبيل لهن عليكم في صداق إذا كان الامر على ما وصفنا. وقد يحتمل ذلك أيضا وجها آخر، وهو أن يكون معناه: لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تماسوهن، في أي وقت شئتم طلاقهن، لانه لا سنة في طلاقهن، فللرجل أن يطلقهن إذا لم يكن مسهن حائضا وطاهرا في كل وقت أحب، وليس ذلك كذلك في المدخول بها التي قد مست لانه ليس لزوجها طلاقها إن كانت من أهل الاقرأ إلا للعدة طاهرا في طهر لم يجامع فيه، فيكون الجناح الذي أسقط عن مطلق التي لم يمسها في حال حيضها هو الجناح الذي كان به مأخوذا المطلق بعد الدخول بها في حال حيضها أو في طهر قد جامعها فيه. القول في تأويل قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير (237)) وهذا الحكم من الله تعالى ذكره إبانة عن قوله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وتأويل ذلك: لا جناح عليكم أيها الناس إن طلقتم
[ 732 ]
النسأ ما لم تماسوهن وقد فرضتم لهن فريضة، فلهن نصف ما كنتم فرضتم لهن من قبل طلاقكم إياهن، يعني بذلك: فلهن عليكم نصف ما أصدقتموهن. وإنما قلنا: إن تأويل ذلك كذلك لما قد قدمنا البيان عنه من أن قوله: (أو تفرضوا لهن فريضة) بيان من الله تعالى ذكره لعباده حكم غير المفروض لهن إذا طلقهن قبل المسيس، فكان معلوما بذلك أن حكم اللواتي عطف عليهن بأو غير حكم المعطوف بهن بها. وإنما كرر تعالى ذكره قوله: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة) وقد مضى ذكرهن في قوله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النسأ ما لم تمسوهن) ليزول الشك عن سامعيه واللبس عليهم من أن يظنوا أن التي حكمها الحكم الذي وصفه في هذه الاية هي غير التي ابتدأ بذكرها وذكر حكمها في الاية التي قبلها. وأما قوله: (إلا أن يعفون) فإنه يعني: إلا أن يعفو اللواتي وجب لهن عليكم نصف تلك الفريضة فيتركه لكم، ويصفحن لكم عنه، تفضلا منهن بذلك عليكم، إن كن ممن يجوز حكمه في ماله، وهن بوالغ رشيدات، فيجوز عفوهن حينئذ عما عفون عنكم من ذلك، فيسقط عنكم ما كن عفون لكم عنه منه. وذلك النصف الذي كان وجب لهن من الفريضة بعد الطلاق وقبل العفو إن عفت عنه، أو ما عفت عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 4126 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فهذا الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فلها نصف صداقها، ليس لها أكثر من ذلك. 4127 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) قال: إن طلق الرجل امرأته وقد فرض لها فنصف ما فرض، إلا أن يعفون. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 733 ]
4128 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فنخت هذه الاية ما كان قبلها إذا كان لم يدخل بها وقد كان سمى لها صداقا، فجعل لها النصف، ولا متاع لها. 4129 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) قال: هو الرجل يتزوج المرأة وقد فرض لها صداقا، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فلها نصف ما فرض لها، ولها المتاع، ولا عدة عليها. 4130 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا الليث عن يونس، عن ابن شهاب: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) قال: إذا طلق الرجل المرأة وقد فرض لها ولم يمسها، فلها نصف صداقها، ولا عدة عليها. ذكر من قال في قوله: (إلا أن يعفون) القول الذي ذكرناه من التأويل: 4131 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول: إذا طلقها قبل أن يمسها وقد فرض لها، فنصف الفريضة لها عليه، إلا أن تعفو عنه فتتركه. 4132 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك: يقول في قوله: (إلا أن يعفون) قال: المرأة تترك الذي لها. 4133 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (إلا أن يعفون) هي المرأة الثيب أو البكر يزوجها غير أبيها، فجعل الله العفو إليهن إن شئن عفون فتركن، وإن شئن أخذن نصف الصداق. 4134 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا أن يعفون) تترك المرأة شطر صداقها، وهو الذي لها كله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 4135 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (إلا أن يعفون) قال: المرأة تدع لزوجها النصف.
[ 734 ]
4136 - حدثنا حميد بت مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثني عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن شريح: (إلا أن يعفون) قال: إن شأت المرأة عفت، فتركت الصداق. * - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن شريح، مثله. 4137 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع قوله: (إلا أن يعفون) هي المرأة يطلقها زوجها قبل أن يدخل بها، فتعفو عن النصف لزوجها. 4138 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (إلا أن يعفون) أما (أن يعفون) فالثيب أن تدع من صداقها أو تدعه كله. 4139 - حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب: (إلا أن يعفون) قال: العفو إليهن إذا كانت المرأة ثيبا، فهي أولى بذلك، ولا يملك ذلك عليها ولي، لانها قد ملكت أمرها، فإن أرادت أن تعفو فتضع له نصفها الذي عليه من حقها جاز ذلك، وإن أرادت أخذه فهي أملك بذلك. 4140 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا معمر، وقال: وحدثني ابن شهاب: (إلا أن يعفون) قال: النسأ. 4141 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح: (إلا أن يعفون) قال: الثيب تدع صداقها. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو أسامة حماد بن زيد بن أسامة، قال: ثنا إسماعيل، عن الشعبي، عن شريح: (إلا أن يعفون) قال: قال: تعفو المرأة عن الذي لها كله. قال أبو جعفر: ما سمعت أحدا يقول حماد بن زيد بن أسامة إلا أبا هشام. 4142 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبدة، عن سعيد، قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: إن شأت عفت عن صداقها، يعني في قوله: (إلا أن يعفون). * - حدثنا ابن هشام، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن شريح، قال: تعفو المرأة وتدع نصف الصداق.
[ 735 ]
4143 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: قال الزهري: (إلا أن يعفون) الثيبات. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: (إلا أن يعفون) قال: تترك المرأة شطرها. 4144 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (إلا أن يعفون) يعني النسأ. 4145 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (إلا أن يعفون) إن كانت ثيبا عفت. 4146 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري قوله: (إلا أن يعفون) يعني المرأة. 4147 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا زيد، وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران جميعا، عن سفيان: (إلا أن يعفون) قال: المرأة إذا لم يدخل بها أن تترك له المهر، فلا تأخذ منه شيئا. القول في تأويل قوله تعالى: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح). اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله تعالى ذكره بقوله: (الذي بيده عقدة النكاح) فقال بعضهم: هو ولي البكر، وقالوا: ومعنى الاية: أو يترك الذي يلي على المرأة عقد نكاحها من أوليائها للزوج النصف الذي وجب للمطلقة عليه قبل مسيسه، فيصفح له عنه إن كانت الجارية ممن لا نجوز لها أمر في مالها. ذكر من قال ذلك: 4148 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس رضي الله عنه: أذن الله في العفو وأمر به، فإن عفت فكما عفت، وإن ضنت وعفا وليها جاز وإن أبت. 4149 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهو أبو الجارية البكر، جعل الله سبحانه العفو إليه، وليس لها معه أمر إذا طلقت ما كانت في حجره. 4150 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: (الذي بيده عقدة النكاح) الولي.
[ 736 ]
* - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: قال علقمة: هو الولي. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قال: هو الولي. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معمر، عن حجاج، عن النخعي، عن علقمة، قال: هو الولي. 4151 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، عن بيان النحوي، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، وأصحاب عبد الله، قالوا: هو الولي. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قال: هو الولي. 4152 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معمر، عن حجاج، أن الاسود بن زيد، قال: هو الولي. 4153 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو خالد، عن شعبة، عن أبي بشر، قال: قال طاوس ومجاهد: هو الولي ثم رجعا فقالا: هو الزوج. * - حدثني يعقدب، قال: ثنا هشيم، قال: اخبرنا أبو بشر، قال: قال مجاهد وطاوس: هو الولي ثم رجعا فقالا: هو الزوج. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن فضيل، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: هو الولي. 4154 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: زوج رجل أخته، فطلقها زوجها قبل أن يدخل بها، فعفا أخوها عن المهر، فأجازه شريح، ثم قال: أنا أعفو عن نسأ بني مرة. فقال عامر: لا والله ما قضى قضأ قط أحق منه أن يجيز عفو الاخ في قوله: (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح). فقال فيها شريح بعد: هو الزوج إن عفا عن الصداق كله فسلمه إليها كله، أو عفت هي عن النصف الذي سمى لها، وإن تشاحا كلاهما أخذت نصف صداقها، قال: (وأن تعفوا أقرب للتقوى). 4155 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا جرير بن حازم، عن
[ 737 ]
عيسى بن عاصم الاسدي: أن عليا سأل شريحا عن الذي بيده عقدة النكاح ؟ فقال: هو الولي. 4156 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، قال مغيرة: أخبرنا عن الشعبي، عن شريح أنه كان يقول: الذي بيده عقدة النكاح: هو الولي. ثم ترك ذلك، فقال: هو الزوج. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا سيار، عن الشعبي: أن رجلا تزوج امرأة، فوجدها دميمة، فطلقها قبل أن يدخل بها، فعفا وليها عن نصف الصداق. قال: فخاصمته إلى شريح، فقال لها شريح: قد عفا وليك. قال: ثم إنه رجع بعد ذلك، فجعل الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. 4157 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في الذي بيده عقدة النكاح، قال: الولي. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، عن منصور أو غيره، عن الحسن، قال: هو الولي. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن، قال: هو الولي. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجأ، قال: سئل الحسن، عن الذي بيده عقدة النكاح ؟ قال: هو الولي. 4158 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: هو الذي أنكحها. 4159 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الذي بيده عقدة النكاح، هو الولي. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع وابن مهدي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: هو الولي. 4160 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن مهدي، عن أبي عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي، قالا: هو الولي. 4161 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطأ، قال: هو الولي.
[ 738 ]
4162 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) قال: ولي العذرأ. 4163 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: قال لي الزهري: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) ولي البكر. 4164 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) هو الولي. 4165 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرنا ابن طاوس، عن أبيه، وعن رجل، عن عكرمة، قال معمر وقاله الحسن أيضا، قالوا: الذي بيده عقدة النكاح: الولي. 4166 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: الذي بيده عقدة النكاح: الاب. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم عن علقمة، قال: هو الولي. 4167 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن مجاهد، قال: هو الولي. 4168 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (الذي بيده عقدة النكاح) هو ولي البكر. 4169 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في الذي بيده عقدة النكاح: الوالد. ذكره ابن زيد، عن أبيه. 4170 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن مالك، عن زيد وربيعة: (الذي بيده عقدة النكاح) الاب في ابنته البكر، والسيد في أمته (1). 4171 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: وذلك إذا طلقت قبل الدخول بها، فله أن يعفو عن نصف الصداق الذي وجب لها عليه ما لم يقع طلاق (2).
[ 739 ]
4172 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: (الذي بيده عقدة النكاح) هي البكر التي يعفو وليها، فيجوز ذلك، ولا يجوز عفوها هي. 4173 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول: (إلا أن يعفون) أن تعفو المرأة عن نصف الفريضة لها عليه فتتركه، فإن شحت إلا أن تأخذه فلها ولوليها الذي أنكحها الرجل، عم أو أخ أو أب، أن يعفو عن النصف، فإنه إن شأ فعل وإن كرهت المرأة. * - حدثنا سعيد بن الربيع المرادي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: أذن الله في العفو وأمر به، فإن امرأة عفت جاز عفوها، وإن شحت وضنت عفا وليها، وجاز عفوه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: الذي بيده عقدة النكاح: الولي. وقال آخرون: بل الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. قالوا: ومعنى ذلك: أو يعفو الذي بيده نكاح المرأة فيعطيها الصداق كاملا. ذكر من قال ذلك: 4174 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو شحمة، قال: ثنا حبيب، عن الليث، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي، قال: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. 4175 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم الاسدي، أن عليا سأل شريحا عن الذي بيده عقدة النكاح، فقال: هو الولي. فقال علي: لا، ولكنه الزوج. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا إبراهيم، قال: ثنا جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم، قال: سمعت شريحا قال: قال لي علي: من الذي بيده عقدة النكاح ؟ قلت: ولي المرأة. قال: لا، بل هو الزوج.
[ 740 ]
4176 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: هو الزوج. * - حدثني أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: قلت لحماد بن سلمة، من الذي بيده عقدة النكاح ؟ فذكر عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: الزوج. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: هو الزوج. 4177 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن فضيل، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن ابن عباس وشريح، قالا: هو الزوج. 4178 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن مهدي، عن عبد الله بن جعفر، عن واصل بن أبي سعيد، عن محمد بن جبير بن مطعم: أن أباه تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل بالصداق وقال: أنا أحق بالعفو. 4179 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن صالح بن كيسان أن جبير بن مطعم تزوج امرأة، فطلقها قبل أن يبني بها وأكمل لها الصداق، وتأول: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح). 4180 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن إدريس، عن محمد بن عمرو، عن نافع، عن جبير: أنه طلق امرأته قبل أن يدخل بها، فأتم لها الصداق وقال: أنا أحق بالعفو. 4181 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: حدثني عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن شريح: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) قال: إن شأ الزوج أعطاها الصداق كاملا. * - حدثنا حميد، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، بنحوه. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن شريح، قال: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر، أن شريحا قال: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. فرد ذلك عليه.
[ 741 ]
* - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن شريح، قال: الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج. قال: وقال إبراهيم: وما يدري شريحا ! * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معمر، قال: ثنا حجاج، عن شريح، قال: هو الزوج. * - حدثنا أبو كريب، قال: أخبرنا الاعمش، عن إبراهيم، عن شريح، قال: هو الزوج. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو أسامة حماد بن زيد بن أسامة، قال: ثنا إسماعيل، عن الشعبي، عن شريح: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهو الزوج. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن شريح، قال: (الذي بيده عقدة النكاح) قال: الزوج يتم لها الصداق. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن الشعبي، وعن الحجاج، عن الحكم، عن شريح، وعن الاعمش، عن إبراهيم، عن شريح، قال: هو الزوج. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا إسماعيل، عن الشعبي، عن شريح، قال: هو الزوج إن شأ أتم لها الصداق، وإن شأت عفت عن الذي لها. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: قال شريح: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علة، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن شريح: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) قال: إن شأ الزوج عفا فكمل الصداق. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن شريح، قال: هو الزوج. 4182 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا ابن أبي عدي، عن عبد الاعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: الذي بيده عقدة النكاح: قال: هو الزوج. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) قال: هو الزوج.
[ 742 ]
4183 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قال: هو الزوج. * - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: الزوج. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) زوجها أن يتم لها الصداق كاملا. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وعن أيوب، وعن ابن سيرين، عن شريح، قالوا: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج، (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) إتمام الزوج الصداق كله. 4184 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: قال سعيد بن جبير: (الذي بيده عقدة النكاح) الزوج. 4185 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، قال: الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج. قال: وقال مجاهد وطاوس: هو الولي. قال: قلت لسعيد: فإن مجاهدا وطاوسا يقولان: هو الولي ؟ قال سعيد: فما تأمرني إذا ؟ قال: أرأيت لو أن الولي عفا وأبت المرأة أكان يجوز ذلك ؟ فرجعت إليهما فحدثتهما، فرجعا عن قولهما وتابعا سعيدا. حدثنا أبو هشام، قال: ثنا حميد، عن الحسن بن صالح، عن سالم الافطس، عن سعيد، قال: هو الزوج. حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد، قال: هو الزوج، وقال طاوس ومجاهد: هو الولي، فكلمتهما في ذلك حتى تابعا سعيدا. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد، بنحوه.
[ 743 ]
4186 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو الحسين (1)، يعني زيد بن الحباب، عن أفلح بن سعيد، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال: هو الزوج أعطى ما عنده عفوا. 4187 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، قال: هو الزوج. 4188 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبد الله، عن نافع، قال: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح). قال: أما قوله: (إلا أن يعفون) فهي المرأة التي يطلقها زوجها قبل أن يدخل بها، فإما أن تعفو عن النصف لزوجها، وأما أن يعفو الزوج فيكمل لها صداقها. 4189 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (الذي بيده عقدة النكاح) الزوج. 4190 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن المسعودي، عن القاسم، قال: كان شريح يجاثيهم على الركب (2) ويقول: هو الزوج. 4191 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا محمد بن حرب، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذي بيده عقدة النكاح الزوج، يعفو، أو تعفو) (3). 4192 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) قال: الزوج. وهذا في المرأة يطلقها زوجها ولم يدخل بها، وقد فرض لها، فلها نصف المهر، فإن شأت تركت الذي لها وهو النصف، وإن شأت قبضته.
[ 744 ]
4193 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) الزوج. 4194 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. 4195 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: سمعت تفسير هذه الاية: (إلا أن يعفون) النسأ، فلا يأخذن شيئا، (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) الزوج، فيترك ذلك فلا يطلب شيئا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: قال شريح في قوله: (إلا أن يعفون) قال: يعفو النسأ، (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) الزوج. وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: المعني بقوله: (الذي بيده عقدة النكاح): الزوج، وذلك لاجماع الجميع على أن ولي جارية بكر أو ثيب، صبية صغيرة كانت أو مدركة كبيرة، لو أبرأ زوجها من مهرها قبل طلاقه إياها، أو وهبه له، أو عفا له عنه، أو إبرأه ذلك، وعفوه له عنه باطل، وأن صداقها عليه ثابت ثبوته قبل إبرائه إياه منه، فكان سبيل ما أبرأه من ذلك بعد طلاقه إياها سبيل ما أبرأه منه قبل طلاقه إياها. وأخرى أن الجميع مجمعون على أن ولي امرأة محجور عليها أو غير محجور عليها، لو وهب لزوجها المطلقها بعد بينونتها منه درهما من مالها على غير وجه العفو منه عما وجب لها من صداقها قبله أن هبته ما وهب من ذلك مردودة باطلة، وهم مع ذلك مجمعون على أن صداقها مال من مالها، فحكمه حكم سائر أموالها. وأخرى أن الجميع مجمعون على أن بني أعمام المرأة البكر وبني إخوتها من أبيها وأمها من أوليائها، وأن بعضه لو عفا عن مالها، أو بعد دخوله بها، أن عفوه ذلك عما عفا له عنه منه باطل، وأن حق المرأة ثابت عليه بحاله، فكذلك سبيل عفو كل ولي لها كائنا من كان من الاوليأ، والدا كان أو جدا أو أخا، لان الله تعالى ذكره لم يخصص بعض الذين بأيديهم عقد النكاح دون بعض في جواز عفوه، إذا كانوا ممن يجوز حكمه في نفسه وماله. ويقال لمن أبى ما قلنا ممن زعم أن الذي بيده عقدة النكاح ولي المرأة، هل يخلو القول في ذلك من أحد أمرين، إذ كان الذي بيده عقدة النكاح هو الولي عندك إما أن يكون
[ 745 ]
ذلك كل ولي جاز له تزويج وليته، أو يكون ذلك بعضهم دون بعض ؟ فلن يجد إلى الخروج من أحد هذين القسمين سبيلا. فإن قال: إن ذلك كذلك، قيل له: فأي ذلك عني به ؟ فإن قال: لكل ولي جاز له تزويج وليته. قيل له: أفجائز للمعتق أمة تزويج مولاته بإذنها بعد عتقه إياها ؟ فإن قال نعم، قيل له: أفجائز عفوه إن عفا عن صداقها لزوجها بعد طلاقه إياها قبل المسيس، فإن قال نعم خرج من قول الجميع. وإن قال لا قيل له: ولم وما الذي حظر ذلك عليه، وهو وليها الذي بيده عقدة نكاحها، ثم يعكس القول عليه في ذلك، ويسأل الفرق بينه، وبين عفو سائر الاوليأ غيره. وإن قال لبعض دون بعض، سئل البرهان على خصوص ذلك، وقد عمه الله تعالى ذكره فلم يخصص بعضا دون بعض، ويقال له: من المعني به إن كان المراد بذلك بعض الاوليأ دون بعض ؟ فإن أومأ في ذلك إلى بعض منهم، سئل البرهان عليه، وعكس الوقل فيه وعورض في قوله ذلك، بخلاف دعواه، ثم لن يقول في ذلك قولا إلا ألزم في الاخر مثله. فإن ظن ظان أن المرأة إذا فارقها زوجها، فقد بطل أن يكون بيده عقدة نكاحها، والله تعالى ذكره إنما أجاز عفو الذي بيده نكاح المطلقة فكان معلوما بذلك أن الزوج غير معني به وأن المعني به هو الذي بيده عقدة نكاح المطلقة بعد بينونتها من زوجها. وفي بطول ذلك أن يكون حينئذ بيد الزوج، صحة القول أنه بيد الولي الذي إليه عقد النكاح إليها. وإذا كان ذلك كذلك صح القول بأن الذي بيده عقدة النكاح، هو الولي، فقد غفل (1) وظن خطأ. وذلك أن معنى ذلك: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحه، وإنما أدخلت الالف واللام في النكاح بدلا من الاضافة إلى الهأ التي كان (النكاح) لو لم يكونا فيه مضافا إليها، كما قال الله تعالى ذكره: (فإن الجنة هي المأوى) (2) بمعنى: فإن الجنة مأواه، وكما قال نابغة بني ذبيان: لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم * * من الناس فالاحلام غير عوازب (3)
[ 746 ]
بمعنى: فأحلامهم غير عوازب. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى. فتأويل الكلام: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، وهو الزوج الذي بيده عقدة نكاح نفسه في كل حال، قبل الطلاق وبعده، لان معناه: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن. فيكون تأويل الكلام ما ظنه القائلون أنه الولي: ولي المرأة، لا أن ولي المرأة لا يملك عقدة نكاح المرأة بغير إذنها إلا في حال طفولتها، وتلك حال لا يملك العقد عليها إلا بعض أوليائها في قول أكثر من رأى أن الذي بيده عقدة النكاح الولي، ولم يخصص الله تعالى ذكره بقوله: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) بعضا منهم، فيجوز توجيه التأويل إلى ما تأولوه، لو كان لما قالوا في ذلك وجه. وبعد، فإن الله تعالى ذكره إنما كنى بقوله: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أو يعفون) عن ذكر النسأ اللاتي قد جرى ذكرهن في الاية قبلها، وذلك قوله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) والصبايا لا يسمين نسأ. وانما يسمين صبايا أو جواري، وإنما النسأ في كلام العرب: جمع اسم المرأة، ولا تقول العرب للطفلة والصبية والصغيرة امرأة، كما لا تقول للصبي الصغير رجل. وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) عند الزاعمين أنه الولي، إنما هو: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) عما وجب لوليته التي تستحق أن يولي عليها مالها، إما لصغر، وإما لسفه، والله تعالى ذكره إنما اختص في الايتين قصص النسأ المطلقات، لعموم الذكر دون خصوصه، وجعل لهن العفو بقوله: (إلا أن يعفون) كان معلوما (1) بقوله: (إلا أن يعفون) أن المعنيات منهن بالايتين اللتين ذكرهن فيهما جميعهن دون بعض، إذ كان معلوما أن عفو من تولى عليه ماله منهن باطل. وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن التأويل في قوله: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن، يوجب أن يكون لاوليأ الثيبات الرشد البوالغ من العفو عما وهب لهن من الصداق بالطلاق قبل المسيس، مثل الذي لاوليأ الاطفال الصغار المولى عليهن أموالهن السفه. وفي إنكار القائلين إن الذي بيده عقدة النكاح الولي، عفو أولياء الثيبات الرشد البوالغ على ما وصفنا، وتفريقهم بين أحكامهن وأحكام أولياء الاخر، ما أبان عن فساد تأويلهم الذي تأولوه في ذلك. ويسأل القائلون بقولهم في ذلك الفرق بين ذلك من أصل أو نظير، فلن يقولوا في شئ من ذلك قولا إلا ألزموا في خلافه مثله.
[ 747 ]
القول في تأويل قوله تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى). اختلف أهل التأويل فيمن خوطب بقوله: (وأن تعفوا أقرب للتقوى)، فقال بعضهم: خوطب بذلك الرجال والنسأ. ذكر من قال ذلك: 4196 - حدثني ثونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عطأ بن أبي رباح، عن ابن عباس: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو. 4197 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: سمعت تفسير هذه الاية: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) قال: يعفون جميعا. فتأويل الاية على هذا القول: وأن تعفوا أيها الناس بعضكم عما وجب له قبل صاحبه من الصداق قبل الافتراق عند الطلاق، أقرب له إلى تقوى الله. وقال آخرون: بل الذي خوطبوا بذلك أزواج المطلقات. ذكر من قال ذلك: 4198 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي: (وأن تعفوا أقرب للتقوى): وأن يعفو هو أقرب للتقوى. فتأويل ذلك على هذا القول: وأن تعفوا أيها الفارقون أزواجهم، فتتركوا لهن ما وجب لحم الرجوع به عليهن من الصداق الذي سقتموه إليهن، أو... (1) لهن، بإعطائكم إياهن الصداق الذي كنتم سميتم لهن في عقدة النكاح، إن لم تكونوا سقتموه إليهن، أقرب لكم إلى تقوى الله. والذي هو أولى القولين بتأويل الاية عندي في ذلك: ما قاله ابن عباس، وهو أن معنى ذلك: وأن يعفو بعضكم لبعض أيها الازواج والزوجات بعد فراق بعضكم بعضا عما وجب لبعضكم قبل بعض، فيتركه له إن كان قد بقي له قبله، وإن لم يكن بقي له، فبأن يوفيه بتمامه أقرب لكم إلى تقوى الله. فإن قال قائل: وما في الصفح عن ذلك من القرب من تقوى الله، فيقال للصافح العافي عما وجب له قبل صاحبه: فعلك ما فعلت أقرب لك إلى تقوى الله ؟ قيل له: الذي في ذلك من قربه من تقوى الله مسارعته في عفوه ذلك إلى ما ندبه الله إليه، ودعاه وحضه عليه،
[ 748 ]
فكان فعله ذلك إذا فعله ابتغأ مرضاة الله، وإيثار ما ندبه إليه على هوى نفسه، معلوما به، إذ كان مؤثرا فعل ما ندبه إليه مما لم يفرضه عليه على هوى نفسه، أنه لما فرضه عليه وأوجبه أشد إيثارا، ولما نهاه أشد تجنبا، وذلك هو قربه من التقوى. القول في تأويل قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم). يقول تعالى ذكره: ولا تغفلوا أيها الناس الاخذ بالفضل بعضكم على بعض فتتركوه، ولكن ليتفضل الرجل المطلق زوجته قبل مسيسها، فيكمل لها تمام صداقها إن كان لم يعطها جميعه وإن كان قد ساق إليها جميع ما كان فرض لها، فليتفضل عليها بالعفو عما يجب له، ويجوز له الرجوع به عليها، وذلك نصفه. فإن شح الرجل بذلك، وأبى إلا الرجوع بنصفه عليها، فلتتفضل المرأة المطلقة عليه برد جميعه عليه إن كانت قد قبضته منه، وإن لم تكن قبضته فتعفو عن جميعه، فإن هما لم يفعلا ذلك وشحا وتركا ما ندبهما الله إليه من أخذ أحدهما على صاحبه بالفضل، فلها نصف ما كان فرض لها في عقد النكاح، وله نصفه. وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 4199 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن جبير بن مطعم، عن أبيه جبير: أنه دخل على سعد بن أبي وقاص، فعرض عليه ابنة له فتزوجها، فلما خرج طلقها، وبعث إليها بالصداق. قال: قيل له: فلم تزوجتها ؟ قال: عرضها علي، فكرهت ردها. قيل: فلم تبعث بالصداق ؟ قال: فأين الفضل ؟ 4200 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ورقأ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: إتمام الزوج الصداق، أو ترك المرأة الشطر. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: إتما الصداق، أو ترك المرأة شطره. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 4201 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (ولا تنسوا الفضل بينكم) في هذا وفي غيره. 4202 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: يقول ليتعاطفا.
