الكتاب : تفسير ابن عبد السلام
المؤلف : عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، عز الدين الملقب بسلطان العلماء (المتوفى : 660هـ)
مصدر الكتاب : موقع التفاسير
http://www.altafsir.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير ]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
{ كَسَرَابٍ } : هو الذي يتخيل لرائيه أنه ماء جارٍ والآل مثله إلا أنه يرتفع عن الأرض ضُحى حتى يصير كأنه بين السماء والأرض ، وقيل السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال ، والرقراق بعد العصر { بِقِيعَةٍ } جمع قاع كجيرة وجار وهو ما انبسط من الأرض واستوى . مثل مضروب لاعتماد الكافر على ثواب عمله فإذا قدم على الله تعالى وجد ثوابه حابطاً بكفره ووجد أمر الله عند حشره ، أو وجد الله تعالى عند عرضه ، نزلت في شيبة بن ربيعة ترهّب في الجاهلية ولبس الصوف وطلب الدين وكفر في الإسلام .
(4/168)

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
{ كَظُلُمَاتٍ } ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل { لُّجِّىٍّ } واسع لا يرى ساحله ، أو كثير الموج ، أو عميق ، ولجة البحر : وسطه { لَمْ يَكَدْ } لم يَرَهَا ولم يكد قاله الزجاجَ ، أو رآها بعد أن كادَ لا يراها ، أو لم يطمع أن يراها ، أو يكاد صلة { وَمَن لًّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً } سبيلاً إلى النجاة فلا سبيل له إليها ، أو من لم يهده الله إلى الإسلام لم يهتدِ إليه . مثل للكافر والظلمات ظلمة الشرك وظلمة الشك وظلمة المعاصي ، والبحر اللجي قلبه يغشاه موج عذاب الدنيا من فوقه موج عذاب الآخرة .
(4/169)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
{ صَآفَّاتٍ } مُصْطفة الأجنحة في الهواء { صَلاتَهُ } الصلاة : للإنسان والتسبيح : لسائر الخلق ، أو هذا في الطير؛ ضرب أجنحتها صلاة وأصواتها تسبيح ، أو للطير صلاة لا ركوع فيها ولا سجود ، قاله سفيان ، علم الله صلاته وتسبيحه ، أو علمها هو .
(4/170)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
{ يُزْجِى } يسوق { رُكَاماً } يركب بعضه بعضاً { الْوَدْقَ } البرق يخرج من خلال السحاب ، أو المطر عند الجمهور { مِن جِبَالٍ } أي في السماء جبال بَرَد فينزل من السماء من تلك الجبال ما يشاء من البرد ، أو ينزل من السماء بَرَداً يكون كالجبال ، أو السماء : السحاب والسماء صفة للسحاب سُمي جبالاً لعظمته فينزل منه برداً { سَنَا بَرْقِهِ } صوت برقه ، أو ضوؤه ، أو لمعانه .
(4/171)

يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
{ يُقَلِّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ } بتعاقبهما ، أو بنقص كل واحد منهما وزيادة الآخر ، أو يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى ويغير الليل بظلمة السحاب تارة وبضوء القمر أخرى .
(4/172)

وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
{ مِّن مَّآءٍ } النطفة ، أو أصل الخلق كله الماء ثم قلب إلى النار فخلق منها الجن وإلى الريح فخلق منها الملائكة وإلى الطين فخلق منه ما خلق { عَلَى بَطْنِهِ } كالحوت والحية { عَلَىَ رِجْلَيْنِ } كالإنسان والطير { عَلَى أَرْبَعٍ } كالأنعام ولم يذكر ما زاد لأنه كالماشي على أربع لأنه يعتمد في مشيته على أربع .
(4/173)

وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)
{ مُّعْرِضُونَ } كان بين بِشْر المنافق وبين يهودي خصومة فدعاه اليهودي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا بشر إلى كعب بن الأشرف؛ لأن الحق إذا توجه على المنافق دعا إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم [ ليسقط عنه ] وإن كان الحق له حاكم إليه ليستوفيه له فنزلت { وَإِذَا دُعُواْ } .
(4/174)

وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
{ مُذْعِنِينَ } طائعين ، أو خاضعين ، أو مسرعين ، أو مقرين .
(4/175)

أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)
{ مَّرَضٌ } شرك ، أو نفاق .
(4/176)

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
{ مَا حُمِّلَ } من إبلاغكم { مَّا حُمِّلْتُمْ } من طاعته { تَهْتَدُواْ } إلى الحق { الْبَلاغُ } بالقول للطائع وبالسيف للعاصي .
(4/177)

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)
{ الأَرْضِ } بلاد العرب والعجم ، أو أرض مكة؛ لأن المهاجرين سألوا الله تعالى ذلك { الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } بنو إسرائيل في أرض الشام ، أو داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ } بإظهاره على كل دين { لا يُشْرِكُونَ } لا يعبدون إلهاً غيري ، أو لا يراؤون بعبادتي ، أو لا يخافون غيري " ع " ، أو لا يحبون غيري . قيل هي في الخلفاء الأربعة . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " الخلافة بعدي ثلاثون " .
(4/178)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
{ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } النساء يستأذن في الأوقات الثلاث خاصة ويستأذن الرجال في جميع الأوقات ، أو العبيد والإماء فيستأذن العبد دون الأمة على سيده في هذه الأوقات ، أو الأمة وحدها؛ لأن العبد يلزمه الاستئذان في كل وقت " ع " ، أو العبد والأمة جميعاً { وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ } الصغار الأحرار فإن كان لا يصف ما رأى فليس من أهل الاستئذان وإن كان يصفه فيستأذن في الأوقات الثلاث ولا يلزمهم الاستئذان فيما وراء الثلاث . وخُصَّت هذه الأوقات لخلوة الرجل فيها بأهله وربما ظهر منه فيها ما يكره أون يرى من جسده . وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عمر رضي الله تعالى عنه وقت القائلة غلاماً من الأنصار فدخل بغير إذن فاستيقظ عمر رضي الله تعالى عنه بسرعة فانكشف منه شيء فرآه الغلام فحزن عمر رضي الله تعالى عنه لذلك وقال : وددت أن الله تعالى بفضله نهى أن يدخل علنيا في هذه الساعات إلا بإذننا فانطلق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآيات قد نزلت فخر ساجداً . { ثَلاثُ عَوْرَاتٍ } لما اشتملت الساعات الثلاث على العورات سماهن عورات إجراءً لعورات الزمان مجرى عورات الأبدان فلذلك خصها بالإذن { لَيْسَ عَلَيْكُمْ } جناح في تبذلكم في هذه الأوقات ، أو في منعهم فيها { وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ } في ترك الاستئذان فيما سواهن . { طَوَّافُونَ عَلَيْكُم } بالخدمة فلم يُحرَّج عليهم في دخول منازلكم ، والطوَّاف : الذي يكثر الدخول والخروج .
(4/179)

وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
{ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } الرجال أوجب الاستئذان على من بلغ؛ لأنه صار رجلاً .
(4/180)

وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
{ وَالْقَوَاعِدُ } جمع قاعد قعدت بالكبر عن الحيض والحمل ، أو لأنها تكثر القعود بعد الكبر ، أو لأنها لا تراد فتقعد عن الاستمتاع { لا يَرْجُونَ } لا يردن لأجل كبرهن الرجال ولا يردهن الرجال { ثِيَابَهُنَّ } رداؤها الذي فوق خمارها تضعه إذا سترها باقي ثيابها ، أو خمارها ورداءها { مُتَبَرِّجَاتٍ } مظهرات من زينتهن ما يستدعى النظر إليهن فإنه حرام على القواعد وغيرهن ، وجاز لهن وضع الجلباب لانصراف النفوس عنهن ، وتمنع الشواب من وضع الجلباب ويُؤمرن بلباس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ } تعفف القاعدة من وضع الجلابيب أفضل لها وأولى بها من وضعه وإن كان جائزاً .
(4/181)

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
{ لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى } . . . . . إلى { الْمَرِيضِ } كان الأنصار يتحرجون من الأكل مع هولاء إذا دعوا إلى طعام ويقولون الأعمى لا يبصر أطيب الطعام ، والأعرج لا يقدر على الزحام عند الطعام ، والمريض عن مشاركة الصحيح في الطعام ، فكانوا يعزلون طعامهم ، ويرون أنه أفضل من مشاركتهم فنزلت الآية رافعة للحرج في مؤاكلتهم " ع " ، أو كان الأنصار يستخلفون أهل الزَّمانة المذكورين في منازلهم إذا خرجوا للجهاد فكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص لهم أن يأكلوا من بيوت من استخلفهم ، أو نزلت في سقوط الجهاد عنهم " ح " ، أو لا جناح على من دُعي منهم إلى وليمة أن يأخذ معه قائده { بُيُوتِكُمْ } أموال عيالكم وزوجاتكم لأنهم في بيته ، أو أولادكم فنسبت بيوت الأولاد إليهم كقوله : " أنت ومالك لأبيك " ولذلك لم تذكر بيوت الأبناء ، أو البيوت التي أنتم ساكنوها خدمة لأهلها واتصالاً بأربابها كالأهل والخدم { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } . . . إلى { خَالاتِكُمْ } أباح الأكل من بيوت هؤلاء إذا كان الطعام مبذولاً غير مُحرز ، فإن مكان مُحرزاً فلا يجوز هتك الحرز ، ولا يتعدى إلى غير المأكول ولا يتجاوز الأكل إلى الادخار { مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ } وكيل الرجل وقَيِّمُه في ضيعته يجوز أن يأكل مما يقوم [ عليه ] من ثمار الضيعة " ع " ، أو يأكل من منزل نفسه ما ادخره ، أو أكله من مال عبده { صَدِيقِكُمْ } في الوليمة خاصة ، أو في الوليمة وغيرها وإذا كان الطعام غير محرز ، والصديق واحد يعبّر به عن الجمع ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " قد جعل الله في الصديق البار عوضاً من الرحم المذمومة " ، والصديق : من صدقك عن مودته ، أو من وافق باطنه باطنك كما يوافق ظاهره ظاهرك ، وما تقدم ذكره محكم لم ينسخ منه شيء ، قاله قتادة : أو نسخ بوقوله تعالى : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى } [ الأحزاب : 53 ] وبقوله : " لا يحل مال أمرىء مسلم " الحديث { أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً } كان بنو كنانة في الجاهلية يرى أحدهم أنه يحرم عليه الأكل وحده حتى أن أحدهم ليسوق الذود الحُفَّل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فنزلت فيهم ، أو في قوم من العرب كانوا يتحرجون إذا نزل بهم ضيف أن يتركوه يأكل وحده حتى يأكلوا معه ، أو في قوم تحرجوا من الاجتماع على الأكل ورأوا ذلك دِيناً ، أو في قوم مسافرين اشتركوا في أزوادهم فكان إذا تأخر أحدهم أمسك الباقون حتى يحضر فرخص لهم في الأكل جماعة وفرادى { بُيُوتاً } المساجد ، أو جميع البيوت { عَلَى أَنفُسِكُمْ } إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلكم وعيالكم ، أو المساجد ، فسلموا على من فيها " ع " ، أو بيوت غيركم فسلموا عليهم " ح " ، أو بيوتاً فسلموا على أهل دينكم ، أو بيوتاً فارغة فسلموا على أنفسكم : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو سلام علينا من ربنا تحية من الله { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ } السلام اسم من أسماء الله تعالى ، أو التحية بالسلام أمر من أوامره ، أو الرد عليه إذا سلم دعاء له عند الله ، أو الملائكة ترد عليه إذا سلم فيكون ثواباً من عند الله { مُبَارَكَةً } بما فيها من الثواب الجزيل ، أو لما يرجى من قبول دعاء المجيب .
(4/182)

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)
{ أَمْرٍ جَامِعٍ } الجهاد ، أو طاعة الله ، أو الجمعة ، أو الاستسقاء والعيدان وكل شيء تكون فيه الخطبة { لِّمَن شِئْتَ } على حسب ما ترى من أعذارهم ونياتهم . قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أن يرجع إلى أهله ، فأذن له وكان المنافقون إذا استأذنوه نظر إليهم ولم يأذن ، فيقول بعضهم لبعض إن محمداً يزعم أنه بُعث بالعدل وهكذا يصنع بنا { وَاسْتَغْفِرْ } لمن أذنت له لتزول عنه مذمة الانصراف .
(4/183)

لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
{ لا تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ } نهى عن التعرض لدعائه بإسخاطه فإن دعاءه يوجب العقوبة وليس كدعاء غيره " ع " ، أو لا تدعونه بالغلظة والجفاء ولكن بالخضوع والتذلل؛ يا رسول الله ، يا نبي الله ، أو لا تتأخروا عن أمره ولا تقعدوا عن استدعائه إلى الجهاد كما يتأخر بعضهم عن أجابة بعض { الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ } المنافقون يتسللون عن صلاة الجمعة يلوذ بعضهم ببعض استتاراً من الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن أثقل عليهم من الجمعة وحضور الخطبة ، أو كانوا يتسللون في الجهاد برجوعهم عنه يلوذ بعضهم ببعض { لِوَاذاً } فراراً من الجهاد " ح " { يُخَالِفُونَ } يعرضون ، أو " عن " صلة { عَنْ أَمْرِهِ } أمر الله تعالى ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { فِتْنَةٌ } كفر ، أو عقوبة ، أو بلية تظهر نفاقهم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } جهنم ، أو القتل في الدُنيا .
(4/184)

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
{ تَبَارَكَ } تفاعل من البركة " ع " ، أو خالق البركة ، أو الذي تجيء منه البركة وهو العلو ، أو الزيادة ، أو العظمة { الْفُرْقَانَ } القرآن؛ لأن فيه بيان الحلال والحرام ، أو الفرقة بين الحق والباطل ، وقيل الفرقان اسم لكل مُنزل { لِيَكُونَ } محمداً صلى الله عليه وسلم أو الفرقان { لِلْعَالَمِينَ } الجن والإنس؛ لأنه أرسل إليهم { نَذِيراً } محذراً من الهلاك ، ولم تعم رسالة نبي قبله إلا نوح عليه الصلاة والسلام فإنه عم الإنس برسالته بَعد الطوفان وقبل الطوفان مذهبان .
(4/185)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } مشركو مكة ، أو النضر بن الحارث " ع " { إِفْكٌ } كذب اختلقه وأعانه { قَوْمٌ } من اليهود ، أو عبد الله بن الحضرمي ، أو عداس مولى عتبة " وجبر مولى عامر بن الحضرمي " ، أو أبو فكيهة الرومي .
(4/186)

وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)
{ يَأْكُلُ الطَّعَامَ } أنكروا أن يكون الرسول مثلهم محتاجاً إلى الطعام متبذلاً في الأسواق ، أو ينبغي كما اختص بالرسالة فكذلك يجب أن لا يحتاج إلى الطعام كالملائكة ولا يتبذل في الأسواق كالملوك { أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } دليلاً على صدقه ، أو وزيراً يرجع إلى رأيه .
(4/187)

أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)
{ كَنزٌ } ينفق منه على نفسه وأتباعه كأنهم استقلوه لفقره { وَقَالَ الظَّالِمُونَ } مشركو مكة ، أو عبد الله بن الزَّبَعْرَى { مَّسْحُوراً } سُحر فزال عقلُه ، أو سحركم فيما يقوله .
(4/188)

انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)
{ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ } بما تقدم من قولهم { فَضَلُّواْ } عن الحق في ضربها ، أو فناقضوا في ذلك لأنهم قالوا : افتراه ثم قالوا يُملى عليه { سَبِيلاً } مخرجاً من الأمثال التي ضربوها ، أو سبيلاً لطاعة الله تعالى أو سبيلاً إلى الخير .
(4/189)

وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)
{ ضَيِّقاً } تضيق جهنم على الكافر كمضيق الزُّج على الرمح { مُّقَرَّنِينَ } مُكَتَّفين ، أو قرن كل واحد منهم إلى شيطانه . { ثُبُوراً } ويلاً أو هلاكاً ، أو وانصرافاه عن طاعة الله كقول الرجل واحسرتاه وانداماه .
(4/190)

لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)
{ مَا يَشَآءُونَ } من النعيم وتُصرف المعاصي عن شهواتهم { وَعْداً مَّسْئُولاً } وعدهم الله الجزاء فسألوه الوفاء فوفى " ع " ، أو يسأله لهم الملائكة فيجابون إلى مَسْألتهم ، أو سألوه في الدنيا أن يرزقهم الجنة فأجابهم .
(4/191)

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
{ يَحْشُرُهُمْ } حشر الموت ، أو البعث " ع " { وَمَا يَعْبُدُونَ } عيسى وعُزير والملائكة { فَيَقُولُ } للملائكة ، أو لعيسى وعُزير والملائكة { ءَأَنتُمْ } تقريرٌ لإكذاب المدعين عليهم ذلك .
(4/192)

قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)
{ مِنْ أَوْلِيَآءَ } نواليهم على عبادتنا ، أو نتخذهم لنا أولياء { مَّتَّعْتَهُمْ } بتأخير العذاب ، أو بطول العمر ، أو بالأموال والأولاد { بُوراً } هلكى ، البوار : الهلاك " ع " ، أو لا خير فيهم ، بارت الأرض : تعطلت من الرزع فلم يكن فيها خير ، أو البوار : الفساد بارت السلعة : كسدت كساداً فاسداً .
(4/193)

فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
{ فَقَدْ } كذبكم الكفار أيها المؤمنون { بِمَا تَقُولُونَ } من بنوة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كذب الملائكة والرسل الكفار بقولهم إنهم اتخذوهم أولياء من دونه { صَرْفاً } للعذاب عنهم ولا ينصرون أنفسهم ، أو صرف الحجة { وَلا نَصْراً } على آلهتهم في تكذيبهم ، أو صرفك يا محمد عن الحق ولا نصر أنفسهم من عذاب التكذيب ، أو الصرف : الحلية من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال ، وفي الحديث : " لا يقبل منه صرف أي نافلة ولا عدل أي فريضة " ، أو الصرف : الدية والعدل : القود .
(4/194)

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
{ فِتْنَةً } اختباراً يقول الفقير لو شاء لجعلني غنياً مثل فلان وكذلك يقول الأعمى والسقيم للبصير ، والسليم ، أو العداوات في الدين ، أو صبر الأنبياء على تكذيب قومهم ، أو لما أسلم بلال وعمار وصهيب وأبو ذر وعامر بن فهيرة وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم من الفقراء والموالي قال : المستهزئون من قريش انظروا إلى أتباع محمد من فقرائنا وموالينا فنزلت ، والفتنة : البلاء ، أو الاختبار { أَتَصْبِرُونَ } على ما امتُحنتم به من الفتنة تقديره أم لا تَصْبرون . { بَصِيراً } بمن يجزع .
(4/195)

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)
{ لا يَرْجُونَ } لا يخافون ، أو لا يأملون ، أو لا يبالون { الْمَلائِكَةُ } ليخبرونا بنبوة محمد ، أو رسلاً بدلاً من رسالته { اسْتَكْبَرُواْ } باقتراحهم رؤية ربهم ونزول الملائكة ، أو بإنكارهم إرسالَ محمد صلى الله عليه وسلم إليهم { عُتُوّاً } تجبراً ، أو عصياناً ، أو سرفاً في الظلم ، أو غلواً في القول ، أو شدة الكفر " ع " ، نزلت في عبد الله بن أبي أمية ومكرز بن حفص في جماعة من قريش قالوا : لولا أنزل علينا الملائكة ، أو نرى ربنا .
(4/196)

يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)
{ يَوْمَ يَرَوْنَ } يوم الموت ، أو القيامة { لا بُشْرَى } للمجرمين بالجنة { وَيَقُولُونَ } الملائكة للكفار ، أو الكفار لأنفسهم { حِجْراً مَّحْجُوراً } معاذ الله أن تكون لكم البشرى ، أو حراماً محرماً أن تكون لكم البشرى ، أو منعنا أن يصل إلينا شيء من الخير .
(4/197)

وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
{ وَقَدِمْنَآ } عمدنا { مِنْ عَمَلٍ } خير فأحبطناه بالكفر ، أو عمل صالح لا يراد به وجه الله . { هَبَآءً } رَهَج الدواب " غبار يسطع من تحت حوافرها " ، أو كالغبار يكون في شعاع الشمس إذا طلعت في كوة ، أو ما ذرته الريح من أرواق الشجر ، أو الماء المهراق " ع " أو الرماد .
(4/198)

أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)
{ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } المستقر في الجنة ، والمقيل دونها ، أو عبّر به عن الدعة وإن لم يقيلوا ، أو مقيلهم الجنة على الأسرة مع الحور ، ومقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين " ع " ، أو يفرغ من حسابهم وقت القائلة وهو نصف النهار .
(4/199)

وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
{ بِالْغَمَامِ } المعهُود لأنه لا يبقى بعد انشقاق السماء ، أو غمام أبيض يكون في السماء ينزله الله تعالى على الأنبياء فيشقق السماء فيخرج منها { وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ } ليبشروا المؤمن بالجنة والكافر بالنار ، أو ليكون مع كل نفس سائق وشهيد .
(4/200)

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
{ الظَّالِمُ } قيل عقبة بن أبي مُعيط { سَبِيلاً } طريقاً إلى النجاة أو بطاعة الله ، أو وسيلة عند الرسول صلى الله عليه وسلم تكون صلة إليه .
(4/201)

يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)
{ فُلاناً } لا يثنى ولا يجمع . وهو هنا الشيطان ، أو أُبي بن خلف ، أو أمية بن خلف كان خليلاً لعقبة وكان عقبة يغشى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : أمية بلغني أنك صبوت إلى دين محمد ، فقال : ما صبوت فقال : وجهي من وجهك حرام حتى تأتيه فتتفل في وجهه وتبرأ منه ، فأتاه عقبة وتفل في وجهه وتبرأ منه فاشتد ذلك على الرسول صلى الله عليه سلم فنزلت .
(4/202)

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
{ مَهْجُوراً } أعرضوا عنه ، أو قالوا : فيه هُجراً وقبيحاً ، أو جعلوه هجراً من الكلام وهو ما لا فائدة فيه كالبعث والهذيان .
(4/203)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } قريش ، أو اليهود : هلا نُزل القرآن جملة واحدة كالتوراة { لِنُثَبِّتَ } لنشجع به قلبك؛ لأنه معجزة تدل على صدقك ، أو أنزلناه متفرقاً لنثبت به فؤادك؛ لأنه أُمي لا يقرأ فنزل مفرقاً ليكون أثبت في فؤاده وأعلق بقلبه ، أو ليثبت فؤاده باتصال الوحي فلا يصير بانقطاعه مستوحشاً { وَرَتَّلْنَاهُ } رسلناه شيئاً بعد شيء " ع " ، أو فرقناه ، أو فصلناه ، أو فسرناه ، أو بيناه " ع " .
(4/204)

وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)
{ الرَّسِّ } المعدن ، أو قرية من قرى اليمامة يقال : لها الفلج من ثمود ، أو ما بين نجران واليمن إلى حضرموت ، أو بئر بأذربيجان " ع " ، أو بأنطاكية الشام قتل بها صاحب ياسين ، أو كل بئر لم تُطْو فهي رس . وأصحابها قوم شعيب ، أو قوم رسو نبيهم في بئر ، أو قوم نزلوا على بئر وكانوا يعبدون الأوثان فلا يظفرون بأحد يخالف دينهم إلا قتلوه وَرَسُّوه فيها وكان الرسل بالشام ، أو قوم أكلوا نبيهم .
(4/205)

وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)
{ الْقَرْيَةِ } سدوم . و { مَطَرَ السَّوْءِ } الحجارة . { يَرَوْنَهَا } يعتبرون بها { لا يَرْجُونَ } لا يخافون بعثاً .
(4/206)

أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
{ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } قوم كانوا يعبدون ما يستحسنونه من الحجارة فإذا رأوا أحسن منه عبدوه وتركوا الأول " ع " ، أو الحارث بن قيس كان إذا هوى شيئاً عبده ، أو التابع هواه في كل ما دعاه إليه " ح " .
{ وَكِيلاً } ناصراً ، أو حفيظاً ، أو كفيلاً أو مسيطراً .
(4/207)

أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
{ مَدَّ } بسط { الظِّلَّ } الليل يظل الأرض يدْبر بطلوع الشمس ويقْبل بغروبها ، أو ظلال النهار بما حجب عن شعاع الشمس ، والظل ما قبل الزوال والفيء بعده ، أو الظل : قبل طلوع الشمس والفيء بعد طلوعها . { سَاكِناً } دائماً . { دَلِيلاً } برهاناً على الظل ، أو تالياً يتبعه حتى يأتي عليه كله " .
(4/208)

ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)
{ قَبَضْنَاهُ } قبضنا الظل بطلوع الشمس ، أو بغروبها . { يَسِيراً } سريعاً " ع " ، أو سهلاً ، أو خفياً .
(4/209)

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
{ لِبَاساً } غطاء كاللباس . { سُبَاتاً } راحة لقطع العمل فيه ، أو لأنه مسبوت فيه كالميت لا يعقل . { نُشُوراً } باليقظة كالنشور بالبعث ، أو ينتشر فيه للمعاش .
(4/210)

وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
{ الرِّيَاحَ } قال أُبي بن كعب : كل شيء من ذكر الرياح في القرآن فهو رحمة وكل شيء من الريح فهو عذاب ، قيل لأن الرياح جمع وهي الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح ، والعذاب ريح واحدة ، وهي الدَّبور؛ لأنها لا تُلقح . { نشراً } تنشر السحاب ليمطر ، أو تحيي الخلق كما يحيون بالنشور . { بشراً } لتبشيرها بالمطر ، أو لأنهم يستبشرون بالمطر . { رَحْمَتِهِ } بالمطر .
(4/211)

لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
{ بَلْدَةً مَّيْتاً } لا عمارة بها ولا زرع وإحياؤها إنبات زرعها وشجرها { وَأَنَاسِىَّ } جمع إنسان ، أو جمع إنسي .
(4/212)

وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)
{ صَرَّفْنَاهُ } الفرقان ، أو المطر . قسمة بينهم فلا يدوم على مكان فيهلك ، ولا ينقطع عن آخر فيفسد ، أو يصرفه في كل عام من مكان إلى مكان ، قال ابن عباس . رضي الله تعالى عنهما : ليس عام بأمطر من عام ولكن الله تعالى يصرفه بين عباده { كُفُوراً } قولهم : مطرنا بالأنواء .
(4/213)

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
{ فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ } في تعظيم آلهتهم ، أو موادعتهم { وَجَاهِدْهُمْ بِهِ } بالقرآن أو الإسلام . { كَبِيراً } بالسيف ، أو الغلظة .
(4/214)

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)
{ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } أرسل أحدهما في الآخر ، أو خلاهما مرجت الشيء خليته ، ومرج الوالي الناس تركهم ، ومرجت الدابة تركتها ترعى ، فهما بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر العذب وبحر الملح . { فُرَاتٌ } عذب أو أعذب العذب { أُجَاجٌ } ملح ، أو أملح الملح ، أو مر ، أو حار متوهج من تأجج النار { بَرْزَخاً } حاجزاً من اليبس " ح " أو التخوم ، أو الأجل ما بين الدنيا والآخرة . { وَحِجْراً } مانعاً أن يختلط العذب بالمالح .
(4/215)

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)
{ نَسَباً } كل من ناسب بولد أو والد وكل شيء أضيف إلى آخر ليعرف به فهو يناسبه . { وَصِهْراً } الرضاع ، أو المناكح ، أو النسب ما لا يحل نكاحه من قريب وغيره والصهر ما يحل نكاحه من قريب وغيره ، أصل الصهر الملاصقة ، أو الاختلاط لاختلاط الناس بها .
(4/216)

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
{ عَلَى رَبِّهِ } أولياء ربه . { ظَهِيراً } عوناً ، أو الكافر هين على الله ، ظهر فلان بحاجتي استهان بها ، منه { وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [ هود : 92 ] قيل نزلت : في أبي جهل .
(4/217)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)
{ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ } لم تكن العرب تعرف هذا الاسم لله تعالى فلما دعوا إلى السجود له بهذا الاسم سألوا عنه مسألة الجاهل ، أو لأن مسيلمة يُسمى بالرحمن فلما سمعوه في القرآن ظنوه مسيلمة فأنكروا السجود له ، أو ورد في قوم لا يعرفون الصانع ولا يقرون فلما دعوا إلى السجود أزدادوا نفوراً على نفورهم وإلا فالعرب كانت تعرف الرحمن قبل ذلك .
(4/218)

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)
{ بُرُوجاً } نجوماً عظاماً أو قصوراً فيها الحرس ، أو مواضع الكواكب ، أو منازل الشمس . { سِرَاجاً } الشمس . سُرُجاً : النجوم ، وسمى الشمس سراجاً لاقتران نورها بالحرارة كالسراج ، وسمى القمر بالنور لعدم ذلك فيه .
(4/219)

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
{ خِلْفَةً } ما فات في أحدهما قضي في الآخر ، أو يختلفان ببياض أحدهما وسواد الآخر ، أو يخلف كل واحد منهما الآخر بالتعاقب . { يَذَّكَّرَ } يصلي بالليل صلاة النهار ، وبالنهار صلاة الليل . { شُكُوراً } النافلة بعد الفرض قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه .
(4/220)

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
{ هَوْناً } علماء حلماء " ع " ، أو أعفاء أتقياء ، أو بالسكينة والوقار ، أو متواضعين غير متكبرين { الْجَاهِلُونَ } الكفار ، أو السفهاء ، { سَلاماً } سداداً ، أو طلباً للمسالمة ، أو وعليك السلام .
(4/221)

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)
{ غَرَاماً } غراماً ملازماً ، والغريم لملازمته ، أو شديداً وشدة المحنة غرام ، أو ثقيلاً . مغرمون : مثقلون ، أو أغرموا بنعيم الدنيا عذاب النار .
(4/222)

وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
{ يُسْرِفُواْ } النفقة في المعاصي " ع " ، أو لم يكثروا حتى يقول الناس قد أسرفوا ، أو لا يأكلون الطعام لإرادة النعيم ولا يلبسون الثياب للجمال وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . كانت قلوبهم كقلب رجل واحد ، أو لم ينفقوا نفقة في غ ير حقها . { يَقْتُرُواْ } يمنعوا حق الله " ع " ، أو لا يجيعهم ولا يعريهم ، أو لم يمسكوا عن طاعة الله تعالى ، أو لم يقتصروا في الحق . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من منع في حق فقد أقتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف " { قَوَاماً } عدلاً ، أو إخراج شطر الأموال في الطاعة ، أو ينفق في الطاعة ويكف عن محارم الله تعالى . والقوام بالفتح الاستقامة والعدل ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر .
(4/223)

وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
{ إِلا بالْحَقِّ } كفر بعد الإيمان ، أو زنا بعد أحصان ، أو قتل نفس بغير نفس . { أَثَاماً } عقوبة ، أو جزاء ، أو اسم وادٍ في جهنم .
(4/224)

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
{ يُضَاعَفْ } عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو يجمع له بين عقوبات الكبائر التي فعلها ، أو استدامة العذاب بالخلود .
(4/225)

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
{ مَن تَابَ } من الزنا { وَءَامَنَ } من الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات . { حَسَنَاتٍ } يبدلون في الدنيا بالشرك إيماناً وبالزنا إحصاناً ، وذكر الله تعالى بعد نسيانه وطاعته بعد عصيانه ، أو في الآخرة من غلبت سيئاتُه حسناتِه بُدلت سيئاته حسنات ، أو يبدل عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته التي انتقل إليها . { غَفُوراً } لما سبق على التوبة . { رَّحِيماً } بعدها . لما قتل وحشي حمزة كتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . هل لي من توبة فإن الله تعالى أنزل بمكة إياسي من كل خير . { والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله } الآية [ الفرقان : 68 ] وأن وحشياً قد زنا وأشرك وقتل النفس فأنزل الله تعالى : { إلا مَن تَابَ } من الزنا وآمن بعد الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات الآية . فكتب بها الرسول صلى الله عليه وسلم إليه فقال : هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً . فكتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هل من شيء أوسع من هذا . فنزلت { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية [ النساء : 48 ] فكتب بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وحشي فقال : إني أخاف أن لا أكون من مشيئة الله فنزل في وحشي وأصحابه { قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ } الآية [ الزمر : 53 ] فبعث بها إلى وحشي فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم .
(4/226)

وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
{ الزُّورَ } الشرك بالله ، أو أعياد أهل الذمة وهو الشعانين ، أو الغناء ، أو مجالس الخنا ، أو لعب كان الجاهلية ، أو الكذب ، أو مجلس كان النبي صلى الله عليه وسلم يُشتم فيه . { بِاللَّغْوِ } كان المشركون إذا سبوهم وأذوهم أعرضوا عنهم وإذا ذكروا النكاح كفوا عنه ، ويكنون عن الفروج إذا ذكروها ، أو إذا مروا بإفك المشركين أنكروه ، أو المعاصي كلها ومرورهم بها { كِرَاماً } تركها والإعراض عنها .
(4/227)

وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)
{ لَمْ يَخِرُّواْ } لم يقيموا ، أو لم يتغافلوا . { صُمّاً وَعُمْيَاناً } لكنهم سمعوا الوعظ وأبصروا الرشد .
(4/228)

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
{ مَنْ أَزْوَاجِنَا } اجعل أزواجنا وذريتنا قرة أعين أو ارزقنا من أزواجنا أولاداً ومن ذريتنا أعقاباً ، وقرة العين : أن تصادف العين ما يرضيها فتقر على النظر إليه دون غيره ، أو القر البرد معناه بَرَّدَ الله دمعها ، دمع السرور بارد ، ودمع الحزن حار ، وضد قرة العين سخنة العين . { قُرَّةَ [ أَعْيُنٍ ] } أهل طاعة تقر أعيننا في الدنيا بصلاحهم وفي الآخرة بالجنة { إِمَاماً } أئمة هدى يهتدى بنا " ع " ، أو نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا ، أو أمثالاً ، أو قادة إلى الجنة ، أو رضاً .
(4/229)

أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)
{ الْغُرْفَةَ } الجنةٍ ، أو أعلى منازل الجنة { صَبَرُواْ } على الطاعة ، أو عن شهوات الدنيا . { تَحِيَّةً } بقاء دائماً ، أو ملكاً عظيماً . { وَسَلاماً } جميع السلامة والخير ، أو يحيي بعضهم بعضاً بالسلام .
(4/230)

قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
{ مَا يَعْبَؤُاْ } ما يصنع ، أو ما يبالي بكم . { دُعَآؤُكُمْ } عبادتكم له وإيمانكم به ، أو لولا دعاؤه لكم إلى الطاعة . { لِزَاماً } القتل ببدر أو عذاب القيامة ، أو الموت ، أو لزوم الحجة لهم في الآخرة على تكذيبهم في الدنيا . وأظهر الوجوه أن اللزام الجزاء للزومه .
(4/231)

طسم (1)
{ طسم } اسم الله تعالى أقسم به جوابه { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ } [ الشعراء : 4 ] " ع " ، أو اسم للقرآن ، أو من الفواتح التي افتتح بها كتابه ، أو حروف من أسماء الله تعالى وصفاته مقطعة الطاء من طَوْل ، أو طاهر ، والسين من قدوس أو سميع ، أو سلام . والميم من مجيد ، أو رحيم أو ملك .
(4/232)

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
{ بَاخِعٌ } قاتل أو مخرج ، والبخع القتل .
(4/233)

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
{ ءَايَةً } مَا عَظُم من الأمور القاهرة ، أو ما ظهر من الدلائل الواضحة { أَعْنَاقُهُمْ } لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية ، أو أراد أصحاب الأعناق ، أو الأعناق الرؤساء ، أو العنق الجماعة من الناس ، أتاني عنق من الناس أي جماعة .
(4/234)

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)
{ زَوْجٍ } نوع معه قرينه من أبيض وأحمر وحلو وحامض { كَرِيمٍ } حسن ، أو مما يأكل الناس والأنعام ، أو النافع المحمود ، أو الناس نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم قاله الشعبي ، { والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] .
(4/235)

وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)
{ وَيَضِيقُ صَدْرِى } لتكذيبهم ، أو للضعف عن إبلاغ الرسالة . { وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِى } من مهابته ، أو للعقدة التي كانت به .
(4/236)

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
{ وَلَهُمْ عَلَىَّ } عندي ذنب ، أو عقوبة ذنب هو قتل النفس .
(4/237)

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)
{ رَسُولُ } بمعنى رَسُولاً ، أو كل واحد منا رسول ، أو إنا رسالة ومنه :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وما أرسلتهم برسول
(4/238)

قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)
{ وَلَبِثْتَ فِينَا } لأنه كان لقيطاً في داره " لبث فيهم ثلاثين سنة " وغاب عنهم عشر سنين ، ثم دعاه ثلاثين سنة ، وعاش بعد غرقه خمسين سنة . ذكر ذلك امتناناً عليه .
(4/239)

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)
{ فَعْلَتَكَ } قتل النفس { مِنَ الْكَافِرِينَ } أي على ديننا الذي تقول أنه كفر ، أو من الكافرين لإحساني إليك .
(4/240)

قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)
{ الضَّآلِّينَ } الجاهلين لأنه لم يعلم أنها تبلغ النفس ، أو من الضالين عن النبوة ، أو من الناسين كقوله { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] .
(4/241)

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } اتخاذك بني إسرائيل عبيداً قد أحبط نعمتك التي تمن عليَّ بها ، أو لما ظلمت بني إسرائيل ولم تظلمني اعتددت بذلك نعمة تمن بها عليَّ ، أو لم يكن لفرعون على موسى نعمة وإنما رباه بنو إسرائيل بأمر فرعون لاستبعاده لهم فأبطل موسى نعمته لبطلان استرقاقه ، أو أنفق فرعون على تربية موسى من أموال بني إسرائيل التي أخذها منهم لما استعبدهم فأبطل موسى نعمته وأبطل منته لأنها أموال بني إسرائيل لا أموال فرعون " ح " والتعبيد الحبس والإذلال والاسترقاق لما فيه من الذل .
(4/242)

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)
{ ثُعْبَانٌ } الحية الذكر ، أو أعظم الحيات ، أو أعظم الحيات الصفر شعر العنق . { مُّبِينٌ } أنها ثعبان ، أو أنها آية وبرهان ، قيل كان اجتماعهم بالإسكندرية . قيل كان السحرة أثني عشر ألفاً ، أو ستعة عشر ألفاً .
(4/243)

