[ روح المعاني - الألوسي ]
الكتاب : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني
المؤلف : محمود الألوسي أبو الفضل
الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت
عدد الأجزاء : 30
بقي في الكلام على هذه الليلة بحث مهم وهو أنه على قول المعتبرين لاختلاف المطالع يلزم القول بتعددها في رمضان وكونها وترا من لياليه عند قوم وشفعا عند آخرين فلا يصح إطلاق القول بأحدهما وكذا لا يصح أطلاق القول بأنها ليلة كذا كليلة السابع والعشرين أو الحادي والعشرين مثلا من الشهر على ذلك أيضا بل لا يصح إطلاق القول بأن وقت التقدير وتنزل الملائكة ليل فالليلة عند قوم نهار في الجهنة المسامتة لأقدامهم وهي قد تكون مسكونة ولو بواسطة سفينة تمر فيها وربما يكون زمان الليل عند قوم بعضه ليلا وبعضه نهارا عند آخرين كأهل بعض العروض البعيدة عن خط الأستواء بل قد تنقضي أشهر بليل ونهار على قوم ولم ينقص يوم واحد بعض العروض بل لا يصح أيضا إطلاق القول بأنها في رمضان وأنها الليلة الأولى أو الأخيرة منه إذ الشهر دخولا وخروجا مختلف بالنسبة إلى سكان البسيطة وأجاب بعض بالتزام أن ما أطلق من القول فيها ليس على إطلاقه فيكون القول بوتريتها بالنسبة إلى قوم وبشفعيتها بالنسبة إلى آخرين وهكذا القول بأنها ليلة كذا من الشهر وبالتزام أنها ليلة بالنسبة إلى قوم نهار بالنسبة إلى آخرين وأن التعبير بالليلة لرعاية مكان المنزل عليه القرآن عليه الصلاة و السلام وغالب المؤمنين به كأن ما هو سمت أقدامهم مما ليلهم نهاره لم يعمر بالمسلمين بل لا يكاد يعمر بهم حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها وقال أنها حيث كانت نهارا عند قوم لا يبعد أن يعطي الله تعالى أجرها من اجتهد من غيرهم في ليلة ذلك النهار وأن يعطي سبحانه ذلك أيضا من اجتهد منهم ليلا وهي عندهم نهار وعلى نحو هذا يقال في الصور التي ذكرت في البحث وأدعى أن هذا نوع من الجمع بين الأحاديث المتعارضة وأن في قولهم يسن الأجتهاد في يومها رمز إما لشيء من ذلك وهو كما ترى وأجاب آخر بما يستحي القلم من ذكره ويرى تركه هو الحري بقدره وسمعت من بعض أحبابي أن الشيخ إسماعيل العجلوني عليه الرحمة تعرض فيما شرح من صحيح البخاري لشيء من هذا البحث والجواب عنه ولم أقف عليه وعندي أن البحث قوي والأمر مما لا مجال لعقلي فيه ومثل ليلة القدر فيما ذكر وقت نزوله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا من الليل كما صحت به الأخبار وكذا ساعة الإجابة من يوم الجمعة إلى أمثال أخر وللشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام طويل في الأول لم يحضرني منه الآن ما يرى الغليل ولغيره كابن حجر كلام مختصر في الثاني وهو مشهور وربما يقال أنها لكل قوم ليلتهم وإن اختلفت دخولا وخروجا بالنسبة إلى آفاقهم كسائر لياليهم فتدخل الليلة مطلقا في بغداد مثلا عند غروب الشمس فيها وبعد نصف ساعة منه تدخل في أسلامبول مثلا وذلك أول وقت الغروب فيها وهكذا والخروج على عكس ذلك فكان الليلة راكب يسير إلى جهة فيصل إلى كل منزل في وقت ويلتزم أن تنزل الملائكة حسب سيرها ولا يبعد أن يتنزل عند كل قوم ما شاء الله تعالى منهم عند أول دخولها عندهم ويعرجون عند مطلع فجرها عندهم أيضا أو يبقى المتنزل منهم هناك إلى أن تنقضي الليلة في جميع المعمورة فيعرجون معا عند انقضائها ويلتزم القول بتعدد التقدير حسب السير أيضا بأن يقدر الله تعالى في أي جزء شاء سبحانه منها بالنسبة إلى من هي عندهم أمورا تتعلق بهم ومناط الفضل لكل قوم تحققها بالنسبة إليهم وقيامهم فيها ومثل هذه الليلة فيما ذكر سائر أوقات العبادة كوقت الظهر والعصر وغيرهما وهذا غاية ما يخطر بالبال فيما يتعلق بهذا الإشكال وأمر ما يعكر عليه من أخبار الآحاد سهل على أن الكثير منها في صحته مقال فتأمل في ذاك والله عز و جل يتولى هداك ثم إن ليلة القدر عند السادة الصوفية ليلة يختص فيها السالك بتجبل خاص يعرف به قدره ورتبته بالنسبة إلى محبوبه وهي وقت ابتداء وصول السالك إلى عين الجمع ومقام البالغين في المعرفة وما ألطف قول الشيخ عمر بن الفارض قدس سره
(30/199)

وكل الليالي ليلة القدر إن دنت
كما كل أيام اللقا يوم جمعة هذا والله الهادي إلى سواء السبيل
سورة البينة
وتسمى سورة القيامة وسورة البلد وسورة المنفكين وسورة البرية وسورة لم يكن قال في البحر مكية في قول الجمهور وقال ابن الزبير وعطاء بن يسار مدنية قاله ابن عطية وفي كتاب التحرير مدنية وهو قول الجمهور وروي أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية واختاره يحيى بن سلام انتهى وقال ابن الفرس الأشهر إنها مكية ورواه ابن مردويه عن عائشة وجزم ابن كثير بأنها مدنية واستدل على ذلك بما أخرجه الإمام أحمد وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني وابن مردويه عن أبي خيثمة البدري قال لما نزلت لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب إلى آخرها قال جبريل عليه السلام يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأبي رضي الله تعالى عنه أن جبريل عليه السلام أمرني أن أقرئك هذه السورة فقال أبي أو قد ذكرت ثم يا رسول الله قال نعم فبكى وهذا هو الأصح وآيها تسع في البصري وثمان في غيره وجاء في فضلها ما أخرجه أبو موسى المديني في المعرفة عن إسماعيل بن أبي حكيم عن مطر المزني أو المدني عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال إن الله تعالى يسمع قراءة لم يكن الذين كفروا فيقول أبشر عبدي فوعزتي لا أسألك على حال من أحوال الدنيا والآخرة ولا مكنن لك في الجنة حتى ترضى ووجه مناسبتها لما قبلها إن قوله تعالى فيها لم يكن الذين الخ كالتعليل لإنزال القرآن كأنه قيل إنا أنزلناه لأنه لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى يأتيهم رسول يتلو صحفا مطهرة وهي ذلك المنزل فلا تغفل بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب أي اليهود والنصارى وإيراد هم بذلك العنوان قيل لا عظام شناعة كفرهم وقيل للإشعار بعلة ما نسب إليهم من الوعد باتباع الحق فإن مناط ذلك وجدانهم له في كتابهم وهو مبني على وجه يأتي إن شاء الله تعالى في الآية بعد وإيراد الصلة فعلا لما أن كفرهم حادث بعد أنبيائهم عليهم السلام بالآحاد في صفات الله عز و جل ومن للتبعيض كما قال علم الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي في التأويلات لا للتبيين لأن منهم من لم يكفر بعد نبيه وكان على الأعتقاد الحق حتى توفاه الله تعالى وعد من ذلك الملكانية من النصارى فقيل إنهم كانوا على الحق قبل بعثة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والتبيين يقتضي كفر جميعهم قبل البعث والظاهر خلافه وأيد إرادة التبعيض بما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن المراد بأهل الكتاب اليهود الذين كانوا بأطراف المدينة من بني قريظة والنظير وبني قينقاع وقال بعض لا نسلم أن التبيين يقتضي كفر جميعهم قبل البعث لجواز أن يكون التعبير عنهم بالذين كفروا باعتبار حالهم بعد البعثة كأنه قيل لم يكن هؤلاء الكفرة وبينوا بأهل الكتاب والمشركين وهم من اعتقدوا الله سبحانه شريكا صنما أو غيره وخصهم بعض بعبدة الأصنام لأن مشركي العرب الذين بمكة والمدينة وما حولها كانوا كذلك وهم المقصودون هنا على ما روي عن الحبر وأيا ما كان فالعطف على أهل الكتاب ولا يلزم عن التبعيض أن لا يكون بعضهم كافرين ليجب العدول عنه للتبيين لأنهم بعض من المجموع كما أفاده بعض الأجلة واحتمال أن يراد بالمشركين أهل الكتاب وشركهم لقولهم المسيح ابن الله وعزيز ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والعطف لمغايرة العنوان ليس بشيء وقريء والمشركون بالرفع عطفا على الموصول وحمل قراءة الجمهور على
(30/200)

ذلك واعتبار أن الجر للجوار لا يخفى حاله والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير كفروا وقوله تعالى منفكيم خبر يكن والأنفكاك في الأصل افتراق الأمور الملتحمة بنوع مزايلة وأريد به المفارقة لما كانوا عليه مما ستعرفه إن شاء الله تعالى فالوصف اسم فاعل من انفك التامة دون الناقصة الداخلة على المبتدأ والخبر وزعم بعض النحاة أنه وصف منها والخبر محذوف أي واعدين اتباع الحق أو نحوه وتعقب مع كونه خلاف الظاهر بأن خبر كان وأخوتها لا يجوز حذفه في السعة لا اقتصارا ولا اختصارا وحين ليس مجير أي في الدنيا ضرورة وقوله تعالى حتى تأتيهم البينة متعلق بمنفكين والبينة صفة اسم الفاعل أي المبين للحق أو هي بمعناها المعروف وهو الحجة المثبتة للمدعي ويراد بها المعجز وعلى الوجهين فقوله تعالى رسول بدل منها بدل كل من كل أو خبر لمقدر أي هي رسول وتنوينه للتفخيم والمراد به نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وقوله سبحانه من الله في موضع الصفة له مفيد للفخامة الإضافية فهو مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية وقوله تعالى يتلوا صحفا مطهرة صفة له أو حال من الضمير في صفته الأولى كما أن قوله سبحانه فيها كتب قيمة صفة ثانية لصحفا أو حال من الضمير في صفتها الأولى أعني مطهرة ويجوز أن يكون الصفة أو الحال هنا الجار والمجرور فقط وكتب مرتفعا على الفاعلية وإطلاق البينة عليه عليه الصلاة و السلام على المعنى الأول ظاهر وعلى المعنى الأخير باعتبار أن أخلاقه وصفاته صلى الله تعالى عليه وسلم كانت بالغة حد الإعجاز كما قال الغزالي في المنقذ من الضلال وأشار إليه البوصيري بقوله كفاك بالعلم في الأمي معجزة
في الجاهلية والتأديب في اليتم ويعلم منه حكمة جعله عليه الصلاة و السلام يتيما أو باعتبار كثرة معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم غير ما ذكر وظهورها وجوز أن يراد بالبينة القرآن لأنه مبين للحق أو معجز مثبت للمدعي وروي ذلك عن قتادة وابن زيد ورسول عليه قيل بدل اشتمال أو بدل كل من كل أيضا بتقدير مضاف أي بينة أو وحي أو معجز أو كتاب رسول أو هو خبر مبتدأ مقدر أي هي رسول ويقدر معه مضاف كما سمعت وجوز أن يكون رسول مبتدأ لوصفه وخبره جملة يتلو الخ وجملة المبتدأ وخبره مفسرة للبينة وقيل اعتراض لمدحها وقيل صفة لها مرادا بها القرآن ويراد بالصحف المطهرة البينة وقد وضعت موضع ضميرها فكانت الرابط وقرأ أبي وعبد الله رسولا بالنصب على الحالية من البينة والصحف جمع صحيفة وكذا الصحاف القراطيس التي يكتب فيها وأصلها المبسوط من الشيء والمراد بتطهيرها تنزيهها عن الباطل على سبيل الأستعارة المصرحة ويجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية أو تطهير من يمسها على التجوز في النسبة فكأنه قيل صحفا لا يمسها إلا المطهرون والمراد بالكتب المكتوبات وبالقيمة المستقيمة واستقامتها نطقها بالحق وفي التيسير هي كتب الأنبياء عليهم السلام والقرآن مصدق لها فكأنها فيه ووصفه عليه الصلاة و السلام بتلاوة الصحف المذكورة بناء على المشهور من أنه عليه الصلاة و السلام لم يكن يقرأ الكتاب كما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن يكتب من باب التجوز في النسبة إلى المفعول لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما قرأ ما فيها فكأنه قرأها وقيل على تقدير مضاف أي مثل صحف وقيل في ضمير استعارة مكنية بتشبيهه عليه الصلاة و السلام لتلاوته مثل ما فيها بتاليها أو الصحف مجاز عما فيها بعلاقة الحلول ففي ضمير استخدام لعوده على الصحف بالمعنى الحقيقي وقيل المراد بالرسول جبريل عليه السلام وبالصحف صحف الملائكة عليهم السلام المنتسخة من اللوح المحفوظ وبتطهيرها ما سبق والمراد بتلاوته عليه الصلاة و السلام إياها ظاهر وجعلها
(30/201)

مجازا عن وحيه إياها غير وجيه والأولى حمل الرسول على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو المروي عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما وقد اختلفوا في المعنى المراد بالآية اختلافا كثيرا حتى قال الواحدي في كتاب البسيط أنها من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا وبين ذلك بناء على أن الكفر وصف لكل من الفريقين قبل البعثة بأن الظاهر أن المعنى لم يكن الذين كفروا من الفريقين منفكين عما هم عليه من الكفر حتى يأتيهم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وحتى لأنتهاء الغاية فتقتضي أنهم انفكوا عن كفرهم عند إتيان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وهو خلاف الواقع ويناقضه قوله تعالى وما تفرق الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جآءتهم البينة فإنه ظاهر في أن كفرهم قد زاد عند ذلك فقال جار الله كان الكفار من الفريقين يقولون قبل المبعث لا ننفك عما نحن فيه من ديننا حتى يبعث الله تعالى النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل وهو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه ثم قال سبحانه وما تفرق الخ يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والإتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول ثم ما فرقهم عن الحق وأقرهم على الكفر إلا مجيئه ونظيره في الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه لست بمنفك مما أنا فيه حتى يرزقني الله تعالى الغنى فيرزقه الله عز و جل ذلك فيزداد فسقا وأعظه لم تكن منفكا عن الفسق حتى توسر وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار يذكره ما كان يقوله توبيخا وإلزاما وحاصله أن الأول من باب الحكاية لزعمهم وقوله سبحانه وما تفرق الخ إلزام عليهم حكى الله تعالى كلامهم على سبيل التوبيخ والتعبير فقال هذا هو الثمرة وظاهره أنه أراد بتفرقهم تفرقهم عن الحق وحمل على على الكفر والباطل لاستلزامه إياه وعدم التعرض للمشركين في قوله تعالى وما نفرق الخ لعلم حالهم من حال الذين أوتوا الكتاب بالأولى وقيل وهو قريب من ذاك من وجه وفيه إيضاح له من وجه أي لم يكونوا منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق والإيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان إلى إلى أن أتاهم ما جعلوه ميقاتا والأتفاق فاجعلوه ميقاتا للأنفكاك والأفتراق كما قال سبحانه وما تفرق الخ وفي التعبير بمنفكين إشارة إلى وكادة وعدهم وهو من أهل الكتاب مشهور حتى أنهم كانوا يستفتحون ويقولون اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي في آخر الزمان ويقولون لأعدائهم من المشركين وقد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا قنقتلكم معه قتل عاد وإرم ومن المشركين لعله وقع من متأخرهم بعد ما شاع من أهل الكتاب واعتقدوا صحته مما شاهدوا مثلا من بعض من يوثق به بينهم من قومهم كزيد بن عمرو بن نفيل فقد كان يتطلب نبيا من العرب ويقول قد أظل زمانه وأنه من قريش بل من بني هاشم بل من بني عبد المطلب ويشهد لذلك أنهم قبيل بعثته عليه الصلاة و السلام سمى منهم غير واحد ولده بمحمد رجاء أن يكون النبي المبعوث والله أعلم حيث يجعل رسالته والتعبير عن إتيانه بصيغة المضارع حال المحكي لا باعتبار حال الحكاية كما في قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين أي تلت وقوله تعالى وما تفرق الخ كلام مسوق لمزيد التشنيع على أهل الكتاب خاصة ببيان أن ما نسب إليهم من الإنفكاك لم يكن لاشتباه في الأمر بل بعد وضوح الحق وتبين الحال وانقطاع الأعذار بالكلية وهو السر في وصفهم بإيتاء الكتاب المنبيء عن كمال تمكنهم من مطالعته والإحاطة بما في تضاعيفه من الأعحكام والأخبار التي من جملتها ما يتعلق بالنبي عليه الصلاة و السلام وصحة بعثته بعد ذكرهم فيما سبق بما هو جار مجرى اسم الجنس للطائفتين ولما كان هؤلاء والمشركون باعتبار اتفاقهم على الرأي المذكور في حكم فريق واحد عبر عما صدر منهم عقيب الأتفاق عند الأخبار بوقوعه بالأنفكاك وعند بيان كيفية وقوعه بالتفرق اعتبار الأستقلال كل من
(30/202)

فريقي أهل الكتاب وإيذانا بأن انفكاكهم عن الرأي المذكور ليس بطريق الأتفاق على رأي آخر بل بطريق الأختلاف القديم وتعقب التقريران بأنه ليس في الكلام ما يدل على أنه حكاية إلا على إرادة منفكين عن الوعد باتباع الحق وقال القاضي عبد الجبار المعنى لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم وإن جاءتهم البينة وتعقبه الإمام بأن تفسير لفظ حتى بما ذكر ليس من اللغة في شيء ولعله أراد أن المراد استمرار النفي وإن في الكلام حذفا أي لم يكونوا منفكين عن كفرهم في وقت من الأوقات حتى وقت أن تأتيهم البينة إلا أنه عبر بما ذكر لأنه اخصر وفيه أيضا ما لا يخفى وقيل المعنى لم يكونوا منفكين عن ذكر الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بالمناقب والفضائل إلى أن أتاهم فحينئذ تفرقوا فيه وقال كل منهم فيه عليه الصلاة و السلام قولا زورا وتعقب بأنه دلالة على إرادة ما قدر متعلق الأنفكاك وقيل المعنى لم يكونوا منفكين عن كفرهم إلى مجيء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فلما جاءهم تفرقوا فمنهم من آمن ومنهم من أصر على كفره ويكفي ذلك في العمل بموجب حتى وتعقب بأن ظاهر وما تفرق الخ ذم لجميعهم وتشنيع عليهم ويؤيده قوله سبحانه بعد أن الذين كفروا من أهل الكتاب الخ ويبعد ذلك على حمل التفرق على إيمان بعض وإصرار بعض وقيل المعنى لم يكونوا منفكين عن كفرهم بأن يترددوا فيه بل كانوا جازمين به معتقدين حقيته إلى أن أتاهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعند ذلك اضطربت خواطرهم وأفكارهم وتشكك كل في دينه ومقالته وفيه ما لا يخفى وقيل معنى منفكين هالكين من قولهم انفك صلا المرأة عند الولادة وهو أن ينفصل فلا يلتئم والمعنى لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب وقريب منه معنى ما قيل لم يكونوا منفكين عن الحياة بأن يموتوا ويهلكوا حتى تأتيهم البينة وهو كما ترى وقيل المراد أنهم لم ينفكوا عن دينهم حقيقة إلى مجيء الرسول التالي للصحف المبينة نسخه وبطلانه ولما جاء وتبين ذلك انفكوا عنه حقيقة وإن بقوا عليه صورة وفيه ما فيه وقال أبو حيان الظاهر أن المعنى لم يكونوا منفكين أي منفصلا بعضهم عن بعض بل كان كل منهم مقرا على ما هو مما اختاره لنفسه هذا من اعتقاده بشريعته وهذا من اعتقاده بأصنامه وحاصله أنه اتصلت أنه مودتهم كلمتهم إلى أن أتتهم البينة وما تفرق الذين أوتوا أي من المشركين وانفصل بعضهم من بعض فقال كل ما يدل عنده على صحة قوله إلا من بعد ما جاءتهم البينة وكان يقتضي عند مجيئها أن يجتمعوا على اتباعها ولا يخفى أن قوله بل كان كل منهم الخ في حيز المنع وأيضا حمل وما تفرق على ما حمله عليه غير ظاهر وقال ابن عطية ههنا وجه بارع المعنى وذلك أن يكون المراد لم يكن هؤلاء القوم منفكين من أمر الله تعالى وقدرته ونظره سبحانه حتى يبعث عز و جل إليهم رسولا منذرا يقيم تعالى عليهم به الحجة ويتم على من آمن به النعمة فكأنه قال ما كانوا ليتركوا سدى ولهذا نظائر في كتاب الله جل جلاله هذا ما ظفرنا به سؤالا وجوابا وجرحا وتعديلا ثم أني أقول ما تقدم في تقرير الأشكال مبني على مذهب القائلين بمفهوم الغاية وهم أكثر الفقهاء وجماعة من المتكلمين كالقاضي أبي بكر والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري وغيرهم دون مذهب القائلين به وهم أصحاب الإمام أبي حنيفة وجماعة من الفقهاء والمتكلمين واختاره الآمدي واستدل عليه بما استدل ورد ما يعارضه من أدلة المخالف وعليه يمكن أن يقال أنه سبحانه وتعالى بين أولا حال الذين كفروا من الفريقين إلى وقت إتيان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله عز و جل لم يكن الذين كفروا من أهل الكتوب والمشركين منفكين أي أعماهم عليه من الدين حسب اعتقادهم فيه إلى أن يأتيهم الرسول ولما لم يتعرض في ذلك على ذلك المذهب لحالهم بعد إتيان الرسول عليه الصلاة و السلام بينه سبحانه بقوله
(30/203)

جل وعلا وما تفرق الذين أوتوا الكتاب الخ أي وما تفرقوا فعرف بعض منهم الحق وآمن وعرفه بعض آخر منهم وعاند فلم يؤمن في وقت من الأوقات إلا بعد ما جاءتهم البينة وطوى سبحانه ذكر حال المشركين لعلمه بالأولى من حالهم ثم أنه تعالى ذكر بعد حال من الفريقين المؤمن والكافر وما له في الآخرة بقوله سبحانه إن الذين كفروا الخ وقوله تعالى الذين آمنوا الخ والذين أميل إليه مما تقدم كون الإنفكاك عن الوعد باتباع الحق ولعل القرينة على اعتباره حالية ويحتمل نحوا آخر من التوجيه وذلك بأن الكلام من باب الأعمال فيقال أن منفكين يقتضي متعلقا هو المنفك عنه وتأتيهم يقتضي فاعلا وليس في الكلام سوى البينة فكل منهما يقتضيه فاعمل فيه تأتيهم وحذف معمول منفكين لدلالته عليه فكأنه قيل لم يكن الذين كفروا من الفريقين منفكين عن البينة حتى تأتيهم البينة وحيث كان المراد بالبينة الرسول كان الكلام في قوة لم يكونوا منفكين عن الرسول حتى يأتيهم ويراد بعدم الأنفكاك عن الرسول حيث لم يكن موجودا إذ ذاك عدم الأنفكاك عن ذكره والوعد باتباعه ويكون باقي الكلام في الآية على نحو ما سبق على تقدير إرادة منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق وإن شئت قلت في قوله تعالى وما تفرق الخ أنه على معنى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب عن الرسول وما انفكوا عنه بالأصرار على الكفر إلا من بعد ما جاءهم فتأمل جميع ما أتيناك به والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله جملة حالية مفيدة لغاية قبح ما فعلوا والمراد بالأمر مطلق التكليف ومتعلقه محذوف واللام للتعليل والكلام في تعليل أفعاله تعالى شهير والأستثناء مفرغ من أعم العلل أي والحال أنهم ما كلفوا في كتابهم بما كلفوا به لشيء من الأشياء إلا لأجل عبادة الله تعالى وقال الفراء العرب تجعل اللام موضع أن في الأمر كأمرنا لنسلم وكذا في الإرادة كيريد الله ليبين لكم فهي هنا بمعنى أن أي إلا بأن يعبدوا الله وأيد بقراءة عبد الله إلا أن يعبدوا فيكون عبادة الله تعالى هي المأمور بها والأمر على ظاهره والأول هو الأظهر وعليه قال علم الهدى أبو منصور الماتريدي هذه الآية علم منها معنى قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي إلا لأمرهم بالعبادة فيعلم المطيع من العاصي وهو كما قال الشهاب كلام حسن دقيق مخلصين له الدين أي جاعلين دينهم خالصا له تعالى فلا يشركون به عز و جل فالدين مفعول لمخلصين وجوز أن يكون نصبا على إسقاط الخافض ومفعول مخلصين محذوف أي جاعلين أنفسهم خالصة له تعالى في الدين وقراءة الحسن مخلصين بفتح اللام وحينئذ يتعين هذا الوجه في الدين ولا يتسنى الأول نعم جوز أن يكون نصبا على المصدر والعامل ليعبدوا أي ليدينوا الله تعالى بالعبادة الدين حنفاء أي مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام وفيه من تأكيد الإخلاص ما فيه فالحنف الميل إلى الأستقامة وسمي مائل الرجل إلى الأعوجاج أحنف للتفاؤل أو مجاز مرسل بمرتبتين وعن ابن عباس تفسير حنفاء هنا بحجاجا وعن قتادة بمختتنين محرمين لنكاح الأم والمحارم وعن أبي قلابة بمؤمنين بجميع الرسل عليهم السلام وعن مجاهد بمتبعين دين إبراهيم عليه السلام وعن الربيع بن أنس بمستقبلين القبلة بالصلاة وعن بعض بجامعين كل الدين وحال الأقوال لا يخفى ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة إن أريد بهما ما في شريعتهم من الصلاة والزكاة فالأمر بهما ظاهر وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم في كتابهم أن أمرهم باتباع شريعتنا أمر لهم بجميع أحكامها التي هما من جملتها وذلك إشارة إلى كا ذكر من عبادة الله تعالى بالأخلاص وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وما فيه من البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته في الشرف دين القيمة أي الكتب القيمة
(30/204)

فأل للعهد إشارة إلى ما تقدم في قوله تعالى فيها كتب قيمة وإليه ذهب محمد بن الأشعث الطالقاني وقال الزجاج أي الأمة القيمة أي المستقيمة وقال غير واحد أي الملة القيمة والتغاير الأعتباري بين الدين والملة يصحح الإضافة وبعضهم لم يقدر موصوفا ويجعل القيمة بمعنى الملة وقيل أي الحجج القيمة وقرأ عبد الله رضي الله تعالى عنه الدين القيمة فقيل التأنيث على تأويل الدين بالملة وقيل الهاء للمبالغة إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم قيل بيان لحال الفريقين في الآخرة بعد بيان حالهم في الدنيا وذكر المشركين لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب حسب اختصاص مشاهدة شواهد النبوة في الكتاب بهم فالمراد بهؤلاء الذين كفروا هم المتقدمون في صدر السورة وفي ذلك احتمال أشرنا إليه فلا تغفل ومعنى كونهم في نار جهنم أنهم يصيرون إليها يوم القيامة لكن لتحقق ذلك لم يصرح به وجيء بالجملة إسمية أو يقدر متعلق الجار بمعنى المستقبل أو أنهم فيها الآن على إطلاق نار جهنم على ما يوجبها من الكفر مجازا مرسلا بإطلاق اسم المسبب على السبب وجوزت الأستعارة وقيل أن ما هم فيه من الكفر والمعاصي عين النار إلا أنها ظهرت في هذه النشأة بصورة عرضية وستخلعها في النشأة الآخرة وتظهر بصورتها الحقيقية وقد مر نظيره غير مرة خالدين فيها حال من المستكن في الخبر واشتراك الفريقين في دخول النار بطريق الخلود لا ينافي تفاوت عذابهما في الكيفية فإن جهنم والعياذ بالله تعالى دركات وعذابها ألوان فيعذب أهل الكتاب في درك منها نوعا من العذاب والمشركون في درك أسفل منه بعذاب أشد لأن كفرهم أشد من كفر أهل الكتاب وكون أهل الكتاب كفروا بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم مع علمهم بنعوته الشريفة وصحة رسالته من كتابهم ولم يكن للمشركين علم بذلك كعلمهم لا يوجب كون عذابهم أشد من عذاب المشركين ولا مساويا له فإن الشرك ظلم عظيم وقد انضم إليه من أنواع الكفر في المشركين مما ليس عند أهل الكتاب وقد استدل بالآية على خلود الكفار مطلقا في النار أولئك إشارة إليهم باعتبار اتصافهم بما هم فيه من القبائح المذكورة وما فيه من معنى البعد لبعد منزلتهم في الشر أي أولئك البعداء المذكورون هم شر البرية أي الخلقية وقيل أي البشر والمراد قيل هم شر البرية أعمالا فتكون الجملة في حيز التعليل لخلودهم في النار وقيل شرها مقاما ومصيرا فتكون تأكيدا لفظاعة حالهم ورجح الأول بأنه الموافق لما سيأتي إن شاء الله تعالى في حق المؤمنين وأيا ما كان فالعموم على ما قيل مشكل فإن إبليس وجنوده شر منهم أعمالا ومقاما وكذا والمنافقون حيث ضموا إلى الشرك النفاق وقد قال سبحانه أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وقال بعض لا يبعد أن يكون من كفار الأمم من هو شر منهم كفرعون وعاقر الناقة بأن المراد بالبرية المعاصرون لهم ولا يخفى أنه يبقى معه الأشكال بإبليس ونحوه وأجيب بأن ذلك إذا كان الحصر حقيقيا وأما إذا كان إضافيا بالنسبة إلى المؤمنين بحسب زعمهم فلا إشكال إذ يكون المعنى أولئك هم شر البرية لا غيرهم من المؤمنين كما يزعمون قالا أو حالا وقيل يراد بالبرية البشر ويراد بشريتهم بحسب الأعمال ولا يبعد أن يكونوا بحسب ذلك هم شر جميع البرية لما أن كفرهم مع العلم بصحة رسالته عليه الصلاة و السلام ومشاهدة معجزاته الذاتية والخارجية ووعد الإيمان به عليه الصلاة و السلام ومع إدخالهم به الشبهة في قلوب من يأتي بعدهم وتسببهم به ضلال كثير من الناس إلى غير ذلك مما تضمنه واستلزمه من القبائح شر كفر وأقبحه لا يتسنى مثله لأحد من البشر إلى يوم القيامة وكذا سائر أعمالهم من تحريف الكلم عن مواضعه وصد الناس عنه صلى الله تعالى عليه وسلم ومحاربتهم إياه عليه الصلاة و السلام وكون كفر فرعون وعاقر الناقة وفعلهما بتلك المثابة غير مسلم ويلتزم دخول المنافقين في عموم الذين كفروا أو كون كفرهم وأعمالهم دون كفر وأعمال
(30/205)

المذكورين وفيه شيء لا يخفى فتأمل وقيل ليس المراد بأولئك الذين كفروا أقواما مخصوصين وهم المحدث عنهم أولا بل الأعم الشامل لهم ولغيرهم من سالف الدهر إلى آخره وهو على ما فيه لا يتم بدون حمل البرية على البشر فلا تغفل وقرأ الأعرج وابن عامر ونافع البريئة هنا وفيما بعد بالهمزة فقيل هو الأصل من برأهم الله تعالى بمعنى ابتدأهم واخترع خلقهم فهي فعيلة بمعنى مفعولة لكن عامة العرب إلا أهل مكة التزموا تسهيل الهمزة بالإبداء والإدغام فقالوا البرية كما قالوا الذرية والخابية وقيل ليس بالأصل وإنما البرية بغير همز من البري المقصور يعني التراب فهو أصل برأسه والقراءتان مختلفتان أصلا ومادة ومتفقتان معنى في رأي وهو أن يكون المراد عليهما البشر ومختلفتان فيه أيضا في رأي آخر وهو أن يكون المراد بالمهموز الخليقة الشاملة للملائكة والجن كالبشر وبغير المهموز البشر المخلوقان من التراب فقط وأيا ما كان فليست القراءة خطأ كيف وقد نقلت عمن ثبتت عصمته مع أن الهمز لغة قوم من أنزل عليه الكتاب صلى الله تعالى عليه وسلم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات بيان لمحاسن أحوال المؤمنين أثر بيان سوء حال الكفرة جريا على السنة القرآنية من شفع الترهيب بالترغيب أو هو على ما أشرنا إليه سابقا وقال عصام الدين إن قوله تعالى إن الذين كفروا الخ كالتأكيد لقوله تعالى وذلك دين القيمة إذ لا تحقيق لكونها الملة القيمة فوق أن يكون جزاء المعرض هذا وجزاء الممتثل ذلك إلا أن ذلك اقتضى قوله تعالى إن الذين آمنوا الخ وكأنه فصل لتخييل عدم المناسبة بين الجملتين لا في المسند إليه ولا في المسند أولئك أي المنعوتون بما هو الغاية القاضية من الشرف والفضيلة من الإيمان والطاعة هم خير البرية وقرأ حميد وعامر بن عبد الواحد هم خيار البرية وهو جمع خير كجياد وجيد جزاؤهم بمقابلة ما لهم من الإيمان والطاعات عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا تقدمت نظائره وفي تقديم مدحهم بخير البرية وذكر الجزاء المؤذن يكون ما منح في مقابلة ما وصفوا به وبيان كونه من عنده تعالى والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميرهم وجمع الجنات وتقييدها بالإضافة وبما يزيدها نعيما وتأكيد الخلود بالأبود من الدلالة على غاية حسن حالهم ما لا يخفى والظاهر أن جملة هم خير البرية اسم الإشارة وكذا ما بعد وزعم بعض الأجلة أن الأنسب بالعديل السابق أن تجعل معترضة ويكون الخبر ما بعدها وفيه نظر وقوله تعالى رضي الله عنهم استئناف نحوي وإخبار عما تفضل عز و جل به زيادة على ما ذكر من أجزية أعمالهم ويجوز أن يكون بيانيا جوابا لمن يقول ألهم فوق ذلك أمر آخر وجوز أن يكون خبرا بعد خبر أو حالا بتقدير قد أو بدونه وجوز أن يكون دعاء لهم من ربهم وهو مجاز عن الإيجاد مع زيادة التكريم وهو خلاف الظاهر ويبعده عطف قوله تعالى ورضوا عنه عليه وعلل رضاهم بأنهم بلغوا من المطالب قاصيتها ومن المآرب ناصيتها وأتيح لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذلك أي ما ذكره من الجزاء والرضوان لمن خشي ربه فإن الخشية ملاك السعادة الحقيقية والفوز بالمراتب العلية إذ لو لاها لم تترك المناهي والمعاصي ولا استعد ليوم يؤخذ فيه بالأقدام والنواصي وفيه إشارة إلى أن مجرد الإيمان والعمل الصالح ليس موصلا إلى أقصى المراتب ورضوان من الله أكبر بل الموصل له خشية الله تعالى وإنما يخشى الله من عباده العلماء ولذا قال الجنيد قدس سره الرضا على قدر قوة العلم والرسوخ في المعرفة وقال عصام الدين الأظهر أن ذلك إشارة إلى ما يترتب عليه الجزاء والرضوان من الإيمان والعمل الصالح وتعقب بأن فيه غفلة عما ذكر وعن أنه لا يكون حينئذ
(30/206)

لقوله تعالى ذلك الخ كبير فائدة والتعرض لعنوان الربوبية المعربة عن المالكية والتربية للأشعار بعلة الخشية والتحذير من الأغرار بالتربية واستدل بقوله تعالى إن الذين آمنوا الخ على أن البشر أفضل من الملك لظهور أن المراد بالذين آمنوا من البشر وفي الآثار ما يدل على ذلك أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعا أتعجبون لمنزلة الملائكة من الله تعالى والذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند الله تعالى يوم القيامة أعظم من منزلة الملك واقرؤا إن شئتم أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قلت يا رسول الله من أكرم الخلق على الله تعالى قال يا عائشة أما تقرئين أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية وأنت تعلم أن هذا ظاهر في أن المراد بالبرية الخليقة مطلقا ليتم الأستدلال ثم أنه يحتاج أيضا إلى إدخال الأنبياء عليهم السلام في عموم الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لا يرد بهم قوم بخصوصهم إذ لو لم يدخلوا لزم تفضيل عوام البشر الذين ليسوا بأنبياء منهم على خواص الملائكة أعني رسلهم عليهم السلام وذلك مما لم يذهب إليه أحد من أهل السنة بل هم يكفرون من يقول به فليتفطن الإمام قد ضعف الأستدلال في تفسيره بما لا يخلو عن بحث ولعل الأبعد عن القيل والقال جعل الصر إضافيا بالنسبة إلى ما يزعمه أهل الكتاب والمشركون قالا أو حالا من أنهم هم خير البرية وكذا يجعل الحصر السابق بالنسبة إلى ما يزعمونه من أن المؤمنين هم شر البرية وصحة ما سبق من الآثار في حيز المنع ثم الظاهر أن المراد بالذين آمنوا الخ مقابل الذين كفروا والأقوم من الذين أنصفوا بما في حيز الصلة بخصوصهم وزعم بعض أنهم مخصوصون فقد أخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ألم تسمع قول الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جئت الأمم للحساب يدعون غرا محجلين وروي نحوه الإمامية عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب الأمير كرم الله تعالى وجهه وفيه أنه عليه الصلاة و السلام قال ذلك له عند الوفاة ورأسه الشريف على صدره رضي الله تعالى عنه وأخرج ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية إن الذين آمنوا الخ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعلي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين وذلك في التخصيص وكذا ما ذكره الطبرسي الإمامي في مجمع البيان عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال في الآية نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه وأهل بيته أن أسلمت صحته لا محذور فيه إذ لا يستدعي التخصيص بل الدخول في العموم وهم بلا شبهة داخلون فيه دخولا أوليا وأماما تقدم فلا تسلم صحته فإنه يلزم عليه أن يكون علي كرم الله تعالى وجهه خيرا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والإمامية وإن قالوا أنه رضي الله تعالى عنه خير من الأنبياء حتى أولي العزم عليهم السلام ومن الملائكة حتى المقربين عليهم السلام لا يقولون بخيريته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإن قالوا بأن البرية على ذلك مخصوصة بمن عداه عليه الصلاة و السلام للدليل الدال على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم خير منه كرم الله تعالى وجهه قيل إنها مخصوصة أيضا بمن عدا الأنبياء والملائكة ومن قال أهل السنة بخيريته للدليل الدال على خيريتهم وبالجملة لا ينبغي أن يرتاب في عدم تخصيص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالأمير كرم الله تعالى وجهه وشيعته ولا به رضي الله تعالى عنه وأهل بيته وإن دون إثبات صحة تلك الأخبار خرط القتاد والله تعالى أعلم ثم أن الروايات في أن هذه السورة قد نسخ منها كثير كثيرة منها ما أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه عن أبي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال أن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك
(30/207)

القرآن فقرأ عليه الصلاة و السلام لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب فقرأ فيها ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه يسأل ثانيا ولو سأل ثانيا فأعطيه يسأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وإن الدين عند الله الحنفية غير الشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل ذلك فلن يكفره وفي بعض الآثار أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أقرأه هكذا ما كان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله صحفا مطهرة فيها كتب قيمة إن أقوم الدين لحنفية مسلمة غير مشركة ولا يهودية ولا نصرانية ومن يعمل صالحا فلن يكفره وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وفارقوا الكتاب لما جاءهم أولئك عند الله شر البرية ما كان الناس إلا أمة واحدة ثم أرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين يأمرون الناس يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويعبدون الله وحده أولئك عند الله خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأبدا رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه أخرج ذلك ابن مردويه عن أبي رضي الله تعالى عنه وهو مخالف لما صح عنه فلا يعول عليه كما لا يخفى على العارف بعلم الحديث
سورة الزلزلة
ويقال سورة إذا زلزلت وهي مكية في قول ابن عباس ومجاهد وعطاء ومدنية في قول قتادة ومقاتل واستدل له في الإتقان بما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال لما نزلت فمن يعمل مثقال ذرة الخ قلت يا رسول الله إني لراء عملي قال نعم قلت تلك الكبار الكبار قال نعم قلت الصغار الصغار قال نعم قلت واتكل أمي قال أبشر يا أبا سعيد فإن الحسنة بعشر أمثالها الحديث وأبو سعيد لم يكن إلا بالمدنية ولم يبلغ إلا بعد أحد وآيها ثمان في الكوفي والمدني الأول وتتسع في الباقية وصح في حديث الترمذي والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس مرفوعا إذا زلزلت تعدل نصف القرآن وجاء في حديث آخر تسميتها ربعا ووجه ما في الأول بأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة إجمالا وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وبحديث الأخبار وما في الآخر بأن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان في الحديث الذي رواه الترمذي لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت ويؤمن بالبعث بعد الموت بالقدر وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بهذا المقام وكأنه لما ذكر عز و جل في السورة السابقة جزاء الفريقين المؤمنين والكافرين كان ذلك كالمحرك للسؤال عن وقته عز و جل شأنه في هذه السورة فقال عز من قائل بسم الله الرحمن الرحيم
إذا زلزلت الأرض أي حركت تحريكا عنيفا متداركا متكررا زلزالها أي الزلزال المخصوص بها الذي تقتضيه بحسب المشيئة الإلهية للبنية على الحكم البالغة وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده زلزال فكان ما سواه ليس زلزالا بالنسبة إليه أو زلزالها العجيب الذي لا يقادر قدره فالإضافة على الوجهين للعهد ويجوز أن يراد الأستغراق لأن زلزالا مصدر مضاف فيعم أي زلزالها كله وهو استغراق عرفي قصد به المبالغة وهو مراد من قال أي زلزالها الداخل في حيز الإمكان أو عني بذلك العهد أيضا وقرأ الجحدري وعيسى زلزالها بفتح الزاي وهو عند ابن عطية مصدر كالزلزال بالكسر وقال الزمخشري المكسور مصدر والمفتوح
(30/208)

اسم للحركة المعروفة وانتصب ههنا على المصدر تجوزا لسده مسد المصدر وقال أيضا ليس في الأبنية فعلان بالفتح إلا في المضاعف وذكروا أنه يجوز في ذلك الفتح والكسر إلا أن الأغلب فيه إذا فتح أن يكون بمعنى اسم الفاعل كصلصال بمعنى مصلصل وقضقاض بمعنى مقضقض ووسواس بمعنى موسوس وليس مصدرا عند ابن مالك وأما في غير المضاعف فلم يسمع إلا نادرا سواء كان صفة أو اسما جامدا وبهرام وبسطام معربان إن قيل بصحة الفتح فيهما ومن النادر خرعال بمعجمتين وهو الناقة التي بها ظلع ولم يثبت بعضهم غيره وزاد ثعلب قهقازا وهو الحجر الصلب وقيل هو جمع وقيل هو لغة ضعيفة والفصيحة قهقر بتشديد الراء وزاد آخر قسطالا وهو الغبار وهذا الزلزال على ما ذهب إليه جمع عند النفخة الثانية لقوله تعالى وأخرجت الأرض أثقالها فقد قال ابن عباس أي موتاها وقال النقاش والزجاج ومنذر بن سعيد أي كنوزها وموتاها وروي عن ابن عباس أيضا وهذه الكنوز على هذا القول غير الكنوز التي تخرج أيام الدجال على ما وردت به الأخبار وذلك بأن تخرج بعضا في أيامه وبعضا عند النفخة الثانية ولا بعد في أن تكون بعد الدجال كنوز أيضا فتخرجها مع ما كان قد بقي يومئذ وقيل هو عند النفخة الأولى وأثقالها ما في جوفها من الكنوز أو منها ومن الأموات ويعتبر الوقت ممتدا وقيل يحتمل أن يكون إخراج الموتى كالكنوز عند النفخة الأولى وإحياؤها في النفخة الثانية وتكون على وجه الأرض بين النفختين وأنت تعلم أنه خلاف ما تدل عليه النصوص وقيل إنها تزلزل عند النفخة الأولى فتخرج كنوزها وتزلزل عند الثانية فتخرج موتاها وأريد هنا بوقت الزلزال ما يعم الوقتين واقتصر بعضهم على تفسير الأثقال بالكنوز مع كون المراد بالوقت وقت النفخة الثانية وقال تخرج الأرض كنوزها يوم القيامة ليراها أهل الموقف فيتحسر العصاة إذا نظروا إليها حيث عصوا الله تعالى فيها ثم تركوا لا تغني عنهم شيئا وفي الحديث تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانات من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول من هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا وقيل إن ذلك لتتكون بها جباه الذين كنزوا وجنوبهم وظهورهم وأيا ما كان فالأثقال جمع ثقل بالتحريك وهو على ما في القاموس متاع المسافر وكل نفيس مصون وتجوز به ههنا على سبيل الأستعارة عن الثاني ويجوز أن يكون جمع ثقل بكسر فسكون بمعنى حمل البطن على التشبيه والأستعارة أيضا كما قال الشريف المرتضي في الدرر وأشار إلى أنه لا يطلق على ما ذكر إلا بطريق الأستعارة ومنهم من فسر الأثقال ههنا بالأسرار وهو مع مخالفته للمأثور بعيد وإظهار الأرض في موقع الإضمار لزيادة التقرير وقيل للإيماء إلى تبديل الأرض غير الأرض أو لأن إخراج الأرض حال بعض أجزائها أن إخراجها ذلك مسبب عن الزلزال كما ينفض البساط ما فيه من الغبار ونحوه وإنما اختيرت الواو على الفاء تفويضا لذهن السامع كذا قيل ولعل الظاهر أنه لم ترد السببية والمسببية بل ذكر كل مما ذكر من الحوادث من غير تعرض لتسبب شيء منها على الآخر وقال الإنسان أي كل فرد من أفراد الإنسان لما يبرههم من الطامة التامة ويدهمهم من الداهية العامة ما لها وزلزلت هذه المرتبة من الزلزال وأخرجت ما فيها من الأثقال استعظاما لما شاهدوه من الأمر الهائل وقد سيرت الجبال في الجو وصيرت هباء وذهب غير واحد إلى أن المراد بالإنسان الكافر غير المؤمن بالبعث والأظهر هو الأول على أن المؤمن يقول ذلك بطريق الأستعظام والكافر بطريق التعجب يومئذ بدل من إذا وقوله تعالى تحدث أخبارها أي الأرض واحتمال كون الفاعل المخاطب كما زعم الطبرسي لا وجه له عامل فيهما وقيل العامل مضمر يدل عليه مضمون الجمل بعد والتقدير يحشرون إذا زلزلت ويومئذ متعلق
(30/209)