[ 749 ]
4203 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) يرغبكم الله في المعروف، ويحثكم على الفضل. 4204 - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: المرأة يطلقها زوجها وقد فرض لها ولم يدخل بها، فلها نصف الصداق، فأمر الله أن يترك لها نصيبها، وإن شأ أن يتم المهر كاملا، وهو الذي ذكر الله: (ولا تنسوا الفضل بينكم). 4205 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (ولا تنسوا الفضل بينكم) حض كل واحد على الصلة، يعني الزوج والمرأة على الصلة. 4206 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول في قول الله: (ولا تنسوا الفضل بينكم) وذلك الفضل هو النصف من الصداق، وأن تعفو عنه المرأة للزوج، أو يعفو عنه وليها. 4207 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: يعفى عن نصف الصداق أو بعضه. 4208 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: حث بعضهم (1) على بعض في هذا وفي غيره، حتى في عفو المرأة عن الصداق والزوج بالاتمام. 4209 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: المعروف. حدثنا ابن البرقى، قال: ثنا عمرو، عن سعيد، قال: سمعت تفسير هذه الاية (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: لا تنسوا الاحسان. القول في تأويل قوله تعالى: (إن الله بما تعملون بصير). يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله بما تعملون أيها الناس مما ندبكم إليه، وحضكم عليه من عفو بعضكم عما وجب له قبله من حق، بسبب النكاح الذي كان بينكم وبين
[ 750 ]
أزواجكم، وتفضل بعضكم على بعض في ذلك وبغيره مما تأتون وتذرون من أموركم في أنفسكم وغيركم، مما حثكم الله عليه، وأمركم به، أو نهاكم عنه، (بصير) يعني بذلك: ذو بصر لا يخفى عليه منه شئ من ذلك، بل هو يحصيه عليكم، ويحفظه، حتى يجازي ذا الاحسان منكم على إحسانه، وذا الاسأة على إسأته. القول في تأويل قوله تعالى: (حفظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (238)) يعني تعالى ذكره بذلك: واظبوا على الصلوات المكتوبات في أوقاتهن، وتعاهدوهن والزموهن وعلى الصلاة الوسطى منهن. وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 4210 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق بن الحجاج، قال: ثنا أبو زهير، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق في قوله: (حافظوا على الصلوات) قال: المحافظة عليها: المحافظة على وقتها، وعدم السهو عنها. * - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق في هذه الاية: (حافظوا على الصلوات) فالحفاظ عليها: الصلاة لوقتها، والسهو عنها: ترك وقتها. ثم اختلفوا في الصلاة الوسطى، فقال بعضهم: هي صلاة العصر. ذكر من قال ذلك: 4211 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد جميعا، قالا: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: (الصلاة الوسطى) صلاة العصر. 4212 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو الاحوص، عن أبي إسحاق، قال: ثني من سمع ابن عباس وهو يقول: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) قال: العصر. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مصعب بن سلام، عن أبي حيان، عن أبيه، عن علي قال: (الصلاة الوسطى) صلاة العصر. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو حيان، عن أبيه، عن علي، مثله.
[ 751 ]
* - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مصعب عن الاجلح، عن أبي إسحاق، عن الحارث، قال: سمعت عليا يقول: (الصلاة الوسطى): صلاة العصر. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، قال: سألت عليا عن الصلاة الوسطى، فقال: صلاة العصر. 4213 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا أبو زرعة وهب بن راشد، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا أبو صخر أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصهبأ البكري يقول: سألت علي بن أبي طالب عن الصلاة والوسطى ؟ فقال: هي صلاة العصر، وهي التي فتن بها سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم. 4214 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا سليمان التيمي، وحدثني حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا التيمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أنه قال: (الصلاة الوسطى) صلاة العصر. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن غنم، عن ابن لبيبة، عن أبي هريرة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) ألا وهي العصر، ألا وهي العصر. 4215 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن يزيد بن الهاد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر (1) أهله وماله) (2) فكان ابن عمر يرى لصلاة العصر فضيلة للذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أنها الصلاة الوسطى.
[ 752 ]
* - حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا معتمر، عن أبيه، قال: زعم أبو صالح، عن أبي هريرة أنه قال: هي صلاة العصر. * - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثني عمي عبد الله بن وهب،، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه،، رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه. قال ابن شهاب: وكان ابن عمر يرى أنها الصلاة الوسطى (1). 4216 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري قال: الصلاة الوسطى: صلاة العصر. 4217 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا ابن عامر، قال: ثنا محمد بن أبي حميد، عن حميدة ابنة أبي يونس مولاة عائشة، قالت: أوصت عائشة لنا بمتاعها، فوجدت في مصحف عائشة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) وهي العصر (وقوموا لله قانتين). 4218 - حدثني سعيد بن يحيى الاموي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرنا عبد الملك بن عبد الرحمن أن أمه أم حميد بنت عبد الرحمن سألت عائشة عن الصلاة الوسطى، قالت: كنا نقرؤها في الحرف الاول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين). * - حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه أم حميد ابنة عبد الرحمن أنها سألت عائشة فذكر نحوه، إلا أنه قال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر). 4219 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن محمد بن عمرو أبي سهل الانصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة في قوله: (الصلاة الوسطى) قالت: صلاة العصر. 4220 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان في مصحف عائشة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر).
[ 753 ]
4221 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن داود بن قيس، قال: ثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفا وقالت: إذا انتهيت إلى آية الصلاة فأعلمني ! فأعلمتها، فأملت علي: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر). 4222 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: كان الحسن يقول: الصلاة الوسطى صلاة العصر. * - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا قتادة، عن أبي أيوب، عن عائشة أنها قالت: الصلاة الوسطى: صلاة العصر. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عائشة، مثله. 4223 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: كان يقال: الصلاة الوسطى: صلاة العصر. * - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ذكر لنا عن علي بن أبي طالب أنه قال: صلاة الوسطى: صلاة العصر. 4224 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: قال: صلاة الوسطى: صلاة العصر. 4225 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سالم، عن حفصة، أنها أمرت رجلا يكتب لها مصحفا، فقالت: إذا بلغت هذا المكان فأعلمني ! فلما بلغ (حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى) قال: اكتب صلاة العصر. 4226 - حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة،، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فلما أخبرها قالت: اكتب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر). 4227 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: صلاة الوسطى: هي العصر.
[ 754 ]
4228 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) كنا نحدث أنها صلاة العصر، قبلها صلاتان من النهار وبعدها صلاتان من الليل. 4229 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) قال: أمروا بالمحافظة على الصلوات، قال: وخص العصر والصلاة والوسطى، يعني العصر. 4230 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد الله بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (والصلاة الوسطى) هي العصر. * - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ذكر لنا عن علي بن أبي طالب أنه قال: (الصلاة الوسطى): صلاة العصر. 4231 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (حافظوا على الصلوات) يعني المكتوبات، (والصلاة الوسطى) يعني صلاة العصر. * - حدثني أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا قيس، عن أبي إسحاق، عن رزين بن عبيد، عن ابن عباس، قال: سمعته يقوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) قال: صلاة العصر. 4232 - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن ثور، عن مجاهد، قال: الصلاة الوسطى: صلاة العصر. * - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قال: الصلاة الوسطى: صلاة العصر. * - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رزين بن عبيد، قال: سمعت ابن عباس يقول: هي صلاة العصر. 4233 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، قال: أنبأنا إسماعيل بن مسلم،
[ 755 ]
عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة الوسطى صلاة العصر) (1). 4234 - حدثنا ابن بشر، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب، يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرة بن مخمر، عن سعيد بن الحكم، قال: سمعت أبا أيوب يقول: صلاة الوسطى: صلاة العصر. 4235 - حدثنا ابن سفيان، قال: ثنا أبو عاصم، عن مبارك، عن الحسن، قال: صلاة الوسطى: صلاة العصر. وعلة من قال هذا القول ما: 4236 - حدثني به محمد بن معمر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا محمد، يعني ابن طلحة، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى اصفرت أو احمرت، فقال: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، ملا الله أجوافهم وقبورهم نارا) (2). * - حدثني أحمد بن سنان الواسطي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن طلحة، عن زبيد عن مرة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، إلا أنه قال: (ملا الله بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى) (3). 4237 - حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال : ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث، عن أبي حسان، عن عبيدة السلماني، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس، ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا) - أو (بطونهم نارا) (4) شك شعبة في البطون والبيوت.
[ 756 ]
* - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، قال: قلت لعبيدة السلماني: سل علي بن أبي طالب عن الصلاة الوسطى ؟ فسأله فقال: كنا نراها الصبح أو الفجر، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الاحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملا الله قبورهم وأجوافهم نارا) (1). * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل، عن علي، قال: شغلونا يوم الاحزاب عن صلاة العصر، حتى سمعت: يقول (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا)، أو (أجوافهم نارا). * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الاحزاب على فرضة من فرض (2) الخندق فقال: (شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس، ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا) أو (بطونهم وبيوتهم نارا). * - حدثني أبو السائب وسعيد بن نمير، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن شتير بن شكل، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا) ثم صلاها بين العشأين، بين المغرب والعشأ. * - حدثنا الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا علي بن عاصم، عن خالد، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي، قال: لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر يوم الخندق إلا بعد ما غربت الشمس، فقال: (ما لهم ملا الله قلوبهم وبيوتهم نارا شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس). * - حدثنا زكريا بن يحيى الضرير، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن عاصم، عن زر، قال: انطلقت أنا وعبيدة السلماني إلى علي، فأمرت عبيدة أن يسأله عن الصلاة الوسطى، فقال: يا أمير المؤمنين ما الصلاة الوسطى ؟ فقال: كنا نراها صلاة الصبح، فبينا نحن نقاتل أهل خيبر، فقالوا، حتى أرهقونا عن الصلاة، وكان قبيل غروب الشمس، فقال
[ 757 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم املاقلوب هؤلا القوم الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى وأجوافهم نارا) أو (املا قلوبهم نارا) قال: فعرفنا يومئذ أنها الصلاة الوسطى. * - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي حسان الاعرج، عن عبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الاحزاب: (اللهم املا قلوبهم وبيوتهم نارا، كما شغلونا) - (أو كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس) (1). * - حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا ثابت بن محمد، قال: ثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود، قال: حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر، حتى اصفرت الشمس أو احمرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى ملا الله بيوتهم وقلوبهم نارا) - أو (حشا الله قلوبهم وبيوتهم نارا) (2). 4238 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك بن مغول، قال: سمعت طلحة، قال: صليت مع مرة في بيته، فسها - أو قال: نسي - فقام قائما يحدثنا، وقد كان يعجبني أن أسمعه من ثقة قال: لما كان يوم الخندق - يعني يوم الاحزاب - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لهم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملا الله أجوافهم وقبورهم نارا) (3). 4239 - حدثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا عبد الوهاب، عن ابن عطأ، عن التيمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الوسطى صلاة العصر) (4). 4240 - حدثني علي بن مسلم الطوسي، قال: ثنا عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له، فحبسه المشركون عن صلاة العصر حتى أمسى بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم املا بيوتهم وأجوافهم نارا، كما حبسونا عن الصلاة الوسطى) (5).
[ 758 ]
* - حدثنا موسى بن سهل الرملي، قال: ثنا إسحاق، عن عبد الواحد الموصلي، قال: ثنا خالد بن عبد الله عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا) (1). * - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا خالد، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: شغل الاحزاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا) أو (أجوافهم نارا) (1). 4241 - حدثني المثنى، قال: ثنا سليمان بن أحمد الحرشي الواسطي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال أخبرني صدقة بن خالد، قال: حدثني خالد بن دهقان، عن جابر بن سيلان، عن كهيل بن حرملة، قال: سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى، فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ونحن بفنأ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا الرجل الصالح أبو هشام بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك. فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر (2). 4242 - حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا أبي، وحدثنا ابن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد، قالا جميعا: ثنا فضيل بن مسروق، عن شقيق بن عقبة العبدي، عن البرأ بن عازب، قال: نزلت هذه الاية: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) قال: فقرأتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأ الله أن تقرأها، ثم إن الله نسخها، فأنزل: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين). قال: فقال رجل كان مع شقيق: فهي صلاة العصر ! قال: قد حدثتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم (3). * - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر ومحمد بن عبد الله الانصاري، قالا جميعا: ثنا سعيد بن أبي عروبة، وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبدة بن سليمان ومحمد بن بشر وعبد الله بن إسماعيل، عن سعيد،
[ 759 ]
عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الصلاة الوسطى صلاة العصر) (1). * - حدثني عصام بن رواد بن الجراح، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن عن سمرة، قال: أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الصلاة الوسطى هي العصر (1). 4243 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل، عن أم حبيبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس) (2) قال أبو موسى: هكذا قال ابن أبي عدي. 4244 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي العصر) (3) 4245 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد السلام، عن سالم مولى أبي نصير، قال: ثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي، قال: كنت جالسا عند عبد العزيز بن مروان، فقال: يا فلان اذهب إلى فلان فقل له: أي شئ سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى ؟ فقال رجل جالس: أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله عن الصلاة الوسطى، فأخذ إصبعي الصغيرة فقال: (هذه الفجر)، وقبض التي تليها ثم قال: (هذه الظهر)، ثم قبض الابهام فقال: (هذه المغرب)، ثم قبض التي تليها ثم قال: (هذه العشأ)، ثم قال: (أي أصابعك بقيت ؟) فقلت: الوسطى، فقال: (أي صلاة بقيت ؟) قلت: العصر، قال: (هي العصر) (4). 4246 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ذكر لنا أن المشركين شغلوهم يوم الاحزاب عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شغلوها عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس، ملا الله بيوتهم وقبورهم نارا) (5).
[ 760 ]
* - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو، عن أبي سلمة، قال: ثنا صدقة، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي حسان، عن عبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الاحزاب: (اللهم املا بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس) (1). 4247 - حدثني محمد بن عوف الطائي، قال: ثني محمد بن إسماعيل بن عياش، قال: ثنا أبي، قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الاشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة الوسطى صلاة العصر) (2). وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى صلاة الظهر. ذكر من قال ذلك: 4248 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت، قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. * - حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن زيد، يعني ابن ثابت، مثله. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن زيد بن ثابت، قال: الصلاة الوسطى الظهر. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سليمان بن داود، قال: ثنا شعبة، وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن شعبة، قال: أخبرني عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطاب، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، يحدث عن أبيه، عن زيد بن ثابت، قال: الصلاة الوسطى هي الظهر. 4249 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن عمر بن سليمان هكذا قال أبو زائدة، عن عبد الرحمن بن أبان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت في حديثه رفعه: (الصلاة الوسطى صلاة الظهر) (3). 4250 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عبد الله بن يزيد، قال: ثنا حيوة بن شريح وابن
[ 761 ]
لهيعة، قالا: ثنا أبو عقيل زهرة بن معبد، أن سعيد بن المسيب حدثه أنه كان قاعدا هو وعروة بن الزبير وإبراهيم بن طلحة، فقال سعيد بن المسيب: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: (الصلاة الوسطى هي الظهر)، فمر علينا عبد الله بن عمر، فقال عروة: أرسلوا إلى ابن عمر فاسألوه ! فأرسلوا إليه غلاما فسأله، ثم جأنا الرسول فقال يقول: هي صلاة الظهر. فشككنا في قول الغلام، فقمنا جميعا، فذهبنا إلى ابن عمر، فسألناه، فقال: هي صلاة الظهر. * - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام بن حوشب، قال: ثني رجل من الانصار، عن زيد بن ثابت أنه كان يقول: هي الظهر. * - حدثني أحمد بن إسحاق، ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، وحدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان بن عمرو، عن زيد بن ثابت، قال: الصلاة الوسطى: صلاة الظهر. * - حدثنا المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع، عن زيد بن ثابت أنه قال: الصلاة الوسطى: هي صلاة الظهر. 4251 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان، قال: ثني عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن الصلاة الوسطى، قال: هي التي على أثر الضحى. 4252 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا نافع بن يزيد، قال: ثني الوليد بن أبي الوليد أن سلمة بن أبي مريم حدثه أن نفرا من قريش أرسلوا إلى عبد الله بن عمر يسألونه عن الصلاة الوسطى، فقال له: هي التي على أثر صلاة الضحى. فقالوا له: ارجع واسأله، فما زادنا إلا عيا بها (1) ! فمر بهم عبد الرحمن بن أفلح مولى عبد الله بن عمر، فأرسلوا إليه أيضا، فقال: هي التي توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة. * - حدثني ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع، قال: ثني زهرة بن معبد، قال: ثني سعيد بن المسيب: أنه كان قاعدا هو وعروة وإبراهيم بن طلحة، فقال له سعيد: سمعت أبا سعيد يقول: إن صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى. فمر علينا ابن عمر فقال عروة: أرسلوا إليه فاسألوه ! فسأله الغلام فقال: هي الظهر، فشككنا في قول الغلام، فقمنا إليه جميعا، فسألناه، فقال: هي الظهر.
[ 762 ]
4253 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا أبو عامر، عن عبد الرحمن بن قيس، عن ابن أبي رافع، عن أبيه - وكان مولى لحفصة - قال: استكتبتني حفصة مصحفا وقالت لي: إذا أتيت على هذه الاية فأعلمني حتى أمليها عليك كما أقرأنيها ! فلما أتيت على هذه الاية: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) أتيتها، فقالت: اكتب: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر. فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت، فقلت: يا أبا المنذر إن حفصة قالت كذا وكذا. قال: هو كما قالت، أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في غنمنا ونواضحنا ؟ وعلة من قال ذلك ما: 4254 - حدثنا به محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمرو بن أبي حكيم، قال: سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها، قال: فنزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) وقال: (إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين) (1). 4255 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان قال: إن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت، فأرسلوا إليه رجلين يسألانه عن الصلاة الوسطى، فقال زيد: هي الظهر. فقام رجلان منهم فأتيا أسامة بن زيد فسألاه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي الظهر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير (3)، فلا يكون ورأه إلا الصف والصفان، الناس يكونون في قائلتهم (2) وفي تجارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة بيوتهم) (4) قال: فنزلت هذه الاية: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى). وكان آخرون يقرأون ذلك: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر).
[ 763 ]
ذكر من كان يقول ذلك كذلك. 4256 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن يزيد الازدي، عن سالم بن عبد الله، أن حفصة أمرت إنسانا فكتب مصحفا، فقالت: إذا بلغت هذه الاية: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فآذني ! فلما بلغ آذنها، فقالت: اكتب: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر). 4257 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فقالت: إذا بلغت هذه الاية: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها. فلما بلغها أمرته فكتبها: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)، قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه (الواو). 4258 - حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى آمرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فلما أخبرها قالت: اكتب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر). 4259 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبدة بن سليمان، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثني أبو سلمة، عن عمرو بن رافع مولى عمر، قال: كان مكتوبا في مصحف حفصة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين). * - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم الصري، قال: ثنا أبي وشعيب، عن الليث، قال: ثنا خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، عن زيد، عن عمرو بن رافع، قال: دعتني حفصة فكتبت لها مصحفا، فقالت: إذا بلغت آية الصلاة فأخبرني ! فلما كتبت: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) قالت: (وصلاة العصر) أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4260 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثني أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، قال: أخبرني خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، عن زيد أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة، مثل ذلك (1)
[ 764 ]
* - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: حدثني خالد، عن سعيد، عن زيد بن أسلم أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة، مثل ذلك (1). 4261 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمير بن مريم، عن ابن عباس: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر). 4262 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطأ قال: كان عبيد بن عمير يقرأ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين). * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا أبو عامر، عن عبد الرحمن بن قيس، عن ابن أبي رافع، عن أبيه - وكان مولى حفصة - قال: استكتبتني حفصة مصحفا وقالت: إذا أتيت على هذه الاية فأعلمني حتى أمليها عليك كما أقرئتها، فلما أتيت على هذه الاية: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) أتيتها، فقالت: اكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت، فقلت: يا أبا المنذر إن حفصة قالت كذا وكذا. قال: هو كما قالت، أو ليس أشغل ما تكون عند صلاة الظهر في نواضحنا وغنمنا (2) ؟ وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى صلاة المغرب. ذكر من قال ذلك: 4263 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد السلام، عن إسحاق بن أبي فروة، عن رجل عن قبيصة بن ذؤيب، قال: الصلاة الوسطى صلاة المغرب، ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها ؟ قال أبو جعفر: ووجه قبيصة بن ذؤيب قوله الوسطى إلى معنى التوسط، الذي يكون صفة للشئ يكون عدلا بين الامرين، كالرجل المعتدل القامة، الذي لا يكون مفرطا طوله ولا قصيرة قامته، ولذلك قال: ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها.
[ 765 ]
وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى التي عناها الله بقوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) هي صلاة الغداة. ذكر من قال ذلك: 4264 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: الصلاة الوسطى صلاة الفجر. 4265 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن أبي رجأ قال: صليت مع ابن عباس الغداة في مسجد البصرة، فقنت بنا قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي قال الله: (وقوموا لله قانتين). * - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عوف، عن أبي رجأ العطاردي، قال: صليت خلف ابن عباس، فذكر نحوه. * - حدثنا عباد بن يعقوب الاسدي، قال: ثنا شريك، عن عوف الاعرابي، عن أبي رجأ العطاردي، قال: صليت خلف ابن عباس الفجر، فقنت فيها ورفع يديه، ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف، عن أبي رجأ، قال: صلى بنا ابن عباس الفجر، فلما فرغ، قال: إن الله قال في كتابه: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فهذه الصلاة الوسطى. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مروان، يعني ابن معاوية، عن عوف، عن أبي رجأ العطاردي، عن ابن عباس نحوه. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عوف، عن أبي المنهال، عن أبي العالية، عن ابن عباس أنه صلى الغداة في مسجد البصرة، فقنت قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي ذكر الله (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين). 4266 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا المهاجر، عن أبي العالية، قال: سألت ابن عباس بالبصرة ههنا، وإن فخذه لعلى فخذي، فقلت: يا أبا فلان أرأيتك صلاة الوسطى التي ذكر الله في القرآن، ألا تحدثني أي صلاة هي ؟ قال: وذلك حين انصرفوا من صلاة الغداة، فقال: أليس قد صليت المغرب والعشأ الاخرة ؟ قل: قلت بلى، قال: ثم صليت هذه ؟ قال: ثم تصلي الاولى والعصر ؟ قال: قلت بلى. قال: فهي هذه.
[ 766 ]
4267 - حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة زمن عمر صلاة الغداة، قال: فقلت لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبي: ما الصلاة الوسطى ؟ قال: هذا الصلاة. 4268 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا عوف، عن خلاس بن عمرو، عن ابن عباس أنه صلى الفجر، فقنت قبل الركوع، ورفع أصبعيه، قال: هذه الصلاة الوسطى. 4269 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، أنه صلى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فلما أن فرغوا قال: قلت لهم: أيتهن الصلاة الوسطى ؟ قالوا: التي صليتها قبل. 4270 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، قتادة، عن جابر بن عبد الله قال: الصلاة الوسطى صلاة الصبح. 4271 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: كان عطأ يرى أن الصلاة الوسطى صلاة الغداة. 4272 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة في قوله: (والصلاة الوسطى) قال: صلاة الغداة. 4273 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) قال: الصبح. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 4274 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: الصلاة الوسطى صلاة الغداة. 4275 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) قال: الصلاة الوسطى صلاة الغداة.
[ 767 ]
وعلة من قال هذه المقالة، أن الله تعالى ذكره قال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) بمعنى: وقوموا لله فيها قانتين. قال: فلا صلاة مكتوبة من الصلوات الخمس فيها قنوت سوى صلاة الصبح، فعلم بذلك أنها هي دون غيرها. وقال آخرون: هي إحدى الصلوات الخمس، ولا نعرفها بعينها. ذكر من قال ذلك: 4276 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني هشام بن سعد، قال: كنا عند نافع ومعنا رجأ بن حيوة، فقال لنا رجأ: سلوا نافعا عن الصلاة الوسطى ! فسألناه، فقال: قد سأل عنها عبد الله بن عمر رجل، فقال: هي فيهن، فحافظوا عليهن كلهن. 4277 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، عن قيس بن الربيع، عن نسير بن دعلوق، عن أبي فطيمة قال: سألت الربيع بن خيثم عن الصلاة الوسطى، قال: أرأيت إن علمتها كنت محافظا عليها ومضيعا سائرهن ؟ قلت: لا. فقال: فإنك إن حافظت عليهن فقد حافظت عليها. 4278 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هكذا، يعني مختلفين في الصلاة الوسطى. وشبك بين أصابعه. والصواب من القول في ذلك ما تظاهرت به الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها قبل في تأويله، وهو أنها العصر. والذي حث الله تعالى ذكره عليه من ذلك، نظير الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث عليه. كما: 4279 - حدثني به أحمد بن محمد بن حبيب الطوسي، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يزيد بن أبي حبيب، عن جبر بن نعيم الحضرمي، عن عبد الله بن هبيرة النسائي، قال: وكان ثقة، عن أبي تميم الجياشي، عن أبي بصرة الغفاري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فلما انصرف، قال: (إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فتوانوا فيها وتركوها، فمن صلاها منكم أضعف أجره ضعفين، ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد). والشاهد النجم (1).
[ 768 ]
4280 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني جبر بن نعيم، عن ابن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، أن أبا بصرة الغفاري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بالمغمس (1)، فقال: (إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فضيعوها وتركوها، فمن حافظ عليها منكم أوتي أجرها مرتين) (2). وقال صلى الله عليه وسلم: (بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإنه من فاتته العصر حبط عمله) (3). 4281 - حدثنا بذلك أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر، عن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم (3). وقال: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) (4). وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يلج النار) (5) فحث صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها حثا لم يحث مثله على غيرها من الصلوات وإن كانت المحافظة على جميعها واجبة، فكان بينا بذلك أن التي حض الله بالحث على المحافظة عليها بعد ما عم الامر بها جميع المكتوبات هي التي اتبعه فيها نبيه صلى الله عليه وسلم، فخصها من الحض عليها بما لم يخصص به غيرها من الصلوات، وحذر أمته من تضييعها ما حل بمن قبلهم من الامم التي وصف أمرها، ووعدهم من الاجر على المحافظة عليها ضعفي ما وعد على غيرها من سائر الصلوات، وأحسب أن ذلك كان كذلك، لان الله تعالى ذكره جعل الليل سكنا والناس من شغلهم بطلب المعاش، والتصرف في أسباب المكاسب هادئون إلا القليل منهم، وللمحافظة على فرائض الله، وإقام الصلوات المكتوبات فازعون، وكذلك ذلك في صلاة الصبح، لان ذلك وقت قليل من يتصرف فيه للمكاسب والمطالب، ولا مؤنة عليهم في المحافظة عليها. وأما صلاة الظهر فإن وقتها
[ 769 ]
وقت قائلة الناس، واستراحتهم من مطالبهم في أوقات شدة الحر، وامتداد ساعات النهار، ووقت توديع (1) النفوس، والتفرغ لراحة الابدان في أوان البرد وأيام الشتأ، وأن المعروف من الاوقات لتصرف الناس في مطالبهم ومكاسبهم والاشتغال بسعيهم لما لابد منه لهم من طلب أقواتهم وقتان من النهار: أحدهما أول النهار بعد طلوع الشمس إلى وقت الهاجرة، وقد خفف الله تعالى ذكره فيه عن عباده عب تكليفهم في ذلك الوقت، وثقل ما يشغلهم عن سعيهم في مطالبهم ومكاسبهم، وإن كان قد حثهم في كتابه وعلى لسان رسوله في ذلك الوقت على صلاة ووعدهم عليها الجزيل من ثوابه، من غير أن يفرضها عليهم، وهي صلاة الضحى. والاخر منهما آخر النهار، وذلك من بعد إبراد الناس، وإمكان التصرف، وطلب المعاش صيفا وشتأ إلى وقت مغيب الشمس وفرض عليهم فيه صلاة العصر، ثم حث على المحافظة عليها لئلا يضيعوها لما علم من إيثار عباده أسباب عاجل دنياهم وطلب معايشهم فيها على أسباب آجل آخرتهم، بما حثهم به عليه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ووعدهم من جزيل ثوابه على المحافظة عليها ما قد ذكرت بعضه في كتابنا هذا. وسنذكر باقيه في كتابنا الاكبر إن شأ الله من كتاب أحكام الشرائع. وإنما قيل لها الوسطى : لتوسطها الصلوات المكتوبات الخمس، وذلك أن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين، وهي بين ذلك وسطاهن، والوسطى: الفعلى من قول القائل: وسطت القوم أسطهم سطة ووسوطا: إذا دخلت وسطهم، ويقال للذكر فيه: هو أوسطنا، وللانثى هي وسطانا. القول في تأويل قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين). اختلف أهل التأويل في معنى قوله (قانتين) فقال بعضهم: معنى القنوت: الطاعة، ومعنى ذلك: وقوموا لله في صلاتكم، مطيعين له فيما أمركم به فيها ونهاكم عنه. ذكر من قال ذلك: 4282 - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن عون، عن الشعبي في قوله: (وقوموا لله قانتين) قال: مطيعين. * - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، عن ابن عون، عن الشعبي، مثله.