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)
{ تَأْمُرُونَ } تشيرون .
(4/244)

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)
{ أَرْجِهْ } أخره ، أو أحبسه . ولم يأمروا بقتله لأنهم رأوا منه ما بهر عقولهم فخافوا الهلاك من قِبله ، أو صرفوا عن ذلك تأييداً للدين وعصمة لموسى عليه الصلاة والسلام ، أو خافوا أن يفتن الناس بما شاهدوا منه ورجوا أن يغلبه السحرة .
(4/245)

إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)
{ لَشِرْذِمَةٌ } : سفلة الناس ، أو العصبة الباقية من " عصب كبيرة "؛ شرذمة كل شيء بقيته القليلة ، والقميص إذا أخلق شراذم ، وما قطع من فضول النعال حتى تحذي شراذم . وكان عدد بني إسرائيل لما قال ذلك ستمائة ألف وتسعين ألفاً ، أو ستمائة وعشرين ألفاً لا يعدون ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره ، أو ستمائة ألف مقاتل ، أو خمسمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل واستقل هذا العدد لكثرة من قَتَل منهم ، أو لكثرة من معه ، كان على مقدمته هامان في ألف ألف وتسعمائة ألف حصان أشهب ليس فيها أنثى ، أو كانوا سبعة ألاف ألف .
(4/246)

وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)
{ لَغَآئِظُونَ } لأنهم استعاروا حُلِي القبط وذهبوا به مغايظة لهم ، أو لقتلهم أبكارهم وهربهم منهم ، أو بخلاصهم من رقهم واستخدامهم .
(4/247)

وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)
{ حَاذِرُونَ } وحاذرون واحد ، أو الحَذِر الخائف والحاذر المستعد أو الحذر المطبوع على الحذر والحاذر فاعل الحذر ، أو الحذر المتيقظ والحاذر آخِذُ السلاح لأن السلاح حذر .
(4/248)

وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)
{ وَكُنُوزٍ } الخزائن ، أو الدفائن ، أو الأنهار { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } المنابر " ع " أو مجالس الأمراء ، أو المنازل الحسان ، أو مرابط الخيل لتفرد الزعماء بارتباطها عدة وزينة .
(4/249)

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
{ مًّشْرِقينَ } حين أشرقت الشمس بالشعاع ، أو أشرقت الأرض بالضياء ، أو ناحية الشرق شرقت الشمس : طلعت وأشرقت : أضاءت . وتأخر فرعون وقومه عنهم لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء تلك الليلة وقع فيهم ، أو لأن سحابة أظلتهم فخافوها حتى أصبحوا فانقشعت عنهم .
(4/250)

فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
{ لَمُدْرَكُونَ } ملحوقون لأنهم رأوا فرعون وراءهم والبحر أمامهم .
(4/251)

قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
{ كَلآ } زجر وردع { سَيَهْدِينِ } إلى الطريق ، أو سيكفيني .
(4/252)

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
{ فَانفَلَقَ } أثني عشر طريقاً لكل سبط طريق عرض كل طريق فرسخان وكان ذلك ضحوة النهار يوم الأثنين عاشر المحرم بعد أربع ساعات من النهار . والبحر بحر النيل ما بين أيلة ومصر ، وقطعوه في ساعتين فصار ست ساعات { كَالطَّوْدِ } كالجبل .
(4/253)

وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)
{ وَأَزْلَفْنَا } قربنا فرعون وقومه إلى البحر " ع " ، أو جمعنا فرعون وقومه في البحر .
(4/254)

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
{ خَلَقَنِى } بنعمته { فَهْوَ يَهْدِينِ } لطاعته ، أو خلقني لطاعته فهو يهدين لجنته .
(4/255)

رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)
{ حُكْماً } لُبّاً ، أو علماً ، أو نبوة ، أو القرآن { بِالصَّالِحِينَ } الأنبياء والمؤمنين .
(4/256)

وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
{ لِسَانَ صِدْقٍ } ثناء حسناً من الأمم كلها ، أو أن يؤمن به أهل كل ملة ، أو يجعل من ولده من يقوم بالحق بعده .
(4/257)

وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)
{ لأَبِى } كان يُسِِر الإيمان ويظهر الكفر فيصح اسغفاره له . والأظهر أنه كان كافراً في الباطن أيضاً فسأل أن يغفر له في الدنيا ولا يعاقبه فيها أو يغفر له جنايته عليه التي تسقط بعفوه .
(4/258)

إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
{ سَلِيمٍ } من الشك ، أو الشرك " ح " أو المعاصي ، أو مخلص ، أو ناصح لله تعالى في خلقه .
(4/259)

فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)
{ فَكُبْكِبُواْ } جمعوا في النار ، أو طرحوا فيها على وجوههم ، أو نكسوا فيها على رؤوسهم ، أو قلب بعضهم على بعض ، { هُمْ } يعني الآلهه .
{ وَالْغَاوُنَ } المشركون ، أو الشياطين .
(4/260)

وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } أعوانه من الجن أو أتباعه من الإنس .
(4/261)

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)
{ شَافِعِينَ } من الملائكة ، أو الناس .
(4/262)

وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)
{ حَمِيمٍ } شفيق ، أو قريب نسيب ، حُم الشيء قرب والحمى لتقريبها من الأجل . قال الشاعر :
لعل لبنى اليوم حُم لقاؤها ... ببعض بلاد إنَّ ما حُم واقع
أو سمي القريب حميماً من الحمية لأنه يحمى لغضب صاحبه ، ذهبت يومئذ مودة الصديق ورقة الحميم .
(4/263)

قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)
{ الأَرْذَلُونَ } الذي يسألون ولا يقنعون ، أو المتكبرون ، أو السفلة ، أو الحاكة ، أو الأساكفة .
(4/264)

قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)
{ الْمَرْجُومِينَ } بالحجارة ، أو بالشتم ، أو القتل .
(4/265)

فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
{ فَافْتَحْ } فاقض ولم يدع عليهم إلا بعد ما قيل له { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] .
(4/266)

أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)
{ رِيعٍ } طريق ، أو الثنية الصغيرة ، أو السوق ، أو الفج بين الجبلين ، أو الجبال ، أو المكان المشرف من الأرض " ع " { ءَايَةً } بنياناً ، أو أعلاماً " ع " أو أبراج الحمام . { تَعْبَثُونَ } باللهو واللعب ، أو عبث العشارين بأموال من يمرُّ بهم .
(4/267)

وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
{ مَصَانِعَ } قصوراً مشيدة ، أو مآخذ الماء تحت الأرض ، أو أبراج الحمام . { لَعَلَّكُمْ } كأنكم تخلدون وهي كذلك في بعض القراءات .
(4/268)

وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)
{ جَبَّارِينَ } أقوياء " ع " أو بضرب السياط ، أو القتل بالسيف في غير حق ، أو القتل على الغضب .
(4/269)

إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)
{ خُلُقُ الأَوَّلِينَ } دينهم أو كذبهم ، أو عادتهم ، أو كان الأولون يموتون فلا يبعثون ولا يحاسبون .
(4/270)

وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)
{ هَضِيمٌ } رطب لين " ع " ، أو المذنَّب من الرطب ، أو ما لا نوى له " ح " أو المتهشم المتفتت ، أو الملاصق بعضه ببعض ، أو الطلع حين يتفرق ويخضر أو اليانع النضيج " ع " أو المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر ، أو الرخو ، أو اللطيف ، والطلع من الطلوع وهو الظهور ، ومنه طلعت الشمس والقمر .
(4/271)

وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
{ فَرهين } شرهين أو معجبين ، أو آمنين ، أو فرحين ، أو بطرين أشرين " ع " ، أو متخيرين { فَارِهينَ } كيسين ، أو حاذقين من فراهة الصنعة " ع " ، أو قادرين ، أو جمع فاره وهو المرح .
(4/272)

قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)
{ الْمُسَحَّرِينَ } المسحورين ، أو الساحرين ، أو المخلوقين " ع " ، أو المخدوعين ، أو الذي ليس له شيء ولا ملك ، أو ممن له سَحَر وهو الرئة ، أو ممن يأكل ويشرب .
(4/273)

وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)
{ بِالْقِسْطَاسِ } القبان " ح " ، أو الحديد ، أو المعيار ، أو الميزان ، أو العدل بالرومية ، أو بالعربية من القسط وهو العدل .
(4/274)

وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
{ وَلا تَعْثَوْا } لا تمشوا فيها بالمعاصي ، أو بالظلم .
(4/275)

وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
{ وَالْجِبِلَّةَ } الخليقة . قال امرؤ القيس :
والموت أكبر حادث ... مما يمر على الجبلة
(4/276)

فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)
{ كِسَفاً } جانباً ، أو قطعاً ، أو عذباً .
(4/277)

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)
{ الرُّوحُ الأَمِينُ } جبريل عليه السلام .
(4/278)

بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
{ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ } لسان جُرْهم ، أو قريش .
(4/279)

وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)
{ وَإِنَّهُ } ذكر القرآن ، أو ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ، أو ذكر دينه وصفته أمته . { لَفِى زُبُرِ الأَوَّلِينَ } التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب .
(4/280)

كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)
{ سَلَكْنَاهُ } أدخلنا الشرك ، أو التكذيب ، أو القسوة في قلوب المجرمين .
(4/281)

إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)
{ عَنِ السَّمْعِ } عن سمع القرآن لمصروفون ، أو عن فهمه وإن سمعوه ، أو عن العمل به وإن فهموه .
(4/282)

الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)
{ حِينَ تَقُومُ } في الصلاة " ع " ، أو من فراشك ومجلسك ، أو قائماً وجالساً وعلى حالتك ، أو حين تخلو عبّر بالقيام عن الخلوة لوصوله إليها بالقيام عن ضدها .
(4/283)

وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)
{ فِى السَّاجِدِينَ } من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً " ع " ، أو تقلبك في سجود صلاتك وركوعها ، أو ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك ، أو تصرفك في الناس ، أو تقلب ذكرك وصفتك على ألسنة الأنبياء قبلك ، أو حين تقوم إلى الصلاة منفرداً وتقلبك في الساجدين إذا صليت جماعة ، قاله قتادة .
(4/284)

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
{ وَالشُّعَرَآءُ } يعني الذين إذا غضبوا سَبُّوا ، وإذا قالوا كذبوا { يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُنَ } الشياطين ، أو المشركون ، أو السفهاء ، أو الرواة " ع " .
(4/285)

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
{ وَادٍ يَهِيمُونَ } في كل فن من الكلام يأخذون " ع " ، أو في كل لغو يخوضون ، أو يمدحون قوماً بباطل ، ويذمون قوماً بباطل ، والهائم المخالف في القصد ، أو المجاوز للحد .
(4/286)

وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)
{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ } من كذب في شعرهم بمدح ، أو ذم ، أو تشبيه ، أو تشبيب .
(4/287)

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
{ إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } فإنه لا يتبعهم الغاوون ، ولا يقولون ما لا يفعلون . ولما نزلت { وَالشُّعَرَآءُ } جاء عبد الله بن رواحة وكعب من مالك وكنا عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقالا هلكنا يا رسول الله فنزلت { إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } . فقرأها عليهم ، وقال : أنتم هم { وَذَكَرُواْ اللَّهَ } في شعرهم ، أو في كلامهم ، { وَانتَصَرُواْ } بردهم على المشركين ما هجوا به المسلمين { مُنقَلَبٍ } مصير يصيرون إليه من النار والعذاب ، والمنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه ، والمرجع العود من حال هو عليها إلى حال كان فيها .
(4/288)

طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
{ تِلْكَ } أي هذه آيات القرآن وآيات الكتاب والإشارة بتلك عائد إلى السورة ، أو إلى الحروف التي هي { طس } . المبين حلاله وحرامه وأمره ونهيه ووعده ووعيده .
(4/289)

هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
{ هُدىً } إلى الجنة { وَبُشْرى } بالثواب ، أو هدى من الضلالة وبشرى بالجنة .
(4/290)

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)
{ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ } المفروضة باستيفاء فروضها وسننها " ع " ، أو بالمحافظة على مواقيتها . { الزَّكَاةَ } زكاة المال ، أو زكاة الفطر ، أو طاعة الله تعالى والإخلاص ، أو تطهير أجسادهم من دنس المعاصي " ع " .
(4/291)

إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
{ يَعْمَهُونَ } يترددون " ع " ، أو يتمادون ، أو يلعبون ، أو يتحيرون " ح " .
(4/292)

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
{ لَتُلَقَّى } لتأخذ ، أو لتؤتى ، أو لتلقن ، أو لتلقف . { حَكِيمٍ } في أمره . { عَلِيمٍ } بخلقه .
(4/293)

إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
{ ءَانَسْتُ } رأيتُ ، أو أحْسَسْتُ ، الإيناس : الإحساس من جهة يؤنس بها . { بِخَبْرٍ } بخبر الطريق لأنه كان ضلها " ع " ، أو سأخبركم عنها بعلم . { بِشهَابٍ } الشعاع المضيء ومنه شهب السماء . { قَبَسٍ } قطعة من نار ، اقتبس النار أخذ قطعة منها ، واقتبس العلم لاستضاءته به كما يستضيء بالنار { لَّعَلَّكُمْ } لكي تصطلوا من البرد وكان شتاء .
(4/294)

فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
{ جَآءَهَا } جاء النور الذي ظنه ناراً وقف قريباً منها فوجدها تخرج من شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرماً ولا تزاد الشجرة إلا خضرة وحسناً { بُورِكَ } قُدِس " ع " ، أو تبارك ، أو البركة في النار . { النَّارِ } نار فيها نور ، أو نور لا نار فيه عند الجمهور { مَن فِى النَّارِ } مَنْ : صلة تقديره بوركت النار ، أو بورك النور الذي في النار ، أو بورك الله الذي في النور أو الملائكة ، أو الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق . { وَمَنْ حَوْلَهَا } الملائكة ، أو موسى عليه الصلاة والسلام . { وَسُبْحَانَ اللَّهِ } من كلام الله تعالى لموسى ، أو قاله موسى لما سمع الكلام وفزع استعانة بالله تعالى وتنزيهاً له ، وسمع موسى كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وحكى النقاش أن الله تعالى خلق في الشجرة كلاماً حتى خرج منه فسمعه موسى عليه الصلاة والسلام ولا خبر فيما ذكره من ذلك . قال وهب لم يمس موسى عليه الصلاة والسلام امرأة بعد ما كلمه ربه .
(4/295)

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
{ جَآنٌّ } الحية الصغيرة سميت بذلك لاختفائها واستتارها ، أو الشيطان لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشياطين لقوله : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين } [ الصافات : 65 ] وقد كان انقلابها إلى أعظم الحيات وهي الثعبان .
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ولما توجه إلى مدين أعطاه العصا ملك من الملائكة . { وَلَمْ يُعَقِّبْ } لم يرجع ، أو لم ينتظر ، أو لم يلتفت . { لا يَخَافُ لَدَىَّ } أي لا يخافون في الموضع الذي يوحى إليهم فيه وإلا فهم أخوف الخلق لله تعالى .
(4/296)

إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)
{ إِلا مَن ظَلَمَ } من غير المرسلين فيكون الاستثناء منقطعاً ، أو أراد آدم ظَلَم نفسه بأكل الشجرة ، أو يخافون مما كان منهم قبل النبوة كقتل موسى للقبطي ، أو يخافون من الصغائر بعد النبوة لأنهم غير معصومين منها .
(4/297)

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
{ عِلْماً } فهماً ، أو قضاء ، أو علم الدين ، أو منطق الطير ، أو بسم الله الرحمن الرحيم ، أو صنعة الكيمياء . وهو شاذ { فَضَّلَنَا } بالنبوة ، أو الملك ، أو العلم .
(4/298)

وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
{ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ } نبوة داود وملكه ، أو سخر له الشياطين والرياح ، أو استخلفه في حياته على بني إسرائيل فسمي ذلك وراثة ، وكان لداود تسعة عشر أبناً .
(4/299)

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
{ يُوزَعُونَ } يساقون ، أو يدفعون ، أو يدفع أخراهم ويوقف أولاهم ، أو يسحبون ، أو يجمعون ، أو يحبسون ، أو يُمْنعون ، وَزَعه عن الظلم : منعه منه ، وقالوا لا بد للسلطان من وَزْعه : أي من يمنع الناس عنه ، وقال عثمان : ما وزع الله بالسلطان أكثر مما وزع بالقرآن ، والمراد بهذا المنع أن يرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا .
(4/300)

حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
{ وَادِ النَّمْلِ } بالشام ، وكان للنملة جناحان فعلم منطقها لأنها من الطير ولولا ذلك لما علمه ، قاله الشعبي . { يَحْطِمَنًّكُمْ } يهلكنكم { وَهُمْ } والنمل { لا يَشْعُرُونَ } بسليمان وجنوده ، أو وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل ، قيل سمع كلامها من ثلاثة أميال حملته الريح إليه . وسميت نملة لتنملها ، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها .
(4/301)

فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
{ فَتَبَسَّمَ } من حذرها بالمبادرة أو من ثنائها عليه ، أو من إستبقائها النمل قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما! فوقف سليمان وجنوده حتى دخل النمل مساكنه . { أَوْزِعْنِى } ألهمني ، أو اجعلني " ع " ، أو حرضني { أّنْ أَشْكُرَ } سبب شكره علمه بمنطق الطير حتى فهم قولها أو حمل الريح صوتها إليه حتى سمعه من ثلاثة أميال فأمكنه الكف . { صَالِحاً } شكر ما أنعم عليه به . { بِرَحْمَتِكَ } بنبوتك ، أو بمعونتك التي أنعمت بها عليّ . { فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } . الأنبياء ، أو الجنة التي هي دار الأولياء .
(4/302)

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ } كان إذا سافر أظله الطير من الشمس ، فلما غاب الهدهد أتت الشمس من مكانه وكانت الأرض للهدهد كالزجاج يرى ما تحتها فيدل على مواضع الماء حتى تحفر { أمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ } أي انتقل عن مكانه ، أو غاب .
(4/303)

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
{ لأُعَذِّبَنَّهُ } بنتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء " ع " ، أو بإحواجه إلى جنسه ، أو بجعله مع أضداده . { بِسُلْطَانٍ } حجة بَيِّنة أو عذر ظاهر .
(4/304)

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
{ أَحَطتُ } بلغت ، أو علمت ، أو اطلعت " ع " ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته . { سَبَإٍ } مدينة بالمين يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء ثلاث ليالي ، أو حَيُّ من اليمن سموا بأسم أمهم ، أو سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبأ فقال : " هو رجل وُلِدَ له عشرة أولاد باليمن منه ستة وبالشام أربعة فأما اليمانيون؛ فمذحج وحمير وكندة وأنمار والأزد والأشعريون . وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان " وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان سمي سبأ لأنه أو من سبى .
(4/305)

إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
{ امْرَأَةً } بلقيس بنت شراحيل أو شرحبيل بن مالك بن الريان وأمها جنية . { مِن كُلِّ شَىْءٍ } في أرضها ، أو من أنواع الدنيا كلها . { عَرْشٌ } سرير ، أو كرسي ، أو مجلس ، أو ملك . { عَظِيمٌ } كريم ، أو حسن الصنعة ، أو كان ذهباً مستراً بالديباج والحرير قوائمه لؤلؤ وجوهر . وكان يخدمها ستمائة امرأة ، وأهل مشورتها ثلاثمائة واثنا عشر رجلاً؛ كل رجل على عشرة آلاف رجل .
(4/306)

أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
{ الْخَبْءَ } غيب السماوات والأرض ، أو خبء السماوات المطر وخبء الأرض : النبات ، والخبء المخبوء وصفه بالمصدر ، والخبء في اللغة ما غاب واستتر . { أَلا يَسْجُدُواْ } من قول الله ، أمر خلقه بالسجود أو من قول الهدهد تقديره يا هؤلاء اسجدوا .
(4/307)

اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
{ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } كن قريباً منهم " ع " أو تقديره " فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم " أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره وجعل يدور في بهوها ، فقالت : ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها ، أو ألقاه على صدرها وهي نائمة .
(4/308)

قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)
{ كَرِيمٌ } لحسن ما فيه ، أو مختوم ، أو لكرم صاحبه وأنه ملك ، أو لتسخيره الهدهد لحمله .
(4/309)

إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللهم فلما نزلت { بِسْمِ الله مَجْرَاهَا } [ هود : 41 ] كتب بسم الله فلما نزلت { أَوِ ادعوا الرحمن } [ الأسراء : 110 ] كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت { أَوِ ادعوا الرحمن } الآية كتب بسم الله الرحمن الرحيم .
(4/310)

أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
لا تَعْلُوا : لا تخافوا ، أو لا تتكبروا ، أو لا تمتنعوا { مُسْلِمِينَ } مستسلمين ، أو موحدين " ع " ، أو مخلصين ، أو طائعين .
(4/311)

قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)
{ أَفْتُونِى } أشيروا عَلَيَّ . { قَاطِعَةً } ممضية { تَشْهَدُونِ } تشيروا ، أو تحضروا .
(4/312)

قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)
{ قُوَّةٍ } عدد وعدة . { بَأْسٍ } شجاعة وآلة تفويضاً منهم الأمر إليها ، أو إجابة منهم إلى قتاله .
(4/313)

قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
{ دَخَلُواْ قَرْيَةً } أخذوها عنوة " ع " . { أَفْسَدُوهَا } أخربوها . { أَذِلَّةً } بالسيف ، أو الاستعباد . { وَكّذَلِكَ يَفْعَلُونَ } . من قول الله إنهم يفسدون القرى " ع " ، أو قالت بلقيس وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا .
(4/314)

وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)
{ بِهَدِيَّةٍ } لبنة من ذهب " ع " ، أو صحائف الذهب في أوعية الديباج ، أو جوهر ، أو غلمان ولباسهم لباس الجواري وجواري لباسهم لباس الغلمان ، ثمانون غلاماً وجارية أو ثمانون غلاماً وثمانون جارية وقصدت بالهدية استعطافه لعلمها بموقع الهدايا من الناس ، أو اختبرته فإن قبل هديتها فهو مَلِك فتقاتله وإن لم يقبلها فهو نبي فلا طاقة لها به ، أو اختبرته بأن يميز الجواري من الغلمان فأمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يدها فميزهم بذلك ، أو يغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها ، وبدأ الغلمان بغسل المرافق إلى الأكف وبدأ الجواري من الأكف إلى المرافق .
(4/315)

فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
{ فَلَمَّا جَآَءَ } رسلها ، أو هداياها { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } أمر الشياطين فموهوا لبِن المدينة وحيطانها بالذهب والفضة وبعثت إليه بعصا كان يتوارثها ملوك حمير ، وطلبت أن يميز أعلاها من أسفلها ، ويقدح التمست أن يملأه ماء فريداً لا من الأرض ولا من السماء وبخرزتين ليثقب أحدهما وليدخل في ثقب الأخرى خيطاً وكان ثقبها أعوج فلما جاء رسلها وكانوا رجالاً أو نساء قال { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَانِ اللَّهُ } من النبوة والملك { خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَاكُم } من المال . ثم ميز الجواري من الغلمان وأرسل العصا إلى الهواء وقال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها وأجريت الخيل حتى عرقت فملأ القدح من عرقها ، وثقب إحدى الخرزتين وأدخل الخيط في الأخرى فهال الرسل ما شاهدوه منه .
(4/316)

ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)
{ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ } أيها الرسول بما جئت به من الهدايا ، أو أمر الهدهد بالرجوع وأن يقول : { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ } لا طاقة ، وصدق لأن من جنوده الجن والإنس والطير والريح . { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ } أخبرهم بما يصنع بهم ليبادروا إلى الإسلام . فلما رجعت إليها الهدايا قالت : قد والله علمت ما هذا بملك ولا طاقة لنا به ثم أرسلت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي وأمرت بعرشها فجُعِل في سبعة أبيات بعضها في بعض وأغلقت عليه الأبواب وشخصت إليه في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن فلما علم بقدومها .
(4/317)

قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
{ قَالَ يَآ أيُّهَا الْمَلَؤُاْ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا } أراد أن يعلم بذلك صدق الهدهد " ع " أو أعجبه لما وصفه الهدهد فأراد أخذه قبل أن يَحْرُمَ عليه بإسلامها ، أو أراد أن يعايها ، وكانت الملوك يتعايون بالملك والقدرة ، قاله ابن زيد ، أو أراد اختبار فطنها هل تعرفه أو تنكره ، أو أراد أن يعرفها بذلك صحة نبوته قاله وهب بن منبه . { مُسْلِمِينَ } طائعين أو على دين الحق .
(4/318)

قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
{ عِفْرِيتٌ } ، وهو المارد القوي والعفريت البالغ من كل شيء أُخِذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور ، أو من العفر وهو الشديد فزيدت فيه الهاء فقيل عفريه وعفريت . { مَّقَامِكَ } مجلسك ، أو يوماً كان يوم فيه سليمان عليه الصلاة والسلام خطيباً يعظهم ويذكرهم وكان مجيء ذلك اليوم قريباً أو أراد قبل أن تسير إليهم من ملكك محارباً ، { لَقَوِىٌ } على حمله { أَمِينٌ } على ما فيه من جوهر ولؤلؤ أو لا آتيك بغيره بدلاً منه أو أمين على فرج المرأة .
(4/319)

قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
{ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ } مَلَك أُيَّد به سليمان عليه الصلاة والسلام والعلم الذي عنده هو ما كتب الله تعالى لبني آدم وقد أعلم الله تعالى الملائكة كثيراً منه فأذن الله له أن يعلم سليمان ذلك وأن يأتيه بالعرش أو بعض جنوده من الإنس أو الجن ، وعلم الكتاب : علمه بكتاب سليمان إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فوثق بذلك وأخبره أن يأيته به قبل ارتداد طرفه ، أو هو سليمان قال ذلك للعفريت ، أو هو بعض الإنس : مليخا أو أسطوم أو آصف بن برخيا وكان صدِّيقاً ، أو ذو النون مصر ، أو الخضر { عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ } هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب . { يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } يأتيك أقصى من تنظر إليه أو : قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك أو يعود طرفك إلى مجلسك أو قبل الوقت الذي يتنظر وروده فيه من قولهم أنا ممتد الطرف إليك أي منتظر أو قبل أن يرجع إليك طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصره ، أو قبل أن يقبض طرفك بالموت أخبره أنه سيأتيه به قبل موته ودعا بالاسم الأعظم وعاد طرف سليمان عليه الصلاة والسلام إليه فإذا العرش بين يديه ولم يكن سليمان عليه الصلاة والسلام يعلم ذلك الإسم { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى } وصول العرش قبل ارتداد طرفي ، { ءَأَشْكُرُ } على وصوله { أَمْ أَكْفُرُ } فلا أشكر إذا رأيت من هو أعلم مني في الدنيا وكان ذلك معجزة لسليمان عليه الصلاة والسلام أجراها الله تعالى على يد بعض أوليائه وكان العرش باليمن وسليمان بالشام قيل خرق الله تعالى به الأرض حتى صار بين يديه .
(4/320)

قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)
{ نَكِّرُواْ } غيروه بانتزاع ما عليه من فصوص وجواهر ومرافق " ع " أو بجعل ما كان أحمر أخضر وما كان أخضر أحمر ، أو بالزيادة فيه والنقصان منه ، أو بجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره أو جعل فيه تمثال السمك . { أَتَهْتَدِى } إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون ، أو تعرف العرش بفطنتها أم تكون ممن لا يفطن ولا يعرف .
(4/321)

فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)
{ كَأَنَّهُ هُوَ } لما خلفته وراءها فوجدته أمامها منعها معرفتها به من إنكاره وتركها له خلفها من إثباته ، أو لأنها رأت فيه ما تعرفه فلم تنكره وما غيِّر وبدل فلم تثبته ، أو شبهوا عليه بقولهم { أَهَكَذَا عَرْشُكِ } فشبهت عليهم بقولها : { كَأَنَّهُ هُوَ } ولو قالوا هذا عرشك لقالت نعم . { وَأُوِتينَا } قاله سليمان عليه الصلاة والسلام ، أو بعض قومه . { الْعِلْمَ } بمعرفة الله تعالى وتوحيده ، أو النبوة ، أو علمنا أنه عرشها قبل أن نسألها . { مُسْلِمِينَ } طائعين لله تعالى بالاستسلام له ، أو مخصلين له بالتوحيد .
(4/322)

وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)
{ وَصَدَّهَا } عبادة الشمس أن تعبد الله تعالى ، أو صدها كفرها أن تهتدي للحق ، أو صدها سليمان عما كانت تعبد في كفرها ، أو صدها الله تعالى عن الكفر بتوفيقها للإيمان .
(4/323)

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
{ الصَّرْحَ } بكرة بنيت من قوارير ، أو صحن الدار ، وصرحه الدار وساحتها وباحتها وقاعتها كلها واحد من التصريح وهو الإظهار ، أو القصر . { حَسِبَتْهُ لُجَّةً } لأنه أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول إليه لأنها وصفت له فأحب أن يراها وكانت هلباء الشعر وقدماها كحافر حمار وأمها جنية وخافت الجن إن تزوجها أن تطلعه على أشياء كانت الجن تخفيها ويبعد أن يتولد بين الإنس والجن ولد لأن الجن لطيف والإنس كثيف . { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } فرأهما شعراوين فصنعت له الجن النورة وقصد بدخولها الصرح . وكشف ساقيها اختبار عقلها ، أو أُخبر أن ساقيها ساق حمار فأراد أن يعلم ذلك ، أو أراد تزوجها فأحب مشاهدتها . { مُّمَرَّدٌ } مملس ، أو واسع في طوله وعرضه . { ظَلَمْتُ نَفْسِى } بالشرك ، أو ظنت أن سليمان أراد تغريقها لما أمرها بدخول الصرح فلما بان أنه صرح علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن ، قاله سفيان . { وَأَسْلَمْتُ } استسلمت طاعة لله قبل تزوجها سليمان عليه الصلاة والسلام ، واتخذ لها بالشام حماماً ونورة ، وكان أول من اتخذ ذلك .
(4/324)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
{ فَرِيقَانِ } مؤمن وكافر ، أو مصدق ومكذب . { يَخْتَصِمُونَ } بقولهم { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ } [ الأعراف : 75 ] ، أو يقول كل فريق : نحن على الحق دونكم .
(4/325)

قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
{ بِالسَّيِّئَةِ } بالعذاب قبل الرحمة؛ لقولهم : { ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ المرسلين } [ الأعراف : 77 ] ، أو بالبلاء قبل العافية . { تَسْتَغْفِرُونَ } بالتوبة ، أو بالدعاء . { تُرْحَمُونَ } بالكفاية أو الإجابة .
(4/326)

قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)
{ اطَّيَّرْنَا } تشاءموا به لافتراق كلمتهم ، أو للشر الذي نزل بهم . { طَآئِرُكُمْ } مصائبكم " ع " ، أو عملكم . { تُفْتَنُونَ } بالطاعة والمعصية ، أو تصرفون عن الإسلام الذي أمرتم به .
(4/327)

وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)
{ رَهْطٍ } الرهط : جمع لا واحد له وهم عاقرو الناقة : فُسَّاق من أشراف قومهم . { يُفْسِدُونَ } بالكفر ولا يصلحون بالإيمان ، أو بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف ، أو بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة ، أو بقطع الدنانير والدراهم ولا يصلحون بتركها صحاحاً ، أو يتبعون عورات الناس ولا يسترون عليهم .
(4/328)

قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
{ تَقَاسَمُواْ } تحالفوا . { لَنُبَيِّتَنَّهُ } لنقتلنه ليلاً . البيات قتل الليل . { لِوَلِيِّهِ } لرهط صالح { مَهْلِكَ أَهْلِهِ } قتلهم { لَصَادِقُونَ } في إنكار القتل .
(4/329)

وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
{ وَمَكَرُواْ } عزموا على بياته { ومكر الله } بهم فرماهم بصخرة فهلكوا أو أظهروا أنهم خرجوا مسافرين فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوه فألقى الله تعالى صخرة فسدت عليهم فم الغار { لا يَشْعُرُونَ } بمكرنا أو بالملائكة الذي أرسلوا لحفظ صالح من قومه لما دخلوا عليه ليقتلوه فرموا كل رجل منهم بحجر فقتلوهم جميعاً .
(4/330)

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
{ تُبْصِرُونَ } أنها فاحشة ، أو يبصر بعضكم بعضاً .
(4/331)

أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)
{ حَدَآئِقَ } النخل ، أو الحائط من الشجر والنخل . { بَهْجَةٍ } غضاضة ، أو حُسْن . { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ } لا تقدرون على خلق مثلها { أَءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ } يفعل هذا ، أو نفي للآلهة . { يَعْدِلُونَ } عن الحق ، أو يشركون فيجعلون له عِدْلاً .
(4/332)

أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
{ قَرَاراً } مستقراً . { خِلالَهَآ } في مسالكها ونواحيها . { الْبَحْرَيْنِ } بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر الشام والعراق ، أو العذب والمالح . { حَاجِزاً } مانعاً من الله تعالى لا يبغي أحدهما على صاحبه ، أو حاجزاً من الأرض أن يختلطا . { لا يَعْلَمُونَ } التوحيد ، أو لا يعقلون ، أو لا يتفكرون .
(4/333)

أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)
{ السُّوءَ } الضر ، أو الجور . { خُلَفَآءَ } خلفاً بعد خلف ، أولادكم خلفاً منكم ، أو خلفاً من الكفار ينزلون أرضهم بطاعة الله تعالى بعد كفرهم . { مَّا تَذَكَّرُونَ } النعم .
(4/334)

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
{ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ } هذا ذم أي غاب علمهم " ع " ، أو لم يدرك علمهم ، أو اضمحل أو ضل ، أو هو مدح لعلمهم وإن كانوا مذمومين أي أدرك علمهم ، أو أجمع ، أو تلاحق .
(4/335)

قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
{ رَدِفَ لَكُم } قرب منكم " ع " ، أو أعجل لكم ، أو تبعكم ، ورِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها . { بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } يوم بدر ، أو عذاب القبر .
(4/336)

وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)
{ غَآئِبَةٍ } جمع ما خفي عن الخلق ، أو القيامة ، أو ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض . { كِتَابٍ مُّبِينٍ } اللوح المحفوظ ، أو القضاء المحتوم .
(4/337)

وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
{ وَقَعَ الْقَوْلُ } حق عليهم القول أنهم لا يؤمنون ، أو وجب الغضب ، أو وجب السخط عليهم إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ، أو نزل العذاب . { دَآبَّةً } سئل عنها علي رضي الله تعالى عنه فقال : " أما والله ما لها ذَنَبْ وإن لها للحية " إشارة إلى أنها من الإنس ، أو هي من دواب الأرض عند الجمهور ذات زغب وريش لها أربع قوائم " ع " ، أو ذات وَبَر تناغي السماء ، أو لها رأس ثور وعينا خنزير وأذنا فيل وقرن أيل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هر وذنب كبش وقوائم بعير بين كل مفصلين أثنا عشر ذراعاً رأسها في السحاب . معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فتبيض وجهه . وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان فتسود وجهه . قاله ابن الزبير . { مِّنَ الأَرْضِ } بعض أودية تهامة " ع " ، أو صخرة من شِعْب أجياد ، أو الصفا ، أو بحر سدوم . { تَكْلِمُهم } مخففاً تَسِمُ وجوههم بالبياض والسواد حتى يتنادون في الأسواق يا مؤمن يا كافر ، قال : الرسول صلى الله عليه وسلم : " تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ، أو تجرحهم فيختص هذا بالكافر والمنافق " ، وجرحهما بإظهار الكفر والنفاق كجرح الشهود بالتفسيق { تُكَلِّمُهُمْ } عبّر عن ظهور الآيات منها بالكلام من غير نطق ، أو تنطق فتول هذا مؤمن وهذا كافر ، أو تقول { أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ } قاله ابن مسعود وعطاء ، قال ابن عمر : رضي الله تعالى عنه تخرج ليلة النحر والناس يسيرون إلى منى .
(4/338)

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
{ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً } وهم كفارها . { بِآيَاتِنَا } محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بالرسل عند الأكثرين . { يُوزَعُونَ } يجمعون ، أو يدفعون ، أو يساقون ، أو يرد أولاهم على أخراهم .
(4/339)

وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
{ وَيَوْمَ يُنفَخُ } يوم النشور من القبور . { الصُّورِ } جمع صورة ينفخ فيها أرواحها ، أو شيء كالبوق يخرج منه صوت يحيى به الموتى ، أو مثل ضُرب لخروج الموتى في وقت واحد كخروج الجيش عند نفخ البوق . { فَفَزِعَ } أسرع إلى إجابة النداء فزعت إليك في كذا أسرعت إلى ندائك في معونتك . { إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ } استثناء من الإسراع والإجابة إلى النار ، أو الفزع الخوف والحذر لأنهم أزعجوا من أجداثهم فخافوا { إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ } فلا يفزعون وهم الملائكة أو الشهداء ، وقيل إن إسرافيل هو النافخ في الصور . { دَاخِرِينَ } راغمين ، أو صاغرين " ع " فالفزع في النفخة الأولى وإتيانهم صاغرين في النفخة الثانية .
(4/340)

وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
{ جَامِدَةً } واقفة { تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } لا يرى سيرها لبعد أطرافها ، مثل ضُرب للدنيا تظن أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال ، أو للإيمان تحسبه ثابتاً في القلب وعلمه صاعد إلى السماء . { أَتْقَنَ } أحكم ، أو أحصى ، أو أحسن ، أو أوثق سريانية ، أو عربية من إتقان الشيء إذا أُوثق وأحكم ، وأصله التقن وهو ما ثقل في الحوض من طينة .
(4/341)

مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
{ بِالْحَسَنَةِ } أداء الفرائض كلها ، أو التوحيد والإخلاص . { خَيْرٌ مِّنْهَا } الجنة ، أو أفضل : بالحسنة عشر ، أو فله منها خير الثواب العائد عليه " ع " { مِّن فَزَعٍ } القيامة . { ءَامِنُونَ } في الجنة ، أو من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة .
(4/342)

وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
{ بِالسَّيِّئَةِ } الشرك " ع " .
(4/343)

إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
{ الْبَلْدَةِ } مكة ، أو منى { حَرَّمَهَا } بتعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها { وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ } ملكه فيحل منه ما يشاء ويحرم ما يشاء .
(4/344)