بتحدث وإذا عليه لمجرد الظرفية وقيل هي نصب على المفعولية لا ذكر محذوفا أي اذكر ذلك الوقت فليست ظرفية ولا شرطية وجوز أن تكون شرطية منصوب بجواب مقدر أي يكون مالا يدرك كنهه أو نحوه والمراد يوم إذا زلزلت زلزالها وأخرجت أثقالها وقال الإنسان ما لها تحدث الخلق ما عندها من الأخبار وذلك بأن يخلق الله تعالى فيها حياة وإدراكا وتتكلم حقيقة فتشهد بما عمل عليها من طاعة أو معصية وهو قول ابن مسعود والثوري وغيرهما ويشهد له الحديث الحسن الصحيح الغريب أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال قرأ ص - هذه الآية يومئذ تحدث أخبارها ثم قال أتدرون ما أخبارها قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل يوم كذا كذا فهذه أخبارها والباء في قوله تعالى بأن ربك أوحى لها للسببية أي تحدث بسبب إيحاء ربك لها وأمره سبحانه إياها بالتحديث واللام بمعنى إلى أي أوحى إليها لأن المعروف تعدي الوحي بها كقوله تعالى وأوحى ربك إلى النحل لكن قد يتعدى باللام كما في قول العجاج يصف الأرض أوحى لها القرار فاستقرت
وشدها بالراسيات الثبت ولعل اختيارها لمراعاة الفواصل وجوز أن تكون اللام للتعليل أو المنفعة لأن الأرض بتحديثها بعمل العصاة يحصل لها تشف منهم يفضحها إياهم بذكر قبائحهم والموحي إليه هي أيضا والوحي يحتمل أن يكون وحي إلهام وأن يكون وحي إرسال بأن يرسل سبحانه إليها رسولا من الملائكة بذلك وقال الطبري وقوم التحديث استعارة أو مجاز مرسل لمطلق دلالة حالها والإيحاء ما تدل به فيحدث عز و جل فيها من الأحوال ما يكون به دلالة تقوم مقام التحديث باللسان حتى ينظر من يقول ما لها إلى تلك الأحوال فبعلم لم زلزلت ولم لفظت الأموات وإن هذا ما كانت الأنبياء عليهم السلام ينذرونه ويحذرون منه وما يعلم هو أخبارها وقيل الإيحاء على تقدير كون التحديث حقيقيا أيضا مجاز عن أحداث حالة ينطقها سبحانه بها كإيجاد الحياة وقوة التكلم والأخبار على ما سمعت آنفا وقال يحيى بن سلام تحدث بما أخرجت من أثقالها ويشهد له ما في حديث ابن ماجه في سننه تقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني وعن ابن مسعود تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان مالها فتخبر أن أمر الدنيا قد انقضى وأمر الآخرة قد أتى فيكون ذلك جوابا لهم عند سؤالهم وقال الزمخشري يجوز أن يكون المعنى تحدث بتحديث أن ربك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول نصحتني كل نصيحة بأن نصحتني في الدين فأخبارها عليه هو أن ربك أوحى لها والباء تجريدية مثلها في قولك لئن لقيت فلانا لتلقين به رجلا متناهيا في الخبر وكان الظاهر تحدث بخبرها بالإفراد وكذا على ما قبله من الوجهين لكن جمع للمبالغة كما يشير إليه المثال ونحوه قول الشاعر فأنالني كل المني بزيادة
كانت مخالسة كخطفة طائر فلو استطعت خلعت على الدجى
لتطول ليلتنا سواد الناظر ولا يخفى بعده وبالغ أبو حيان في الحط عليه فقال هو عفش ينزه القرآن عنه وأراد بالعفش بعين مهملة وفاء وشين معجمة ما يدنس المنزل من الكناسة وهي كلمة تستعملها في ذلك عوام أهل المغرب وليس كما قال وجوز أيضا أن يكون بأن ربك الخ بدلا من أخبارها كأنه قيل يومئذ تحدث بأن ربك أوحى لها لأنك تقول حدثته كذا وحدثته بكذا فيصح إبدال بأن الخ من أخبارها وإن أحدهما مجرور والآخر منصوب لأنه يحل محله في بعض الأستعمالات وليس ذلك في الأمتناع خلافا لأبي حيان كاستغفرت الذنب العظيم بنصب الذنب وجر العظيم على أنه نعت له باعتبار قولهم استغفرت من الذنب لأن
(30/210)

البدل هو المقصود فهو في قوة عامل آخر بخلاف النعت نعم هو أيضا خلاف الظاهر وبعد كل ذلك اللائق أن يعدل عن المأثور لا سيما إذا صح عن رسول الله ص - بقي ههنا بحث وهو أنهم اختلفوا في نحو حدثت هل هو متعد إلى مفعول واحد أو إلى أكثر فذهب الزمخشري وغيره ونقل عن سيبويه إلى الثاني وهو عندهم ملحق بأفعال القلوب فينصب مفعولين كحدثت زيدا الخبر أو ثلاثة كحدثته عمرا قائما فأخبارها عليه هو المفعول الثاني والمفعول الأول محذوف كما أشرنا إليه ولم يذكر لأنه لا يتعلق بذكره غرض إذ الغرض تهويل اليوم مما ينطق فيه الجماد بقطع النظر عن الحديث كائنا من كان وقال الشيخ ابن الحاجب إنما هو متعد لواحد وما جاء بعده لتعين المفعول المطلق فعمرا قائما في حديث زيدا عمرا قائما منصوب لوقوعه موقع المصدر لا لكونه مفعولا ثانيا وثالثا ولا يقال كيف يصح أن يقع ما ليس بفعل في المعنى أعني عمرا قائما مصدرا لأنه لم يكن مصدرا باعتبار كونه قائما ولكن باعتبار كونه حديثا مخصوصا فالوجه الذي صحح الأخبار به عن الحديث إذا قلت حديث زيد عمرو قائم هو الذي صحح وقوعه مصدرا فأخبارها عليه في موقع المفعول والمفعول به محذوف لما تقدم بل قال بعضهم إنك إذا قلت حدثته حديثا أو خبرا فلا نزاع في أنه مفعول مطلق والظاهر أن الأخبار في زعمه كذلك وتعقب ذلك في الكشف بأن ما ذكره الشيخ غير مسلم فإنه لم يفرق بين التحديث والحديث والأول هو المفعول المطلق كيف وهو يجر بالباء فتقول حدثته الخبر وبالخبر ومعلوم أن ما دخل عليه الباء لا يجوز أن يكون مفعولا مطلقا وقد يقال كون الشيخ لم يفرق في حيز المنع وكيف يخفى مثل ذلك على مثله لكنه قائل بأن أثر المصدر ومتعلقه قد سد مسده فيما ذكر كما سد مسده آلته في نحو ضربته سوطا ولعل ما قرره في غير ما دخلته الباء وقال الطيبي يمكن أن يقال أن حدث وأخواتها متعديات إلى مفعول واحد حقيقة وجعلها متعديات إلى ثلاثة أو إلى اثنين تجوز أو تضمين لمعنى الإعلام واستأنس له بكلام نقله عن المفصل وكلام نقله عن صاحب الأقليد فتأمل وقرأ ابن مسعود تنبيء أخبارها وسعيد بن جبير تنبيء بالتخفيف يومئذ أي يوم إذ ما ذكر وهو يقع ظرف لقوله تعالى يصدر الناس يخرجون من قبورهم بعد أن دفنوا فيها إلى موقف الحساب أشتاتا متفرقين بحسب طبقاتهم بيض الوجوه آمنين وسود الوجوه فوعين وراكبين وما شين ومقيدين بالسلاسل وغير مقيدين وعن بعض السلف متفرقين إلى سعيد وأسعد وشقي وأشقى وقيل إلى مؤمن وكافر وعن ابن عباس أهل الإيمان على حدة وأهل كل على حدة وجوز أن يكون المراد كل وحد وحده لا ناصر له ولا عاضد كقوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى وقيل متفرقين بحسب الأقطار ليروا أعمالهم أي ليبصروا جزاء أعمالهم خيرا أو شرا فالرؤية بصرية والكلام على حذف مضاف أو على أنه تجوز بالأعمال عما يتسبب عنها من الجزاء وقدر بعضهم كتب أو صحائف وقال آخر لا حاجة إلى التأويل والأعمال تجسم نورانية وظلمانية بل يجوز رؤيتها مع عرضيتها وهو كما ترى وقيل المراد ليعرفوا أعمالهم ويوقفوا عليها تفصيلا عند الحساب فلا يحتاج إلى ما ذكر أيضا وقال النقاش الصدور مقابل الورود فيردون المحشر ويصدون منه متفرقين فقوم إلى الجنة وقوم إلى النار ليروا جزاء أعمالهم من الجنة والنار وليس بذاك وأيا ما كان فقوله تعالى ليروا متعلق بيصدوا وقيل هو متعلق بأوحي لها وما بينهما اعتراض وقرأ الحسن والأعرج وقتادة وحماد بن سلمة والزهري وأبو حيوة وعيسى ونافع في رواية ليروا بفتح الياء وقوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره تفصيل ليروا والذرة نملة صغيرة حمراء رقيقة ويقال أنها تجري إذا مضى لها حول وهي علم في القلة
(30/211)

قال امرؤ القيس من القاصرات الطرف لو دب محمول
من الذر فوق الأتب منها لا ثرا وقيل الذر ما يرى في شعاع الشمس من الهباء وأخرج هناد عن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها وقال كل واحدة من هؤلاء مثقال ذرة وانتصاب خيرا وشرا على التمييز لأن مثقال ذرة مقدرا وقيل على البدلية من مثقال والظاهر أن من في الموضعين عامة للمؤمن والكافر وإن المراد من رؤية ما يعادل مثقال ذرة من خير أو شر مشاهدة جزائه بأن يحصل له ذلك واستشكل بأن ذلك يقتضي إثابة الكافر بحسناته وما يفعله من الخير مع أنهم قالوا أعمال الكفرة محبطة وادعى في شرح المقاصد الإجماع على ذلك كيف وقد قال سبحانه وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقال عز و جل أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وقال تعالى مثل الذين كفروا بربهم أهمالهم كرماد الآية وكون خيرهم الذي يرونه تخفيف العذاب يدفعه قوله تعالى فلا يخفف عنهم العذاب وقوله سبحانه زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ويقتضي أيضا عقاب المؤمن بصغائره إذا اجتنب الكبائر مع أنهم قالوا إنها مكفرة حينئذ لقوله تعالى أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم وقول ابن المنير إن الأجتناب لا يوجب التكفير عند الجماعة بل التوبة أو مشيئة الله تعالى ليس بشيء لأن التوبة والأجتناب سواء في حكم النص ومشيئة الله تعالى هي السبب الأصيل فالتزم بعضهم كون المراد بمن الأولى السعداء وبمن الثانية الأشقياء بناء على أن فمن يعمل الخ تفصيل ليصدر الناس أشتاتا وكان مفسرا بما حاصله فريق في الجنة وفريق في السعير فالمناسب أن يرجع كل فقرة إلى فرقة لتطابق المفصل المجمل ولأن الظاهر قوله سبحانه فمن يعمل ومن يعمل بتكرير أداة الشرط يقتضي التغاير بين العاملين وقال آخرون بالعموم إلا أن منهم من قال في الكلام قيد مقدر ترك لظهوره والعلم به من آيات أخر فالتقدير فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إن لم يحبط ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره لم يكفر ومنهم من جعل الرؤية أعم مما تكون في الدنيا وما تكون في الآخرة فالكافر يرى جزاء خيره في الدنيا وجزاء شره في الآخرة والمؤمن يرى جزاء شره في الدنيا وجزاء خيره في الآخرة فقد روي البغوي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه وأهله وماله حتى يبلغ الآخرة وليس له فيها خير ومن يعمل مثقال ذرة من شر وهو مؤمن كوفيء ذلك في الدنيا في نفسه وأهله وماله حتى يبلغ الآخرة وليس عليه فيها شر وأخرج الطبراني في الأوسط البيهقي في الشعب وابن أبي حاتم وجماعة عن أنس قال بينما أبو بكر الصديق رض عنه يأكل مع النبي ص - إذ نزلت عليه فمن يعمل مثقال ذرة الآية فرفع أبو بكر يده وقال يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر فقال عليه الصلاة و السلام يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة وفي رواية ابن مردويه عن أبي أيوب أنه ص - قال له إذ رفع يده من عمل منكم خيرا فجزاؤه في الآخرة ومن عمل منكم شرا يره في الدنيا مصيبات وأمراضا ومن يكن فيه مثقال ذرة من خير دخل الجنة ومنهم من قال المراد من رؤية ما يعادل ذلك من الخير والشر مشاهدة نفسه عن غير أن يعتبر معه الجزاء ولا عدمه بل يفوض كل منهما إلى سائر الدلائل الناطقة يعفو صغائر المؤمن المجتذب عن الكبائر وإثباته بجميع حسناته وبحبوط حسنات الكافر ومعاقبته بجميع معاصيه وبه يشعر ما أخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس من قوله في الآية ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا وشرا في
(30/212)

الدنيا إلا أراه الله تعالى إياه فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر له من سيئاته ويثبته بحسناته وأما الكافر فيريه حسناته وسيئاته فيرد حسناته ويعذبه بسيئاته واختار هذا الطيبي فقال إنه يساعده النظم والمعنى والأسلوب أما النظم فإن قوله تعالى فمن يعمل الخ تفصيل لما عقب به من قوله سبحانه يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فيجب التوافق والأعمال جمع مضاف يفيد الشمول والأستغراق ويصدر الناس مقيد بقوله عز و جل أشتاتا فيفيد أنهم على طرائق شتى للنزول في منازلهم من الجنة والنار بحسب أعمالهم المختلفة ومن ثم كانت الجنة ذات درجات والنار ذات دركات وأما المعنى فإنها وردت لبيان الأستقصاء في عرض الأعمال والجزاء عليها كقوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين وأما الأسلوب فإنها من الجوامع الحاوية لفوائد الدين أصلا وفرعا روينا عن البخاري ومسلم عن أبي هريرة سئل ص - عن الحمر أي عن صدقتها قال لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفادة المتفردة في معناها فتلاها عليه الصلاة و السلام وروي الإمام أحمد عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه أتى النبي ص - فقرأ عليه الآية فقال حسبي لا أبالي لا أسمع من القرآن غيرها انتهى وأقول الظاهر عموم من وكون المراد رؤية الجزاء كما تقدم وكذا الظاهر كون ذلك في الآخرة ولا إشكال وذلك لأن الفقرة الأولى وعدو الثانية وعيد ومذهبنا أن الوعد لازم الوقوع تفضلا وكرما والوعيد ليس كذلك فيفوض أمر الشر في الثانية على الدلائل وهي ناطقة بأنه إن كان كفرا لا يغفر وإن كان صغيرة من مؤمن مجتنب الكبائر يكفر وإن كان كبيرة من مؤمن أو صغيرة منه وهو غير مجتنب فتحت المشيئة وخبرا أنس وأبي أيوب السابقان لا يأبيان ذلك بعد التأمل ولا يبعد فيما أرى أن يكون ما عدا الكفر من الكافر كذلك وأما أمر الخير فباق على ما يقتضيه الظاهر وهو بالنسبة إلى المؤمن ظاهر وأما بالنسبة إلى الكافر فتخفيف العذاب للأحاديث الصحيحة فقد ورد أن حاتما يخفف الله تعالى عنه لكرمه وإن لهب كذلك لسروره بولادة النبي ص - وإعتاقه لجاريته ثوبية حين بشرته بذلك والحديث في تخفيف عذاب أبي طالب مشهور وما يدل على عدم تخفيف العذاب فالعذاب فيه محمول على عذاب الكفر بحسب مراتبه فهو الذي لا يخفف والعذاب الذي دلت الأخبار على تخفيفه غير ذلك ومعنى إحباط أعمال الكفار أنها لا تنجيهم من العذاب المخلد كأعمال غيرهم وهو معنى كونها سرابا وهباء ودعوى الإجماع على إحباطها بالكلية غير تامة كيف وهم مخاطبون بالتكاليف في المعاملات والجنايات اتفاقا والخلاف إنما في خطابهم في غيرها من الفروع ولا شك أنه لا معنى للخطاب بها الأعقاب تاركها وثواب فاعلها وأقله التخفيف وإلى هذا ذهب العلامة شهاب الدين الخفاجي عليه الرحمة ثم قال وما في التبصرة وشرح المشارق وتفسير الثعلبي من أن أعمال الكفرة الحسنة التي لا يشترط فيها الإيمان كإنجاء الغريق وإطفاء الحريق وإطعام ابن السبيل يجزون عليها في الدنيا ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين بالإجماع للتصريح به في الأحاديث فإن عمل أحدهم في كفره حسنات ثم أسلم اختلف فيه هل يثاب عليها في الآخرة أم لا بناء على أن اشتراط الإيمان في الأعتداد بالأعمال وعدم إحباطها هل هو بمعنى وجود الإيمان عند العمل أو وجوده ولو بعد لقوله ص - في الحديث أسلمت على ما سلف لك من خير غير مسلم ودعوى الإجماع فيه غير صحيحة لأن كون وقوع جزائهم في الدنيا دون الآخرة كالمؤمنين مذهب لبعضهم وذهب آخرون إلى الجزاء بالتخفيف وقال الكرماني أن التخفيف واقع لكنه ليس بسبب عملهم بل لأمر آخر كشفاعة النبي ص - ورجائه ومنه ما يكون
(30/213)

لأبي لهب كما قال الزركشي انتهى ولقائل أن يقول إن الشفاعة من آثار عمل المشفوع الخير أيضا فتأمل وسبب نزول الآية على ما أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه لما نزل ويطعمون الطعام على حبه كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والبسرة فيردونه ويقولون ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك ويقولون إنما وعد الله تعالى النار على الكبائر فنزلت الآية ترغبهم في القليل من الخير أن يعملوه وتحذرهم اليسير من الشر أن يعملوه وفيها من دلالة الخطاب ما لا يخفى وقد كان الصحابة رض عنهم بعدها يتصدون بما قل وكثر فقد روي أن عائشة رض عنها بعث إليها ابن الزبير بمائة ألف وثمانين ألف درهم في غرارتين فدعت بطبق وجعلت تقسمها بين الناس فلما أمست قالت لجارتها هلمي وكانت صائمة فجاءت بخبز وزيت فقالت ما أمسكت لنا درهما نشتري به لحما نفطر عليه فقالت لو ذكرتيني لفعلت وجاء في عدة روايات أنها أعطت سائلا يوما حبة من عنب فقيل لها في ذلك فقالت هذه أثقل من ذر كثير ثم قرأت الآية وروي نحو هذا عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك رض عنهم وكان غرضهم تعليم الناس أنه لا بأس بالتصديق بالقليل ولهم بذلك أسوة برسول الله ص - فقد أخرج الزجاجي في أماليه عن أنس بن مالك أن سائلا أتى النبي ص - فأعطاه تمرة فقال السائل نبي من الأنبياء تصدق بتمرة فقال عليه الصلاة و السلام أما علمت فيها مثاقيل ذر كثيرة وجاء أنه عليه الصلاة و السلام قال اتقوا النار ولو بشق تمرة ثم قرأ وتقديم عمل الخير لأنه أشرف القسمين والمقصود بالأصالة لا يخفى حسن موقعه ويعلم منه أن هذا الإحصاء لا ينافي كرمه عز و جل المطلق وما يحكى من أن أعرابيا أخر خيرا يره فقيل له قدمت وأخرت فقال خذا بطن هرشي أو قفاها فإنه
كلا جانبي هرشي لهن طريق فغفلة عن اللطائف القرآنية أو لعله أراد أنه فيما يتعلق بالعمل لا بأس به قدم أو أخر لا أن القراءة به جائزة وقرأ الحسين ابن علي على جده وعليهما الصلاة والسلام وابن عباس رض عنهما وعبد الله بن مسلم وزيد بن علي وأبو حيوة والكلبي وخليد بن نشيط وأبان عن عاصم والكسائي في رواية حميد بن الربيع عنه يره بضم الياء في الموضعين وقرأ هشام وأبو بكر يره بسكون الهاء فيها وأبو عمرو بضمها مشبعة وباقي السبعة بالإشباع في الأول والسكون في الثاني والإسكان في الوصل لغة حكاها الأخفش ولم يحكها سيبويه وحكاها الكسائي أيضا عن بني كلاب وبني عقيل وقرأ عكرمة يراه بالألف فيهما وذلك على لغة من يره الجزم بحذف الحركة المقدرة على حرف العلة كما حكى لأخفش أو على ما يقال في غير القرآن من توهم أن من موصولة لا شرطية كما قيل في قوله تعالى الأخفش أو على ما يقال في غير القرآن من توهم أن من موصولة لا شرطية كما قيل في قوله تعالى أنه من يتق ويصبر في قراءة من أثبت ياء يتق وجزم يصبر وجوز أن تكون الألف للأشباع والوجه الأول أولى والله تعالى أعلم
سورة العاديات
مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء مدنية في قول أنس وقتادة وإحدى الروايتين عن ابن عباس وقد أخرج عنه البزاز وابن المنذر وابن حاتم والدارقطني في الإفراد وابن مردويه أنه قال بعث ص - خيلا فاستمرت شهرا لا يأتيه منها خبر فنزلت والعاديات الخ
(30/214)

وآيها إحدى عشرة بلا خلاف وأخرج أبو عبيد في فضائله من مرسل الحسن أنها تعدل بنصف القرآن وأخرج ذلك محمد بن نصر من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا ولم أقف على سره ولما ذكر سبحانه فيما قبلها الجزاء على الخير والشر أتبع ذلك فيها بتعنيت من آثر دنياه على آخرته ولم يستعد لها بفعل الخير ولا يخفى ما في قوله تعالى هناك وأخرجت الأرض أثقالها وقوله سبحانه هنا إذا بعثر ما في القبور من المناسبة أو العلاقة على ما سمعت من أن المراد بالأتفاق ما في جوفها من الأموات أو ما يعمهم والكنوز بسم الله الرحمن الرحيم
والعاديات الجمهور على أنه قسم بخيل الغزاة في سبيل الله تعالى التي تعدو أي تجري بسرعة نحو العدو وأصل العاديات العادوات بالواو فقلت ياء لانكسار ما قبلها وقوله تعالى ضبحا مصدر بفعله المحذوف أي تضبح أو يضبحن ضبحا والجملة في موضع الحال وضبحها صوت أنفاسها عند عدوها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس الخيل إذا عدت قالت أح أح فذلك ضبحها وأخرج ابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه الضبح من الخيل الحمحمة ومن الأبل التنفس وفي البحر تصويت جهير عند العدو الشديد ليس بصهيل ولا رغاء ولا نباح بل هو غير الصوت المعتاد من صوت الحيوان الذي ينسب هو إليه وعن ابن عباس ليس يضبح من الحيوان غير الخيل والكلاب ولا يصح عنه فإن العرب استعملت الضبح في الإبل والأسود من الحيات والبوم والأرنب والثعلب وربما تسنده إلى القوس أنشد أبو حنيفة في صفتها حنانة من نشم أو تالب
تضبح في الكف ضباح الثعلب وذكر بعضهم أن أصله للثعلب فاستعير للخيل كما في قول عنترة والخيل تكدح حين تضبح
في حياض الموت ضبحا وإنه من ضبحته النار غيرت لونه ولم تبالغ فيه ويقال انضبح لونه تغير إلى السواد قليلا وقال أبو عبيدة الضبح وكذا الضبع بمعنى العدو الشديد وعليه قيل أنه مفعول مطلق للعاديات وليس هناك فعل مقدر وجوز على تفسيره بما تقدم أن يكون نصبا على المصدرية به أيضا لكن باعتبار أن العدو مستلزم للضبح فهو في قوة فعل الضبح ويجوز أن يكون نصبا على الحال مؤولا باسم الفاعل بناء على أن الأصل فيها أن تكون غير جامدة أي والعاديات ضابحات فالموريات قدحا الإيراء إخراج النار والقدح هو الضرب والصك المعروف يقال قدح فاوري إذا أخرج النار وقدح فأصلد إذا قدح ولم يخرجها والمراد بها الخيل أيضا أي فالتي نوري النار من صدم حوافرها للحجارة وتسمى تلك النار نار الحباحب وهو اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بها المثل حتى قالوا ذلك لما تقدحه الخيل بحوافرها والأبل بأخفافها وانتصاب قدحا كانتصاب ضبحا على ما تقدم كونه على التمييز المحول عن الفاعل أي فالمروي قدحها ولعلها أمير وأبعد عن القدح وعن قتادة الموريات مجاز في الخيل توري نار الحرب وتوقدها وهو خلاف الظاهر فالمغيرات من أغار على العدو هجم عليه بغتة بخيله لنهب أو قتل أو أسار فالإغارة صفة أصحاب الخيل وإسنادها إليها إما بالتجوز فيه أو بتقدير المضاف والأصل فالمغير أصحابها أي فالتي يغير أصحابها العدو عليها وقيل بسببها صبحا أي في وقت الصبح فهو نصب على الظرفية وذلك هو المعتاد في الغارات كانوا يعدون ليلا لئلا يشعر بهم العدو ويهجمون صباحا ليروا ما يأتون وما يذرون وكانوا يتحمسون بذلك ومنه قوله
(30/215)

قومي الذين صبحوا الصباحا
يوم النخيل غارة ملحاحا فأثرن به من الإثارة وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه والأصل أثورن نقلت حركة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفا وحذفت لاجتماع الساكنين والفعل عطف على الأسم قبله وهو العاديات أو ما بعده لأنه إسم فاعل وهو في معنى الفعل خصوصا إذا وقع صلة فكأنه قيل فاللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن ولا شذوذ في مثله لأن الفعل تابع فلا يلزم دخول أل عليه ولا حاجة إلى أن يقال هو معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه والحكمة في مجيء هذا فعلا بعد اسم فاعل على ما قال ابن المنير تصوير هذه الأفعال في النفس فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الأسم لما بينهما من التخالف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة وكذلك التصوير بالمضارع وبعد المضارع كقول ابن معد يكرب بأني قد لقيت الغول يهوى
بشهب كالصحيفة صحصحان فآخذه فأضربه فخرت
صريعا لليدين وللجران وخص هذا المقام من الفائدة على ما قال الطيبي أن الخيل وصف بالأوصاف الثلاثة ليرتب عليها ما قصد من الظفر بالفتح فجيء بهذا الفعل الماضي وما بعده مسببين عن أسماء الفاعلين فأفاد ذلك أن تلك المداومة أنتجت هاتين البغيتين ويفهم منه أن الفاء لتفريع ما بعدها عما قبلها وجعله مسببا عنه وسيأتي الكلام فيها قريبا إن شاء الله تعالى وضمير به للصبح والباء ظرفية أي فهيجن في ذلك الوقت نقعا غبارا وتخصيص آثاره بالصبح لأنه لا يثور أولا يظهر ثورانه بالليل وبهذا يظهر أن الإيراد الذي لا يظهر في النهار واقع في الليل وفي ذكر إثارة الغبار إشارة بلا غبار إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر وكثيرا ما يشيرون به إلى ذلك ومنه قول ابن رواحة عدمت بنيتي أن لم تروها
تثير النقع من كنفي كداء وقال أبو عبيدة النقع رفع الصوت ومنه قول لبيد فمتى ينقع صراخ صادق
يحلبوه ذات جرس وزجل وقول عمر رض عنه وقد قيل له يوم توفي خالد بن الوليد أن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن على أبي سليمان دموعهن وهن جلوس ما لم يكن نقع ولا لقلقة والمعنى عليه فيهجين في ذلك الوقت صباح وهو صياك من هجم عليه وأوقع به والمشهور المعنى الأول وجوز كون ضمير به للعدو الدال عليه العاديات أو للأغارة الدال عليها المغيرات والتذكير لتأويلها بالجري ونحوه والباء للسببية أو للملابسة وجوز كونها ظرفية أيضا والضمير للمكان الدال عليه السياق والأول أظهر وألطف ومثله به في قوله عز و جل فوسطن به أي فتوسطن في ذلك الوقت جمعا من جموع الأعداء وجوز فيه وفي بائه نحو ما تقدم في به قبله وجوز أيضا كون الضمير للنقع والباء للملابسة أي فتوسطن ملتبسات بالنقع جمعا أو هي على ما قيل للتعدية أن أريد أنها وسطت الغبار والفاآت كما في الإرشاد للدلالة على ترتيب ما بعد كل منها على ما قبله فتوسط الجمع مترتب على الإثارة المترتبة على الإيراء المترتب على العدو وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة فأثرن وفوسطن بتشديد الثاء والسين وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى الأول كالجمهور والثاني كذين والمعنى على تشديد الأول فأظهرن به غبارا لأن التأثير فيه معنى الإظهار وعلى التشديد الثاني على نحو ما تقدم فقد نقلوا أن وسط مخففا بمعنى واحد وأنهما لغتان وقال ابن جني المعنى ميزن به جمعا أي
(30/216)

جعلنه شطرين أي قسمين وشقين وقال الزمخشري التشديد فيه للتعدية والباء مزيدة للتأكيد كما في قوله تعالى وأوتوا به في قراءة وهي مبالغة في وسطن وجوز أن يكون قلب ثورن إلى وثرن ثم قلبت الواو همزة فالمعنى على ما مر وهو تمحل مستغنى عنه وعن السدي ومحمد بن كعب وعبيد بن عمير أنهم قالوا العاديات هي الإبل تعدو ضبحا من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى ونسب إلى علي كرم الله تعالى وجهه فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال بينما أنا في الحجر جالس إذ أتاني رجل فسألني عن العاديات ضبحا فقلت الخيل حين تغير في سبيل الله تعالى ثم تأوى إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفتل عني فذهب إلي علي بن أبي طالب رض عنه وهو جالس تحت سقاية زمزم فسأله عن العاديات ضبحا فقال سألت عنها أحدا قبلي قال نعم سألت عنها ابن عباس فقال هي الخيل تغير في سبيل الله تعالى فقال اذهب فادعه لي فلما وقفت على رأسه قال تفتي الناس بما لا علم لك به والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام لبدر ومان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقدادين الأسود فكيف تكون العاديات ضبحا إنما العاديات ضبحا الإبل تعد من عرفة إلى المزدلفة فإذا أوو إلى المزدلفة أوروا النيران والمغيرات صبحا من المزدلفة إلى منى فذلك جمع وأما قوله تعالى فأثرن به نقعا فهو نقع الأرض حين تطؤها بخفافها قال ابن عباس فنزعت عن قولي إلى قول علي كرم الله تعالى وجهه ورضي الله تعالى عنه واستشكل رده كرم الله تعالى وجهه كون المراد بها الخيل بما كان من أمر غزوة بدر بأن ابن عباس لم يدع أن أل في العاديات للعهد وأنها إشارة إلى عاديات بدر ولا أن السورة نزلت في شأن تلك الغزوة ليلزم في تحقق ذلك فيها ودخولها تحت العموم بل ظاهر كلامه حمل ذلك على جنس الخيل التي تعدو في سبيل الله عز و جل وإن حملت على العهد وقيل أن المعهود هو الخيل التي بعثها عليه الصلاة و السلام للغزو على ما سمعت صدر السورة وكذا على ما روي من أنه عليه الصلاة و السلام بعث إلى أناس من بني كنانة سرية واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأصاري وكان أحد النقباء فأبطأ عليه ص - خبرها شهرا فقال المنافقون أنهم قتلوا فنزلت السورة إخبارا له عليه الصلاة و السلام بسلامتها وبشارة له ص - بإغارتها على القوم لم يبعد وأجيب بأنه كرم الله تعالى وجهه أراد أن غزوة بدر هي أفضل غزوات الإسلام وبدرها الذي ليس فيه إنثلام فيتعين أن لا تكون المراد ذلك ويسلك في الآية ما يناسبها من المسالك ولا يخفى أن هذا الجواب لا يتحمل لمزيد ضعفه الإغارة عليه وإطلاق أعنة عاديات الأفكار إليه والأحرى أن الخبر لا صحة له وتصحيح الحاكم محكوم عليه عند أهل الأثر بكثرة التساهل فيه وأنه غير معتبر ثم أن النقل عنه رض عنه في المراد بالعاديات متعارض فما تقدم أنه إبل الحجاج ونقل صاحب التأويلات أنه كرم الله تعالى وجهه فسرها بابل بدر وإن ابن مسعود هو الذي فسرها بإبل الحجاج ويرجح إرادة الخيل أن إثارة النقع فيها أظهر منها في الإبل ثم أن ذلك الخبر يقتضي أن للقسم به نوعان الخيل والإبل وجماعة الغزاة أو الحجاج الموقدة نارا لطعامها أو نحوه وفي بعض الآثار عن ابن عباس ما هو أصرح مما تقدم في تفسير الموريات بما يغاير العاديات بالذات ففي البحر عنه أنها الجماعة التي توري نارها بالليل لحاجتها وطعامها وفي رواية أخرى عنه تلك جماعة الغزاة تكثر النار أرهابا ورويت المغايرة عن آخرين أيضا فعن مجاهد وزيد بن أسلم وهي رواية أخرى عن ابن عباس هي الجماعة تمكر في الحرب فالعرب تقول إذا أرادت المكر بالرجل والله لأورين له ومن الغريب ما روي عن عكرمة أنها ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما يتكلم به ويظهر من الحجج والدلائل وإظهار الحق وإبطال الباطل وهو كما ترى
ومن البطون والإشارات أن
(30/217)

يكون المقسم به النفوس العادية أثر كما لهن الموريات بأفكارهن أنوار المعارف والمغيرات على الهوى والعادات إذا ظهر لهن مثل أنوار القدس فأثرن به شوقا فوسطن بذلك الشوق جمعا من جموع العليين ومثله ما قيل أن ذلك قسم بالهمم القالبية التي تعدو في سبيل الله تعالى خارجا من جوف اشتياقها صوت الدعاء من شدة العدو وغاية الشوق بحيث يسمع الروحانيون ضجيج دعائها وتضرعها والتماسها سلوك الطريق الوعر الذى يتعلق بجبال القالب الموريات بحوافر الذكر نار الهداية المستكنة فى حجر القالب وقت تخمير اللطيفة والمغيرات بعد سلوكها فى جبال القالب الراسية فى ظلام الليل القالبى وعبورها عنها الى أفق عالم النفس وتنفس صبح النفس على الخواطر النفسية وشؤنها فهيجن بذلك الجرى غبار الخواطر وأثرنه لئلا يختفى خاطر من الخواطر فوسطن بذلك جمعا من جنود القوى القلبية وحزب الخواطر الذكرية التى هى حزب الرحمن فى وسط عالم النفس ولهم فى هذا الباب غير ذلك وأياما كان فالمقسم عليه قوله تعالى ان الانسان لربه لكنود أى لكفور جحود من كند النعمة كفرها ولم يشكرها وأنشدوا كنود لنعماء الرجال ومن يكن
كنود لنعماء الرجال يبعد وعن ابن عباس ومقاتل الكنود بلسان كندة وحضر موت العاصى وبلسان ربيعة ومضر الكفور وبلسان كنانة البخيل السىء الملكة ومنه الارض الكنود التى لاتنبت شيئا وقال الكلبى نحوه الا أنه قال وبلسون مالك البخيل ولم يذكر حضر موت بل اقتصر على كندة وتفسيره بالكفور هنا مروى عن ابن عباس والحسن وأخرجه ابن عساكر عم ابن امامة مرفوعا الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفى رواية أخرى عن الحسن انه قال هو اللائم لربه عز و جل يعد السيآت وينسى الحسنات وروى الطبرانى وغيره بسند ضعيف عن أبى امامة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أتدرون ماالكنود قالوا الله تعالى ورسوله أعلم قال هو الكفور الذى يضرب عبده ويمنع رفده ويأكل وحده وأخرج البخارى فى الادب المفرد والحكم الترمذى وغيرهما تفسيره بالذى يمنع رفده وينزل وحده ويضرب عبده موقوفا على أبى امامة والجمهور على تفسيره بالكفور وكل مما ذكر لايخلو عن كفران والكفران المبلغ فيه يجمع صنوفا منه وال فى الانسان للجنس والحكم عليه بما ذكر باعتبار بعض الافراد وقيل المراد به كافر معين لما روى عن ابن عباس أنها نزلت فى قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشى وأيد بقوله تعالى بعد أفلا يعلم الخ لانه لايليق الابالكافر وفى الامرين نظر وقيل المراد به كل الناس على معنى أن طبع الانسان يجمله على ذلك الا اذا عصمه الله تعالى بلطفه وتوفيقه من ذلك واختاره عصام الدين وقال فيه مدح للغزاة لسعيهم على خلاف طبعهم 0 ولربه متعلق بكنود واللام غير مانعة من ذلك وقدم للفاصلة مع كونه أهم من حيث ان الذم البالغ انما هو على كنود نعمته عز و جل وقيل للتخصيص على سبيل المبالغة وانه أى الانسان كما قال الحسن ومحمد بن كعب على ذلك أى على كنوده لشهيد لظهور أثره عليه فالشهادة بلسان الحال الذى هو أفصح من لسان المقال وقيل هى بلسان المقال لكن فى الآخرة وقيل شهيد من الشهود لامن من الشهادة بمعنى أنه كفور مع علمه بكفرانه وعمل السوء مع العلم به غاية المذمة والظاهر الاول وقال ابن عباس وقتادة ضمير أنه عائد على الله تعالى أى وان ربه سبحانه شاهد عليه فيكون الكلام على سبيل الوعيد واختاره التبريزى فقال هو الاصح لان الضمير يجب عوده الى أقرب مذكور قبله وفيه ان الوجوب ممنوع واتساق الضمائر وعدم تفكيكها يرجح الاول فان الضمير السابق أعنى ضمير لربه للانسان ضرورة وكذا الضمير اللاحق أعنى الضمير فى قوله تعالى وانه لحب الخير أى المال
(30/218)

وورد بهذا المعنى فى القرآن هو المال وخصه بعضهم بالمال الكثير وفسر به فى قوله تعالى ان ترك خيرا الوصية واطلاق كونه خيرا باعتبار مايراه الناس والا فمنه ماهو الشر يوم القيامة واللام للتعليل أى أنه لاجل حب المال لشديد أى لبخيل كما قيل وكما يقال للبخيل شديد يقال له متشدد كما فى قول طرفة أرى الموت يعترى الكرام ويصطفى
عقيلة مال الفاحش المتشدد وشديد فيه يجوز أن يكون بمعنى مفعول كأن البخيل شد عن الافضال ويجوز أن يكون بمعنى فاعل كانه شد صرته فلا يخرج منها شيئا وجوز غير واحد ان يراد بالشديد القوى ولعله الاظهر وكان اللام عليه بمعنى فى أى وانه لقوى مبالغ فى حب المال والمراد قوة حبه له وقال الزمخشرى المعنى وانه لحب المال وايثار الدنيا وطلبها قوى مطيق وهو لحب عبادة الله تعالى وشكر نعمته سبحانه ضعيف متقاعس تقول هو شديد لهذا الامر وقوى له اذا كان مطيقا له ضابط وجعل النيسابورى اللام على هذا التعليل وليس بظاهر فتأمل وقال الفراء يجوز ان يكون المعنى وانه لحب الخير لشديد الحب يعنى انه يحب المال ويحب كونه محبا له الا أنه اكتفى بالحب الاول عن الثانى كما قال تعالى اشتدت به الريح فى يوم عاصف أى فى يوم عاصف الريح فاكتفى بالاولى عن الثانية وقال قطرب أى انه شديد لحب الخير كقولك فى انه لزيد ضروب فى انه ضروب لزيد وظاهر التمثيل انه اعتبر حب الخير مفعولا به لشديد وان شديد اسم الفاعل جىء به على فعيل للمبالغة وان اللام فى لحب للتقوية وفيه مافيه وقيل يجوز أن يعتبر أن شديدا صفة مشبهة كانت مضاففة الى مرفوعها وهو حب المضاف الى الخير اضافة المصدر الى مفعوله ثم حول الاسناد وانتصب المرفوع على التشبيه بالمفعول به ثم قدم وجر باللام وفيه مع قطع النظر عن التكلف أن تقدم معمول الصفة عليها لايجوز وكونه مجرورا فى مثل ذلك لايجدى نفعا اذ ليس هو فيه نحو زيد بك فرح كما لايخفى ويفهم من كلام الزمخشرى فى الكشاف جواز أن يراد به ماهو عنده تعالى من الطاعات عاى أن المعنى انه لحب الخيرات غير هش منبسط ولكنه شديد منقبض وقوله تعالى أفلا يعلم اذا بعثر مافى القبور الخ تهديد ووعيد والهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ومفعول يعلم محذوف وهو العامل فى اذا وهى ظرفية أى أيفعل مايفعل من القبائح أو ألا يلاحظ فلا يعلم الآن مآله اذا بعثر من فى القبور من الموتى وايراد مالكونهم اذ ذاك بمعزل من رتبة العقلاء وقال الحوفى العامل فى اذا الظرفية يعلم وأورد عليه أنه لايراد منه فى ذلك الوقت بل العلم فى الدنيا وأجيب بأن هذا انما يرد اذا كان ضمير يعلم راجعا الى الانسان وذلك غير لازم على هذا القول لجواز أن يرجع اليه عز و جل ويكون مفعولا يعلم محذوفين والتقدير أفلا يعلمهم الله تعالى عاملين بما عملوا اذا بعثر على أن يكون العلم كناية عن المجازاة والمعنى أفلا يجازيهم اذا بعثر ويكون الجملة المؤكدة بعد تحقيقا وتقرير لهذا المعنى وهو كما ترى وقيل ان اذا مفعول به ليعلم على معنى أفلا يعلم ذلك الوقت ويعرف تحققه وقل ان العامل فيها يعثر بناء على أنها شرطية غير مضافة قالوا ولم يجوز أن يعمل فيها لخبير لان مابعد ان لايعمل فيما قبلها وأوجه الاوجه ماقدمناه وتعدى العلم اذا كان بمعنى المعرفة لواحد شائع وتقدم تحقيق معنى البعثرة فتذكر 0 وقرأ عبد الله بحثر بالحاء والثاء المثلثة وقرأ الاسود بن زيد بحث بهما بدون راء وقرأ نصر بن عاصم بحثر كقراءة عبد الله لكن بالبناء للفاعل وحصل مافي الصدور أي جمع مافي القلوب من العزائم المصممة وأظهر كاظهار اللب من القشر وجمعه أو ميز خيره من شره فقد استعمل حصل الشىء بمعنى ميزه كما في البحر وأصل التحصيل اخراج اللب من القشر كاخراج الذهب من حجر المعدن
(30/219)

والبر من التبن وتخصيص ما في القلوب لأنه الأصل لأعمال الجوارح ولذا كانت الاعمال بالنيات وكان اول الفكر آخر العمل فجميع ماعمل تابع له فيدل على الجميع صريحا وكناية وقرأابن يعمر ونصر بن عاصم ومحمد بن أبي معدان وحصل مبنيا للفاعل وهو ضميره عز و جل وقرأ ابن يعمر ونصر ايضا حصل مبنيا للفاعل خفيف الصاد فما عليه هو الفاعل ان ربهم أي المبعوثين كنى عنهم بعد الاحياء الثاني بضمير العقلاء بعد ماعبر عنهم قبل ذلك بما بناء على تفاوتهم في الحالين بهم بذواتهم وصفاتهم وأحوالهم بتفاصيلها يومئذ أي يوم اذ يكون ماعد من بعث مافي القبور وتحصيل مافي الصدور والظرفان متعلقان بقوله تعالى لخبير أى عالم بظواهر ماعملوا وبواطنه علما موجبا للجزاء متصلا به كما ينىء عنه تقييده بذلك اليوم والا فمطلق علمه عز و جل بما كان وما سيكون 0 وقرأ أبو السمال والحجاج ان ربهم بهم يومئذ خبير بفتح همزة أن واسقاط لام التاكيد فان وما بعدها في تأويل مصدر معمول ليعلم على مااستظهره بعضهم وأيد به كون يعلم معلقة عن العمل في أن ربهم الخ على قراءة الجمهور لمكان اللام واذا على هذا لايجوز تعلقها بخبير أيضا لكونه في صلة ان المصدرية فلا يتقدم معموله عليها ويعلم أمره مما تقدم وقيل الكلام على تقدير لام التعليل وهي متعلقة بحصل كأنه قيل وحصل مافي الصدور لان ربهم بهم يومئذ خبير والاول أظهر والله تعالى أعلم وأخبر 0
سورة القارعة
مكية بلا خلاف وآيها احدى عشرة آية في الكوفي وعشرة في الحجازي وثمان في البصري والشامي ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تذكر 0 بسم الله الرحمن الرحيم
القارعة ماالقارعة وما أدريك ماالقارعة الجمهور على انها القيامة نفسها ومبدوها النفخة الاولى ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق وقيل صوت النفخة وقال الضحاك هي النار ذات التغيظ والزفير وليس بشيء وأياما كان فهي من القرع وهو الضرب بشدة بحيث يحصل منه صوت شديد وقد تقدم الكلام فيها وكذا مايعلم منه اعراب ماذكر في الكلام على قوله تعالى الحاقة ماالحاقة وماأدراك ماالحاقة وقرأ عيسى القارعة بالنصب وخرج على أنه باضمار فعل أى اذكر القارعة وقوله تعالى يوم يكون الناس كالفراش المبثوث قيل أيضا منصوب باضمار اذكر كأنه قيل بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة و السلام الى معرفتها اذكر يوم يكون الناس الخ فانه يدريك ما هي وقال الزمخشري ظرف لمضمر دلت عليه القارعة أي تقرع يوم وقال الحوفي ظرف تاتي مقدرا وبعضهم قدر هذا الفعل مقدما على القارعة وجعلها فاعلا له أيضا وقال ابن عطية ظرف للقارعة نفسها من غير تقدير ولم يبين أي القوارع أراد وتعقبه أبو حيان بانه ان اراد اللفظ الاول ورد عليه الفصل بين العامل وهو في صلة أل والمعمول بالخبر وهو لايجوز وان اراد الثاني أو الثالث فلا يلتئم معنى الظرف معه وأيد بقراءة زيد بن على يوم بالرفع على ذلك وقدر بعضهم المبتدأ وقتها والفراش قال في الصحاح جمع فراشة التي تطير وتهافت في النار وهو المروىى عن قتادة وقيل هو طير رقيق يقصد النار ولايزال يتقحم على المصباح ونحوه حتى يحترق وقال الفراء هو غوغاء الجراد الذي ينتشر في الارض ويركب بعضه بعضا من الهول وقال صاحب التأويلات اختلفوا في تأويله على وجوه لكن كلها ترجع
(30/220)