[ 770 ]
4283 - حدثني ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو المنيب، عن جابر بن زيد: (وقوموا لله قانتين) يقول: مطيعين. 4284 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عثمان بن الاسود، عن عطأ: (وقوموا لله قانتين) قال: مطيعين. 4285 - حدثنا أحمد بن عبدة الحمصي، قال: ثنا أبو عوانة، عن ابن بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: (وقوموا لله قانتين) قال: مطيعين. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير أنه سئل عن القنوت، فقال: القنوت: الطاعة. 4286 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قال: القنوت الذي ذكره الله في القرآن، إنما يعني به الطاعة. 4287 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (وقوموا لله قانتين) قال: إن أهل كل دين يقومون لله عاصين، فقوموا أنتم لله طائعين. 4288 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (وقوموا لله قانتين) قال: قوموا لله مطيعين في كل شئ، وأطيعوه في صلاتكم. * - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: (وقوموا لله قانتين) القنوت: الطاعة، يقول: لكل أهل دين صلاة، يقومون في صلاتهم لله عاصين، فقوموا لله مطيعين. 4289 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: (وقوموا لله قانتين) يقول: مطيعين. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وقوموا لله قانتين) قال: مطيعين. 4290 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثني شريك، عن سالم، عن سعيد: (وقوموا لله قانتين) يقول: مطيعين.
[ 771 ]
4291 - حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال ثنا أبو روح عبد الرحمن بن سنان السكوني حمصي لقيته بارمينية، قال: سمعت الحسن بن ابي الحسن يقول في قوله: * (وقوموا لله قانتين) * قال: طائعين. 4292 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: * (وقوموا لله قانتين) * قال: مطيعين. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال ثنا شبل، عن ابن نجيح، عن مجاهد مثله. 4293 -. حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: * (وقوموا لله قانتين) * يقول: مطيعين. 4294 - حدثنا بشر بن معاذ أحمد بن إسحاق، قال ثنا أبو احمد الزبيري، قال ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، قال: كانوا يامرون في الصلاة بحوائجهم، حتى انزلت: * (وقوموا لله قانتين) * فتركوا الكلام. قال: قانتين: مطيعين. * - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى: قال أخبرنا فضيل، عن عطية في قوله: * (و قوموا لله قانتين) * قال، كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم، حتى نزلت: * (وقوموا لله قانتين) * فتركوا الكلام في الصلاة. 4295 - حدثنا القاسم، قال ثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس في قوله: * (وقوموا لله قانتين) * قال: كان اهل دين يقومون فيها عاصين، فقوموا انتم لله مطيعين. 4296 - حدثنا الربيع بن سليمان، قال ثنا اسدي بن موسى، قال ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا دراج، عن ابي الهيثم، عن ابي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل حرف في القرآن فيه القنوت، فإنما هو الطاعة " (1). 4297 - حدثنا العباس بن الوليد، قال: اخبرني أبي، قال: ثنا سعيد بن عبد العزيز، قال القنوت: طاعة الله، يقول الله تعالى ذكره: * (وقوموا لله قانتين) * مطيعين. 4298 - حدثنا سعيد بن الربيع، قال: ثنا سفيان، قال ابن طاوس، كان أبي يقول: القنوت: طاعة الله.
[ 772 ]
وقال آخرون: القنوت في هذه الآية: السكوت. وقالوا: تأويل الاية: قوموا لله ساكتين عما نهاكم الله أن تتكلموا به في صلاتكم. ذكر من قال ذلك: 4299 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا اسباط: عن السدي: * (وقوموا لله قانتين) * القنوت في هذه الاية السكوت. 4300 - حدثني موسى، قال ثنا عمرو، قال ثنا اسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن مرة عن ابن مسعود، قال: كنا نقوم في الصلاة، فنتكلم، ويسال الرجل صاحبه عن حاجته، ويخبره، ويردون عليه إذا سلم. حتى اتيت انا فسلمت، فلم يردوا علي السلام، فاشتد ذلك علي. فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: " إنه لم يمنعني ان أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لانتكلم في الصلاة " والقنوت السكوت. * - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال ثنا الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: كنا نتكلم في الصلاة، فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرد علي، فلما انصرف قال: " قد أحدث الله ان لا تكلموا في الصلاة " و نزلت هذه الاية: * (وقوموا لله قانتين) *. 4301 - حدثنا عتد الحميد بن بيان السكري، قال: اخبرنا محمد بن يزيد، وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن ابي زائدة وابن نمير ووكيع ويعلى بن عبيد جميعا، عن إسماعيل بن ابي خالد، عن الحارث بن شبل، عن ابي عمرو الشيباني، عن زيد بن ارقم، قال: كنا نتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم احدنا صاحبه في الحاجة، حتى نزلت هذه الاية: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) * فأمرنا بالسكوت. 4302 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا ابو الاحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله * (وقوموا لله قانتين) * قال: كانوا يتكلمون في الصلاة يجئ خادم الرجل إليه وهو في الصلاة فيكلمه بحاجته، فنهوا عن الكلام 4303 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة عن عنسبة، عن الزبير بن
[ 773 ]
عدي، عن كلثوم بن المصطلق، عن عبد الله بن مسعود، قال: ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عودني ان يرد علي السلام في الصلاة، فأتيته ذات يوم فسلمت، فلم يرد علي وقال: " إن الله يحدث في امره ما يشاء، وإنه قد احدث لكم في الصلاة أن لا يتكلم احد إلا بذكر الله، وما ينبغي من تسبيح وتمجيد، وقوموا لله قانتين ". 4304 - حدثني يونس، قال: اخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: * (وقوموا لله قانتين) * قال: إذا قمتم في الصلاة فاسكتوا، لا تكلموا احدا حتى تفرغوا منها. قال: والقانت: المصلي الذي لا يتكلم. وقال آخرون: القنوت في هذه الاية: الركوع في الصلاة والخشوع فيها. وقالوا في باويل الاية: وقوموا لله في صلاتكم خاشعين، خافضي الاجنحة، غير عابثين ولا لاعبين. ذكر من قال ذلك: 4305 - حدثني سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن ادريس، عن ليث، عن مجاهد: * (وقوموا لله قانتين) * قال فمن القنوت طول الركوع، وغض البصر، وخفض الجناح والخشوع من رهبة الله، كان العلماء إذا قام احدهم يصلي، يهاب الرحمن ان يلتفت، أو ان يقلب الحصى، أو يعبث بشئ، أو يحدث نفسه بشئ من أمر الدنيا إلا ناسيا. * - حدثنا ابن حميد، قال ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد نحوه، إلا أنه قال: فمن القنوت: الركود والخشوع. 4306 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد: وقوموا لله قانتين قال: من القنوت الخشوع، وخفض الجناح من رهبة الله. وكان الفقهاء من أصحاب محمد (ص) إذا قام أحدهم إلى الصلاة لم يلتفت ولم يقلب الحصا، ولم يحدث نفسه بشئ من أمر الدنيا إلا ناسيا حتى ينصرف. * - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد في قوله وقوموا لله قانتين قال: إن من القنوت الركود، ثم ذكر نحوه. 4307 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وقوموا لله قانتين قال: القنوت: الركود، يعني: القيام في الصلاة والانتصاب له.
[ 774 ]
وقال آخرون: بل القنوت في هذا الموضع: الدعاء. قالوا: تأويل الآية: وقوموا لله راغبين في صلاتكم. ذكر من قال ذلك: 4308 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، وثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي و عبد الوهاب ومحمد بن جعفر جميعا، عن عوف، عن أبي رجاء، قال: صليت مع ابن عباس الغداة في مسجد البصرة، فقنت بنا قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي قال الله: وقوموا لله قانتين. وقال أبو جعفر: وأولى هذه الاقوال بالصواب في تأويل قوله: وقوموا لله قانتين قول من قال: تأويله مطيعين، وذلك أن أصل القنوت: الطاعة، وقد تكون الطاعة لله في الصلاة بالسكوت عما نهى الله من الكلام فيها، ولذلك وجه من وجه تأويل القنوت في هذا الموضع إلى السكوت في الصلاة أحد المعاني التي فرضها الله على عباده فيها. إلا عن قراءة قرآن، أو ذكر له بما هو أهله. ومما يدل على أنهم قالوا ذلك كما وصفنا، قول النخعي ومجاهد، الذي: 4309 - حدثنا به أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ومجاهد قالا: كانوا يتكلمون في الصلاة، يأمر أحدهم أخاه بالحاجة فنزلت وقوموا لله قانتين قال: فقطعوا الكلام، والقنوت: السكوت، والقنوت: الطاعة. فجعل إبراهيم ومجاهد القنوت سكوتا في طاعة الله على ما قلنا في ذلك من التأويل، وقد تكون الطاعة لله فيها بالخشوع وخفض الجناح، وإطالة القيام، وبالدعاء، لان كلا غير خارج من أحد معنيين، من أن يكون مما أمر به المصلي، أو مما ندب إليه، والعبد بكل ذلك لله مطيع، وهو لربه فيه قانت، والقنوت: أصله الطاعة لله، ثم يستعمل في كل ما أطاع الله به العبد. فتأويل الآية إذا: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وقوموا لله فيها مطيعين بترك بعضكم فيها كلام بعض، وغير ذلك من معاني الكلام، سوى قراءة القرآن فيها، أو ذكر الله بالذي هو أهله أو دعائه فيها، غير عاصين لله فيها بتضييع حدودها، والتفريط في الواجب لله عليكم فيها، وفي غيرها من فرائض الله. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 775 ]
* (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذآ أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) * يعني تعالى ذكره بذلك: وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له، لما قد بيناه من معناه، فإن خفتم من عدو لكم أيها الناس، تخشونهم على أنفسكم في حال التقائكم معهم، أن تصلوا قياما على أرجلكم بالارض، قانتين لله، فصلوا رجالا مشاة على أرجلكم، وأنتم في حربكم وقتالكم وجهاد عدوكم، أو ركبانا على ظهور دوابكم، فإن ذلك يجزيكم حينئذ من القيام منكم قانتين. ولما قلنا من أن معنى ذلك كذلك، جاز نصب الرجال بالمعنى المحذوف، وذلك أن العرب تفعل ذلك في الجزاء خاصة لان ثانيه شبيه بالمعطوف على أوله، ويبين ذلك أنهم يقولون إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا، بمعنى: إن تفعل خيرا تصب خيرا، وإن تفعل شرا تصب شرا، فيعطفون الجواب على الاول لا نجز ام الثاني بجزم الاول، فكذلك قوله: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا بمعنى: إن خفتم أن تصلوا قياما بالارض فصلوا رجالا والرجال جمع راجل ورجل. وأما أهل الحجاز فإنهم يقولون لواحد الرجال رجل، مسموع منهم: مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا، وقد سمع من بعض أحياء العرب في واحدهم رجلان، كما قال بعض بني عقيل: علي إذا أبصرت ليلى بخلوة أن ازدار بيت الله رجلان حافيا فمن قال رجلان للذكر، قال للانثى رجلى، وجاز في جمع المذكر والمؤنث فيه أن يقال: أتى القوم رجالى، ورجالى مثل كسالى وكسالى. وقد حكي عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: فإن خفتم فرجالا مشددة. وعن بعضهم أنه كان يقرأ: فرجالا، وكلتا القراءتين غير جائزة القراءة بها عندنا بخلاف القراءة الموروثة المستفيضة في أمصار المسلمين. وأما الركبان، فجمع راكب، يقال: هو راكب
[ 776 ]
وهو ركبان وركب وركبة وركاب وأركب وأركوب، يقال: جاءنا أركوب من الناس وأراكيب. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 4310 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: سألته عن قوله: فرجالا أو ركبانا قال: عند المطاردة يصلي حيث كان وجهه، راكبا أو راجلا، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ويصلي ركعتين يومئ إيماء. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة عن إبراهيم في قوله: فرجالا أو ركبانا قال: صلاة الضراب ركعتين يومئ إيماء. * - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم قوله: فرجالا أو ركبانا قال: يصلي ركعتين حيث كان وجهه يومئ إيماء. 4311 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير: فرجالا أو ركبانا قال: إذا طردت الخيل فأومئ إيماء. 4312 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو احمد، قال: ثنا سفيان، عن مالك، عن سعيد، قال: يومئ إيماء. 4313 - حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن: فرجالا أو ركبا قال: إذا كان عند القتال صلى راكبا أو ماشيا حيث كان وجهه يومئ إيماء. 4314 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا أصحاب محمد (ص) في القتال على الخيل، فإذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا، أو كما قدر، على أن يومئ برأسه أو يتكلم بلسانه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال: أو راكبا لاصحاب محمد (ص)، وقال أيضا: أو راكبا، أو ما قدر أن يومئ برأسه، وسائر الحديث مثله. 4315 - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن
[ 777 ]
الضحاك في قوله: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا قال: إذا التقوا عند القتال وطلبوا، أو طلبوا، أو طلبهم سبع، فصلاتهم تكبيرتان إيماء أي جهة كانت. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: فرجالا أو ركبانا قال: ذلك عند القتال يصلي حيث كان وجهه راكبا أو راجلا إذا كان يطلب أو يطلبه سبع، فليصل ركعة يومئ إيماء، فإن لم يستطع فليكبر تكبيرتين. 4316 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا قال: ركعة وأنت تمشي، وأنت يوضع بك بعيرك، ويركض بك فرسك على أي جهة كان. 4317 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا أما رجالا: فعلى أرجلكم إذا قاتلتم، يصلي الرجل يومئ برأسه أينما توجه، والراكب على دابته يومئ برأسه أينما توجه. 4318 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا الآية. أحل الله لك إذا كنت خائفا عند القتال أن تصلي وأنت راكب وأنت تسعى، تومئ برأسك من حيث كان وجهك إن قدرت على ركعتين، وإلا فواحدة. 4319 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا قال: ذاك عند المسايفة. 4320 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري في قوله: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا قال: إذا طلب الاعداء فقد حل لهم أن يصلوا قبل أي جهة كانوا رجالا أو ركبانا يومئون إيماء ركعتين. وقال قتادة: تجزي ركعة. 4321 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا قال: كانوا إذا خشوا العدو صلوا ركعتين راكبا كان أو راجلا. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا قال: يصلي الرجل في القتال المكتوبة على دابته، وعلى راحلته حيث
[ 778 ]
كان وجهه، يومئ إيماء عند كل ركوع وسجود، ولكن السجود أخفض من الركوع، فهذا حين تأخذ السيوف بعضها بعضا هذا في المطاردة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، قال: كان قتادة يقول: إن استطاع ركعتين وإلا فواحدة يومئ إيماء، إن شاء راكبا أو راجلا، قال الله تعالى ذكره: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا. 4322 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، قال في الخائف الذي يطلبه العدو، قال: إن استطاع أن يصلي ركعتين، وإلا صلى ركعة. 4323 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن يونس، عن الحسن، قال: ركعة. 4324 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، قال: سألت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة، فقالوا: ركعة. 4325 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، قال: سالت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة، فقالوا: يومئ إيماء حيث كان وجهه. 4326 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن حماد والحكم وقتادة أنهم سئلوا عن الصلاة عند المسايفة، فقالوا: ركعة حيث وجهك. 4327 - حدثني أبو السائب قال: ثنا ابن فضيل، عن اشعث بن سوار، قال: سألت ابن سيرين، عن صلاة المنهزم، فقال: كيف استطاع. 4328 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال ثنا ابن علية، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن جابر بن غراب، قال: كنا نقاتل القوم وعلينا هرم بن حيان، فحضرت الصلاة، فقالوا: الصلاة الصلاة ! فقال هرم: يسجد الرجل حيث كان وجهه سجدة. قال: ونحن مستقبلو المشرق. 4329 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة، قال: كان هرم بن حيان على جيش فحضروا العدو، فقال: يسجد كل رجل منكم تحت جيبه حيث كان وجهه سجدة، أو ما استيسر، فقلت لابي نضرة: ما " ما استيسر " ؟ قال: يومئ. 4330 - حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا أبو مسلمة،
[ 779 ]
عن أبي نضرة، قال: ثني جابر بن غراب، قال: كنا مع هرم بن حيان نقاتل العدو مستقبلي المشرق، فحضرت الصلاة، فقالوا الصلاة، فقال: يسجد الرجل تحت جيبه سجدة. 4331 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) قال: تصلي حيث توجهت راكبا وماشيا، وحيث توجهت بك دابتك، تومئ إيماء للمكتوبة. 4332 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا هبة بن الوليد، قال: ثنا المسعودي، قال: ثني يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله، قال: صلاة الخوف ركعة. 4333 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا موسى بن محمد الانصاري، عن عبد الملك، عن عطاء في هذه الاية، قال: إذا كان خائفا صلى على أي حال كان. 4334 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك، وسألته عن قول الله: (فرجالا أو ركبانا) قال: ركبا وماشيا، ولو كانت إنما عنى بها الناسي، لم يأت إلا رجالا، وانقطعت الالف (1) إنما هي رجال مشاة، وعن: (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) (2) قال: يأتون مشاة وركبانا. قال أبو جعفر: الخوف الذى للمصلى أن يصلي من أجله المكتوبة ماشيا راجلا وراكبا جائلا (3): الخوف على المهمة عند السلة (4) والمسايفة في قتال من أمر بقتاله من عدو للمسلمين، أو محارب، أو طلب سبع، أو جمل صائل (5)، أو سيل سائل، فخاف الغرق فيه، وكل ما الاغلب من شأنه هلاك المرء منه إن صلى صلاة الامن. فإنه إذا كان ذلك كذلك، فله أن يصلي صلاة شدة الخوف حيث كان وجهه يومئ إيماء لعموم كتاب الله:
[ 780 ]
(فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) ولم يخص الخوف على ذلك على نوع من الانواع، بعد أن يكون الخوف صفته ما ذكرت. وإنما قلنا: إن الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي كذلك هو الذي الاغلب منه الهلاك بإقامة الصلاة بحدودها، وذلك حال شدة الخوف، لان: 4335 - محمد بن حميد وسفيان بن وكيع حدثاني، قالا: ثنا جرير، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف: يقوم الامير وطائفة من الناس معه، فيسجدون سجدة واحدة، ثم تكون طائفة منهم بينهم وبين العدو، ثم ينصرف الذين سجدوا سجدة مع أميرهم، ثم يكونون مكان الذين لم يصلوا، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون مع أميرهم سجدة واحدة، ثم ينصرف أميرهم وقد قضى صلاته، ويصلي بعد صلاته كل واحد من الطائفتين سجدة لنفسه، وإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا أو ركبانا " (1). 4336 - حدثني سعيد بن يحيى الاموى، قال: ثني أبي، قال: ثنا ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، إذا اختلطوا (2) - يعنى في القتال - فإنما هو الذكر، وأشار بالرأس (3). قال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وإن كانوا أكثر من ذلك فيصلون قياما وركبانا " (4). ففصل النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم صلاة الخوف في غير حال المسايفة والمطاردة وبين حكم صلاة الخوف في حال شدة الخوف والمسايفة، على ما روينا عن ابن عمر، فكان معلوما بذلك أن قوله تعالى ذكره: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) إنما عنى به الخوف الذى وصفنا صفته. وبنحو الذي روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عمر أنه يقول: 4337 - حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه
[ 781 ]
قال في صلاة الخوف: يصلي بطائفة من القوم ركعة وطائفة تحرس، ثم ينطلق هؤلاء الذين صلى بهم ركعة حتى يقوموا مقام أصحابهم، ثم يجئ أولئك، فيصلي بهم ركعة، ثم يسلم، وتقوم كل طائفة فتصلي ركعة. قال: فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا أو ركبانا (1). وأما عدد الركعات في تلك الحال من الصلاة، فإني أحب أن لا يقتصر من عددها في حال الا من، وإن قصر عن ذلك فصلى ركعة رأيتهما مجزئة، لان: 4338 - بشر بن معاذ حدثني، قال، ثنا أبو عوانة، عن بكر بن الاخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة (2). القول في تأويل قوله تعالى: فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون). وتأويل ذلك: فإذا أمنتم أيها المؤمنون من عدوكم أن يقدر على قتلكم في حال اشتغالكم بصلاتكم التي فرضها عليكم ومن غيره ممن كنتم تخافونه على أنفسكم في حال صلاتكم، فاطمأنتنم، فاذكروا الله في صلاتكم وفي غيرها، بالشكر له والحمد والثناء عليه، على ما أنعم به عليكم من التوفيق لاصابة الحق الذي ضل عنه أعداوكم من أهل الكفر بالله، كما ذكر كم بتعليمه إياكم، من أحكامه، وحلاله، وحرامه، وأخبار من قبلكم من الامم السالفة، والانباء الحادثة بعدكم في عاجل الدنيا وآجل الاخرة، التي جهلها غيركم، وبصركم من ذلك وغيره، إنعاما منه عليكم بذلك، فعلكم منه ما لم تكونوا من قبل تعليمه إياكم تعلمون. وكان مجاهد يقول في قوله: (فإذا أمنتم) ما: 4339 - حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (فإذا أمنتم) قال: خرجتم من دار السفر إلى دار الاقامة.
[ 782 ]
وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد. 4340 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فإذا أمنتم فاذكروا الله) قال: فإذا أمنتم، فصلوا الصلاة كما افترض الله عليكم إذا جاء الخوف، كانت لهم رخصة. وقوله ههنا (فاذكروا الله) قال: الصلاة (كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون). وهذا القول الذي ذكرنا عن مجاهد قول غيره أولى بالصواب منه، لاجماع الجميع على أن الخوف متى زال فواجب على المصلي المكتوبة وإن كان في سفر أداؤها بركوعها وسجودها وحدودها، وقائما بالارض غير ماش ولا راكب، كالذى يجب عليه من ذلك إذا كان مقيما في مصره وبلده، إلا ما أبيح له من القصر فيها في سفره، ولم يجر في هذهه الاية للسفر ذكر فيتوجه قوله: (فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) إليه. وإنما جرى ذكر الصلاة في حال الامن وحال شدة الخوف، فعرف الله سبحانه وتعالى عباده صفة الواجب عليهم من الصلاة فيهما، ثم قال: فإذا أمنتم فزال الخوف فأقيموا صلاتكم وذكرى فيها وفي غيرها مثل الذي وجبته عليكم قبل حدوث حال الخوف وبعده. فإن كان جرى للسفر ذكر، ثم أراد الله تعالى ذكره تعريف خلقه صفة الواجب عليهم من الصلاة بعد مقامهم لقال: فإذا أقمتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلموا، ولم يقل: فإذا أمنتم، وفي قوله تعالى ذكره: (فإذا أمنتم) الدلالة الواضحة على صحة قول من وجه تأويل ذلك إلى الذي قلنا فيه، وخلاف قول مجاهد. القول في تأويل قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم (240)) يعنى تعالى ذكره بذلك: والذين يتوفون منكم أيها الرجال، (ويذرون أزواجا) يعنى زوجات كن له نساء في حياته، بنكاح لا ملك يمين. ثم صرف الخبر عن ذكر من ابتدأ الخير بذكره، نظير الذي مضى من ذلك في قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) (1) إلى الخبر عن ذكر أزواجهم. وقد ذكرنا وجه ذلك، ودللنا على صحة القول فيه في نظيره الذي
[ 783 ]
قد تقدم قبله، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. ثم قال تعالى ذكره: (وصية لازواجهم) فاختلف القراء ذلك، فقرأ بعضهم: (وصية لازواجهم) بنصب الوصية، بمعنى: فليوصوا وصية لازواجهم، أو عليهم وصية لازواجهم. وقرأ آخرون: " وصية ولازواجهم " برفع " الوصية ". ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع الوصية ؟ فقال بعضهم: رفعت بمعنى: كتبت عليهم الوصية، واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله. فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا كتبت عليهم وصية لازواجهم، ثم ترك ذكر " كتبت "، ورفعت " الوصية " بذلك المعنى وإن كان متروكا ذكره. وقال آخرون منهم: بل الوصية مرفوعة بقوله: (لازواجهم) فتأول: لازواجهم وصية. والقول الاول أولى بالصواب في ذلك، وهو أن ت كون الوصية إذا رفعت مرفوعة بمعنى: كتبت عليكم وصية لازواجم، لان العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت، فإذا أظهرت بدأت به قبلها، فتقول: جاءني رجل اليوم، وإذا قالوا: رجل جاءني اليوم، لم يكادوا أن يقولوه إلا والرجل حاضر يشيرون إليه بهذا، أو غائب قد علم المخبر عنه خبره، أو بحذف " هذا " وإضماره، وإن حذفوه لمعرفة السامع بمعنى المتكلم، كما قال الله تعالى ذكره: (سورة أنزلنا) (1) و (براءة من الله ورسوله) (2) فكذلك في قوله: (وصية لازواجهم). وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا، كان حقا لها قبل نزول قوله: ((الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (3) وقبل نزول آية الميراث، ولتظاهر الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك، أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن أو لم يوصووا لهن به. فإن قال قائل: وما الدلالة على ذلك ؟ قيل: لما قال الله تعالى ذكره: (والذين تيوفون
[ 784 ]
منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهن) وكان الموصي لا شك إنما يوصي في حياته بما يؤمر بإنفاذه بعد وفاته، وكان محالا أن يوصي بعد وفاته، كان تعالى ذكره إنما جعل لامرأة الميت سكنى الحول بعد وفاته، علما (1) بأنه حق لها وجب في ماله بغير وصية منه لها، إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته. ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال: فليوص وصية، لكان التنزيل: والذين يحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا وصية لازواجهم، كما قال: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خير الوصية) (2). وبعد، فلو كان ذلك واجبا لهن بوصية من أزواجهن المتوفين، لم يكن ذلك حقا لهن إذا لم يوص أزواجهم لهن قبل وفاتهن، ولكان لورثتهم إخراجهن قبل الحول، وقد قال الله تعالى ذكره: (غير إخراج). ولكن الامر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئه: (وصية لازواجهم) بمعنى: أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهن، وإنما تأويل ذلك: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) كتب الله لازواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا، كما قال تعالى ذكره في سورة النساء: (غير مضار وصية من الله) (3) ثم ترك ذكر " كتب الله " اكتفاء بدلالة الكلام عليه، ورفعت " الوصية بالمعنى الذي قلنا قبل. فإن قال قائل: فهل يجوز نصب الوصية... (4) لهن وصية ؟ قيل: لا، لان ذلك إنما كان يكون جائزا لو تقدم الوصية من الكلام ما يصلح أن تكون الوصية خارجة منه، فإما ولم يتقدمه ما يحسن أن تكون منصوبة بخروجها منه، فغير جائز نصبها بذلك المعنى. ذكر بعض من قال: إن سكنى حول كامل كان حقا لازواج المتوفين بعد موتهم على ما قلنا، أوصى بذلك أزواجهن لهن أو لم يوصوا لهن به، وأن ذكل نسخ بما ذكرنا من الاربعة الاشهر والعشر والميراث: 4341 - حدثني المثني، قال: ثنا الحجاج بن منهال: قال: ثن همام بن يحيى، قال: سألت قتادة عن قوله: (والذين يتوفون منكم ويذورن أزواجا وصية لازواجهم متاعا
[ 785 ]
إلى الحول غير إخراج)، فقال: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها ما لم تخرج، ثم نسخ ذلك بعد في سورة النساء، فجعل لها فريضة معلومة الثمن إن كان له ولد، والربع، إن لم يكن له ولد، وعدتها أربعة أشهر وعشرا، فقال تعالى ذكره: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (1) فنسخت هذه الاية ما كان قبلها من أمر الحول. 4342 - حدثني المثني، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج)... الاية. قال: كان هذا من قبل أن تنزل آية الميراث، فكانت المرأة إذا توفي عنها زوجها، كان لها السكنى والنفقة حولا إن شاءت: فنسخ ذلك في سورة النساء، فجعل لها فريضة معلومة: جعل لها الثمن إن كان له ولد، وإن لم يكن له ولد فلها الربع، وجعل عدتها أربعة أ شهر وعشرا، فقال: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (1). 4343 - حدثني المثني، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحوف غير إخراج) فكان الرجل إذا مات وترك امرأته، اعتدت سنة في بيته، ينفق عليها من ماله، ثم أنزل الله تعالى ذكره بعد: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (1)، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، إلا أن تكون حاملا، فعدتها أن تضع ما في بطنها، وقال في ميراثها: (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن) (2) فبين الله ميراث المرأة، وترك الوصية والنفقة. 4344 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: سمعت عبيد الله بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) كان الرجل إذا توفي أنفق على امرأته في عامه إلى الحول، ولا تزوج حتى تستكمل الحول. وهذا منسوخ، نسخ النفقة عليها الربع والثمن من الميراث، ونسخ الحول أربعة أشهر وعشرا.