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
{ سَيُرِكُمْ ءَايَاتِهِ } في الآخرة { فَتَعْرِفُونَهَا } على ما قال في الدنيا " ح " أو يريكم في الدنيا آيات السموات والأرض فتعرفون أنها حق .
{ تَعْمَلُونَ } من خير وشر فيجازي عليه .
(4/345)

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
{ عَلا } بملكه وسلطانه ، أو بقتله أبناء بني إسرائيل واستعبادهم ، أو بإدعائه الربوبية وكفره . { الأَرْضِ } مصر . لأنه لم يملك الأرض كلها . وعلوِّه لغلبته وقهره ، أو لكبره وتجبره . { شِيَعاً } فرقاً؛ فرق بني إسرائيل والقبط ، استضعف طائفة بني إسرائيل بالاستعباد والأعمال القذرة { يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ } رأى في نومه ناراً أقبلت من القبلة واشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل عن تأويلها ، فقيل يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر . فأمر بذبح أبنائهم وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل . فقيل له قد فني شيوخ بني إسرائيل بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا فأمر أن يقتلوا عاماً ويتركوا عاماً فولد هارون عام الاستحياء وموسى عام القتل ، وعاش فرعون أربعمائة سنة وهو أو من خضب بالسواد . وكان قصيراً دميماً . وعاش موسى عليه الصلاة والسلام مائة وعشرين سنة .
(4/346)

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
{ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ } بنو إسرائيل ، أو يوسف وولده : قاله قتادة . { أَئِمَّةً } ولادة الأمر ، أو قادة متبوعين ، أو أنبياء لأن الأنبياء بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل وكان بينهما ألف ألف نبي . قاله الضحاك . { الْوَارِثِينَ } للملك ، أو لأرض فرعون .
(4/347)

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
{ وَأَوْحَيْنَآ } ألهمنا ، أو رؤيا نوم أو وحي مع الملك كوحي الأنبياء . أوحى إليها برضاعه قبل الولادة ، أو بعدها . { خِفْتِ عَلَيْهِ } القتل ، أو أن يسمع جيرانك صوته . { الْيَمِّ } البحر وهو النيل . { وَلا تَخَافِى } عليه الغرق ، أو الضيعة . { وَلا تَحْزَنِى } لفراقه ، أو أن يقتل . فجعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه مثلها . وجلعت المفتاح مع التابوت وألقته في اليم بعد أن أرضعته أربعة أشهر ، أو ثلاثة أشهر ، أو ثمانية أشهر . ولما فرغ النجار منه أخبر فرعون به ، فبعث معه من يأخذه فطمس الله تعالى على عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق . فعلم أنه المولود الذي خافه فرعون فآمن ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فلما غاب عنها ندَّمها الشيطان فقالت . لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من إلقائه في دواب البحر وحيتانه . فقال الله تعالى : { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكَ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } .
(4/348)

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)
{ فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ } خرجت جواري امرأة فرعون لاستقاء الماء فوجدن تابوته فحلمنه إليها " ع " ، أو خرجت امرأة فرعون إلى البحر وكانت برصاء فوجدته فأخذته فبرئت من برصها فقالت هذا صبي مبارك .
(4/349)

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
{ قُرَّتُ عَيْنٍ } لما علم أصحاب فرعون بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وأتت فرعون وقالت قرة عين لي ولك . فقال فرعون لها : قرة عينٌ لَكِ أما لي فلا . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لو أقر بأنه يكون قرة عين له لهداه الله تعالى به كما هداه به " وقرة العين بردها بالسرور من القر وهو البرد ، أو قر دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من القرار . { لا يَشْعُرُونَ } أن هلاكهم على يديه .
(4/350)

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
{ فَارِغاً } من كل شيء إلا من ذكر موسى " ع " ، أو من الوحي بنيسانه " ح " أو من الحزن لعلهما أنه لم يغرق ، أو نافراً ، أو ناسياً ، أو والهاً ، أو فازعاً من الفزع . { وَأَصْبَحَ } لأنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً ، أو ألقته نهاراً فيكون أصبح يعني صار . { لَتُبْدِى بِهِ } لتصبح عند إلقائه وابناه " ع " ، أو تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون ، أو لتبدي بالوحي . { رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } بالإيمان ، أو العصمة ، { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } بِردِّه وجعله من المرسلين .
(4/351)

وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
{ قُصِّيهِ } تتبعي أثره واستعلمي خبره . { جُنُبٍ } جانب " ع " أو بعد ، أو شوق بلغة جذام جنبت إليك اشتقت إليك . { لا يَشْعُرُونَ } أنها أخته .
(4/352)

وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
{ وَحَرَّمْنَا } منعناه { الْمَرَاضِعَ } فلا يؤتى بمرضع فيقبلها . { مِن قَبْلُ } مجيء أخته أو قبل رده إلى أمه .
(4/353)

فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
{ فَرَدَدْنَاهُ } انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فوضعته في حجرها فترامى إلى ثديها فامتصه حتى امتلأ جنباه رياً " ع " . فقيل لها : كيف ارتضع منك دون غيرك . قالت لأني طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني فَسَخَّر الله تعالى فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق لأجله وكان إلقاءه في البحر وهو سبب لهلاكه سبباً لنجاته . { أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ } في رده إليها وجعله من المرسلين حق . { لا يَعْلَمُونَ } ما يراد بهم ، أو مِثْل علمها به .
(4/354)

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
{ أَشُدَّهُ } أربعون سنة ، أو أربع وثلاثون ، أو ثلاث وثلاثون " ع " أو ثلاثون أو خمس وعشرون ، أو عشرون ، أو ثماني عشرة ، أو خمس عشرة ، أو الحلم ، أو الأشد جمع لا واحد له ، أو واحد شُدَّ . { وَاسْتَوَى } باعتدال القوة ، أو نبات اللحية ، أو انتهاء شبابه ، أو بأربعين سنة " ع " . { حُكْماً } عقلاً ، أو نبوة ، أو القرآن ، أو الفقه { وَعِلْماً } بما في دينه وحدوده وشرائعه ، أو فهماً ، أو فقهاً .
(4/355)

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
{ الْمَدِينَةَ } مصر ، أو منف ، أو عين شمس . { حِينِ غَفْلَةٍ } نصف النهار وهم قائلون ، أو بين المغرب والعشاء " ع " ، أو يوم عيد لهم وهم في لهوهم ، أو لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به . { مِن شِيعَتِهِ } إسرائيلي ومن عدوه قبطي " ع " أو من شيعته مسلم ومن عدوه كافر . سخر القبطي الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون فامتنع ، واستغاث بموسى وكان خبازاً لفرعون { فَوَكَزَهُ } ولكزه واحد إلا أن الوكز الدفع في الصدر واللكز الدفع في الظهر . ولم يرد موسى بذلك قتله . { فَقَضَى عَلَيْهِ } أي قتله ولم يكن مباحاً حينئذ لأنها حال كف عن القتال " ع " { عَمِلِ الشَّيْطَانِ } إغوائه .
(4/356)

قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
{ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ } من المغفرة ، أو الهداية .
(4/357)

فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)
{ خَآئِفاً } من الله تعالى ، أو من قومه ، أو أن يؤخذ بقتل النفس ، { يَتَرَقَّبُ } يتلفت من الخوف ، أو ينتظر عقوبة الله تعالى إن جعلنا خوفه منه ، أو أن يسلمه قومه للقتل إن كان خوفه منهم . أو أن يطلب بقتل النفس إن كان خوفه من الأخذ بها . { يَسْتَصْرِخُهُ } على قبطي آخر خاصمه . { لَغَوِىٌّ } قاله للإسرائيلي لأنه أغواه حتى قتل النفس ، أو قاله للقبطي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه " ع " .
(4/358)

فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
{ أَن يَبْطِشَ } أخذت موسى الرقة على الإسرائيلي فهم بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد قتله لما رأى من غضبه وسمع من قوله { إِنَّكَ لَغَوِىٌّ } الآية فقال الإسرائيلي : أتريد أن تقتلني ، أو ظن الإسرائيلي أن موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عنه . قيل هذا الإسرائيلي هو السامري ، فتركه القبطي وذهب فأشاع أن المقتول بالأمس إنما قتله موسى . { جَبَّاراً } قَتَّالاً . قال عكرمة : ولا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين .
(4/359)

وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
{ وَجَآءَ رَجُلٌ } هو مؤمن آل فرعون قيل ابن عم فرعون أخي أبيه . { يَأَتَمِرُونَ } يتشاورون ، أو يأمر بعضهم بعضاً .
(4/360)

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)
{ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } عرض له أربع طرق فلم يدر أيها يسلك فقال { عَسَى رَبِّى } الآية ، أو قال ذلك بعد أخذه طريق مدين . { سَوَاءَ السَّبِيلِ } قصد الطريق إلى مدين قاله قتادة . ومدين ماء كان عليه قوم شعيب قال " ع " وكان بينه وبينها ثمان مراحل ولم يكن لهم طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه .
(4/361)

وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
{ أُمَّةً } جماعة قال ابن عباس : الأمة أربعون . { تَذُودَانِ } تحبسان أو تطردان غنمهما عن الماء لضعفهما عن الزحام ، أو يمنعان الغنم أن تختلط بغنم الناس ، أو يذودان الناس عن غنمهما . { مَا خَطْبُكُمَا } ما شأنكما . والخطب تفخيم للشيء والخُطبة لأنها من الأمر المعظم { يُصْدِرَ } ينصرف ومنه الصدر لأن التدبير يصدر عنه فعلتا ذلك تَصوُّناً عن مزاحمة الرجال ، أو لضعفهما عن الزحام { الرِّعَآءُ } جمع راعٍ { وَأَبُونَا شَيْخٌ } قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعينهما أو اعتذاراً من معاناتهما السقي بأنفسهما .
(4/362)

فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
{ فَسَقَى لَهُمَا } بأن زحم القوم فأخرجهم عن الماء ثم سقى لهما ، أو أتى بئراً فاقتلع عنها صخرة لا يقلها إلا عشرة من أهل مدين وسقى لهما ولم يستق إلا ذَنُوباً واحداً حتى رويت الغنم { ثمَّ تَوَلَّى } إلى ظل سَمُرة . { فَقَالَ رَبِّ } قال ذلك وقد لصق بطنه بظهره جوعاً وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من الجوع " ع " ، أو مكث سبعة أيام لا يذوق إلا بقل الأرض . فعرَّض لهم بحاله { مِنْ خَيْرٍ } شبعة من طعام " ع " ، أو شبعة يومين .
(4/363)

فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا } استكثر أبوهما سرعة صدورهما بالغنم حُفَّلاً بِطاناً فقال إن لكما لشأناً فأخبرتاه بصنع موسى فأمر أحداهما أن تدعوه . { عَلَى اسْتِحْيَآءٍ } مستترة بكم درعها ، أو لبعدها من النداء له ، واستحيت لأنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير إعناء ، أو لأنها كانت رسول أبيها ، أو ما قاله عمر ليست بسلفع من النساء خراجة ولا ولاجة . أراد تمشي مشي من لم تتعود الخروج حياء وخَفَرَاً وكان أبوهما شعيباً ، أو يثرون ابن أخي شعيب . قاله الكلبي وأبو عبيدة . { لِيَجْزِيَكَ } ليكافئك فمشت أمامه فوصفت الريح عجيزتها فقال : امشي خلفي ودليني للطريق إن أخطأت . { الْقَصَصَ } خبره مع آل فرعون { نَجَوْتَ } إذ لسنا من مملكة فرعون .
(4/364)

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
{ قَالَتْ إِحْداهُمَا } الصغرى التي دعته استأجره لرعي الغنم { الْقَوِىُّ } فيما ولي { الأَمِينُ } فيما استودع . " ع " أو القوى في بدنه الأمين في عفافه .
(4/365)

قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
{ ثَمَانِى حِجَجٍ } أي رعي الغنم ثماني حجج كانت هي الصداق أو شرطاً للأب في الإنكاح وليست بصداق . { عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } كانت الثمان واجبة والعشر عدة فوفى بالعشر " ع " . { مِنَ الصَّالِحِينَ } في حسن الصحبة ، أو فيما وعده به . وكان جعل له كل سخلة تُوضَع على خلاف شبه أمها . فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن الق عصاك في الماء فولدن كلهن خلاف شبههن ، أو جعل له كل بلقاء تولد فولدن كلهن بلقاً .
(4/366)

قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
{ فَلا عُدْوَانَ } فلا سبيل . { وَكِيلٌ } شهيد ، أو حفيظ ، أو رقيب .
(4/367)

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
{ قَضَى مُوسَى الأَجَلَ } وَفَّى العمل . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أَجَّر موسى نفسه لعفة فرجه وطعمة بطنه " فقيل : أي الأجلين قضى . قال : " أبرهما وأوفاهما " { ءَانَسَ } رأى . { امْكُثُواْ } اقيموا مكانكم { جَذْوَةٍ } أصل شجرة فيها نار ، أو عود في بعضه نار وليست في بعضه ، أو عود في بعضه نار ليس له لهب ، أو شهاب من نار ذو لهب " ع " . { تَصْطَلُونَ } تستدفئون .
(4/368)

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
{ أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } عَرَّفه وحدانيته ولم يَصِرْ بذلك رسولاً . لأنه لم يأمره بالرسالة وإنما صار بذلك من أصفيائه { الشَّجَرَةِ } العليق وهو العوسج " ع " .
(4/369)

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
{ أَلْقِ عَصَاكَ } ليعلم بذلك أن الذي سمعه كلام الله تعالى . { وَلَمْ يُعَقِّبْ } لم يثبت مأخوذ من العقب الذي يثبت به القدم أو لم يتأخر لسرعة مبادرته . { الأَمِنِينَ } من الخوف فلا يصير رسولاً إلا بقوله { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ } ، أو الآمنين المرسلين لقوله : { لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون } [ النمل : 10 ] فيصير بذلك رسولاً . { بُرْهَانَانِ } اليد والعصا { الرَّهْبِ } الكُمْ ، أو الخوف .
(4/370)

وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)
{ رِدْءاً } عوناً ، أو زيادة والردء الزيادة .
(4/371)

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
{ مَا عَلِمْتُ لَكُم } كان بينها وبين قوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } [ النازعات : 24 ] أربعون سنة " ع " { عَلَى الطِّينِ } هو أول من طبخ الآجُر . { صَرْحاً } قصراً عالياً وهو أول من صنع الصرح فصعده ورمى نُشَّابة نحو السماء فعادت ملتطخة دماً فقال قتلت إله موسى .
(4/372)

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)
{ الْيَمِّ } بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقوا فيه .
(4/373)

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)
{ أَئِمَّةً } يقتدى بهم في الكفر ، أو يأتم بهم المعتبرون وتيعظ بهم ذوو البصائر { إِلَى النَّارِ } إلى عملها ، أو إلى ما يوجب دخولها .
(4/374)

وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)
{ لَعْنَةً } خزياً وغضباً ، أو طرداً منها بالهلاك فيما . { الْمَقْبُوحِينَ } بسواد الوجوه وزرقة الأعين ، أو المشوهين بالعذاب ، أو المهلكين ، أو الملعونين .
(4/375)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)
{ الْكِتَابَ } ست من المثاني السبع المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم ، أو التوراة وهي أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام . { مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى } قال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه " لم تهلك قرية ولا أمة ولا قرن بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد نزول التوراة ، إلا الذين مسخوا قردة " . { بَصَآئِرَ } بينات { وَهُدىً } دلالة { وَرَحْمَةً } نعمة . { يَتَذَكَّرُونَ } هذه النعم فيثبتون على إيمانهم .
(4/376)

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)
{ وَمَا كُنتَ } يا محمد { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، أو نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت . { وَلَكِن رَّحْمَةً } ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك ، أو إرسالك إلى قومك نعمة مني .
(4/377)

فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
{ قَالُواْ } موسى ومحمد { ساحران } . قاله مشركوا العرب ، أو موسى وهارون قالته اليهود من ابتداء الرسالة ، أو عيسى ومحمد وهو قول اليهود اليوم { سِحْرَانِ } . التوراة والقرآن ، أو التوراة والإنجيل ، أو القرآن والإنجيل وقائل ذلك اليهود ، أو قريش .
(4/378)

وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)
{ وَصَّلْنَا } بَيَّنا ، أو أتممنا كصلتك الشيء بالشيء ، أو أتبعنا بعضه بعضاً . { الْقَوْلَ } الخبر عن أمر الدنيا والآخرة ، أو الخبر عمن أهلكناهم بماذا أهلكناهم من أنواع العذاب { يَتَذَكَّرُونَ } محمداً فيؤمنون به " ع " ، أو يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم ، أو يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان .
(4/379)

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)
{ الْكِتَابَ } التوراة ، والإنجيل { قَبْلِهِ } من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون ، أو من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون . نزلت والتي بعدها في تميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي ، أو في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل . آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه . اثنان وثلاثون من الحبشة قدموا مع جعفر بن أبي طالب على الرسول صلى الله عليه وسلم وثمانية قدموا من الشام منهم بحيرا أو أبرهة .
(4/380)

أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
{ أَجْرَهُمْ مَّرَّتَيْنِ } لإيمانهم بالكتاب الأول ، والكتاب الآخر ، { بِمَا صَبَرُواْ } على الإيمان ، أو الأذى ، أو الطاعة وعن المعصية . { بِالْحَسَنَةِ } يدفعون بالعمل الصالح ما سلف من الذنب ، أو بالحلم جهل الجاهل ، أو بالسلام قبح اللقاء ، أو بالمعروف المنكر ، أو بالخير الشر . { يُنفِقُونَ } الزكاة " ع " ، أو نفقة الأهل وهذا قبل نزول الزكاة ، أو يتصدقون من أكسابهم .
(4/381)

وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
{ وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ } قوم أسلموا من اليهود فكان اليهود يلقونهم بالسب والأذى . فيعرضون ، أو أسلم منهم قوم فكانوا إذا سمعوا ما غُيِّر من التوراة . من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم كرهوه وأعرضوا عنه ، أو المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه ، أو ناس من أهل الكتاب ليسوا يهود ولا نصارى وكانوا على دين الأنبياء ينتظرون مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بظهوره بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا فكان أبو جهل ومن معه يلقونهم فيقولون لهم : " أُفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم " فإذا قالوا ذلك أعرضوا عنهم . { أَعْمَالُنَا } لنا ديننا ولكم دينكم ، أو لنا حلمنا ولكم سفهكم . { لا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ } لا نتبعهم أو لا نجازيهم .
(4/382)

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
{ مَنْ أَحْبَبْتَ } هدايته ، أو أحببته لقرابته نزلت في أبي طالب . { يَهْدِى مَن يَشَآءُ } قال قتادة : يعني العباس . { بِالْمُهْتَدِينَ } بمن قَدَّر له الهدى .
(4/383)

وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)
{ وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى } نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال للرسول صلى الله عليه سلم إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب في أرضنا يعني مكة وإنما نحن أكلة رأس للعرب ولا طاقة لنا بهم . { ءَامِناً } بما طبعت عليه النفوس من السكون إليه حتى لا يفر الغزال من الذئب والحمام من الحدأ ، أو أمر بأن يكون آمناً لمن دخله ولاذ به يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري . أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي . { يُجْبَى } يجمع { ثَمَرَاتُ كُلِّ } أرض وبلد { لا يَعْلَمُونَ } لا يعقلون ، أو لا يتدبرون .
(4/384)