الى معنى واحد وهو الإشارة الى الحيرة ةالاضطراب من هول ذلك اليوم واختار غير واحد ماروى عن قتادة وقالوا شبهوا في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والمجىء والذهاب على غير نظام والتطاير الى الداعى من كل جهة حين يدوعهم الى المحشر بالفراش المتفرق المتطاير قال جرير 0 ان الفرزدق ماعلمت وقومه
مثل الفراش غشين نار المصطلى وتكون الجبال كالعهن أي الصوف مطلقا أو المصبوغ كما قيده الراغب به وقد تقدم الكلام فيه في المعارج وكان بمعنى صار أي وتصير جميع الجبال كالعهن المنفوش المفرق بالاصبع ونحوها في تفرق اجزائها وتطايرها في الجو حسبما ينطق به غير آية وقوله تعالى فأما من ثقلت موازينه الى آخره بيان اجمالي لتحزب الناس حزبين وتنبيه على كيفية الاحوال الخاصة بكل نهما اثر بيان الاحوال الشاملة للكل وهذا اشارة الى وزن الاعمال وهو مما يجب الايمان به حقيقة ولايكفر منكره ويكون بعد تطاير الصحف وأخذها بالايمان والشمائل وبعد السؤال والحساب كما ذكره الواحدي وغيره وجزم به صاحب كنز الاسرار بميزان له لسان وكفتان كاطباق السموات والارض والله تعالى أعلم بما هيته وقد روى القول به عن ابن عباس والحسن البصري وعزاه في شرح المقاصد لكثير من المفسرين وكانه بين الجنة والنار كما في نوادر الاصول وذكر يتقبل به العرش أخذ جبريل عليه السلام بعموده ناظرا الى لسانه وميكائيل عليه السلام أمين عليه والاشهر الاصح انه ميزان واحد كما ذكرنا لجميع الامم ولجميع الاعمال فقوله تعالى موازينه وهو جمع ميزان وأصله موزان بالواو لكن قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قيل للتعظيم كالجمع في قوله تعالى كذبت عاد المرسلين في وجه أو باعتبار أجزائه نحو شابت مفارقه أو و باعتبار تعدد الافراد للتغاير الاعتباري كما قيل فى قوله
لمعان برق أو شعاع شموس
وزعم الرازي على مانقل عنه أن فيه حديثا مرفوعا وقال آخرون يوزن نفس الاعمال فتصور الصالحة بصور حسنة نورانية ثم تطرح في كفة النور وهي اليمنى المعدة للحسنات فتثقل بفضل الله تعالى وتصور الاعمال السيئة بصور قبيحة ظلمانية ثم تطرح في كفة الظلمة وهي الشمال فتخف بعدل الله تعالى وامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات ممنوع أو مقيد ببقاء آثار الحقيقة الاولى وقد ذهب بعضهم الى أن الله تعالى يخلق أجساما على عدد تلك الاعمال من غير قلب لها وادعى ان فيه أثرا والظاهر ان الثقل والخفة مثلها في الدنيا فما ثقل نزل الى أسفل ثم يرتفع الى عليين وما خف طاش الى أعلى ثم نزل الى سجين وبه صرح القرطبي وقال بعض المتأخرين هما على خلاف مافي الدنيا وأن عمل المؤمن اذا رجح صعد وثقلت سيآته وان الكافر تثقل كفته لخو الاخرى من الحسنات ثم تلا والعمل الصالح يرفعه وفي كونه دليلا نظر وذكر بعضهم أن صفة الوزن أن يجعل جميع أعمال العباد في الميزان مرة واحدة الحسنات في كفة النور عن يمين العرش جهة الجنة والسيآت في كفة الظلمة جهة النار ويخلق الله تعلى لكل انسان علما ضروريا يدرك به خفة أعماله وثقلها وقيل نحوه الا ان علامة الرجحان عمود من نور يثور من كفة الحسنات حتى يكسو كفة السيآت وعلامة الخفة عمود ظامة يثور من كفة السيآت حتى يكسو كفة الحسنات فالكيفيات أربع وستظهر حقيقة الحال بالعيان وهو قال القرطبي لايكون في حق كل أحد لما في الحديث الصحيح فيقال يامحمد أدخل الجنة من أمتك من لاحساب عليهم من الباب الايمن الحديث وأخرى الانبياء عليهم السلام وقوله سبحانه يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام وانما يبقى الوزن لمن شاء الله تعالى من الفريقين وذكر القاضي منذر بن سعيد البلوطي أن أهل الصبر لاتوزن أعمالهم وانما يصب لهم
(30/221)

الأجر صبا والظاهر أنه يدرج المنافق في الكافر والحق أن أعمالهم مطلقا توزن لظواهر الآيات والاحاديث الكثيرة والمراد في الآية وزنا نافعا والصحيح ان الجن مؤمنهم وكافرهم كالانس في هذا الشأن كما قرر في محله والتقسيم فيما نحن فيه على ماسمعت عن القرطبي بالنسبة الى من توزن أعماله لابالنسبة الى الناس مطلقا وأنكر المعتزلة الوزن حقيقة وجماعة من أهل السنة والجماعة منهم مجاهد والضحاك والاعمش قالوا ان الاعمال أعراض ان أمكن بقاؤها لايمكن وزنها فالوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل وجوزوا فيما هنا أن تكون الموازين جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى وان معنى ثقلها رجحانها وروى هذا عن الفراء أي فمن ترجحت مقادير حسناته وزنها فهو في عيشة راضية المشهور جعل ذلك من باب النسب أي ذات رضا وجوز ان تكون راضية بمعنى المفعول أى مرضية على التجوز في الكلمة نفسها وأن يكون الاسناد مجازيا وهو حقيقة الى صاحب العيشة وجوز ان يكون في الكلام استعارة مكنية وتخييلية على ماقرر في كتب المعاني لكن ذكر بعض الاجلة ههنا كلاما نفسيا وهو أن ماكان للنسب يؤول بذي كذا فلا يؤنث لانه لم يجر على موصوف فالحق بالجوامد ونقل عن السيرافي انه قال يقدح فيما عللوا به سقوط الهاء في عيشة راضية وفيه وجهان أحدهما أن تكون بمعنى انها راضية أهلها فهي ملازمة لهم راضية بهم والآخر أن تكون الهاء للمبالغة كعلامة ورواية ووجه بان الهاء لزمت لئلا تسقط الياء فيخل بالبنية كناقة مشلية وكلبة مجرية وهم يقولون ظبية مطفل ومشدان وباب مفعل ومفعال لا يؤنث وقد ادخلوا الهاء في بعضه كمصكة انتهى ثم قال ان هذا حقيق بالقبول ومحصله الجواب بوجوه أحدهما ان راضية هنا فيه ليس من باب النسب بل هو اسم فاعل أريد به لازم معناه لان من شاء شيئا ورضى به لازمه فهو مجاز مرسل أو استعارة ويجوز ان يراد أنه مجاز في الاسناد وما ذكر بيان لمعناه الثاني ان الهاء للمبالغة ولا تختص بفعال ولذا مثل برواية أيضا والثلث أنه يجوز الحاق الهاء في المعتل لحفظ البنية ومصكة اما شاذا ولتشبه المضاعف بالمعتل انتهى فاحفظه فانه نفيس خلاعنه أكثر الكتب وأما من خفت موازينه بان لم يكن له حسنة يعتد بها او ثقلت سيآته على حسناته فأمه أي فماواه كما قال ابن زيد وغيره هاوية أريد بها النار كما يؤذن به قوله تعالى وما أدريك ماهيه نار حامية فانه تقرير لها بعد ابهامها والاشعار بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل وذكر أن اطلاق ذلك عليها لغاية عمقها وبعد مهواها فقد روى أن أهل النار تهوى فيها سبعين خريفا وخصها بعضهم بالباب الاسفل من النار وعبر عن المأوى بالام عل التشبيه بها فالام مفزع الولد ومأواه وفيه تهكم به وقيل شبه النار بلام في انها تحيط به احاطة رحم الولد بالام 0 وعن قتادة وأبي صالح وعكرمة والكلبي وغيرهم المعنى فام رأسه هاوية في قعر جهنم لانه يطرح فيها منكوسا وفي رواية أخرى عن قتادة هو من قولهم اذا دعوا على الرجل بالهلكة هوت أمه لانه اذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا ومن ذلك قول كعب بن سعد الغنوي هوت أمه مايبعث الصبح غاديا
وماذا يرد الليل حين يؤب وفي الكشف ان هذا أحسن ليطابق قوله سبحانه في عيشة راضية وما فيه من المبالغة وقال الطيبي أنه الاظهر وللبحث فيه مجال والضمير أعنى هي عليه للداهية التي التي دل عليها الكلام وعلى ما قدمناه لهاوية وعلى الوجه الثاني لما يشعر به الكلام كأنه قيل فأم رأسه هاوية في نار وما أدراك ماهيه الخ والهاء الملحقة في هيه هاء السكت وحذفها في الوصل ابن أبي اسحق والاعمش وحمزة وأثبتها الجمهور ورفع نار على انها خبر
(30/222)

مبتدأ محذوف أي هي نار وحامية نعت لها وهو من الحمى اشتداد الحر قال في القاموس حمى الشمس والنار حميا وحميا وحموا اشتد حرهما وجعله بعضهم على ماقيل من حميت القدر فهي محمية ففسره بذات حمى وهو كما ترى وقرأ طلحة فامه بكسر الهمزة قال ابن خالويه وحكى ابن دريد أنها لغة وأما النحويون فيقولون لايجوز كسر الهمزة الا ان يتقدمها كسرة أو ياء والله تعالى أعلم
سورة التكاثر
وكان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما أخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي هلال يسمونها المقبرة وهي مكية قال أبو حيان عند جميع المفسرين وقال الجلال السيوطي على الاشهر ويدل لكونها مدنية وهو المختار ماأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي بريدة فيها قال نزلت في قبيلتين من قبائل الانصار في بني حارثة وبني الحرث تفاخروا وتكاثروا فقالت احداهما فيكم مثل فلان وفلان وقال الآخرون مثل ذلك تفاخروا بالاحياء ثم قالوا انطلقوا بنا الى القبور فجعلت احدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان تشير الى القبر ومثل فلان وفعل الآخرون مثل ذلك فانزل الله تعالى ألهاكم التكاثر الخ وأخرج البخاري وابن جرير عن أبي ابن كعب قال كنا نرى هذا من القرآن لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ثم يتوب الله على من تاب حتى نزلت ألهاكم التكاثر وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن على كرم الله تعالى وجهه مازلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر وعذاب القبر لم يذكر الا في المدينة كما في الصحيح في قصة اليهودية انتهى ولقوة الادلة على مدنيتها قال بعض الاجلة انه الحق 0 وآيها ثمان بالاتفاق وهي تعدل ألف آية من القرآن أخرج الحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم وفي كل يوم قالوا ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية قال أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من قرأ في ألف آية لقى الله تعالى وهو ضاحك في وجهه فقيل يارسول الله من يقوى على ألف آية فقرأ سورة ألهاكم التكاثر الى آخرها ثم قال عليه الصلاة و السلام والذي نفسي بيده انها لتعدل ألف آية وذكر ناصر الدين بن الميلق في سر ذلك أن القرآن ستة آلاف ومائتا آية وكسر فاذا تركنا الكسر كان الالف سدس القرآن وهذه السورة تشتمل على سدس من مقاصد القرآن فانها على ماذكره الغزالي ستة ثلاثة مهمة وهي تعريف المدعو اليه وتعريف الصراط المستقيم وتعريف الحال عند الرجوع اليه عز و جل وثلاثة متمة وهي تعريف أحوال المطيعين وحكاية أقوال الجاحدين وتعريف منازل الطريق وأحدهما معرفة الآخرة المشاراليه بتعريف الحال عند الرجوع اليه تعالى المشتمل عليه السورة والتعبير على هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل من التعبير بالسدس انتهى 0 والامر والله تعالى أعلم وراء ذلك ومناسبتها لما قبلها ظاهرة بسم الله الرحمن الرحيم
ألهيكم أي شغلكم وأصل اللهو الغفلة ثم شاع في كل شاغل وخصه العرف بالشاغل الذي يسر المرء وهو قريب من اللعب ولذا ورد بمعناه كثيرا وقال الراغب اللهو مايشغلك عما يعني ويهم وقيل وليس بذاك المراد به هنا الغفلة والمعنى جعلكم لاهين غافلين التكاثر أي التباري في الكثرة والتباهي بها بأن يقول هؤلاء نحن أكثر وهؤلاء نحن أكثر حتى زرتم المقابر حتى اذا استوعبتم عدد الأحياء
(30/223)

صرتم الى المقابر وانتقلتم الى ذكر من فيها فتكاثرتم بالاموات فالغاية داخلة في المغيا وقد تقدم من سبب النزول مايوضح ذلك 0 وعن الكلبي ومقاتل أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا فكثرتهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم ان البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالاحياء والاموات فكثرتهم بنو سهم وزيارة المقابر على ماتقدم على ظاهلها وأما على هذا فقد عبر بها عن بلوغهم ذكر الموتى كناية أو مجازا واستحسن جعله تمثيلا وفي الكشاف عبر ذلك عما ذكر تهكما بهم ووجهه بعض بأنه كانه قيل أنتم في فعلكم هذا كمن يزور القبور من غير غرض صحيح وبعض آخر بأن زيارة القبور للاتعاظ وتذكر الموت وهم عكسوا فجعلوها سببا للغفلة وهذا أولى والمعنى ألهاكم ذلك وهو لايعنيكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعني من كل مهم وحذف الملهى عنه للتعظيم المأخوذ من الابهام بالحذف والمبالغة في الذم حيث أشار الى أن مايلهى مذموم فضلا عن الملهى عن أمر الدين وقيل المراد ألهاكم التكاثر بالاموال والاولاد الى أن متم وقبرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاشتياق اليها والتهالك عليها الى أتاكم اموت لاهم لكم غيرها عما هو أولى بكم من من السعي لعاقبكم والعمل لآخرتكم وصدره قد أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس وهو وابن أبي حاتم 0 وابن أبي شيبة عن الحسن وزيارة المقابر عليه عبارة عن الموت كما قال الشاعر اني رأيت الضمد شئا نكرا
لن يخلص العام خليل عشرا
ذاق الضماد أو يزور القبرا وقال جرير زار القبور أبو مالك
فاصبح ألأم زوارها وفي ذلك اشارة الى تحقق البعث يحكي أن اعرابيا سمع ذلك فقال بعث القوم للقيامة ورب الكعبة فان الزائر منصرف لامقيم وعن عمر بن عبد العزيز انه قال لابد لمن زار أن يرجع الى جنة أو نار وفيه أيضا اشارة الى قصر زمن اللبث في القبور والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو لتغلب من مات أولا أو لجعل موت آبائهم بمنزلة موتهم 0 ومما يقضي منه العجب قول أبي مسلم ان الله عز و جل يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييرا للكفار وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور وقيل هذا تأنيب على الاكثار من زيارة القبور تكثرا بمن سلف ومباهاة وتفاخرا به لااتعاظا وتذكرا للآخرة كما هو المشروع ويشير اليه خبر ابي داود نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكركم الآخرة ولايخفى ان الآية بمعزل عن ذلك نعم لاكلام في ذم زيارة القبور للتفاخر بالمزور أو للتباهي بالزيارة كما يفعل كثير من الجهلة المنتسبين الى المتصوفة في زياراتهم لقبور المشايخ عليهم الرحمة هذا مع مالهم فيها من منكرات اعتقدوها طاعات وشنائع اتخذوها شرائع الى أمور تضيق عنها صدور السطور وقرأ ابن عباس وعائشة ومعاوية وأبو عمران الجوني وأبو صالح ومالك بن دينار وأبو الجوزاء وجماعة آلهاكم بالمد على الاستفهام وروى عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه وابن عباس أيضا والشعبي وابي العالية وأبن أبي عبلة والكسائي في رواية أألهاكم بهمزتين والاستفهام للتقرير كلا ردع عن الاشتغال بما لايعنيه عما يعنيه وتنبه على الخطأ فيه لان عاقبته وخيمة سوف تعلمون سوء مغبة ماأنتم عليه اذا عاينتم عاقبته والعلم بمعنى المعرفة المتعدية لواحد ثم كلا سوف تعلمون تكرير للتأكيد وثم للدلالة على أن الثاني أبلغ كما يقول العظيم لعبده أقول لك ثم أقول لك لاتفعل قيل ولكونه أبلغ نزل منزلة المغايرة فعطف والا فالمؤكد لايعطف على المؤكد لما بينهما من شدة الاتصال وأنت تعلم ان المنع هو رأي اللغويين وقد صرح المفسرون والنحاة بخلافه 0 وقال علي ابن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه الاول في القبور والثاني في النشور فلا تكرير والتراخي على ظاهره ولا كلام في العطف وقال الضحاك الزجر الأول ووعيده
(30/224)

للكافرين وما بعد للمؤمنين وهو خلاف الظاهر كلا لو تعلمون علم اليقين أي لو تعلمون مابين أيديكم علم الأمر المتيقن أي كعلمكم ماتستيقنونه من الامور فالعلم مضاف للمفعول واليقين بمعنى المتيقن صفة لمقدور وجوز أبو حيان كون الاضافة من اضافة الموصوف الى صفته أي العلم اليقين وفائدة الوصف ظاهرة بناء على أن العلم يطلق على غير اليقين وجواب لو محذوف للتهويل أي لو تعلمون كذلك لفعلتم مالايوصف ولايكتنه أو لشغلكم ذلك عن التكاثر وغيره أو نحو ذلك وقوله تعالى لترون الجحيم جواب قسم مضمور أكد به الوعيد وشدد به التهديد وأوضح به ماأنذروه بعد ابهامه تفخيما ولايجوز أن يكون جواب لو الامتناعية لانه محقق الوقوع وجوابها لايكون كذلك وقيل يجوز ويكون المعنى سوف تعلمون الجزاء ثم قال سبحانه لو تعلمون الجزاء علم اليقين الآن لترون الجحيم يعني تكون الجحيم دائما في نظركم لاتغيب عنكم وهو كما ترى ثم لترونها تكرير للتأكيد وثم للدلالة على الابلغية وجوز أن تكون الرؤية الاولى اذا رأتهم من بعيد والثاني اذا دخلوها أو وردوها والثانية اذا دخلوها أو الاولى المعرفة والثانية المشاهدة والمعاينة وقيل يجوز أن يكون المراد لترون الجحيم غير مرة اشارة الى الخلود وهذا نحو التثنية في قوله تعالى فارجع البصر كرتين وهو خلاف الظاهر جدا عين اليقين أي الرؤية التي هي نفس اليقين فان الانكشاف بالرؤية والمشاهدة فوق سائر الانكشافات فهو أحق بأن يكون عين اليقين فعين بمعنى النفس مثله في نحو جاء زيد نفسه وهو صفة مصدر مقدر أي رؤية عين اليقين والعامل فيه لترونها وجوز أن يكون متنازعا فيه للفعلين قبله وفي اطلاقه كلام لاأظنه يخفى عليك واليقين في اللغة على ما قال السيد السند العلم الذي لاشك فيه وفي الاصطلاح اعتقاد الشىء انه كذا مع اعتقاد انه لايمكن الا كذا اعتقادا مطابقا للواقع غير ممكن الزوال وقال الراغب اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية واخوتهما يقال علم يقين ولايقال معرفة يقين وهو سكون النفس مع ثبات الفهم وفسر السيد اليقين بما سمعت ونقل عن أهل الحقيقة عدة تفسيرات فيه وعلم اليقين بما أعطاه الدليل من ادراك الشىء على ماهو عليه وعين اليقين بما أعطاه المشاهدة والكشف وجعل وراء ذلك حق اليقين وقال على سبيل المثال علم كل عاقل بالموت علم اليقين واذا عاين الملائكة عليهم السلام غهو عين اليقين واذا ذاق الموت فهو حق اليقين واهم غير ذلك ومبنى اكثر ماقالوه على الاصطلاح فلاتغفل وقرأ ابن عامر والكسائى لترون 0 بضم التاء وقرأعلي كرم الله وجهه وابن كثير في رواية وعاصم كذلك بفتحها في لترون وضمها في لترونها ومجاهد وأشهب وابن أبي عبلة بضمها فيهما وروى عن الحسن وأبي عمر وبخلاف عنهما أنهما همزا الواوين ووجه بانهم استثقلوا الضمة على الواو فهمزوا للتخفيف كما همزوا في وقت وكان القياس ترك الهمز لان الضمة حركة عارضة لالتقاه الساكنين فلا يعتد بها لكن لما لزمت الكلمة بحيث لاتزول أشبهت الحركة الاصلية فهمزوا وقد همزوا من الحركة العارضة التي تزول في الوقف نحو اشترؤا الضلالة فالهمز من هذه أولى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قيل الخطاب للكفار وحكى ذلك عن الحسن ومقاتل واختاره الطيبي والنعيم عام لكل مايتلذذ به من مطعم ومشرب ومفرش ومركب وكذا قيا قيل في الخطابات السابقة وقد روى عن ابن عباس انه صرح بان الخطاب في لترون الجحيم للمشركين وحملوا الرؤية عليه على رؤية الدخول وحملوا السؤال هنا على سؤال التقريع والتوبيخ لما أنهم لم يشركوا ذلك بالايمان به عز و جل والسؤال قيل يجوز أن يكون
(30/225)

بعد رؤية الجحيم ودخولها كما يسئلون كذلك عن اشياء أخر على مايؤذن به قوله تعالى كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وقوله سبحانه ماسلككم في سقر وذلك لانه اذ ذاك أشد ايلاما وأدعى للاعتراف بالتقصير فثم على ظاهرها وأن يكون في موقف الحساب قبل الدخول فتكون ثم للترتيب الذكرى وقيل الخطاب مخصوص بكل من ألهاه دنياه عن دينه والنعيم مخصوص بما شغله عن ذلك لظهور أن الخطاب في ألهاكم الخ للملهين فيكون قرينة على ماذكر وللنصوص الكثيرة كقوله تعالى قل من حرم زينة الله وكلوا من الطيبات وهذا أيضا يحمل السؤال على سؤال التوبيخ ويدخل فيما ذكر الكفار وفسقة المؤمنين وقيل الخطاب عام وكذا السؤال يعم سؤال التوبيخ وغيره والنعيم خاص واختلف فيه على أقوال فاخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن مسعود مرفوعا هو الامن والصحة وأخرج البيهقي عن الامير علي كرم الله تعالى وجهه قال النعيم العافية وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء مرفوعا أكل خبز البر والنوم في الظل وشرب ماء الفرات مبردا وأخرج ابن جرير عن ثابت البناني مرفوعا النعيم المسئول عنه يوم القيامة كسرة تقوته وماء يرويه وثوب يواريه وأخرج الخطيب عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفسره قال الخصاف والماء وفلق الكسر وروى عنه وعن جابر أنه ملاذ المأكول والمشروب وقال الحسين بن فضل هو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن ويروى عن جابر الجعفي من الامامية قال دخلت على الباقر رضى الله تعالى عنه فقال ما يقول أرباب التأويل في قوله تعالى لتسئلن يومئذ عن النعيم فقلت يقولون الظل والماء البارد فقال لو أنك ادخلت بيتك أحدا وأقعدته في ظل وسقيته اتمن عليه قلت لا فقال فالله تعالى أكرم من ان يطعم عبده ويسقيه ثم يسأله عنه قلت ما تأويله قال النعيم هو رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنعم الله تعالى به على أهل العالم فاستنقذهم به من الضلالة اما سمعت قوله تعالى لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا ومن رواية العياشي من الامامية ايضا ان ابا عبد الله رضى الله تعالى عنه قال لابي حنيفة رضى الله تعالى عنه في الآية ماالنعيم عندك يانعمان فقال القوت من الطعام والماء البارد فقال ابو عبدالله لئن أوقفك الله تعالى بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه فقال أبو حنيفة فما النعيم قال نحن أهل البيت النعيم أنعم الله تعالى بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد ان كانوا مختلفين وبنا ألف الله تعالى بين قلوبهم وجعلهم اخوانا بعد ان كانوا أعداء وبنا هداهم الى الاسلام وهو النعمة التي لاتنقطع والله تعالى سائلهم عن حق النعيم الذي انعم سبحانه به عليهم وهو محمد وعترته عليه وعليهم الصلاة والسلام وكلا الخبرين لاأرى لهما صحة وفيهما ما ينادي عن عدم صحتهما كما لايخفى على من ألقى السمع وهو شهيد والحق عموم الخطاب والنعيم بيد أن المؤمن لايثرب عليه في شيء ناله منه في الدنيا بل يسئل غير مثرب وانما يثرب على الكافر كما ورد ذلك في حديث رواه الطبراني عن ابن مسعود ويدل على عموم الخطاب مأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وآخرون عن أبي هريرة قال خرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذات يوم فاذا هو بأبي بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما فقال ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا الجوع يا رسول الله قال والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما فقوموا فقاموا معه عليه الصلاة و السلام فاتى رجلا من الانصار فاذا هو ليس في بيته فلما رأته صلى الله تعالى عليه وسلم المرأة قالت مرحبا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اين فلان قالت انطلق يستعذب لنا الماء اذ جاء الانصاري فنظر الى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وصاحبيه فقال الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر فقال كلوا من هذا وأخذ المدية فقال له رسول الله تعالى عليه وسلم اياك والحلوب فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك
(30/226)

العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله تعالى عليه وسلم لأبي بكر وعمرو الذي نفسي بيده لتسئلن عن هذا النعيم يوم القيامة وفي رواية ابن حبان وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وصاحبيه انطلقوا الى منزل أبي أيوب الانصاري فقالت امرأته مرحبا بنبي الله صلى الله تعالى عليه وسام ومن معه فجاء أبو أيوب فقطع عذقا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما أردت ان تقطع لنا هذا ألا جنيت من تمره قال أحببت يا رسول الله ان تاكلوا منه تمره وبسره ورطبه ثم ذبح جديا فشوى نصفه وطبخ نصفه فلما وضع بين يدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ من الجدي فجعله في رغيف وقال يا أبا أيوب ابلغ هذا فاطمة رضى الله تعالى عنها فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام فذهب به أبو أيوب الى فاطمة رضى الله تعالى عنها فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ودمعت عيناه عليه الصلاة و السلام والذي نفسي بيده ان هذا هو النعيم الذي تسئلون عنه قال الله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم فهذا النعيم الذي تسئلون عنه يوم القيامة فكبر ذلك على اصحابه فقال عليه الصلاة و السلام بلى اذا اصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا بسم الله فاذا شبعتم فقولوا الحمد لله الذي أشبعنا وأنعم علينا وأفضل فان هذا كفاف بذاك وليس المراد في هذا الخبر حصر النعيم مطلقا فيما ذكر بل حصر النعيم بالنسبة الى ذلك الوقت الذي كانوا فيه جياعا وكذا فيما يصح من الاخبار التى فيها الاقتصار على شيء أو شيئين أو أكثر فكل ذلك من باب التمثيل ببعض أفراد خصت بالذكر لامر اقتضاه الحال ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة و السلام في غير رواية عند ذكر شيء من ذلك هذا من النعيم الذي تسئلون عنه بمن التبعيضية وفي التفسير الكبير الحق الكبير الحق أن السؤال يعم المؤمن والكافر عن جميع النعم سواء كان ما لابد منه أولا لان كل ما يهب الله تعالى يجب أن يكون مصروفا الى طاعته سبحانه لا إلى معصيته عز و جل فيكون السؤال واقعا عن الكل ويؤكده قوله عليه الصلاة و السلام لاتزول قدما العبد حتى يسئل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم ابلاه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم انفقه وعن علمه ماذا عمل به لان كل نعيم داخل فيما ذكره عليه الصلاة و السلام ويشكل عليه ماأخرجه عبد الله بن الامام احمد في زوائد الزهد والدليمي عن الحسن قال رسول الله صلى الله تعلى عليه وسلم ثلاث لايحاسب بهن العبد ظل خص يستظل به وكسرة يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته وأجيب بانه ان اصح فالمراد لايناقش الحساب بهن وقيل المراد مايضطر العبد اليه من ذلك لحياته فتامل ورأيت في بعض الكتب أن الطعام الذي يؤكل مع اليتيم لايسئل عنه وكان ذلك لان في الاكل معه جبرا لقلبه وازالة لوحشته فيكون ذلك بمنزلة الشكر فلا يسئل عنه سؤال تقريع وفي القلب من صحة ذلك شىء والله تعالى أعلم
سورة العصر
مكية في قول ابن عباس وابن الزبير والجمهور ومدنية في قول مجاهد وقتادة ومقاتل وآيها ثلاث بلا خلاف وهي على قصرها جمعت من العلوم ما جمعت فقد روى عن الشافعي عليه الرحمة انه قال لو لم ينزل غير هذه السورة لكفت الناس لانها شملت جميع علوم القرآن واخرج الطبراني في الاوسط والبهيقي في الشعب عن ابي حذيفة وكانت له صحبة قال كان الرجلان من اصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة والعصر ثم يسلم أحدهما على الآخر وفيها اشارة الى حال من لم يلهه التكاثر ولذا وضعت بعد سورته بسم الله الرحمن الرحيم والعصر قال مقاتل أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها لانها الصلاة الوسطى عند الجمهور لقوله عليه الصلاة و السلام شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ولما في مصحف
(30/227)

حفصة والصلاة الوسطى صلاة العصر وفي الحديث من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وروى ان امرأة كانت تصيح في سكك المدينة دلوني على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرآها عليه الصلاة و السلام فسألها ماذا حدث فقالت يا رسول الله ان زوجي غاب فزنيت فجاءني ولد من الزنا فألقيت الولد في دن خل فمات ثم بعت ذلك الخل فهل لي من توبة فقال عليه الصلاة و السلام أما الزنا فعليك الرجم بسببه وأما القتل فجزاؤه جهنم وأما بيع الخل فقد اتكبت كبيرا لكن ظننت أنك تركت صلاة العصر ذكر ذلك الامام وهو لعمري امام في نقل مثل ذلك مما لايعول عليه عند أئمة الحديث فاياك والاقتداء به وخصت بالفضل لان التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم وقيل أقسم عز و جل بوقت تلك الصلاة لفضيلة صلاته أو لخلق آدم أبي البشر عليه السلام فيه من يوم الجمعة والى هذا ذهب قتادة فقد روى عنه أنه قال العصر العشى أقسم سبحانه به كما أقسم بالضحى لما فيها من دلائل القدرة وقال الزجاج العصر اليوم والعصر الليلة وعليه قول حميد بن ثور ولم يلبث العصران يوم وليلة
اذا طلبا أن يدركا ما تيمما وقيل العصر بكرة والعصر عشية وهما الابرادان وعليه وعلى ما قبله يكون القسم بواحد من الامرين غير معين وقيل المراد به عصر النبوة وكأنه عنى به وقت حياته عليه الصلاة و السلام كانه اشرف الاعصار لتشريف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل هو زمان حياته صلى الله تعالى عليه وسلم وما بعده الى يوم القيامة ومقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار ويؤذن بذلك ما رواه البخارى عن سالم ابن عبد الله عن أبيه أنه سمع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول انما بقاأكم فيمن سلف قبلكم من الامم كما بين صلاة العصر الى غروب الشمس وشرفه لكونه زمان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته التي هي خير أمة أخرجت للناس ولا يضره تأخيره كما لايضر السنان تأخره عن اطراف مرانه والنور تأخره عن أطراف أغصانه وقال ابن عباس هو الدهر أقسم عز و جل به لاشتماله على أصناف العجائب ولذا قيل له أبو العجب وكانه تعالى يذكر بالقسم به مافيه من النعم وأضدادها لتنبيه الانسان المستعد للخسران والسعادة ويعرض عز و جل لما في الاقسام به من التعظيم بنفي أن يكون له خسران أو دخل فيه كما يزعمه من يضيف الحوادث اليه وفي اضافة الخسران بعد ذلك للانسان اشعار بانه صفة له لا للزمان كما قيل يعيبون الزمان وليس فيه
معايب غير أهل للزمان وتعقب بان استعمال العصر بذلك المعنى غير ظاهر ان الانسان لفي خسر أي خسران في متاجرهم ومساعيهم وصرف أعمارهم في مباغيهم التي لاينتفعون بها في الآخرة بل ربما تضر بهم اذا حلوا الساهره والتعريف للاستغراق بقرينة الاستثناء والتنكير قيل للتعظيم أي في خسر عظيمم ويجوز أن يكون للتنويع أي نوع من الخسر غير مايعرفه الانسان الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فانهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفاني الخسيس واشتروا الباقي النفيس واستبدلوا الباقيات واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيالها من صفقة ماأربحها ومنفعة جامعة للخير ما أوضحها والمراد بالموصول كل من اتصف بعنوان الصلة لا على كرم الله وجهه وسلمان الفارسي رضى الله تعالى عنه فقط كما يتوهم من اقتصار ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في الذكر عليهما بل هما داخلان في ذلك دخولا أوليا ومثل ذلك اقتصاره في الانسان الخاسر على أبي جهل وهو ظاهر وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم وقوله تعالى وتواصو بالحق الخ بيان لتكميلهم
(30/228)

لغيرهم أي وصى بعضهم بعضا بالامر الثابت الذي لا سبيل الى انكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من الايمان بالله عز و جل واتباع كتبه ورسله عليهم السلام في كل عقد وعمل وتواصو بالصبر عن المعاصي التي تشتاق اليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى مايبتلي الله تعالى به عادة من المصائب والصبر المذكور داخل في الحق وذكر بعده مع اعادة الجار والفعل المتعلق هو لابراز كمال العناية به ويجوز ان يكون الاول عبارة رتبة العبادة اتي هي فعل مايرضى الله تعالى والثاني عبارة رتبة العبودية التي هي الرضا بما فعل الله تعالى فان المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تتوق اليه من فعل أو ترك بل هو تلقي ما ورد منه عز و جل بالجميل والرضا به باطنا وظاهرا وقرأ سلام وهرون وابن موسى عن أبي عمرو والعصر بكسر الصاد والصبر بكسر الباء قال ابن عطية وهذا لايجوز الا في الوقف على نقل الحركة وروى عن أبي عمرو بالصبر بكسر الباء اشماما وهذا كما قال لايكون أيضا الا في الوقف وقال صاحب اللوامح قرأ عيسى البصرة بالصبر بنقل حركة الراء الى الباء لئلا يحتاج الى أن يؤتى ببعض الحركة في الحركة في الوقف ولاالى أن يسكن فيجمع بين ساكنين وذلك لغة شائة وليست بشاذة بل مستفيضة وذلك دلالة على الاعراب وانفصال من التقاء الساكنين وتأدية حق الموقوف عليه من السكون انتهى ومن هذا كما في البحر قوله أنا جرير كنيتي أبو عمرو
اضرب بالسيف وسعد في العصر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن علي كرم الله وجهه أنه كان يقرأوالعصر نوائب الدهر ان الانان لفي خسر وانه لقيه الى آخر الدهر وأخرج عبد بن حميد وابن أبي داود في المصاحف عن ميمون بن مهران أنه قرأ والعصر ان الانسان لفي خسر وانه لفيه الى آخر الدهر الا الذين آمنوا الخ وذكر انها قراءة ابن مسعود هذا واستدل بعض المعتزلة بما في هذه السورة على ان مرتكب الكبيرة مخلد في النار لانه لم يستثن فيها عن الخسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الخ وأجيب عنه بانه لا دلالة في ذلك على أكثر من كون غير المستثنى في خسر وأما على كونه مخلدا في النار فلا كيف والخسر عام فهو اما بالخلود ان مات كافرا وأما بالدخول في النار ان مات عاصيا ولم يغفروا ما بفوت الدرجات العاليات ان غفر وهو جواب حسن وللشيخ الماتريدى رحمه الله تعالى في التفصى عن ذلك تكلفات مذكورة في التأويلات فلا تغفل وفي السورة من الندب الى الامر بالمعروف والنهي عن النكر وان يحب المرء لاخيه مايحب لنفسه ما لايخفى
سورة الهمزة
مكية وآيها تسع بلاخلاف في الامرين ولما ذكر سبحانه فيما قبلها أن الانسان سوى من استثنى في خسر بين عز و جل فيها أحوال بعض الخاسرين فقال عز من قائل بسم الله الحمن الحيم
ويل لكل همزة لمزة تقدم الكلام على اعراب مثل هذه الجملة والهمز الكسر كالهزم واللمز الطعن كاللهز شاعا في الكسر من اعراض الناس والغض منهم واغتيابهم والطعن فيهم وأصل ذلك كان استعارة لانه لايتصور الكسر والطعن الحقيقيان في الاجسام فصار حقيقة عرفية ذلك وبناء فعلة يدل على الاعتياد فلا يقال ضحكة ولعنة الا للمكثر المتعود قال زياد الاعجم اذا لقيتك عن شخط تكاشرني
وان تغيبت كنت الهامز اللمزة
(30/229)

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وجماعة عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغري بين الاخوان وأخرج ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وغيرهما عن مجاهد الهمزة الطعان في الناس واللمزة الطعان في الانساب وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية الهمز في الوجه واللمز في الخلف وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن جريج الهمز بالعين والشدق واليد واللمز باللسان وقيل غير ذلك وماتقدم أجمع 0 وقرأ الباقر رضى الله تعلى عنه لكل همزة لمزة بسكون الميم فيهما على البناء الشائع في معنى المفعول وهو المسخرة الذي يأتي بالاضاحيك فيضحك منه ويشتم ويهمز ويلمز ونزل ذلك عل مأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن سحق عن عثمان بن عمر في أبي بن خلف وعلى ماأخرج عن السدى في أبي بن عمر والثقفي الشهير بالاخلس بن شريق فانه كان مغتابا كثير الوقعية وعلى ماقال ابن اسحق في أمية بن خلف الجمحي وكان يهمز النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويعيبه على ماأخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد في جميل بن عامر وعلى ماقيل في الوليد بن المغيرة واغتيابه لرسول الله صلى اله تعالى عليه وسلم وغضه منه وعلى قول في العاص ابن وائل ويجوز أن يكون نازلا في جميع من ذكر لكن استشكل نزولها في الاخنس بانه على ماصححه ابن حجر في الاصابة أسلم وكان من المؤلفة قلوبهم فلا يتاتى الوعيد ألآتي في حقه فاما ان لايصح ذلك أو لايصح اسلامه وأيضا استشكلت قراءة الباقر رضى الله تعالى عنه بناء على ماسمعت في معناها وكون الآية نازلة في الوليد بن المغيرة ونحوه من عظماء قريش وبه اندفع مافي التأويلات من أنه كيف عيب الكافر بهذين الفعلين مع ان فيه حالا أقبح منهما وهو الكفر وأماما أجاب به من أن الكفر غير قبيح لنفسه بخلافهما فلا يخفى ضعفه لان فوت الاعتقاد الصحيح أقبح من كل شيء قبيح وقوله تعالى الذي جمع مالا بدل من كل بدل وقيل بدل بعض من كل وقال الجار بردى يجوز أن يكون صفة له لانه معرفة على ماذكره الزمخشري في قوله تعالى وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد اذ جعل جملة معها سائق حالا من كل نفس لذلك ولايخفى مافيه ويجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا على الذم وتنكير ملا للتفخيم والتكثير وقد كان عند القائلين انها نزلت في لاخنس أربعة لآلاف دينار وقيل عشرة آلاف وجوز أن يكون للتحقير والتقليل باعتبار أنه عند الله تعالى أقل وأحقر شىء وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر والاخوان جمع بشد الميم للتكثير وهوأوفق بقوله تعالى وعدده أي عده مرة بعد أخرى حباله وشغفا به وقيل جعله أصنافا وأنواعا كعقار ونقوده حكاه في التاويلات وقال غير واحد أى جعله عة ومدخرا لنوائب الدهر ومصائبه وقرأ الحسن والكلبي وعدده بالتخفيف فقيل معناه وعده فهو فعل ماضي فك ادغامه على خلاف القيلس كما في قوله مهلا اعاذل هل جربت من خلقي
اني أجود لاقوام وان ضننوا وقيل هو اسم بمعنى العدد المعروف معطوف على ماله أي جمع ماله وضبط عدده وأحصاه وليس ذلك على مافي الكشف من باب علفتها تبنا وماء باردا لان جمع العدد عبارة عن ضبطه واحصائه فلا يحتاج الى تكلف وعلى الوجهين ايد بالقراءة المذكورة المعنى الاول لقراءة الجمهور وقيل هو اسم بمعنى الاتباع والانصار يقال فلان ذو عدد وعدد اذا كان له عدد وافر من الانصار وما يصلحهم وهو معطوف على ماله أيضا أي جمع ماله وقومه الذين ينصرونه يحسب أن ماله أخلده جملة حالية أو استئنافية وأخلده وخلده بمعنى أى تركه خالدا أى ماكثا لايتناهى أو مكثا طويلا جدا والكلام من باب الاستعارة التمثيلية والمراد ان المال طول أمله ومناه الاماني البعيدة فهو يعمل من تشييد البنيان وغرس الاشجار وكرى
(30/230)

الأنهار ونحو ذلك عمل من يظن انه ماله أبقاه حيا والاظهار في مقام الاضمار لزيادة التقرير والتعبير بالماضي للمبالغة في المعنى المراد وجوز أن يراد انه حاسب ذلك حقيقة لفرط غروره واشتغاله بالجمع والتكاثر عما امامه من قوارع الآخرة أو لزعمه ان الحياة والسلامة عن الامراض والآفات تدور على مراعاة الاسباب الظاهرة وان المال هو المحور لكرتها والملك المطاع في مدينتها وقيل المراد انه يحسب المال من المخلدات ولانظر فيه الى ان الخلود دنيوي او اخروى ذكرا أو عينا انما النظر في اثبات هذه الخاصة للمال والغرض منه التعريض بان ثم مخلدا ينبغي للعاقل أن يكب عليه وهو السعى للآخرة وهو بعيد جدا ولذا لم يجعل بعض الاجلة التعريض وجها مستقلا وزعم عصام الدين أنه يحتمل أن يكون فاعل أخلدا الحاسب ومفعوله المال أي يظن أن يحفظ ماله أبدا ولايعرف أنه معرض للحوادث أو للمفارقة بالموت كما قيل بشر مال البخيل بحادث أو وارث وهو لعمري مما لاعصام له كلا ردع له عن ذلك الحسبان الباطل أو عنه وعن جمع المال وحبه المفرط على ماقيل واستظهر أنه ردع عن الهمز واللمز وتعقب بأنه بعيد لفظا ومعنى وأنا لاأرى بأسا في كون ذلك ردعا له عن كل ماتضمنته الجمل السابقة من الصفات القبيحة وقوله تعالى لينبذن جواب قسم مقدر والجملة استئناف مبين لعلة الردع أي والله ليطرحن بسب أفعاله المذكورة في الحطمة أى في النار التي من شأنها أن تحطم كل من يلقى فيها وبناء فعلة لتنزيل الفعل لكونه طبيعيا منزلة المعتاد 0 والحطم كسر الشىء كالهشم ثم استعمل لكل كسر متناه وأنشدوا انا حطمنا بالقضيب مصعبا
يوم كسرنا أنفه ليغضبنا ويقال رجل حطمة أي أكول تشبيها له بالنار ولذا قيل في أكول
كانما في جوفه تنور
وفسر الضحاك الحطمة هنا بالدرك الرابع من النار وقال الكلبي هي الطبقة السادسة من جهنم وحكى القشيرى عنه انها الدرك الثاني وقال الواحدي هي باب من أبواب جهنم وزعم أبو صالح انها النار التي في قبورهم وليس بشيء وقوله تعالى وما أدراك ما الحطمة لتهويل أمرها ببيان انها ليست من الامور التي تنالها عقول الخلق وقرأ علي كرم الله وجهه والحسن بخلاف عنه وابن محيصن وحميد وهرون عن أبي عمرو ولينبذان بضمير الاثنين العائد على الهمزة وماله وعن الحسن أيضا لينبذن بضم الذال وحذف ضمير الجمع فقيل هو راجع لكل همزة باعتبار أنه متعدد وقيل له ولعدده أي اتباعه وانصاره بناء على ماسمعت في قراءته هناك وعن أبي عمرو لننبذنه بنون العظمة وهاء النصب ونو التأكيد وفقرأ زيد بن علي رضى اله تعالى عنه في الحاطمة وماأدراك ماالحاطمة نار الله خبر مبتدا محذوف والجملة لبيان شان المسؤل عنها أي نار الله الموقدة بامر الله عز و جل وفي اضافتها اليه سبحانه ووصفها بالايقاد أمرها مالامزيد عليه التي تطلع على الافئدة أي تعلوا أوساط القلوب وتغشاها وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد الطف مافي الجسد وأشده تالما بادنى أذى يمسه أو لانه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة والملكات القبيحة ومنشأ الاعمال السيئة فهو أنسب بما تقدم من جميع أجزاء الجسد وأخرج عبد بن حميد وابن ابي حاتم عن محمد بن كعب انه قال في الآية تاكل كل شىء منه حتى تنتهي الى فؤاده فاذا بلغت فؤاده ابتدأ خلقه وجوز أن يرد الاطلاع العلمي والكلام على سبيل المجاز وذلك أنه لما كان لكل من المعذبين عذاب من النار على قدر ذنبه المتولد من صفات قلبه قيل انها تطالع الافئدة التي هي معادن الذنوب فتعلم مافيها فتجازي كلا بحسب مافيه من الصفة المقتضية للعذاب
وارباب الاشارة يقولون ان
(30/231)

ما ذكر اشارة الى العذاب الروحاني الذي هو اشد الذاب انها عليهم مؤصدة أي مطبقة وتمام الكلام مر في سورة البلد في عمد جمع عمود كما قال الراغب والفراء وقال ابو عبيدة جمع عماد وفي وهو اسم جمع الواحد عمود وقرأ الاخوان وابو بكر عمد بضمتين وهرون عن أبي عمر وبضم العين وسكون الميم وهو في القراءتين جمع عمود بلا خلاف وقوال تعالى ممدة صفة عمد في القراآت الثلاث أي طوال والجار والمجرور في موضع الحال من الضمير المجرور في عليهم أي كائنين في عمد ممددة أي موثقين فيها مثل المقاطر وهي خشب أو جذوع كبار فيها خروق يوضع فيها ارجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم كائنون في عمد موثقون وهي والعياذ بالله تعالى على ماروى عن ابن زيد عمد من حديد وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس انها من نار واستظهر بعضهم ان العمد تمدد على الابواب بعد أن تؤصد عليهم ليأسهم واستيثاق وفي حديث طويل أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الاصول عن أبي هريرة مرفوعا أن الله تعالى بعد ان يخرج من النار عصاة المؤمنين وأطولهم مكثا فيها من يمكث سبعة آلاف سنة يبعث عز و جل الى أهل النار ملائكة باطباق من نار ومسامير من نار وعمد من نار فيطبق عليهم بتلك الاطباق ويشد بتلك المسامير وتمدد تلك العمد ولايبقى فيها خلل يدخل فيه روح ولايخرج منه غم وينساهم الجبار عز و جل على عرشه ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ولايستثيغون بعدها أبدا وينقطع الكلام فيكون كلامهم زفيرا وشهيقا وفيه فذلك قوله تعالى انها عليهم مؤصدة في عمد ممدة اللهم أجرنا من النار ياخير مستجار وعلى هذا يكون الجار والمجرور متعلقا بمؤصدة حالا من الضمير فيها كما قال صاحب الكشف وحكاه الطيبي وفي الارشاد عن أبي البقاء انه صفة لمؤصدة وقال بعض لامانع عليه أن يكون صلة مؤصدة على معنى أن الابواب أوصدت بالعمد وسدت بها وأيد بما أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في الآية أدخلهم في عمد وتمددت عليهم في أعناقهم السلاسل فسدت بها الابواب ثم ان مذكر لاشعاره بالخلود وأشدية العذاب يناسب كون المحدث عنهم كفارا همزوا ولمزوا خير البشر صلى الله تعالى عليه وسلم وما تقدم من حمل العمد على المقاطر قيل يناسب العموم لان المغتاب كانه سارق من اعراض الناس فيناسب أن يعذب بالمقاطر كاللصوص فلا يلزم الخلود وقد يقال من تأمل في هذه السورة ظهر له العجب العجاب من التناسب فانه لما بولغ في الوصف في قوله تعالى همزة لمزة قيل الحطمة للتعادل ولما أفاد ذلك كسر الاعراض قوبل بكسر الاضلاع المدلول عليه بالحطمة وجىء بالنبذ المنبىء عن الاستحقار في مقابلة ماظن الهامز اللامز بنفسه من الكرامة ولما كان منشأ جمع المال استيلاء حبه على القلب جىء في مقابلة تطلع على الافئدة ولما كان من شأن جامع المال المحب له أن ياصد عليه قيل في مقابلة انها عليهم مؤصدة ولما تضمن ذلك طول الامل قيل في عمد ممددة وقد صرح بذلك بعض الاجلة فليتامل والله تعالى أعلم
سورة الفيل
مكية وأيها خمس بلا خلاف فيهما وكانه لما تضمن الهمز واللمز من الكفرة نوع كيد له عليه الصلاة و السلام عقب ذلك بقصة أصحاب الفيل للاشارة الى أن عقى كيدهم في الدنيا تدميرهم فان عناية الله عز و جل برسوله صلى الله عليه و سلم أقوى وأتم من عنايته سبحانه بالبيت فالسورة مشيرة الى مآلهم في الدنيا اثر بيان مآلهم في الاخرى ويجوز ان تكون كالاستدلال على ما أشير اليه فيما قبلها من أن المال لا يغني من الله تعالى شيئا أو على قدرته عز و جل انفاذ ما توعد به أولئك الكفرة
(30/232)