[ 786 ]
* - وحدثني المثني، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (والذين يتفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) قال: الرجل إذا توفي أنفق على امرأته إلى الحول: ولا تزوج حتى يمضى الحول، فأنزل الله تعالى ذكره: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (1) فنسخ الاجل الحول، ونسخ النفقة الميراث الربع والثمن. 4345 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن قوله: (والذين يتوفون منكمن ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) قال: كان ميراث المرأة من زوجها من ريعه أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول، يقول: (فإن خرجن فلا جناح عليكم)... الاية، ثم نسخها ما فرض الله من الميراث. قال: وقال مجاهد: وصية لازواجهم، سكنى الحول، ثم نسخ هذه الاية بالميراث. 4346 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان لازواج الموتى حين كانت الوصية نفقة سنة، فنسخ الله ذلك ذلك الذي كتب للزوجة من نفقة السنة بالميراث، فجعل لها الربع أو الثمن، وفي قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسن أربعة أشهر وعشرا) (1) قال: هذه الناسخة. ذكر من قال: كان ذلك يكون لهن بوصية من أزواجن لهن به: 4347 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا)... الاية. قال: كانت هذه من قبل الفرائض، فكان الرجل يوصي لا مرأته ولمن شاءة، ثم نسخ ذلك بعد، فألحق الله تعالى بأهل المواريث ميراثهم، وجعل للمرأة إن كان له ولد الثمن، وإن لم يكن له ولد فلها الربع. وكان ينفق على المرأة حولا من مال زوجها، ثم تحول من بيته، فنسخته العدة أربعة أشهر وعشرا. ونسخ الربع أو الثمن الوصية لهن، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون. 4348 - حدثني موسى، قال: ثنا عمروا، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم) إلى: (فيما فعلن في أنفسهن من معروف) يوم نزلت هذه الاية كان الرجل إذا مات أوصى لامرأته بنفقتها وسكناها سنة، وكان عدتها
[ 787 ]
أربعة أشهر وعشرا، فإن هي خرجت حين تنقضي أربعة أشهر وعشر انقطعت عنها النفقة، فذلك قوله: (فإن خرجن) وهذا قبل أن تنزل آية الفرائض، فنسخه الربع والثمن، فأخذت نصيبها، ولم يكن لها سكنى ولا نفقة. 4349 - حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي، قال: يزعم قتادة أنه كان يوصي للمرأة بنفقتها إلى رأس الحول. ذكر من قال نسخ ذلك ما كان لهن من المتاع إلى الحول من غير بينة على أي وجه كان ذلك لهن: 4350 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن إبراهيم في قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول) قال: هي منسوخة. * - حدثنا الحسن بن الزبرقان، قال: ثنا أسامة، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت إبراهيم يقول، فذكر نحوه. 4351 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن حصين، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) نسخ ذلك بآية الميراث، وما فرض لهن فيها من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا. 4352 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال، ثنا ابن علية، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن عباس أنه قام يخطب الناس ههنا، فقرأ لهم سورة البقرة، فبين لهم فيها، فأتى على هذه الاية: (إن ترك خيرا الوصية للوالدية والاقربين) قال: فنسخت هذه. ثم قرأ حتى أتى على هذه الاية: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) إلى قوله: (غير إخراج) فقال: وهذه. وقال آخرون: هذه الاية ثابتة الحكم لم ينسخ منها شئ. ذكر من قال ذلك: 4353 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (2) قال: كانت هذه للمعتدة تعتد عند أهل زوجها واجبا ذلك عليها،
[ 788 ]
فأنزل الله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) إلى قوله: (من معروف) قال: جعل الله لهم تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى ذكره: (غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم) قال: والعدة كما هي واجبة. * - حدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 4354 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى وحدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال: نسخت هذه الاية عدتها عند أهله تعتد حيث شاءت، وهو قول الله: (غير إخراج). قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصية، وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى ذكره: (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن). قال عطاء: جاء الميراث بنسخ السكنى تعتد حيث شاءت، ولا سكنى لها. وأولى هذه الاقوال عندي في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره كان جعل لازواج من مات من الرجال بعد موتهم سكنى حول في منزله، ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السنة، ووجب على ورثة الميت أن لا يخرجوهن قبل تمام الحول من المسكن الذي يسكنه، وإن هن تركن حقهن من ذلك وخرجن لم تكن ورثة الميت من خروجهن في حرج. ثم إن الله تعالى ذكره نسخ النفقة بآية الميراث، وأبطل مما كان جعل لهن من سكنى حول سبعة أشهر وعشرين ليلة، وردهن إلى أربعة أشهر وعشر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4355 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حجاج، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، عن ابن عجلان، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، وأخبره عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة، عن فريعة أخت أبي سعيد الخدرى: أن زوجها خرج في طلب عبد له، فلحقه بمكان قريب، فقاتله وأعانه عليه أعبد معه، فقتلوه. فأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجها خرج في طلب عبد له، فلقيه علوج فقتلوه. وإنى في مكان ليس فيه أحد غيرى، وإن أجمع لامرى أن أنتقل إلى أهلي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل
[ 789 ]
امكثى مكانك حتى يبلغ الكتاب أجله " (1). وأما قوله: (متاعا) فإن معناه: جعل ذلك لهن متاعا، أي الوصية التي كتبها الله لهن، وإنما نصب " المتاع "، لان في قوله: (وصية لازواجهم) معنى متعهن الله، فقيل متاعا مصدرا من معناه، لا من لفظه. وقوله: (غير إخراج) فإن معناه أن الله تعالى ذكره جعل ما جعل لهن من الوصية متاعا منه لهن إلى الحول لا إخراجا من مسكن زوجها، يعني لاإخراج فيه منه حتى ينقضى الحول، فنصب " غير " على النعت للمتاع كقول القائل: هذا قيام غير قعود، بمعنى: هذا قيام لا قعود معه، أو لا قعود فيه. وقد زعم بعضهم أنه منصوب بمعنى: لا تخرجوهن أخراجا. وذلك خطأ من القول، لان ذلك إذا نصب على هذا التأويل كان صبه من كلام آخر غير الاول، وإنما هو منصوب بما نصب المتاع على النعت له. القول في تأويل قوله تعالى: (فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم). يعني تعالى ذكره بذلك: أن المتاع جعله الله لهن إلى الحول في مال أزواجهن بعد وفاتهم وفي مساكنهم ونهى ورثته عن إخراجهن، إنما هو لهن ما أقمن في مساكن أزواجهن، وأن حقوقهن من ذلك تبطل بخروجهن إن خرجن من منازل أزواجهن قبل الحول من قبل أنفسهن بغير إخراج من ورثة الميت. ثم أخبر تعالى ذكره أنه لا حرج على أولياء الميت في خروجهن وتركهن الحداد على أزواجهن، لان المقام حولا في بيوت أزواجهن والحداد عليه تمام حول كامل لم يكن فرضا عليهن، وإنما كان ذلك إباحة من الله تعالى ذكره لهن إن أقمن تمام الحول محدات، فأما إن خرجن فلا جناح على أولياء الميت ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من معروف، وذلك ترك الحداد. يقول: فلا حرج عليكم في التزين إن تزين وتطيبن وتزوجن، لان ذلك لهن. وإنما قلنا: لا حرج عليهن في خروجهن، وإن كان إنما قال تعالى ذكره: (فلا جناح عليكم) لان ذلك لو كان عليهن فيه جناح، لكان على أولياء الرجل فيه جناح بتركهم إياهن، والخروج مع قدرتهم على منعهن
[ 790 ]
من ذلك. ولكن لما لم يكن عليهن جناح في خروجهن وترك الحداد، وضع عن أولياء الميت وغيرهم الحرج فيما فعلن من معروف، وذلك في أنفسهن. وقد مضت الرواية عن أهل التأويل بما قلناه في ذلك قبل. وأما قوله: (والله عزيز حكيم) فإنه يعني تعالى ذكره: والله عزيز في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء، فمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الايات التي مضت قبل من المتعة والصداق والوصية وإخراجهن قبل انقضاء الحول وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها، ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الازواج وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوت (حكيم) فيما قضى بين عباده من قضايه التي قد تقدمت في الايات قبل قوله: (والله عزيز حكيم) وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته. القول في تأويل قوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين (241)) يعني تعالى ذكره بذلك: ولمن طلق من النساء على مطلقها من الازواج متاع، يعني بذلك: ما تستمع به من ثياب وكسوة ونفقة أو خادم وغير ذلك مما يستمتع به. وقد بينا فيما مضى قبل معنى ذلك، واختلاف أهل العلم فيه والصواب من القول من ذلك عندنا بما فيه الكفاية من إعادته. وقد اختلف أهل العلم في المعنية بهذه الاية من المطلقات، فقال بعضهم: عني بها الثيبات اللواتي قد جومعن. قالوا: وإنما قلنا ذلك لان غير المدخل بهن في المتعة قد بينها الله تعالى ذكره في الايات قبلها، فعلمنا بذلك أن في هذه الاية بيان أمر المدخل بهن في ذلك. ذكر من قال ذلك. 4356 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء في قوله: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) قال: المرأة الثيب يمتعها زوجها إذا جامعها بالمعروف. 4357 - حدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله، وزاد فيه: ذكره شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء. وقال آخرون: بل في هذه الاية دلالة على أن لكل مطلقة متعة. وإنما أنزلها الله تعالى
[ 791 ]
ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم لما فيها من زيادة المعنى الذي فيها على ما سواها من آي المتعة، إذ كان ما سواها من آي المتعة إنما فيه بيان حكم غير الممسوسة إذا طلقت، وفي هذه بيآن حكم جميع المطلقات في المتعة. ذكر من قال ذلك: 4358 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن سعيد بن جبير في هذه الاية: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) قال: لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين. 4359 - حدثنا المثني، قال ثنا: حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يونس عن الزهري في الامة يطلقها زوجها وهي حبلى، قال: تعتد في بيتها، وقال: لم أسمع في متعة المملوكة شيئا أذكره، وقد قال الله تعالى ذكره: (متاع بالمعروف حقا على المتقين) ولها المتعة حتى تضع. 4360 - حدثني المثني، قال: ثنا حبان (1) بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: قلت له: أللامة من الحر متعة ؟ قال: لا. قلت: فالحرة عند العبد ؟ قال: لا. وقال عمرو بن دينار: نعم: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين). وقال آخرون: إنما نزلت هذه الاية، لان الله تعالى ذكره لما أنزل قوله: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) (2) قال رجل من المسلمين: فإنا لا نفعل إن لم نرد أن نحسن. فأنزل الله: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) فوجب ذلك عليهم. ذكر من قال ذلك: 4361 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (ومتعوهن عل يالموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) (2) فقال رجل: فإن أحسنت فعلت، وإن لم أرد ذلك لم أفعل فأنزل الله: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين). والصواب من القول في ذلك ما قاله سعيد بن جبير، من أن الله تعالى ذكره أنزلها دليلا لعباده على أن لكل مطلقة متعة، لان الله تعالى ذكره ذكر في سائر آي القرآن التي فيها
[ 792 ]
ذكر متعة النساء خصوصا (1) من النساء، فبين في الاية التي قال فيها: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) (2) وفي قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) (3) ما لهن من المتعة إذا طلقن قبل المسيس، وبقوله: (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) (4) حكم المدخل بهن. وبقي حكم الصبايا إذا طلقن بعد الابتناء بهن، وحكم الكوافر والاماء. فعم الله تعالى ذكره بقوله: (وللمطلقات متاع بالمعروف) ذكر جميعهن، وأخبر بأن لهن المتاع، كما أبان المطلقات الموصوفات بصفاتهن في سائر آي القرآن، ولذلك كرر ذكر جميعن في هذه الاية. وأما قوله: (حقا على المتقين) فإنا قد بينا معنى قوله " حقا "، ووجه نصبه، والاختلاف من أهل العربية في قوله: (حقا على المحسنين) ففي ذلك مستغنى عن إعادته في هذا الموضع. فأما المتقون، فهم الذين اتقوا الله في أمره ونهيه وحدوده، فقاموا بها على ما كلفهم القيام به خشية منهم له، ووجلا منهم من عقابه. وقد تقدم بيان تأويل ذلك نصا بالرواية. القول في تأويل قوله تعالى: (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون (242)) يقول تعالى ذكره: كما بينت لكم ما يلزمكم لازواجم ويلزم أزواجكم لكم أيها المؤمنون، وعرفتكم أحكامي والحق الواجب لبعضكم على بعض في هذه الايات، فكذلك أبين لكم سائر الاحكام في آياتي التي أنزلتها على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب، لتعقلوا أيها المؤمنون بي وبرسولي حدودي، فتفهموا اللازم لكم من فرائضي، وتعرفوا بذلك ما فيه صلاح دينكم ودنياكم وعاجلكم وآجلكم، فتعلموا به، ليصلح ذات بينكم وتنالوا به الجزيل من ثوبي في معادكم. القول في تأويل قوله تعالى: (* ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم
[ 793 ]
الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون (243)) يعني تعالى ذكره: (ألم تر) ألم تعليم يا محمد. وهو من رؤية القلب لا رؤية العين، لان نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدرك الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر. ورؤية القلب: ما رآه وعلمه به، فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (وهم ألوف) فقال بعضهم: في العدد بمعنى جماع ألف. ذكر من قال ذلك: 4362 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، وحدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون، قالوا: نأتي أرضا ليس فيها موت. حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا، قال لهم الله: موتوا ! فمر عليهم نبي من الانبياء، فدعا ربه أن يجييهم، فأحياهم. فتلا هذه الاية: (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون). * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون: فأماتهم الله، فمر عليهم نبي من الانبياء، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه، فأحياهم. 4363 - حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان، فشكوا ما أصابهم، وقالوا: يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه 9 فأوحى الله إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء، وزعموا أنهم ودوا لو ماتو فاستراحوا، وأي راحة لهم في الموت ! أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت ؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا، فإن فيها أربعة آلاف - قال وهب: وهم الذين قال الله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) - فقم فيهم فنادهم ! وكانت عظامهم قد تفرقت، فرقتها الطير والسباع. فناداهم حزقيل، فقال: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي ! فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا. ثم نادي ثانية حزقيل، فقال: أيتها العظام، إن الله تكتسي
[ 794 ]
اللحم ! فاكتست اللحم، وبعد اللحم جلدا، فكانت أجسادا. ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: أيتها الارواح إن الله يأمرك أن تعودي إلى أجسادك، فقاموا بإذن الله، وكبروا تكبيرة واحدة. * حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال ثني عمي، قل ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف) يقول: عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله، فأماتهم الله، ثم أحياهم، وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله: (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم). 4364 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أشعث بن أسلم البصري، قال: بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه - وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى (1) - فقال أحدهم لصاحبه: أهو هو ؟ فلما انفتل (2) عمر قال: رأيت قول أحدكم لصاحبه أهو هو ! فقالا: إنا نجد في كتابنا قرنا (3) من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله. فقال عمر: ما نجد في كتاب الله حزقيل، ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى، فقالا: أما تجد في كتاب (ورسلا لم نقصصهم عليك) (4) فقال عمر: بل. قالا: وأما إحياء الموتى فسنحدثك أن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء، فخرج منهم قوم، حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله، فبنوا عليهم حائطا، حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل، فقام عليهم ما شاء الله، فبعثهم الله له، فأنزل الله في ذلك: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف)... الاية. 4365 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن الحجاج بن أرطاة، قال: كانوا أربعة آلاف. 4366 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف) ألى قوله: (ثم أحياهم). قال كانت قرية يقال هلا داوردان (5) قيل واسط، وقع بها الطاعون، فهرب عامة أهلها، فنزلوا ناحية
[ 795 ]
منها، فهلك من بقي في القرية وسلم الاخرون، فلم يمت منهم كبير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم ! فوقع في قابل فهربوا، وهم بضعة وثلاثون ألفا، حتى نزلوا ذلك المكان، وهو واد أفيح (1)، فنادهم ملك من أسفل الوادي، وآخر من أعلاه: أن موتوا ! فماتوا، حتى إذا هلكوا وبليت أجسادكم، مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم، فجعل يتفكر فيهم، ويلوي شدقيه وأصابعه، فأوحى الله إليه: يا حزقيل، أتريد أن أريك فيهم كيف أحييهم ؟ - قال: وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم - فقال: نعم. فقيل له: ناد فنادى: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي ! فجعلت تطير العظام بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادا من عظام. ثم أوحى الله إليه أن ناد (2) يا أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تكتسي لحما ! فاكتست لحما ودما وثيابها التي ماتت فيها وهي عليها. ثم قيل له: ناد ! فنادي يا أيتها الاجساد إن الله يأمرك أن تقومي، فقاموا. 4367 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، فزعم منصور بن المعتمر، عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا: سبحانك ربنا وبحمدك، لا إله إلا أنت ! فرجعوا إلى قومهم أحياء، يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة (3) الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلا عاد كفنا دسما مثل الكفن (4) حتى ماتوا لاجالهم التي كتبت لهم. 4368 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد الرحمن بن عوسجة، عن عطاء الخراساني: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف) قال: كانوا ثلاثة آلاف أو أكثر. 4369 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: كانوا أربعين ألفا أو ثمانية آلاف (5) حظر عليهم حظائر (6)، وقد
[ 796 ]
أروحت (1) أجسادهم وأنتنوا، فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح، وهم ألوف فرارا من الجهاد في سبيل الله، فأماتهم الهل، ثم أحياهم، فأمرهم بالجهاد، فذلك قوله: (وقالوا في سبيل الله)... الاية. 4370 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن وهب بن منبه: أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع، خلف فيهم - يعني في بني إسرائيل - حزقيل بن بوزي، وهو ابن العجوز. وإنما سمي ابن العجوز، أنها سألت الله الولد وقد كبرت وعقمت، فوهبه الله لها، فلذلك قيل له ابن العجوز، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون). 4371 - حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: بلغني أنه كان من حديثهم أنهم خرجوا فرارا من بعض الاوباء من الطاعون - أو من سقم كان يصيب الناس - حذرا من الموت، وهم ألوف. حتى إذا نزلوا بصعيد من البلاد، قال لهم الله: موتوا ! فماتوا جمعيا، فعمد هل تلك البلاد. حتى إذا نزلوا بصعيد من البلاد، قال لهم الله: موتوا ! فماتوا جميعا، فعمد أهل تلك البلاد فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، ثم تركوهم فيها، وذلك أنهم كثروا عن أن يغيبوا. فمرت بهم الازمان والدهور، حتى صاروا عظاما نخرة. فمر بهم حزقيل بن بوزي، فوقف عليهم، فتعجب لامرهم، ودخله رحمة لهم، فقيل له: أتحب أن يحييهم الله ؟ فقال: نعم. فقيل له: نادهم ! فقال: أيها العظام الرميم التي قد رمت وبليت، ليرجع كل عظم إلى صاحبه ! فناداهم بذلك، فنظر إلى العظام تواثب يأخذ بعضها بعضا. ثم قيل له: قل أيها اللحم والعصب والجلد اكس العظام بأذن ربك ! قال: فنظر إليها والعصب يأخذ العظام ثم اللحم والجلد والاشعار، حتى استووا خلقا ليست فهيم الا رواح، ثم دعا لهم بالحياة، فتغشاهم من السماء كدية (2) حتى غشي عليه منه، ثم أفأق والقوم جلوس يقولون: سبحان الله، سبحان الله ! قد أحياهم الله. وقال آخرون: معنى قوله (وهم ألوف) وهم مؤتلفون (3). ذكر من قال ذلك: 4372 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قول الله: (ألم تر
[ 797 ]
إلى الدين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) قال: قرية كانت نزل بها الطاعون، فخرجت طائفة منهم وأقامت طائفة. فألح الطاعون بالطائفة التي أقامت، والتي خرجت لم يصبها شئ. ثم ارتفع، ثم نزل العام القابل، فخرجت طائفة أكثر من التي خرجت أولا. فاستحر الطاعون بالطائفة التي أقامت. فلما كان العام الثالث نزل، فخرجوا بأجمعهم وتركوا ديارهم، فقال الله تعالى ذكره: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف) ليست الفرقة أخرجتهم كما يخرج للحرب والقتال، قلوبهم مؤتلفة، إنما خرجوا فرارا، فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة، قال لهم الله: موتوا ! في المكان الذي ذهبوا إليه يبتغون فيه الحياة، فماتوا. ثم أحياهم الله، (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون). قال: ومر بها رجل وهي عظام تلوح (1)، فوقف ينظر، فقال: (أني يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام). ذكر الاخبار عمن قال: كان خروج هؤلاء القوم من ديارهم فرارا من الطاعون: 4373 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن الاشعث، عن الحسن في قوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) قال: خرجوا فرارا من الطاعون، فأماتهم قبل آجالهم، ثم أحياهم إلى آجالهم. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) قال: فروا من الطاعون، فقال لهم الله: موتوا ! ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم. 4374 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار في قول الله تعالى ذكره: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) قال: وقع الطاعون في قريتهم، فخرج أناس وبقي أناس، فهلك الذين بقوا في القرية وبقي الاخرون. ثم وقع الطاعون في قريتهم الثانية، فخرج أناس، وبقي أناس ومن خرج أكثر ممن بقي، فنجي الله الذين خرجوا، وهلك الذين بقوا، فلما كانت الثالثة خرجوا بأجمهم إلا قليلا، فأماتهم الله ودوابهم ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وكثروا بها، حتى يقول بعضهمه لبعض: من أنتم ؟
[ 798 ]
* - حدثنا المثني، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: وقع الطاعون في قريتهم، ثم ذكر حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم. 4375 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا سويد، قال حدثنا سعيد، عن قتادة: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف)... الاية، مقتهم الله على فرارهم من الموت، فأماتهم الله عقوبة ثم بعثم إلى بقية آجالهم ليستوفوها، ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم. 4376 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، عن هلال بن يساف في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا)... الاية. قال: كان هؤلاء القوم من بني إسرائيل إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم وأشارفهم وأقام فقراؤهم وسفلتهم. قال: فاستحر الموت على المقيمين منهم، ونجا من خرج منهم، فقال الذين خرجوا: لو أقمنا كما أقام هؤلاء لهلكنا كما هلكوا ! وقال المقيمون: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء لنجونا كما نجوا ! فظعنوا جميعا في عام واحد، أغنياؤهم وإشرافهم وفقراؤهم وسفلتهم، فأرسل عليهم الموت، فصاروا عظاما تبرق. قال: فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد، فمر بهم نبي، فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك ! قال: أو أحب إليك أن أفعل ؟ قال نعم، قال: فقل كذا وكذا ! فتكلم به، فنظر إلى العظام، وإن العظم ليخرج من عند العظم الذي ليس منه إلى العظم الذي هو منه. ثم تكلم بما أمر، فإذا العظام تكسى لحما، ثم أمر بأمر فتكلم به، فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون ويكبرون، ثم قيل لهم: (قاتلوا في سيبل الله واعلموا أن الله سميع عليهم). * حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن حماد بن عثمان، عن الحسن أنه قال في الذين أماتهم الله ثم أحياهم، قال: هم قوم فروا من الطاعون، فأماتهم الله عقوبة ومقتا، ثم أحياهم لاجالهم. وأولى القولين في تأويل قوله: (وهم ألوف) بالصواب، قول من قال: عنى بالاول بالالوف: كثرة العدد، دون قول من قال: عنى به الائتلاف، بمعنى ائتلاف قلوبهم، وأنهم خرجوا من ديارهم من غير افتراق كان منهم ولا تباغض، ولكن فرارا، إما من الجهاد، وإما من الطاعون. لاجماع الحجة على أن ذلك تأويل الاية، ولا يعارض بالقول الشاذ ما استفاض به القول من الاصحابة والتابعين.