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)
{ بَطِرَتْ } البطر : الطغيان بالنعمة { مَعِيشَتَهَا } في معيشتها قاله الزجاج أو أبطرتها معيشتها .
(4/385)

وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
{ أُمِّهَا } أوائلها " ح " ، أو معظم القرى من سائر الدنيا ، أو مكة .
(4/386)

أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
{ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ } الرسول صلى الله عليه وسلم . { وَعْداً حَسَناً } النصر في الدنيا والجنة في الآخرة أو حمزة بن عبد المطلب ، والوعد الحسن الجنة وملاقاتها دخولها . { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ } أبو جهل { الْمُحْضَرِينَ } للجزاء ، أو في النار ، أو المجهولين .
(4/387)

فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)
{ الأَنبَآءُ } الحجج ، أو الأخبار . { لا يَتَسَآءَلُونَ } بالأنساب ، أو لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله ، أو أن يحمل من ذنوبه شيئاً .
(4/388)

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)
{ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } كان قوم في الجاهلية يجعلون خير أموالهم لآلهتهم . فقال { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } من خلقه { وَيَخْتَارُ } منهم ما يشاء لطاعته ، أو يخلق ما يشاء من الخلق ويختار من يشاء للنبوة ، أو يخلق ما يشاء النبي ويختار الأنصار لدينه { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أي يختار للمؤمنين الذي فيه خيرتهم ، أو " ما " نافية أن يكون للخلق على الله تعالى خيرة نزلت في الذين { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] ، أو في الوليد بن المغيرة قال { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] يعني نفسه وأبا مسعود الثقفي فقال الله تعالى ما كان لهم أن يتخيروا على الله الأنبياء .
(4/389)

وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)
{ وَنَزَعْنَا } أخرجنا { مِن كُلِّ أُمَّةٍ } رسولاً مبعوثاً إليها ، أو أحضرناه ليشهد عليهم أن قد بلغها الرسالة . { بُرْهَانَكُمْ } حجتكم ، أو بينتكم . { الْحَقَّ لِلَّهِ } التوحيد ، أو العدل ، أو الحجة .
(4/390)

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
{ قَارُونَ } كان ابن عم موسى أخي أبيه وقطع البحر مع بني إسرائيل ونافق كما نافق السامري . { فَبَغَى } كفر بالله ، أو زاد في طول ثيابه شبراً ، أو علا بكثرة ماله وولده ، أو كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم ، أو نسب ما أتاه الله تعالى من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته ، أو لما أمر موسى برجم الزاني دفع قارون إلى بَغِيٍّ مالاً قيل ألفي درهم وأمرها أن تدعي على موسى أنه زنا بها ففعلت فعظم ذلك على موسى فأحلفها بالله تعالى الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت . فقالت : أشهد أنك برىء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على ذلك " ع " . { مِنَ الْكُنُوزِ } أصاب كنزاً ، أو كان يعمل الكيمياء . { مَفَاتِحَهُ } خزائنه ، أو أوعيته ، أو مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً ، أو مفاتيحها : إحاطة علمه بها . { لَتَنواْ } لتثقل العصبة " ع " ، أو لتمر بالعصبة من النأي وهو البعد ، أو ينهض بها العُصبة { بِالْعُصْبَةِ } الجماعة يتعصب بعضهم لبعض وهم سبعون رجلاً ، أو ما بين العشرة إلى الأربعين ، أو ما بين العشرة إلى الخمسة عشر ، أو ستة أو سبعة ، أو ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر ، أو عشرة قال أبو عبيدة : هذا من المقلوب تأويله أن العصبة لتنوء بالمفاتيح { الْقُوَّةِ } الشدة { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } مؤمنو قومه ، أو موسى . { لا تَفْرَحْ } لا تبغ ، أو لا تبخل ، أو لا تبطر .
(4/391)

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
{ وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ } بطلب الحلال في الكسب " ح " ، أو بالصدقة وصلة الرحم { وَلا تَنسَ } حظك من الدنيا أن تعمل فيه لآخرتك " ع " ، أو لا تنس الغَناء بالحلال عن الحرام أو لا تنس ما أنعم الله عليك فيها أن تشكر الله بطاعته . { وَأَحْسِن } فيما فرض عليك كما أحسن الله تعالى في نعمه عليك ، أو في طلب الحلال . كما أحسن إليك بالإحلال ، أو أعط فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك . { لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } لا يقربهم ، أو لا يحب أعمالهم .
(4/392)

قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
{ عِلْمٍ عِندِى } بقوتي وعملي ، أو خير عندي ، أو لرضا الله عني وعلمه باستحقاقي ، أو علم بوجه المكاسب ، أو صنعه الكيمياء علمه موسى ثلث الصنعة ويوشع الثلث وهارون الثلث . فخدعهما قارون وكان على إيمانه فعلم ما عندهما فعلم الكيمياء وكثرت أمواله . { وَلا يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } سؤال استعتاب ، أو لا تسأل عنهم الملائكة لأنهم يعرفونهم بسيماهم ، أو يعذبون ولا يحاسبون ، أو لا يسألون عن إحصاء أعمالهم ويعطون الصحائف فيعرفونها ويعترفون بها .
(4/393)

فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
{ فِى زِينَتِهِ } حشمه ، أو تَبَعِه سبعين ألفاً عليهم المعصفرات وهو أول يوم رؤيت فيه المعصفرات وكان أول من خضب بالسواد ، أو جَوارٍ بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قُطُف أرجوان { حَظٍّ } درجة ، أو جد .
(4/394)

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)
{ فَخَسَفْنَا } قيل شكاه موسى عليه الصلاة والسلام إلى الله تعالى فأمر الأرض أن تطيع موسى فأقبل قارون وشيعته فقال موسى عليه الصلاة والسلام " يا أرض خذيهم " فأخذتهم إلى أوساطهم ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فخسف بهم وبدار قارون وكنوزه ، أو قال بنو إسرائيل : إنما أمر الأرض بابتلاعه ليرث ماله لأنه كان ابن عمه فخسف بداره وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام .
(4/395)

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
{ وَيْكَأَنَّ } أو لا يعلم أن الله ، أو لا يرى أن الله ، أو ولكن الله بلغة حمير ، والياء صلة تقديره كأن الله ، أو الياء والكاف صلتان تقديره وأن الله ، أو الكاف صلة والياء للتنبيه ، أو ويك مفصولة بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً ، أو ويلك فحذف اللام ، أو وي منفصلة على جهة التعجب ثم استأنف كأن الله . قاله الخليل . { وَيَقْدِرُ } يختار له . " ع " ، أو ينظر له إن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره . " ح " أو يضيق .
(4/396)

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
{ عُلُوّاً } بغياً ، أو تكبراً ، أو شرفاً وعزاً ، أو ظلماً ، أو شركاً أو لا يجزعون من ذلها ولا يتنافسون في عزها . { فَسَاداً } أخذها بغير حق ، أو المعاصي ، أو قتل الأنبياء والمؤمنين . { وَالْعَاقِبَةُ } الثواب ، أو الجنة .
(4/397)

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)
{ فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ } أنزله ، أو أعطاكه ، أو ألزمك العمل به ، أو حَمَّلك تأديته وتبليغه ، أو بينه على لسانك . { مَعَادٍ } مكة ، أو بيت المقدس ، أو الموت . " ع " ، أو يوم القيامة ، أو الجنة .
(4/398)

وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
{ إِلا وَجْهَهُ } إلا هو ، أو ملكه ، أو ما أريد به وجهه ، أو إلا موت العلماء فإن علمهم باق ، أو إلا جاهه ، لفلان جاه ووجه بمعنى ، أو العمل ، { لَهُ الْحُكْمُ } القضاء في خلقه بما شاء ، أو ليس للعباد أن يحكموا إلا بأمره { تُرْجَعُونَ } في القيامة فتجزون بأعمالكم .
(4/399)

أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
{ أَحَسِبَ } أَظَنَّ قائلوا لا إله إلا الله { أَن يُتْرَكُواْ } فلا يختبر صدقهم وكذبهم ، أو أَظَنَّ المؤمنون أن لا يؤمروا ولا ينهوا ، أو أن لا يؤذوا ولا يقتلوا أو خرج قوم للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت فيهم فلما سمعوها خرجوا فقتل بعضهم وخلص آخرون فنزلت { والذين جَاهَدُواْ فِينَا } الآية [ العنكبوت : 69 ] . أو نزلت في عمار ومن كان يعذب في الله تعالى بمكة ، أو في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه عذبه أبو جهل على إسلامه حتى تلفظ بالشرك مُكرَهاً ، أو في قوم أسلموا قبل فرض الزكاة والجهاد فلما فرضا شق عليهم { لا يُفْتَنُونَ } لا يهلكون ، أو لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله تعالى وعن نواهيه .
(4/400)

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
{ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } بما فرض عليهم ، أو بما بلاهم به . { فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ } فليميزن الصادق من الكاذب ، أو ليظهرن لرسوله صدق الصادق . قيل نزلت في مهجع مولى عمر أو قتيل بين الصفين من المسلمين ببدر . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " سيد الشهداء مهجع " وقيل هو أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين .
(4/401)

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
{ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } اليهود . والسيئات الشرك { يَسْبِقُونَا } يعجزونا فلا نقدر عليهم ، أو يسبقوا ما كتب عليهم من محتوم القضاء . { يَحْكُمُونَ } يظنون ، أو يقضون لأنفسهم على أعدائهم .
(4/402)

مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
{ يَرْجُواْ } يخاف ، أو يأمل . { لِقَآءَ اللَّهِ } لقاء ثوابه ، أو البعث إليه { أَجَلَ اللَّهِ } بالجزاء في القيامة . { السَّمِيعُ } لأقوالكم { الْعَلِيمُ } باعتقادكم .
(4/403)

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
{ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ } ألزمناه أن يبرهما ، أو ما أوصيناه به من برهما { حُسْناً } { لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } حجة ، أو لا يعلم أحد أن الله تعالى شريكاً . نزلت في سعد بن أبي وقاص حلفت أمه أن لا تأكل طعاماً حتى يرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ، أو في عياش بن أبي ربيعة حلفت أمه كذلك وخدعه أخوه لأمه أبو جهل حتى أوثقه وعاقبه .
(4/404)

وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } أعوان الظلمة ، أو المبتدعة إذا تُبعوا على بِدَعهم ، أو محدثو السنن الجائرة إذا عمل بها بعدهم .
(4/405)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)
{ نُوحاً } هو أول رسول بعث وبعث من الجزيرة . { أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً } وهي مبلغ عمره لبث قبل دعائهم ثلاثمائة ودعاهم ثلاثمائة وبقي بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين ، أو بعث لأربعين ودعاهم ألفاً إلا خمسين وبقي بعد الطوفان ستين فذلك ألف وخمسون " ع " ، أو لبث فيهم ألفاً إلا خمسين وعاش بعد ذلك سبعين فذلك ألف وعشرون ، أو بعث على ثلاثمائة وخمسين ودعاهم ألفاً إلى خمسين وبقي بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين فذلك ألف وستمائة وخمسون { الطُّوفانُ } المطر " ع " ، أو الغرق ، أو الموت مأثور قيل كان الطوفان في نيسان .
(4/406)

يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)
{ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } بالانقطاع إلى الدنيا { وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } بالإعراض عنها ، أو يعذب بسوء الخلق ويرحم بحسنه ، أو يعذب بالحرص ويرحم بالقناعة ، أو يعذب ببغض الناس له ويرحم بحبهم ، أو يعذب بمتابعة البدعة ويرحم بملازمة السنة .
(4/407)

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)
{ لُوطٌ } كان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه ، أو كانت سارة أخت لوط . { مُهَاجِرٌ } للظالمين . فهاجر من الجزيرة إلى حَرَّان ، أو من كوثى وهي سواد الكوفة إلى الشام .
(4/408)

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
{ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا } الذكر الحسن " ع " ، أو رضا أهل الأديان به ، أو النية الصالحة التي اكتسب بها آجر الآخرة " ح " ، أو لسان صدق ، أو ما أوتي في الدنيا من الأجر ، أو الولد الصالح حتى إن أكثر الأنبياء من ولده .
(4/409)

أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)
{ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ } لأن الناس انقطعوا عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث ، أو قطعوا الطريق على المسافرين ، أو قطعوا سبيل النسل بترك النساء إلى الرجال . { نَادِيكُمُ } مجلسكم { الْمُنكَرَ } كانوا يتضارطون أو يحذفون من يمر بهم ويسخرون منه مأثور ، أو يأتي بعضهم بعضاً ، أو الصفير ولعب الحمام والجلاهق ومضغ العِلْك وبصاق بعضهم على بعض والسؤال وحل أزرار القباء في المجلس .
(4/410)

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
{ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ } كما لا يغني عنها بيتها كذلك لا تغني عبادة الأصنام شيئاً وقيل العنكبوت شيطان مسخها الله عز وجل .
(4/411)

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
{ اتْلُ } يا محمد على أمتك القرآن . { وَأَقِمِ الصَّلاةَ } المفروضة " ع " أو القرآن ، أو الدعاء إلى أمر الله تعالى . { الْفَحْشَآءِ } الزنا { وَالْمُنكَرِ } الشرك " ع " ، تنهى الصلاة عنهما ما دام المصلي فيها ، أو تنهى عنهما قبلها وبعدها " ع " قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله تعالى إلا بعداً " ، أو ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نهاهم عن الفحشاء والمنكر { وَلَذِكْرُ اللَّهِ } إياكم أكبر من ذكركم إياه " ع " ، أو ذكره أفضل من كل شيء ، أو ذكره في الصلاة أفضل مما نهت عنه من الفحشاء والمنكر ، أو ذكره في الصلاة أكبر من الصلاة ، أو ذكره أكبر أن تحويه عقولكم ، أو ذكره أكبر من قيامكم بطاعته ، أو أكبر من أن يُبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر .
(4/412)

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
{ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } قول لا إله إلا الله " ع " ، أو الكف عند بذل الجزية والقتال عند منعها ، أو إن قالوا شراً قلنا لهم خيراً . { الَّذِينَ ظَلَمُواْ } أهل الحرب ، أو من منع الجزية ، أو من ظلم بالإقامة على اكفر بعد ظهور الحجة ، أو الذين ظلموا في جدلهم فأغلظوا لهم ، منسوخة ، أو محكمة . { وَقُولُواْ ءَامَنَّا } كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية للمسلمين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم { وَقُولُواْ ءَامَنَّا } " الآية . { مُسْلِمُونَ } بقوله لأهل الكتاب ، أو لمن آمن .
(4/413)

وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
{ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ } قبل القرآن كتاباً من الكتب المنزلة ولا تكتبه بيمينك فتعلم ما فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه أنه من وحي الله إليك ، أو كان نعته في الكتب المنزلة أن لا يكتب ولا يقرأ فكان ذلك دليلاً على صحة نبوته . { الْمُبْطِلُونَ } مكذبو اليهود ، أو مشركو العرب ، أو قريش لأنه لو كتب وقرأ قالوا تعلمه من غيره .
(4/414)

بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)
{ بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ } يعني النبي صلى الله عليه وسلم في كونه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأنه في كتبهم بهذه الصفة ، أو القرآن آيات بينات في صدور النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به خُصوا لحفظه في صدورهم بخلاف من قبلهم فإنهم كانوا لا يحفظون كتبهم عن ظهر قلب إلا الأنبياء . { الظَّالِمُونَ } المشركون .
(4/415)

وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
{ لَوْلآ أُنزِلَ } اقترحوا عليه الآيات ليجعل الصفا ذهباً وتفجير الأنهار ، أو سألوه مثل آيات الأنبياء كالناقة والعصا واليد وإحياء الموتى . { الأَيَاتُ } عند الله تعالى يخص بها من شاء من الأنبياء { وَإِنَّمَآ أَنَأْ نَذِيرٌ } لا يلزمني الإتيان بالمقترح من الآيات وإنما يلزمني أنه يشهد على تصديقي وقد فعل الله تعالى ذلك وأجابهم بقوله : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } دلالة على نبوتك القرآن بإعجازه واشتماله على الغيوب والوعود الصادقة ، أو أراد بذلك ما رُويَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُتِي بكتاب في كتف فقال : " كَفَى بقوم حمقاً أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى غير نبيهم ، أو كتاب غير كتابهم " فنزلت { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } . { لَرَحْمَةً } إستنقاذاً من الضلال . { وَذِكْرَى } إرشاداً إلى الحق { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يقصدون الإيمان دون العناد .
(4/416)

قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
{ شَهِيداً } لي بالصدق " ع " والإبلاغ وعليكم بالكذب والعناد . { بِالْبَاطِلِ } إبليس ، أو عبادة الأصنام . { الْخَاسِرُونَ } لأنفسهم بإهلاكها ، أو لنعيم الجنة بعذاب النار .
(4/417)

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ } عناداً ، أو استهزاءً كقول النضر { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق } الآية : [ الأنفال : 32 ] { أَجَلٌ مُّسَمّىً } القيامة ، أو أجل الحياة إلى الموت وأجل الموت إلى البعث ، أو النفخة الأولى أو الوقت الموقت لعذابهم . { بَغْتَةً } فجأة . { لا يَشْعُرُونَ } بنزوله قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " تقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فِيه فما تصل إلى فِيه حتى تقوم الساعة " .
(4/418)

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
{ أَرْضِى وَاسِعَةٌ } فجانبوا العصاة بالخروج من أرضهم ، أو اطلبوا أولياء الله تعالى ، أو رحمتي واسعة ، أو رزقي واسع . { فَاعْبُدُونِ } بالهجرة إلى المدينة ، أو بأن لا تطيعوا أحداً في معصيتي ، أو فارهبون .
(4/419)

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)
{ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } كل حي ميت ، أو تجد كرب الموت وشدته إرهاباً لهم لِيدَعوا المعاصي ، أو إعلاماً أن الرسل يموتون فلا تضلوا بموت من مات منهم .
(4/420)

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
{ لَنُبَوِّئَنَّهُم } من الثواء وهو طول المقام والباء لنسكننهم { غُرَفاً } الغرف أعالي البيوت وهي أنزه وأطيب من البيوت .
(4/421)

وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
{ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا } بل ما تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً ، أو تأكل لوقتها ولا تدخر لغدها " ح " ، أو يأتيها بغير طلب وذكر النقاش شيئاً لا يحل ذكره ولبئس ما قال وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الحيوان كل ما دب لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر . { يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } يسوي بين القادر والعاجز والحريص والقانع ليعلم أن ذلك يقدره الله تعالى دون حول وقوة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة خافوا الضيعة والجوع وقال بعضهم نهاجر إلى بلدة ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجَرُوا .
(4/422)

وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
{ الْحَيَاةُ } الحياة الدائمة . قال أبو عبيدة : الحيوان والحياة واحد .
(4/423)

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)
{ وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ } بالقتل والسبي . { أَفَبِالْبَاطِلِ } الشرك ، أو إبليس { وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ } بعافيته " ع " ، أو عطائه وإحسانه أو بالهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف .
(4/424)

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)
{ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } جعل له شريكاً وولداً { بِالْحَقِّ } التوحيد أو القرآن ، أو محمد صلى الله عليه وسلم . { مَثْوىً } مستقر .
(4/425)