في قوله سبحانه لينبذن في الحطمة الخ بسم الله الرحمن الرحيم ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل الظاهر ان الخطاب لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والهمزة لتقرير رؤيته عليه الصلاة و السلام بانكار عدمها وهى بصرية تجوز بها عن العلم على سبيل الاستعارةالتبعية أوالمجاز المرسل لانها سببيه ويجوز جعلها علمية من اول الامرالا ان ذاك أبلغ وعلمه صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك لما أنه سعه متواترا وكيف في محل نصب على المصدرية بفعل والمعنى أي فعل فعل وقيل على الحالية من الفاعل واكيفية حقبقة للفعل لابا لم تر لمكان الاستفهام والجملة سادة مسد المفعولين لتر وجوز بعضهم نصب كيف بتر لانسلاخ معنى الاستفهام عنه كما في شرح المفتاح الشريفي وصرح أبو حيان بامتناعه لانه يراعى صدارته ابقاء لحكم اصله وتعليق الرؤية بكيفية فعله تعالى شانه لابنفسه بان يقال الم تر مافعل ربك الخ لتهويل الحادثة والايذان بوقوعها على كيفية هائلة وهيئة عجيبة دالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته وغريبته وشرف رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فان ذلك كما قال غير واحد من الارهاصات لما روى ان القصة وقعت في السنة اتي ولد فيها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال ابراهيم بن المنذر شيخ البخاري لايشك في ذلك أحد من العلماء وعليه الاجماع وكل ماخالفه وهم أي من أنها كانت قبل بعشر سنين أو بخمس عشرة سنة أو بثلاث وعشرين سنة أو بثلاثين سنة أو بأربعين سنة أو بسبعين سنة الاقوال المذكورة في كتب السير وعلى الاول المرجح الذي عليه الجمهور قبل ولادته عليه الصلاة و السلام في اليوم الذي بعث الله تعاى فيه الطير على اصحاب الفيل من ذلك العام وهوالمذكور في تاريخ ابن حبان وهو ظاهر قول ابن عباس ولد عليه الصلاة و السلام يوم الفيل وذهب السهيلي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ولد بعدها بخمسين يوما وكانت في المحرم والولادة في شهر ربيع الاول وقال الحافظ الدمياطي بخمسة وخمسن يوما وقيل باربعين وقيل بشهر والمشهور ماذهب اليه السهيلي وفي قوله تعالى ربك نوع رمز الى الارهاص وكون ذلك لشرف البيت ودعوة الخليل عليه السلام لاينافي الارهاص وكذا لاينافيه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديبية لما بركت ناقته وقال الناس خلأت أي حزنت ماخلأت ولكن حبسها حابس الفيل اذ لم يدع أن ما كان للارهاص لاغير ومثل هذه العلل الايض تعددها ويؤيد الارهاص قصة القرامطة وغيرهم وتفصيل القصة أن ابرهة الاشرم بن الصباح الحبشي كما قال ابن اسحق وغيره وهو الذي يكنى بأبي يكسوم بالسين المهملة ولايأباه التسمية بابرهة بناء على أن معناه بالحبشة الابيض الوجه كما لايخفى وقيل أنه الحميري خرج على ارباط ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بكسر النون بعد سنتين من سلطانه فتبارزا وقد أرصد الاشرم خلفه غلامه عتورة فحما عليه ارباط بحرية فضربه يريد يافوخه فوقعت على جبهته فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته ولذا سمي الاشرم فحمل عتورة من خلف أبرهة فقتله ملك مكانه فغضب النجاشي فاسترضاه فرضى فاثبته ثم أنه بنى بصنعاء كنيسة لم يرى مثلها في زمانها القليس سماها بقاف مضمومة ولام مفتوحة مشددة كما في ديوان الادب أو مخففة كما قيل وبعدها ياء مثناة سفلية ثم سين مهملة وكان ينقل اليها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب على مايقال من قصر بلقيس زوج سليمان عليه السلام وكتب الى النجاشى انني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبنى مثلها قبلك ولست بمنته حتى أصرف اليها حج العرب فلما تحدثت العرب بكتابه ذلك غضب رجل من النساءة أحد بني فقيم ابن عدي من كنانة فخرج حتى أتاها فقعد فيها أي أحدث ولطخ قبلتها بحدثه ثم خرج ولحق بأرضه فأخبر أبرهة
(30/233)

فقال من صنع هذا فقيل رجل من أهل هذا البيت الذي تحج اليه العرب بمكة غضب لما سمع قولك اصرف اليها حج العرب ففعل ذلك فاستشاط أبرهة غضبا وحلف ليسيرن الى البيت حتى يهدمه وقيل أججت رفقة من العرب نارا حولها فحملتها الريح فاحرقتها فغضب لذلك فامر الحبشة فتهيات وتجهزت فخرجت في ستين ألف على ما قيل منهم ومعه فيل اسمه محمود وكان قويا عظيما واثنا عشر فيلا غيره وقيل ثمانية وروى ذلك عن الضحاك وقيل ألف فيل وقيل معه محمود فقط وهوقول الاكثرين الاوفق بظاهر الآية فسمعت العرب بذلك فاعظموه وقلقوا به ورأوا جهاده حقا عليهم فخرج اليه رجل من اشراف اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه وسائر العرب فقاتله فهزم وأخذ أسيرا فأراد قتله فقال أيها الملك لاتقتلني فعسى ان يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي فتركه فحبسه عنده حتى اذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل ابن حبيب الخثعمي بمن معه من قومه وغيرهم فقاتله فهزم وأخذ أسيرا فهم بقتله فقال نحو ماسبق فخلى سبيله وخرج به يدله اذا مر بالطائف خرج ايه مسعود ابن معيب بن مالك الثقفي في رجال من ثقف فقال له أيها الملك انما نحن عبيدك سماعون لك مطيعون ليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد يعنون بيت الات انما تربد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عيه فتجاوز عنهم فبعثوا معه أبا رغال فخرج ومعه أبو رغال حتى انزله المغمس كمعظم موضع بطريق الطائف معروف فلما نزله مات أبو رغال ودفن هناك فرجمت قبره العرب كما قال ابن اسحق وقيل القبر الذي هناك لابي رغال رجل من ثمود وهوأبو ثقيف كان بالحرم يدفع عنه فلما خرج منه اصابته النقمة التي أصابت قومه بالمغمس فدفن فيه واختاره صاحب القاموس ذاكرا فيه حديثا رواه أبو دواد في سننه وغيره عن ابن عمر مرفوعا وقال فيما تقدم بعد عن الجوهري ليس بجيد جمع بعض بجواز أن يكون قبران لرجلين كل منهما أبو رغال ثم أن أبرهة بعث وهو بالمغمس رجلا من الحبشة يقال له الاسود بن مقصور حتى انتهى الى مكة فساق أموال أهل أهل تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعي وقيل أربعمائة بعير لعبد المطلب وكان يومئذ سيد قريش فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بالحرم بحربه فعرفوا أن لاطاقة لهم به فكفوا فبعث أبرهة حياطة الحميري الى مكة وقال قل لسيد هذا البلد ان الملك يقول اني لم آت لحربكم انما جئت لهدم هذا البيت فان لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم فان هو لم يرد حربي فاتني به فلما دخل حياطة دل على عبد المطلب فقال له ما أمر به فقال عبد المطلب والله مانريد حربه وما لنا طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله ابراهيم عليه السلام فان يمنعه منه فهو بيته وحرمه وان يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه ثم انطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان صديقه فدخل عليه فقال له هل عندك من غناء فيما نزل بنا فقال وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا ما عندي غناء في شيء مما نزل بك الا أن أنيسا سائس اليل سارسل ايه فأوصيه بك وأعظم عليه حقك وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما بدا لك ويشفع لك عنده بخير ان قدر على ذلك فقال حسبي فبعث اليه فقال له ان عبد المطلب سيد قريش وصاحب عين مكة ويطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤس الجبال وقد أصاب الملك له مائتي بعير فاستأذن له عليه وانفعه عنده بما استطعت فقال افعل فكلم أبرهة ووصف عبد المطلب بما وصفه به ذو نفر فأذن له وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم فلما رآه أكرمه عن أن يجلس تحته فكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير ملكه فنزل عن سريه فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه الى جنبه والقول بأنه اعظمه لما رأى من نور النبوة الذي كان في وجهه ضعيف لما فيه من الدلالة على كون
(30/234)

القصة قبل ولادة عبد الله وهو خلاف ماعلمت من القول المرجح اللهم الا ان يقال انه تجلى فيه ذلك النور وان كان قد انتقل ثم قال لترجمانه قل له ماحاجتك فقال حاجتي أن يرد على الملك ابلى فقال أبرهة لترجمانه قل له قد كنت أعجبني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه فلا تكلمني فيه فقال عبد المطلب اني رب الابل وان للبت ربا سيمنعه قال ماكن ليمنع مني قال أنت وذاك وفي رواية انه دخل عليه مع عبد المطلب ثفانة ابن عدي سيد بني بكر وخويلد بن واثلة سيد هذيل فعرضا عليه ثلث أموال أهل تهامة على أن يرجع ولا يهدم البيت فأبى ورد الابل على عبد المطاب فانصرف الى قريش فأخبرهم الخبر فتحرزوا في شعف الجبال تخوفا من معرة الجيش ثم قال فأخذ بحلقة باب الكعبة ومعه نفر من قريش يدعون الله عز و جل ويستنصرونه فقال وهو آخذ بالحلقة لاهم ان المرء يمنع
رحله فامنع حلالك وانصر على آل الصليب
وعابديه اليوم آلك لايغلبن صليبهم
ومحالهم غدوا محالك جروا جموع بلادهم
والفيل كي يسبوا عيالك عمدوا حماك بكيدهم
جهلا وما رقبوا جلالك ان تاركهم وكعبتنا
فأمر ما بدا لك وقال أيضا يارب لاأرجوا لهم سواكا
يارب فامنع عنهم حماكا ان عدوا البيت من عاداكا
امنعهم أن يخربوا فناكا ثم أرسل الحلقة وانطلق هو ومن معه الى شعف الجبال ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة اذا دخلها فلما أصبح تهيأ للدخول وعبي جيشه وهيأ الفيل فلما وجهوه الى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام الى جنبه فأخذ باذنه فقال ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فانك في بلد الله الحرام ثم أرسل اذنه فبرك أي سقط وخرج نفيل يشتد حتى أصعد في الجبل فضربوا الفيل وأوجعوه ليقوم فأبى ووجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول الى الشام ففعل مثل ذلك فوجهوه الى مكة فبرك فسقوه الخمر ليذهب تمييزه فلم ينجع ذلك وقيل ان عبد المطلب هو الذي عرك اذنه وقال له ماذكر وكان ذلك عند وادي محسر وأرسل الله تعالى طيرا من البحر قيل سودا وقيل خضرا وقيل بيضا مثل الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لاتصيب أحدا منهم الاهلك ويروى أنه يلقيها على رأس أحدهم فتخرج من دبره ويتساقط لحمه فخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤا يسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق الى اليمن فقال نفيل حين رأى مانزل بهم أين المفر والاله الطالب
والاشرم المغلوب ليس الغالب ألا حييت عنا ياردينا
نعمناكم عن الاصباح عينا ردينة لو رأيت ولا تريه
لدى جنب المحصب ما رأينا اذا لعذرتني وحمدت أمري
ولاتأسى على مافات بينا فكل القوم تسأل عن نفيل
كأن عليه للحبشان دينا وجعلوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون في كل منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم تسقط انملة انملة كلما سقطت انملة تبعها منه مدة ثم دم وقيح حتى قدموا صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات
(30/235)

حتى انصدع صدره عن قلبه وقد أشار الى ذلك ابن الزبعري بقوله من أبيات يذكر فيها مكة سائل أمير الحبش عنا ماترى
ولسوف ينبي الجاهلين عليمها ستون ألفا لم يؤبوا أرضهم
بل لم يعش بعد الاياب سقيمها ولهم في ذلك شعر كثير ذكر ابن هشام جملة منه في سيره وفيها أن الطير لم تصب كلهم وذكر بعضهم انه لم ينج منهم غير واحد دخل على النجاشي فاخبره الخبر والطير على رأسه فلما فرغ ألقى عليه الحجر فخرقت البناء ونزلت على رأسه فالحقته بهم وقيل ان سائس الفيل وقائده تخلفا في مكة فسلما فعن عائشة أنها قالت أدركت قائد الفيل وسائسه بمكة أعمين مقعدين يستطعمان الناس وعن عكرمة انه من أصابه الحجر جدرته وهو في أول جدري ظهر أي بارض العرب فعن يعقوب بن عتبة انه احدث ان أول ي ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام أنه أول مارؤى بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام أيضا ويروى أن عبد المطلب لما ذهب الى شعف الجبال بمن معه بقى ينتظر مايفعل القوم ومايفعل بهم فلما أصبح بعث أحد أولاده على فرس له سريع ينظر مالقوا فذهب فاذا القوم مشدخين جميعا فرجع رافعا رأسه كاشفا عن فخذه فلما رأى ذلك أبوه قال ألا ان ابني أفرس العرب وما كشف عن عورته الا بشيرا او نذيرا فلما دنا من ناديهم قالوا ماوراءك قال هلكوا جميعا فخرج عبد المطلب وأصحابه اليهم فأخذوا أموالهم وقال عبد المطلب أنت منعت الحبش والافيالا
وقد رعوا بمكة الاحبالا وقد خشينا منهم القتالا
وكل أمر منهم معضالا شكرا وحمدا لك ذا الجلالا هذا ومن أراد استيفاء القصة على أتم مما ذكر فعليه بمطولات كتب السير وقرأ السلمي ألم تر بسكون الراء جدا في اظهار أثر الجازم لان جزمه بحذف آخره فاسكان ماقبل اللآخر للاجتهاد في اظهار أثر الجازم قيل والسر فيه هنا الاسراع الى ذكر مايهم من الدلالة على أمر الالوهية والنبوة أو الاشارة الى الحث في الاسراع بالرؤية ايماء الى ان امرهم على كثرتهم كان كلمح البصر من لم يسارع الى رؤيته لم يدركه حق ادراكه وتعقب هذا بان تقليل البنية يدل على قلة المعنى وهو الرؤية لا على قلة زمانه وقيل لعل السر فيه الرمز من أول الامر الى كثرة الحذف في أولئك القوم فتدبر وقوله تعالى ألم يجعل كيدهم في تضليل الخ بيان اجمالي الى مافعل الله تعالى بهم والهمزة للتقرير كما سبق ولذلك عطف على الجملة الاستفهامية مابعدها كأنه قبل قد جعل كيدهم في تعطيل الكعبة وتخريبها وصرف شرف أهلها لهم في تضييع وابطال بان دمرهم أشنع تدمير وأصل التضليل من ضل عنه اذا ضاع فاستعير هنا للابطال ومنه قيل لامرىء القيس الضليل لانه ضلل ملك أبيه وضيعه وأرسل عليهم طيرا أبابيل أي جماعات أي جمع ابالة بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة وحكى الفراء ابالة مخففا وهي همزة الحطب الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير في تضامنها وتستعمل أيضا في غيرها ومنه قوله كادت تهد من الاصوات راحلتي
اذ الارض بالجرد الابابيل وقيل واحده ابول مثل عجول وعقيل ابيل مثل سكين وقيل أبال وقال ابو عبيدة والفراء لاىواحد له من لفظه كعبابيد الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه والشماميط القطع المتفرقة وجاءت هذه الطير على ماروى عن جمع من جهة البحر ولم تكن نجدية ولاتهامية ولاحجازية وزعم بعض ان حمام
(30/236)

الحرم من نسلها ولايصح ذلك ومثله مانقل عن حياة الحيوان من انها تعشعش وتفررخ بين السماء والارض وقد تقدم الخلاف في لونها وعن عكرمة كأن وجوهوها مثل وجوه اسباع لم تر قبل ذلك ولابعده ترميهم يحجارة صفة أخرى لطير وعبر بالمضارع لحكاية الحال واستحضار تلك الصورة البديعة وقرأ أبو وأبو يعمر وعيسى وطلحة فى رواية يرميهم بالباء التحتية والضمير المستتر للطير أيضا والتذكير لانه اسم جمع وهو على ماحكى الخفاجى لازم التذكير فتأنيثه لتأويله بالجماعة وقيل يجوز الامران وهو ظاهر كلام أبى حيان وقيل الضمير عائد على ربك وليس بذاك ونسبة القراءة امذكورة لابى حنيفة رضى الله تعالى عنه حكاها فى البحر وعن صاحب النشر أنه رضى الله تعالى عنه لاقراءة له وان القراآت المنسوبة له موضوعة من سجيل صفة حجارة أى كائنة من طين متحجر معرب سنك كل وقيل هو عربى من السجل بالكسر وهو الدلو الكبيرة ومعنى كون الحجارة من الدلو أنها متتابعة كثيرة كالماء الذى يصب من الدلو ففيه استعارة مكنية وتخييلية وقيل من الاسجال بمعنى الارسال والمعنى من مثل شىء مرسل ومن فى جميع ذلك ابتدائية وقيل من السجل وهو الكتاب أخذ من السجين وجعل علما للديوان 3 الذى كتب فيه عذاب الكفار والمعنى من جملة العذاب المكتوب المدون فمن تبضيعية واختلف في حجم الطير وكذا فى حجم تلك الحجارة فمر أنها مثل الخطاطيف وان الحجارة أمثال الحمص والعدس وأخرج أبو نعيم عن نوفل بن أبى معاوية الديلمى انه قال رأيت الحصى التى رمى بها اصحاب الفيل حصى مثل الحمص واكبر من العدس حمر بحتمة 1 كأنها جزع ظفار وأخرج أبو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس أنه قال حجارة مثل البندق وفى رواية ابن مردويه عنه مثل بعر الغنم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن عبيد بن عمير أنه قال فى الآية هى طير خرجت من قبلة البحر كانها رجال السند معها حجارة أمثال الابل البوارك وأصغرها مثل رؤس الرجال أصابته ولاأصابته الا قتلته والمعول عليه ان الطير فى الحجم كالخطاطيف وأن الحجارة منها ماهو كالحمصة ودوينها وفويقها وروى ابن مردويه وأبو نعيم عن أبى صالح انه مكتوب على الحجر اسم من رمى به واسم أبيه رأى ذلك عند أم هانىء فجعلهم كعصف مأكول كورق زرع وقع فيه الاكال وهو أن يأكله الدود أوأكل حبه فبقى صفرا منه والكلام على هذا على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقمه أو على الاسناد المجازي والتشبيه بذلك لذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم أو لان الحجر بحرارته يحرق أجوافهم وذهب غير واحد الى أن المعنى كتبن أكلته الدواب وراثته والمراد كروث الا انه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته فجاء على الاداب القرآنية فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث ففيه اظهار تشويه حالهم وقيل المعنى كتبن تأكله الدواب وتروثه والمراد جعلهم في حكم التبن الذي لايمنع عنه الدواب أي مبتذلين ضائعين لايلتفت اليم أحد ولايجمعهم ولايدفنهم كتبن في الصحراء تفعل به الدواب ماشاءت لعدم حافظ له الا انه وضع مأكول موضع اكلته الدواب لحكاية الماضي في صورة الحال وهو كما ترى وكأنه لما أن مجيئهم لهدم الكعبة ناسب اهلاكهم بالحجارة ولما أن الذي أثار غضبهم عذرة الكناني شبهم فيما فعل سبحانه بهم على القول الاخير بالروث أو لما ان الذي أثاره احتراقها لما حملته الريح من نار العرب على ماسمعت شبهم عز و جل فيما فعل جل شأنه بهم بعصف أكل حبه على ماأشرنا اليه أخيرا وقرأ أبو الدرداء فيما نقل ابن خالويه ماكول بفتح الهمزة اتباعا لحركة الميم وهو شاذ وهذا كما اتبعوا في قولهم محموم بفتح الحاء لحركة الميم والله تعالى أعلم
(30/237)

سورة قريش
ويقال سورة لايلاف قريش وهي مكية في قول الجمهور مدنية في قول الضحاك وابن السائب وآيها خمس في الحجازي وأربع في غيره ومناسبتها لما قبلها أظهر من أن تخفى بل قالت طائفة انهما سورة واحدة واحتجوا عليه بان أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة بما روى عن عمرو بن ميمون الازدي قال صليت المغرب خلف عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فقرأفي الركعة الاولى واتين وفي الثانية الم تر ولايلاف قريش من غير ان يفصل بالبسملة وأجيب بان جمعا أثبتوا الفصل في مصحف أبي والمثبت مقدم على النافي وبأن خبر بن ميمون ان سلمت صحته محتمل لعدم سماعه ولعله قرأها سرا ويدل على كونها سورة مستقلة ماأخرج البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الخلافيات عن أم هانىء بنت أبي طالب أن رسول اله صلى الله تعالى عليه وسلم قال فضل الله تعالى قريشا بسبع خصال لم يعطها أحد قبلهم ولايعطاها أحد بعدهم أني فيهم وفي لفظ النبوة فيهم والخلافة فيهم والحجابة فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الفيل وعبدوا الله تعالى سبع سنين وفي لفظ عشر سنين لم يعبده سبحانه أحد غيرهم ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيا أحد غيرهم لايلاف قريش وجاء نحو هذا الاخير في خبرين آخرين أحدهما عن الزبير بن اعوام يرفعه والثاني عن سعيد بن المسيب عنه صلى الله تعالى عليه وسلم ويؤيد الاستقلال كون آيها ليست على نمط آي ماقبلها وانت تعلم انه بعد ثبوت تواثر الفصل لايحتاج الى شيء مما يذكر بسم الله الرحمن الرحيم
لايلاف قريش الايلاف على ماقال الخفاجي مصدر ألفت الشيء وآلفته هن الالف وهو كما قال الراغب اجتماع مع ألتئام وقال الهروي في الغريبين الايلاف عهود بينهم وبن الملوك فكان هاشم يؤلف ملك الشام وامطلب كسرى وعبد شمس ونوفل يؤالفان ملك مصر والحبشة قال ومعنى يؤالف يعاهد ويصاح وفعله آلف على وزن فاعل ومصدره الاف بغير ياء بزنة قبال أوالف الثلاثي ككتب كتابا ويكون الفعل منه أيضا على وزن أفعل مثل آمن ومصدره ايلاف كايمان وحمل الايلاف على اعهود خلاف ماعليه الجمهور كما لايخفى على المتتبع وفي البحر أيلاف مصدر آلف رباعيا والاف مصدر ألف ثلاثيا يقال ألف الرجل الامر ألفا وآلافا وآلف غيره اياه وقد يأتي آلف متعديا لواحد كالف ومنه قوله من المؤلفات الرمل أدماء حرة
شعاع الضحى في جيدها يتوضح وسيأتي ان شاء الله تعالى مافي ذلك القرآآت وقريش ولد للنضر بن كنانة وهوأصح الاقوال وأثبتها عند القرطبي قيل وعليه الفقهاء لظاهر ماروى أنه عليه الصلاة و السلام سئل من قريش فقال من ولد النضر وقيل ولد فهر بن مالك بن النظر وحكى ذلك عن الاكثرين بل قال الزبير بن بكار أجمع النسابون من قريش وغبيرهم على ان قريشا انما تفرقت عن فهر واسمه عند غير واحد قريش وفهر لقبه ويكنى بابي غالب وقيل ولد مخلد بن النضر وهو ضعيف وفي بعض السير انه لاعقب للنضر ابن كنانة الامالك وأضعف من ذلك بل هو قول رافضي يريد به نفي حقية خلافة الشيخين انهم ولد قصي بن حكيم وقيل عروة بلقبه كلاب لكثرة صيده أو لمكالبته أي مواثيته في الحرب للاعداء تعم قصي جمع قريشا في الحرم حتى اتخذوه بعد أن كانوا متفرقين في غيره وهذا الذي عناه الشاعر بقوله
(30/238)

أبونا قصي كان يدعى مجمعا
به جمع الله القبائل من فهر فلايدل يدل على مازعمه أصلا وهو في الاصل تصغي قرش بفتح القاف اسم لدابة في البحر أقوى دوابه تأكل ولاتؤكل وتعلو ولاتعلى وبذلك أجاب ابن عباس معاوية لما ساله لم سميت قريش قريشا وتلك الدابة تسمى قرشا كما هو المذكور في كلام الحبر وتسمى قريشا وعليه قول تبع كما حكاه عنه أبو الوليد الازرقي وأنشده أيضا الحبر لمعاوبة الا أنه نسبه للجمحي وقريش هي التي تسكن البحر
بها سميت قريش قريشا تاكل الغث والسمين ولاتترك
يوما لذي جناحين ريشا هكذا في البلاد حي قريشا
يأكلون البلاد أكل كميشا ولهم آخر الزمان نبي يكثر
القتل فيهم والخموشا وقال الفراء هو من التقرش بمعنى التكسب سموا بذلك تجارتهم وقيل من التقريش وهو التفتيش ومنه قول الحرث ابن حلزة أيها الشامت المقرش عنا
عند عمرو فهل لنا ابقاء سموا بذلك لان أباهم كان يفتش عن أرباب الحوائج ليقضي حوائجهم وكذا كانوا يفتشون على ذي الخلة من الحاج ليسدوها وقبل من التقرش وهو من التجمع ومنه قوله اخوة قرشوا الذنوب علينا
في حديث من دهرهم وقديم سموا ذلك لتجمعهم بعد التفرق والتصغير اذا كان من المزيد تصغير ترخيم واذا كان من ثلاثي مجرد فهو على أصله وأياما كان فهو للتعظيم مثله في قوله وكل أناس سوف تدخل بينهم
دويهية تصفر منها الانامل والنسبة اليه قرشي وقرشي كما في القاموس وأجمعوا على صرفه هنا راعوا فيه معنى الحي ويجوز منع صرفه ملحوظا فيه معنى القبيلة للعمية والتانيث وعليه قوله
وكفى قريش المعضلات وسادها
وعن سيبويه أنه قال في نحو معد وقريش وثقيف هذه للاحياء اكثر اوان جعلت اسماء للقبائل فجائز حسن واللام في لايلاف للتعليل والجار والمجرور متعلق عند الخليل بقوله فليعبدوا وافاء لما في الكلام من معنى الشرط اذ المعنى ان نعم الله غير محصورة فان لم يعبدوا لسائر نعمه سبحانه فليعبدوا لهذه النعمة الجليلة ولما لم تكن في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلا يمتنع تقديم معمول مابعدها عليها وقوله تعالى ايلافهم رحلة الشتاء والصيف بدل من ايلاف قريش ورحلة مفعول به لايلافهم على تقدير ان يكون من الالفة أما اذا كانت من المؤالفة بمعنى المعاهدة فهو منصوب على نزع الحافظض أي معاهدتهم على أو لأجل رحلة الخ واطلاق لأيلاف ثم ابدال المقيد منه للتفخيم وروى عن الاخفش أن الجار متعلق بمضمر أي فعلنا مافعلنا من اهلاك اصحاب الفيل لايلاف قريش وقال الكسائي والفراء كذلك الا انهما قدرا الفعل بدلالة السياق اعجبوا كأنه قيل أعجبوا لايلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة اللع تعالى الذي أعزهم ورزقهم وآمنهم فلذا أمروا بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والامن عقبه وقرن بالفاء التفريعية وعن الاخفش أيضا أنه متعلق بجعلهم كعصف في السورة وقبله والقرآن كله كالسورة الواحدة فلا يضر الفصل بالبسملة خلافا لجمع والمعنى أهلك سبحانه من قصدهم من الحبشة ولم يسلطهم عليهم ليبقوا على ماكانوا عليه من ايلافهم رحلة الشتاء والصيف أو أهلك عز و جل من قصدهم ليعتبر الناس ولايجترىء عليهم أحد فيتم لهم الامن في رحلتهم ولاينافي هذا كون اهلاكهم
(30/239)

لكفرهم باستهانة البيت لجواز تعليله بأمرين فإن كلا منهما ليس علة حقيقية ليمتنع التعدد وقال وقال غير واحد ان اللام للعاقبة وكان لقريش رحتان رحلة في الشتاء الى اليمن ورحلة في الصيف الى بصرى من ألرض الشام كما روي عن ابن عباس وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله تعالى وولاة بيته العزيز فلايعترض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وعن ابن عباس أيضا أنهم كانوا يرحلون في الصيف الى الطائف حيث الماء والظل ويرحلون في الشتاء الى مكة للتجارة وسائر أغراضهم وأفردت الرحلة مع أن المراد رحلتا الشتاء والصيف لأمن اللبس وظهور المعنى ونظيره وقوله
حمامة بطن الوادين ترنمي
حيث لم يقل بطني الواديين وقوله كلوا في بعض بطنكم تعفوا
فان زمانكم زمن خميص حيث لم يقل بطونكم لا لجمع لذلك وقول سيبويه ان ذلك لايجوز الا في في الضرورة فيه نظر وقال النقاش كانت لهم أربع رحل وتعقبه ابن عطية بأنه قول مردود وفي البحر لاينبغي أن يرد فأن أصحاب الايلاف كانوا أربعة أخوة وهم عبد مناف هاشم كان يؤالف ملك الشام أخذ منه خيلا فأمن به في تجارته الى الشام وعبد شمس يؤالف الى الحبشة والمطلب الى اليمن ونوفل الى فارس فكان هؤلاء يسمون المتجرين فيختلف تجر قريش بخيل هؤلاء الاخوة فلا يعترض لهم قال الازهري الايلاف شبه الاجارة بالخفارة فان كان كذلك جاز أن يكون لهم رحل أربع باعتبار هذه الاماكن التي كانت التجارة في خفارة هؤلاء الاربعة فيها فيكون رحلة هنا اسم جنس يصلح للواحد وللاكثر وفي هؤلاء الاخوة يقول الشاعر يا أيها الجل المحول رحله
هلا نزلت بآل عبد مناف الآخذون في العهد من آفاقها
والراحلون لرحلة الايلاف والرائشون ليس يوجد رائش
والقائلون هلم للاضياف والخلطون غنيهم بفقيرهم
حتى يصير فقيرهم كالكافي انتهى وفيه مخالفة لما نقلناه سابقا عن الهروى ثم أن ارادة ما ذكر من الرحل الاربع غير ظاهرة كما لا يخفى وقرأ ابن عامر لالاف قريش بلا ياء ووجهه ذلك مامر والم تختلف السبعة في قراءة ايلافهم بالياء كما اخنلف في قراءة الاول ومع هذا رسم الاول في المصاحف العثمانية بالياء ورسم الثاني بغير باء كما قاله السمين وجعل ذلك احد الادلة على ان القراء يتقيدون بالرواية سماعا دون رسم المصحف وذكر في وجه ذلك انها رسمت في الاول على الاصل وتركت في الثاني اكتفاء بالاول وهو كما ترى فتدبر فروى عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ بهمزتين فيهما الثانية ساكنة وهذا شاذ وان كان الاصل وكانهم انما أبدلوا الهمزة التي هي فاء الكلمة لثقل احتماع همزتين وروى محمد بن داود النقار عن عاصم ائيلافهم بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ناشئة عن حركة الهمزة الثانية لما اشبعت والصحيح رجوعه عن القراءة بهمزتين وانه قرأ كالجماعة وقرأ ابو جعفر فيما حكى الزمخشري لالف قريش وقرأ فيما حكى ابن عطية الفهم وحكيت عن عكرمة وابن كثير وأنشدوا زعمتم أن اخوتكم قريش
لهم الف وليس لكم الاف وعن أبي جعفر أيضا وابن عامر الافهم على وزن فعال وعن أبي جعفر أيضا ليلاف بياء ساكنة بعد اللام ووجهه بأنه لما أبدل الثانية ياء حذف الاولى حذفا على غير قياس وعن عكرمة ليألف قريش على صيغة المضارع المنصوب بان مضمرة بعد الللام ورفع قريش على الفاعلية وعنه أيضا لتالف على الامر وعنه وعن هلال بن فتيان بفتح لام
(30/240)

الأمر والظاهر ان ايلافهم على جميع ذلك منصوب على المصدرية ولم أر من تعرض له وقرأ أبو السمال رحلة بضم الراء وهي حينئذ بمعنى الجهة التي يرحل اليها وأما مكسور الراء فهو مصدر على ما صرح به في البحر فليعبدوا رب هذا البيت هو الكعبة التي حميت من أصحاب الفيل وعن عمر أنه صلى بالناس بمكة عند الكعبة فلما قرأ فليعبدوا رب هذا البيت جعل يومي باصبعه اليها وهو في الصلاة بين يدي الله تعالى الذي أطعمهم بسب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منهما بواسطة كونهم من جيرانهم من جوع شديد كانوا فيه قبلهما وقيل أريد به القحط الذي أكلوا فيه الجيف والعظام وآمنهم من خوف عظيم لايقادر قدره وهو خوف أصحاب الفيل او خوف من التخطف في بلدهم ومسايرهم أو خوف الجذام كما اخرج ذلك ابن جرير وغيره عن ابن عباس فلايصيبهم في بلدهم فضلا منه تعالى كالطاعون وعنه أيضا انه قال أطعمهم من جوع بدعوة ابراهيم عليهم السلام حيث قال وأرزقهم من الثمرات وآمنهم من خوف حيث قال ابراهيم عليه السلام رب أجعل هذا البلد آمنا 0 ومن قل تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لازالة الجوع عنهم ويقدر المضاف لتظهر صحة التعليل أو يقال الجوع علة باعثة ولاتقدير وقيل بدلية مثلها في قوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وحكى الكرماني في غرائب التفسير انه قيل في قوله تعالى وآمنهم من خوف ان الخلافة لاتكون الا فيهم وهذا من البطلان بمكان كما لايخفى وقرأالمسيبى عن نافع من خوف باخفاء النون في الخاء وحكى ذلك عن سيبويه وكذا اخفاؤها مع العين نحو من على مثلا والله تعالى أعلم
سورة الماعون
وتسمى سورة أرأيت والدين والتكذيب وهي مكية في قول الجمهور وأخرجه ابن مردويه عن ابي عباس وابن والزبير كما في الدر المنثور وفي البحر انها مدنية في قول ابن عباس وقتادة وحكى ذلك أيضا عن الضحاك وقال هبة الله المفسر الضرير نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل ونصفها في المدينة في عبد الله أبن أبي المنافق 0 وآيها سبع في العراقى وست في الباقية ولما ذكر سبحانه في سورة قريش أطعمهم من جوع ذم عز و جل هنا من لم يحض على طعام المسكين ولما قال تعالى هناك فليعبدوا رب هذا البيت ذم سبحانه هنا من سها عن صلاته أو لما عدد نعمة الله على قريش وكانوا لايؤمنون بالبعث والجزاء أتبع سبحانه امتنانه عليهم بتهديدهم بالجزاء وتخويفهم من عذابه فقال عز من قائل بسم الله الرحمن الرحيم
أرأيت الذي يكذب بالدين استفهام أريد به تشويق السامع الى تعرف المكذب وان ذلك مما يجب على المتدين ليحترز عنه وعن فعله وفيه أيضا تعجيب منه والخطاب لرسول الله صلى تعالى عليه وسلم أو لكل من يصلح له والرؤية بمعنى المعرفة المتعدية لواحد وقال الحوفي يجوز أن تكون بصرية وعلى الوجهين يجوز أن يتجوز بذلك عن الاخبار فيكون المراد بأرأيت أخبرني وحينئذ تكون متعدية لاثنين أو لهما الموصول وثانيهما محذوف تقديره من هو أو أليس مستحقا للعذاب والقول بأنه لاتكون الرؤية المتجوز بها الا بصرية فيه نظر وكذا اطلاق القول بان كاف الخطاب لاتلحق البصرية اذ لامانع من ذلك بعد التجوز فلا يرجح كونها علمية قراءة عبد الله أرأيتك بكاف الخطاب المزيدة لتأكيد التاء 0 والدين الجزاء وهو أحد معانيه ومنه كما تدين تدان وفي معناه قول مجاهد الحساب أو الاسلام كما هو الاشهر ولعله من فسره بالقرآن 0 وكذا من فسره كابن عباس بكم الله عز و جل وقرأ الكسائى أريت بحذف الهمزة كأنه حمال الماضي في حذف همزته على مضارعه
(30/241)

المطرد فيه حذفها وهذا كما ألحق تعد بعيد في الاعلال ولعل تصدير الفعل هنا بهمزة الاستفهام سهل أمر الحذف فيه لمشابهته للفظ المضارع المبدؤ بالهمزة ومن هنا كانت هذه القراءة أقوى توجيها مما في قوله صاح هل رأيت أو سمعت براع
رد في الضرع ما قرى في العلاب وقيل ألحق بعد همزة الاستفهام بارى ماضي الافعال لشدة مشابهنه به وعدم التفاوت الا بفتحة هي لخفتها في حكم السكون وليس بذاك وان زعم انه الاوجه والفاء في قوله تعالى فذلك يدع اليتيم قيل للسبية وما بعدها مسبب عن التشويق الذي دل عليه الكلام السابق وقيل واقعة في جواب شرط محذوف على ان ذلك مبتدأ والموصول خبره والمعنى هل عرفت الذي يكذب بالجزاء أو بالاسلام ان لم تعرفه فذلك الذي يكذب بذلك هو الذي يدع اليتيم أي يدفعه دفعا عنيفا ويزجره زجرا قبيحا ووضع أسم الاشارة موضع الضمير لدلالة على التحقير وقيل للاشعار بعلة الحكم أيضا وفي الاتيان بالموصول من الدلالة على تحقق الصلة ما لا يخفى وقرأ علي كرم الله وتعالى وجهه والحسن وأبو رجاء واليماني يدع بالتخفيف أي يترك اليتيم لا يحسن اليه ويجفوه ولا يحض أي ولا يبعث أحدا من أهله وغيرهم من الموسرين على طعام المسكين أي بذل طعام المسكين وهو ما يتناول من الغذاء واتعبير بالطعام دون الاطعام مع احتياجه لتقدير المضاف كما أشرنا اليه للاشعار بأن مسكين كأنه مالك لما يعطى له كما في قوله تعالى في أموالهم حق للسائل والمحروم فهو بيان لشدة الاستحقاق وفيه اشارة للنهي عن الامتنان وقيل الطعام هنا بمعنى الاطعام وكلام الراغب محتمل لذلك فلا يحتاج الى تقدير لمضاف وقرأ زيد بن علي رضى الله تعالى عنهما ولايحاض مضارع حاضضت وهذه الجملة عطف على جملة الصلة داخلة معها في حيز التعريف للمكذب فيكون سبحانه وتعالى قد جعل علامته الاقدام على ايذاء الضعيف وعدم بذل المعروف على معنى ان ذالك من شأنه ولوازم جنسه فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون أي غافلون غير مبالين بها حتى تفوتهم بالكلية أو يخرج وقتها أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والسلف ولكن ينقرونها نقرا ولا يخشعون وينجدون فيا ويتهمون وفي كل واد من الافكار الغير المناسبة لها يهيمون فيسلم أحدهم منها ولايدري ماقرأ فيها الى غي ذلك مما يدل على قلة المبالاة بها وللسلف أقوال كثيرة في المراد بهذا السهو ولعل كل ذلك من باب التمثيل فعن أبي العالية هو الالتفات عن اليمينين واليسار وعن قتادة عدم مبالاة المرء أصلى أم لم يصلي وعن ابن عباس وجماعة تأخيرها عن وقتها وفي حديث أخرجه غير واحد عن سعد ابن أبي وقاص مرفوا وقال الحاكم والبيهقي وقفه أصح وعن أبي العالية هو أن لا يدري المرء عن كم انصرف عن شفع أم وتر وفسر بعضهم السهو عنها بتركها وقال المراد بالمصلين المتسمون بسمة أهل الصلاة ان أريد بالترك الترك رأسا وعدم الفعل بالكلية أو المصلون في الجماة ان أريد بالترك الترك أحيانا الذين هم يراؤن الناس فيعلمون حيث يروا الناس ويرونهم طلبا للثناء عليهم ويمنعون الماعون أي الزكاة كما جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه وابنه محمد بن الحنيفة وابن عباس وابن عمر وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة ومنه قول الراعي أخليفة الرحمن انا معشر
حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى الله من أموالنا
حق الزكاة منزلا تنزيلا قوم على الاسلام لما يمنعوا
ماعونهم ويضيعوا التهليلا وعن محمد بن كعب والكلبي المعروف كاه وأخرج جماعة عن ابن أبي مسعود تفسيره بما يتعاوره الناس بينهم من القدر والفاس ونحوها من متاع البيت وجاء عن ابن أبي عباس أيضا في خبر رواه عنه الضياء في
(30/242)

المختارة والحاكم وصححه البيهقي وغيرهم ورووا فيه عدة أحاديث مرفوعة ومنع ذلك قد يكون محضورا في الشريعة كما اذا استعير عن اضطرار وقبيحا في المرؤة كما اذا استعير في غير حال الضررة وهوعلى ما أخرج ابن أبي شيبة عن الزهري المال بلسان قريش وقال أبو عبيدة والزجاج وامبرد هو في الجاهلية كل مافيه منفعة من قليل أو كثير وأريد به في الاسلام الطاعة 0 واختلف في أصله فقال قطرب أصله فاعول من المعن وهو الشيء القليل وقالوا ماله معنى أي شىء قليل وقيل أصله معونة والالف عوض عن الهاء فوزنه مفعل في الاصل كمكرم فتكون الميم زائدة ووزنه بعد زيادة الالف عوضا مافعل وقيل هو اسم مفعول من أعان يعين وأصله معوون فقلب فصارت عينه مكان فائه فصار معون ثم قلبت الواو الفا فصار ماعونا معفول بتقديم العين على الفاء والفاء في قوله تعالى فويل الخ جزائية والكلام ترق من ذلك المعرف الى معرف أقوى أي اذا كان دع اليتيم والحض بهذه المثابة فما بال المصلي الذي ساه عن صلاته التي هي عماد الدين والفارق بين الايمان والكفر ورتكب للرياء في أعماله الذي هو شعبة من الشرك ومانع للزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الاسلام أو مانع لاعارة الشيء الذي تعارف الناس أعارته فضلا عن اخرج الزكاة من ماله فذاك العلم على التكذيب لذي لايخفى والمعرف له الذي لا يوفى والغرض التغليظ في أمر هذه الرذائل التي ابتلى بها كثير من الناس وانها لما كانت من سيماء المكذب بالدين كان على المؤمن المعتقد له أن يبعد عنها بمراحل ويتبين أن أم كل معصية التكذيب بالدين والمراد بامكذب على هذا الجنس والاشارة لاتمنع منه كما لايخفى 0 وقيل هو أبو جهل وكان وصيا ليتيم فأتاه عرياتا يأله من مال نفسه فدفعه دفعا شنيعا وقال ابن جريج وهو أبو سفيان نحر جزروا فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه وقيل الوليد بن المغيرة وقيل العاص بن وائل وقيل عمروابن عائد وقيل منافق بخيل وعلى جميع هذه الاقوال يكون معينا وحينئذ فالقول بان الساهين عن الصلاة المرائين أيضا معرف قال صاحب الكشف غير ملائم بل يكون شبه استطراد مستفاد من الوصف المعرف اعنى دع اليتيم على معنى أن الدع اذا كان حاله انه علم المكذب فماهو حال السهو عن الصلاة وماعطف عليه وهما أشد من ذلك وأشد وانما جعل شبه استطراد على ما قال لان الكلام في التكذيب لا في التحذير من الدع بالاصالة والمراد اللجنس الصادق بالجمع وكون ذلك تكلفا واضحا كما قيل غير واضح فكانه قبل أخبرني ماتقول فيمن يكذبون بالدين وفيمن يؤذن اليتيم أحسن حالهم ومايصنعون أم قبح والغرض بت القول بالقبح على أسلوب قوله تعالى فهل أنتم منتهون ثم قيل فويل للمصلين على معنى اذا علم أن حالهم قبيح فويل لهم فوضع المصلين موضع الضمي دلالة على أنهم مع الاتصاف بالتكذيب متصفون بهذه الاشياء أيضا وجعل بعضهم الفاء في فويل على العطف المذكور للسببية وهذا الوجه يقتضي اتحاد المصلين والمكذبين وعليه قيل المراد بهم المنافقون بل روى اطلاق القول بأنهم المرادون عن ابن عباس ومجاهد والامام مالك وقال في البحر يدل عليه الذين هم يراؤن ويصح أن يراد بالمصلين على الاتحاد المكلفون بالصلاة ولو كفارا غير منافقين وبسهوهم عن الصلاة تركهم اياها بالكلية وياتزم القول بأن الكفار مكلفون بالفروع مطلقا وأعترض أبو حيان ذلك الوجه بأن التركيب عليه تركيب غريب وهوكقولك أكرمت الذي يزورني فذاك الذي لالى والمتبادر الى الذهن منه أن فذلك مرفوع بالابتداء وعلى تقدير النصب بالعطف يكون التقدير أكرمت الذي يزورني فأكرمت ذلك الذي يحسن الى واسم الاشارة فيه غير متمكن تمكن ماهو فصيح اذ لاحاجة اليه بل الفصيح أكرمت الذي يزورني فيحين الى وقيل ان اسم الاشارة هنا مقحم للاشارة الى بعد المنزلة في الشر والفساد فتأمل وجوز أيضا أن يكون العطف عطف ذات
(30/243)