[ 799 ]
وأولى الاقوال في مبلغ عدد القوم الذين وصف الله خروجهم من ديارهم بالصواب، قول من حد عددهم بزيادة عن عشرة آلاف دون من حده بأربعة آلاف وثلاثة آلاف وثمانية آلاف. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم كانوا ألوفا، وما دون العشرة آلاف لا يقال لهم ألوف، وإنما يقال: هم آلاف إذا كانوا ثلاثة آلاف فصاعدا إلى العشرة آلاف، وغير جائز أن يقال: هم خمسة ألوف، أو عشرة ألوف. وإنما جمع قليله على أفعال، ولم يجمع على أفعل مثل سائر الجمع القليل الذي يكون ثاني مفرده ساكنا للالف التي في أوله، وشأن العرب في كل حرف كان أوله ياء أو واوا ألفا اختيار جمع قليله على أفعال، كما جمعوا الوقت أو قاتا، واليوم أياما، واليسر أيسارا، للواو والياء اللتين في أول ذلك، وقد يجمع ذلك أحيانا على " ألف وكتيبة * * ألفين أعجم من بني الفدام (1) وأما قوله: (حذر الموت) فإنه يعني: أنهم خرجوا من حذر الموت فرارا منه. كما: 4377 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حذر الموت) فرارا من عدوهم، حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه، فأمرهم فرجعوا وأمرهم أن يقاتلوا في سبيل الله. وهم الذين قالوا لنبيهم: (ابعث لنا ملكا نقاتل في سيبل الله) (2). وإنما حث الله تعالى ذكره عباده بهذه الاية على المواظبة على الجهاد في سبيل الله والصبر على قتال أعداء دينه، وشجعهم بإعلامه إياهم وتذكيره هلم أن الاماتة والاحياء بيديه وإليه دون خلقه، وأن الفرار من القتال والهرب من الجهاد ولقاء الاعداء إلى التحصن في الحصون والختباء في المنازل والدور غير منج أحدا من قضائه إذا حل بساحته، ولا دافع عنه أسباب منيته إذا نزل بعقوبته (3)، كما لم ينفع الهاربين من الطاعون الذين وصف الله تعالى ذكره صفتهم في قوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر
[ 800 ]
الموت) فرارهم من أوطانهم، وانتقالهم من منازلهم إلى الموضع الذي أملوا بالمصير إليه السلامة، وبالموئل النجاة من المنية، حتى أتاهم أمر الله، فتركهم جميعا خمودا صرعى وفي الارض هلكى، ونجا مما حل بهم الذين باشروا كرب الوباء وخالطوا بأنفسهم عظيم البلاء. القول في تأويل قوله تعالى: (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون). يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله لذو فضل ومن على خلقه بتبصيره إياهم سبيل الهدى وتحذيره لهم طرق الردي، وغير ذلك من نعمه التي ينعمها عليهم في دنياهم ودينهم وأنفسهم وأموالهم. كما أحياء الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بعد إمانته إياهم وجعلهمه لخلقه مثلا وعظة يعظمون بهم عبرة يعتبرون بهم. وليعلموا أن الامور كلها بيده، فيستسلمون لقضائه، ويصرفون الرغبة كلها والرهبة إليه. ثم أخبر تعالى ذكره أن أكثر من ينعم علهى من عباده بنعمه الجليلة ويمن عليه بمننه الجسيمة، يكفر به، ويصرف الرغبة والرهبة إلى غيره، ويتخذ إلها من دونه، كفرانا منه لنعمه التي توجب أصغرها عليه من الشكر ما يفدحهه ومن الحمد ما يثقله، فقال تعالى ذكره: (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، يقول: لا يشكرون نعمي التي أنعمتها عليهم وفضلي الذي تفضلت به عليهم، بعبادتهم غيري وصرفهم رغبتهم ورهبتهم إلى من دوني، ممن لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا. القول في تأويل قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليهم (244)) يعني تعالى ذكره بذلك: (وقاتلوا) أيها المؤمنون (في سبيل الله) يعني في دينه الذي هداكم له، لا في طاعة الشيطان أعداء دينكم، الصادين عن سبيل ربكم، ولا تجبنوا عن لقائهم، ولا تقعدوا عن حربهم، فإن بيدي حياتكم وموتكم، ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت، وخوف المنية على نفسه بقتالهم، فيدعوه ذلك إلى التعريد (1) عنهم، والفرار منهم، فتذلوا ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم (2)
[ 801 ]
إليه، كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، الذين قصصت عليكم قصتهم، فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله هبم حين جاءهم أمري وحل بهم قضائي، ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانو لم يحذروه إذ دافعت عنهم مناياهم، وصرفتها عن حوبائهم (1)، فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني، فإن من حيي منكم فأنا أحييه، ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله، ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا أيها المؤمنون أن ربكم سميع لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهمه ما قتلوا، عليهم بما تخفيه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي. يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي، وغير ذلك من أمري ونهيي، إذ كفر هؤلاء نعمي، واعلموا أن الله سميع لقولهم وعليهم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الايمان والكفر والطاعة والمعصية محيط بذلك كله، حتى أجازي كلا بعمله، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. ولا وجه لقول من زعم أن قوله: (وقاتلوا في سبيل الله) أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال بعد ما أحياهم، لان قوله: (وقالوا في سبيل الله) لا يخلوا إن كان الامر على ما تأولوا من أحد أمور ثلاثة: إما أن يكون عطفا على قوله: (فقال لهم الله موتوا) وذلك من المحال أن يميتهم ويأمرهم وهمه موتى بالقتال في سبيله. أو يكون عطفا على قوله: (ثم أحياهم) وذلك أيضا مما لا معنى له، لان قوله: (وقاتلوا في سبيل الله أمر من الله بالقتال، وقوله: (ثم أحياهم) خبر عن فعل قد مضي، وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض لو كانا جميعا خبرين لاختلاف معنييهما، فكيف عطف الامر على خبر ماض ؟ أو يكون معناه: ثم أحياهم، وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله، ثم إسقط القول، كما قال تعالى ذكره: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا) (2) بمعني: يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضوع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر، فأما في الاماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه، فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها. القوم في تأويل قوله تعالى:
[ 802 ]
(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون (245)) يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الذي ينفق في سبيل الله، فيعين مضعفا، أو يقوي ذا فاقة أراد الجهاد في سبيل الله، ويعطي منهم مقترا. وذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه. وإنما سماه الله تعالى ذكره قرضا لان معنى القرض: إعطاء الرجل غيره ماله مملكا له ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلما كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة والفاقة في سبيل الله إنما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده الله عليه من جزيل الثواب عنده يوم القيامة، سماه قرضا، إذ كان معنى القرض في لغة العرب ما وصفنا. وإنما جعله تعالى ذكره حسنا، لان المعطي يعطي ذلك عن ندب الله إياه وحثه له عليه احتسابا منه، فهو لله طاعة وللشياطين معصية. وليس ذلك لحاجة بالله إلى أحد من خلقه، ولكن ذلك كقول العرب: " عندي لك قرض صدق وقرض سوء ": للامر يأتي فيه للرجل مسرته أو مساءته، كما قال الشاعر: كل امرئ سوف يجزي قرض حسنا * * أو سيئا ومدينا بالذي دانا (1) فقرض المرء: ما سلف من صالح عمله أو سيئه. وهذه الاية نظيرة الاية التي قال الله فيها تعالى ذكره: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليهم) (2). وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول. 4378 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) قال: هذا في سيبل الله، (فيضاعه له أضعافا كثيرة) قال: بالواحد سبعمائة ضعف.
[ 803 ]
4379 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، قال: لما نزلت: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) جاء أبو الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لانفسنا ؟ وإن لي أرضين إحداما بالعالية، والاخرى بالسافلة، وإني قد جعلت خيرهما صدقة ! قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كم من عذق (1) مذلل (2) لابي الدحداح في الجنة (3). 4380 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بهذه الاية، قال: أنا أقرض الله ! فعمد إلى خير حائط له، فتصدق به. قال: وقال قتادة: يستقرضكم ربكم كما تسمعون وهو الولي الحميد، ويستقرض عباده (4). 4381 - حدثنا محمد بن معاوية الانماطى النيسابوري، قال: حدثنا حلف بن خليفة، عن حميد الاعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما نزلت: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) قال أبو الدحداح: يا رسول الله، أو إن الله يريد منا القرض ؟ قال: نعم يا أبا الدحداح ". قال: يدك قبل (5) ! فناوله يده. قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي حائطا (6) فيه ستمائة نخلة، ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها، فناداها: يا أم الدحداح ! قالت لبيك ! قال: اخرجي قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمائة نخلة (7). وأما قوله: فيضاعفه له أضعافا كثيرة) فإنه عدة من الله تعالى ذكره مقرضه ومنفق ماله في سبيل الله من إضعاف الجزاء له على قرضه ونفقته مالا حد له ولانهاية. كما:
[ 804 ]
4382 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو. 4383 - وقد حدثني المثني، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن صاحب له يذكر عن بعض العلماء، قال: إن الله أعطاكم الدنيا قرضا وسألكموها قرضا، فإن أعطيتموها طيبة بها أنفسكم ضاعف لكم ما بين الحسنة إلى العشر إلى السبعمائة إلى أكثر من ذلك، وإن أخذها منكم وأنتم كارهون فصبرتم وأحسنتم كانت لكم الصلاة والرحمة وأوجب لكم الهدي. وقد اختلفت القراء في قراءة قوله: فيضاعفه " بالالف ورفعه، بمعني: الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له، نسق " يضاعف " على قوله " يفرض ". وقرأة آخرون بذلك المعني " فيضعفه "، غير أنهمه قرءوا بتشديد العين وإسقاط الالف. وقرءة آخرون (فيضاعفه له) بإثبات الالف في يضاعف ونصبه بمعنى الاستفهام. فكأنهم تأولوا الكلام: من المقرض الله قرضا الله قرضا حسنا فيضاعفه له ؟ فجعلوا قوله: (فيضاعفه) جوابا للاستفهام، وجعلوا: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) اسما، لان الذي وصلته بمنزلة عمرو وزيد. فكأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى قول القائل: من أخوك فنكرمه ؟ لان الافصح في جواب الاستفهام بالفاء، إذ لم يكن قبله ما يعطف به عليه من فعل مستقبل، نصبه. وأولى هذه القراءات عندنا بالصواب قراءة من قرأ: (فيضاعفه له) بإثبات الالف، ورفع يضاعف، لان في قوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه) معنى الجزاء، والجزاء إذا دخل في جواببه الفاء لم يكن جوابه بالفاء لا رفعا، فلذلك كان الرفع في " يضاعفه: أولى بالصواب عندنا من النصب. وإنما اخترنا الالف في " يضاعف " من حذفها وتشديد العين، لان ذلك أفصح اللغتين وأكثرهما على ألسنة العرب. القول في تأويل قوله تعالى: (والله يقبض ويبسط). يعني تعالى ذكره بذلك: أنه الذي بيده قبض أرزاق العباد وبسطها دون غيره ممن ادعى أهل الشرك به أنهم آلهة واتخذوا ربا دونه يعبدونه. وذلك نظير الخبر الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:
[ 805 ]
4384 - حدثنا به محمد بن المثني ومحمد بن بشار، قالا: ثنا حجاج، وحدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال: ثنا حجاج وأبو ربيعة، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد وقتادة، عن أنس، قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم غلا السعر، فأسعر لنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله الباسط القابض الرازق، وإني لارجو ا أن ألقي الله ليس أحد يطلبني بمظلمة في نفسي ومال " (1). قال أبو جعفر: يعني بذلك صلى الله لعيه وسلم: أن الغلاء والرخص والسعة والضيق بيد الله دون غيره. فكذلك قوله تعالى ذكره: (والله يقبض ويبسط) يعني بقوله: (يقبض) يقتر بقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه، ويعني بقوله: (ويبسط) يوسع ببسطه الرزق على من يشاء منهم. وإنما أراد تعالى ذكره بقيله ذلك حث عباده المؤمنين الذين قد بسط عليهم من فضله، فوسع عليهم من رزقه على تقوية ذوي الاقتار منهم بماله، ومعونته بالانفاق عليه، وحمولته على النهوض لقتال عدوه من المشركين في سبيله، فقال تعالى ذكره: من يقدم لنفسه ذخرا عندي بإعطائه ضعفاء المؤمنين وأهل الحاجة منهم ما يستعين به على القتال في سبيلي، فأضاعف له من ثوابي أضعافا كثيرة مما أعطاه وقواه به، فإني أنا الموسع الذي قبضت الرزق عمن ندبتك إلى معونته وإعطاه، لابتليه بالصبر على ما ابتليته به، والذي قبضت الرزق عمن ندبتك إلى معونته وإعطائه، لابتليه بالصبر على ما ابتليته به، والذي بسطت عليك لامتحنك بعملك فيما بسطت عليك، فأنظر كيف طاعتك إياي فيه، فأجازي كل واحد منكما على قدر طاعتكما لي فيما ابتليتكما فيه، وامتحنتكما به من غنى وفاقة وسعة وضيق، عند رجوعكما إلى في آخرتكما ومصير كما إلي في معادكما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من بلغنا قوله من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 4385 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا)... الاية. قال: علم أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد غني، فندب هؤلاء، فقال: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط). قال: يبسط عليك وأنت ثقيل
[ 806 ]
عن الخروج لا تريده، وقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له، فقوه مما في يدك يكن لك في ذلك حظ. القول في تأويل قوله تعالى: (وإليه ترجعون). يعنى تعالى ذكره بذلك: وإلى الله معادكم أيها الناس، فاتقوا الله في أنفسكم أن تضيعوا فرائضه وتتعدوا حددوه، وأن يعمل من بسط عليه منكم من رزقه بغير ما أذن له بالعمل فيه ربه، وأن يحمل المقتر منكم. فقبض عن رزقه إقتاره على معصيته (1)، والتقدم على ما نهاه، فيستوجب بذلك منه بمصيره إلى خالقه ما لا قبل له به من أليم عقابه. وكان قتادة يتأول قوله: (وإليه ترجعون): وإلى التراب ترجعون. 4386 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وإليه ترجعون) من التراب خلقهم، وإلى التراب يعودون. القول في تأويل قوله تعالى: (ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارهمه وابنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين (246)) يعنى تعالى ذكره بقوله: (ألم تر) يا محمد بقلبك، فتعلم بخيري إياك يا محمد (إلى الملاء يعني إلى وجوه، إذ قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله. فذكر لي أن النبي الذي قال لهم ذلك شمويل بن بالي بن علقمة بن يرحام بن أليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا بن صفية بن علقمة بن أبي ياسق بن قارون بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (2).
[ 807 ]
4387 - حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن أبي إسحاق، عن وهب بن منبه. 4388 - وحدثني أيضا المثني بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه يقول: هو شمويل (1). ولم ينسبه كما نسبه إسحاق. وقال السدي: بل اسمه شمعون، وقال: إنما سمي شمعون لان أمه دعت الله أن يرزقها غلاما، فاستجاب الله لها دعاءها فرزقها، فولدت غلاما فسمته شمعون، تقول: الله تعالى سمع دعائي. 4389 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي. فكان شمعون فعلون عند السدي، من قولها: سمع الله دعاءها. 4390 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم) قال: شمعون. وقال آخرون: بل الذي سأله قومه من بني إسرائيل أن يبعث لهم لمكا يقاتلون في سبيل الله يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. 4391 - حدثني بذلك الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (وقال لهم نبيهم) قال: كان نبيهم الذي بعد موسى يوشع بن نون. قال: وهو أحد الرجلين اللذين أنعم الله عليهما. وأما قوله: (ابعث لنا لما نقاتل في سبيل الله) فاختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله سأل الملا من بني إسرائيل نبيهم ذلك. فقال بعضهم: كان سبب مسألتهم إياه ما: 4392 - حدثنا به محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن وهب بن منبه قال: خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون
[ 808 ]
يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله. ثم خلف فيهم كالب بن يوقنا (1) يقيم فيههم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله تعالى. ثم خلف فيهم حزقيل بن بوزي وهو ابن العجوز. ثم إن الله قبض حزقيل، وعظمت في بني إسرائيل الاحداث، ونسوا ما كان من عهد الله إليهم، حتى نصبوا الاوثان وعبدها من دون الله. فبعث الله إليهم إلياس بن يسى (2) بن فنحاصبن العيزار بن هارون بن عمران نبيا. وإنما كانت الانبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة. وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أخاب (3)، وكان يسمع منه ويصدقه، فكان إلياس يقيم له أمره، وكان سائر بني إسرائيل يقال له أخاب (3)، وكان يسمع منه ويصدقه، فكان إليسا يقيم له أمره. وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله، وجعلوا لا يسمعون منه شيئا، إلا ما كان من ذلك الملك، والملوك متفرقة بالشام، كل ملك له ناحية منها يأكلها. فقال ذلك الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره ويراه على هدى من بين أصحابه يوما: يا إلياس والله ما أرى ما تدعو إليه الناس إلا باطلا ! والله ما أرى فلانا وفلانا - يعدد ملوكا من ملوك بني إسرائيل - قد عبدوا الاوثان من دون الله إلا على مثل ما نحن عليه، يأكلون ويشربون ويتنعمون، مالكين (4) ما ينقص من دنياهم، وما نرى لنا عليهم من فضل ! ويزعمون - والله أعلم - أن إلياس استرجع، وقام شعر رأسعه وجلده ثم رفضه وخرج عنه. ففعل ذلك الملك فعل أصحابه، عبد الاوثان، وصنع ما يصنعون. ثم خلف من بعده فيهم اليسع، فكان فيهم ما شاء الله أن يكون، ثم قبضه الله إليه. وخلفت فيهم الخلوف، وعظمت فيهم الخطايا، وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر، فيه السكينة، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، وكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم، إلا هزم الله ذلك العدو. ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاء (5)، وكان الله قد بارك لهم في جيلهم من إيلياء لا يدخله عليهم عدو ولا يحتاجون معه إلى غيره. وكان أحدهم فيما يذكرون يجمع التراب على الصخرة، ثم ينبذ (6) فيه الحب، فيخرج الله ما يأكل ستته هو وعياله، ويكون لاحدهم الزيتونة فيعتصر منها ما يأكل هو وعياله سنته. فلما عظمت أحدائهم وتركوا عهد
[ 809 ]
الله إليه، نزل بهم عدو، فخرجوا إليه، وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه، ثم زحفوا به، فقوتلوا حتى استلب من بين أيديهم، فأتى ملكهم إيلاء، فأخبر أن التابوت قد أخذ واستلب، فمالت عنقه، فمات كمدا عليه. فمرج أمرهم عليهم، ووطئهم عدوهم، حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم، وفيهم نبي لهم قد كان الله بعثه إليهم فكانوا لا يقبلون منه شيئا يقال له شمويل، وهو الذي ذكر الله لنبيه محمد: (ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) إلى قوله: (وقد أخرجنا من ديارنا وأبنا ئنا) يقول الله: (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم) إلى قوله (إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين). قال ابن إسحاق: فكان من حديهثم فيما حدثني به بعض أهل العلم عن وهب بن منبه: أنه لما نزل بهم البلاء ووطئت بلادهم، كلموا نبهيم شمويل بن بالي، فقالوا: ابعث لنا لما نقاتل في سبيل الله ! وإنم كان قوام بني إسرائيل الاجتماع على الملوك، وطاعة الملوك أنبياءهم، وكان الملك هو يسير بالجموع والنبي يقوم له أمره، ويأتيه بالخبر من ربه، فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم، فكانت الملوك إذا تابعها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل، ففريقا يكذبون فلا يقبلون منه شيئا، وفريقا يقتلون. فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ! فقال لهم: إنه ليس عندكم وفاء ولا صدق ولا رغبة في الجهاد. فقالوا: إنما كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه أنا كنا ممنوعين في بلادها لا يطؤها أحد فلا يظهر علينا فيها عدو، فأما إذ بلغ ذلك فإنه لابد من الجهاد، فنطيع ربنا في جهاد عدونا ونمنع أبناءها ونساءها وذرارينا. 4393 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل) إلى: (والله عليم بالظالمين). قال الربيع: ذكر لنا والله أعلم أن موسى لما حضرته الوفاة استخلف فتاه يوشع بن نون على بني إسرائيل، وإن يوشع بن نون سار فيهم بكتاب الله التوراة وسنة نبيه موسى. ثم إن يوشع بن نون توفي واستخلف فيهم آخر، فسار فيهم بكتاب الله وسنة نبيه موسى صلى الله عليه وسلم، ثم استخلف آخر، فسار فيهم بسيرة صاحبيه. ثم استخلف آخر فعرفوا وأنكروا، ثم استخلف آخر فأنكرو عامة أمره. ثم استخلف آخر فأنكروا أمره كله. ثم إن بني إسرائيل أتو نبيا من أنبيائهم حين أوذوا في نفوسهم وأموالهم، فقالوا له: سل ربك أن يكتب علينا القتال ! فقال لهم ذلك النبي: (هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا) إلى قوله: (والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم).
[ 810 ]
4394 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريح في قوله: * (ألم تر الى الملا من بني اسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا) * قال: قال ابن عباس: هذا حين رفعت التواراة واستخرج (1) أهل الايمان، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم. 4395 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: * (إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا) * قال: هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الايمان. وقال آخرون: كان سبب مسألتهم نبيهم ذلك، ما: 4396 - حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله. قال: كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة، وكان ملك العمالقة جالوت. وأنهم ظهروا على بني إسرائيل، فضربوا عليهم الجزية، وأخذوا توراتهم وكانت بنو إسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه وكان سبط النبوة قد هلكوا، فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى، فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام، لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها. فجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما، فولدت غلاما فسمته شمعون. فكبر الغلام فأرسلته يتعلم التوراة في بيت المقدس، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه. فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيا أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ، وكان لا يأتمن عليه أحدا غيره، فدعاه بلحن الشيخ: يا شماول فقام الغلام فزعا إلى الشيخ، فقال: يا أبتاه دعوتني ؟ فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام، فقال: يا بني ارجع فنم فرجع فنام ثم دعاه الثانية، فأتاه الغلام أيضا، فقال: دعوتني ؟ فقال: ارجع فنم، فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل، فقال: اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك، فإن الله قد بعثك فيهم نبيا فلما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت بالنبوة ولم يأن لك وقالوا: إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوتك فقال لهم شمعون: عسى أن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا والله أعلم.
[ 811 ]
قال أبو جعفر: وغير جائز في قول الله تعالى ذكره: نقاتل في سبيل الله إذا قرئ بالنون غير الجزم على معنى المجازاة وشرط الامر. فإن ظن ظان أن الرفع فيه جائز وقد قرئ بالنون بمعنى الذي نقاتل في سبيل الله، فإن ذلك غير جائز لان العرب لا تضمر حرفين. ولكن لو كان قرئ ذلك بالياء لجاز رفعه، لانه يكون لو قرئ كذلك صلة للملك، فيصير تأويل الكلام حينئذ: ابعث لنا الذي يقاتل في سبيل الله، كما قال تعالى ذكره: وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك لان قوله يتلو من صلة الرسول. القول في تأويل قوله تعالى: قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين. يعني تعالى ذكره بذلك: قال النبي الذي سألوه أن يبعث لهم ملكا يقاتلوا في سبيل الله: هل عسيتم هل تعدون إن كتب، يعني إن فرض عليكم القتال ألا تقاتلوا ؟ يعني أن لا تفوا بما تعدون الله من أنفسكم من الجهاد في سبيله ؟ فإنكم أهل نكث وغدر، وقلة وفاء بما تعدون قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله يعني قال الملا من بني إسرائيل لنبيهم ذلك: وأي شئ يمنعنا أن لا نقاتل في سبيل الله عدونا وعدو الله، وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا بالقهر والغلبة ؟ فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول أن في قوله: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وحذفه من قوله: وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم ؟ قيل: هما لغتان فصيحتان للعرب، تحذف أن مرة مع قولنا ما لك، فتقول: ما لك لا تفعل كذا ؟ بمعنى: ما لك غير فاعله، كما قال الشاعر: ما لك ترعين ولا ترعو الخلف
[ 812 ]
وذلك هو الكلام الذي لا حاجة بالمتكلم به إلى الاستشهاد على صحته لفشو ذلك على ألسن العرب. وتثبت أن فيه أخرى، توجيها لقولها ما لك إلى معناه، إذ كان معناه: ما منعك، كما قال تعالى ذكره: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ثم قال في سورة أخرى في نظيره: ما لك ألا تكون مع الساجدين فوضع ما منعك موضع ما لك، وما لك موضع ما منعك لاتفاق معنييهما وإن اختلفت ألفاظهما، كما تفعل العرب ذلك في نظائره مما تتفق معانيه وتختلف ألفاظه، كما قال الشاعر: يقول إذا اقلولى عليها وأقردت ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم فأدخل في دائم الباء مع هل وهي استفهام، وإنما تدخل في خبر ما التي في معنى الجحد لتقارب معنى الاستفهام والجحد. وكان بعض أهل العربية يقول: أدخلت أن في: ألا تقاتلوا لانه بمعنى قول القائل: ما لك في ألا تقاتل ؟ ولو كان ذلك جائزا لجاز أن يقال: ما لك أن قمت ؟ وما لك أنك قائم ؟ وذلك غير جائز لان المنع إنما يكون للمستقبل من الافعال، كما يقال: منعتك أن تقوم، ولا يقال: منعتك أن قمت فلذك قيل في ما لك: ما لك ألا تقوم، ولم يقل: ما لك أن قمت. وقال آخرون منهم: أن ههنا زائدة بعد ما فلما ولما ولو وهي تزاد في هذا المعنى كثيرا قال: ومعناه: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله فأعمل أن وهي زائدة وقال الفرزدق: لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إذن للام ذوو أحسابها عمرا
[ 813 ]
والمعنى: لو لم تكن غطفان لها ذنوب. ولا زائدة فأعملها وأنكر ما قال هذا القائل من قوله الذي حكينا عنه آخرون، وقالوا: غير جائز أن تجعل أن زائدة في الكلام وهو صحيح في المعنى وبالكلام إليه الحاجة قالوا: والمعنى: ما يمنعنا ألا نقاتل ؟ فلا وجه لدعوى مدع أن أن زائدة، وله معنى مفهوم صحيح. قالوا: وأما قوله: لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها، فإن لا غير زائدة في هذا الموضع، لانه جحد، والجحد إذا جحد صار إثباتا. قالوا: فقوله: لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إثبات الذنوب لها، كما يقال: ما أخوك ليس يقوم، بمعنى: هو يقوم. وقال آخرون: معنى قوله: ما لنا ألا نقاتل ما لنا ولان لا نقاتل، ثم حذفت الواو فتركت، كما يقال في الكلام: ما لك ولان تذهب إلى فلان ؟ فألقي منها الواو، لان أن حرف غير متمكن في الاسماء وقالوا: نجيز أن يقال: ما لك أن تقوم ؟ ولا نجيز: ما لك القيام ؟ لان القيام اسم صحيح، وأن اسم غير صحيح وقالوا: قد تقول العرب: إياك أن تتكلم، بمعنى إياك وأن تتكلم. وأنكر ذلك من قولهم آخرون، وقالوا: لو جاز أن يقال ذلك على التأويل الذي تأوله قائل من حكينا قوله، لوجب أن يكون جائزا: ضربتك بالجارية وأنت كفيل، بمعنى: وأنت كفيل بالجارية، وأن تقول: رأيتك أبانا ويزيد، بمعنى: رأيتك وأبانا يزيد لان العرب تقول: إياك بالباطل أن تنطق قالوا: فلو كانت الواو مضمرة في أن لجاز جميع ما ذكرنا ولكن ذلك غير جائز، لان ما بعد الواو من الافاعيل غير جائز له أن يقع على ما قبلها. واستشهدوا على فساد قول من زعم أن الواو مضمرة مع أن بقول الشاعر: فبح بالسرائر في أهلها وإياك في غيرهم أن تبوحا وأن أن تبوحا لو كان فيها واو مضمرة لم يجز تقديم غيرهم عليها. القول في تأويل قوله تعالى: (وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا). فإنه يعني: وقد أخرج من غلب عليه من رجالنا ونسائنا من ديارهم وأولادهم ومن سبي. وهذا الكلام
[ 814 ]
ظاهره العموم، وباطنه الخصوص لان الذين قالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله كانوا في ديارهم وأوطانهم، وإنما كان أخرج من داره وولده من أسر وقهر منهم. وأما قوله: فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم يقول: فلما فرض عليهم قتال عدوهم والجهاد في سبيله، تولوا إلا قليلا منهم يقول: أدبروا مولين عن القتال، وضيعوا ما سألوه نبيهم من فرض الجهاد. والقليل الذي استثناهم الله منهم، هم الذين عبروا النهر مع طالوت وسنذكر سبب تولي من تولى منهم وعبور من عبر منهم النهر بعد إن شاء الله إذا أتينا عليه. يقول الله تعالى ذكره: والله عليم بالظالمين يعني: والله ذو علم بمن ظلم منهم نفسه، فأخلف الله ما وعده من نفسه وخالف أمر ربه فيما سأله ابتداء أن يوجبه عليه. وهذا من الله تعالى ذكره تقريع لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله (ص) في تكذيبهم نبينا محمدا (ص) ومخالفتهم أمر ربهم. يقول الله تعالى ذكره لهم: إنكم يا معشر اليهود عصيتم الله وخالفتم أمره فيما سألتموه أن يفرضه عليكم ابتداء من غير أن يبتدئكم ربكم بفرض ما عصيتموه فيه، فأنتم بمعصيته فيما ابتدأكم به من إلزام فرضه أحرى. وفي هذا الكلام متروك قد استغني بذكر ما ذكر عما ترك منه وذلك أن معنى الكلام: قالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فسأل نبيهم ربهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل الله. فبعث لهم ملكا، وكتب عليهم القتال فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشآء والله واسع عليم) * يعني تعالى ذكره بذلك: وقال للملا من بني إسرائيل نبيهم شمويل: إن الله قد أعطاكم ما سألتم، وبعث لكم طالوت ملكا. فلما قال لهم نبيهم شمويل ذلك، قالوا: أنى يكون لطالوت الملك علينا، وهو من سبط بنيامين بن يعقوب، وسبط بنيامين سبط لا ملك فيهم ولا نبوة، ونحن أحق بالملك منه، لانا من سبط يهوذا بن يعقوب، ولم يؤت سعة من المال يعني: ولم يؤت طالوت كثيرا من المال، لانه سقاء، وقيل كان دباغا.