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
{ جَاهَدُواْ } أنفسهم في هواها ، أو العدو بالقتال ، أو اجتهدوا في الطاعة وترك المعصية ، أو تابوا من ذنوبهم جهاداً لأنفسهم . { سُبُلَنَا } طريق الجنة ، أو دين الحق ، أو نعلمهم ما لا يعلمون ، أو نخلص نياتهم في الصوم والصلاة والصدقة . { لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } بالنصر والمعونة .
(4/426)

الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)
كان المسلمون يؤثرون ظهور الروم على فارس لأنهم أهل كتاب ، وآثر المشركون ظهور فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فلما غلبت فارس سُرَّ المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تغلبونا لأنكم أهل كتاب وقد غلبت فارس الروم وهم أهل كتاب وكان آخر فتوح كسرى فتح فيه القسطنطينية بنى فيها بيت النار فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك فنزلت هاتان الآيتان فبادر أبو بكر رضي الله عنه فأخبر المشركين بذلك فاقتمر المسلمون والكفار على أنهم يغلبون إلى ثلاث سنين ، أو خمس سنين ، أو سبع سنين . قامر عن المسلمين أبو بكر رضي الله تعالى عنه . وعن المشركين أبو سفيان بن حرب ، أو أُبي بن خلف وذلك قبل تحريم القمار وكان العوض خمس قلائص ، أو سبع قلائص فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر قدر المدة أمره أن يزيد في الخطر فزاد قلوصين وازداد سنتين وكانت الزيادة بعد انقضاء الأجل الأول قبل الغلبة ، أو قبل انقضاء الأجل الأول . وغلبت الروم فارس عام بدر في يوم بدر ، أو قبل الهجرة بسنتين ، أو عام الحديبية . { أدنى الأرض } أدنى أرض فارس ، أو أدنى أرض الروم عند الجمهور بأطراف الشام " ع " ، أو أذرعات الشام كانت بها الوقعة ، أو الجزيرة أقرب أرض الروم إلى فارس ، أو الأردن وفلسطين .
(4/427)

فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
{ بِضْعِ } ما بين الثلاث إلى العشر . مأثور ، أو ما بين العقدين من الواحد إلى العشرة . قاله بعض أهل اللغة ، فيكون من الثاني إلى التاسع ، أو ما بين الثلاث والتسع . والنَّيف ما بين الواحد إلى التسعة ، أو ما بين الواحد والثلاثة عند الجمهور . { مِن قَبْلُ } ما غُلِبتْ الروم { وَمِن بَعْدُ } ما غُلِبت ، أو قبل دولة فارس على الروم وبعد دولة الروم على فارس . { يَفْرَحُ الْمؤْمِنُونَ } جاءهم الخبر بهلاك كسرى يوم الحديبية ففرحوا { بِنَصْرِ اللَّهِ } لضعف فارس وقوة العرب ، أو فرحوا بنصر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب مثلهم ، أو لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين ، أو لما فيه من تصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك . { يَنصُرُ مَن يَشَآءُ } من أوليائه ونصره مختص بهم وغلبة الكفار ليست بنصر منه وإنما هي بلاء ومحنة { الْعَزِيزُ } في نقمته من أعدائه { الرَّحِيمُ } بأوليائه .
(4/428)

يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
{ ظَاهِراً } أمر معاشهم متى يزرعون ويحصدون وكيف ينبتون ويغرسون " ع " وكبنيان قصورها وشق أنهارها وغرس أشجارها ، أو يعلمون ما ألقته الشياطين إليهم باستراق السمع من أمور الدنيا .
(4/429)

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)
{ بِالْحَقِّ } بالعدل ، أو الحكمة ، أو بأن استحق عليهم الطاعة والشكر ، أو للثواب والعقاب . { وَأَجَلٍ مُّسَمّىً } القيامة " ع " أو أجل كل مخلوق .
(4/430)

ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)
{ أَسَآءُواْ } كفروا . { السُّوأَى } جهنم ، أو عقاب الدارين " ح " . { أَن كَذَّبُواْ } لأن كذبوا { بِآيَاتِ اللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، أو معجزات الرسل ، أو نزول العذاب بهم .
(4/431)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)
{ يُبْلِسُ } يفتضح ، أو يكتئب ، أو ييأس ، أو يهلك ، أو يندم ، أو يتحير .
(4/432)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)
{ يَتَفَرَّقُونَ } في المكان بالجنة والنار ، أو بالجزاء بالثواب والعقاب .
(4/433)

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
{ رَوْضَةٍ } البستان المتناهي منظراً وطيباً . { يُحْبَرُونَ } يكرمون " ع " ، أو ينعمون ، أو يلتذون بالسماع والغناء ، أو يفرحون . والحبرة : السرور والفرح .
(4/434)

وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
{ مُحْضَرُونَ } نازلون ، أو مقيمون ، أو يدخلون ، أو مجموعون .
(4/435)

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ } سبحوه ، أو صلّوا له سميت الصلاة تسبيحاً لاشتمالها عليه في الركوع والسجود ، أو من السبحة وهي الصلاة . { تُمْسُونَ } المغرب والعشاء المساء بدو الظلام بعد المغيب { تُصْبِحُونَ } صلاة الصبح .
(4/436)

وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)
{ وَلَهُ الْحَمْدُ } على نعمه ، أو الصلاة لاختصاصها بقراءة حمده بالفاتحة وخص صلاة النهار باسم الحمد لأن تقلب النهار يكثر فيه الإنعام الموجب للحمد والليل وقت فراغ وخَلوة يوجب تنزيه الله تعالى من الأسواء فيها . { وَعَشِيّاً } العصر العشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب لنقص نورها أخذ من عشا العين وهو نقص نورها { تُظْهِرُونَ } صلاة الظهر . نزلت هذه الآية بعد الإسراء به قبل الهجرة وكل آية نزلت تذكر الصلاة قبل الإسراء فليست من الصلوات الخمس لأنهن إنما فرضن ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة .
(4/437)

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
{ يُخْرِجُ } الإنسان الحي من النطفة الميتة والنطفة الميتة من الإنسان الحي " ع " ، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، أو الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة ، أو النخلة من النواة والنواة من النخلة والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة . { تُخْرَجُونَ } كما أحيى الموات وأخرج النبات فكذلك تبعثون .
(4/438)

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
{ أَزْوَاجاً } حواء من ضلع آدم ، أو سائر الأزواج من أمثالهم من الرجال . { لِّتَسْكُنُواْ } لتأنسوا . { مَّوَدَّةً } محبة { وَرَحْمَةً } شفقة ، أو المودة الجماع والرحمة الولد " ح " ، أو المودة حب الكبير والرحمة الحُنو على الصغير ، أو الرحمة بين الزوجين .
(4/439)

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)
{ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } بما فيهما من العبر ، أو لعجز الخلق عن إيجاد مثلهما . { أَلْسِنَتِكُمْ } لغاتكم كالعربية والرومية والفارسية { وَأَلْوَانِكُمْ } أبيض وأحمر وأسود ، أو اختلاف النغمات والأصوات وألوانكم صوركم فلا يشتبه صورتان ولا صوتان . كيلا يشتبهوا في المناكح والحقوق . { لِّلْعَالِمِينَ } الإنس والجن وبالكسر العلماء .
(4/440)

وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)
{ مَنَامُكُم بالَّيْلِ } { وَابْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ } بالنهار ، أو منامكم وابتغاؤكم فيهما جميعاً لأن منهم من يتصرف في المعاش ليلاً وينام نهاراً وابتغاء الفضل بالتجارة ، أو بالتصرف في العمل . فالنوم كالموت والتصرف نهاراً كالبعث { يَسْمَعُونَ } الحق فيتعبونه ، أو الوعظ فيخافونه ، أو القرآن فيصدقونه .
(4/441)

وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)
{ خَوْفاً } للمسافر { وَطَمَعاً } للمقيم ، أو خوفاً من الصواعق وطمعاً في الغيث ، أو خوفاً من البرد أن يهلك الزرع وطمعاً في الغيث أن يحييه ، أو خوفاً أن يكون خُلباً لا يمطر وطمعاً أن يمطر .
(4/442)

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
{ قَانِتُونَ } مطيعون . مأثور ، أو مصلون " ع " ، أو مقرون بالعبودية ، أو قائمون له يوم القيامة ، أو قائمون بالشهادة أنهم عباده " ع " أو مخلصون .
(4/443)

وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
{ يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ } بعلوقه في الرحم ثم يعيده بالبعث استدلالاً بالنشأة على الإعادة . { أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أعادة الخلق أهون على الله تعالى من ابتدائه لأن الإعادة أهون من البُدأة عُرفاً وإن كانا هينين على الله تعالى ، أو الإعادة أهون على المخلوق لأنه يقلب نطفة ثم علقه ثم مضغة ثم عظماً ثم رضيعاً ثم فطيماً وفي الإعادة يُصاح به فيعود سوياً " ع " أو أهون بمعنى هين . قال :
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول
وأهون أيسر وأسهل { الْمَثَلُ الأَعْلَى } الصفة العليا ليس كمثله شيء " ع " أو شهادة أن لا إله إلا الله ، أو يحيي ويميت { الْعَزِيزُ } المنيع في قدرته أو القوي في انتقامه { الْحَكِيمُ } في تدبيره ، أو في إعذاره وحجته إلى عباده .
(4/444)

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
{ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً } سبب ضربه إشراكهم في عبادته ، أو قولهم في التلبية إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، أو كانوا يورثون آلهتهم أي لما لم يشرككم عبيدكم في أموالكم لملككم إياهم فالله تعالى أولى أن لا يشاركه أحد في العبادة لأنه مالك كل شيء { تَخَافُونَهُمْ } أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون ذلك من شركائكم ، أو تخافون أن يرثوكم كما تخافون ورثتكم ، أو تخافون لأئمتهم كما يخاف بعضكم بعضاً .
(4/445)

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
{ وَجْهَكَ } قصدك ، أو دينك ، أو عملك . { حَنِيفاً } مسلماً ، أو مخلصاً ، أو متبعاً ، أو مستقيماً ، أو حاجاً " ع " ، أو مؤمناً بجميع الرسل . { فِطْرَتَ اللَّهِ } صنعة الله ، أو دينه الإسلام " ع " الذي خلق الناس عليه { لِخَلْقِ اللَّهِ } لدين الله ، أو لا يُتَغير بخلقه من البهائم أن يخصى فحولها " ع " أو لا خالق غير الله يخلق كخلقه { الدِّينُ الْقَيِّمُ } الحساب البين ، أو القضاء المستقيم " ع " .
(4/446)

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
{ مُنِيبِينَ } مقبلين ، أو داعين ، أو مطيعين ، أو تائبين من الذنوب والإنابة من القطع فهي الانقطاع إلى الله تعالى بالطاعة ومنه الناب لقطعه ، أو من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة .
(4/447)

مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
{ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } بالاختلاف فصاروا فرقاً و { فارقوا دينهم } وهم اليهود ، أو اليهود والنصارى ، أو خوارج هذه الأمة مأثور ، أو أهل الأهواء والبدع مأثور . { شِيَعاً } فرقاً ، أو أدياناً { بِمَا لَدَيْهِمْ } من الضلالة { فَرِحُونَ } مسرورون عند الجمهور ، أو معجبون أو متمسكون .
(4/448)

أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)
{ سُلْطَاناً } كتاباً ، أو عذراً ، أو برهاناً ، أو رسولاً .
(4/449)

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
{ رَحْمَةً } عافية وسعة ، أو نعمة ومطر { سَيِّئَةٌ } بلاء وعقوبة ، أو قحط المطر . { يَقْنَطُونَ } القنوط اليأس من الرحمة والفرج عند الجمهور أو ترك فرائض الله تعالى في السر " ح " .
(4/450)

فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)
{ ذَا الْقُرْبَى } قرابة الرجل يصلهم بماله ونفسه ، أو قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب يعطون حقهم من الفيء والغنيمة . { وَابْنَ السَّبِيلِ } المسافر ، أو الضيف " ع " .
(4/451)

وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
{ مِّن رِّباً } هو أن يهدي الهدية ليكافأ بأفضل منها " ع " ، أو رجل خدم في السفر فجعل له جزء من الربح لخدمته لا لوجه الله تعالى ، أو رجل وهب قريبه ليصير غنياً ذا مال ولا يفعله طلباً للثواب . { فَلا يَرْبُواْ } لا يكون له ثواب عند الله { زكَاةٍ } مفروضة ، أو صدقة . { وَجْهَ اللَّهِ } ثوابه . { الْمُضْعِفُونَ } الحسنة بعشر ، أو يضاعف أموالهم في الدنيا بالنمو والبركة .
(4/452)

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)
{ الْفَسَادُ } الشرك ، أو المعاصي ، أو قحط المطر ، أو فساد البر قتل ابن آدم أخاه وفساد البحر أخذ السفينة غصباً { الْبَرِّ } الفيافي { وَالْبَحْرِ } القرى . العرب تسمى الأمصار البحر ، أو البر أهل العمود والبحر أهل القرى والريف ، أو البر بادية الأعراب والبحر الجزائر ، أو البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر والبحر ما كان منها على شاطىء نهر " ع " { بَعْضَ الِّذِى عَمِلُواْ } لأن للمعصية جزاء عاجلاً وجزاء آجلاً . { يَرْجِعُونَ } عن المعاصي ، أو إلى الحق ، أو يرجع من بعدهم " ح " .
(4/453)

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ } للتوحيد ، أو استقم للدين المستقيم بصاحبه إلى الجنة . { يَصَّدَّعُونَ } يتفرقون في عرصة القيامة ، إلى النار والجنة ، أو يتفرق المشركون وآلهتهم في النار .
(4/454)

مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)
{ يَمْهَدُونَ } يُسَوُّون المضاجع في القبور ، أو يوطئون في الدنيا بالقرآن وفي الآخرة بالعمل الصالح .
(4/455)

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)
{ مُبَشِّرَاتٍ } بالمطر رياح الرحمة أربعة المبشرات والذاريات والناشرات والمرسلات ، ورياح العذاب أربعة العقيم والصرصر في البر والعاصف والقاصف في البحر . { مِّن رَّحْمَتِهِ } بردها وطيبها ، أو المطر .
(4/456)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
{ نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } الأنبياء بإجابة دعائهم على مكذبيهم ، أو نصرهم بإيجاب الذَّب عن أعراضهم .
(4/457)

اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
{ كِسَفاً } قطعاً ، أو متراكباً بعضه على بعض ، أو في سماء دون سماء . { الْوَدْقَ } البرق ، أو المطر .
(4/458)

فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)
{ رَحْمَتِ اللَّهِ } المطر .
(4/459)

وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)
{ فَرَأَؤهُ } رأوا السحاب { مُصْفَرّاً } بأنه لا يمطر ، أو الزرع مصفراً بعد خضرته " ع " . { لَّضَلُّواْ } أظل إذا فعل أول النهار ووقت الظل وكذلك أضحى فتوسعوا في استعمال ظَلَّ في أول النهار وآخره وقل ما يستعمل أضحى إلا في صدر النهار .
(4/460)

فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
{ الْمَوْتَى } الذين ماتوا كفاراً و { الصُّمَّ } الذين تولوا عن الهدى فلم يسمعوه ، أو مَثَّل الكافر في أنه لا يسمع بالميت والأصم لأن كفره قد أماته وضلاله قد أصمه { مُدْبرِينَ } لأن المدبر لا يفهم بالإشارة وإن كان الأصم لا يسمع مقبلاً ولا مدبراً قيل نزلت في بني عبد الدار .
(4/461)

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
{ ضَعْفٍ } نطفة . { قُوَّةً } شباباً . { ضَعْفٍ } هرماً { وَشَيْبَةً } شمطاً .
(4/462)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
{ الْمُجْرِمُونَ } الكفار . { مَا لَبِثُواْ } في الدنيا ، أو في القبور { كَذَلِكَ } هكذا . { يُؤْفَكُونَ } يكذبون في الدنيا ، أو يصرفون عن الإيمان بالبعث .
(4/463)

فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
{ مَعْذِرَتُهُمْ } في تكذيبهم . { يُسْتَعْتَبُونَ } يستتابون ، أو يعاتبون على سيئاتهم أو لا يطلب منهم العتبى وهو أن يردوا إلى الدنيا ليؤمنوا .
(4/464)

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
{ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ } لا يستعجلنك ، أو لا يستفزنك ، أو لا يستنزلنك . { لا يُوقِنُونَ } لا يؤمنون ، أو لا يصدقون بالبعث والجزاء .
(4/465)

تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)
{ الْحَكِيمِ } المحكم آياته بالحلال والحرام والأحكام ، أو المتقن { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] أو البين أنه من عند الله ، أو المظهر للحكمة بنفسه كما يظهرها الحكيم بقوله .
(4/466)

هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
{ هُدىً } من الضلالة ، أو إلى الجنة . { وَرَحْمَةً } من العذاب لما فيه من الزواجر عن استحقاقه ، أو بالثواب لما فيه من البواعث على استيجابه ، نعته بذلك أو مدحه به { لِّلْمُحْسِنِينَ } الإحسان الإيمان الذي يحسن به إلى نفسه ، أو الصلة والصلاة ، أو أن تخشى الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وتحب للناس ما تحب لنفسك .
(4/467)

أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
{ هُدىً مِّن رَّبِّهِمْ } نور ، أو بينة ، أو بيان . { الْمُفْلِحُونَ } السعداء ، أو المنجحون ، أو الناجون ، أو الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا " ع " .
(4/468)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
{ يَشْتَرى لَهْوَ الْحَدِيثِ } شراء المغنيات ، أو الغناء " ع " ، أو الزمر والطبل ، أو الباطل ، أو الشرك ، أو ما ألهى عن الله تعالى ، أو الجدال في الدين والخوض في الباطل نزلت في النضر بن الحارث كان يجلس فإذا قيل له : قال محمد كذا ضحك وحدثهم بحديث رستم واسفنديار وقال : إن حديثي أحسن حديثاً من محمد . أو في قرشي اشترى مغنية شغل بها الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . { لِيُضِلَّ } ليصد عن دين الله تعالى ، أو ليمنع من قراءة القرآن .
{ وَيَتَّخِذَهَا } يتخذ سبيل الله { هُزُؤاً } يكذب بها ، أو يستهزىء بها .
(4/469)

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
{ بِغَيْرِ عَمَدٍ } وأنتم ترونها ، أو بعمد لا ترونها . { أَن تَمِيدَ } تزول ، أو تتحرك . { وَبَثَّ } بسط ، أو فرق { دَآبَّةٍ } سمي به الحيوان لدبيبه والدبيب الحركة . { فَأَنبَتْنَا } الناس نبات الأرض فالكريم من دخل الجنة واللئيم من دخل النار ، أو الأشجار والزروع { زَوْجٍ } نوع { كَرِيمٍ } حسن أو الثمر الطيب ، أو النافع .
(4/470)