على ذات فالاستخبار عن حال المكذبين وحال الداعين أحسن هو أم قبيح على قياس مامر وتعقبه في الكشف بأنه لايلائم المقام رجوع الضمير الى الطائفتين حتى يوضع موضع المصلين فافهم وقرأ ابن اسحق والاشهب يرؤون بالقصر وتشديد الهمزة وفي رواية أخرى عن ابن اسحق أنه قرأ بالقصر وترك التشديد والله تعالى أعلم
سورة الكوثر
وتسملى كما قال البقاعي سورة النحر 0 وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل ونسب في البحر الى الجمهور مدنية في قول الحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد وفي الاتقان انه الصواب ورجحه النووى عليه الرحمة في شرح صحيح مسلم لما أخرج الامام احمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه وغيرهم عن أنس بن مالك قال أغفى رسول الله صلىالله تعالى عليه وسلم اغفاءة فرفع رأسه متبسما فقال انه انزل آنفا سورة فقرأبسم الله الرحمن الرحيم انا اعطيناك الكوثر حتى ختمها الحديث 0 وفي اخبار سبب النزول مايقتضي كلا من القولين وستسمع بعضا منها منها ان شاء الله تعالى ومن هنا استشكل أمرها وذكر الخفاجي أن لبعضهم تأليفا صحح فيه أنها نزلت مرتين وحينئذ فلا اشكال 0 وآيها ثلاث بلا خوف وليس في القرآن كما أخرج البيهقي عن ابن شبرمة سورة آيها أقل من ذلك بل قد صرحوا بأنها أقصر سورة في القرآن وقال الامام هي كالمقابلة للتي قبلها لان السابقة وصف الله تعالى فيها المنافق بأربعة أمور البخل وترك الصلاة والرياء ومنع الزكاة فذكر عز و جل في هذه السورة في مقابة البخل انا أعطيناك الكوثر أي الخير الكثير وفي مقابلة ترك الصلاة فصل أي دم على الصلاة وفي مقابلة الرياء لربك أي لرضاه لا للناس وفي مقابلة منع الماعون وانحر وأراد به سبحانه التصدق بلحوم الاضاحى ثم قال فاعتبر هذه المناسبة العجيبة انتهى فلا تغفل بسم الله الرحمن الرحيم
انا أعطيناك وقرأ الحسن وطلحة وابن محيصن والزعفراني أنطيناك بالنون وهي على ما قال التبريزي لغة العرب العرباء من أولى قريش وذكر غيره انها لغة بني تميم وأهل اليمن وليست من الابدال الصناعي في شىء ومن كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم اليد المنطية واليد السفلى المنطاة وكتب عليه الصلاة و السلام لوائل أنطوا الثبجة أي الوسط في الصدقة الكوثر فيه أقوال كثيرة فذهب أكثر المفسرين الى انه نهر في الجنة لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في آخر الحديث المتقدم آنفا المروى عن الامام احمد ومسلم ومن معهما هل تدرون ما الكوثر قالوا الله تعالى ورسوله أعلم قال هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يارب أنه من أمتي فيقال انك لا تدري ما أحدث بعدك وقوله عليه الصلاة و السلام على ماأخرجه الامام أحمد والشيخان والترمذى والنسائى وابن ماجه وآخرون عن أنس عنه صلى الله تعالى عليه وسلم دخلت الجنة فاذا بأنا بنهر حافتاه خيام الؤلؤ فضربت بيدى الى مايجري فيه الماء فاذا مسك اذفر قلت ماهذا ياجبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله تعالى وجاء في حديث عن أنس أيضا قال دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال قد أعطيت الكوثر قلت يارسول الله وماالكوثر قال نهر في الجنة عرضه وطوله مابين المشرق والمغرب لايشرب منه أحد فيظمأ ولايتوضأ منه أحد فيشعف ابدا لايشرب منه من أخفر ذمتي ولامن قتل أهل بيتي وروى عن عائشة انها قالت هو نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ ماؤه أشد بياضا
(30/244)

من اللبن وأحلى من العسل شاطئاه الدر والياقوت والزبرجد خص الله تعالى به نبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من بين الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقالت ليس أحد يدخل اصبعيه في أذنيه الا سمع خرير ذلك النهر وهو على التشبيه البليغ وقيل هو حوض له عليه الصلاة و السلام في المحشر 0 وقول بعضهم الاختلاف في الروايات سببه ملاحظة اختلاف سرعة السير وعدمها وهو قبل الميزان والصراط عند بعض وبعدهما قريب من باب الجنة حيث يحبس أهلها من أمنه صلى الله تعالى عليه وسلم ليتحاللوا من المظالم التي بينهم عند آخرين ويكون على هذا في الارض المبدلة 0 وقيل له صلى الله تعالى عليه وسلم حوضان حوض قبل الصراط وحوض بعده ويسمى كل منهما على ماحكاه القاضي زكريا كوثرا وصحح رحمه الله تعالى انه بعد الصراط وان الكوثر في الجنة وان ماءه ينصب فيه ولذا يسمى كوثرا وليس هو من خواصه عليه الصلاة و السلام كالنهر السابق بل يكون لسائر الانبياء عليهم الصلاة والسلام يرده مؤمنو أممهم ففي حديث الترمذي ان لكل نبي حوضا وانهم يتباهون أيهم أكثر واردة واني أرجو أن أكون أكثرهم واردة وهو كما قال حديث حسن غريب وهذه الحياض لايجب الايمان بها كما يجب الايمان بحوضه عليه الصلاة و السلام عندنا خلافا للمعتزلة النافين له لكون أحاديثه بانت مبلغ التواتر بخلاف أحديثها فانها آحاد بل قيل لاتكاد تبلغ الصحة ورأيت في بعض الكتب ان الكوثر هو النهر الذي ذكره أولا وهوالحوض وهو على ملك عظيم يكون مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حيث يكون فيكون في المحشر اذ يكون عليه الصلاة و السلام فيه في الجنة اذ يكون عليه الصلاة و السلام فيها ولايعجز الله تعالى شىء وقيل هو أولاده عليه الصلاة و السلام لان السورة نزلت ردا على من عابه صلى الله تعالى عليه وسلم وهم والحمد لله تعالى كثيرون قد ملؤا البسيطة وقال أبو بن عباس ويمان بن وثاب أصحابه وأشيائه صلى الله تعالى عليه وسلم الى يوم القيامة وقيل علماء أمته صلى اله تعالى عليه وسلم وهم أيضا كثيرون وفي كل قطر وان كانوا لداليوم في بعض الاقطار والامر لله تعالى أقل قليل وعن الحسن انه القرآن وفضائله لاتحصى وقال الحسين بن الفضل هو تيسير القرآن وتخفيف الشرائع وقيل هو الاسلام وقال هلال هو التوحيد وقال عكرمة هو النبوة وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه هو نور قلبه صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل هو العلم والحكمة وقال ابن كيسان هو الايثار وقيل هو الفضائل الكثيرة المتصف بها عليه الصلاة و السلام وقيل المقام المحمود وقيل غير ذلك وقد ذكر في التحرير ستة وعشرين قولا فيه وصحح في البحر قول النهر وجماعة هو انه الخير الكثير والنعم الدنيوية والاخروية من الفضائل والفواضل ورواه ابن جرير وابن عساكر عن مجاهد وهو المشهور عن الحبر ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وقد أخرج البخاري وابن جرير والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه رضى الله تعالى عنه أنه قال الكوثر الخير الذي أعطاه الله تعالى اياه عليه الصلاة و السلام قال أبو بشر قلت لسعيد فان ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة قال النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله عز و جل اياه صلى الله تعالى عليه وسلم وحكم هذا الجواب عن ابن عباس نفسه أيضا وفيه اشارة الى أن ما صح في الاحاديث من تفسيره صلى الله تعالى عيه وسلم اياه بالنهر من باب التمثيل والتخصيص لنكتة والا فيعدان صح الحديث في ذلك بل كاد يكون متوترا كيف يعدل عنه الى التفسير آخر وكذا يقال في سائر ما في الاقوال السابقة وغيرها 0 وهو فوعل من الكثرة صيغة مبالغة اشىء الكثير كثرة مفرطة قيل لاعرابية رجع ابنها من السفر بم آب ابنك قالت بكوثر وقال الكميت وأنت كثير ياابن مروان طيب
وكان أبوك بن العقائل كوثرا
(30/245)

وفي حذف موصوفه مالا يخفى من المبالغة على ماأشار اليهه شيخ الاسلام ابن تميمة وفي اسناد الاعطاء اليه دون الايتاء اشارة الى أن ذلك أيتاء على جهة التمليك فان الاعطاء دونه كثيرا مايستعمل في ذلك ومنه تعالى لسليمان عليه السلام هذا عطاؤنا فامن أو أمسك بعد قوله هب لي ملكا وقيل فيه اشارة الى المعطى وان كان كثيرا في نفسه قليل بالنسبة الى شأنه عليه الصلاة و السلام بناء على أن الايتاء لايستعمل الا في الشىء العظيم كقوله تعالى وآتاه الله الملك ولقد آتينا داود منا فضلا وآتيناك سبعا من المثاني والقرآن الععظيم والاعطاء يستعمل في القليل والكثير كما قال تعالى أعطى قليلا وأكدى ففيه من تعظيمه عليه الصلاة و السلام مافيه وقيل والتعبير بذلك لانه بالتفضل أشبه بخلاف الايتاء فانه قد يكون واجبا ففيه اشارة الى الدوام والتزايد أبدا لان التفضل نتيجة كرم الله تعالى الغير متناهي وفي جعل المفعول الاول ضمير المخاطب دون الرسول أو نحوه اشعار بأن الاعطاء غير معلل بل هو من محض الاختيار والمشيئة وفيه أيضا من تعظيمه عليه الصلاة و السلام بالخطاب ما لايخفى وجوز أن يكون في أسناد الاعطاء الى نا اشارة الى أنه مما سعى فيه الملائكة والانبياء المتقدمون عليهم السلام وفي التعبير بالماضي قيل اشارة الى تحقق الوقوع وقيل اشارة الى تعظيم الاعطاء وأنه أمر مرعى لم يترك الى أن يفعل بعد وقيل اشارة الى بشارة أخرى كانه قيل انا هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك واشتغالك بالعبودية وقيل اشارة الى أن حكم الله تعالى بالاغناء والافقار والاسعاد والاشقاء لبس أمرا محدثا بل هو حاصل في الازل 0 وبنى الفعل على المبتدأللتأكيد والتقوي وجوز أن يكون للتخصيص على بعض الاقوال السابقة في الكوثر وفي تأكيد الجملة بأن ما لايخفى من الاعتناء بشأن الخبر وقيل لرد استعباد السامع الاعطاء الما أنه الم يعلل والمعطى في غاية الكثرة وجوز أن يكون لرد الانكار على بعض الاقوال في الكوثر والفاء في قوله تعالى فصل لربك وأنحر لترتيب مابعدها على ماقبلها فان اعطاءه تعالى أياه عليه الصلاة و السلام ماذكر من العطية التي لم يعطها أحدا من العالمين مستوجب للمأمور به أي أستيجاب أي فدم على الصلاة لربك الذي أفاض عليك مالأفاض من الخير خالصا لوجهه عز و جل خلاف الساهين عنها المرائين فيها أداء لحق شكره تعالى على ذلك فان الصلاة جامعة لجميع أقسام الشكر ولذا قيل فصل دون فاشكر وانحر وانحر البدن التي هي خيار أموال العرب باسمه تعالى تصدق على المحاويج خلافا لمن يدعهم ويمنع منهم الماعون كذا قيل وجعل السورة عليه كالمقابلة لما قبلها كما فعل الامام وام يذكروا مقابل التكذيب بالدين وقال الشهاب الخفاجي أن الكوثر بمعنى الخير الكثير الشامل للاخروى يقابل ذلك الما فيه من اثباته ضمنا وكذا اذا كان بمعنى النهر والحوض واللامر على تفسيره بالاسلام وتفسير الدين به أيضا في غاية الظهور والمراد بالصلاة عند أبي مسلم الصلاة المفروضة وأخرج ذلك أبن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك وأخرجه الاول وابن المنذر عن ابن عباس وذهب جمع الى انها جنس الصلاة وقيل المراد بها صلاة العيد وبالنحر التضحية أخرج بن جرير وابن مردويه عن سعيد ابن جبير قال كانت هذه الآية يوم الحديبية أتاه جبريل عليه الصلاة و السلام فقال انحر وارجع فقام رسول اله صلى الله تعالى عليه وسام فخطب خطبة الاضحى ثم ركع ركعتين ثم انصرف الى البدن فنحرها فذلك قوله تعالى فصل لربك وانحر واستدل به على وجوب تقديم الصلاة على التضحية وليس بشيء وأخرج عبد الرزاق وغيره عن مجاهد وعطاء عكرمة أنهم قالوا المراد صلاة الصبح بمزدلفة والنحر بمنى والاكثرون على أن المراد بالنحر نحر الاضاحي واستدل به بعضهم على وجوب للاضحية لمكان الامر مع قوله تعالى فاتبعوه وأجيب بالتخصص بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم الضحى
(30/246)

والأضحية والوتر وأخرج بن أبي حاتم الأحوص أنه قال وانحر أي استقبل القبلة بنحرك واليه ذهب الفراء وقال يقال منازلهم تتناحر أي تتقابل وأنشد قوله أبا حكم هل أنت عم مجالد
وسيد أهل الابطح المتناحر واخرج أبن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم والبيهقي في سننه عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه لما قال نزلت هذه السورة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم انا أعطيناك الخ قال رسول عليه الصلاة و السلام لجبريل عليه السلام ماهذه النحيرة التي أمرني بها ربي فقال أنها ليست بنحيرة ولكن يأمرك اذا تحرمت للصلاة ان ترفع يديك اذا كبرت واذا ركعت واذا رفعت يرأسك من الركوع فانها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع وان لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة وأخرج ابن جرير عن أبي جعفر رضى الله تعالى عنه أنه قال في ذلك ترفع يديك أول ما تكبر في الافتتاح وأخرج البخاري في تاريخه والدار قطنى في الافراد وآخرون عن الامير كرم الله تعالى وجهه أنه قال ضع يدك اليمنى على ساعد ايسرى ثم ضعها على صدرك في الصلاة وأخرج نحوه أبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أنس مرفوعا ورواه جماعة عن ابن عباس وروى عباس وروى عن عطاء ان معناه اقعد بين السجدتين حتى يبدو نحرك وعن الضحاك وسليمان التيمي انهما قالا معناه ارفع يديك عقيب الصلاة عند الدعاء الى نحرك ولعل في صحة الاحاديث عند الاكثرين مقالا والا فمقالوا الذي قالوا وقد قال الجلال السيوطي في حديث علي كرم الله تعالى وجهه الاول انه أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك بسند ضعيف وقال ابن كثير انه حديث منكر جدا بل أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات وقال الجلال في الحديث الآخر عن الامير كرم الله تعالى وجهه أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم بسند لابأس به ويرجح قول الاكثرين ان لم يصح عن النبي صالى اله تعالى عليه وسلم مايخالفه ان الاشهر استعمال النحر في نحر الابل دون تلك المعاني وان سنة القآن ذكر الزكاة بعد الصلاة وما ذكر بذلك المعنى قريب منها بخلافه على تلك المعاني وان ماذكروه من المعاني يرجع الى آداب الصلاة أو ابعاضها فيدخل تحت فصل لربك ويبعد عطفه عليه دون ماعليه الاكثر ومع أن القوم كانوا يصلون وينحرون لللاوثان فالانسب أن يؤمر صلى الله تعالى عليه وسلم في مقابلتهم بالصلاة وانحر له عز و جل هذا واعتبار الخلوص في فصل الخ كما أشرنا اليه لدلالة السياق عليه وقيل لدلالة لام الاختصاص وفي الالتفات عن ضمير العظمة الى خصوص اللب مضافا الى ضميره عليه الصلاة و السلام تأكيد لترغيبه صلى الله تعالى عليه وسلم في أداء ما أمر به على الوجه الاكمل ان شانئك أي مبغضك كائنا من كان هو الابتر الذي لاعقب له حيث لايبقى منه نسل ولاحسن ذكر وأما أنت فتبقى ذريتك وحسن صيتك وآثار فضلك الى يوم القيامة ولك في الاخرة ما لايتدرج تحت البيان وأصل البتر القطع وشاع في قطع الدنب وقيل لمن لاعقب له أبتر على الاستعارة شبه الولد والاثر الباقي بالذنب لكونه خافه فاكأنه بعده وعدمه بعدمه وفسره قتادة بالحقير الذليل وليس بذاك كما يفصح عنه سبب النزول وفيها عليه دلالة عالى أن أولاد البنات من الذرية كما قال غير واحد واسم الفاعل أعنى شانىء ههنا قيل بمعنى الماضي ليكون معرفة بالاضافة فيكون الابتر خبره ولايشكل ذلك بمن كان يبغضه عليه الصلاة و السلام قبل الايمان من لأكابر الصحابة رضى الله تعالى عنهم ثم هداه الله تعالى للايمان وذاق حلاوته فكان صلى الله تعالى عليه وسلم أحب اليه من نفسه وأعز عليه من روحه ولم يكن أبتر لما أن الحكم على المشتق يفيد علية مأخذه فيفيد الكلام ان الابترية معللة
(30/247)

بالبغض فتدور معه وقد زال في أولئك الاكابر رضى الله تعالى عنهم واختار بعضهم في دفع ذلك حمل اسم الفاعل على الاستمرار فهم لم يستمروا على البغض والظاهر أنه انقطع نسل كل من كان مبغضا عليه الصلاة و السلام حقيقة وقيل انقطع حقيقة أو حكما لان من أسلم من نسل المبغضين انقطع انتفاع أبه منه بالدعاء ونحوه لانه لاعصمة بين مسلم وكافر 0 وما أشرنا اليه من ان هو ضمير فصل هو الاظهر وجوز أن يكون مبتدأ خبره الابتر والجملة خبر شانئك وحينئذ يجوز صناعة أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال وحمل شانئك على الجنس الظاهر وخصه بعضهم بمن جاء في سبب النزول واحدا أو متعددا وفيه روايات أخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان أكبر ولد رسول الله تعالى عليه وسلم القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية فمات القاسم عليه السلام وهوأول ميت من ولده عليه الصلاة و السلام بمكة ثم مات عبد الله عليه السلام فقال العاص بن وائل السهمي قد انقطع نسله فهو ابتر فانزل الله تعالى ان شانئك هو الابتر وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن شمر بن عطية قال كان عقبة بن أبي معطية يقول انه لايبقى للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم عقب وهو ابتر فأنزل الله تعالى فيه ان شانئك هو الابتر وأخرج الطبراني قال لما مات ابراهيم بن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مشى المشركون بعضهم الى بعض فقالوا ان هذا الصابىء قد بتر الليلة فانزل الله تعالى انا أعطيناك السورة وأخرج عبد بن حميد وغيره عن ابن عباس انه قال في الآية هو ابو جهل أي لانها نزات فيه وهذا المقدار في الرواية عن ابن عباس لابأس به وحكاية عنه عنه لما مات ابراهيم بن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خرج أبو جهل الى أصحابه فقال بتر محمد عليه الصلاة و السلام فانزل الله سبحانه وتعالى ان شانئك هو الابتر لاتكاد تصح لان هلاك اللعين أبي جهل على التحقيق قبل وفاة ابراهيم عليه السلام وعن عطاء أنها نزلت في أبي لهب والجمهور على نزولها في العاص بن وائل وأياما كان فلا ريب في ظهور عموم الحكم والجملة كالتعليال لما يفهمه الكلام فكأنه قيل انا أعطيناك ما لايدخل تحت الحصر من النعم فصل وانحر خالصا لوجه ربك ولاتكترث بقول الشانىء الكريه فانه الابتر لاأنت وتأكيدها قيل للاعتناء بشأن مضمونها وقيل هو مثله في نحو قوله تعالى ولاتخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرفون وذلك لما كان فلاتكترث الخ المفهوم من السياق وفي التعبير بالابتر دون المبتور على ما قال شيخ الاسلام ابن تيمية ما لايخفى من المبالغة وعمم هذا الشيخ عليه الرحمة كلا من جزأى الجملة فقال انه سبحانه يبتر شانىء رسول الله صالى تعالى عليه وسلم من كل خير فيبتر أهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة ويبتر حياته فلاينتفع بها ولايتزود فيها صالحا لمعاده ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولايؤهله لمعرفته تعالى ومحبته والايمان برسله عليهم السلام ويبتر أعماله فلا يستعمله سبحانه في طاعته ويبتره من الانصار فلا يجد له ناصرا ولاعونا ويبتره من جميع القرب فلا يذوق لها طعما ولايجد لها حلاوة وان باشرها بظاهره فقلبه بشارد عنها وهذا جزاء كل من شنأ ماجاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لاجل هواه كمن تأول آيات الصفات أو أحاديثها على غير مراد الله تعالى ومراد رسوله عليه الصلاة و السلام أو تمنى أن لاتكون نزلت أو قيلت ومن أقوى العلامات على شنآنه نفرته عنها اذا سمعها حين يستدل بها السلفى على مادلت عليه من الحق وأي شنآن للرسول عE أعظم من ذلك وكذلك أهل السماع الذين يرقصون على سماع الغناء والدفوف والشبابات فاذا سمعوا القرآن يتلى أو قرىء في مجلسهم استطالوه واستثقلوه وكذلك من آثر كلام الناس وعلومهم على القرآن والسنة الى غير ذلك ولكل نصيب من الانبتار على قدر شنآته انتهى وفي بعضه نظر لايخفى وقرأابن عباس شنيك بغير
(30/248)

ألف فقيل مقصور من شانى كما قالوا برج في بارد وبر في بار وجوز أن يكون بناء على فعل هذا واعلم ان هذه السورة على قصرها وايجازها قد اشتملت على ماينادي على عظيم اعجازها وقد اطال الامام فيها الكلام وأتى بكثير 3 مما يستحسنه ذوو الافهام وذكلر أن قوله تعالى وانحر متضمن الاخبار بالغيب وهو ذات سعة ذات يده صالى الله تعالى عليه وسلم وأمته وقيل مثله في ذلك ان شانئك هو الابتر 0 وذكر أنه روى أن مسيلمة الكذاب عارضها بقوله انا أعطيناك الزمجار فصل لربك وهاجر ان مبغضك رجل كافر 0 ثم بين الفرق من عدة أوجه وهو لعمري مثل الصبح ظاهر ومن أراد الاطلاع على أزيد مما ذكر فليرجع الى تفسير الامام والله تعالى ولي التوفيق والانعام
سورة الكافرون
وتسمى المقشقشة كما اخرجه ابن أبي حاتم على زرارة بن او في وهومن قشقش المريض اذا صح وبرأ أي المبرثة من الشرك والنفاق وتسمى أيضا كما في جمال سورة العبادة وكذا تسمى
سورة الاخلاص
وهي عند أبي عباس والجمهور مكية وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير انها مدنية وحكاه في البحر عن قتادة على خلاف مافي مجمع البيان من انه قائل بمكيتها وأياما كان قول الدواني أنها مكية بالاتفاق ليس في محله 0 وآيها ست بلا خلاف وفيها اعلان مافهم مما قللها من الامر باخلاص العبادة له عز و جل ويكفي ذلك في المناسبة بينهما وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لجبلة بن حارثة وهوأخو زيد بن حارثة وقد قال له عليه الصلاة و السلام علمني شيئا أقوله عند منامي نحو ذلك كما في حديث أخرجه الامام أحمد والطبراني في الاوسط وأمر صلى الله تعالى عليه وسلم أنسا بأن يقرأها عند منامه أيضا معللا لذلك بما ذكر كما أخرجه البيهقي في الشعب وأمر عليه الصلاة و السلام خبابا بذلك أيضا كما في حديث أخرجه البزار وابن مردويه وأخرج أبو يعلى والطبراني عن أبن عباس مرفوعا الا أدلكم على كلمة تنجيكم من الاشراك بالله تعالى تقرؤن قل يأيها الكافرون عند منامكم وروى الديلمي عن عبد اله بن جراد قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المنافق لايصلي الضحى ولايقرأ قل ياأيها الكافرون ويسن قراءتها أيضا مع سورة قل هو الله أحد في ركعتي سنة الفجر التي هي عند الاكثرين أفضل السنن الرواتب وكذا في الركعتين بعد المغرب وهي حجة على من قال منن الائمة انه لايسن في سنة الفجر ضم سورة الى الفاتحة وجاء في حديث أخرجه الطبراني في الاوسط عن ابن عمر مرفوعا وفي آخر أخرجه الصغير عن سعد بن أبي وقاص كذلك انها تعدل ربع القرآن ووجه ذلك الامام بان القرآن مشتمل على الامر بالمأمورات والنهي عن المحرمات وكل منهما أما ان يتعلق بالقلب أو الجوارح فيكون أربعة أقسام وهذه السورة مشتملة على النهى عن المحرمات المتعلقة بالقلب فتكون كربع القرآن وتعقب بأن العبادة
(30/249)

أعم من القلبية والقالبية والامر والنهي المتعلقان بها لا يختصان بالمأمورات والمنهيات القلبية والقلبية وأن مقاصد القرآن العظيم لا تنحصر في الأمر والنهي المذكورين بل هو مشتمل على مقاصد اخرى كاحوال المبدا والمعاد ومن هنا قيل لعل الاقرب ان يقال ان مقاصد القرآن التوحيد والاحكام الشرعية وأحوال المعاد والتوحيد عبارة عن تخصيص الله تعالى بالعبادة وهو الذي دعا اليه الانبياء عيهم السلام اولا بالذات والتخصيص انما يحصل بنفي عبادة غيره تعالى وعبادة الله عز و جل اذ التخصيص له جزآن النفى عن الغير والاثبات للمخصص به فصارت المقاصد بهذا الاعتبار اربعة وهذه السورة تشتمل على ترك عبادة غيره سبحانه والتبري منها فصارت بهذا الاعتبار ربع القرآن ولكونها ليس فيها التصريح بالامر بعبادة الله عز و جل كما أن فيها التصريح بترك عبادة غيره تعالى لم تكن كنصف القرآن وقيل ان مقاصد القرآن صفاته تعالى والنبوات والاحكام والمواعظ وهي مشتملة على أساس الاول وهو التوحيد ولذا عدلت ربعه وذكر بعض أجلة أحبابي المعاصرين اوجها في ذلك احسنها فيما ارى ان الدين الذي تضمنه القرآن اربعة أنواع عبادات ومعاملات وجنايات ومناكحات والسورة متضمنة من النوع الاول فكانت ربعا وتعقب بانه أراد فكانت ربعا من القرآن فلا نسلم صحة تفريعه على كون الدين الذي تضمنه القرآن أربعة أنواع وان اراد فكانت ربعا من الدين فليس الكلام فيه انما الكلام في كونها تعدل ربعا من القرآن اذ هو الذي تشعر به الاخبار على اختلاف ألفاظها والتلازم بينهما غير مسلم على ان المقابلة الحقيقية بين ماذكر من الانواع غير تامة وأجيب باحتمال انه اراد أن مقاصد القرآن هي تلك الاربعة التي هي الدين ولايبعد ان يكون ماتضمن واحدا منها عدل القرآن كله مقاصده أحوال المبدا والمعاد فبدخول ذلك في العبادات بنوع عناية وعدم التقابل الحقيقي لايضر اذ يكفي في الغرض عد أهل العرف تلك الامور متقابلة ولو بالاعتبار فتأمل جميع ذلك والله تعالى الهادي لاقوم المسالك بسم الله الرحمن الرحيم
قل يا أيها الكافرون قال أجلة المفسرين المراد بهم كفرة من قريش مخصوصون قد علم الله تعالى انهم لايتاتى منهم الايمان أبدا أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الانباري في المصاحف عن سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال لقى الوليد بن المغيرة والعاصي بن واثل والاسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا يامحمد هلم فلتعبد مانعبد ونعبد ماتعبد ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فان كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت قد أخذت منه حظا وان كان الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظا فانزل الله تعالى قل ياأيها الكافرون حتى انقضت السورة وفي رواية ان رهطا من عتاة قريش قالوا له صلى الله عليه و سلم هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك تعبد آلهتنا سنة وعبد الهك سنة فقال عليه الصلاة و السلام معاذالله تعالى ان اشرك بالله سبحانه غيره فقالوا فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد الهك فنزلت فعدا صلى الله تعالى عليه وسلم الى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام عليه الصلاة و السلام على رؤسهم فقرأها عليهم فايسوا ولعل نداءهم بيا ايها للمبالغة في طلب اقبلهم لئلا يفوتهم شىء مما يلقى اليهم وبالكافرون دون الذين كفروا لأن الكفر كان دينهم القديم ولم يتجدد لهم أولا لان الخطاب مع الذين يعام استمرارهم على الكفر فهو كاللازم لهم أو للمسارعة الى ذكر مايقال لهم لشدة الاعتناء به وبه دون المشركين مع أنهم عبدة أصنام والاكثر التعبير عنهم بذلك لان ماذكر انكى لهم فيكون أبلغ في قطع رجائهم الفارغ وقيل هذا للاشارة الى أن الكفر كله ملة واحدة ولا يبعد أن
(30/250)

يكون في هذه الاشارة انكاء لهم أيضا وفي ندائه عليه الصلاة و السلام بذلك في ناديهم ومكان بسطة أيديهم دليل على عدم اكتراثه عليه الصلاة و السلام بهم اذ المعنى قل يامحمد والمراد حقيقة الامر خلافا لصاحب التأويلات للكافرين يأيها الكافرون لا أعبد ماتعبدون ولاأنتم عابدون ما أعبد ولاأنا عابد ماعبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد يتراءى أن فيه تكرارا للتأكيد فالجملة الثالثة المنفية على مافي البحر توكيد للاولى على وجهه أبلغ لاسمية المؤكدة والرابعة توكيد للثانية وهو الذي اختاره الطيبى وذهب اليه الفراء وقال ان القرآن نزل بلغة العرب ومن عادتهم تكرار الكلام للتأكيد والافهام فيقول المجيب بلى بلى والممتنع لالا وعليه قوله تعالى كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون وأنشد قوله كائن وكم عندي لهم من صنيعة
أيدي سنوها على وأوجبوا وقوله نعق الغراب ببين ليلى غدوة
كم كم وكم بفراق ليلى ينعق وقوله هلا سألت جموع كندة
يوم ولوا أين أينا وهو كثير نظما ونثرا وفائدة التأكيد ههنا قطع أطماع الكفار وتحقيق انهم باقون على الكفر أبدا واعترض بأن تأكيد الجمل لايكون مع العاطف الا بثم وكأن القائل بذاك قاس الواو على ثم والظاهر ان من قال بالتأكيد جعل الجملة الرابعة معطوفة على الثالثة وجعل المجموع معطوفا على مجموع الجملتين الاوليين فهناك مجموعان متعاطفان يؤكد ثانيهما أولهما ولمغايرة الثاني للاول بمافيه من الاستمرار عطف عليه بالواو فلايرد ماذكر ويتضمن ذلك معنى تأكيد الجزء الاول من الثاني للجزء الاول من الاول وتاكيد الجزء الثاني من الثاني للجزء الثاني من الاول والا فظاهر مافي البحر مما لايكاد يجوز كما لايخفى والذي عليه الجمهور انه لاتكرار فيه لكنهم اختلفوا فقال الزمخشري لاأعبد أريد به نفي العبادة فيما يستقبل لان لالا تدخل الا على مضارع في معنى الاستقبال كما ان مالاتدخل الاعلى مضارع في معنى الحال والمعنى لاأفعل في المستقبل ماتطلبونه مني من عبادة آلهتكم ولاأنتم فاعلون فيه مأطلب منكم من عبادة الهى وماكنت عابدا قط فيما سلف ماعبدتم فيه وماعبدتم في وقت ماأنا على عبادته والظاهر انه اعتبر في الجملة الاخيرة استمرار النفي وانه حمل المضارع فيها على افادة الاستمرار والتصوير وفي الثانية استغرق النفي للازمنة الماضية وقال الطيبي انه جعل القرينتين للاولين للاستقبال والآخرين للماضي واعترض عليه بان الحصرين اللذين ذكرهما في لا وما غير صحيح وان كانا يشعر بهما ظاهر كلام سيبويه وقال الخفاجي ما ما ذكر اغلبي او مقيد بعدم القرينة القائمة على ما يخالفه او هو كلى ولا حجر في التجوز والحمل على غيره لمقتض كدفع التكرار هنا وان قيل بتحقق الاستغراب على القول باشتراطه في الحكاية في عابد الاول وعدم ضرر فقده في الثاني لان النصب به للمشاكلة وقيل القرينتان الاوليان للاستقبال كما مر والاخريان للحال واختاره ابو حيان اي ولست في الحال بعابد معبودكم ولاانتم في الحال بعابدى معبودي وقيل بالعكس وعليه كلام الزجاج ومحيى السنة وقيل الاولين للماضي والاخريان للمستقبل نقله ابن كثير عن حكاية البخارى وغيره ونقل ايضا عن شيخ الاسلام ابن تيمية ان المراد بقوله سبحانه لا اعبد ما تعبدون نفي الفعل لانها جملة فعلية وبقوله تعالى ولا انا عابد ما عبدتم نفي قبوله صلى الله تعالى عليه وسلم لذلك بالكلية لان النفي بالجملة الاسمية آكدا فكأنه نفى الفعل وكونه عليه الصلاة و السلام قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي امكانه الشرعي ونوقش في افادة الجملة الاسمية نفي القبول ولايبعدان يقال ان معنى الجملة الفعلية نفي الفعل في زمان معين والجملة الاسمية معناها نفي الدخول تحت هذا المفهوم مطلقا
(30/251)

من غير تعرض للزمان كأنه قيل أنا ممن لا يصدق عليه هذا المفهوم أصلا وأنتم ممن لايصدق عليه ذلك المفهوم فتدبر وقيل الاوليان لنفي الاعتبار الذي ذكره الكافرون والاخريان للنفي على العموم أي لا أعبد ما تعبدون رجاء أن تعبدوا الله تعالى ولاأنتم عابدون رجاء ما أعبد صنمكم ثم قيل ولا أنا عابد صنمكم لغرض من الاغراض بوجه من الوجوه وكذا انتم لاتعبدون الله تعالى لغرض من الاغراض وايثار ما في اعبد قيل على حميع الاقوال السابقة على من لان المراد الصفة كأنه قيل ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قدر عظمته وجوز أن يقال لما أطلقت ما على الاصنام أولا وهو اطلاق في في محزه أطلقت على المعبود بحق للمشاكلة ومن يقول ان ما يجوز أن تقع على من يعلم ونسب الى سيبويه لايحتاج الى ماذكر وقال أبو مسلم ما في الاوليين بمعنى الذي مفعول به والمقصود المعبود أي لاأعبد الاصنام ولا تعبدون الله تعالى وفي الآخرين مصدرية أي ولا أنا عابد مثل عبادتكم المبنية على الشك وان شئت قلت على الشرك المخرج لها عن كونها عبادة حقيقية ولا أنتم عابدون مثل عبادتى المبينة على اليقين وان شئت قلت على التوحيد والاخلاص وعليه لايكون تكرار ايضا وقال بعض الاجلة في هذا المقام ان قوله تعالى لا اعبد ما تعبدون وقوله سبحانه ولاأنا عابد ما عبدتم اما كلاهما نفي الحال او كلاهما نفي الاستقبال او احدهما للحال والآخر للاستقبال وعلى التقادير فلفظ ما اما مصدرية في الموضعين واما موصولة فيهما واما مصدرية في أحدهما وموصولة او موصوفة في الآخر وهذه ستة أحتمالات حاصلة من ضرب الثلاثة في الاثنين ولم يلتفت الى تقسيم صورة الاختلاف الى الفرق بين الاولى والاخرى ولا الى الفرق بين الموصولة والموصوفة لتكثر الاقسام لان صورة الاختلاف متساوية الاقدام في دفع التكرار ومؤدى الموصولة والموصوفة متقاربان فيكتفي باحداهما وكذا الحال قفي قوله تعالى ولاأنتم عابدون ما أعبد في الموضعين ومعلم انه لاتكرار في صورة الاختلاف سواء كان باعتبار الحال والاستقبال أو باعتبار كون مافي أحدهما موصولة أو موصوفة وفي الاخر مصدرية ونفي عبادتهم في الحال أو الاستقبال معبوده عليه الصلاة و السلام بناء على عدم الاعتداد بعبادتهم لله تعالى مع الاشراك المحبط لها وجعلها هباء منثورا كما قيل اذا صافى صديقك من تعادي
فقد عاداك وانقطع الكلام ومن هنا قال بعض الافاضل في اخراج الآية عن التكرار يحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى لاأعبد ماتعبدون نفى عبادة الاصنام ومن قوله تعالى ولا أنتم عابدون ما أعبد نفى عبادة الله تعالى من غير تعرض لشىء آخر ولما كان مظنة أن يقولوا لغفلة عن المراد أو نحوها كيف يسوغ لك أن تنفي عنك عبادة مانعبد ونحن أيضا نعبد اله تعالى غاية مافي الباب أنا نعبد معه غير أردف ذلك بقوله سبحانه ولا أنا عابد ماعبدتم الخ للاشارة الى أنهم ماعبدوا الله حقيقة وامنا عبدوا شيئا قالوا انه الله والله عز و جل وراء ذلك أي ولا أنا عابد في وقت من الاوقات الاله الذي عبدتم شيئا تخيلتموه وذلك بعنوان ماتخيلتم ليس بالاله الذي أعبده ولاأنتم عابدون في وقت من الاوقات ما أنا على عبادته لانى انما أعبد الاله المتصف بالصفات التي قام البرهان على انها صفات الاله 0 النفس الامرى ويعلم منه وجه غير ماتقدم للتعبير بالكافرون دون المشركون وكانه لم يؤت بالقرينتين الاوليين بهذا المعنى ويكتفي بهما عن الاخريين لانهما أوفق بجوابهم مع أن هذا الاسلوب أنكى لهم فلاتغفل ومن الناس من اختار كون مافي القرينتين الاوليين موصولة مفعولا به لما قبلها والمراد بها أولا آلهتهم وثانيا الهه عليه الصلاة و السلام والمراد نفى العبادة ملاحظا معها
(30/252)

التعلق بما تعلقت به من المفعول بل هو المقصود ومحط النظر كما يقتضي ذلك وقوع القرينتين في الجواب ويعتبر الاستقبال رعاية للغالب في استعمال لا داخلة على المضارع مع كونه أوفق الجواب أيضا ويكون قد تم بهما فكأنه قيل لاأعبد في المستقبل ماتعبدون في الحال من الآلهة أي لاأحدث ذلك حسبما تطلبونه منى وتدعوني اليه ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد في الحال وكونها في الاخريين مصدرية مؤولة مع مابعدها بمصدر وقع مفعولا مطلقا لما قبل كما فعل أبو مسلم ليتضمن الكلام الاشارة الى بيان حال العبادة في نفسها من غير نظر الى تعلقها بالمفعول وان كانت لاتخلو عنه في الواقع اثر الاشارة الى بيان حالها مع ملاحظة تعلقها بالمفعول ويراد استمرارالنفي في كلتيهما كما في قوله تعالى لاخوف عليهم ولاهم يحزنون وفي ذلك من انكائهم ماليس في الاقتصار على ماتم به الجواب فكأنه قيل ولا أنا عابد على الاستمرار عبادة مثل عبادتكم اتي اذهبتم بها أعماركم لان عبادتى مأمور بها وعبادتكم منهى عنها ولاأنتم عابدون على الاستمرار عبادة مثل عبادتي التي أنا مستمر عليها لانكم الذين خذلهم الله تعالى وختم على قلوبهم واني الحبيب المبعوث بالحق فلا زلتم في عبادة منهى عنها ولازلت في عبادة مأمور بها ولك أن تعتبر الفرق بين العبادتين بوجه آخر واعتبار الاستمرار في ما أعبد يشعر به العدول عن ماعبدت الذي يقتضيه ماعبدتم قبله اليه وعن العدول في الثانية الى ذلك لان أنواع عبادته عليه الصلاة و السلام لم تكن تامة بعد بل كانت تتجدد لها أنواع أخر فأتى بما يفيد الاستمرار التجددى للاشارة الى حقيقة جميع ما يأتي به صلى الله تعالى عليه وسلم من ذلك وقال الزمخشري لم يقل ماعبدت كما قيل ماعبدتم لانهم كانوا يعبدون الاصنام قبل البعث وهو عليه الصلاة و السلام لم يكن يعبد اله تعالى في ذلك الوقت وتعقب بان فيه نظرا لما ثبت أنه عليه الصلاة و السلام كان يتحنث في غار حراء قبل البعثة ونص أبو الوفاء على ابن عقيل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان متدينا قيل بعثه بما يصح عنه أنه من شريعة أبراهيم عليه السلام وأما بعد البعث فقال ابن الجوزى في كتاب الوفاء فيه روايتان عن الامام أحمد احداهما أنه كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي لا من جهتهم ولانقلهم ولاكتبهم المبدلة واختارها أبو الحسن التميمى وهو قول أصحاب أبي حنيفة الثانية ان لم يكن متعبدا الابما يوحى اليه من شريعته وهو قول المعتزلة والاشعرية ولاصحاب الشافعى وجهان كالروايتين والقائلون بانه عليه الصلاة و السلام متعبد بشرع من قبله اختلفوا في التعيين فقيل كان متعبدا بشريعة أبراهيم عليه السلام وعليه أصحاب الشافعي وقيل بشريعة موسى عليه السلام الاما نسخ في شرعنا وظاهر كلام أحمد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان متعبدا بكل ماصح أنه شريعة لنبي قبله مالم يثبت نسخه لقوله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وقال ابن قتيبة لم تزل العرب على بقايا دين اسماعيل عليه السلام كالحج والختان وايقاع الطلاق الثلاث والدية والغسل من الجنابة وتحريم المحرم بالقرابة والصهر وكان عليه الصلاة و السلام على ماكانوا عليه من الايمان بالله تعالى والعمل بشرائعهم انتهى والمعتزلة لم يجوزوا ذلك لزعمهم ان فيه مفسدة وهوايجاب النفرة نعم من أصولهم وجوب التعبد العقلي بالنظر في آيات الله تعالى وأدلة توحيده سبحانه ومعرفته عز و جل ولايمكن أن يخلى صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك وفي الكشف العبادة قد تطلق على أعمال الجوارح الواقعة على سبيل القربة فالايمان والنية والاخلاص شروط ومنه لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد واختلف أنه عليه الصلاة و السلام كان متعبدا بهذا المعنى قبل نبوته بشرع أولا فميل الامام فخر الدين وجماعة من الشافعية وأبي الحسين البصري وأتباعه الى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن متعبدا وأجابوا عن الطواف والتحنث
(30/253)

وغيرهما من المكارم انها لاتحرم من شرع حتى يقال الآتى بها لابد أن يكون متعبدا بل هي من أقتضاء العادات المستمرة والمكارم الغريزية دون نظر الى قربة الزمخشرى اختار ذلك القول وعليه بنى تفسيره وقد أظهر أنه لم يخالف أصله في وجوب التعبد العقلى بالنظر فى الآيات وأدلة التوحيد والمعرفة ثم قال والظاهر حمل مأعبد على افادة الاستمرار والتصوير على أنهم ماكانوا ينكرون ماكان عليه صلى الله تعالى عليه وسلم فيما مضى عبادة كانت أولابل كانوا يعظمونه ويلقبونه بالامين انما كان المنكر ماكان عليه بعد النبوة فذلك قيل ثانيا ولا أنتم عابدون ماأعبد اذ لو قيل ماعبدت لم يطابق المقام وفيه أن ماكانوا يتوهمونه من موافقته عليه الصلاة و السلام قبل النبوة لم يكن صحيحا بل انما كان ذلك لانه لم يكن صلى اله تعالى عليه وسلم مأمورا بالدعوة انتهى فتدبره وزعم بعضهم ان تغاير الاساليب في هذه السورة لتغاير أحوال الفريقين وليس بشىء وفي تكليف مثل هؤلاء المخاطبين بما ذكر على القول بافادته الاستمرار على الكفر بالايمان بحث مذكور في كتب الاصول ان اردته فارجع اليه وسيأتي ان شاء الله تعالى في سورة تبت اشارة ما الى ذلك وقوله تعالى لكم دينكم هو عند الاكثرين تقرير لقوله تعالى لاأعبد ماتعبدون وقوله تعالى ولا أنا عابد ماعبدنم كما ان قوله تعالى ولى دين عندهم تقرير لقوله تعالى ولا أنتم عابدون مأعبد والمعنى أن دينكم وهوالاشراك مقصور على الحصول لكم لايتجاوزه الى الحصول كما تطمعون فيه فلاتعقلوا به أمانيكم الفارغة فان ذلك من المحالات وأن دينى هو التوحيد مقصور على الحصول لى لايتجاوزه الى الحصول لكم أيضا لان الله تعالى قد ختم على قلوبكم لسوء استعدادكم أو لانكم علقتموه بالمحال الذي هو عبادتى لآلهتكم أو استلامى لها أو لان ماوعدتموه عين الاشراك وحيث أن مقصودهم شركة الفريقين في كلتا العبادتين كان القصر المستفاد من تقديم المسند قصر افراد حتما وجوز أن يكون هذا تقريرا لقوله تعالى ولاأنا عابد ماعبدتم والآية على ماذكر محكمة غير منسوخة كما لايخفى أو المراد المتاركة على معنى انى نبي مبعوث اليكم لادعوكم الى الحق والنجاة فاذا لم تقبلوا منى ولم تتبعونى فدعونى كفافا ولاتدعونى الى الشرك فهى على هذا كما قال غير واحد منسوخة بآية السيف وفسر الدين بالحساب أى لكم حسبكم ولى حسابى لايرجع الى كل منا من عمل صاحبه أثر وبالجزاء أى لكم جزاؤكم ولى جزائى قيل والكلام على الوجهين استتئناف بيانى كانه قيل فما يكون اذا بقينا على عبادة آلهتنا واذا بقيت على عبادة الهك فقيل لكم الخ والمراد يكون لهم الشر ويكون له عليه الصلاة و السلام الخير لكن أتى باللام فى لكم للمشاكلة وعليه لانسخ أيضا ويحتمل أن يكون المراد غير ذلك مما تكون عليه الآية منسوخة ولعله لايخفى وقد يفسر الدبن بالحال كما هو أحد معانيه حسبما ذكره القالى في أماليه وغيره أى لكم حالكم اللائق بكم الذى يقتضيه سوء استعدادكم ولى حالى اللائق بى الذى يقتضيه حسن استعدادى والجملة عليه كالتعليل لما تضمنه الكلام السابق فلا نسخ والاولى أن تفسر بما لاتكون منسوخة لان النسخ خلاف الظاهر فلا يصار اليه الا عند الضرورة وللامام الرازى أوجه فى تفسيرها لايخلوا بعضها عن نظر وذكر عليه الرحمة انه جرت العادة بان الناس يتمثلون بهذه الآية عند المتاركة وذلك لايجوز لان القرآن ماأنزل ليتمثل به بل ليهتدى به وفيه ميل الى سد باب الاقتباس والصحيح جوازه فقد وقع فى كلامه عليه الصلاة و السلام وكلام كثير من الصحابة والائمة والتابعين وللجلال السيوطى رسالة وافية كافبة فى ازالة الالتباس عن وجه جواز الاقتباس عن وجه جوازا الاقتباس وما ذكر من الدليل فاظهر من أن ينبه على ضعفه وقرأ سلام ويعقوب دينى بياء وصلا ووقفها وحذفها القراء السبعة والله تعالى أعلم
(30/254)