[ 815 ]
وكان سبب تمليك الله طالوت على بني إسرائيل وقولهم ما قالوا لنبيهم شمويل: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ما: 4397 - حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه قال: لما قال الملا من بني إسرائيل لشمويل بن بالي ما قالوا له، سأل الله نبيهم شمويل أن يبعث لهم ملكا، فقال الله له: انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن، فهو ملك بني إسرائيل، فادهن رأسه منه، وملكه عليهم وأخبره بالذي جاءه. فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلا عليه. وكان طالوت رجلا دباغا يعمل الادم، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب، وكان سبط بنيامين سبطا لم يكن فيهم نبوة ولا ملك. فخرج طالوت في طلب دابة له أضلته ومعه غلام له، فمرا ببيت النبي عليه السلام، فقال غلام طالوت لطالوت: لو دخلت بنا على هذا النبي فسألناه عن أمر دابتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير ؟ فقال طالوت: ما بما قلت من بأس فدخلا عليه، فبينما هما عنده يذكران له شأن دابتهما، ويسألانه أن يدعو لهما فيها، إذ نش الدهن الذي في القرن، فقام إليه النبي عليه السلام فأخذه، ثم قال لطالوت: قرب رأسك فقربه، فدهنه منه ثم قال: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم. وكان اسم طالوت بالسريانية: شادل بن قيس بن أبيال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن آيس بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. فجلس عنده وقال الناس: ملك طالوت. فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم وقالوا له: ما شأن طالوت يملك علينا وليس في بيت النبوة ولا المملكة ؟ قد عرفت أن النبوة والملك في آل لاوي وآل يهوذا فقال لهم: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم.
[ 816 ]
4398 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيل، عن عبد الكريم، عن عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه، قال: قالت بنو إسرائيل لشمويل: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال: قد كفاكم الله القتال قالوا: إنا نتخوف من حولنا فيكون لنا ملك نفزع إليه فأوحى الله إلى شمويل أن ابعث لهم طالوت ملكا، وادهنه بدهن القدس. وضلت حمر لابي طالوت، فأرسله وغلاما له يطلبانها، فجاءوا إلى شمويل يسألونه عنها، فقال: إن الله قد بعثك ملكا على بني إسرائيل قال: أنا ؟ قال: نعم. قال: وما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل ؟ قال: بلى. قال: وما علمت أن قبيلتي أدنى قبائل سبطي ؟ قال: بلى. قال: أما علمت أن بيتي أدنى بيوت قبيلتي ؟ قال: بلى. قال: فبأية آية ؟ قال: بآية أنك ترجع وقد وجد أبوك حمره، وإذا كنت بمكان كذا وكذا نزل عليك الوحي. فدهنه بدهن القدس، فقال لبني إسرائيل: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم. 4399 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: لما كذبت بنو إسرائيل شمعون، وقالوا له: إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوتك قال لهم شمعون: عسى أن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا. قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله... الآية. دعا الله فأتى بعصا تكون مقدارا على طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا، فقال: إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا. فقاسوا أنفسهم بها، فلم يكونوا مثلها. وكان طالوت رجلا سقاء يسقي على حمار له، فضل حماره، فانطلق يطلبه في الطريق، فلما رأوه دعوه فقاسوه بها، فكان مثلها، فقال لهم نبيهم: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قال القوم: ما كنت قط أكذب منك الساعة، ونحن من سبط المملكة وليس هو من سبط المملكة، ولم يؤت سعة من المال فنتبعه لذلك فقال النبي: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم. 4400 - حدثنا أحمد بن إسحاق الاهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: كان طالوت سقاء يبيع الماء. 4401 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: بعث الله طالوت ملكا، وكان من سبط بنيامين سبط لم يكن فيهم مملكة ولا نبوة. وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة، وسبط مملكة، وكان سبط النبوة لاوي إليه موسى وسبط
[ 817 ]
المملكة يهوذا إليه داود وسليمان. فلما بعث من غير سبط النبوة والمملكة أنكروا ذلك وعجبوا منه وقالوا: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه قالوا: وكيف يكون له الملك علينا، وليس من سبط النبوة، ولا من سبط المملكة فقال الله تعالى ذكره: إن الله اصطفاه عليكم. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ابعث لنا ملكا قال لهم نبيهم: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا قال: وكان من سبط لم يكن فيهم ملك ولا نبوة، فقال: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم. 4402 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة، وسبط خلافة. فلذلك قالوا أنى يكون له الملك علينا يقولون: ومن أين يكون له الملك علينا، وليس من سبط النبوة، ولا سبط الخلافة قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم. * - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: أنى يكون له الملك علينا فذكر نحوه. 4403 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: لما قالت بنو إسرائيل لنبيهم: سل ربك أن يكتب علينا القتال فقال لهم ذلك النبي: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال... الآية. قال: فبعث الله طالوت ملكا. قال: وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة، وسبط مملكة، ولم يكن طالوت من سبط النبوة ولا من سبط المملكة. فلما بعث لهم ملكا أنكروا ذلك، وعجبوا وقالوا: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قالوا: وكيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النبوة ولا من سبط المملكة فقال: إن الله اصطفاه عليكم... الآية. 4404 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أما ذكر طالوت إذ قالوا: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال فإنهم لم يقولوا ذلك إلا أنه كان في
[ 818 ]
بني إسرائيل سبطان، كان في أحدهما النبوة، وكان في الآخر الملك، فلا يبعث إلا من كان من سبط النبوة، ولا يملك على الارض أحد إلا من كان من سبط الملك. وإنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين، واختاره عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم ومن أجل ذلك قالوا: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه وليس من واحد من السبطين، قال: فإن الله اصطفاه عليكم إلى: والله واسع عليم. * - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس قوله: ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى... الآية. هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الايمان، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم فلما كتب عليهم القتال وذلك حين أتاهم التابوت قال: وكان من بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة وسبط خلافة، فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة، ولا تكون النبوة إلا في سبط النبوة، فقال لهم نبيهم: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه وليس من أحد السبطين، لا من سبط النبوة ولا سبط الخلافة. قال إن الله اصطفاه عليكم... الآية. وقد قيل: إن معنى الملك في هذا الموضع: الامرة على الجيش. ذكر من قال ذلك: 4405 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد قوله: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قال: كان أمير الجيش. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله، إلا أنه قال: كان أميرا على الجيش. وقد بينا معنى أنى، ومعنى الملك فيما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: قال: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم. يعني تعالى ذكره بقوله: إن الله اصطفاه عليكم قال نبيهم شمويل لهم: إن الله اصطفاه عليكم يعني اختاره عليكم. كما: 4406 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال:
[ 819 ]
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: اصطفاه عليكم اختاره. 4407 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: إن الله اصطفاه عليكم قال: اختاره عليكم. 4408 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: إن الله اصطفاه عليكم اختاره. وأما قوله: وزاده بسطة في العلم والجسم فإنه يعني بذلك: أن الله بسط له في العلم والجسم، وآتاه من العلم فضلا على ما أتى غيره من الذين خوطبوا بهذا الخطاب. وذلك أنه ذكر أنه أتاه وحي من الله وأما في الجسم، فإنه أوتي من الزيادة في طوله عليهم ما لم يؤته غيره منهم. كما: 4409 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه، قال: لما قالت بنو إسرائيل: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم قال: واجتمع بنو إسرائيل، فكان طالوت فوقهم من منكبيه فصاعدا. وقال السدي: أتى النبي (ص) بعصا تكون مقدارا على طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا فقال: إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا. فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها، فقاسوا طالوت بها فكان مثلها. 4410 - حدثني بذلك موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن الله اصطفاه عليكم وزاده مع اصطفائه إياه بسطة في العلم والجسم يعني بذلك: بسط له مع ذلك في العلم والجسم. ذكر من قال ذلك: 4411 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم بعد هذا. القول في تأويل قوله تعالى: والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم. يعني تعالى ذكره بذلك: أن الملك لله وبيده دون غيره يؤتيه. يقول: يؤتي ذلك من يشاء فيضعه عنده، ويخصه به، ويمنحه من أحب من خلقه. يقول: فلا تستنكروا يا معشر
[ 820 ]
الملا من بني إسرائيل أن يبعث الله طالوت ملكا عليكم وإن لم يكن من أهل بيت المملكة، فإن الملك ليس بميراث عن الآباء والاسلاف، ولكنه بيد الله يعطيه من يشاء من خلقه، فلا تتخيروا على الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 4412 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه: والله يؤتي ملكه من يشاء الملك بيد الله يضعه حيث يشاء، ليس لكم أن تختاروا فيه. 4413 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: ملكه: سلطانه. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والله يؤتي ملكه من يشاء سلطانه. وأما قوله: والله واسع عليم فإنه يعني بذلك والله واسع بفضله، فينعم به على من أحب، ويريد به من يشاء عليم بمن هو أهل لملكه الذي يؤتيه، وفضله الذي يعطيه، فيعطيه ذلك لعلمه به، وبأنه لما أعطاه أهل إما للاصلاح به وإما لان ينتفع هو به. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) * وهذا الخبر من الله تعالى ذكره عن نبيه الذي أخبر عنه دليل على أن الملا من بني إسرائيل الذين قيل لهم هذا القول لم يقروا ببعثة الله طالوت عليهم ملكا، إذ أخبرهم نبيهم بذلك وعرفهم فضيلته التي فضله الله بها ولكنهم سألوه الدلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به. فتأويل الكلام إذ كان الامر على ما وصفنا: والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم فقالوا له: ائت بآية على ذلك إن كنت من الصادقين قال لهم نبيهم: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت. هذه القصة وإن كانت خبرا من الله تعالى ذكره عن الملا من بني
[ 821 ]
إسرائيل ونبيهم وما كان من ابتدائهم نبيهم بما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيله، بناء عما كان منهم من تكذيبهم نبيهم بعد علمهم بنبوته ثم إخلافهم الموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله من الجهاد في سبيل الله بالتخلف عنه حين استنهضوا الحرب من استنهضوا لحربه، وفتح الله على القليل من الفئة مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله (ص) من ذراريهم وأبنائهم يهود قريظة والنضير، وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم محمدا (ص) فيما أمرهم به ونهاهم عنه، مع علمهم بصدقه ومعرفتهم بحقيقة نبوته، بعد ما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته، وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم شمويل بن بالي، مع علمهم بصدقه ومعرفتهم بحقيقة نبوته، وامتناعهم من الجهاد مع طالوت لما ابتعثه الله ملكا عليهم بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم، ويجاهدون معه في سبيل ربهم ابتداء منهم بذلك نبيهم، وبعد مراجعة نبيهم شمويل إياهم في ذلك وحض لاهل الايمان بالله وبرسوله من أصحاب محمد (ص) على الجهاد في سبيله، وتحذير منه لهم أن يكونوا في التخلف عن نبيهم محمد (ص) عند لقائه العدو ومناهضته أهل الكفر بالله وبه على مثل الذي كان عليه الملا من بني إسرائيل في تخلفهم عن ملكهم طالوت، إذ زحف لحرب عدو الله جالوت، وإيثارهم الدعة والخفض على مباشرة حر الجهاد، والقتال في سبيل الله، وشحذ منه لهم على الاقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب، وترك تهيب قتالهم إن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم، بقوله: قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين، وإعلام منه تعالى ذكره عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر. وأما تأويل قوله: قال لهم نبيهم فإنه يعني للملا من بني إسرائيل الذين قالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله وقوله: إن آية ملكه: إن علامة ملك طالوت التي سألتمونيها دلالة على صدقي في قولي: إن الله بعثه عليكم ملكا، وإن كان من
[ 822 ]
غير سبط المملكة، أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وهو التابوت الذي كانت بنو إسرائيل إذا لقوا عدوا لهم قدموه أمامهم وزحفوا معه، فلا يقوم لهم معه عدو ولا يظهر عليهم أحد ناوأهم، حتى منعوا أمر الله وكثر اختلافهم على أنبيائهم، فسلبهم الله إياه مرة بعد مرة يرده إليهم في كل ذلك، حتى سلبهم آخر مرة فلم يرده عليهم ولن يرد إليهم آخر الابد. ثم اختلف أهل التأويل في سبب مجئ التابوت الذي جعل الله مجيئه إلى بني إسرائيل آية لصدق نبيهم شمويل على قوله: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا وهل كانت بنو إسرائيل سلبوه قبل ذلك فرده الله عليهم حين جعل مجيئه آية لملك طالوت، أو لم يكونوا سلبوه قبل ذلك ولكن الله ابتدأهم به ابتداء ؟ فقال بعضهم: كان ذلك عندهم من عهد موسى وهارون يتوارثونه حتى سلبهم إياه ملوك من أهل الكفر به، ثم رده الله عليهم آية لملك طالوت. وقال في سبب رده عليهم ما أنا ذاكره، وهو ما: 4414 - حدثني به المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه، قال: كان لعيلي الذي ربى شمويل ابنان شابان أحدثا في القربان شيئا لم يكن فيه، كان شرط القربان الذي كانوا يشرطونه به كلا بين فما أخرجا كان للكاهن الذي يستوطنه، فجعل ابناه كلاليب، وكانا إذا جاء النساء يصلين في القدس يتشبثان بهن. فبينا شمويل نائم قبل البيت الذي كان ينام فيه عيلي، إذ سمع صوتا يقول: أشمويل فوثب إلى عيلي، فقال: لبيك ما لك دعوتني ؟ فقال: لا، ارجع فنم فرجع فنام ثم سمع صوتا آخر يقول: أشمويل فوثب إلى عيلي أيضا، فقال: لبيك ما لك دعوتني ؟ فقال: لم أفعل ارجع فنم، فإن سمعت شيئا فقل لبيك مكانك مرني فأفعل فرجع فنام، فسمع صوتا أيضا يقول: أشمويل فقال: لبيك أنا هذا مرني أفعل قال: انطلق إلى عيلي، فقل له: منعه حب الولد أن يزجر ابنيه أن يحدثا في قدسي وقرباني وأن يعصياني، فلانزعن منه الكهانة ومن ولده، ولاهلكنه وإياهما فلما أصبح سأله عيلي،
[ 823 ]
فأخبره، ففزع لذلك فزعا شديدا، فسار إليهم عدو ممن حولهم، فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو فخرجا وأخرجا معهما التابوت الذي كان فيه اللوحان وعصا موسى لينصروا به. فلما تهيئوا للقتال هم وعدوهم، جعل عيلي يتوقع الخبر ماذا صنعوا، فجاءه رجل يخبره وهو قاعد على كرسيه أن ابنيك قد قتلا، وأن الناس قد انهزموا. قال: فما فعل التابوت ؟ قال: ذهب به العدو. قال: فشهق ووقع على قفاه من كرسيه فمات. وذهب الذين سبوا التابوت حتى وضعوه في بيت آلهتهم ولهم صنم يعبدونه، فوضعوه تحت الصنم والصنم من فوقه، فأصبح من الغد والصنم تحته وهو فوق الصنم. ثم أخذوه فوضعوه فوقه وسمروا قدميه في التابوت، فأصبح من الغد قد تقطعت يدا الصنم ورجلاه، وأصبح ملقى تحت التابوت فقال بعضهم لبعض: قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شئ، فأخرجوه من بيت آلهتكم فأخرجوا التابوت فوضعوه في ناحية من قريتهم، فأخذ أهل تلك الناحية التي وضعوا فيها التابوت وجع في أعناقهم، فقالوا: ما هذا ؟ فقالت لهم جارية كانت عندهم من سبي بني إسرائيل: لا تزالون ترون ما تكرهون ما كان هذا التابوت فيكم، فأخرجوه من قريتكم قالوا: كذبت قالت: إن آية ذلك أن تأتوا ببقرتين لهما أولاد لم يوضع عليهما نير قط، ثم تضعوا وراءهم العجل، ثم تضعوا التابوت على العجل، وتسير وهما، وتحبسوا أولادهما فإنهما تنطلقان به مذعنين، حتى إذا خرجتا من أرضكم ووقعتا في أرض بني إسرائيل، كسرتا نيرهما، وأقبلتا إلى أولادهما ففعلوا ذلك فلما خرجتا من أرضهم ووقعتا في أدنى أرض بني إسرائيل، كسرتا نيرهما، وأقبلتا إلى أولادهما، ووضعتاه في خربة فيها حضار من بني إسرائيل. ففزع إليه بنو إسرائيل وأقبلوا إليه، فجعل لا يدنو منه أحد إلا مات، فقال لهم نبيهم شمويل: اعترضوا، فمن آنس من نفسه قوة فليدن منه فعرضوا عليه الناس، فلم يقدر أحد يدنو منه، إلا رجلان من بني إسرائيل أذن لهما بأن يحملاه إلى بيت أمهما، وهي أرملة، فكان في بيت أمهما حتى ملك طالوت، فصلح أمر بني إسرائيل مع شمويل. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه، قال: قال شمويل لبني إسرائيل لما قالوا له: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم وإن آية ملكه: وإن تمليكه من قبل الله أن يأتيكم التابوت، فيرد عليكم الذي فيه من السكينة، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، وهو الذي كنتم تهزمون به من
[ 824 ]
لقيكم من العدو، وتظهرون به عليه قالوا: فإن جاءنا التابوت، فقد رضينا وسلمنا. وكان العدو الذين أصابوا التابوت أسفل من الجبل، جبل إيليا، فيما بينهم وبين مصر، وكانوا أصحاب أوثان، وكان فيهم جالوت، وكان جالوت رجلا قد أعطي بسطة في الجسم وقوة في البطش وشدة في الحرب، مذكورا بذلك في الناس. وكان التابوت حين استبي قد جعل في قرية من قرى فلسطين، يقال لها: أردن، فكانوا قد جعلوا التابوت في كنيسة فيها أصنامهم. فلما كان من أمر النبي (ص) ما كان من وعد بني إسرائيل أن التابوت سيأتيهم، جعلت أصنامهم تصبح في الكنيسة منكسة على رؤوسها، وبعث الله على أهل تلك القرية فأرا، تثبت الفأرة الرجل فيصبح ميتا قد أكلت ما في جوفه من دبره. قالوا: تعلمون والله لقد أصابكم بلاء ما أصاب أمة من الامم قبلكم، وما نعلمه أصابنا إلا مذ كان هذا التابوت بين أظهرنا، مع أنكم قد رأيتم أصنامكم تصبح كل غداة منكسة شئ لم يكن يصنع بها حتى كان هذا التابوت معها، فأخرجوه من بين أظهركم فدعوا بعجلة فحملوا عليها التابوت، ثم علقوها بثورين، ثم ضربوا على جنوبهما، وخرجت الملائكة بالثورين تسوقهما، فلم يمر التابوت بشئ من الارض إلا كان قدسا، فلم يرعهم إلا التابوت على عجلة يجرها الثوران، حتى وقف على بني إسرائيل، فكبروا وحمدوا الله، وجدوا في حربهم واستوثقوا على طالوت. 4415 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: لما قال لهم نبيهم: إن الله اصطفى طالوت عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، أبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم فقال لهم: أرأيتم إن جاءكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة. وكان موسى حين ألقى الالواح تكسرت، ورفع منها، فنزل، فجمع ما بقي، فجعله في ذلك التابوت. قال ابن جريج: أخبرني يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه لم يبق من الالواح إلا سدسها. قال: وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت، والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والارض، وهم ينظرون
[ 825 ]
إلى التابوت حتى وضعته عند طالوت، فلما رأوا ذلك قالوا: نعم فسلموا له وملكوه. قال: وكان الانبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين يديهم ويقولون: إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن. وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة. 4416 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن أرميا لما خرب بيت المقدس وحرق الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال: أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته، يعمرونها ثلاثين سنة تمام المائة فلما ذهبت المائة رد الله إليه روحه وقد عمرت، فهي على حالتها الاولى فلما أراد أن يرد عليهم التابوت، أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم، إما دانيال وإما غيره، إن كنتم تريدون أن يرفع عنكم المرض، فأخرجوا عنكم هذا التابوت قالوا: بآية ماذا ؟ قال: بآية أنكم تأتون ببقرتين صعبتين لم يعملا عملا قط، فإذا نظرتا إليه وضعتا أعناقهم للنير حتى يشد عليهما، ثم يشد التابوت على عجل، ثم يعلق على البقرتين، ثم تخليان فتسيران حيث يريد الله أن يبلغهما ففعلوا ذلك. ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما. فسارت البقرتان سيرا سريعا، حتى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا نيرهما، وقطعتا حبالهما، وذهبتا، فنزل إليهما داود ومن معه. فلما رأى داود التابوت، حجل إليه فرحا به فقلنا لوهب: ما حجل إليه ؟ قال: شبيه بالرقص فقالت له امرأته: لقد خففت حتى كاد الناس يمقتونك لما صنعت، قال: أتبطئيني عن طاعة ربي ؟ لا تكونين لي زوجة بعد هذا ففارقها. وقال آخرون: بل التابوت الذي جعله الله آية لملك طالوت كان في البرية، وكان موسى (ص) خلفه عند فتاه يوشع، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت. ذكر من قال ذلك: 4417 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم... الآية. كان موسى تركه عند فتاه يوشع بن نون وهو بالبرية، وأقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في دار طالوت، فأصبح في داره.
[ 826 ]
4418 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت... الآية، قال: كان موسى فيما ذكر لنا ترك التابوت عند فتاه يوشع بن نون وهو في البرية، فذكر لنا أن الملائكة حملته من البرية حتى وضعته في دار طالوت، فأصبح التابوت في داره. وأولى القولين في ذلك بالصواب، ما قاله ابن عباس ووهب بن منبه من أن التابوت كان عند عدو لبني إسرائيل كان سلبهموه، وذلك أن الله تعالى ذكره قال مخبرا عن نبيه في ذلك الزمان قوله لقومه من بني إسرائيل: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت والالف واللام لا تدخلان في مثل هذا من الاسماء إلا في معروف عند المتخاطبين به، وقد عرفه المخبر والمخبر. فقد علم بذلك أن معنى الكلام: أن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه الذي كنتم تستنصرون به، فيه سكينة من ربكم. ولو كان ذلك تابوتا من التوابيت غير معلوم عندهم قدره ومبلغ نفعه قبل ذلك لقيل: إن آية ملكه أن يأتيكم تابوت فيه سكينة من ربكم. فإن ظن ذو غفلة أنهم كانوا قد عرفوا ذلك التابوت وقدر نفعه وما فيه وهو عند موسى ويوشع، فإن ذلك ما لا يخفى خطؤه وذلك أنه لم يبلغنا أن موسى لاقى عدوا قط بالتابوت، ولا فتاه يوشع، بل الذي يعرف من أمر موسى وأمر فرعون ما قص الله من شأنهما، وكذلك أمره وأمر الجبارين. وأما فتاه يوشع، فإن الذين قالوا هذه المقالة زعموا أن يوشع خلفه في التيه حتى رد عليهم حين ملك طالوت، فإن كان الامر على ما وصفوه، فأي الاحوال للتابوت الحال التي عرفوه فيها، فجاز أن يقال: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه، وعرفتم أمره ؟ ففساد هذا القول بالذي ذكرنا أبين الدلالة على صحة القول الآخر، إذ لا قول في ذلك لاهل التأويل غيرهما. وكانت صفة التابوت فيما بلغنا كما: 4419 - حدثنا محمد بن عسكر والحسن بن يحيى، قالا: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا بكار بن عبد الله، قال: سألنا وهب بن منبه عن تابوت موسى ما كان ؟ قال: كان نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين. القول في تأويل قوله تعالى: فيه سكينة من ربكم. يعني تعالى ذكره بقوله: فيه في التابوت سكينة من ربكم.
[ 827 ]
واختلف أهل التأويل في معنى السكينة، فقال بعضهم: هي ريح هفافة لها وجه كوجه الانسان. ذكر من قال ذلك: 4420 - حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا محمد بن جحادة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي وائل، عن علي بن أبي طالب، قال: السكينة: ريح هفافة لها وجه كوجه الانسان. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الاحوص، عن علي، السكينة لها وجه كوجه الانسان، ثم هي ريح هفافة. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن سلمة بن كهيل، عن علي بن أبي طالب في قوله: فيه سكينة من ربكم قال: ريح هفافة لها صورة. وقال يعقوب في حديثه: لها وجه، وقال ابن المثنى: كوجه الانسان. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سلمة بن كهيل، قال: قال علي: السكينة لها وجه كوجه الانسان، وهي ريح هفافة. 4421 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، قال: قال علي: السكينة: ريح خجوج، ولها رأسان. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت خالد بن عرعرة يحدث عن علي، نحوه. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، وحماد بن سلمة، وأبو الاحوص، كلهم عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن علي، نحوه. وقال آخرون: لها رأس كرأس الهرة وجناحان. ذكر من قال ذلك: 4422 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: فيه سكينة من ربكم قال: أقبلت السكينة وجبريل مع إبراهيم من الشام قال ابن أبي نجيح: سمعت مجاهدا يقول: السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان.
[ 828 ]
* - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 4423 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: السكينة لها جناحان وذنب. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: لها جناحان وذنب مثل ذنب الهرة. وقال آخرون: بل هي رأس هرة ميتة. ذكر من قال ذلك: 4424 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه، عن بعض أهل العلم من بني إسرائيل، قال: السكينة رأس هرة ميتة كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ هر أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح. وقال آخرون: إنما هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الانبياء. ذكر من قال ذلك: 4425 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس: فيه سكينة من ربكم قال: طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الانبياء. 4426 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فيه سكينة من ربكم السكينة: طست من ذهب يغسل فيها قلوب الانبياء، أعطاها الله موسى، وفيها وضع الالواح وكانت الالواح فيما بلغنا من در وياقوت وزبرجد. وقال آخرون: السكينة: روح من الله يتكلم. ذكر من قال ذلك: 4427 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا بكار بن عبد الله، قال: سألنا وهب بن منبه، فقلنا له: السكينة ؟ قال: روح من الله يتكلم إذا اختلفوا في شئ تكلم، فأخبرهم ببيان ما يريدون. * - حدثنا محمد بن عسكر، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا بكار بن عبد الله أنه سمع وهب بن منبه فذكر نحوه. وقال آخرون: السكينة: ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليه. ذكر من قال ذلك:
[ 829 ]
4428 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: فيه سكينة من ربكم... الآية. قال: أما السكينة: فما تعرفون من الآيات تسكنون إليها. وقال آخرون: السكينة: الرحمة. ذكر من قال ذلك: 4429 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فيه سكينة من ربكم أي رحمة من ربكم. وقال آخرون: السكينة: هي الوقار. ذكر من قال ذلك: 4430 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: فيه سكينة من ربكم أي وقار. وأولى هذه الاقوال بالحق في معنى السكينة، ما قاله عطاء بن أبي رباح من الشئ تسكن إليه النفوس من الآيات التي تعرفونها. وذلك أن السكينة في كلام العرب الفعيلة من قول القائل: سكن فلان إلى كذا وكذا: إذا اطمأن إليه وهدأت عنده نفسه، فهو يسكن سكونا وسكينة، مثل قولك: عزم فلان هذا الامر عزما وعزيمة، وقضى الحاكم بين القوم قضاء وقضية، ومنه قول الشاعر: لله قبر غالها ماذا يجن ن لقد أجن سكينة ووقارا وإذا كان معنى السكينة ما وصفت، فجائز أن يكون ذلك على ما قاله علي بن أبي طالب على ما روينا عنه، وجائز أن يكون ذلك على ما قاله مجاهد على ما حكينا عنه، وجائز أن يكون ما قاله وهب بن منبه، وما قاله السدي لان كل ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس وتثلج بهن الصدور. وإذا كان معنى السكينة ما وصفنا، فقد اتضح أن الآية التي كانت في التابوت التي كانت النفوس تسكن إليها لمعرفتها بصحة أمرها إنما هي مسماة بالفعل، وهي غيره لدلالة الكلام عليه. القول في تأويل قوله تعالى: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون.