سورة النصر
وتسمى سورة أذا جاء وعن ابن مسعود انها تسمى سورة التوديع لما فيها من الايماء الى وفاته عليه الصلاة و السلام وتوديعه الدنيا وما فيها وجاء في عدة روايات عن ابن عباس وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال حين نزلت نعيت الى نفسى وفى رواية البيهقى عنه أنه لما نزلت دعا عليه الصلاة و السلام فاطمة رضى الله تعالى عنها وقال انه قد نعيت الى نفسى فبكت ثم ضحكت فقيل لها فقالت أخبرنى انه نعيت اليه بنفسه فبكيت ثم أخبرنى بأنك أول أهلى لحاقا بى فضحكت وقد فهم ذلك منها عمر رضى الله تعالى عنه وكان يفعل عليه الصلاة و السلام بعدها فعل مودع وهى مدنية على القول الاصح في تعريف المنى فقد أخرج الترمذى في مسنده والبيهقى من حديث موسى بن عبيدة وعبد الله بن دينار وصدقة بن بشار عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسام أوسط أيام التشريق بمعنى وهو في حجة الوداع اذا جاء نصر الله والفتح حتى ختمها الخبر وأخرجه أيضا ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وغيرهما لكن قال الحافظ بن رجب بعد أن أخرجه عن الاولين أن اسناده ضعيف جدا وموسى بن عبيدة قال احمد لاتحل الرواية عنه وعليه ان صح يكون نزولها قريبا جدا من زمان وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم فان مابين حجة الوداع واجابته عليه الصلاة و السلام داع الحق ثلاثة أشهر ونيف وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه قال والله ماعاش صلى الله تعالى عليه وسلم بعد نزول اذا جاء نصر الله والفتح قليلا سنتين ثم توفى عليه الصلاة و السلام وفي البحر ان نزولها عند منصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم من خيبر وأنت تعلم أن غزوة خيبر كانت فى سنة سبع أواخر المحرم فيكون مافى البين أكثر من سنتين ويدل على مدنيتها أيضا ماأخرجه مسلم وابن شيبة وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال خر سورة نزلت من القرآن جميعا اذا جاء نصر الله وآيها ثلاث بالاتفاق وفيها اشارة الى اضمحلال ملة الاصنام وظهور دين الله عز و جل على اتم وجه وهو وجه مناسبتها لما قبلها ويحتمل غير ذلك وهى على مأخرج الترمذى وغيره من حديث أنس اذا جاء نصر الله والفتح ربع القرآن ولم اظفر بوجه ذلك وسيأتى ان شاء الله تعالى مايتعلق به بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله اى اعانته تعالى واظهاره اياك على عدوك وهذا معنى النصر المعدى بعلى وفسر به لانه اوفق بقوله تعالى والفتح وجوز أن يراد به المعدى بمن ومعناه الحفظ والفتح يتضمن النصر بالمعنى الاول فحينئذ يكون الكلام مشتملا على افادة النصرين والاول هو الظاهر واذا منصوب بسبح والفاء غير مانعة على ماعليه الجمهور فى مثل ذلك وأبو حيان على أنها معمولة للفعل بعدها وليست مضافة اليه وسيأتى ان شاء الله تعالى قول آخر والمراد بهذا النصر ماكان في أمر مكة من غلبته عليه الصلاة و السلام على قريش وذكر النفاش عن ابن عباس أن النصر هو صلح الحديبية وكان فى آخر سنة ست واما الفتح فقد أخرج جماعة عنه وعن عائشة أن المراد به فتح مكة وروى ذلك عن مجاهد وغيره وصححه الجمهور وكان في السنة الثامنة وقال ابن شهاب لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان على رأس ثمان سنين ونصف من الهجرة وخرج عليه الصلاة و السلام على مأخرجه أحمد بسند صحيح عن أبى سعيد لليلتين خلتا من شهر رمضان وفى رواية أخرى لثنتى عشرة وعند مسلم لست عشرة وقال الواقدى خرج صلى الله تعالى علسه وسلم يوم الاربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر وضعفه القسطلانى وكان المسلمون في تلك الغزوة عشرة آلاف من المهاجرين والانصار وطوائف من العرب وفى الاكليل اثني
(30/255)

عشر ألفا وجمع بان العشرة خرج بها عليه الصلاة و السلام من المدينة ثم تلاحق الالفان والاولى أن يحمل النصر على ماكان مع الفتح المذكولر فان كانت السورة الكريمة نازلة قبل ذلك فالامر ظاهر وتتضمن الاعلام بذلك قبل كونه وهو من أعلام النبوة واذا كانت نازلة بعده فقال الماتردى فى التأويلات ان اذا بمعنى اذ التى للماضى ومجيئها بهذا المعنى كثير فى القرآن وعليه تكون متعلقة مقدر ككمل الامر أو أتم النعمة على العباد أو نحو ذلك لابسبح لان الكلام حينئذ نحو أضرب زيدا أمس وقال بعض الاجلة هى لما يستقبل كما هو الاكثر فى استعمالها وحينئذ لم يكن بد من أن يجعل شىء من ذلك مستقبلا مترقيا باعتبار أن فتح مكة كان أم الفتوح والدستور لما يكون من بعده فهو مرتقب باعتبار مايدل عليه وان كان متحققا باعتباره في نفسه وجوز ان يكون الاستقبال باعتبار مجموع ما في حيز اذا فمنه ماهو مستقبل وهوماتضمنه قوله سبحانه ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا ولو باعتبار آخر داخل وهو مما لابأس به ان لم يكن النزول بعد تمام الدخول وقيل المراد جنس نصر الله تعالى لرسوله عليه الصلاة و السلام والمؤمنين وجنس الفتح فيعم اكان في أمر مكة زادها الله شرفا وغيره وأمر الاستقبال عليه ظاهر وأيما كان فالمراد بالمجىء الحصول وهوحقيقة فيه على مايقتضيه ظاهر كلام الراغب وقال القاضى مجاز والظاهر أن الخطاب في رأيت للنبى عليه الصلاة و السلام وارؤية بصرية أوعلمية متعدية لمفعولين والناس والعرب ودين الله ملة الاسلام اتى لادين له تعالى يضاف اليه غيرها والافواج جمع فوج وهوعلى ماقال الراغب الجماعة المارة المسرعة ويراد به مطلق الجماعة قال الحوفى وقياس جمعه أفوج ولكن أستثقلت الضمة على الواو فعدل الى أفواج وفى البحلر قياس فعل صحيح العين أن يجمع على أفعل لاعلى أفعال ومعتل العين بالعكس فالقياس فيه أفعل كحوض وأحواض وشذ فيه أفعل كثوب وأثوب ونصب أفواجا على الحال من الضمير يدخلون وأما جملة يدخلون فهى حال من الناس على الاحتمال الاول في الرؤية ومفعول ثان على الاحتمال الثانى فيها وكونها حالا أيضا بجعل رلأيت بمعنى عرفت كما قال الزمخشرى تعقبه أبوحيان بقوله لانعام أن رأيت جاءت بمعنى عرفت فيحتاج فى ذلك الى استثبات والمراد بدخول الناس في دينه تعالى أفواجا أى جماعات كثيرة اسلامهم من غير قتال وقد كان ذلك بين فتح مكة وموته عليه الصلاة و السلام وكانوا قبل الفتح يدخلون فيه واحدا واحدا واثنين اثنين أخرج البخارى عن عمرو بن سلمة قال لما كان الفتح بادر كل قوم باسلامهم الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكنت الاحياء تتلوم باسلامها فتح مكة فيقولون دعوه وقومه فان ظهر عليهم فهو نبى وعن الحسن قال لما فتح رسول الله صلى الله تعالى علسه وسلم مكة قالت الاعراب أما اذ ظفر بأهل مكة وقد أجارهم الله تعالى من اصحاب الفيل فليس لكم به يدان فدخلوا في دين الله تعالى أفواجا وقال أبو عمر بن عبد البر لم يتوقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفى العرب رجل كافر بل دخل الكل فى الاسلام بعد حنين والطائف منهم من قدم ومنهم قدم وافده وتأول ذلك ابن عطية فقال المراد والله تعالى أعلم العرب عبدة الاوثان فان نصارى بنى تغلب ماأراهم الله أسلموا في حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولكن أعطوا الجزية ونص بعضهم على انهم لم يسلموا اذ ذاك فالمراد بالناس عبدة الاوثان من العرب كأهل مكة والطائف واليمن وهوزان ونحوهم وقال عكرمة ومقاتل المراد بالناس أهل اليمن وفد منهم سبعمائة رجل وأسلموا واحتج له بما أخرجه ابن جرير من طريق الحصين بن عيسى عن معمر الزهرى عن أبى حازم عن أبى عباس قال بينما رسول الله صلى اله تعالى عليه وسلم فى المدينة اذ قال الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن قال قوم رقيقة قلوبهم
(30/256)

لينة طاعتهم الايمان والفقه يمان والحكمة يمانية وأخرجه أيضا من طريق عبد الاعلى عن معمر عن عكرمة مرسلا وقوله عليه الصلاة و السلام الايمان يمان جاء في حديث أخرجه البخارى ومسلم والترمذى عن أبى هريرة مرفوعا بلفظ أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة والين قلوبا الايمان يمان والحكمة يمانية فقيل قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لان مكة يمانية ومنها بعث صلى الله تعالى عليه وسلم وفشأ الايمان وقيل ارادة عليه الصلاة و السلام مدح الانصار لانهم يمانون وقد تبوؤا الدار والايمان وقول ابن عباس في الخبر في المدينة يعارض قول من قال ان ذلك انما قاله صلى الله تعالى عليه وسلم بتبوك وكان بينه وبين اليمن مكة والمدينة وهما دارا الايمان ومظهراه ويحتمل تكرر القول والظاهر انه ثناء على أهل اليمن لاسراعهم الى الايمان وقبولهم له بلا سيف ويشمل الانصار من أهل اليمن وغيرهم فكان الايمان كان في سنخ قلوبهم فقبلوه كما أنهى اليهم كمن يجد ضالته ومثله في الثناء عليهم قوله عليه الصلاة و السلام أجد نفس ربكم من قبل اليمن وقال عصام الدين يحتمل أن يكون الخطاب في رأيت الناس عاما لكل مؤمن ثم قال ومما يختلج في القلب أن الناسب بقوله تعالى يدخلون في دين الله أفواجا أن يحمل قوله سبحانه والفتح على فتح باب الدين عليهم انتهى وكلا الامرين كما ترى وقرأابن عباس كما اخرج ابو عبيدة وابن المنذر عنه اذاء جاء فتح الله والنصر وقرا ابن كثير في رواية يدخلون بالبناء للمفعول فسبح بحمد ربك اى فنزهه تعالى بكل ذكر يدل عالى التنزيه حامدا له جلا وعلا زيادة في عبادته والثناء عيه سبحانه لزيادة انعامه سبحانه عليك فالتسبيح التنزيه لا التلفظ بكلمة سبحان الله والباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال والحمد مضاف اى المفعول وامعنى على الجمع بين تسبيحه تعالى وهو تنزيه سبحانه عما لايليق به به عز و جل من النقائص وتحميده وهو اثبات مالايليق به تعالى من الحامد له لعظم ما انعم سبحانه به عليه عليه الصلاة و السلام وقيل أي نزهه تعالى عن العجز في تأخير ظهور الفتح واحمده على التأخير وصفه تعالى بان توقيت الامور من عنده ليس الا لحكمة لايعرفها الا هو عز و جل وهوكما ترى وايد ذلك بما في الصحيحين عن مسروق عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يكثر ان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى يتأول القرآن تعنى هذا مع قوله تعالى واستغفره أى اطلب منه ان يستغفر لك وكذا كما في مسند الامام أحمد وصحيح ومسلم عن عائشة أيضا قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه وقال ان ربي كان أخبرنى ان سأرى علامة فى أمتى وامرنى أذا رأيتها ان اسبح بحمده واستغفره الخ وروى ابن جرير من طريق حفص ابن عاصم عن الشعبى عن ام سلمة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في آخر أمره لايقوم ولايقعد ولايذهب ولا يجىء الا قال سبحان الله وبحمده قال اتي امرت بها وقرأ السورة وهو غريب وفي المسند عن ابي عبيدة عن عبد الله بن مسعود لما نزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اذا جاء نصر الله والفتح كان يكثر اذا قرأها وركع أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى انك أنت التواب الرحيم ثلاثا وجوز أن تكون الباء للاستعانة والحمد مضاف الى الفاعل أى سبحه بما حمد سبحانه به نفسه قال ابن رجب اذ ليس كل تسبيح بمحمود فتبيح المعتزلة يقتضى تعطيل كثير من الصفات وقد كان بشر المريسى يقول سبحان ربى الاسفل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والظاهر الملابسة وجوز ان يكن التسبيح مجازا عن التعجب بعلاقة السببية فأن رأى أمرا عجيبا قال سبحان الله أى فتعجب لتيسير الله تعالى بما لم يخطر ببالك وبال أحد من ان يغلب أحد على أهل الحرم وأحمده تعالى على صنعه وهذا التعجب تعجب
(30/257)

متأمل شاكر يصح أن يؤمر به وليس الامر بمعنى الخبر بان هذه القصة من شأنها أن يتعجب منها كما زعم ابن المنير والتعليل ان الامر فى صيغة التعجب ليس أمرا بين السقوط نعم هذا الوجه ليس بشىء والاخبار دالة على ان ذلك أمر له صلى اله تعالى عليه وسلم بالاستعداد للتوجه الى ربه تعالى والاستعداد للقائه بعدما أكمل دينه وأدى ماعليه من البلاغ وأيضا ماذكرناه من الآثار آنفا لايساعد عليه وقيل المراد بالتسبيح الصلاة لاشتمالها عليه ونقله ابن الجوزى عن ابن عباس اى فصل له تعالى حامددا على نعمه وقد روى صلى الله تعالى عليه وسلم لما دخل مكة صلى في بيت أم هانىء ثمان ركعات وزعم بعضهم انه صلاها داخل الكعبة وليس بالصحيح واياما كان فهى صلاة الفتح وهى سنة قد صلاها سعد يوم الفتح المدائن وقيل صلاة الضحى وقيل أرع منها للفتح وأربع منها للضحى وعلى كل ليس فيها دليل على أن المراد بالتسبيح الصلاة والاخبار أيضا تساعد على خلافه واستغفاره صلى الله تعالى عليه وسلم قيل لانه كان دائما في الترقى فاذا ترقى الى مرتبة استغفر لما قبلها وقيل مما هو في نظره الشريف خلاف الاولى بمنصبه المنيف وقيل عما كان من سهو ولو قيل النبوة وقيل لتعليم أمته صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل هو استغفار لامته وجوز بعضهم كون الخطاب في رأيت عاما وقال ههنا يجوز حينئذ ان يكون الامر بالاستغفار لمن سواه عليه الصلاة و السلام وادخاله صلى الله تعالى عليه وسلم فى الامر تغليب وهذا خلاف الظاهر جدا وأنت تعلم ان كل احد مقصر عن القيام بحقوق الله تعالى كما ينبغى وادائها على الوجه اللائق بجلاله جل جلاله وعظمته سبحانه وانما يؤديها على قدر مايعرف ان قدر الله عز و جل اعلى واجل من ذلك فهو يستحى من عمله ويرى انه مقصر وكلما كان الشخص بالله تعالى أعرف كان له سبحانه اخوف وبرؤية تقصيره ابصر وقد كان كهمس يصلى كل ألف ركعة فاذا صلى اخذ بلحيته ثم يقول لنفسه قومى ياماؤى كل سوء فوالله مارضيتك لله عز و جل طرفة عين وعن مالك بن دينار لقد هممت ان اوصى اذا مت ان ينطلق بي كما ينطلق بالعبد الآبق الى سيده فاذا سالنى قلت يارب انى لم ارض لك نفسى طرفة عين فيمكن ان يكون استغفاره عليه الصلاة و السلام لما يعرف من عظيم جلال الله تعالى وعظمته فيرى ان عبادته وان كانت أجل من جميع عبادة العابدين دون مايليق ذلك الجلال وتلك العظمة اتى هى وراء مايخطر بالبال فيستحى ويهرع الى الاستغفار وقد صح انه عليه الصلاة و السلام كان يستغر الله فى اليوم والليلة اكثر من سبعين مرة وللاشارة الى قصور العابد عن الاتيان بما يليق بجلال المعبود وان يذل المجهود شرع الاستغفار بعد كثير من الطاعات فذكروا انه يشرع لمصلى المكتوبة ان يستغفر عقبها ثلاثا وللمجتهد فى الاسحار ان يستغفلر ما شاء الله تعالى وللحاج ان يستغفر بعد الحج فقد قال تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله أن الله غفور رحيم وروى انه يشرع لختم الوضوء وقالوا يشرع لختم كل مجلس وقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم يقول اذا قام من المجلس سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب اليك ففى الامر بالاستغفار رمز من هذا الوجه على ماقيل الى مافهم من النعى والمشهور أن ذلك للدلالة على مشارفة تمام أمر الدعوة وتكامل أمر الدين والكلام وان كان مشتملا على التعليق وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار قيل على طريقة النزول من الخالق الى الخلق كما قيل مارأيت شيئا الا ورأيت
(30/258)

الله تعالى قبله لأن جميع الاشياء مرايا لتجيله جل جلاله وذلك لان التسبيح والحمد توجها بالذات لجلال الخالق وكماله فى الاستغفار توجها بالذات لحال العبد وتقصيراته ويجوز أن يكون تأخير الاستغفار عنها لما أشرنا اليه في مشروعية تعقيب العبادة بالاستغفار وقيل فب تقديمها عليه تعليم أدب الدعاء وهو أن لايسأل فجأة من غير تقديم اثناء عاعللى المسؤل منه انه كان توابا أى منذ خلق المكلفين أى مبالغا فى قبول توبتهم فليكن المستغفر التائب متوقعا للقبول فالجملة فى موضع التعليل لما قبلها واختيار توابا على غفارا مع انه الذى يستدعيه استغفره ظاهرا للتنبيه كما قال بعض الاجلة على ان الاستغفار انما ينغع اذا كان مع التوبة وذكر ابن رجب ان الاستغفار المجرد هو التوبة مع طلب المغفرة بالدعاء والمقرون فاستغفر الله تعالى وأتوب اليه سبحانه هو طلب المغفرة بالدعاء فقط وقال أيضا أن المجرد طلب وقاية شر الذنب الماضى بالدعاء والندم عليه ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على الاقلاع عنه وهذا يمنع الاصرار كما جاء ماأصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة ولاصغيرة مع الاصرار ولاكبيرة مع الاستغفار والمقرون بالتوبة مختص بالنوع الاول فان لم يصحبه الندم على الذنب الماضى فهو دعاء محض وان صحبه ندم فهو توبة انتهى والظاهر ان ذلك الدعاء المحض غير مقبول وفيه سوء من الادب مع الله تعالى مافيه وقال بعض الافاضيل ان فى الآية احتباكا والاصل واستغفره انه كان غفارا وتب اليه انه كان توابا وأبد بما قدمناه من حديث الامام أحمد ومسلم عن عائشة رضى الله تعالى عنها وحمل الزمان الماضى على زمان خلق المكلفين هو مارتضاه غير واحد وقال الماتريدى فلى التأويلات أى لم يزل توابا لا أنه سبحانه تواب لاأنه سبحانه تواب بامر أكتسبه وأحدثه على مايقوله المعتزلة من أنه سبحانه صار توابا اذ أنشأ الخلق فتابوا فقبل توبتهم فاما قبل ذلك فلم يكن توابا ورد عليه بان قبول التوبة من الصفات الاضافية ولانزاع فى حدوثها واختار بعضهم ماذهب اليه الماتريدى على أن المراد أنه تعالى لم يزل بحيث يقبل التوبة ومآله قدم منشأ قبولها من الصفات اللائقة به جل شانه وفى ذلك يقوى الرجاء به عز و جل مافيه وصح لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم وفى خير الدنيا والآخرة أخرج الامام أحمد من حديث حديث عطية عن أبى سعيد مرفوعا من قال حين يأوى الى فراشه استغفر اله الذى لااله الا هو الحى القيوم وأتوب اليه غفر له ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر وان كانت مثل رمل عالج وان كانت عدد ورق الشجر وأخرج أيضا من حديث ابن عباس من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا وأنا أقول سبحان اله وبحمده أستغفر الله تعالى وأتوب اليه وأسلأله أن يجعل لى من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا بحرمة كتابه وسيد أحبابه صلى الله تعالى عليه وسلم
سورة تبت
وتسمى سورة المسد وهي مكية وآيها خمس بلا خلاف فى الامرين ولما ذكر سبحانه فيما قبل دخول الناس فى ملة الاسلام عقبه سبحانه بذكر هلاك بعض ممن لم يدخل فيها وخسرانه على نفسه فليبك من ضاع عمره
وليس له منها نصيب ولاسهم كذا قيل فى وجه الاتصال وقيل هو من اتصال الوعيد بالوعد وفى كل مسرة له عليه الصلاة و السلام وقال الامام في ذلك انه تعالى لما قال لكم دينكم واى دين فكانه صلى الله تعالى عليه وسلم قال اهى فما جزائى فقال اله تعالى لك النصر والفتح فقال فما جزاء عمى الذى دعانى الى عبادة الاصنام فقال تبت يداه وقدم الوعد على الوعيد
(30/259)

ليكون النصر متصلا بقوله تعالى ولى دين والوعيد راجعاالى قوله تعالى لكم دينكم على حد يوم تبيض وجوه الآية فتأمل هذه المجانسة الحاصلة بين هذه السور مع أن سورة النصر من آخر مانزل بالمدينة وتبت من من أوائل مانزل بمكة لتعلم ان ترتيبها من الله تعالى وبامره عز و جل ثم قال ووجه آخر وهو انه لما قال لكم دينكم ولى دين فكانه قيل الهى ما جزاء المطيع قال حصول النصر والفتح ثم قيل فما جزاء العاصى قال الخسار فى الدنيا والعقاب فى العقبى كما دلت عليه سورة تبت انتهى وهو كما ترى بسم اله الرحمن الرحيم
تبت أى هلكت كما قال جبير وغيره ومنه قولهم أشابة أم تابة يريدون أم هالكة من الهرم والتعجيز أى خسرت كما قال ابن عباس وابن عمر وقتادة وعن الاول أيضا خابت وعن يمان بن وثاب صفرت من كل خير وهى على مافى فى البحر أقوال متقاربة وقال الشهاب ان مادة التباب تدور على القطع وهو مؤد الى الهلاك ولذا فسر به وقال الراغب هو الاستمرار فى الخسران ولتضمنه الاستمرار قيل استتب لفان كذا أى استمر ويرجع هذا المعنى الى الهلاك يدا أبى لهب هو عبد العزى عبد المطلب عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكان شديد المعاداة والمناصبة له عليه الصلاة و السلام ومن ذلك مافى المجمع عن طارق المحاربى قال بينا أنا بسوق ذى المجاز اذا أنا برجل حديث السن يقول أيها الناس قولوا لااله الا الله تفلحوا واذا رجل خلفه يرميه قد قد أدمى ساقيه وعر قوبيه وبقول ياأيها الناس انه كذاب فلا تصدقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم يزعم أنه نبى وهذا عمه أبو لهب يزعم انه كذاب وأخرج الامام أحمد والشيخان والترمذى عن ابن عباس قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الاقربين صعد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على الصفا فجعل ينادى يابنى فهر يابنى عدى لبطنون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل اذ لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى قالوا نعم ماجربنا عليك الاصدقا قال فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك سائر الايام ألهذا جمعتنا فنزلت ويروى أنه مع ذلك القول أخذ بيديه حجرا ليرمى بها رسول الله صلى الله تعالى عيه وسلم ومن هذا يعلم وجه ايثار التباب على الهلاك ونحوه مما تقدم واسناده الى يديه وكذا مما روى البيهقى فى الدلائل عن ابن عباس أيضا أن أبا لهب قال اما خرج من الشعب وظاهر قريشا ان محمدا يعدنا اشياء لانراها كائنة يزعم انها كائنة بعد الموت فماذا وضع في يديه ثم نفخ فى يديه ثم قال تبا لكما ماأرى فيكما شيئا مما يقول محمد صلى اله تعالى عليه وسلم فنزلت تبت يدا أبى لهب ومما روى عن طارق يعلم وجه الثانى فقط فاليدان على المعنى المعروف والكلام دعاء بهلاكهما وقوله سبحانه وتب دعاء بجلاك كله وجوز ان يكونا اخبارين بهلاك ذينك الامرين والتعبير بالماضى فى الموضعين لتحقق الوقوع وقال الفراء الاول دعاء بهلاك جملته على ان اليدين اما كناية عن الذات والنفس لما بينهما من اللزوم فى الجملة أومجاز من اطلاق الجزء على الكل كما قال محى السنة والقول في رده انه يشترط أن يكون الكل يعدم بعدمه كالرأس والرقبة واليد ليست كذلك غير مسلم لتصريح فحول بخلافه هنا وفى قوله تعالى ولاتلقوا بأيديكم الى التهلكة أو المراد على ماقيل بذلك الشرط يعدم حقيقة أو حكما كما في اطلاق العين على الربيئة واليد على المعطى أو المتعاطى لبعض الافعال فان الذات من حيث اتصافها بما قصد اتصافها به تعدم يعدم ذلك العضو والثانى اخبار بالحصول أى وكان ذلك وحصل كقول النابغة جزانى جزاه الله شر جزائه
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل واستظهر أن هذه الجملة حالية وقد مقدرة على المشهور كما قرأ به ابن مسعود وفى الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس
(30/260)

فى سبب النزول فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب وقد تب وعلى هذه القراءة يمتنع أن يكون ذلك دعاء لان قد لاتدخل على أفعال الدعاء وقيل الاول اخبار عن هلاك عمله حيث لم يفده ولم يمنعه لان الاعمال تزاول بالايدى غالبا والثانى اخبار عن هلاك نفسه وفى التأويلات اليد بمعنى النعمة وكان يحسن الى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والى قريش ويقول ان كان الامر لمحمد فلى عنده يد وان كان لقريش فكذلك فأخبر أنه خسرت يده التى كانت عند النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعناده له ويده التى عند قريش أيضا بخسران قريش وهلاكهم فى يد النبى عليه الصلاة و السلام فهذا معنى تبت يدا أبى لهب والمراد بالثانى الاخبار بهلاكه نفسه وذكر بكنيته لاشتهاره بها وقد أريد تشهيره بدعوة السوء وان تبقى سمة له وذكره بأشهر علميه أوفق بذلك ويؤيد ذلك قراءة من قرأ يدا أبو لهب كما قيل على بن أبو طالب ومعاوية ابن أبوسفيان لئلا يغير منه شىء فيشكل على السامع أو لكراهة ذكر أسمه القبيح أو لانه كما روى عن مقاتل كان يكنى بذلك لتلهب وجنتيه واشراقهما فذكر ذلك تهكما به وبافتخاره بذلك أو لتجانس ذات لهب ويوافقه لفظا ومعنى والقول بأنه ليس بتجنيس لفظى لانه ليس فى الفاصلة وهم فانهم لم يشترطوه فيه أو لجعله كناية عن الجهنمى فكأنه قيل تبت يدا جهنمى وذلك لان انتسابه الى اللهب كانتساب الاب الى الولد يدل على ملابسته له وملازمته اياه كما يقال هو أبو الخير وأبو الشر وأخو الفضل وأخو الحرب لمن يلابس هذه الامور ويلازمها وملازمته لذلك تستلزم كونه جهنميا لزوما عرفيا فان اللهب الحقيقى هولهب جهنم فالانتقال من أبى لهب الى جهنمى انتقال من الملزوم الى اللازم أو بالعكس على اختلاف الرأيين فى الكناية فان التلازم بينهما فى الجملة متحقق في الخارج والذهن الا ان هذا اللزوم انما هو بحسب الوضع الاول أعنى الاضافى دون الثانى أعنى العلمى وهم يعتبرون فى الكنى المعنى الاصلية فأبو لهب باعتبار الوضع العلمى مستعمل فى الشخص العين وينتقل منه الى انه جهنمى فهو كناية عن الصفة بالواسطة وهذا ماختاره العلامة الثانى فعنده بلا بواسطة لان معناه الاصلى أعنى ملابس اللهب ملحوظ مع معناه العلمى واحق مع العلامة لان أبا لهب يستعمل في الشخص المعين والمتكلم بناء على اعتبارهم المعانى الاصلية فى الكنى ينتقل منه الى المعنى الاصلى ثم ينتقل منه الى الجهنمى ولايلاحظ معه معناه الاصلى والا لكان لفظ أبى لهب فى الآية مجازا سواء لوحظ معه معناه الاصلى بطريق الجزئية أو التقييد لكونه غير موضوع للمجموع وماقيل ان المعنى الحقيقى لايكون مقصودا فى الكناية وان مناط الفائدة والصدق والكذب فيها هو المعنى الثانى وههنا قصد الذات المعين فليس بشىء لان الكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز ارادته معه فيجوز ههنا ان يكون كلا المعنيين مرادا وفي المفتاح تصريخ بان المراد في الكناية هو المعنى الحقيقى ولازمه جميعا وزعم السيد أيضا ان الكناية فدل أبى لهب لانه اشتهر بهذا الاسم وبكونه جهنميا فدل اسمه على كونه جهنميا دلالة حاتم على أنه جواد فاذا أطلق وقصد به الانتقال الى هذا المعنى يكون كناية عنه وفيه انه يلزم منه أن تكون الكناية فى مثله موقوفة على اشتهار الشخص بذلك العلم وليس كذلك فانهم ينتقلون من الكنية الى مايلزم مسماها باعتبار الاصل من غير توقف على الشهرة قال الشاعر قصدت أنا المحاسن كى أراه
لشوق كان يجذبنى اليه فلما أن رأيت له فردا
ولم أر من بنيه ابنا لديه
(30/261)

على أن فيه بعد ما فيه وقرأ ابن محيص وابن كثير أبى لهب بسكون الهاء وهو من تغيير الاعلام على مافى الكشاف وقال أبو البقاء الفتح والسكون لغتان وهوقياس على المذهب الكوفى ما أغنى عنه ماله أى لم يغنى عنه ماله حين حل به التباب على أن ما نافية ويجوز أن تكون استفهامية فى محل نصب بما بعدها على أنها مفعول به أومفعول مطلق أى اغناء أو أى شىء أغنى عنه ماله وماكسب أى والذى كسبه على أن ما موصولة وجوز أن تكون مصدرية أى وكسبه وقال أبو حيان اذا كان ما الاولى استفهامية فيجوز أن تكون هذه كذلك أى وأى شىء كسب أى لم يكسب شيئا وقال عصام الدين يحتمل أن تكون نافية والمعنى ما أغنى عنه ماله مضرة وما كسب منفعة وظاهرة أنه جعل فاعل كسب ضمير المال وهو كما ترى واستظهر فى البحر موصوليتها فالعائد محذوف أى والذى كسبه به من الارباح والنتائج والمنافع والوجاهة والاتباع أو ما أغنى عنه ماله الموروث من أبيه والذى كسبه بنفسه أو ماله والذى كسبه من عمله الخبيث الذى هو كيده فى عداوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كما قال الضحاك أو من عمله الذى يظن أنه منه على شىء كقوله تعالى وقدمنا الى ماعملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا كما قال قتادة وعن ابن عباس ومجاهد ماكسب من الولد أخرج أبو داود عن عائشة مرفوعا أن أطيب مايأكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه وروى أنه كان كان يقول ان كان مايقول ابن أخى حقا فانا أفتدى منه نفسى بمالى وولدى وكان له ثلاثة أبناء عتبة ومعتب وقد أسلما يوم الفتح وسر النبى عليه الصلاة و السلام باسلامهما ودعا لهما وشهدا حنينا والطائف وعتيبة بالتصغير ولم يسلم وفى ذلك يقول صاحب كتاب الباء كرهت عتيبة اذ أجرما
وأحببت عتبة اذ أسلما كذا معتب مسلم فأحترز
وخف أن تسب فتى مسلما وكانت أم كلثوم بنت رسول اله صلى الله تعالى عليه وسلم عند عتيبة وأختها عند أخيه عتبة فلما نزلت هذه السورة قال أبو لهب لهما رأسى ورأسكما حرام ان لم تطلقا ابنتى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فطلقاهما الا ان عتيبة المصغر كان قد أراد الخروج الى الشام مع أبيه فقال لآتين محمدا عليه الصلاة و السلام وأوذينه فأتاه فقال يامحمد انى كافر بالنجم اذا هوى وبالذى دنا فتدلى ثم تفل تجاه رسول الله صلى تعالى عليه وسلم ولم يصبه عليه الصلاة و السلام شىء وطلق ابنته أم كلثوم فاغضبه عليه الصلاة و السلام بما قال وفعل فقال صلى تعالى عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وكان أبو طالب حاضرا فكره ذلك وقال ما أغناك باأبن أخى عن هذه الدعوة فرجع الى أبيه ثم خرجوا الى الشام فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من دير وقال لهم ان هذه أرض مسبعة فقال أبو لهب أغيثونى يامعشر قريش فى هذه الليلة فانى أخاف على أبنى دعوة محمد صلى اله تعالى عليه وسلم فجمعوا جمالهم وأناخوهم حولهم خوفا من الاسد فجاء أسد يتشمم وجوههم حتى أتى عتيبة فقتله وفى ذلك يقول حسان من يرجع العام الى أهله
فما أكيل ايبع راجع وهلك أبو لهب نفسه بالعدسة بعد وقعة بدر لسبع ليال فاجتنبه أهله مخافة العدوى وكانت قريش تتقيها كالطاعون فبقى ثلاثا حتى نتن فلما خافوا العار استأجروا بعض السودان فاحتملوه ودفنوه وفى رواية حفروا له حفرة ودفعوه بعود حتى وقع فيها حتى وقع فيها فقذفوه بالحجارة حتى واروه وفى أخرى انهم لم يحفروا له وأنما أسندوه لحائط وقذفوا عليه الحجارة من خافه حتى توارى فكان الامر كما أخبر به القرآن وقرأ عبد الله وماأكتسب بناء الافتعال سيصلى نارا سيدخاها لامحالة فى الآخرة ويقاسى حرها
(30/262)

والسين لتأكيد الوعيد والتنوين للتعظيم أى نارا عظيمة ذات لهب ذات اشتعال وتوقد عظيم وهى نار جهنم ما أغنى الخ قال فى الكشف استئناف جوابا عما كان يقول انا افتدى بمالى ويتوهم من صدقه وفى تحسير له وتهكم بما كان مفتخر به من المال والبنين وهذه الجملة تصوير للهلاك بما يظهر معه عدم أغناء المال والولد وهو ظاهر على تفسير ماكسب بالولد وقال بعض الافاضل الاولى اشارة لهلاك عمله وهذه اشارة لهلاك نفسه وهوأيضا على بعض الاوجه السابقة فتذكر ولاتغفل وقوله تعالى وامرأته عطف على المستكن فى سيصلى لمكان الفصل بالمفعول وقوله تعالى حمالة الطب نصب على الشتم والذم وقيل على الحالية بناء عالى أن الاضافة غير حقيقة للاستقبال على ما ستسمعه ان شاء الله تعالى وهى أم جميل بنت حرب أخت أبى سفيان اخرج ابن عساكر عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر رضى الله تعالى عنهما أن عقيل بن أبى طالب دخل على معاوية فقال له معاوية له أين ترى عمك أبا لهب من النار فقال له عقيل اذا دخلتها فهو على يسارك مفترش عمتك حمالة الحطب والراكب خير من المركوب ولاأظن صحة هذا الخبر عن الصادق لان فيه مافيه وكانت على مافى البحر عوراء ووسمت بذلك لانها على ماأخرج بن أبى حاتم وابن جرير عن ابن زيد كانت تأتى بأغصان الشوك تطرحها بالليل فى طريقه عليه الصلاة و السلام وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير وروى عن قتادة أنها مع كثرة مالها كانت نحمل الحطب عالى ظهرها لشدة بخلها فعيرت بالبخل وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه وعن مجاهد انها كانت تمشى بالنميمة وأخرجه ابن أبى حاتم عن الحسن أيضا وروى عن ابن عباس والسدى ويقال لمن يمشى بها يحمل الحطب بين الناس أى يوقد بينهم النائرة ويؤرث الشر فالحطب مستعار للنميمة وهى استعارة مشهورة ومن ذلك قوله من البيض لم تصطد على ظهر لامة
ولم تمشى بين الحى بالحطب الرطب وجعاه رطبا ليدل على التدخين اذى هو زيادة فى الشر ففيه ايغال حسن وكذا قول الراجز ان بنى الادرم حمالوا الحطب
هم الوشاة فى الرضاء والغضب وقال ابن جرير حمالة الخطايا واذنوب من فلان يحطب على ظهره اذا كان يكتسب الآثام والخطايا والظاهر ان الحطب عليه مستعار للخطايا بجامع أن كلا مبدأ للاحراق وقيل الحطب جمع حاطب جمع حارس وحرس أى تحمل الجناة على الجنايات وهومحمل بعيد وقر أبو حيوة وابن مقسم سيصلى بضم الياء وفتح الصاد وشد اللام ومريئته بالتصغير والهمز وقرىء ومريته بالتصغير وقاب الهمزة ياء وادغامها وقرأ الحسن وابن اسحق سيصلى بضم الياء وسكون الصاد واختلس حركة الهاء فى أمرأته أبو عمر وفى رواية وقرأ أبو قلابة حاملة الحطب على وزن فاعله مضافا وقرأ الاكثرون حمالة الحطب بالرفع والاضافة وقرىء حمالة للحطب بالتنوين رفعا ونصبا وبلام الجر فى الحطب وقوله تعالى فى جيدها حبل من مسد جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر فى موضع الحال من الضمير فى حمالة وقيل من أمرأته المعطوف على الضمير وقيل الظرف حال منها وحبل مرتفع به على الفاعلية وقيال هو خبر لامرأته وهى مبتدأ لامعطوفة على الضمير وحبل فاعل وعلى قراءة حمالة بالرفع وقيل امرأته مبتدأ وحمالة خبر وفى جيدها حبل خبر ثان أو حال من ضمير حمالة أو الظرف كذلك وحبل مرتفع به على الفاعلية أو امرأته عطف على الضمير وحمالة خبر مبتدأ محذوف أى هي حمالة وما بعد خبر ثان أو حال من ضمير حمالة على نظير مامر وفى التركيب غير ذلك من أوجه الاعراب سيذكر ان شاء الله تعالى وبعض ماذكرناه ههنا غير مطرد على
(30/263)

جميع الأوجه في معنى الآية كما لا يخفى عند الاطلاع عليها على المتأمل والمسد مامسد أى فتل من الحبال فتلا شديدا من ليف المقل على ماقال أبو الفتح ومن أى ليف على ماقيل وقيل من لحاء شجر باليمن يسمى المسد وروى ذلك عن ابن زيد وقد يكون كما فى البحر من جلود الابل أو أوبارها ومنه قوله ومسد أمر من أيانق
ليست بانياب ولا حقائق أى فى عنقها مما مسد من الحبال والمراد تصويرها بصورة الحطابة التى تحمل الحزمة وتربطها فى جيدها تخسيسا لحالها وتحقيرا لها لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها اذا كانا فى بيت العز والشرف وفى منصب الثروة والجدة ولقد عير بغض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبى لهب بحاله الحطب فقال مذا أردت الى شتمى ومنقصتى
ام ماتعير من حمالة الحطب غراء شادخة غى الجد غرتها
كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب وقد أغضبها ذلك فيروى أنها لما سمعت السورة أتت أبا بكر رضى الله تعالى عنه وهومع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى المسجد وفى يدها فهر فقالت أن صاحبك قد هجانى ولافعلن وأفعلن وان كان شاعرا فانا مثله أقول مذمما أبينا
ورينه قلينا
وأمره عصينا وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلى تعالى عليه وسلم فروى أن أبا بكر قال لها هل ترى معى أحدا فقالت أتهزأ بى لاأرى غيرك فسكت أبو بكر ومضت وهى تقول قريش تعلم انى بنت سيدها فقال رسول الله عليه الصلاة و السلام لقد حجبنى عنها ملائكة فما رأتنى وكفى الله تعالى شرها وقيل ان ذلك ترشيح للمجاز بناء على اعتباره فى حمالة الحطب وفى الكشاف يحتمل أن يكون المعنى تكون فى نار جهنم على الصورة التى كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله فى جرمه وعيه فالحبل مستعار للسلسلة وروى هذا عن عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان وأمر الاعراب على مافى الكشف انه أن نصب حمالة يكون حالا هو والجملة أعنى فى جيدها حبل علعن المعطوف على ضميلر سيصلى أى ستصلى امرأته على هذه الحالة أو يكون حمالة نصبا على الذم والجملة وحدها حالا أو امرأته فى جيدها حبل جملة وقعت حالا عن الضمير ويحتمل عطف الجملة على الجملة على ضعف وعلى الرفع يحتمل أن تكون الجملة حالا وان يكون امرأته عطفا على الفاعل وحمالة الحطب فى جيدها جملة لامحل لها من الاعراب وقعت بيانا لكيفية صليها أى هى حمالة الحطب انتهى فتأمل ولاتغفل وعلى جميع الاوجه والاحتمالات انما لم يقل سبحانه فى عنقها والمعروف أن يذكر العنق مع الغل ونحوه مما فيه امتهان كما قال تعالى فى اعناقهم أغلالا والجيد مع الحلى كقوله
او أحسن من جيد المليحة حليها
ولو قال عنقها كان غثا من الكلام قال فى الروض الانف لانه تهكم نحو فبشرهم بذاب أليم اى لاجبد لها فيحلى ولو لكانت حليته هذه لتحقيرها قيل امرأته ولم يقل زوجه انتهى وهو بديع جدا الا انه يعكر على آخره قوله تعالى وامرأته قائمة ولعله استعان ههنا على ماقال بالمقام وعن قتادة انه كان فى جيدها قلادة من ودع وفى معناه قول الحسن من خرز وقال ابن المسيب كانت قلادة فاخرة من جوهر وأنها قالت واللات والعزى لانفقنها على عداوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ولعل المراد على هذا انها تكون في نار جهنم ذات قلادة من حديد ممسود بدل قلادتها التي كانت تقول فيها
(30/264)

لانفقنها الخ وعلى ما قبله تهجين أمر قلادتها لتأكيد ذمها بالبخل الدال عليه قوله تعالى حمالة الحطب على ما نقلناه سابقا عن قتادة ويحتمل غير ذلك ووجه التعبير بالجيد على ماذكر مما لايخفى وزعم بعضهم أن الكلام يحتمل أن يكون دعاء عليها بالخنق بالحبل وهو عن الذهن مناط الثريا نعم ذكر انها ماتت يوم ماتت مخنوقة بحبل حملت به حزمة حطب لكن هذا لايستدعى حمل ماذكر على الدعاء هذا 0 واستشكل أمر تكليف أبى لهب بالايمان مع قوله تعالى سيصلى الخ بأنه بعد أن أخبر الله تعالى عنه بأنه سيصلى النار لابد أن يصلاها ولايصلاها الا الكافر فالاخبار بذلك يتضمن الاخبار بانه لايؤمن أصلا فمتى كان مكلفا بالايمان متى جاء به النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومنه ماذكر لزم أن يكون مكلفا بان يؤمن بان لايؤمن أصلا وهو جمع بين النقيضين خارج عن حد الامكان وأجيب عنه بأن ماكلفه هو الايمان بجميع ماجاء به النبى عليه الصلاة و السلام اجمالا لا الايمان بتفاصيل مانطق به القرآن الكريم حتى يلزم أن يكلف الايمان بعدم ايمانه المستمر ويقال نحو هذا فى الجواب عن تكليف الكافرين المذكورين فى قوله تعالى قل ياأيها الكافرون الخ بالايمان بناء على تعينهم مع قوله تعالى ولاأنتم عابدون ما أعبد الخ بناء على دلالته على استمرار عدم عبادتهم مايعبد عليه الصلاة و السلام وأجاب بعضهم بأن قوله تعالى سيصلى الخ ليس نصا فى أنه لايؤمن أصلا فان صلى النار غير مختص بالكفار فيجوز أن يفهم أبو لهب منه أن دخوله النار لفسقه ومعاصيه لا لكفره ولايجرى هذا فى الجواب عن تكليف أولئك الكافرين بناء على فهمهم السورة ارادة بالاستمرار وأجاب بعض آخر بان من جاء فيه مثل ذلك وعلم به مكلف بان يؤمن بما عداه مما جاء به صلى الله تعالى عليه وسلم وأجاب الكعبى وأبو الحسين البصرى وكذا القاضى عبد الجبار بغير ماذكر مما رده الامام وقيل فى خصوص هذه الآية أن المعنى سيصلى نارا ذات لهب ويخلد فيها ان مات ولم يؤمن فليس ذلك مما هو نص فى أنه لايؤمن وما لهذه الاجوبة وما عليها يطلب من مطولات كتب الاصول والكلام واستدل بقوله تعالى وامراته على صحة أنكحة الكفار والله تعالى أعلم سورة الاخلاص 2 1 وسميت بها لما فيها من التوحيد ولذا سميت أيضا بالاساس أصل لسائر أصول الدين وعن كعب كما قال الجاحظ بن رجب أسست السموات السبع والارضون السبع على هذه السورة قل هو الله أحد ورواه الزمخشرى عن أبى وأنس مرفوعا ولم يذكره أحد من المحدثين المعتبرين كذلك وكيف كان المراد فالمراد به كمال قال ماخلقت السموات والارضون الا لتكون دلائل على توحيد الله تعالى ومعرفة صفاته التى تضمنتها هذه السورة وقيل معنى تأسيسها عليها انها انما خلقت بالحق كما قال تعالى وما خلقنا السموات والارض ومابينهما لاعبين ماخلقناهما الا بالحق وهو العدل والتوحيد وهوان لم يرجع الى الاول لايخلو عن نظر وقيل المراد أن مصحح ايجادهما أى بعد امكانهما الذاتى ما أشارت اليه السورة من وحدته عز و جل واستحالة ان يكون له سبحانه تعالى شريك اذ لولا ذلك لم يمكن وجودهما لا مكان التمانع كما قرره بعض الاجلة في توجيه برهانية قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا وفيه بعد وتسمى أيضا سورة قل هو الله أحد كما هو مشهور يشير اليه الاثر أيضا والمقشقشة لما سمعت فى تفسير سورة الكافرون وسورة التوحيد وسورة التفريد وسورة التجريد وسورة النجاة وسورة الولاية وسورة المعرفة لان معرفة الله تعالى انما تتم بمعرفة مافيها وفى اثر أن رجلا صلى فقرأها فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ان هذا عبد عرف ربه وسورة الجمال قيل لما روى انه عليه الصلاة و السلام قال ان الله جميل يحب
(30/265)

الجمال فسألوه صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك فقال احد صمد لم يلد ولم يولد ولااظن صحة الخبر وسورة النسبة لورودها جوابا لمن قال انسب لنا ربك على ماستسمعه ان شاء الله تعالى وقيل لما اخرجه الطبرانى من طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرايفى عن الوازع بن نافع عن أبى سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لكل شىء نسبة ونسبة الله تعالى قل هو الله احد الله الصمد وهو كما قال الجاحظ ابن رجب ضعيف جدا وعثمان يروى المناكير وفى الميزان انه موضوع وسورة الصمد وسورة المعوذة لما أخرج النسائى والبزار وابن مردويه بسند صحيح عن عبد الله بن أنيس قال أن رسول الله صالى الله تعالى عليه وسلم وضع يده على صدرى ثم قال قل فلم أدرى ما أقول ثم قال قل هو الله أحد فقلت حتى فرغت منها ثم قال قل أعوذ برب الفلق من شر ماخلق فقلت حتى فرغت منها ثم قال قل أعوذ برب الناس فقلت حتى فرغت منها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هكذا فتعوذ وما تعوذ المتعوذون بمثلهم قط ووسورة المانعة قيل لما روى ابن عباس أنه تعالى قال لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم حين عرج به أعطيتك سورة الاخلاص وهى من ذخائر كنوز عرشى وهى المانعة تمنع كربات القبر ونفحات النيران والظاهر عدم صحة هذا الخبر ويعارضه ماأخرجه ابن الضريس عن أبى أمامة أربع آيات نزلت من كنز العرش لم ينزل منه غيرهن أم الكتاب وآية الكرسى وخاتمة سورة البقرة والكوثر وحكمه حكم المرفوع بل أخرجه الشيخ ابن حبان والديلمى وغيرهما بالسند عن أبى أمامة مرفوعا وسورة المحضر قيل لان الملائكة عليهم السلام تحضر لاستماعها اذا قرئت وسورة المنفرة قيل لان الشيطان ينفر عند قرائتها وسورة البراءة قيل لما روى أنه عليه الصلاة و السلام رأى رجلا يقروها فقال أما هذا فقد برىء من الشرك ولم أدر من روى ذلك نعم روى أبو نعم من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن مهاجر قال سمعت رجلا يقول صحبت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى سفر فسمع رجلا يقرأ قل ياأيها الكافرون فقال قد برىء من الشرك وسمع آخر يقرأ قل هو الله أحد فقال غفر له وعليه فألحق بهذا الاسم سورة الكافرون ولعل الاولى أن يقال سميت بذلك لما فى حديث الترمذى عن أنس من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة كتب الله تعالى له براءة من النار وسورة المذكرة لانها تذكر خالص التوحيد وسورة النور قيل لما روى من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم ان لكل شىء نورا ونور القرآن قل هو الله أحد وسورة الايمان لانه لايتم بدون ماتضمنته من التوحيد وقد ذكر معظم هذه الاشياء الامام الرازى وبين وجه التسمية بها بما بين والرجل رحمه الله تعالى ليس بامام فى معرفة أحوال المرويات لايميز غثها من سمينها أو لايبالى بذلك فيكتب ماظفر به وان عرف شدة ضعفه وهى مكية فى قول عبد الله والحسن عكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة مدنية فى قول ابن عباس ومحمد ابن كعب وأبى العالية والضحاك قاله فى البحر وخبر ابن عباس السابق ان صح ظاهر فى انها عنده مكية وفى الاتقان فيها قولان لحديثين فى سبب نزولها متعارضين وجمع بعضهم بينهما بتكرر نزولها ثم ظهلر لى ترجيح انها مدنية ا ه وعلى مافى الكتابين لايخفى مافى قول الدوانى انها مكية بالاتفاق من الدلالة على قلة الاطلاع وآيها خمس فى المكى والشامى أربع فى غيرهما ووضعت هنا قيل للوزان فى اللفظ بين فواصلها ومقطع سورة المسد وقيل وهو الاولى انها متصلة بقل ياأيها الكافرون فى المعنى فهما بمنزلة كلمة التوحيد فى النفى الاثبات ولذا يسميان المقشقشتين وقرن بينهما فى القراءة فى صلوات كثيرة على ماقاله بعض الائمة كركعتى الفجر والطواف والضحى وسنة المغرب وصبح المسافر ومغرب ليلة الجمعة الا انه فصل بينهما بالسورتين لما تقدم من الوجه ونحوه وكان في ايلائها سورة تبت ردا على أبى لهب بخصوصه وجاء فى أخبار كثيرة تدل على مزيد فضلها منها ما تقدم
(30/266)

آنفا وروى مبارك بن فضالة عن أنس ان لرجلا قال يارسول الله انى أحب هذه السورة قل هو الله أحد قال ان حبك اياها أدخلك الجنة وأخرجه الامام أحمد فى المسند عن أبى النضر عن مبارك المذكور عن أنس وذكر البخارى ان حبها يوجب دخول الجنة تعليقا وروى مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن قال سمعت ابا هريرة يقول أقبلت مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجبت قلت وما وجبت قال الجنة وأخرجه النسائى والترمذى وقال حديث صحيح لانعرفه الا من حديث مالك وأخرج أبو داود وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب عن بريدة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم انى أسألك بانى أشهد أنك أنت الله لااله الا انت الاحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والذى نفسى بيده لقد سأل الله باسمه الاعظم الذى اذا دعى به أجاب واذا سئل به اعطى وفى المسند عن محجن بن الادرع ان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم دخل المسجد فاذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد ويقول انى أسألك يا الله الواحد الاحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لى ذنوبى انك انت الغفور الرحيم فقال نبى الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث مرات قد غفر له قد غفر له قد غفر له وأخرج البخارى ومالك وأبو داود والنسائى عن أبى سعيد ان رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء الى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والذى نفسى بيده انها لتعدل ثلث القرآن وأخرج أحمد والنسائى فى اليوم والليلة من طريق هشيم عن ابىبن كعب أو رجل من الانصار قال رسول الله صلى تعالى عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد فكانما قرأ بثلث القرآن وفى رواية يوسف بن عطية الصفار بسنده عن أبى مرفوعا من قرأقا هو الله أحد فكانما قرأ ثلث القرآن وكتب له من الحسنات بعدد من أشرك بالله تعالى وآمن به وجاء انهلا تعدل ثلث القرآ ن فى عدة أخبار مرفوعة وموقوفة وفى المسند من طريق ابن لهيعة عن عن احرث بن يزيد عن أبى الهيثم عن أبى سعيد قال بات قتادة بن النعمان يقرأ الليلة كله بقل هو الله أحد فذكر ذلك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقال والذى نفسى بيده انها لتعدل نصف القرآن أو ثلثه وحمل على الشك من الراوى والروايات تعين الثلث واختلف فى المراد بذلك فقيل المراد أنها باعتبار معناها ثلث من القرآن المجزأ الى ثلاثة لا أن ثواب قراءتها ثلث ثواب القرآن والى هذا ذهب جماعة لكنهم اختلفوا فى بيان ذلك فقيل أن القرآن يشتمل على قصص وأحكام وعقائد وهى كالها مما يتعلق بالعقائد فكانت ثلثا بذلك الاعتبار وقال تالغزالى في الجواهر ماحاصله هى عدل ثلثه باعتبار أنواع العلوم الثلاثة اتى هى أم القرآن علم المبدأ وعلم المعاد وعلم مابينهما أعنى علم الصراط المستقيم وقال الجونى المطالب التى فى القرآن معظمها الاصول الثلاثة اتى بها يصح الاسلام ويحصل الايمان وهى معرفة الله تعالى والاعتراف بصدق رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم واعتقاد القيام بين يديه وهذه السورة تفيد الاصل الاول فهى ثلثه من هذا الوجه وقيل القرآن قسمان خبر وانشاء والخبر قسمان خبر عن الخالق وخبر عن المخلوق فهذه ثلاثة أثلاث وسورة الاخلاص أخلصت الخبر عن الخالق فهى بهذا الاعتبار ثلث وهذا كما ترى وأياما كان قيل لاتنافى بين رواية الثلث ورواية عدل القرآن كله المذكورة فى الكشاف على تقدير ثبوتها لجواز ان يقال هى عدل القرآن باعتبار ان المقصود التوحيد ومادعاه ذرائع اليه ويؤيد اعتبار الاجزاء انفسها دون الثواب ما فى صحيح مسلم من طريق قتادة عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى اله تعالى عليه وسلم قال أيعجز أحدكم ان يقرأ كل يوم ثلث القرآن قالوا نعم قال فان الله جزأ القرآن
(30/267)

ثلاثة أجزاء فقل هو الله أحد ثلث القرآن وقيل المراد تعدل الثلث ثوابا بالظواهر الاحاديث وضعف ذلك ابن عقيل وقال لايجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات فيكون ثواب قراءة القرآن بتمامه أضعافا مضاعفة بالنسبة لثواب قراءة هذه السورة والدوانى أورد هذا اشكالا على هذا القول ثم أجاب بان للقارىء ثوابين تفصيليا بحسب قلراءة الحروف واجماليا بسب ختمه القرآن فثواب قل هو الله أحد يعدل ثلث ثواب الختم الاجمالى لاغيره ونظيره اذا عين أحد لمن يبنى له دارا فى كل يوم دنانير وعين له اذا أتمه جائزة أخرى غير أجرته اليومية وفى شرح البخارى للكرمانى فان قلت المشقة فى قراءة الثلث أكثر منها فى قراءتها 0 فكيف يكون حكمه حكمها قلت يكون ثواب قراءة الثلث بعشر وثواب قراءتها بقدر ثواب ملرة منها لان التشبيه فى الاصل دون الزائد وتسع منها فى مقابلة زيادة المشقة وقال الخفاجى بعد أن قال ليس فيما ذكر مايثلج الصدر ويطمئن له البال والذى عندى فى ذلك ان للنظر فى معنى كلام الله تعالى المتدبر لآياته ثوابا وللتالى له وان لم يفهمه ثواب آخر فالمراد ان من تلاها مراعيا حقوق ادائها فاهما دقيق معانيها كانت تلاوته لها مع تاملها وتدبرها تعدل ثواب تلاوة ثلث القرآن من غير نظر فى معانيه أو ثلث ليس فيه ما يتعلق بمعرفة الله تعالى وتوحيده ولابدع فى أشرف المعنى اذا ضم لبعض من أشرف الالفاظ أن يعدل من جنس تلك الالفاظ مقدارا كثيرا كلوح ذهب زنته عشرة مثاقيل مرصع بانفس الجواهر يساوى ألف مثقال ذهبا فصاعدا انتهى ولاأرى له كثير امتياز على غيره مما تقدم والذى اختاره ان يقال لامانع من ان يخص الله عز و جل بعض العبادات التى ليس فيها كثير مشقة بثواب اكثر من ثواب ماهو جنسها واشق منها باضعاف مضاعفة وهو سبحانه الذى لاحجر عليه ولايتناهى جوده وكرمه فلا يبعد ان يتفضل جل وعلا على قارىء القرآن بكل حرف عشر حسنات ويزيد على ذلك اضعافا مضاعفة جدا لقارىء الاخلاص بحيث يعدل ثوابه ثواب قارىء ثلث منه غير مشتمل على تلك السورة ويفوض حكمة التخصيص الى علمه سبحانه وكذا يقال فى أمثالها وهذا مراد جعل ذلك من المتشابه الذى استأثر الله تعالى بعلمه وليس هذا بابعد ولاأبدع من تخصيص بعض الازمنة والامكنة الماهية بان للعبادة منه ولو قليلة من الثواب مابزيد أضعافا مضاعفة على ثواب العبادة فى مجاوره مثلا ولو كثيرة بل قد خص سبحانه بعض الازمنة والامكنة بوجوب العبادة وفى بعضها بحرمتها فيه وله سبحانه فى كل ذلك من الحكم ماهو به أعلم وقال ابن عبد البر السكوت فى هذه المسئلة أفضل من الكلام فيها وأسلم وكذلك حديث معاوية بن معاوية الليثى الذى افتتح به الامام الكلام فى هذه السورة الكريمة خرجه الطبرانى وأبو يعلى من طرق كلها ضعيفة والاحاديث الصحيحة الواردة فيها تكفى فى فضلها بل
(30/268)

قيل لذلك انها أفضل سورة فى القرآن ومنهم من استدل عليه بما روى الدارمى فى مسنده عن أبى المغيرة عن صفوان الكلاعى قال قال رجل يارسول الله أى سور القرآن أعظم قال قل هو الله أحد وفى المسند من طريقى معاذ بن رفاعة وأسيد بن عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت فى التوراة والانجيل والزبور والقرآن العظيم قلت بلى قال فاقرأنى قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم قال ياعقبة لاتنساهن ولاتبت ليلة حتى تقرأهن وروى الترمذى بعض هذا الحديث وحسنه ولايدل على أنها أفضل سور القرآن مطلقا بل على أنها من الافضل وقال ابن الحصاد العجب ممن ينكر الاختلاف فى الفضل مع كثرة النصوص الواردة فيه واختلف القائلون بالتفضيل فقال بعضهم الفضل راجع الى عظم ومضاعفة الثواب بحسب انتقالات النفس وخشيتها وتدبرها عند أوصاف العلا وقيل بل يرجع لذات اللفظ فان تضمنته سورة الاخلاص مثلا من الدلالة على الوحدانية وصفاته تعالى ليس موجودا فى تبت مثلا فالتفضيل انما هو بالمعانى العجيبة وكثرتها ونقل الحليمى عن البيهقى ان معنى التفضيل بين الآيات والسور يرجع الى أشياء أحدها أن يكون العمل بها أولى من العمل باخرى واعود على الناس وعلى هذا يقال فى آيات الامر والنهى والوعد والوعيد خير من آيات القصص لانه انما أريد بها تأكيد الأمر والنهى الانذار والتنشير ولاغنى للناس عن هذه الامور وقد يستغنون عن القصص فكان ماهو اعود عليهم وانفع لهم مما يجرى مجرى الاصول خير لهم مما يجعل تبعا لما لابد منه الثانى ان يقال الآيات التى تشتمل على تعديد اسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته عز و جل افضل بمعنى انها واجل قدرا مما لاتشتمل على ذلك الثالث لن يقال سورة خير من سورة أو آية خير من آية بمعنى ان القارىء يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل وبتادى منه بتلاوتها عبادة كآية الكرسى والاخلاص والمعوذتين فان قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله تعالى ويتادى بتلاوتها عبادة الله سبحانه لما فيها من ذكره تعالى بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد لها وسكون النفس الى فضل ذلك الذكر وبركته واما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها اقامة حكم وانما يقع بها علم وقد يقال ان سورة افضل من سورة لان الله تعالى جعل قراءتها كقراءة اضعافها مما سواها واوجب بها من الثواب ما لم يوجب سبحانه لغيرها وان كان المعنى الذى لاجله بلغ بها هذا المقدار لايظهر لنا وهذا نظير مايقال فى تفضيل الازمنة والامكنة بعضها على بعض على ماسمعت آنفا وبالجملة التفضيل باحد هذه الاعتبارات لاينافى كون الكل كلام الله عز و جل ومتحد النسبة اليه سبحانه كما لايخفى والله تعالى أعلم 0 بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد المشهور أن ضمير الشأن ومحله الرفع على الابتداء خبره الجملة بعده ومثلها لايكون لها رابط لانها عين المبتدأ فى المعنى والسر فى تصديرها به التنبه من أول الأمر على فخامة مضمونها مع مافيه من زيادة التحقيق والتقرير فان الضمير لا يفهم من أول الامر الا شأن مبهم له خطر جليل فيبقى الذهن مترقبا لما أمامه مما يفسره ويزيل ابهامه فيتمكن عند وروده له فضل تمكن وقول الشيخ عبد القاهر فى دلائل الاعجاز ان له مع ان حسنا بل لايصح بدونها غير مسلم نعم قال الشهاب القاسمى ان ههنا اشكالا لانه ان جعل الخبر مجموع معنى الجملة المبين فى باب القضية أعنى مجموع الله أحد والنسبة بينهما ففيه ان الظاهر ان ذلك المجموع ليس هو الشأن مضمون الجملة الذى هو مفرد أعنى الوحدانية وان جعل مضمون الجملة الذى هو مفرد فتخصيص عدم الرابط بالجملة المخبر بها عن
(30/269)

ضمير الشأن غير متجه اذ كل جملة كذلك لان الخبر لابد من اتحاده بالمبتدأ بحسب الذات ولايتحد به كذلك الا مضمون الجملة الذى هو مفرد وأجيب باختيار الشق الاول كما يرشد اليه تعبيرهم عن هذا الضمير احيانا بضمير القصة ضرورة أن مضمون الجملة الذى هو مفرد ليس بقصة وانما القصة معناها المبين فى باب القضية وأيضا يعدون مثل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم أحق ماقال العبد وكلنا لك عبد لامانع لما أعطيت ولامعطى لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولاينفع ذا الجد منك الجد من الجمل التى هى عين المبتدأ فى المعنى الغير المحتاجة الى الضمير لذلك ومن المعلوم أن ما يقال ليس المضمون الذى هو مفرد بل هو الجملة بذلك المعنى ولذا تراهم يوجبون كسر همزة ان بعد القول وكذا تمثيلهم لها بنطقى الله حسبى وكفى أى منطوقى أى منطوقى الذى أنطق به ذلك اذ من الظاهر أن مانطق به الجملة بالمعنى المعروف وقد دل كلام ابن مالك فى التسهيل على المراد يكون الجملة التى لاتحتاج الى رابط عين المبتدأ انها وقعت خبرا عن مفرد مدلوله جملة وهو ظاهر فيما قلنا ايضا وكون ذلك شانا اى عظيما من الامور باعتبار ماتضمنه ووصف الكلام بالعظم ومقابله بهذا الاعتبار شائع ذائع وقال العلامة احمد الغنيمى ان اريد أنها عينه بحسب المفهوم فهو مشكل لعدم الفائدة وان اريد عينه بحسب المصدق مع التغاير فى المفهوم كما هو شأن سائر الموضوعات مع محمولاتها فقد يقال انه مشكل ايضا اذ ماصدق ضمير الشأن أعم من الله أحد والخالص لايحمل على العام فى القضايا الكلية ودعوى الجزئية فى هذا المقام ينبو عنه تصريحهم بأن ضمير الشأن لايخلو عن ابهام وبعبارة أخرى ان ماصدق عليه ضمير الشأن مفرد وماصدق الجملة مركب ولاشىء من المفرد بمركب ولذا تراهم يؤولون الجملة الواقعة خبرا بمفرد صادق على المبتدأ ليصح وقوعها خبرا عن ضمير الشأن ينافيه تصريحهم بانها غير مؤولة بالمفرد وان كانت فى موقعه وأجيب بان معنى قولهم هو ضمير الشأن انه ضمير راجع اليه الموضوع موضعه وان لم يسبق له ذكر للايذان بانه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد واليه يشير كل مشير وعليه يعود كل ضمير وقولهم فى عد الضمائر التى ترجع الى متأخر لفظا ورتبة منها ضمير الشأن فانه راجع الى الجملة بعده مسامحة ارتكبوها لان بيان الشأن وتعيين المراد به بها فما صدق الضمير هو بعينه ماصدق الشأن الذى عاد هو عليه فيختار الشق الثانى فاما ان يراد بالشأن الشأن المعهود ادعاء وتجعل القضية شخصية نظير هذا زيد واما أن يراد المعنى الكلى وتجعل القضية مهملة وهى فى قوة الجزئية كأنه قيل بعض الشان الله أحد وجاء الابهام الذى ادعى تصريحهم به من عدم تعين البعض قبل ذكر الجملة وحملها عليه وماصدق عليه الشان كما يكون مفردا يكون جملة فليكن هنا كذلك واستمحد الاول واحتمال الكلية مبالغة نحو كل الصيد فى جوف الفرا كما ترى فليتأمل وجوزوا ان يكون هو ضمير المسؤل عنه أو المطلوب صفته أو نسبته فقد أخرج الامام أحمد فى مسنده والبخارى فى تاريخه والترمذى والبغوى فى معجمه وابن عاصم فى السنة والحاكم وصححه وغيرهم عن أبى كعب ان المشركين قالوا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يامحمد انسب لنا ربك فانزل الله تعالى قل هو الله أحد السورة وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبرانى فى الاوسط والبيهقى بسند حسن وآخرون عن جابر قال جاء اعرابى الى صلى الله تعالى عليه وسلم فقال انسب لنا ربك فانزل الله تعالى قل هو الله أحد الخ وفى المعالم عن ابن عباس ان عامر بن الطفيل وأريد ابن ربيعة أتيا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقال عامر الام تدعونا يامحمد قال الى الله قالا صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أو من حديد أو من خشب فنزلت هذه السورة فاهلك الله تعالى اربد بالصاعقة وعامرا بالطاعون وأخرج بن أبى حاتم فى الاسماء والصفات عن ابن عباس ان اليهود جاءت الى النبى عليه الصلاة
(30/270)

والسلام منهم كعب بن الاشرف وحيى بن أخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذى بعثك فانزل الله تعالى السورة وكون السائلين اليهود مروى عن الضحاك وابن جبير وقتادة ومقاتل وهو ظاهر فى أن السورة مدنية وجاز رجوع الضمير الى ذلك للعلم به من السؤال وجرى ذكره فيه وهو عليه المبتدأ والاسم الجليل خبره وأحد خبر بعد خبر وأجاز الزمخشرى أن يكون بدلا من الاسم الجليل على ماهو المختار من جواز ابدال النكرة من المعرفة وان يكون خبر مبتدأ محذوف أى هو أحد وأجاز أبو البقاء ان يكون الاسم الاعظم بدلا من هو وأحد خبره والله تعالى وتقدس علم على الذات الواجب الوجود كما ذهب اليه جمهور الاشاعرة وغيرهم خلافا للمعتزلة حيث قالوا العلم في حقه سبحانه محال لان أحدا لايعلم ذاته تعالى المخصوص بخصوصية حتى يوضع له وانما يعلم بمفهومات كلية منحصرة فى فرد فيكون اللفظ موضوعا لامثال تلك المفهومات الكلية فلا يكون علما ورد بانه تعالى عالم بخصوصية ذاته فيجوز أن يضع لفظا بازائه بخصوصه فيكون علما وهذا على مذهب القائلين بأن الوضع هو الله تعالى ظاهر الا انه يلزم أن يكون مايفهم لفظ الله غير ماوضع له اذلايعلم غيره تعالى خصوصية ذاته تعالى التى هى الموضع له على هذا التقدير والقول بانه يجوز ان يكون المفهوم الكلى آلة للوضع ويكون الموضوع له هو الخصوصية التى يصدق عليها المفهوم الكلى كما قيل فى هذا ونظائره يلزم عليه ايضا ان يكون وضع اللفظ لما لايفهم منه فانا لانفهم من أسمائه تعالى الا تلك المفهومات الكلية والظاهر ان الملائكة عليهم السلام كذلك لاحتجاب ذاته عز و جل عن غيره سبحانه ومن هنا استظهر بعض الاجلة ما نقل عن حجة الاسلام ان الاشبه ان الاسم الجليل جار فى الدلالة على الموجود الحق الجامع لصفات الالهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقى مجرى الاعلام اى وليسى بعلم وقد مر مايتعلق بذلك أول الكتاب فارجع اليه بقى فى هذا المقام بحث وهو ان الاعلام الشخصية كزيد اما ان يكون كل منها موضوعا للشخص المعين كما هو المتبادر المشهور فاذا اخبر أحد بتولد ابن له فسماه زيدا مثلا من غير ان يبصره يكون ذلك اللفظ اسما للصورة الخيالية التى حصلت فى مخيلته وحينئذ اذا لم يكن المولود بهذه السورة لم يكن اطلاق الاسم عليه بحسب ذلك الوضع ولو قيل بكونه موضوعا للمفهوم الكلى المنحصر فى ذلك الفرد لم يكن علما كما سبق ثم اذا سمعنا علما من تلك الاعلام الشخصية ولم نبصر مسماه أصلا فانا لانفهم الخصوصية التى هو عليها بل ربما تخيلناه عل غير ماهو عليه الصور واما يكون جميع تلك الصور الخيالية موضوعا له فيكون من قبيل الالفاظ المشتركة بين معان غير محصورة واما أن يكون الموضوع له هو الخصوصية التى هو عليها فقط فيكون غيرها خارجا عن الموضوع له فيكون فهم غيرها من الخصوصيات منه غلطا فاما أن يترك دعوى كون تلك الاعلام جزئيات حقيقية ويقال انها موضوعات للمفهومات الكلية المنحصرة فى الفرد أو يلتزم أحد الاحتمالات الاخر وكلا الوجهين محل تامل كما ترى فتامل واحدا قالوا همزته مبدلة من الواو وأصله وحد وابدال الواو المفتوحة همزة قليل ومنه قولهم امرأة أناة يريدون وناة لانه من الونى وهو الفتور وهذا بخلاف أحد الذى يلازم النفى ونحوه ويراد به العموم كما في قوله تعالى فما منكم من أحد عنه حاجزين وقوله عليه الصلاة و السلام أحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبلى وقوله تعالى هل تحس منهم أحد وقوله سبحانه فلا تدعوا مع الله أحدا وقوله عز و جل وان أحدا من المشركين استجارك فان همزته أصلية وقيل الهمزة فيه أصلية كالهمزة فى الآخر والفرق بينهما قال الراغب ان المختص بالنفى منهما لاستغراق جنس الناطقين ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق على نحو ما فى الدار
(30/271)

أحد أى لا واحد ولا اثنان فصاعدا لامجتمعين ولامفترقين ولهذا لم يصح أستعماله فى الاثبات لان النفى المتضادين يصح ولايصح اثباتهما فلو قيل فى الدار أحد لكان فيه أثبات واحد منفرد مع اثبات مافوق الواحد يصح ان يقال مامن أحد فاضلين وعليه الآبة المذكورة آنفا والمستعمل فى الاثبات على ثلاثة أوجه الاول ان يضم الى العشرات نحو أحد عشر وأحد وعشرون والثانى أن يستعمل مضافا أو مضافا اليه بمعنى الاول كما فى قوله تعالى أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وقولهم يوم الاحد أى يوم الاول والثالث أن يستعمل مطلقا وصفا وليس ذلك الا فى وصف الله تعالى وهو أن كان أصله واحدا الا أن أحدا يستعمل فى غيره سبحانه نحو قول النابغة كأن رحلى وقد زال النهار بنا
بذى الجليل على مستأنس وحدى انتهى 0 وقال مكى أصل أحد واحد فابدلوا الواو همزة فاجتمع ألفان لان الهمزة تشبه الالف فحذفت احداهما تخفيفا وفرق ثعلب بين أحد وواحد بان أحدا لايبنى عليه العدد ابتداء فلايقال احد واثنان كما يقال واحد واثنان ولايقال رجل أحد كما يقال رجل واحد ولذلك اختص به سبحانه وفرق بعضهم بينهما أيضا بأن الاحد فى النفى نص فى العموم بخلاف الواحد فانه محتمل للعموم وغيره فيقال مافى الدار أحد ولايقال بل أثنان ويجوز ان يقال مافى الدار واحد بل اثنان ونقل عن بعض الحنفية انه قال فى التفرقة بينهما ان فى الاحدية لاتحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية تحتملها لانه يقال مائة واحد والف واحد ولايقال مائة أحد الا ألف أحد وبنى على ذلك مسئلة الامام محمد بن الحسن التى ذكرها فى الجامع الكبير اذا كان لرجل أربع نسوة فقال والله لاأقرب واحدة منكن صار موليا منهن جميعا ولم يجز ان يقرب واحدة منهن الا بكفارة ولو قال والله لاأقرب أحداكن لم يصر موليا الا من احداهن والبيان اليه وفرق الخطابى بأن الاحدية لتفرد الذات والواحدية لنفى لمشاركة فى الصفات ونقل عن المحققين التفرقة بعكس ذلك ولما لم ينفك فى شأنه تعالى أحد الامرين من الآخر قيل الواحد الاحد فى حكم أسم واحد وفسر الاحد هنا ابن عباس وأبو عبيدة كما قال الجوزى بالواحد وأيد بقراءة الاعمش قل هو الله الواحد وفسر بما لايتجزأ ولاينقسم وقال بعض الاجلة أن الواحد مقول على ماتحته بالتشكيك فالمراد به هنا حيث أطلق المتصف بالواحدية التى لايمكن أن يكون أزيد منها ولاأكمل فهو مايكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد خارجا وذهنا ومايستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة فى الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للالوهية وهو مأخوذ من كلام الرئيس أبى على بن سينا فى تفسيره السورة الجليلة حيث قال ان أحدا دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لاكثرة هناك أصلا لاكثرة معنوية وهى كثرة المقومات والاجناس والفصول وكثرة الاجزاء الخارجية المتمايزة عقلا كما فى المادة والصورة والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما فى الجسم وذلك يتضمن لكونه سبحانه منزها عن الجنس والفصل والمادة والصورة والاعراض والابعاض والاعضاء والاشكال والالوان وسائر مايثلم الوحدة الكاماة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه عز و جل عن أن يشبهه شىء أويساويه سبحانه شىء وقال ابن عقيل الحنبلى الذى يصح لنا من القول مع اثبات الصفات أنه تعالى واحدا فى الهيته لاغير وقال غيره من السلفيين كالجاحظ ابن رجب هو سبحانه الواحد فى الهيته
(30/272)

وربوبيته فلا معبود ولارب سواه عز و جل واختار بعد وصفه تعالى بما ورد له سبحانه من الصفات أن المراد الواحدية الكاملة وذلك على الوجهين كون الضمير للشأن وكنه للمسؤل عنه ولايصح أن يراد الواحد بالعدد أصلا اذ يخلوا الكلام عليه من الفائدة وذكر بعضهم أن الاسم الجليل يدل على جميع صفات الكمال وهى الصفات الثبوتية ويقال لها صفات الاكرام أيضا والاحد يدل على جميع صفات الجلال وهى الصفات السلبية ويتضمن الكلام على كونهما خبرين الاخبار بكون المسؤل عنه متصفا بجميع الصفات الجلالية والكمالية وتعقب بان الهية جامعة لجميع ذلك بل كل واحد الاسماء الحسنى كذلك لان الهوية الالهية لايمكن التعبير عنها لجلالتها وعظمتها الا بأنه هو هو وشرح تلك الهوية بلوازم منها ثبوتية ومنها سلبية واسم الله تعالى متناول لهما جميعا فهو اشارة الى هويته تعالى والله سبحانه كالتعريف لها فلذا عقب به وكلام الرئيس ينادى بذلك وسنشير اليه ان شاء الله تعالى وقرأ عبد الله وابى هو الله احد بغير قل وقد اتفقوا على انه لابد منها فى قل ياأيها الكافرون ولاتجوز فى تبت فقيل لعل ذلك لان سورة الكافرين مشاقة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم او موادعته عليه الصلاة و السلام لهم ومثل ذلك يناسب ان يكون من الله تعالى لان صلىالله تعالى عليه وسلم مأمور بالانذار والجهاد وسورة تبت معاتبة لابى لهب والنيى عليه الصلاة و السلام على خلق عظيم وأدب جسيم فلو امر بذلك لزم مواجهته به وهو عمه صلى الله تعالى عليه وسلم وهذه السورة توحيد وهو يناسب ان يقول به تارة ويؤمر بان يدعوا اليه أخرى وقيل فى وجه قل فى سورة الكافرون ان فيها مالا يصح ان يكون من الله تعالى كلا أعبد ماتعبدون فلا بد فيها من ذكر قل وفيه نظر لانه لايلزم ذكره بهذا اللفظ فافهم وقال الدوانى فى وجه ترك قل فى تبت لايبعد ان يقال ان القول بمعاتبة أبى لهب اذا كان من الله تعالى كان أدخل فى زجره وتفضيحه وقيل فيه رمز الى أنه لكونه على العلات عمه صلى الله تعالى عليه وسلم لاينبغى أن يهينه بمثل هذا الكلام الا الذى خلقه اذ لايبعد أن يتأذى مسلم من أقاربه لو سبه أحد غيره عز و جل فقد أخرج ابن أبى الدنيا وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضى الله تعالى عنهما قال مرت درة ابنة أبى لهب برجل فقال هذه ابنة عدو الله أبى لهب فاقبلت عليه فقالت ذكر الله تعالى أبى بنباهة وشرفه وترك أباك بجهالته ثم ذكرت ذلك النبى صلى اله تعالى عليه وسلم فخطب فقال لايؤذين مسلم بكافر ثم ان اثبات قل على قراءة الجمهور فى المصحف والتزام قراءتها فى هذه السورة ونظائرها مع أنه ليس من دأب المأمور بقل ان يتلفظ فى مقام الائتمار الا بالمقول قال الماتريدى فى التأويلات لان المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل احد ابتلى بما ابتلى به المأمور فاثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد وقيل يمكن ان يقال المخاطب بقل نفس التالى كأنه تعالى أعلم به أن كا أحد عند مقام هذا المضمون ينبغى أن يامر نفسه بالقول به وعدم التجاوز عنه فتامل والله تعالى الموفق وقوله تعالى الله الصمد مبتدأ وخبر وقيل الصمد نعت والخبر مابعده وليس بشىء 0 والصمد قال ابن الانبارى لاخلاف بين أهل اللغة أنه السيد الذى ليس فوقه أحد الذى يصمد اليه الناس فى حوائجهم وامورهم وقال الزجاج هو الذى ينتهى اليه السودد ويصمد اليه أى يقصده كل شىء وأنشدوا لقد بكلر الناعى بخير بنى أسد
بعمرو بنى مسعود وبالسيد الصمد وقوله علوته بحسام ثم قلت له
خذها خزيت فانت السيد الصمد وعن على أبن ابى طلحة عن ابن عباس انه قال هو السيد الذى قد كمل فى سودده والشريف الذى قد كمل فى شرفه والعظيم
(30/273)

الذي قد كمل فى عظمته والحليم الذي قد كمل فى حلمه والعليم الذي قد كمل فى علمه والحكيم الذى قد كمل فى حكمته وهو الذى قد كمل فى أنواع الشرف والسودد وعن أبى وعن أبى هريرة هو المستغنى عن كل أحد المحتاج أليه كل أحد وعن أبن جبير هو الكامل فى جميع صفاته وافعاله وعن الربيع هو الذى لاتعتريه الآفات وعن مقاتل ابن حيان هو الذى لاعيب فيه وعن قتادة هو الباقى بعد خلقه ونحوه قول معمر هو الدائم وقول مرة الهمدانى هو الذى لايبلى ولايفنى وعنه أيضا هو الذى يحكم مايريد ويفعل مايشاء لامعقب لحكمه ولا راد لقضائه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال لاأعلمه الا قد رفعه قال الصمد الذى لاجوف له وروى عن الحسن ومجاهد ومنه قوله شهاب حروب لاتزال جياده
عوابس يعلكن الشكيم المصمدا وعن أبى عبد الرحمن السلمى عن ابن مسعود قال الصمد الذى ليس له أحشاء وهو رواية عن ابن عباس وعن عكرمة هو الذى لايطعم وفى لرواية أخرى الذى لم يخرج منه شىء وعن الشعبى هو الذى لايأكل ولايشرب وعن طائفة منهم أبى بن كعب والربيع ابن أنس انه الذى لم يلد ولم يولد كانهم جعلوا مابعده تفسير اله والمعول عليه تفسيرا بالسيد الذى يصمد اليه الخلق فى الحوائج والمطالب وتفسيره بالذى لاجوف له وماعداهما اما راجع اليهما أو هو مما لاتساعد عليه اللغة وجعل معنى كونه تعالى سيد أنه مبدأ الكل وفى معناه تفسيره بالغنى المطلق المحتاج اليه ما سواه وقال يحتمل أن يكون كلا المعنيين مرادا فيكون وصفا له تعالى بمجموع السلب والايجاب وهو ظاهر فى جواز استعمال المشترك فى كلا معنييه كما ذهب اليه الشافعى والذى اختار تفسيره بالسيد الذى يصمد اليه الخلق وهو فعل بمعنى مفعول من صمد بمعنى قصد فيتعدى بنفسه وباللام واطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى مما لاخوف فيه وان كان فى اطلاق السيد نفسه خلاف والصحيح اطلاقه عليه عز و جل كما فى الحديث السيد الله وقال السهيلى لايطلق عليه تعالى مضافا فلا يقال سيد الملائكة والناس مثلا وقصد الخلق أياه تعالى بالحوائج أعم من القصد الطبيعى والقصد بحسب الاستعداد الاصلى الثابت لجميع الماهيات اذ هى كلها متوجهة اى المبدأ تعالى فى طلب كمالاتها منه عز و جل وتعريفه دون أحد قيل لعلمهم بصمديته تعالى دون أحديته وتعقب بانه لايخلو عن كدر لان علم المخاطب بمضمون الخبر لايقتضى تعريفه بل أنما يقتضى أن لايلقى اليه الابعد تنزيله منزلة الجاهل لان افادة لازم فائدة الخبر بمعزل عن هذا المقام فالاولى أن يقال ان التعريف لافادة الحصر كقولك زيد الرجل ولاجاجة اليه فى الجملة السابقة بناء على أن مفهوم أحد المنزه عن أنحاء التركيب والتعدد مطلقا الى آخر ماتقدم مع انهم لايعرفون أحديته تعالى ولايعترفون بها وأعترض بأنه يقتضى ان الخبر اذا كان معلوما للمخاطب لايخبر به الا بتنزيله منزلة الجاهل أوافادنه لازم الخبر أو اذا قصد الحصر وهو ينافى ماتقرر فى المعنى من أن كون المبتدأ والخبر معلومين لاينافى كون الكلام مفيدا للسامع فائدة مجهولة لان مايستفيده السامع من الكلام هو أنتساب أحدهما للآخر وكونه هو هو فيجوز أن يقال هنا انهم يعرفونه تعالى بوجه ما ويعرفون معنى المقصود سواء كان هو الله سبحانه أو غيره عندهم ولكن لايعرفون انه هو سواء كان بمعنى الفرد الكامل أو لجنس فعينه الله تعالى لهم وقيل ان أحد فى غير النفى والعدد لايطلق على يره تعالى فلم يحتج الى تعريفه بخلاف الصمد فانه جاء فى كلامهم اطلاقه على غيره عز و جل أي كما فى البيتين السابقين فلذا عرف وتكرار الاسم الجليل دون الاتيان بالضمير قيل للاشعار بأن من لم يتصف بالصمدية لم يستحق الألوهية وذلك على ماصرح به الدوانى مأخوذ من افادة تعريف الجزأين الحصر فاذا قلت السلطان العادل أشعر بان لم يتصف
(30/274)

بالعدل لم يستحق السلطنة وقيل ذلك تعليق الصمد بالله يشعر بعلية الالوهية للصمدية بناء على أنه فى الاصل صفة واذا كانت الصمدية نتيجة الالوهية لم يستحق الالوهية من لم يتصف بها وبحث فيه بأن الالوهية فيما يظهر للصمدية لانه انما يعبد لكونه محتاجا اليه دون العكس الا أن يقال المراد بالالوهية مبدأها وماترتب عليه لاكونه معبودا بالفعل وانما لم يكتف بمسند اليه واحد لاحد والصمد هو الاسم الجليل بان يقال الله الاحد الصمد للتنبه على ان كلا من الوصفين مستقل فى تعيين الذات وترك العطف فى الجملة المذكورة لنها كالدليل عليه فان من كان غنيا لذاته محتاجا اليه جميع ماسواه لايكون الاواحد او ماسواه لايكون الاممكنا محتاجا اليه أو لانها كالنتيجة لذلك بناء على ان الاحدية تستلزم الصمدية والغنى المطلق وبالجملة هذه الجملة من وجه تشيه الدليل ومن وجه تشبيه النتيجة فهى مستأنفة أو مؤكدة وقرأ أبان بن عثمان وزيد بن على ونصر بن عاصم وابن سيرين والحسن وأبن أبى أسحق وأبو السمال وأبو عمر وفى رواية يونس ومحبوب والاصمعى واللؤلؤى وعبيد أحد الله بحذف لتنوين لالتقائه مع لام التعريف وه موجود فى كلام العرب وأكثر مايوجد فى الشعر كقول أبى الاسود الدؤلى فألفيته غير مستعتب
ولاذاكر الله الاقليلا وقول الآخر عمرو الذى هشم الفربد لضيفه
ورجال مكو مسنتون عجاف والجيد هو التنوين وكسره لالتقاء الساكنين وقوله تعالى لم يلد الخ على نحو ماسبق ونفى ذلك عنه تعالى لأن الولادة تقتضى انفصال مادة منه سبحانه وذلك يقتضى التركيب المنافى للصمدية والاحدية أو لأان الولد من جنس أبه ولايجانسه سبحانه تعالى أحد لانه سبحانه واجب وغيره ممكن لان الولد على ماقيل يطلبه العاقل اما لاعانته أو ليخلفه بعده وهو سبحانه دائم باق غير محتاج الى شىء من ذلك والاقتصار على الماضى دون أن يقال لن يلد لوروده ردا على من قال أن الملائكة بنات الله سبحانه أو المسيح ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ويجوز أن يكون المراد استمرار النفى وعبر الماضى لمشاكلة قوله تعالى ولم يلد وهو لابد أن يكون بصيغة الماضى ونفى المولودية عنه سبحانه لاقتضائها المادة فيلزم التركيب المنافى للغنى المطلق والاحدية الحقيقية أو لاقتضائها سيق العدم ولو بالذات أو لاقتضائها المجانسة المستحيلة وقدم نفى الولادة لانه الاهم لان طائفة من الكفار توهموا خلافه بخلاف نفى المولودية أو لكثرة متوهمى خلاف الاول دون خلاف الثانى بناء على أن النصارى يلزمهم بواسطة دعوى الاتحاد القول بالولادة والمولودية فيمن يعتقدونه الها وذلك على ماتضمنته كتبهم انهم يقولون ان الاب هو الاقنوم الاول من الثالوث والابن هو الثانى الصادر منه صدوره أزليا مساويا بالازلية وروح القدس هو الثالث الصادر عنهما كذلك والطبيعة الالهية واحدة وهى لكل من الثلاثة وكل منها متحد معها ومع ذلك هم ثلاثة جواهر لاجوهر واحد فالاب ليس هو الابن والابن ليس هو الاب وروح القدس ليس هو الاب ولا الابن وهما ليسا روح القدس ومع ذا هم اله واحد اذلهم لاهوت واحدة وطبيعة واحدة وجوهر واحد وكل منهم متحد مع اللاهوت وان كان بينهم تمايز واللأول هو الوجود الواجب الجوهرى والثانى هو العقل الجوهرى ويقال له العلم والثالث هو الادارة الجوهرية ويقال لها المحبة فالله ثلاثة أقانيم جوهرية وهى على تمايزها تمايزا حقيقيا وقد يطلقون عليه اضافيا أى باضافة بعضها الى بعض جوهر وطبيعة واحدة هو الله وليس يوجد فيه غيره بل كل ماهو داخل فيه عين ذاته ويقولون ان فيه تعالى عما يقولون أربع أضافات أولاها فاعلية التعقيل فى الاقنوم الاول ثانيتها مفعولية التعقل فى الاقنوم الثانى
(30/275)

الذي هو صورة عقل الأب ثالثتها فاعلية الانبثاق فى الاقنوم الاول والثانى اللذين لهما الارادة رابعتها مفعولية هذا الانبثاق فى الاقنوم الثالث الذى هو حب الارادة الالهية التى للاقنوم الاول والثانى وزعموا أن التعبير الفاعلية والمفعولية فى الاقانيم الالهية على سبيل التوسع وليست الفاعلية فى الاب نحو الابن الا الابوة وفيه وفى الابن نحو روح القدس ليست الابدء صدوره منهما وليست المفعولية فى الابن وروح القدس الا البنوة فى الابن والانبثاق فى الروح ويقولون كل ذلك مما يجب الايمان به وان كان فوق الطور البشرى ويزعمون أن لتلك الاقانيم أسماء تلقوها من الحواريين فالاقنوم الاول فى الطبع الالهى يدعى أبا والثانى أبنا وكلمة وحكمة ونورا وضياء وشعاعا والثالث روح القدس ومغريا وهو معنى قولهم باليونانية اراكليط وقالوا فى بيان وجه الاطلاق ان ذلك لان الاقنوم الاول بمنزلة ينبوع ومبدأ أعطى الاقنوم الثانى الصادر عنه بفعل يقتضى شبه فاعله وه فعل العقل طبيعته وجوهره كله حتى أن الاقنوم الثانى الذى هو فى صورة الاول الجوهرية الالهية مساو له كمال المساواة وحد الايلاد هو صدوره حى من حى بآلة ومبدأ مقارن يقتضى شبه طبيعته وهنا كذلك بل أبلغ لان الثانى للطبيعة الالهية نفسها فلا بدع اذا سملى الاول أبا والثانى ابنا وانما قيل للثانى كلمة لان الايلاد ليس على نحو ايلاد احيوان والنبات بل يفعل العقل أي يتصور يتصور الأب لاهوته وفهمه ذاته ولاشك ان تلك الصورة كلمة لانها مفهومية العقل ونطقه وقيل لها حكمة كان مولود من الاب بفعل عقله الالهى الذى هو حكمة وقيل له نور وشعاع وضياء لانه حيث كان حكمة كان به معرفة حقائق الاشياء وانكشافها كالمذكورات وقيل للثلث روح القدس لانه صادر من الاب والابن بفعل الارادة التى هى واحدة للاب والابن ومنبثق منهما بفعل هو كهيجان الارادة بالحب نحو محبوبها فهو حب الله والله هو نفسه الروح الصرف والتقدس عينه ولكل من الاول والثانى وجه لان يدعى روحا لمكان الاتحاد لكن لما دعى الاول باسم يدل على رتبته واضافته الى الثانى والثانى كذلك اختص الثلث بالاسم المشاع وام يدع ابنا وان كان له طبيعة الاب وجوهره كالابن لانه لم يصدر من الاب بفعل يقتضى شبه فاعله يعنى بفعل العقل بل صدر منه فعل الارادة فالثانى من الاول كهابيل من آدم والثلث كحواء منه والكل حقيقة واحدة لكن يقال لهابيل ابن ولايقال لها بنت وقيل له مغزى لانه كان عتيدا لان يأتى الحواريين فيغريهم لفقد المسيح عليه السلام وأما الفعلية والمفعولية فلانهما غير موجودين حقيقة والابوة والبنوة ههنا لاتقتضيها كما فى المحدثات ولذا لايقال هنا للاب علة وسبب لابنه وان قيل هناك فالثلاثة متساوية فى الجوهر والذات واستحقاق العبادة والفضل من كل وجه ثم أنهم زعموا تجسد الاقنوم الثانى وهو الكلمة واتحاده باشرف أجزاء البتول من الدم بقوة روح القدس فكان المسيح عليه السلام المركب من الناسوت والكلمة والكلمة مع اتحادها لم تخرج عن بساطتها ولم تتغير لانها الحد الذى ينتهى اليه الاتحاد فلا مانع فى جهتها من الاتحاد وكذا لامانع من جهة الناسوت منه فلا يتعاصى الله تعالى شىء زعموا أنه المسيح عليه السلام كان الها تاما وانسانا تاما ذات طبيعتين ومشيئتين قائمتين باقنوم الهى وهو اقنو م الكلمة ومن ثم تحمل عليه الصفات الالهية والبشرية معا لكن من حيثيتين ثم أنهم ازادوا فى الطنبور رنة وقالوا ان المسيح اطعم يوما الحواريين خبزا وسقاهم خمرا فقال أكلتم لحمى وشربتم دمى فاتحدتم معى وانا متحد مع الاب الى رنات اخر هى أشهر من أن تذكر ويعلم مما ذكرنا انه لافرق عندهم بين أن يقال أن الله تعالى هو المسيح وبين أن يقال أن المسيح هو أبنه وبين أن يقال ان سبحانه ثالث ثلاثة ولذا جاء فى التنزيل كل من هذه الاقوال منسوبا اليهم ولاحاجة الى جعل كل قول لقوم كما قال غير واحد
(30/276)