[ 830 ]
يعني تعالى ذكره بقوله: وبقية الشئ الباقي من قول القائل: قد بقي من هذا الامر بقية، وهي فعيلة منه، نظير السكينة من سكن. وقوله: مما ترك آل موسى وآل هارون يعني به: من تركة آل موسى، وآل هارون. واختلف أهل التأويل في البقية التي كانت بقيت من تركتهم، فقال بعضهم: كانت تلك البقية عصا موسى، ورضاض الالواح. ذكر من قال ذلك: 4431 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عكرمة، قال: أحسبه عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: رضاض الالواح. * - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر، قال: ثنا داود، عن عكرمة، قال داود: وأحسبه عن ابن عباس، مثله. 4432 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: عصا موسى ورضاض الالواح. 4433 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: فكان في التابوت عصا موسى ورضاض الالواح، فيما ذكر لنا. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: البقية: عصا موسى ورضاض الالواح. 4434 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون أما البقية فإنها عصا موسى ورضاضة الالواح. 4435 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون عصا موسى، وأمور من التوراة. 4436 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن عكرمة في هذه الآية: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: التوراة،
[ 831 ]
ورضاض الالواح، والعصا. قال إسحاق: قال وكيع: ورضاضه: كسره. 4437 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة في قوله: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: رضاض الالواح. وقال آخرون: بل تلك البقية: عصا موسى، وعصا هارون، وشئ من الالواح. ذكر من قال ذلك: 4438 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن ابن أبي خالد، عن أبي صالح: أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: كان فيه عصا موسى، وعصا هارون، ولوحان من التوراة، والمن. 4439 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية بن سعد في قوله: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: عصا موسى، وعصا هارون، وثياب موسى، وثياب هارون، ورضاض الالواح. وقال آخرون: بل هي العصا والنعلان. ذكر من قال ذلك: 4440 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: سألت الثوري عن قوله: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: منهم من يقول: البقية: قفيز من من ورضاض الالواح. ومنهم من يقول: العصا والنعلان. وقال آخرون: بل كان ذلك العصا وحدها. ذكر من قال ذلك: 4441 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا بكار بن عبد الله، قال: قلنا لوهب بن منبه: ما كان فيه ؟ يعني في التابوت. قال: كان فيه عصا موسى والسكينة. وقال آخرون: بل كان ذلك رضاض الالواح وما تكسر منها. ذكر من قال ذلك:
[ 832 ]
4442 - حدثنا القاسم، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس في قوله: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال: كان موسى حين ألقى الالواح تكسرت ورفع منها، فجعل الباقي في ذلك التابوت. 4443 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون العلم والتوراة. وقال آخرون: بل ذلك الجهاد في سبيل الله. ذكر من قال ذلك: 4444 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد الله بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون يعني بالبقية: القتال في سبيل الله، وبذلك قاتلوا مع طالوت، وبذلك أمروا. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن التابوت الذي جعله آية لصدق قول نبيه (ص) لامته: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا أن فيه سكينة منه، وبقية مما تركه آل موسى وآل هارون. وجائز أن يكون تلك البقية: العصا، وكسر الالواح والتوراة، أو بعضها والنعلين، والثياب، والجهاد في سبيل الله وجائز أن يكون بعض ذلك. وذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج، ولا اللغة، ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر يوجب عنه العلم، ولا خبر عند أهل الاسلام في ذلك للصفة التي وصفنا. وإذ كان كذلك، فغير جائز فيه تصويب قول وتضعيف آخر غيره، إذ كان جائزا فيه ما قلنا من القول. القول في تأويل قوله تعالى: تحمله الملائكة. اختلف أهل التأويل في صفة حمل الملائكة ذلك التابوت، فقال بعضهم: معنى ذلك: تحمله بين السماء والارض حتى تضعه بين أظهرهم. ذكر من قال ذلك: 4445 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والارض وهم ينظرون إليه، حتى وضعته عند طالوت. 4446 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: لما قال لهم: يعني النبي لبني إسرائيل: والله يؤتي ملكه من يشاء قالوا: فمن لنا بأن الله هو آتاه هذا، ما هو إلا لهواك فيه ؟ قال: إن كنتم قد كذبتموني واتهمتموني فإن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم الآية. قال: فنزلت الملائكة بالتابوت نهارا ينظرون إليه
[ 833 ]
عيانا، حتى وضعوه بين أظهرهم، فأقروا غير راضين، وخرجوا ساخطين. وقرأ حتى بلغ: والله مع الصابرين. 4447 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: لما قال لهم نبيهم: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم قالوا: فإن كنت صادقا، فأتنا بآية أن هذا ملك قال إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة وأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت، فآمنوا بنبوة شمعون، وسلموا ملك طالوت. 4448 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: تحمله الملائكة قال: تحمله حتى تضعه في بيت طالوت. وقال آخرون: معنى ذلك: تسوق الملائكة الدواب التي تحمله. ذكر من قال ذلك: 4449 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن بعض أشياخه، قال: تحمله الملائكة على عجلة، على بقرة. 4450 - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول: وكل بالبقرتين اللتين سارتا بالتابوت أربعة من الملائكة يسوقونهما، فسارت البقرتان بهما سيرا سريعا حتى إذا بلغتا طرف القدس ذهبتا. وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: حملت التابوت الملائكة حتى وضعته في دار طالوت بين أظهر بني إسرائيل وذلك أن الله تعالى ذكره قال: تحمله الملائكة ولم يقل: تأتي به الملائكة وما جرته البقر على عجل. وإن كانت الملائكة هي سائقتها، فهي غير حاملته، لان الحمل المعروف هو مباشرة الحامل بنفسه حمل ما حمل، فأما ما حمله على غيره وإن كان جائزا في اللغة أن يقال في حمله بمعنى معونته الحامل، أو بأن حمله كان عن سببه، فليس سبيله سبيل ما باشر حمله بنفسه في تعارف الناس إياه بينهم وتوجيه تأويل القرآن إلى الاشهر من اللغات أولى من توجيهه إلى أن لا يكون الاشهر ما وجد إلى ذلك سبيل. القول في تأويل قوله تعالى: إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين. يعني تعالى ذكره بذلك أن نبيه أشمويل قال لبني إسرائيل: إن في مجيئكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، حاملته الملائكة، لآية لكم يعني
[ 834 ]
لعلامة لكم ودلالة أيها الناس على صدقي فيما أخبرتكم أن الله بعث لكم طالوت ملكا إن كنتم قد كذبتموني فيما أخبرتكم به من تمليك الله إياه عليكم واتهمتموني في خبري إياكم بذلك إن كنتم مؤمنين يعني بذلك: إن كنتم مصدقي عند مجئ الآية التي سألتمونيها على صدقي فيما أخبرتكم به من أمر طالوت وملكه. وإنما قلنا ذلك معناه لان القوم قد كانوا كفروا بالله في تكذيبهم نبيهم، وردهم عليه قوله: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا بقولهم: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه وفي مسألتهم إياه الآية على صدقه. فإن كان ذلك منهم كفرا، فغير جائز أن يقال لهم وهم كفار لكم في مجئ التابوت آية إن كنتم من أهل الايمان بالله ورسوله وليسوا من أهل الايمان بالله ولا برسوله، ولكن الامر في ذلك على ما وصفنا من معناه، لانهم سألوا الآية على صدق خبره إياهم ليقروا بصدقه، فقال لهم في مجئ التابوت على ما وصفه لهم آية لكم إن كنتم عند مجيئه كذلك مصدقي بما قلت لكم وأخبرتكم به. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) * وفي هذا الخبر من الله تعالى ذكره متروك قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عن ذكره. ومعنى الكلام: إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين، فأتاهم التابوت فيه سكينة من ربهم، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة، فصدقوا عند ذلك نبيهم، وأقروا بأن الله قد بعث طالوت ملكا عليهم، وأذعنوا له بذلك. يدل على ذلك قوله: فلما فصل طالوت بالجنود وما كان ليفصل بهم إلا بعد رضاهم به وتسليمهم الملك له، لانه لم يكن ممن يقدرون على إكراههم على ذلك فيظن به أنه حملهم على ذلك كرها. وأما قوله: فصل فإنه يعني به شخص بالجند ورحل بهم. وأصل الفصل: القطع، يقال منه: فصل الرجل من موضع كذا وكذا، يعني به قطع ذلك، فجاوزه شاخصا
[ 835 ]
إلى غيره، يفصل فصولا وفصل العظم والقول من غيره فهو يفصله فصلا: إذا قطعه فأبانه وفصل الصبي فصالا: إذا قطعه عن اللبن وقول فصل: يقطع فيفرق بين الحق والباطل لا يرد. وقيل: إن طالوت فصل بالجنود يومئذ من بيت المقدس وهم ثمانون ألف مقاتل، لم يتخلف من بني إسرائيل عن الفصول معه إلا ذو علة لعلته، أو كبير لهرمه، أو معذور لا طاقة له بالنهوض معه. ذكر من قال ذلك: 4451 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه، قال: خرج بهم طالوت حين استوسقوا له، ولم يتخلف عنه إلا كبير ذو علة، أو ضرير معذور، أو رجل في ضيعة لا بد له من تخلف فيها. 4452 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما جاءهم التابوت آمنوا بنبوة شمعون، وسلموا ملك طالوت، فخرجوا معه، وهم ثمانون ألفا. قال أبو جعفر: فلما فصل بهم طالوت على ما وصفنا قال: إن الله مبتليكم بنهر يقول: إن الله مختبركم بنهر، ليعلم كيف طاعتكم له. وقد دللنا على أن معنى الابتلاء: الاختبار فيما مضى بما أغنى عن إعادته. وبما قلنا في ذلك كان قتادة يقول. 4453 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قول الله تعالى: إن الله مبتليكم بنهر قال: إن الله يبتلي خلقه بما يشاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. وقيل: إن طالوت قال: إن الله مبتليكم بنهر لانهم شكوا إلى طالوت قلة المياه بينهم وبين عدوهم، وسألوه أن يدعو الله لهم أن يجري بينهم وبين عدوهم نهرا، فقال لهم طالوت حينئذ ما أخبر عنه أنه قاله من قوله: إن الله مبتليكم بنهر. ذكر من قال ذلك: 4454 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه، قال: لما فصل طالوت بالجنود، قالوا: إن المياه لا تحملنا، فادع الله لنا يجري لنا نهرا فقال لهم طالوت: إن الله مبتليكم بنهر... الآية.
[ 836 ]
والنهر الذي أخبرهم طالوت أن الله مبتليهم به قيل: هو نهر بين الاردن وفلسطين. ذكر من قال ذلك: 4455 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: إن الله مبتليكم بنهر قال الربيع: ذكر لنا والله أعلم أنه نهر بين الاردن وفلسطين. 4456 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: إن الله مبتليكم بنهر قال: ذكر لنا أنه نهر بين الاردن وفلسطين. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: إن الله مبتليكم بنهر قال: هو نهر بين الاردن وفلسطين. 4457 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن عباس: فلما فصل طالوت بالجنود غازيا إلى جالوت، قال طالوت لبني إسرائيل: إن الله مبتليكم بنهر قال: نهر بين فلسطين والاردن، نهر عذب الماء طيبه. وقال آخرون: بل هو نهر فلسطين. ذكر من قال ذلك: 4458 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: إن الله مبتليكم بنهر فالنهر الذي ابتلي به بنو إسرائيل نهر فلسطين. 4459 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: إن الله مبتليكم بنهر هو نهر فلسطين. وأما قوله: فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن طالوت أنه قال لجنوده إذ شكوا إليه العطش، فأخبر أن الله مبتليهم بنهر، ثم أعلمهم أن الابتلاء الذي أخبرهم عن الله به من ذلك النهر، هو أن من شرب من مائه فليس هو منه، يعني بذلك أنه ليس من أهل ولايته وطاعته، ولا من المؤمنين بالله وبلقائه. ويدل على أن ذلك كذلك قول الله تعالى ذكره: فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه فأخرج من لم يجاوز النهر من الذين آمنوا. ثم أخلص ذكر المؤمنين بالله ولقائه عند دنوهم من جالوت وجنوده بقوله: قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله وأخبرهم أنه من لم يطعمه، يعني
[ 837 ]
من لم يطعم الماء من ذلك النهر والهاء في قوله: فمن شرب منه وفي قوله: ومن لم يطعمه عائدة على النهر، والمعنى لمائه. وإنما ترك ذكر الماء اكتفاء بفهم السامع بذكر النهر لذلك أن المراد به الماء الذي فيه ومعنى قوله: لم يطعمه لم يذقه، يعني: ومن لم يذق ماء ذلك النهر فهو مني، يقول: هو من أهل ولايتي وطاعتي والمؤمنين بالله وبلقائه. ثم استثنى من قوله: ومن لم يطعمه المغترفين بأيديهم غرفة، فقال: ومن لم يطعم ماء ذلك النهر إلا غرفة يغترفها بيده فإنه مني. ثم اختلفت القراء في قراءة قوله: إلا من اغترف غرفة بيده فقرأه عامة قراء أهل المدينة والبصرة: غرفة بنصب الغين من الغرفة، بمعنى الغرفة الواحدة، من قولك: اغترفت غرفة، والغرفة هي الفعل بعينه من الاغتراف. وقرأه آخرون بالضم، بمعنى: الماء الذي يصير في كف المغترف، فالغرفة الاسم، والغرفة المصدر. وأعجب القراءتين في ذلك إلي ضم الغين في الغرفة بمعنى: إلا من اغترف كفا من ماء، لاختلاف غرفة إذا فتحت غينها، وما هي له مصدر وذلك أن مصدر اغترف اغترافة، وإنما غرفة مصدر غرفت، فلما كانت غرفة مخالفة مصدر اغترف، كانت الغرفة التي بمعنى الاسم على ما قد وصفنا أشبه منها بالغرفة التي هي بمعنى الفعل وذكر لنا أن عامتهم شربوا من ذلك الماء، فكان من شرب منه عطش، ومن اغترف غرفة روي. ذكر من قال ذلك: 4460 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فشرب القوم على قدر يقينهم. أما الكفار فجعلوا يشربون فلا يروون، وأما المؤمنون فجعل الرجل يغترف غرفة بيده فتجزيه وترويه. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده قال: كان الكفار يشربون فلا يروون، وكان المسلمون يغترفون غرفة، فيجزيهم ذلك. 4461 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم يعني المؤمنين منهم، وكان القوم كثيرا فشربوا منه إلا قليلا منهم، يعني المؤمنين منهم كان أحدهم يغترف الغرفة فيجزيه ذلك ويرويه.
[ 838 ]
4462 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أصبح التابوت وما فيه في دار طالوت، آمنوا بنبوة شمعون، وسلموا ملك طالوت، فخرجوا معه وهم ثمانون ألفا. وكان جالوت من أعظم الناس، وأشدهم بأسا، فخرج يسير بين يدي الجند، ولا تجتمع إليه أصحابه حتى يهزم هو من لقي. فلما خرجوا قال لهم طالوت: إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني فشربوا منه هيبة من جالوت، فعبر منهم أربعة آلاف، ورجع ستة وسبعون ألفا. فمن شرب منه عطش، ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي. 4463 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ألقى الله على لسان طالوت حين فصل بالجنود، فقال: لا يصحبني أحد إلا أحد له نية في الجهاد فلم يتخلف عنه مؤمن، ولم يتبعه منافق فلما رأى قلتهم، قالوا: لن نمس من هذا الماء غرفة ولا غيرها وذلك أنه قال لهم: إن الله مبتليكم بنهر... الآية. فقالوا: لن نمس من هذا غرفة ولا غير غرفة قال: وأخذ البقية الغرفة، فشربوا منها حتى كفتهم، وفضل منهم. قال: والذين لم يأخذوا الغرفة أقوى من الذين أخذوها. 4464 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس في قوله: فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشرب كل إنسان كقدر الذي في قلبه، فمن اغترف غرفة وأطاعه روي بطاعته، ومن شرب فأكثر عصى فلم يرو لمعصيته. 4465 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق في حديث ذكره، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه في قوله: فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده يقول الله تعالى ذكره: فشربوا منه إلا قليلا منهم. وكان فيما يزعمون من تتابع منهم في الشرب الذي نهي عنه لم يروه، ومن لم يطعمه إلا كما أمر غرفة بيده أجزأه وكفاه. القول في تأويل قوله تعالى: فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه، قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. يعني تعالى ذكره بقوله: فلما جاوزه هو فلما جاوز النهر طالوت. والهاء في جاوزه عائدة على النهر، وهو كناية اسم طالوت. وقوله: والذين آمنوا معه يعني: وجاوز النهر معه الذين آمنوا. قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده.
[ 839 ]
ثم اختلف في عدة من جاوز النهر معه يومئذ ومن قال منهم لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، فقال بعضهم: كانت عدتهم عدة أهل بدر ثلثمائة رجل وبضعة عشر رجلا. ذكر من قال ذلك: 4466 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، قال: ثنا مصعب بن المقدام، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قالا جميعا: ثنا إسرائيل، قال: ثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا النهر معه، ولم يجز معه إلا مؤمن، ثلثمائة وبضعة عشر رجلا. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، قال: ثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر كعدة أصحاب طالوت ثلثمائة رجل وثلاثة عشر رجلا الذين جاوزوا النهر. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب النبي (ص) كانوا يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلا على عدة أصحاب طالوت من جاز معه، وما جاز معه إلا مؤمن. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بنحوه. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب النبي (ص) كانوا يوم بدر على عدة أصحاب طالوت يوم جاوزوا النهر، وما جاوز معه إلا مسلم. * - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مسعر، عن أبي إسحاق، عن البراء مثله. 4467 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال لاصحابه يوم بدر: أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي، وكان أصحاب رسول الله (ص) يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلا. 4468 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن
[ 840 ]
الربيع، قال: محص الله الذين آمنوا عند النهر وكانوا ثلثمائة، وفوق العشرة، ودون العشرين، فجاء داود (ص) فأكمل به العدة. وقال آخرون: بل جاوز معه النهر أربعة آلاف، وإنما خلص أهل الايمان منهم من أهل الكفر والنفاق حين لقوا جالوت. ذكر من قال ذلك: 4469 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: عبر مع طالوت النهر من بني إسرائيل أربعة آلاف، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضا وقالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فرجع عنه أيضا ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون، وخلص في ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر. 4470 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: لما جاوزه هو والذين آمنوا معه، قال الذين شربوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. وأولى القولين في ذلك بالصواب، ما روي عن ابن عباس وقاله السدي وهو أنه جاوز النهر مع طالوت المؤمن الذي لم يشرب من النهر إلا الغرفة، والكافر الذي شرب منه الكثير. ثم وقع التمييز بينهم بعد ذلك برؤية جالوت ولقائه، وانخذل عنه أهل الشرك والنفاق، وهم الذين قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ومضى أهل البصيرة بأمر الله على بصائرهم، وهم أهل الثبات على الايمان، فقالوا: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين. فإن ظن ذو غفلة أنه غير جائز أن يكون جاوز النهر مع طالوت إلا أهل الايمان الذين ثبتوا معه على إيمانهم، ومن لم يشرب من النهر إلا الغرفة، لان الله تعالى ذكره قال: فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه فكان معلوما أنه لم يجاوز معه إلا أهل الايمان، على ما روي به الخبر عن البراء بن عازب، ولان أهل الكفر لو كانوا جاوزوا النهر كما جاوزه أهل الايمان لما خص الله بالذكر في ذلك أهل الايمان فإن الامر في ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الفريقان، أعنى فريق الايمان وفريق الكفر جاوزوا النهر، وأخبر الله نبيه محمدا (ص)، عن المؤمنين بالمجاوزة، لانهم كانوا من الذين جاوزوه مع ملكهم وترك ذكر أهل الكفر، وإن كانوا قد جاوزوا النهر مع المؤمنين. والذي يدل على
[ 841 ]
صحة ما قلنا في ذلك قول الله تعالى ذكره: فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله فأوجب الله تعالى ذكره أن الذين يظنون أنهم ملاقو الله هم الذين قالوا عند مجاوزة النهر: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله دون غيرهم الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله، وأن الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله هم الذين قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وغير جائز أن يضاف الايمان إلى من جحد أنه ملاقي الله أو شك فيه. القول في تأويل قوله تعالى: قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين. اختلف أهل التأويل في أمر هذين الفريقين، أعني القائلين: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده والقائلين: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله من هما. فقال بعضهم: الفريق الذين قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده هم أهل كفر بالله ونفاق، وليسوا ممن شهد قتال جالوت وجنوده، لانهم انصرفوا عن طالوت، ومن ثبت معه لقتال عدو الله جالوت ومن معه، وهم الذين عصوا أمر الله لشربهم من النهر. ذكر من قال ذلك: 4471 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي بذلك وهو قول ابن عباس. وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه آنفا. 4472 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله الذين اغترفوا وأطاعوا الذين مضوا مع طالوت المؤمنون، وجلس الذين شكوا. وقال آخرون: كلا الفريقين كان أهل إيمان، ولم يكن منهم أحد شرب من الماء إلا غرفة، بل كانوا جميعا أهل طاعة، ولكن بعضهم كان أصح يقينا من بعض، وهم الذين أخبر الله عنهم أنهم قالوا: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والآخرون كانوا أضعف يقينا، وهم الذين قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. ذكر من قال ذلك: 4473 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ويكون المؤمنون بعضهم أفضل جدا وعزما من بعض، وهم مؤمنون كلهم.
[ 842 ]
4474 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله أن النبي قال لاصحابه يوم بدر: أنتم بعدة أصحاب طالوت ثلثمائة قال قتادة: وكان مع النبي (ص) يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر. 4475 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الذين لم يأخذوا الغرفة أقوى من الذين أخذوا، وهم الذين قالوا: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين. ويجب على القول الذي روي عن البراء بن عازب أنه لم يجاوز النهر مع طالوت إلا عدة أصحاب بدر أن يكون كلا الفريقين اللذين وصفهما الله بما وصفهما به أمرهما على نحو ما قال فيهما قتادة وابن زيد. وأولى القولين في تأويل الآية ما قاله ابن عباس والسدي وابن جريج. وقد ذكرنا الحجة في ذلك فيما مضى قبل آنفا. وأما تأويل قوله: قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله فإنه يعني: قال الذين يعلمون ويستيقنون أنهم ملاقوا الله. 4476 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله الذين يستيقنون. فتأويل الكلام: قال الذين يوقنون بالمعاد ويصدقون بالمرجع إلى الله للذين قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده كم من فئة قليلة يعني بكم كثيرا غلبت فئة قليلة فئة كثيرة بإذن الله، يعني: بقضاء الله وقدره. والله مع الصابرين يقول: مع الحابسين أنفسهم على رضاه وطاعته. وقد أتينا على البيان عن وجوه الظن وأن أحد معانيه العلم اليقين بما يدل على صحة ذلك فيما مضى، فكرهنا إعادته. وأما الفئة فإنهم الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه، وهو مثل الرهط والنفر جمعه فئات وفئون في الرفع، وفئين في النصب والخفض بفتح نونها في كل حال، وفئين بالرفع بإعراب نونها بالرفع، وترك الياء فيها، وفي النصب فئينا، وفي الخفض فئين، فيكون الاعراب في الخفض والنصب في نونها، وفي كل ذلك مقرة فيها الياء على حالها، فإن أضيفت، قيل: هؤلاء فئينك بإقرار النون وحذف التنوين، كما قال الذين لغتهم هذه
[ 843 ]
سنين في جمع السنة هذه سنينك بإثبات النون وإعرابها، وحذف التنوين منها للاضافة، وكذلك العمل في كل منقوص، مثل مائة وثبة وقلة وعزة، فأما ما كان نقصه من أوله فإن جمعه بالتاء مثل عدة وعدات وصلة وصلات. وأما قوله: والله مع الصابرين فإنه يعني: والله معين الصابرين على الجهاد في سبيله وغير ذلك من طاعته، وظهورهم ونصرهم على أعدائه الصادين عن سبيله، المخالفين منهاج دينه. وكذلك يقال لكل معين رجلا على غيره هو معه بمعنى هو معه بالعون له والنصرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) * يعني تعالى ذكره بقوله: ولما برزوا لجالوت وجنوده ولما برز طالوت وجنوده لجالوت وجنوده. ومعنى قوله: برزوا صاروا بالبراز من الارض، وهو ما ظهر منها واستوى، ولذلك قيل للرجل القاضي حاجته: تبرز لان الناس قديما في الجاهلية إنما كانوا يقضون حاجتهم في البراز من الارض، فقيل: قد تبرز فلان: إذا خرج إلى البراز من الارض لذلك، كما قيل تغوط لانهم كانوا يقضون حاجتهم في الغائط من الارض وهو المطمئن منها، فقيل للرجال: تغوط، أي صار إلى الغائط من الارض. وأما قوله: ربنا أفرغ علينا صبرا فإنه يعني أن طالوت وأصحابه قالوا: ربنا أفرغ علينا صبرا يعني أنزل علينا صبرا. وقوله: وثبت أقدامنا يعني: وقو قلوبنا على جهادهم لتثبت أقدامنا فلا ننهزم عنهم، وانصرنا على القوم الكافرين: الذين كفروا بك فجحدوك إلها وعبدوا غيرك واتخذوا الاوثان أربابا. القول في تأويل قوله تعالى: * (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشآء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) * يعني تعالى ذكره بقوله: فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت، وقتل داود جالوت. وفي هذا الكلام متروك ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر منه عليه.