من المفسرين والمتكلمين ثم لايخفى منافاة ماذكروه للاحدية والصمدية وقولهم ان الاقانيم مع كونها ثلاث جواهلر متمايزة تمايزا حقيقيا جوهر واحد لبداهة بطلانه لايسمن ولايغنى وما يذكونه من المثال لايضاح ذلك فهو عن الايضاح بمعزل وبعيد عن المقصود بألف ألف منزل وكنا ذكرنا فى ضمن هذا الكتاب مايتعلق ببعض عقائدهم مع رده الاأنه كان قبل النظر فى كتبهم وقد اعتمدنا فيه ماذكره المتكلمون عنهم واليوم لنا عزم على تأليف رسالة تتضمن تحرير اعتقداتهم فى الواجب تعالى وذكر شبههم العقلية والنقلية التى يستندون اليها ويعولون فى التثليث عليها حيبما وقفنا عليه فى كتبهم مع ردها على أكمل وجه ان شاء الله تعالى ونسأل الله تعالى التوفيق لذلك وأن يسلك سبحانه بنا فى جميع أمورنا أقوم المسالك فهو سبحانه الجواد الاجود الذى لم يجبه من توجه اليه بالرد ولم يكن له كفوا أحد أى لم يكافئه أحد ولم يماثله ولم يشاكله من صاحبة وغيرها وقيل هو نفى للكفاءة المعتبرة بين الازواج وهو كما ترى وله صلة كفوا على ماذهب اليه المبرد وغير ه والاصل أن يؤخر الا أنه قدم للاهتمام لان المقصود نفى الكفاءة عن ذاته عز و جل وللاهتمام أيضا قدم الخبر مع مافيه من رعاية الفواصل قيل أن الظرف هنا وان لم يكن خيرا مبطلا سقوطه معنى الكلام لانك لو قلت لم يكن كفوا أحد لم يكن له معنى فلما احتيج اليه صار بمنزلة الخبر فحسن ذلك وقال أبو حيان كلام سيبويه فى الظرف اذى يصلح أن يكون خبرا وهو الظرف التام وما هنا ليس كذلك وقال ابن الحاجب قدم الظرف للفواصل ورعايتها ولم يقدم على أحد لئلا يفصل بين المبتدأ وخبره وفيه نظر ظاهر وجوز أن يكون الظرف حالا من أحد قدم عليه رعاية للفاصلة ولئلا يلتبس بالصفة أو الصلة وأن يكون خبرا ليكن ويكون كفوا حالا من الضمير فى الظرف الوقع خبرا وهذا الوجه نقله أبو على فى الحجة عن بعض النحاة ورد بانه كما سمعت آنفا عن أبى حيان ظرف ناقص لايصح أن يكون خبرا فان قدر له متعلق خاص وهو مماثل ونحوه مما تم به الفائدة يكون كفوا زائدا ولعل وقوع الجمل الثلاث متعاطفة دون ماعداها من هذه السورة لانها سيقت لمعنى وغرض واحد وهو نفى المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه وما تضمنته أقسامها لان المماثل اما ولد او والد أو نظير غيرهما فلتغاير الاقسام واجتماعها فى المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضى قواعد المعنى وفى كفوا لغات ضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الكاف مع ضم الفاء وقرأ حمزة ويعقوب ونافع فى رواية كفوا بالهمز والتخفيف وحفص بالحركة وابدال الهمزة واوا وباقى السبعة بالحركة مهموزا وسهل الهمزة الاعرج وأبو جعفر وشيبة فى رواية وفى أخرى عنه كفى من غير همز نقل حركة الهمزة الى الفاء وحذف الهمزة وقرأ سليمان ابن على بن عبد الله بن عباس كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد كما فى قول النابغة
لاتقذفنى بركن لاكفاء له
أى لامثل له كما قال الاعلم وهذه السورة الجليلة قد انطوت مع تقارب قطرها على أشتات المعارف الالهية والعقائد الاسلامية ولذا جاء فيها ما جاء من الاخبار وورد ماورد من الاخبار ودل على معنى تحقيق الالهة الصمدية التى معناها وجوب الوجود أو المبدئية لوجود كل ماعداه من الموجودات تم عقب ذلك ببيان انه لايتولد عنه غيره لانه غير متولد عن غيره وبين أنه تعالى وان كان الها لجميع الموجودات فياضا للوجود عليها
(30/277)

فلا يجوز أن يفيض الوجود على مثله كما لو يكن وجوده من غيره ثم عقب ذلك ببيان انه ليس فى الوجود مايساويه فى قوة الوجود فمن أول السورة الى الصمد فى ماهيته تعالى ولوازم ماهيته ووحدة حقيقته وانه غير ملركب أصلا ومن قوله تعالى لم يلد الى أحد فى بيان انه ليس مايساويه من نوعه ولا من جنسه لا بأن يكوون سبحانه متولدا عنه ولا بأن يكون موازى فى الوجود وبهذا المبلغ يحصل تمام معرفة ذاته عز و جل انتهى وأشار فيه الى أن ولم يولد كالتعليل لما قبله وكأن قد قال قبل أن كل ما كان ماديا أو كان له علاقة بالمادة يكون متولدا من غيره فيصير تقدير الكلام لم يلد لانه لم يتولد والاشارة اللى دليله بهو أول السورة فانه لما لم يكن له ماهية واعتبار سوى انه لذاته وجب أن لايكون متولدا عن غيره والا لكانت هويته مستفادة من غيره فلا يكون هو لذاته وظاهر العطف يقتضى عدم أعتبار ما أشار اليه من العلية وقد علمت فيما سبق وجه ذكره وجعل بعضهم العطف فيه قريبا من عطف لايستقدمون على لايستاخرون وأشار بعض السلف الى أن ذكر ذلك لانه جاء فى سبب النزول انهم سألوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عن ربه سبحانه من أى شىء أمن كذا أم من كذا وممن ورث الدنيا ولمن يورثها وقال الامام انه هو الله أحد ثلاثة ألفاظ وكل واحد منها اشارة الى مقام من مقامات الطالبين فالمقام الاول مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين الى الله تعالى وهؤلاء نظروا بعيون عقولهم الى ما هيأت الاشياء وحقائقها من حيث هى فما راؤا موجودا سوى الحق لانه الذى يجب وجوده لذاته وماعداه ممكن لذاته فهو من حيث ذاته ليس فقالوا هو اشارة الى الحق اذ ليس هناك فى نظرهم يرجع اليه سواه عز و جل ليحتاج الى التمييز والمقام الثانى لاصحاب اليمين هؤلاء شاهدوه الحق سبحانه موجودا وكذا شاهدوا الخلق فحصلت كثرة فى الموجودات فى نظرهم فلم يكن هو كافيا فى الاشارة الى الحق بل لابد من مميز فاحتاجوا الى يقرنوا لفظة الله بلفظ فقيل لاجلهم هو الله والمقام الثالث هو مقام أصحاب الشمال الذين أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد والاله كذلك فجىء باحد ردا عليهم وابطالا لمقالتهم انتهى وبعض الصوفية عد لفظة هو من اعداد الاسماء الحسنى بل قال ان هاء الغيبة هى اسمه تعالى الحقيقى لدلالته على الهوية المطلقة مع كونه من ضروريات التنفس الذى به بقاء حياة النفس واشعار رسمه بالاحاطة ومرتبته من العدد الى دوامه وعدم فنائه ونقل الدوانى عن الامام انه قال علمنى بعض المشايخ يا هو يامن هو يا من لا اله هو وعلى ذلك اعتقاد أكثر المشايخ اليوم ولم يرد ذلك فى الاخبار المقبولة عن المحدثين والله تعالى أعلم
سورة الفلق
مكية فى قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر ورواية كريب عن ابن عباس مدنية فى قول ابن عباس فى رواية أبى صالح وقتادة وهو الصحيح لان سبب نزولها سحر اليهود كما سيأتى ان شاء الله تعالى وهم انما سحروه عليه الصلاة و السلام بالمدينة كما جاء فى الصحاح فلا يلتفت لمن صحح كونها مكية وكذا فى الكلام فى سورة الناس وآيها الخمس بلا خلاف ولما شرح أمر الاهية فى السورة قبلها جىء بها بعدها شرحا لما يستعاذ منه بالله تعالى من الشر الذى فى مراتب العالم ومراتب مخلوقاته وهى السورة التى بعدها نزلتا معا كما فى الدلائل للبيهقى فلذلك قرنتا مع اشتركتا فيه من التسمية بالمعوذتين ومن الافتتاح بقل أعوذ 0 وأخرج مسلم والترمذى والنسائى وغيرهما عنه قال قال رسول الله صالى تعالى عليه وسلم أنزلت على الليلة آيات لم أرى مثلهن قط
(30/278)

قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأفيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثن تمسح بهما مااستطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه وعلى وجهه وماأقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات وجاء فى الحديث أن من قرأهما مع سورة الاخلاص ثلاثا حين يمسى وحين يصبح كفته من كل شىء وفى فضلهما أخبار كثيرة غير ماذكر وعن أبن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما أخرج الامام أحمد والبزار والطبرانى وابن مردويه من طرق صحيحة عنه انه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لاتخلطوا القرآن بما ليس منه انهما ليستا من كتاب الله تعالى انما أمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتعوذ بهما وكان أبن مسعود لايقرأ بهما قال البزار لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبى صلىالله تعالى عليه وسلم أنه قرأ بهما فى الصلاة واثبتتا فى المصحف وأخرج الامام أحمد والبخارى والنسائى وابن حبان وغيرهم عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبى بن كعب فقلت له ياأبا المنذر انى رأيت ابن مسعود لايكتب المعوذتين فى مصحفه فقال أما والذى بعث محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم عنهما وما سألنى عنهما أحد منذ سألت غيرك فقال قيل لى قل فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبهذا الاختلاف قدح بعض الملحدين فى أعجاز القرآن قال لو كانت بلاغة ذلك بلغت حد الاعجاز لتميز به عن القرآن فلم يختلف فى كونه منه وأنت تعلم أنه وقع الاجماع على قرآنيتهما وقالوا ان انكار ذلك اليوم كفر ولعل ابن مسعود رجع عن ذلك وفى شرح المواقف ان اختلاف الصحابة فى بعض سور القرآن مروى بالآحاد المفيدة للظن ومجموع القرآن منقول بالنواتر المفيد لليقين الذى يضمحل الظن فى مقابلته فتلك الآحاد مما يلتفت اليه ثم انا سلمنا اختلافهم فيما ذكر قلنا انهم لم يختلفوا فى نزوله على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ولا فى بلوغه فى البلاغة حد الاعجاز بل مجرد كونه من القرآن وذلك لايضر فيما نحن بصدده انتهى وعكس هذا القول فى السورتين المذكورتين قيل فى سورتى الخلع والحفد وفى الفلظهما روايات منها مايقنت به الحنفية فقد روى انهما فى مصحف أبى ابن كعب وفى مصحف ابن عباس وفى مصحف ابن مسعود ان صح انهما كلام الله تعالى منسوخا التلاوة وليسا من القرآن كما لا يخفى بسم اله الرحمن الرحيم
قل أعوذ أى ألتجىء وأعتصم وأتحرز برب الفلق فعل بمعنى مفعول صفة مشبهة كقصص بمعنى مقصوص من فلق شق وفرق وهو يعم جميع الموجدات الممكنة فانه تعالى فلق بنور الايجاد سيما مايخرج من أصل كالعيون من الجبال والامطار من السحاب والنبات من الارض والاولاد من الارحام وخص عرفا بالصبح واطلاقهم المفلوق عليه مع قولهم فلق الله تعالى الليل عن الصبح على نحو أطلاق المسلوخ على الشاة مع قولهم سلخت الجلد من الشاة وتفسيره بالمعنى العام أخرجه ابن جرير وابن المنذر وأبن أبى حاتم عن ابن عباس ولفظه الفلق الخلق وأخرج الطستى عنه أنه فسره بالصبح وأنشد رضى الله تعالى عنه قول زهير الفارج الهم مسد ولاعساكره
كما يفرج غم الظلمة الفلق وهو مروى عن جابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبى وابن زيد وعليه فتعليق العياذ باسم الرب المضاف الى الفلق المنبىء عن النور عقيب الظلمة والسعة بعد الضيق والفتق بعد الرتق عدة كريمة باعاذة العائذ مما يعوذ منه وانجائه
(30/279)

منه وتقوية لرجائه بتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب له فى الجد والاعتناء بقرع باب الالتجاء اليه عز و جل وقيل أن فى تخصيص الفلق بالذكر لانه انموذج من يوم القيامة فالدور كالقبور والنوم أخو الموت والخارجون من منازلهم صباحا منهم من يذهب لنضرة وسرور ومنهم من يكون من مطالبة من ديون فى غموم وشرور الى أحوال أخر تكون للعباد هى أشبه شىء بما يكون لهم فى المعاد وفى تفسير القاضى أن لفظ الرب ههنا أوقع من سائر الاسماء أى التى يجوز أضافتها ال الفلق عالى ماقيل لان الاعاذة من المضار تربية وهو على تعميم الفلق ظاهر لشموله للمستعيذ والمستعاذ منه وعلى تخصيصه بالصبح قيل لانه مشعر بانه سبحانه قادر مغير للاحوال مقلب للاطوار فيزيل الهموم والاكدار وقال الرئيس أبن سينا بعد أن حمل الفلق على ظلمة العدم المفلوقة بنور الوجود ان فى ذكر الرب سرا لطيفا من حقائق العلم وذلك أن المربوب لايستغنى فى شىء من حالاته عن الرب كما يشاهد فى الطفل مادام مربوبا ولما كانت الماهيات الممكنة غير مستغنية عن أضافة المبدأ الأول لاجرم ذكر لفظ الرب للاشارة الى ذلك وفيه أشارة أخرى من خفيات العلوم وهو أن العوذ والعياذ فى اللغة عبارة عن الالتجاء الى الغير فلما أمر بمجرد الالتجاء الى الغير وعبر عنه بالرب دل ذلك على أن عدم الحصول ليس بأمر يرجع الى المستعاذ به المفيض للخيرات بل لامر يرجع الى قابلها فان من المقرر انه ليس شىء من الكمالات وغيرها مبخولا به من جانب المبدأ الأول سبحانه بل الكل حاصل موقوف على ان يصرف المستعذ جهة قبوله اليه وهو المعنى بالاشارة النبوية ان لربكم فى أيام دهركم نفحات من رحمته الا فتعرضوا لها بين ان نفحات الالطاف دائمة وانما الخلل من المستذ انتهى وفى رواية عن ابن عباس أيضا وجماعة من الصحابة والتابعين ان الفلق جب فى جنهم وأخرج ابن مردويه والديلمى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن قول الله عز و جل قل أعوذ برب الفلق قال هو سجن فى جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون وان جهنم لتعوذ بالله تعالى منه وأخرج بن مردويه عن عمر بن عنبسة قال صلى الله تعالى عليه وسلم فقرأ قل أعوذ برب الفلق فقال ياأبن عنبسة أتدري ما الفلق قلت الله ورسوله أعلم قال بئر فى جهنم فاذا سعرت البئر فمنها تسعر جهنم لتتاذى منه كما يتاذى ابن آدم من جهنم وأخرج جرير وأبن أبى حاتم عن كعب قال الفلق بيت فى جهنم اذا فتح صاح أهل النار من شدة حره وعن الكلبى أنه واد فى جهنم وقيل انه هو جهنم وهو على مافى الكشاف من قولهم لما اطمأن من الارض الفلق والجمع فلقان كخلق وخلقان وتخصيصه بالذكر قيل لانه مسكن اليهود فعن بعض الصحابة أنه قدم الشام فرأى دور أهل الذمة وماهم من خفض العيش وما وسع عليهم من دنياهم فقال لاأبالى أليس من ورائهم الفلق وفسر بما روى آنفا عن كعب ومنهم الذى سحر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ففى تعليق العياذ بالرب مضافا اليه عدة كريمة باعاذته صلى الله تعالى عليه وسلم من شرهم ولايخفى ان هذا مما لايثلج الصدر وأظن ضعف الاخبار السالفة ويترجح نظرى المعنى الاول للفلق من شر ماخلق أى من شر الذى خلقه من الثقلين وغيرهم كائنا ماكان من ذوات الطباع والاختيار والظاهر عموم الشر للمضار البدنية وغيرها وزعم بعضهم أن الاستعاذة ههنا من المضار البدنية وانها تعم الانسان وغيره مما ليس بصدد الاستعاذة ثم جعل عمومها مدار أضافة الرب الى الفلق بالمعنى العام وهو كما ترى نعم الذى يتبادر الى الذهن ان عمومه لشرور الدنيا وقال بعض الافاضل هو عام لكل شر فى الدنيا والآخرة وشر الأنس والجن والشيطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل وظاهره تعميم ما خلق بحيث يشمل
(30/280)

نفس المستعيذ ولايأبى ذلك نزول السورة ليستعيذ بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجوز بعضهم جعل ما مصدرية مع تأويل المصدر باسم المفعول وهو تكلف مستغنى عنه واضافة الشر الى ماخلق قيل لاختصاصه بعلم الخلق المؤسس على امتزاج المواد المتباينة المستتبعة للكون والفساد وأما عالم الأمر الذى أوجد بمجرد أمركن من غير مادة فهو خير محض منزه شوائب الشر بالمرة والظاهر أنه أعنى بعالم الامر عالم المجردات وهم الملائكة عليهم السلام وأورد عليه بعذ غض الطرف عن عدم ورود ذلك فى عالم الشرع أن منهم من يصدر منه شر كخسف البلاد وتعذيب العباد وأجيب بأن ذلك بأمره تعالى فالم يصدر الا لامتثال الامر لا لقصد الشر من حيث هو شر فلا ايراد نعم يرد أن كونهم مجردين خلاف المختار الذى عليه سلف الامة ومن تبعهم بل هم أجسام لطيفة نورية ولو سلم بتجردهم قلنا بعدم حصر المجردات فيهم كيف وقد قال كثير بتجرد الجن فقالوا انها ليست أجساما ولاحالة فيها بل هى جواهر مجردة قائمة بانفسها مختلفة بالماهية بعضها خيرة وبعضها شريرة وبعضها كريمة حرة حبة للخيرات وبعضها دنية خسيسة محبة للشرور والآفات وبالجملة ماخلق أعم من المجرد على القول به وغيره والكل له مخلوق تعالى أى موجد بالاختيار بعد العدم الاأن المراد بالاستعاذة مما فيه شر من ذلك وقرأ عمرو بن فائد على مافى البحر من شر بالتنوين وقال ابن عطية هى قراءة عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين بان الله تعالى لم يخلق الشر وحملوا على ما فى النفى وجعلوا الجملة فى موضع الصفة أى من شر ما خلقه الله تعالى ولا أوجده وهى قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل انتهى وأنت تعلم أن القراءة بالرواية ولايتعين فى هذه القراءة هذا التوجيه بل يجوز أن تكون ما بدلا من شر على تقدير محذوف قد حذف لدلالة ماقبله عليه أى منشر ماخلق من شر غاسق تخصيص لبعض الشرور بالذكر مع اندراجه فيما قبل لزيادة مساس الحاجة الى الاستعاذة منه لكثر وقوعه ولان تعيين المستعاذ منه أدل على الاغتناء بالاستعاذة وادعى الى الاعاذة والغاسق الليل أذا أعتكر ظلامه وأصل الغسق الامتلاء يقال غسقت اذا امتلأت دمعا وقيل هو السيلان وغسق الليل انصباب ظلامه على الاستعارة وغسق العين سيلان دمعها واضافة الشر الى الليل لملابسته له لحدوثه فيه على حد نهاره صائم وتنكيره لعموم شمول الشر لجميع أفراده ولكل أجزائه اذا وقب أى اذا دخل ظلامه فى كل شىء وأصل الوقب النقرة والحفرة ثم استعمل فى الدخول ومنه قوله وقب العذاب عليهم فكانهم
لحقتهم نار السموم فأخمدوا كذا فى المغيب لما أن ذلك كالدخول فى الوقب أى النقرة والحفرة وقد فسر هنا بالمجىء أيضا والتقييد بهذا الوقت لأن حدوث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب وأعسر ومن أمثالهم الليل اخفى للويل الغاسق بالليل والوقوب بدخول ظلامه أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ومجاهد وابن أبى حاتم عن الضحاك وروى عن الحسن ايضا واليه ذهب الزجاج الا أنه جعل الغسق بمعنى البارد وقال أطلق على الليل لانه أبرد من النهار وقال محمد ابن كعب هو النهار ووقب بمعنى دخل فى الليل وهو كما ترى وقيل القمر أذا امتلأ نورا على ان الغسق الامتلاء ووقوبه دخوله فى الخسوف واسوداده وقيل التعبير عنه بالغاسق لسرعة سيره وقطعه البروج على أن الغسق مستعار من السيلان وقيل التعبير عنه بذلك لان جرمه مظلم وانما يستنير من ضوءالشمس ووقوبه على القولين المحاق فى آخر الشهر والمنجمون يعدونه نحسا ولذلك لاتشتغل بالسحر المورث للمرض الا فى ذلك الوقت قيل وهو المناسب لسبب نزول واستدل على تفسيره بالقمر على أخرجه
(30/281)

الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه وغيرهم عن عائشة قالت نظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوما الى القمر لما طلع فقال ياعائشة استعيذى بالله من شر هذا فان هذا الغاسق اذا وقب ومن سلم صحة هذا لاينبغى له العدول الى تفسير آخر وأخرج أبن أبى حاتم عن ان شهاب أنه قال الغاسق اذا وقب الشمس اذا غربت وكأن اطلاق الغاسق عليها لامتلائها نورها ونقل ابن زيد عن العرب أن الغاسق الثريا ووقوبها سقوطها وكانت الاسقام والطواعين تكثر عند ذلك وروى تفسيره غير واحد عن أبى هريرة مرفوعا وفى الحديث اذا طلع النجم ارتفعت العاهة وفى بعض الروايات زيادة عن جزيرة العرب وفى بعضها ما طلع النجم ذات غداة الا رفعت كل آفة أو عاهة أو خفت وفيه روايات أخر فليرجع شرح المناوى الكبير للجامع الصغير وقيل أريد يذلك الحية أذا لدغت واطلاق الغاسق عليها لامتلائها سما وقتل أريد سمها اذا دخل فى الجسد واطلق عليه الغاسق لسيلانه من نابها وكلا القولين لايعول عليه وقيل هو كل شر يعترى الانسان والشر يوصف بالظلمة والسواد ووقبه هجومه وذكر المجد الفيروز ابادى فى القاموس فى مادة وقب قولا فى معنى الآية زعم انه حكاه الغزالى وغيره عن ابن عباس ولا أظن صحة نسبته لظهور أنه عورة بين الاقوال ومن شر النفاثات فى العقد أى ومن شر النفوس السواحر اللاتى يعقدن عقدا فى خيوط وينفثن عليها فالنفاثات صفة للنفوس واعتبر ذلك لمكان التأنيث مع أن تأثير السحر انما هو من جهة النفوس الخبيثة والارواح الشريرة وسلكانه منها وقدر بعضهم النساء موصوفا والاول أولى ليشمل الرجال ويتضمن الاشارة السابقة ويطابق سبب النزول فان الذى سحره صلى الله تعالى عليه وسلم كان رجلا على المشهور كما ستسمع ان شاء الله تعالى وقيل أعانه بعض النساء ولكون مثل ذلك من عمل النساء وكيدهن غلب المؤنث على المذكر هنا وهو جائز على مافصله الخفجى فى شرح درة الغواصى والنفث النفخ مع ريق كما قال الزمخشرى وقال صاحب اللومح هو شبه النفخ يكون فى الرقية ولاريق معه فان كان يريق فهو تفل والاول هو الاصح لما نقله ابن القيم من انهم اذا سحروا واستعانوا على تأثير فعلهم بنفس يمازجه بعض أجزاء أنفسهم الخبيثة وقرأ الحسن النفاثات بضم النون وقرأ هو أيضا وابن عمر وعبد الله بن القاسم ويعقوب فى رواية النفاثات وأبو الربيع والحسن أيضا النفثات بغير ألف كالحذرات وتعريفها اما للعهد أو للايذان بشمول الشر لجميع افرادهن وتمحضهن فيه وتخصيصه بالذكر لما روى البخارى ومسلم وابن ماجه عن عائشة رضى الله الله تعالى عنها قالت سحر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى انه ليخيل اليه انه فعل الشىء ولم يكن فعله حتى اذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا الله ثم دعا ثم دعا ثم قال أشعرت ياعائشة أن الله تعالى قد أفتانى فيما استفتيته فيه قلت وماذاك يارسول الله فقال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسى والآخر عند رجلى فقال الذى عند رأسى للذى عند رجلى أو الذى عند رجلى للذى عند رأسى ماوجع الرجل قال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الاعصم قال فى أى شىء قال فى مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فاين هو قال فى بئر ذى اروان قالت فاتاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى أناس من أصحابه ثم قال ياعائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤس الشياطين قالت فقلت يارسول اله افلا أحرقته قال لا اما انا فقد عافانى الله تعالى وكرهت ان أثير على الناس فامرت بها فدفنت وهذان الملكان على مايدل على رواية ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس همل جبريل وميكائيل عليهما السلام ومن حديثهما فى الدلائل للبيهقى بعد ذكر حديث الملكين فما لأصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غدا ومعه أصحابه الى البئر فدخل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوثة فاذ فيها مشط رسول
(30/282)

الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن مشاطة رأسه واذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واذا فيها أبر مغروزة واذا وتر فيه احدى عشرة عقدة فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوذتين فقال يامحمد قل أعوذ برب اللق وحل عقدة من شر ماخلق وحل عقدة حتى فرغ منهما وحل العقدة كلها وجعل لاينزع أبرة الا وجد لها ألما ثم يجد بعد ذلك راحة فقيل يارسول الله لو قتلت اليهودى قال قد عافانى الله تعالى ومايراه من عذاب الله أشد وفى رواية ان الذى تولى السحر لبيد بن الاعصم وبناته فمرض النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فنزل جبريل بالمعوذتين وأخبره بموضع السحر وبمن سحره وبم سحره فارسل صلى الله تعالى عليه وسلم عليا كرم الله وجهه والزبير وعمارا فنزحوا ماء البئر وهو كنقاعة الحناء ثم رفعوا راعوثة البئر فاخرجوا أسنان المشط ومعها وتر قد عقد فيه احدى عشرة عقدة مغرزة بالابر فجاؤا بها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فجعل يقرأ المعوذتين عليها فكان كلما يقرأ آية انحلت عقدة ووجد عليه الصلاة و السلام خفة حتى انحالت العقدة الاخيرة عند تمام السورتين فقام صلى الله تعالى عليه وسلم كأنما أنشط من عقال الخبر والرواية الأولى أصح من هذه وقال الامام المازرى قد أنكر ذلك الحديث المبتدعة من حيث انه منصب النبوة ويشكك فيها وان تجويزه يمنع الثقة بالشرع وأجيب بأن الحديث صحيح وهو غير مراغم للنص ولايلزم عليه حط منصب النبوة والتشكيك فيها لان الكفار أرادوا بقولهم مسحور انه مجنون وحاشاه ولو سلم أرادة ظاهره فهو كان قبل هذه القصة أو مرادهم ان السحر أثر فيه وان مايأتيه من الوحى من تخيلات السحر وهو كذب أيضا لأن الله عصمه فيما يتعلق بالرسالة وأما مايتعلق أمور الدنيا التى لم يبعث عليه الصلاة و السلام بسبها وهى مما يعرض للبشر فغير بعيدان يخيل اليه من ذلك ما لا حقيقة له وقد قيل أنما هو كان انه وطىء زوجاته وليس بواطىء وقد يتخيل الانسان مثل هذا فى المنام فلا يبعد تخيله فى اليقظة وقيل انه يخيل أنه فعله وما فعله ولكن لايعتقد صحة ماتخيله فتكون اعتقاداته عليه الصلاة ولسلام على السداد وقال القاضى عياض قد جاءت روايات حديث عائشة مبنية ان السحر تسلط على جسده الشريف صلى الله تعالى عليه وسلم وظواهر جوارحه لاعلى عقله عليه الصلاة و السلام وقلبه واعتقاده ويكون معنى مافى بعض الروايات حتى يظن انه يأتى أهله ولايأتيهن وفى بعض انه يخيل اليه انه الخ انه يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فاذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك كما يعترى المسحور وكل ماجاء فى الروايات من انه عليه الصلاة و السلام يخيل اليه فعل شىء ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالصبر لالخلل تطرق الى العقل وليس فى ذلك ما يدخل لبسا على الرسالة ولاطعنا لاهل الضلالة انتهى أنكر ونفى السحر حقيقته وأضاف مايقع منه الى خيالات باطلة لاحقائق لها ومذهب أهل السنة وعلماء الامة على ثباته وانه له حقيقة كحقيقة غيره من الاشياء لدلالة الكتاب والسنة على ذلك ولايستنكر فى العقل ان الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام مخصوصة والمزج بين قوى على ترتيب لايعرفه الا الساحر واذا شاهد الانسان بعض الاجسام منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كالادوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله ان ينفرد الساحر بعلم قوى قتالة أو كلام مهلك أو مؤد
(30/283)

الى التفرقة ومع ذلك لا يخلوا من تأثير نفساني ثم أن القائلين به اختلفوا فى القدر الذى يقع به فقال بعضهم لايزيد تأثيره على قدرة التفرقة بين المرء وزوجه لان الله تعالى انما ذكر ذلك تعظيما لما يكون عنده وتهويلا له فلو وقع به أعظم منه للذكرة لأن المثل لايضرب عند المبالغة الا باعلى أحوال المذكور ومذهب الاشاعرة انه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك وهو الصحيح عقلا لانه لا فاعل الا الله ومايقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى ولاتفترق الافعال فى ذلك وليس بعضها باولى من بعض ولورود الشرع بقصوره عن مرتبة لوجب المصير اليه ولكن لايوجد شرع قاطع يوجب الاقتصار على ماقاله القائل الاول وذكر التفرقة بين الزوجين فى الآية ليس فى بنص فى منع الزيادة وانما النظر فى أنه ظاهر أم لا والفرق بين الساحر وبن النبى والولى على قول الاشاعرة بأنه يجوز خرق العادة على يد الساحر مبين فى الكتب الكلامية وغيرها من شروح الصحاح وقيل فى الآية الملراد بالنفث فى العقد ابطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقد بنفث الريق ليسهل حلها وهو يقرب من بدع التفاسير ومن شر حاسد اذا حسد أى اذا أظهر ما فى نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ومبادى الاضرار بالمحسود وقولا وفعلا من ذلك على ماقيل النظر الى المحسود وتوجيه نفسه الخبيثة نحوه على وجه الغضب فان نفس الحاسد حينئذ تتكيف بكيفية خبيثة ربما تؤثر فى المحسود بحسب ضعفه وقوة نفس الحاسد شرا قد يصل الى حد الاهلاك ورب حاسد يؤذى بنظره بعين حسده نحو مايؤذى بعد الحيات بنظرهن وذكروا أن العائن والحاسد يشتركان فى أن كلا منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من تريد اذاه الا أن العائن تتكيف نفسه عند مقابلة العين والمعاينة والحاسد يحصل حسده فى الغيبة والحضور وأيضا العائن قد يعين من لايحسده من حيوان وزرع وان كان لاينفك من حسده صاحبه والتقييد بذلك اذ لاضرر بل قيل ان ضرر الحسد انما يحيق بالحاسد لاغير كما قال على كرم الله تعالى وجهه لله در الحسد مأعدله بدأ بصاحبه فقتله وقال بن المعتز اصبر على حسد الحسود
فان صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها
ان لم تجد ماتأكاه وليعلم أن الحسد يطلق على تمنى زوال نعمة الغير وعلى تمنى استصحاب عدم النعمة ودوام مافى لغير من نقص أو فقر أو نحوه والاطلاق الاول هو الشائع والحاسد بكلا الاطلاقين ممقوت عند الله تعالى وعند عباده عز و جل آت بابا من الكبائر على ماشتهر بينهم لكن التحقيق ان الحسد الغريزى الجبلى اذا لم يعمل بمقتضاه من الاذى مطلقا بل عامل متصف به أخاه بما يحب الله تعالى مجاهدا نفسه لاأثم فيه بل يثاب صاحبه على جهاد نفسه وحسن معاملة أخاه ثوابا عظيما لما فى لما فى ذلك مشقة مخالفة الطبع كما لايخفى ويطلق الحسد على الغبطة مجازا وكان ذلك شائعا فىالعرف الأول وهى تمنى أن يكون له مثل مالأخيه من النعمة من غير تمنى زوالها وهذا مما لابأس به ومن ذلك ماصح من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لاحسد الا فى اثنتين رجل آتاه الله تعالى مالا وسلطه على هلكته ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس وقال أبو تمام هم حسدوه لاملومين مجده
وماحاسد فى المكرمات بحاسد وقال أيضا وأعذر حسدوك فيما قد خصصت به
ان العلا حسن فى مثلها الحسد هذا وقال الرئيس ابن سينا الغاسق القوة الحيوانية فهى ظلمة غاسقة منكدرة على خلاف النفس الناطقة التى هى المستعيذة فانها خلقت فى جوهرها نقية صافية مبرأة عن كدورات المادة وعلائقها قابلة لجميع الصور والحقائق وانما تتلوث من الحيوانية والنفاثات فى العقد اشارة الى القوى النباتية
(30/284)

من حيث انها تزيد في المقدار من جميع جهاته الطول والعرض والعمق فكانها تنفث فى العقد الثلاث ولما كانت العلاقة بين النفس الانسانبة والقوى النباتية بواسطة الحيوانية لاجرم قدم ذكر القوى الحيوانية على القوة النباتية والشر اللازم من هاتين القوتين فى جوهر النفس هو استحكام علائق البدن وامتناع تغذيها بالغداء الموافق لها واللائق بجوهرها وهو الاحاطة بملكوت السماوات والأرض والانتقاش بالنقوش الباقية وعنى بقوله تعالى ومن شر حاسد اذا حسد النزاع الحاصل بين البدن وقواه وبين النفس فالحاسد هو البدن من حيث له القوتان والمحسود هو النفس فالبدن وبال عليها فما أحسن حالها عند الاعراض عنه وما أعظم لذتها بالمفارقة ان لم تكن تلوثت منه وقيل الغاسق اشارة الى المعدن والنفاثات الى النباتات والحاسد الى الحيوان ولما كان الانسان لايتضرر عن الاجسام الفلكية وامنا يتضرر عن الاجسام العنصرية وهى اما معدن أو نبات أو حيوان أمر بالاستعاذة من شر كل منها وكلا القولين كما ترى والله تعالى أعلم
سورة الناس
وتسمى ماقبلها كما أشرنا اليه قبل بالمعوذتين بكسر الواو والفتح خطأ وكذا بالمقشقشتين وتقدم الكلام فى أمر مكيتها ومدنيتها وهى ست آيات لاسبع وان أختار بعضهم بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ وقرىء فى السورتين بحذف الهمزة ونقل حركتها الى اللام كما قرىء فخذ أربعة برب الناس أي مالك امورهم ومربيهم بافاضة مايصلحهم ودفع ما يضرهم وأمال الناس هنا أبو عمرو والدورى عن الكسائى وكذا فى كل موضع وقع فيه مجرورا ملك الناس عطف بيان على ماأختاره الزمخشرى جىء به لبيان ان تربيته تعالى اياهم ليست بطريق تربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الكلى والسلطان القاهر وكذا قوله تعالى اله الناس فانه لبيان أن ملكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير أمور سياستهم والتولى لترتيب مبادىء حفظهم وحمايته كما هو قصارى أمر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الالوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلى فيهم احياء واماتة وايجادا واعداما وجوزت البدلية أيضا وأنت تعلم أنه لامانع منه عقلا ثم ماهنا وان لم يكن جامدا فهو فى حكمه ولعل الجزالة دعت الى اختياره وتخصيص الاضافة الى الناس مع انتظام جميع العالم في سلك ربويته تعالى وملكوته والوهيته على مافى الارشاد للارشاد الى منهاج الاستعاذة الحقيقية بالاعاذة فان توسل العائذ بربه وانتسابه اليه بالمربوبية والمملوكية والعبودية ضمن جنس هو فرد من أفراده من دواعى مزيد الرحمة والرأفة وأمره تعالى بذلك من دلائل الوعد الكريم بالاعاذة لامحالة ولان المستعاذ منه شر الشيطان المعروف بعداوتهم ففى التنصيص على انتظامهم فى سلك عبوديته تعالى وملكوته رمز الى انجائهم من ملكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبما ينطق به تعالى ان عبادى ليس لك عليهم سلطان واقتصر بعض الاجلة فى بيان وجه التخصيص على كون الاستعاذة هنا من شر مايخص النفوس البشرية وهى الوسسوسة كما قال تعالى من شر الوسواس وبحث فيه بعض الاغماض عما فيه القصور فى توفية المقام حقه بأن شر الموسوس كما يلحق النفوس يلحق الابدان أيضا وفيه شىء سنشير ان شاء الله تعالى اليه واختار هذا الباحث فى ذلك أنه
(30/285)

لما كانت الاستعاذة فيما سبق من شر كل شيء أضيف الرب الى كل شىء أى بناء على عموم الفلق ولما كانت هنا من شر الوسواس لم يضف الى كل شىء وكان النظر الى السورة السابقة يقتضى الاضافة الى الوسواس لكنه لم يضف اليه حطا لدرجته عن اضافة الرب اليه بل الى المستعيذ وكان فى هذا الحط رمزا الى الوعد بالاعاذة وهو الذى لما يجعل لما ذكر حظا فى أداء حق المقام وربما يقال ان فى اضافة الرب الى الناس فى لآخر سورة من كتابه تذكير الأول أمر عرفوه فى عالم الذر وأخذ عليهم العهد بالاقرار به فيما بعد كما أشار الى قوله تعالى واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى الآية فيكون فى ذلك تحريض على الاستعاذة من شر الوسواس لئلا يتدنس أمر ذلك العهد وفيه أيضا رمز الى الوعد الكريم بالاعاذة وذكر القاضى أن فى النظم الجليل اشعارا بمراتب الناظر المتوجه لمعرفة خالقه فانه يعلم أولا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربا ثم يتغلغل فى النظر حتى يتحقق أنه سبحانه غنى عن الكل وذات كل شىء له ومصارف أمره منه فهو الملك الحق ثم يستدل به على أنه المستعذ للعبادة لاغير ويندرج فى وجوه الاستعاذتة المعتادة تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات فان عادة من ألم به هم أن يرفع أمره الى لسيده ومربيه كوالده فان لم يقدر على رفعه لملكه وسلطانه فان لم يزل ظلامته شكاه الى ملك الملوك ومن اليه المشتكى والمفزع وفى ذلك اشارة الى عظم الآفة المستعاذ منها ولابن سينا ههنا كلام تتحرج منه الاقلام كما لايخفى على من ألم به وكان له بالشريعة المطهرة أدنى ألمام وتكرير المضاف اليه لمزيد الكشف والتقرير والتشريف بالاضافة وقيل لاتكرار فانه يجوز ان يراد بالعام بعض أفراده فالناس الأول بمعنى الاجنة والاطفال المحتاجين للتربية والثانى الكهول والشبان لانهم المحتاجون لمن يسوسهم والثالث والشيوخ المتعبدون المتوجهون لله تعالى وهو على مافيه يبعده حديث اعادة الشىء معرفة وان كان أغلبيا والوسواس عند الزمخشرى اسم مصدر بمعنى الوسوسة والمصدر بالكسر وهو صوت الحلى والهمس الخفى ثم استعمل فى الخطرة الردية وأريد ههنا الشيطان سمى بفعله مبالغة كانه نفس الوسوسة أو الكلام على حذف مضاف أى ذى الوسواس وقال بعض أئمة العربية ان فعلل ضربان صحيح كدحرج وثنائى مكرر كصلصل ولهما مصدران مطردان فعللة وفعلال بالكسر وهو أقيس والفتح شاذ لكنه كثر فى المكرر كتمتام وفأفأة ويكون للمبالغة كفعال فى الثلاثى كما قالوا وطواط للضعيف وثرثار للمكثر والحق أنه صفة فليحمل عليه ما فى الآية الكريمة من غير حاجة الى التجوز أو حذف المضاف وقد تقدم فى سورة الزلزال مايتعلق بهذا المبحث فتذكر فما فى العهد من قدم والظاهر ان المراد الاستعاذة من شر الوسواس من حيث هو وسواس ومآله الى الاستعاذة من شر وسوسته وقيل المراد الاستعاذة من جميع شروره ولذا قيل من شر الوسواس ولم يقل من شر وسوسة الوسواس قيل وعليه يكون القول بأن شره يلحق البدن كما يلحق النفس أظهر منه على الظاهر وعد من شره انه كما فى صحيح البخارى يعقد على قافية رأس العيد اذا نام ثلاث عقد مراده بذلك منعه من اليقظة وفى وعد هذا من الشر البدنى خفاء وبعضهم عد من التخبط اذا لحق عند أهل السنة انه قد يكون من مسه كما تقدم فى موضعه وقوله تعالى الخناس صيغة مبالغة أونسبة أى الذى عادته أن يخنس ويتأخر اذا ذكر الانسان ربه عز و جل أخرج الضياء فى المختارة والحاكم وصححه وابن منذر وغيرهم عن ابن عباس قال مامن مولود يولد الا على قلبه الوسواس فاذا عقل فذكر الله تعالى خنس فاذا غفل وسوس وله على ماروى قتادة خرطوم كخرطوم الكلب ويقال ان رأسه كرأس الحية وأخرج ابن شاهين عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله
(30/286)

تعالى عليه وسلم يقول أن للوسواس خطما كخطم الطائر فاذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار فى أذن القلب يوسوس فإن ذكر الله تعال نكص وخنس فلذلك سمى الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس قيل أريد قلوبهم مجازا وقال بعضهم ان الشيطان يدخل الصدر الذى هو بمنزلة الدهليز فليقى مايريد ألقاءه الى القلب ويوصله اليه ولامانع عقلا من دخوله فى جوف الانسان وقد ورد السمع كما سمعت فوجب قبوله والايمان به ومن ذلك ان الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم ومن الناس من حمله على التمثيل وقال فى الآية انها لاتقتضى الدخول كما ينادى عليه البيان الآتى وقال ابن سينا الوسواس القوة التى توقع الوسوسة وهى القوة المتخيلةبحسب صيرورتها مستعملة للنفس الحيوانية ثم أن حركتها تكون بالعكس فان النفس وجهتها الى المبادى المفارقة فالقوة المتخيلة اذا أخذتها الا الاشتغال بالمادة وعلائقها فتلك القوة تخنس خناسا ونحوه ماقيل انه القوة الوهمية فهى تساعد العقل فى المقدمات فاذا آل الامر اللى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه ولايخفى ان تفسير الكلام الله تعالى بامثال ذلك من شر الوسواس الخناس والقاضى ذكر الاخير عن سبيل التنظير لا على وجه التمثيل والتفسير بناء على حسن الظن به ومحل الوصول اما الجر على الوصف واما الرفع والنصب على الذم والشتم ويحسن أن يقف القارىء على أحد هذين الوجهين على الخناس وأما على الاول ففى الكواشى أنه لايجوز الوقف وتعقبه الطيبى بان فى عدم الجواز نظر للفاصلة وفى الكشف انه اذا كان صفة فالحسن غير مسلم اللهم الا على وجه وهو أن الوقف الحسن شامل لمثله فى فاصلة خاصة من الجنة والناس بيان للذى يوسوس على أنه ضربان جنى وأنسى كما قال تعالى شياطين الآنس والجن أو متعلق بيوسوس ومن لابتداء الغاية أى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن مثل أن يلقى فى قلب المرء من جهتهم انهم ينفعون ويضرون ومن جهة الناس مثل ان يلقى فى من جهة المنجمين والكهان انهم يعلمون الغيب وجوز فيه الحالية من ضمير يوسوس والبدلية من قوله تعالى من شر باعادة الجار وتقدير المضاف والبدلية من الوسواس على أن من تبضيعية وقال الفراء وجماعة انه بيان للناس بناء على أيه يطلق على الجن أيضا فيقال كما نقل عن الكلبى ناس من الجن كما يقال نفر ورجال منهم وفيه أن المعروف عند الناس خلافه مع فى ذلك من شبه جعل قسم الشىء قسيما له ومثله لايناسب بلاغة القرآن وان سلم صحته وتعقب أيضا بانه يلزم عليه القول بان الشيطان يوسوس فى صدور الانس ولم يقم دليل عليه ولايجوز جعل الآية دليلا لما يخفى وأقرب منه على ماقيل أن يراد بالناس الناسى بالياء مثله فى قراءة بعضهم من حيث أفاض الناس بالكسر ويجعل سقوط الياء كسقوطها فى قوله تعالى يوم يدع الداع ثم يبين بالجنة والناس فان كل فرد من أفراد الفريقين مبتلى بنسيان حق الله تعالى الا من تداركه شوافع عصمته وتناوله واسع رحمته جعلنا الله ممن نال عصمته احظ والاوفى وكال له مولاه من رحمته فأوفى ثم أنه قيل أن حروف هذه السورة غير المكرر اثنان وعشرون حرفا وكذا حروف الفاتحة وذالك بعدد السنين التى أنزل فيها القرآن فليراجع وبعد أن يوجد الأمر كما ذكر لايخفى كون سنى النزول اثنتى وعشرين سنة قول لبعضهم والمشهور انها ثلاث وعشرون اه ومثل هذا الرمز ماقيل أن أول حروفه الباء وآخرها السين فكأنه قيل بس أى حسب ففيه اشارة الى أنه كاف عما سواه ورمزالى قوله تعالى مافرطنا فى الكتاب من شىء وقد نظم ذلك بعض الفرس فقال
(30/287)

أول وآخر قرآن زجه با آمد وسين
يعنى اندرد وجهان رهبر ما قرآن بس ومثله من الرموز كثير لكن قيل لاينبغى أن يقال أن مراد الله عز و جل فلى هذه السورة الى الاستعانة به تعالى شأنه كما أرشد جل وعلا اليها فى الفاتحة بل لايبعد أن يكون مراده تعالى على القول بان ترتيب السور يوحيه سبحانه من ختم كتابه الكريم بالاستعاذة به تعالى من شر الوسواس الاشارة كما فى الفاتحة الى جلالة شأن التقوى والرمز الى أنها ملاك الأمر كاه وبها يحصل حسن الخاتمة فسبحانه من ملك جليل ماأجل كلمته ولله در التنزيل مأحسن فاتحته وخاتمته وبعد فهذا والحمد لله تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا فأسعدنى وله الشكر بالتوفيق لتفسير كتابه العزيز الذى لايذل من لاذ به 0 فاذ وفقتنى يا الهى لتفسير عبارته ووقفتنى على ماشئت من مضمر اشارته فاجعلنى يارباه ممن يعتصم بمحكم حبله ويتمسك بعروته الوثقى ويأوى الى المتشابهات الى حرز معقله ويستظل بظلال كهفه الاوقى وأعذنى من وساوس الشيطان ومكايده ومن الارتباك بشباك غروره ومصايده واجعله وسيلة لى الى أشرف منازل الكرامة وسلما أعرج فيه الى محل السلامة فطالما يا الهى أسهرتنى أياته حتى خفقت برأسى سنة الكرى فلم الاوقد لطمتنى من صفاح صحائف سورة ذات سوار وكم وكم سرت بى يامولاى عباراته حتى حققت لى دعوى عند الصباج يحمد القوم السرى فلم أشعر الا وقد تلفعت نواعس السوادىمن فضل مئزر مهاة الصبح بخمار ولم أزل أسود الأوراق فلى تحرير ماأفضت على حتى بيض نسخة عمرى المشيب وأجدد النظر بتحديق الاحداق فيما أفيضت من المشايخ الى حتى بل برد شبابى القشيب 0 هذا ماقاسيته من خليل غادر وجليل جائر وزمان غشوم وغيوم أبلها غموم 0 الى أمور انت ياالهى أعلم ولم يكن لى فيها سواك من يرحم 0 وأكثر ذلك ياألهى قد كان حيث أهلتنى لخدمة كتابك ومننت على من غير حد بالفحص عن مستودعات خطابك فاكفنى اللهم بحرمته مؤنة معرة العباد وهب لى أمن يوم المعاد وأذنى بلطفك وأعذنى بنعمتك ووفقنى للتى هى أزكى واستعملنى بما هو أرضى واسلك بى الطريقة المثلى وذودنى مطيات الهدى وزودنى باقيات التقى وأصلح ذريتى وبلغنى بهم أمنيتى واجعلهم علماء عاملين وهداة مهدين وكن لى ولهم فى جميع الامور واحفظنى واحفظهم من فتن الغرور وأيد اللهم خليفتك فى خليقتك ووفقه بحرمة كلامك لاعلاء كلمتك وصل وسلم على روح معانى الممكنات على الاطلاق وروح معانى قلوب المؤمنين والمؤمنات فى سائر الآفاق 0 وعلى آله وأصحابه وكل من سلك سنن سنته واقتفى
(30/288)