[ 844 ]
وذلك أن معنى الكلام: ولما برزوا لجالوت وجنوده، قالوا: ربنا أفرغ علينا صبرا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فاستجاب لهم ربهم، فأفرغ عليهم صبره، وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين، فهزموهم بإذن الله. ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفاء بدلالة قوله: فهزموهم بإذن الله على أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به. ومعنى قوله: فهزموهم بإذن الله قتلوهم بقضاء الله وقدره، يقال منه: هزم القوم الجيش هزيمة وهزيمى. وقتل داود جالوت وداود هذا هو داود بن إيشى نبي الله (ص). وكان سبب قتله إياه كما: 4477 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا بكار بن عبد الله، قال: سمعت وهب بن منبه يحدث، قال: لما خرج، أو قال: لما برز طالوت لجالوت، قال جالوت: أبرزوا لي من يقاتلني، فإن قتلني، فلكم ملكي، وإن قتلته فلي ملككم فأتي بداود إلى طالوت، فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله. فألبسه طالوت سلاحا، فكره داود أن يقاتله، وقال: إن الله لم ينصرني عليه لم يغن السلاح. فخرج إليه بالمقلاع وبمخلاة فيها أحجار، ثم برز له، قال له جالوت: أنت تقاتلني ؟ قال داود: نعم. قال: ويلك أما تخرج إلي إلا كما يخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة ؟ لابددن لحمك، ولاطعمنه اليوم الطير والسباع فقال له داود: بل أنت عدو الله شر من الكلب. فأخذ داود حجرا ورماه بالمقلاع، فأصابت بين عينيه حتى نفذت في دماغه، فصرع جالوت، وانهزم من معه، واحتز داود رأسه. فلما رجعوا إلى طالوت ادعى الناس قتل جالوت، فمنهم من يأتي بالسيف وبالشئ من سلاحه أو جسده، وخبأ داود رأسه، فقال طالوت: من جاء برأسه فهو الذي قتله. فجاء به داود. ثم قال لطالوت: أعطني ما وعدتني فندم طالوت على ما كان شرط له، وقال: إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق، وأنت رجل جرئ شجاع، فاحتمل صداقها ثلثمائة غلفة من أعدائنا وكان يرجو بذلك أن يقتل داود. فغزا داود وأسر منهم ثلثمائة، وقطع غلفهم وجاء بها، فلم يجد
[ 845 ]
طالوت بدا من أن يزوجه. ثم أدركته الندامة، فأراد قتل داود حتى هرب منه إلى الجبل، فنهض إليه طالوت فحاصره. فلما كان ذات ليلة سلط النوم على طالوت وحرسه، فهبط إليهم داود، فأخذ إبريق طالوت الذي كان يشرب منه ويتوضأ، وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه، ثم رجع داود إلى مكانه، فناده أن... حرسك، فإني لو شئت أقتلك البارحة فعلت، فإنه هذا إبريقك وشئ من شعر لحيتك وهدب ثيابك، وبعث إليه. فعلم طالوت أنه لو شاء قتله، فعطفه ذلك عليه فأمنه، وعاهده بالله لا ير ى منه بأسا. ثم انصرف. ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدس لقتله، وكان طالوت لا يقاتل عدوا إلا هزم، حتى مات. قال بكار: وسئل وهب وأنا أسمع: أنبيا كان طالوت يوحى إليه ؟ فقال: لم يأته وحي، ولكن كان معه نبي يقال له أشمويل، يوحى إليه، وهو الذي ملك طالوت. 4478 - حدثنا ابن حميد، قل: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان داود النبي وإخوة له أربعة، معهم أبوهم شيخ كبير، فتخلف أبوهم وتخلف معه داود من بين إخوته في غنم أبيه يرعاها له، وكان من أصغرهم وخرج إخوته الاربعة مع طالوت، فدعاه أبوه وقد تقارب الناس ودنا بعضهم من بضع. قال ابن إسحاق: وكان داود فيما ذكر لي بعض أهل العلم عن وهب بن منبه رجلا قصيرا أزرق قليل شعر الرأس، وكان طاهر القلب نقيه، فقال له أبوه: يا بني إنا قد صنعنا لاخوتك زادا يتقوون به على عدوهم، فاخرج به إليهم، فإذا دفعته إليهم فأقبل إلي سريعا فقال: أفعل. فخرج وأخذ معه ما حمل لاخوته، ومعه مخلاته التي يحمل فيها الحجارة ومقلاعه الذي كان يرمي به عن غنمه. حتى إذا فصل من عند أبيه، فمر بحجر، فقال: يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإني حجر يعقوب فأخذه فجعله في مخلاته، ومشى. فبينا هو يمشي إذ مر بحجر آخر، فقال: يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإني حجر إسحاق فأخذه فجعله في مخلاته، ثم مضى. فبينا هو يمشي إذ مر بحجر، فقال: يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإني حجر إبراهيم فأخذه فجعله في مخلاته. ثم مضى بما معه حتى انتهى إلى القوم، فأعطى
[ 846 ]
إخوته ما بعث إليهم معه. وسمع في العسكر خوض الناس بذكر جالوت، وعظم شأنه فيهم، وبهيبة الناس إياه، ومما يعظمون من أمره، فقال لهم: والله إنكم لتعظمون من أمر هذا العدو شيئا ما أدري ما هو، والله إني لو أراه لقتلته، فأدخلوني على الملك فأدخل على الملك طالوت، فقال: أيها الملك إنى أراكم تعظمون شأن هذا العدو، والله إنى لو أراه لقتله فقال: يا بني ما عندك من القوة على ذلك ؟ وما جربت من نفسك ؟ قال: قد كان الاسد يعدو على الشاة من غنمي، فأدركه فآخذ برأسه، فأفك لحييه عنها، فاخذها من فيه، فادع لي بدرع حتى ألقيها علي فأتي بدرع، فقذفها في عنقه ومثل فيها فملا عين طالوت ونفسه ومن حضر من بني إسرائيل، فقال طالوت: والله لعسى الله أن يهلكه به فلما أصبحوا رجعوا إلى جالوت، فلما التقى الناس قال داود: أروني جالوت فأروه إياه على فرس عليه لامته فلما رآه جعلت الاحجار الثلاثة تواثب من مخلاته، فيقول هذا: خذني ويقول هذا: خذني ويقول هذا: خذني فأخذ أحدها فجعله في مقذافه، ثم قتله به، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت فدمغه، وتنكس عن دابته فقتله. ثم انهزم جنده، وقال الناس: قتل داود جالوت، وخلع طالوت. وأقبل الناس على داود مكانه، حتى لم يسمع لطالوت بذكر إلا أن أهل الكتاب يزعمون أنه لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود، هم بأن يغتال داود وأراد قتله فصرف الله ذلك عنه وعن داود وعرف خطيئته، والتمس التوبة منها إلى الله. وقد روى عن وهب بن منبه في أمر طالوت وداود قول خلاف الروايتين اللتين ذكرنا قبل، وهو ما: 4479 - حدثني به المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه، قال: لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت أوحى إلى نبي بني إسرائيل أن قل لطالوت: فليغز أهل مدين، فلا يترك فيها حيا إلا قتله، فإني سأظهره عليهم فخرج بالناس حتى أتى مدين، فقتل من كان فيها إلا ملكهم، فإنه أسره، وساق مواشيهم. فأوحى الله إلى أشمويل: ألا تعجب من طالوت إذ أمرته فاختان فيه، فجاء بملكهم أسيرا، وساق مواشيهم، فالقه فقل له: لانزعن الملك من بيته،
[ 847 ]
ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة، فإنى إنما أكرم من أطاعني، وأهين من هان عليه أمري فلقيه، فقال ما صنعت ؟ لم جئت بملكهم أسيرا، ولم سقت مواشيهم ؟ قال: إنما سقت المواشي لاقربها. قال له أشمويل: إن الله قد نزع من بيتك الملك، ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة. فأوحى الله إلى أشمويل أن انطلق إلى إيشى، فيعرض عليك بنيه، فادهن الذي آمرك بدهن القدس يكن ملكا على بني إسرائيل فانطلق حتى أتى إيشا، فقال: اعرض علي بنيك فدعا إيشا أكبر ولده، فأقبل رجل جسيم حسن المنظر، فلما نظر إليه أشمويل أعجبه، فقال: الحمد لله إن الله لبصير بالعباد فأوحى الله إليه: إن عينيك تبصران ما ظهر، وإني أطلع على ما في القلوب ليس بهذا، اعرض علي غيره، فعرض عليه ستة في كل ذلك يقول: ليس بهذا، فقال: هل لك من ولد غيرهم ؟ فقال: بني لي غلام وهو راع في الغنم. فقال: أرسل إليه فلما أن جاء داود جاء غلام أمغر، فدهنه بدهن القدس، وقال لابيه: اكتم هذا، فإن طالوت لو يطلع عليه قتله فسار جالوت في قومه إلى بني إسرائيل، فعسكر وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر، وتهيئوا للقتال، فأرسل جالوت إلى طالوت: لم تقتل قومي وأقتل قومك ؟ ابرز لي أو أبرز لي من شئت، فإن قتلتك كان الملك لي، وإن قتلتني كان الملك لك فأرسل طالوت في عسكر صائحا من يبرز لجالوت، فإن قتله، فإن الملك ينكحه ابنته، ويشركه في ملكه. فأرسل إيشا داود إلى إخوته وكانوا في العسكر، فقال: اذهب فرد إخوتك، وأخبرني خبر الناس ماذا صنعوا. فجاء إلى إخوته، وسمع صوتا: إن الملك يقول: من يبرز لجالوت فإن قتله أنكحه الملك ابنته. فقال داود لاخوته: ما منكم رجل يبرز لجالوت فيقتله، وينكح ابنة الملك ؟ فقالوا: إنك غلام أحمق، ومن يطيق جالوت وهو من بقية الجبارين ؟ فلما لم يرهم رغبوا في ذلك، قال: فأنا أذهب فأقتله فانتهروه وغضبوا عليه. فلما غفلوا عنه، ذهب حتى جاء الصائح، فقال: أنا أبرز لجالوت. فذهب به إلى الملك، فقال له: لم يجبني أحد إلا غلام من بني إسرائيل هو هذا ؟ قال: يا بني أنت تبرز لجالوت فتقاتله ؟ قال: نعم. قال: وهل آنست من نفسك شيئا ؟ قال: نعم، كنت راعيا في الغنم، فأغار علي الاسد، فأخذت بلحييه ففككتهما. فدعا له بقوس وأداة كاملة، فلبسها وركب الفرس، ثم سار منهم قريبا. ثم صرف فرسه، فرجع إلى الملك، فقال الملك ومن حوله: جبن الغلام فجاء فوقف على الملك، فقال: ما شأنك ؟ قال داود:
[ 848 ]
إن لم يقتله الله لي لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح، فدعني فأقاتل كما أريد. فقال: نعم يا بني. فأخذ داود مخلاته، فتقلدها وألقى فيها أحجارا، وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به. ثم مضى نحو جالوت فلما دنا من عسكره، قال: أين جالوت يبرز لي ؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله، فلما رآه جالوت قال: إليك أبرز ؟ قال نعم. قال: فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى إلى الكلب ؟ قال: هو ذاك. قال: لا جرم أني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الارض. قال داود: أو يقسم الله لحمك. فوضع داود حجرا في مقلاعه، ثم دوره فأرسله نحو جالوت، فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى خالط دماغه، فوقع من فرسه، فمضى داود إليه، فقطع رأسه بسيفه، فأقبل به في مخلاته، وبسلبه يجره، حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرحوا فرحا شديدا، وانصرف طالوت. فلما كان داخل المدينة، سمع الناس يذكرون داود، فوجد في نفسه، فجاءه داود، فقال: أعطني امرأتي فقال: أتريد ابنة الملك بغير صداق ؟ فقال داود: ما اشترطت علي صداقا، ومالي من شئ. قال: لا أكلفك إلا ما تطيق، أنت رجل جرئ، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس وهم غلف، فإذا قتلت منهم مائتي رجل، فأتني بغلفهم. فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط، حتى نظم مائتي غلفة، ثم جاء بهم إلى طالوت، فألقى إليه، فقال: ادفع لي امرأتي قد جئت بما اشترطت فزوجه ابنته. وأكثر الناس ذكر داود، وزاده عند الناس عجبا، فقال طالوت لابنه: لتقتلن داود قال: سبحان الله ليس بأهل ذلك منك قال: إنك غلام أحمق، ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك. فلما سمع ذلك من أبيه، انطلق إلى أخته، فقال لها: إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود، فمريه أن يأخذ حذره، ويتغيب منه. فقالت له امرأته ذلك فتغيب. فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود، وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته. فلما جاء رسول طالوت قال: أين داود ؟ ليجب الملك فقالت له: بات شاكيا ونام الآن ترونه على الفراش. فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك، فمكث ساعة ثم أرسل إليه، فقالت: هو نائم لم يستيقظ بعد. فرجعوا إلى الملك فقال: ائتوني به وإن كان نائما فجاءوا إلى الفراش، فلم يجدوا عليه أحدا. فجاءوا الملك فأخبروه، فأرسل إلى ابنته فقال: ما حملك على أن تكذبيني ؟ قالت: هو أمرني بذلك، وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني. وكان داود فارا في الجبل حتى قتل طالوت، وملك داود بعده.
[ 849 ]
4480 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان طالوت أميرا على الجيش، فبعث أبو داود مع داود بشئ إلى إخوته، فقال داود لطالوت: ماذا لي فأقتل جالوت ؟ قال: لك ثلث مالي، وأنكحك ابنتي. فأخذ مخلاته، فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سمى حجارته تلك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ثم أدخل يده فقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فخرج على إبراهيم، فجعله في مرجمته، فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه، وقتلت ثلاثين ألفا من ورائه. 4481 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابنا له، وكان داود أصغر بنيه. فأتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته. فقال: أبشر يا بني، فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك ثم أتاه مرة أخرى قال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال، فوجدت أسدا رابضا، فركبت عليه، فأخذت بأذنيه، فلم يهجني. قال: أبشر يا بني، فإن هذا خير يعطيكه الله ثم أتاه يوما آخر فقال: يا أبتاه إني لامشي بين الجبال، فأسبح، فما يبقى جبل إلا سبح معي. فقال: أبشر يا بني، فإن هذا خير أعطاكه الله. وكان داود راعيا، وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام. فأتى النبي بقرن فيه دهن وبثوب من حديد، فبعث به إلى طالوت، فقال: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حتى يدهن منه ولا يسيل على وجهه، يكون على رأسه كهيئة الاكليل، ويدخل في هذا الثوب فيملؤه. فدعا طالوت بني إسرائيل فجوبهم، فلم يوافقه منهم أحد. فلما فرغوا، قال طالوت لابي داود: هل بقي لك من ولد لم يشهدنا ؟ قال: نعم، بقي ابني داود، وهو يأتينا بطعامنا. فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار، فكلمنه، وقلن له: خذنا يا داود تقتل بنا جالوت قال: فأخذهن فجعلهن في مخلاته. وكان طالوت قال: من قتل جالوت زوجته ابنتي، وأجريت خاتمه في ملكي. فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه، فغلى حتى ادهن منه، ولبس الثوب فملاه، وكان رجلا مسقاما مصفارا، ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه. فلما لبسه داود تضايق الثوب عليه حتى
[ 850 ]
تنقض. ثم مشى إلى جالوت، وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه، فقال له: يا فتى ارجع فإني أرحمك أن أقتلك قال داود: لا، بل أنا أقتلك. فأخرج الحجارة فجعلها في القذافة، كلما رفع حجرا سماه، فقال: هذا باسم أبي إبراهيم، والثاني باسم أبي إسحاق، والثالث باسم أبي إسرائيل. ثم أدار القذافة فعادت الاحجار حجرا واحدا، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت، فنقب رأسه فقتله. ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه، حتى لم يكن بحيالها أحد. فهزموهم عند ذلك، وقتل داود جالوت. ورجع طالوت، فأنكح داود ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داود فأحبوه. فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده، فأراد قتله. فعلم به داود أنه يريد به ذلك، فسجى له زق خمر في مضجعه، فدخل طالوت إلى منام داود، وقد هرب داود فضرب الزق ضربة فخرقه، فسالت الخمر منه، فوقعت قطرة من خمر في فيه، فقال: يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم، فوضع سهمين عند رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها، فقال: يرحم الله داود هو خير مني، ظفرت به فقتلته، وظفر بي فكف عني. ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس، فقال طالوت: اليوم أقتل داود وكان داود إذا فزع لا يدرك، فركض على أثره طالوت، ففزع داود، فاشتد فدخل غارا، وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت، فقال: لو كان دخل ها هنا لخرق بيت العنبكوت، فخيل إليه فتركه. 4482 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ذكر لنا أن داود حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاة فيها ثلاثة أحجار. وإن جالوت برز لهم، فنادي: ألا رجل لرجل فقال طالوت: من يبرز له، وإلا برزت له. فقام داود فقال: أنا. فقام له طالوت فشد عليه درعه، فجعل يراه يشخص فيها ويرتفع. فعجب من ذلك طالوت، فشد عليه أداته كلها. وإن داود رماهم بحجر من تلك الحجارة فأصاب في القوم،
[ 851 ]
ثم رمى الثانية بحجر فأصاب فيهم، ثم رمى الثالثة فقتل جالوت. فآتاه الله الملك والحكمة، وعلمه مما يشاء، وصار هو الرئيس عليهم، وأعطوه الطاعة. 4483 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد في قول الله تعالى ذكره: ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل فقرأ حتى بلغ: فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين قال: أوحى الله إلى نبيهم إن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت، ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه، فيفيض ماء. فأتاه فقال: إن الله أوحى إلي أن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت، فقال: نعم يا نبي الله، قال: فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري، وفيهم رجل بارع عليهم، فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا، فيقول لذلك الجسيم: ارجع فيرده عليه، فأوحى الله إليه: إنا لا نأخذ الرجال على صورهم، ولكن نأخذهم على صلاح قلوبهم، قال: يا رب قد زعم أنه ليس له ولد غيره، فقال: كذب، فقال: إن ربي قد كذبك، وقال: إن لك ولدا غيرهم، فقال: صدق يا نبي الله، لي ولد قصير استحييت أن يراه الناس، فجعلته في الغنم، قال: فإين هو ؟ قال في شعب كذا وكذا من جبل كذا وكذا، فخرج إليه، فوجد الوادي قد سال بينه وبين التي كان يريح إليها قال: ووجده يحمل شاتين يجيز بهما، ولا يخوض بهما السيل، فلما رآه قال: هذا هو لا شك فيه، هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم، قال: فوضع القرن على رأسه ففاض، فقال له: ابن أخي هل رأيت ها هنا من شئ يعجبك ؟ قال: نعم إذا سبحت، سبحت معي الجبال، وإذا أتى النمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة قمت إليه، فأفتح لحييه عنها فلا يهيجني، وألفى معه صفنه، قال: فمر بثلاثة أحجار يأثر بعضها على بعض: كل واحد منها يقول: أنا الذي يأخذ، ويقول هذا: لا بل إياي يأخذ، ويقول الآخر مثل ذلك، قال: فأخذهن جميعا، فطرحهن في صفنه فلما جاء مع النبي (ص) وخرجوا قال لهم نبيهم: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا فكان من قصة نبيهم وقصتهم ما ذكر الله في كتابه، وقرأ حتى بلغ: والله مع الصابرين قال: واجتمع أمرهم وكانوا جميعا، وقرأ: وانصرنا على القوم الكافرين وبرز جالوت على برذون له أبلق، في يده قوس ونشاب، فقال: من يبرز ؟ أبرزوا إلي رأسكم، قال: ففظع به طالوت، قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: من رجل يكفيني اليوم جالوت، فقال داود أنا، فقال تعال، قال: فنزع درعا له، فألبسه إياها،
[ 852 ]
قال: ونفخ الله من روحه فيه حتى ملاه، قال: فرمي بنشابة، فوضعها في الدرع، قال: فكسرها داود ولم تضره شيئا ثلاث مرات، ثم قال له: خذ الآن، فقال داود: اللهم اجعله حجرا واحدا، قال: وسمى واحدا إبراهيم، وآخر إسحاق، وآخر يعقوب، قال: فجمعهن جميعا فكن حجرا واحدا، قال: فأخذهن وأخذ مقلاعا، فأدارها ليرمي بها، فقال: أترميني كما ترمي السبع والذئب، ارمني بالقوس، قال: لا أرميك اليوم إلا بها، فقال له مثل ذلك أيضا، فقال نعم، وأنت أهون علي من الذئب، فأدارها وفيها أمر الله وسلطان الله، قال: فخلى سبيلها مأمورة، قال: فجاءت مظلة فضربت بين عينيه حتى خرجت من قفاه، ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا، وهزمهم الله. 4484 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: لما قطعوا ذلك، يعني النهر الذي قال الله فيه مخبرا عن قيل طالت لجنوده: إن الله مبتليكم بنهر وجاء جالوت وشق على طالوت قتاله، فقال طالوت للناس: لو أن جالوت قتل أعطيت الذي يقتله نصف ملكي، وناصفته كل شئ أملكه، فبعث الله داود، وداود يومئذ في الجبل راعي غنم، وقد غزا مع طالوت تسعة إخوة لداود، وهم أند منه وأعتى منه، وأعرف في الناس منه، وأوجه عند طالوت منه، فغزوا وتركوه في غنمهم، فقال داود حين ألقى الله في نفسه ما ألقى وأكرمه: لاستودعن ربي غنمي اليوم، ولآتين الناس، فلانظرن ما الذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت، فأتى داود إخوته، فلاموه حين أتاهم، فقالوا: لم جئت ؟ قال: لاقتل جالوت، فإن الله أن قادر أقتله، فسخروا منه. قال ابن جريج: قال مجاهد: كان بعث أبو داود مع داود بشئ إلى آخوته، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سماهن إبراهيم وإسحاق ويعقوب. قال ابن جريج: قالوا: وهو ضعيف رث الحال، فمر بثلاثة أحجار، فقلن له: خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت. فأخذهن داود وألقاهن في مخلاته، فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه: أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا وقال الثاني: أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا وقال الثالث: أنا حجر داود الذي أقتل جالوت، فقال الحجران: يا حجر داود نحن أعوان لك، فصرن حجرا واحدا وقال الحجر: يا داود اقذف بي فإني سأستعين بالريح، وكانت بيضته فيما يقولون والله أعلم فيها ستمائة رطل، فأقع في رأس جالوت فأقتله.
[ 853 ]
قال ابن جريج: وقال مجاهد: سمى واحدا إبراهيم، والآخر إسحاق، والآخر يعقوب، وقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وجعلهن في مرجمته. قال ابن جريج: فانطلق حتى نفذ إلى طالوت، فقال: إنك قد جعلت لمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كل شئ تملكه. أفلي ذلك إن قتلته ؟ قال: نعم، والناس يستهزءون بداود، وإخوة داود أشد من هنالك عليه، وكان طالوت لا ينتدب إليه أحد زعم أنه يقتل جالوت إلا ألبسه درعا عنده، فإذا لم تكن قدرا عليه نزعها عنه، وكانت درعا سابغة من دروع طالوت، فألبسها داود فلما رأى قدرها عليه أمره أن يتقدم، فتقدم داود، فقام مقاما لا يقوم فيه أحد وعليه الدرع، فقال له جالوت: ويحك من أنت إني أرحمك، ليتقدم إلي غيرك من هذه الملوك، أنت إنسان ضعيف مسكين، فارجع، فقال داود: أنا الذي أقتلك بإذن الله، ولن أرجع حتى أقتلك، فلما أبى داود إلا قتاله، تقدم جالوت إليه ليأخذه بيده مقتدرا عليه، فأخرج الحجر من المخلاة، فدعا ربه، ورماه بالحجر، فألقت الريح بيضته عن رأسه، فوقع الحجر في رأس جالوت حتى دخل في جوفه، فقتله. قال ابن جريج: وقال مجاهد: لما رمى جالوت بالحجر خرق ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه، وقتلت من ورائه ثلاثين ألفا، قال الله تعالى: وقتل داود جالوت فقال داود لطالوت: وف بما جعلت، فأبى طالوت أن يعطيه ذلك، فانطلق داود، فسكن مدينة من مدائن بني إسرائيل، حتى مات طالوت فلما مات عمد بنو إسرائيل إلى داود، فجاؤا به، فملكوه، وأعطوه خزائن طالوت، وقالوا: لم يقتل جالوت إلا نبي، قال الله: وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء. القول في تأويل قوله تعالى: وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء. يعني تعالى ذكره بذلك: وأعطى الله داود الملك والحكمة وعلمه مما يشاء. والهاء في قوله: وآتاه الله عائدة على داود والملك السلطان والحكمة النبوة. وقوله: وعلمه مما يشاء يعني علمه صنعة الدروع، والتقدير في السرد، كما قال الله تعالى ذكره: وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم.
[ 854 ]
وقد قيل: إن معنى قوله: وآتاه الله الملك والحكمة أن الله آتى داود ملك طالوت ونبوة أشمويل. ذكر من قال ذلك: 4485 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: ملك داود بعدما قتل طالوت، وجعله الله نبيا، وذلك قوله: وآتاه الله الملك والحكمة قال: الحكمة: هي النبوة، آتاه نبوة شمعون، وملك طالوت. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) * يعني تعالى ذكره بذلك: ولولا أن الله يدفع ببعض الناس، وهم أهل الطاعة له والايمان به، بعضا وهم أهل المعصية لله، والشرك به، كما دفع عن المتخلفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر بالله والمعصية له وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداء من بعثة ملك عليهم ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الايمان بالله واليقين والصبر، جالوت وجنوده، لفسدت الارض، يعني لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم، ففسدت بذلك الارض، ولكن الله ذو من على خلقه، وتطول عليهم بدفعه بالبر من خلقه عن الفاجر، وبالمطيع عن العاصي منهم، وبالمؤمن عن الكافر. وهذه الآية إعلام من الله تعالى ذكره أهل النفاق الذين كانوا على عهد رسول الله (ص) المتخلفين عن مشاهده والجهاد معه للشك الذي في نفوسهم ومرض قلوبهم والمشركين وأهل الكفر منهم، وأنه إنما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة، على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله، الذين هم أهل البصائر، والجد في أمر الله، وذوو اليقين بإنجاز الله إياهم وعده على جهاد أعدائه، وأعداء رسوله من النصر في العاجل، والفوز بجنانه في الآخرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض يقول: ولولا دفع الله بالبار عن الفاجر، ودفعه ببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لفسدت الارض بهلاك أهلها.
[ 855 ]
* - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض يقول: ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لهلك أهلها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن حنظلة، عن أبي مسلم، قال: سمعت عليا يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض يقول: لهلك من في الارض. حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا حفص بن سليمان، عن محمد بن سوقة، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (ص): إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ابن عمر: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض. حدثني أحمد أبو حميد الحمصي، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (ص): إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم. وقد دللنا على قوله العالمين، وذكرنا الرواية فيه. وأما القراء فإنها اختلفت في قراءة قوله: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض. فقرأته جماعة من القراء: ولولا دفع الله على وجه المصدر من قول القائل: دفع الله عن خلقه، فهو يدفع دفعا. واحتجت لاختيارها ذلك بأن الله تعالى ذكره، هو المتفرد بالدفع عن خلقه، ولا أحد يدافعه فيغالبه. وقرأت ذلك جماعة أخرى من القراء: ولولا دفاع الله الناس على وجه المصدر من قول القائل: دافع الله عن خلقه، فهو يدافع مدافعة ودفاعا. واحتجت لاختيارها ذلك بأن كثيرا من خلقه يعادون أهل دين الله، وولايته والمؤمنين به،
[ 856 ]
فهو بمحاربتهم إياهم ومعادتهم لهم لله مدافعون بباطلهم، ومغالبون بجهلهم، والله مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والايمان به. والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القراء وجاءت بهما جماعة الامة، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر. وذلك أن من دافع غيره عن شئ، فمدافعه عنه دافع، ومتى امتنع المدفوع عن الاندفاع، فهو لمدافعه مدافع ولا شك أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده، محاولين مغالبة حزب الله وجنده، وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة الله ودفاعه، عما قد تضمن لهم من النصرة، وذلك هو معنى مدافعة الله عن الذين دافع الله عنهم بمن قاتل جالوت وجنوده من أوليائه. فتبين إذا أن سواء قراءة من قرأ: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض وقراءة من قرأ: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض في التأويل والمعنى. القول في تأويل قوله تعالى: * (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين) * يعني تعالى ذكره بقوله: تلك آيات الله هذه الآيات التي اقتص الله فيها أمر الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وأمر الملا من بني إسرائيل من بعد موسى الذين سألوا نبيهم أن يبعث لهم طالوت ملكا وما بعدها من الآيات إلى قوله: والله ذو فضل على العالمين. ويعني بقوله: آيات الله حججه وأعلامه وأدلته. يقول الله تعالى ذكره: فهذه الحجج التي أخبرتك بها يا محمد، وأعلمتك من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعة واحدة وهم ألوف، وإحيائي إياهم بعد ذلك، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل، بعد إذ كان سقاء أو دباغا من غير أهل بيت المملكة، وسلبي ذلك إياه بمعصيته أمري، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إياي، ونصرتي أصحاب طالوت، مع قلة عددهم، الناس بعضهم ببعض في التأويل والمعنى. القول في تأويل قوله تعالى: * (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين) * يعني تعالى ذكره بقوله: تلك آيات الله هذه الآيات التي اقتص الله فيها أمر الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وأمر الملا من بني إسرائيل من بعد موسى الذين سألوا نبيهم أن يبعث لهم طالوت ملكا وما بعدها من الآيات إلى قوله: والله ذو فضل على العالمين. ويعني بقوله: آيات الله حججه وأعلامه وأدلته. يقول الله تعالى ذكره: فهذه الحجج التي أخبرتك بها يا محمد، وأعلمتك من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعة واحدة وهم ألوف، وإحيائي إياهم بعد ذلك، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل، بعد إذ كان سقاء أو دباغا من غير أهل بيت المملكة، وسلبي ذلك إياه بمعصيته أمري، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إياي، ونصرتي أصحاب طالوت، مع قلة عددهم، وضعف شوكتهم على جالوت وجنوده، مع كثرة عددهم، وشدة بطشهم حجج على من جحد نعمتي، وخالف أمري، وكفر برسولي من أهل الكتابين التوراة والانجيل، العالمين بما اقتصصت عليك من الانباء الخفية، التي يعلمون أنها من عندي لم تتخرصها ولم تتقولها أنت يا محمد، لانك أمي، ولست ممن قرأ الكتب، فيلتبس عليهم أمرك، ويدعوا أنك قرأت ذلك فعلمته من بعض أسفارهم، ولكنها حججي عليهم أتلوها عليك يا محمد بالحق اليقين كما كان، لا زيادة فيه، ولا تحريف، ولا تغيير شئ منه عما كان. وإنك يا محمد لمن المرسلين يقول: إنك لمرسل متبع في طاعتي، وإيثار مرضاتي على
[ 857 ]
هواك، فسالك في ذلك من أمرك سبيل من قبلك من رسلي الذين أقاموا على أمري، وآثروا رضاي على هواهم، ولم تغيرهم الاهواء، ومطامع الدنيا كما غير طالوت هواه، وإيثاره ملكه، على ما عندي لاهل ولايتي، ولكنك مؤثر أمري كما آثره المرسلون الذين قبلك. تم الجزء الثاني من تفسير ابن جرير الطبري، ويليه الجزء الثالث وأوله: القول في تأويل قوله تعالى * (تلك الرسل) *.