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
{ لُقْمَانَ } نبي قاله عكرمة ، أو من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوة ، أو كان عبداً حبشياً ، أو نوبياً قصيراً أفطس خياطاً بمصر ، أو راعياً ، أو نجاراً وكان فيما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، أو ولد لعشر سنين من ملك داود وبقي إلى زمان يونس { الْحِكْمَةَ } الفهم والعقل ، أو الفقه والعقل والإصابة في القول ، أو الأمانة . { أَنِ اشْكُرْ } أتيناه الحكمة والشكر ، أو آتيناه الحكمة لأن يشكر قاله الزجاج { اشْكُرْ لِلَّهِ } أحمده على نعمه ، أو أطعه ولا تشرك به ، أو لا تعصه على نعمه . { يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لأنه تزداد نعمه كلما ازداد شكراً . { وَمَن كَفَرَ } بالنعمة ، أو بالله واليوم الآخر . { غَنِىٌّ } عن خلقه { حَمِيدٌ } في فعله ، أو غني عن فعله مستحمد إلى خلقه .
(4/471)

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
{ يَعِظُهُ } يذكره ويؤدبه . { لَظُلْمٌ } يظلم به نفسه { عَظِيمٌ } عند الله قيل : كان ابنه مشركاً .
(4/472)

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
{ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ } عامة ، أو نزلت في سعد بن أبي وقاص . { وَهْناً عَلَى وَهْنٍ } شدة على شدة " ع " ، أو جهداً على جهد ، أو ضعفاً على ضعف ، ضعف الولد على ضعف الوالدة ، أو ضعف نطفة الأب على ضعف نطفة الأم ، أو ضعف الولد أطوار خلقه ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم سوياً ثم وليداً ثم رضيعاً ثم فطيماً . { اشْكُرْ لِى } النعمة بالحمد والطاعة { وَلِوَالِدَيْكَ } التربية بالبر والصلة .
(4/473)

وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
{ مَعْرُوفاً } إحساناً تعودهما إذا مرضا وتشيعهما إذا ماتا وتواسيهما إذا افتقرا . { مَنْ أَنَابَ } أقبل بقلبه { إِلَىَّ } مخلصاً وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون .
(4/474)

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
{ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } من الخير ، أو الشر . { صَخْرَةٍ } خضراء تحت الأرض السابعة على ظهر الحوت ، خضرة السماء منها وقيل : إنها في سجين التي يكتب فيها أعمال الكفار ، أو في صخرة في جبل . { يَأَتِ بِهَا اللَّهُ } أي بجزاء ما وازنها من خير ، أو شر ، أو يعلمها ويأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من الخير والشر ويعلمه الله تعالى فيجازي عليه . { لَطِيفٌ } في إخراجها . { خَبِيرٌ } بمكانها قيل لما وعظ ابنه ألقى حبة خردل في عرض البحر ثم مكث ما شاء الله ثم ذكرها وبسط يده فبعث الله تعالى ذبابة فأخذتها فوضعتها في يده .
(4/475)

يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
{ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } مما أمر الله تعالى به من الأمور ، أو من ضبط الأمور ، أو من قطع الأموُر . العزم والحزم واحد ، أو الحزم الحذر والعزم القوة وفي المثل لا خير في عزم بغير حزم ، أو الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه وفي المثل رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم .
(4/476)

وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
{ تُصَعِّرْ } الصعر الكبر " ع " ، أو الميل ، أو التشدق في الكلام ، يقول لا تعرض بوجهك عن الناس تكبراً ، أو بالتشدق ، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو يلوي شدقه عن ذكر الإنسان احتقاراً ، أو الإعراض عمن بينه وبينه إحنة هجراً له فكأنه أمر بالصفح والعفو ، أو أن يكون الغني والفقير عنده في العلم سواء . { مَرَحاً } بالمعصية ، أو بالخيلاء والعظمة ، أو البطر والأشر . { مُخْتَالٍ } منان ، أو متكبر ، أو بطر . { فَخُورٍ } متطاول على الناس بنفسه ، أو مفتخر عليهم بما يصفه من مناقبه " ع " ، أو الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله تعالى فيما أعطاه .
(4/477)

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
{ وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ } تواضع فيه ، أو انظر في مشيك إلى موضع قدمك ، أو أسرع فيه أو لا تسرع فيه ، أو لا تختل فيه . { وَأَغْضُضْ } اخفض . { أَنكَرَ الأَصْوَاتِ } أقبحها ، أو شرها ، أو أشدها ، أو أبعدها . خص الحمار لأن صوته مستقبح في النفوس مستنكر في السمع ، أو لأن صياح كل شيء تسبيحه إلاَّ الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان .
(4/478)

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
{ سَخَّرَ } سهل ، أو الانتفاع به . { نعمهُ } جنس أو أراد الإسلام . { ظَاهِرَةً } على اللسان { وَبَاطِنَةً } في القلب ، أو الظاهرة الإسلام والباطنة ما ستره من المعاصي ، أو الظاهرة الخلق والرزق والباطنة ما أخفاه من العيوب والذنوب ، أو ما أعطاهم من الزي والثياب والباطنة متاع المنازل ، أو الظاهرة الولد والباطنة الجماع { مَن يُجَادِلُ } نزلت في يهودي قال للرسول صلى الله عليه وسلم ، أخبرني عن ربك من أي شيء هو ، فجاءت صاعقة فأحرقته ، أو في النظر بن الحارث كان يقول الملائكة بنات الله .
(4/479)

وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)
{ يُسْلِمْ وَجْهَهُ } يخلص دينه ، أو يقصد بوجهه طاعة الله تعالى { وَهُوَ مُحْسِنٌ } في عمله { بِالْعُرْوَةِ } قول لا إله إلا الله ، أو القرآن ، أو الإسلام ، أو الحب في الله تعالى والبغض فيه { الْوثْقَى } للاستيثاق بالتمسك بها كما يتوثق من الشيء بإمساك عراه أو تشبيهاً بالبناء الوثيق لأنه لا ينحل { عَاقِبَةُ الأُمُورِ } ثواب ما صنعوا .
(4/480)

وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
{ وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأَرْضِ } نزلت لما قال المشركون إنما القرآن كلام يوشك أن ينفد ، أو نزلت لما قال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم أرأيت قولك { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] إيانا تريد أم قومك فقال : كل لم يؤت من العلم إلا قليلاً أنتم وهم . قالوا : فإنك تتلو ما جاءك من الله أَنَّا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء . فقال : إنها في علم الله تعالى قليلة . والمعنى لو أن الأشجار أقلام والبحار مداد لتكسرت الأقلام ، ونفدت مياه البحار قبل أن تنفد عجائب ربي وعلمه وحكمته . { يَمُدُّهُ } يزيد فيه شيئاً بعد شيء يقال في الزيادة مدَدته وفي المعونة أمددته { كَلِمَاتُ اللَّهِ } نعمه على أهل الجنة ، أو على أصناف الخلق ، أو جميع ما قضاه في اللوح المحفوظ من أمور خلقه ، أو عبّر بالكلمات عن العلم .
(4/481)

مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
{ مَّا خَلْقُكُمْ } نزلت في أُبَي بن خلف وأبي الأشدين ونبيه ومنبه ابني الحجاج . قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى خلقنا أطواراً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم تقول إنا نبعث جميعاً في ساعة فنزلت { مَّا خَلْقُكُمْ } أي لا يصعب على الله تعالى ما يصعب على الناس .
(4/482)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
{ يُولِجُ الَّيْلَ } يأخذ الصيف من الشتاء والشتاء من الصيف . أو ما ينقص من النهار يجعله في الليل وما ينقص من الليل يجعله في النهار ، أو يسلك الظلمة مسلك الضياء والضياء مسلك الظلمة فيصير كل واحد منهما مكان الآخر { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } ذللهما بالطلوع والأفول تقديراً للآجال وإتماماً للمنافع . { أَجَلٍ مُّسَمّىً } القيامة ، أو وقت طلوعه وأفوله .
(4/483)

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
{ هُوَ الْحَقُّ } لا إله غيره ، أو الحق اسم من أسمائه ، أو القاضي بالحق . { مَا يَدْعُونَ } الشيطان ، أو الأصنام . { الْعَلِىُّ } في أحكامه { الْكَبِيرُ } في سلطانه .
(4/484)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
{ مِّنْ ءَايَاتِهِ } يجري السفن فيه ، أو ما تشاهدون من قدرة الله فيه ، أو ما يرزقكم الله تعالى منه . { صَبَّارٍ } على البلوى { شَكُورٍ } على النعماء ، أو صبار على الطاعة شكور على الجزاء .
(4/485)

وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
{ كَالظُّلَلِ } السحاب ، أو الجبال شبهه بها لسواده ، أو لعظمه { مُخْلِصِينَ } موحدين لا يدعون سواه { مُّقْتَصِدٌ } عدل يوفي بعهده الذي التزمه في البحر ، أو مؤمن متمسك بالطاعة ، أو مقتصد في قوله وهو كافر . { خَتَّارٍ } جاحد ، أو غدار عند الجمهور . جحد الآيات : إنكار أعيانها والجحد بها إنكار دلائلها .
(4/486)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
{ لا يَجْزِى } لا يغني ، أو لا يقضي ، أو لا يحمل { الْغَرُورُ } الشيطان ، أو الأمل .
(4/487)

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
{ عِلْمُ السَّاعَةِ } وقت مجيئها . { وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } يعلم نزوله في زمانه ومكانه ، أو منزله فيما يشاء من زمان ومكان { مَا فِى الأَرْحَامِ } من ذكر وأنثى وصحيح وسقيم ، أو مؤمن وكافر وشقي وسعيد { تَكْسِبُ غَداً } من خير وشر ، أو إيمان وكفر . { بِأَىِّ أَرْضٍ } على أي حكم تموت من سعادة وشقاوة ، أو في أي أرض تموت وتدفن .
قيل نزلت في الوارث بن عمرو بدوي قال : للرسول صلى الله عليه وسلم إن امرأتي حُبلى فأخبرني ماذا تلد وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت " فأخبرني متى أموت وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ، ما أعمل غداً " وأخبرني متى تقوم الساعة .
(4/488)

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
{ لا رَيْبَ } الرَّيْب الشك الذي يميل إلى السوء والخوف .
(4/489)

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ } يقضيه ، أو يدبره بنزول الوحي من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ويدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل بالقطر والماء وملك الموت بقبض الأرواح وإسرافيل ينزل عليهم بالأمر { يَعْرُجُ } يصعد جبريل إلى السماء بعد نزوله بالوحي ، أو الملك الذي يدبر من السماء إلى الأرض ، أو أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع الملائكة . { مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى الملائكة فإذا مضت قضى لألف لأخرى ثم كذلك أبداً أو يصعد الملك في يوم مسيرة ألف سنة " ع " فيكون بين السماء والأرض ألف سنة ، أو يننزل الملك ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ينزل في خمسمائة ويصعد في مثلها فيكون بين السماء والأرض خمسمائة . { تَعُدُّونَ } تحسبون من أيام الدنيا وعَبَّر عن الزمان باليوم ولا يريد ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس .
(4/490)

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
{ أَحْسَنَ كُلِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ } في خَلْقِه حسن حتى الكلب حسن في خَلْقه " ع " ، أو أحكمه حتى أتقنه ، أو أحسن إلى كل شيء خلقه فكان خلقه إحساناً إليه ، أو ألهم الخلق ما يحتاجون إليه فعلموه من قولهم فلان يحسن كذا أن يعلمه ، أو أعطى خلقه ما يحتاجون إليه ثم هداهم إليه .
(4/491)

ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)
{ سُلالَةٍ } سمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه والسلالة الصفوة التي تنسل من غيرها . { مَّهِينٍ } ضعيف .
(4/492)

ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)
{ سَوَّاهُ } سوى خلقه في الرحم ، أو سوى خلقه كيف شاء { مِن رُّوحِهِ } قدرته ، أو ذريته ، إذ المراد بالإنسان آدم ، أو من أمره أن يقول كن فيكون ، أو روحاً من روحه أي خَلْقِه أضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ لأن الروح من جنس الريح . { والأَفْئِدَةَ } سمي القلب فؤاداً لأنه منبع الحرارة الغريزية من المفتأد وهو موضع النار .
(4/493)

وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
{ ضَلَلْنَا } هلكنا ، أو صرنا رفاتاً وتراباً ، وكل شيء غلب على غيره مخفى فيه أثره فقد ضل ، أو غُيِّبْنا ، وبالصاد أنْتَنَّا من صَلَّ اللحم ، أو صرنا بالصَلَّةِ وهي الأرض اليابسة ومنه الصلصال قيل : قاله أُبي بن خلف .
(4/494)

قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
{ يَتَوَفَّاكُمْ } بأعوانه ، أو بنفسه رأه الرسول صلى الله عليه وسلم عند رأس أنصاري . فقال أرفق بصاحبي فإنه مؤمن . فقال طِبْ نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق . { ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ } إلى جزائه ، أو إلى أن لا يملك لكم أحد ضراً ولا نفعاً سواه .
(4/495)

وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)
{ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ } من الغم ، أو الذل ، أو الحياء ، أو الندم ، { عِندَ رَبِّهِمْ } عند محاسبته { أَبْصَرْنَا } صِدقَ وعيدك { وَسَمِعْنَا } صدق رسلك ، أو أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا . { مُوقِنُونَ } مصدقون بالبعث أو بما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم .
(4/496)

وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
{ هُدَاهَا } إلى الإيمان ، أو الجنة ، أو هدايتها في الرجوع إلى الدنيا لأنهم سألوا الرجعة . { حَقَّ الْقَوْلُ } سبق ، أو وجب { مِنَ الْجِنَّةِ } الملائكة قاله عكرمة . سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار ، أو عصاة الجن .
(4/497)

فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
{ فَذُوقُواْ } عذابي بما تركتم أمري ، أو بترك الإيمان بالبعث في هذا اليوم . { نَسِيَناكُمْ } تركناكم من الخير ، أو في العذاب ، ويعبر بالذوق عما يطرأ على النفس لأحساسها به . قال :
فذق هجرها إن كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربما كذب الزعم
(4/498)

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
{ بِآيَاتِنَا } بحججنا ، أو القرآن . { ذُكِّرُواْ بِهَا } عدوا إلى الصلوات الخمس بالآذان والإقامة أجابوا إليها وإذا قرئت آيات القرآن خروا سجوداً على الأرض طاعة وتصديقاً وكل من سقط على شيء فقد خَرَّ عليه . { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } صلّوا حمداً له ، أو سبحوه بمعرفته وطاعته { لا يَسْتَكْبِرُونَ } عن العبادة ، أو السجود كما استكبر أهل مكة .
(4/499)

تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
{ تَتَجَافَى } ترتفع لذكر الله في الصلاة ، أو في غيرها " ع " ، أو الصلاة : العشاء ، أو الصبح والعشاء في جماعة ، أو للنفل بين المغرب والعشاء ، أو قيام الليل . والمضاجع مواضع الاضطجاع خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته ، أو خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه . { يُنفِقُونَ } الزكاة ، أو صدقة التطوع ، أو نفقة الأهل ، أو النفقة في الطاعة .
(4/500)

فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
{ مَّآ أُخْفِىَ } للذين تتجافى جنوبهم ، أو للمجاهدين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . مأثور ، أو هو جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله تعالى ما أعده لهم ، أو زيادة تَحَفِّ من الله ليست في جناتهم يكرمون بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات ، أو زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم .
(5/1)

أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)
{ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً } علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والفاسق عقبة بن أبي معيط تَسَابَّا فقال عقبة : أنا أَحَدُّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ منك حَشوًا . فقال : علي رضي الله تعالى عنه ليس كما قلت يا فاسق . فنزلت فيهما " ع " .
(5/2)

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
{ الْعَذَابِ الأَدْنَى } مصائب الدنيا في النفس والمال ، أو القتل بالسيف ، أو الحدود " ع " ، أو القحط والجدب ، أو عذاب القبر قاله البراء بن عازب ومجاهد ، أو عذاب الدنيا ، أو غلاء السعر . { الْعَذَابِ الأَكْبَرِ } جهنم ، أو خروج المهدي بالسيف ، { يَرْجِعُونَ } إلى الحق ، أو يتوبون من الكفر " ع " .
(5/3)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)
{ فَلا تَكُن فِى } شك من لقاء موسى فقد لقيته ليلة الإسراء " ع " . وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رأه ليلته . قال أبو العالية : قد بينه الله تعالى بقوله { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ } [ الزخرف : 45 ] أو لا تكن في شك من لقاء موسى فستلقاه في القيامة ، أو لا تشك في لقاء موسى للكتاب ، أو لا تشك في لقاء الأذى كما لقيه موسى " ح " ، أو لا تشك في لقاء موسى لربه . { وَجَعَلْنَاهُ هُدىً } موسى ، أو الكتاب .
(5/4)

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
{ أَئِمَّةً } رؤساء في الخير تبعوا الأنبياء ، أو الأنبياء مأثور { لَمَّا صَبَرُواْ } عن الدنيا ، أو على الحق ، أو على الأذى بمصر لما كلفوا ما لا يطيقون . { بِآيَاتِنَا } التسع ، " أنها من عند الله " { يُوقِنُونَ } .
(5/5)

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)
{ يَفْصِلُ } يقضي بين الأنبياء وقومهم ، أو بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر .
(5/6)

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
{ نَسُوقُ الْمَآءَ } بالمطر والثلج أو بالأنهار والعيون . { الأَرْضِ الْجُرُزِ } اليابسة ، أو التي أكلت ما فيها من زرع وشجر ، أو التي لا يأتيها الماء إلا من السيول " ع " ، أو التي لا تنبت ، أو هي قرى بين اليمن والشام وأصله الانقطاع . سيف جزار أي قاطع ، وناقة جرازة إذا كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئاً إلا قطعته رجل جروز : أكول .
(5/7)

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)
{ الْفَتْحُ } فتح مكة ، أو القضاء بعذاب الدنيا ، أو بالثواب والعقاب في الآخرة .
(5/8)

قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)
{ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } الذين قتلهم خالد يوم الفتح من بني كنانة ، أو يوم القيامة ، أو اليوم الذي يأتيهم في العذاب .
(5/9)

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
{ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } نزلت قبل الأمر بقتالهم .
(5/10)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
{ أتَّقِ اللَّهَ } أكثِر من تقواه في جهاد عدوه ، أو دُم على تقواك ، أو الخطاب له والمراد أمته ، أو نزلت لما قدم أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبو الأعور السُّلمي المدينة ليجددوا خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم في عهد بينهم وبينه فنزلوا على ابن أُبي والجد بن قيس ومتعب بن قشير فتآمروا بينهم وأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم فعرضوا عليه أموراً كرهها فَهمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بقتلهم فنزلت { أتَّقِ اللَّهَ } في عهدهم { وَلا تُطِعِ } كفار مكة ومنافقي أهل المدينة فيما دعوا إليه .
(5/11)

مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
{ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ } كان الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً يوماً يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه : إن له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم فنزلت إكذاباً لهم فالمراد بالقلبين جسدين ، أو قال قرشي من بني فهر : إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فنزلت إكذاباً له فيكون المراد بالقلبين عقلين ، أو قال رجل : إن لي نفسين نفساً تأمرني ونفساً تنهاني فنزلت فيه " ح " ، أو كان جميل بن معمر الجمحي أحفظ الناس لما يسمع ذا فهم ودهاء فقالت قريش : ما يحفظ ما يسمعه بقلب واحد وإن له قلبين فانهزم يوم بدر بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله فلقي أبا سفيان بشاطىء البحر فأخبره بمن قتل من أشرافهم . فقال : إنه قد ذهب عقلك فما بال أحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك . فقال : ما كنت أظنها إلا في يدي فظهر لهم حاله ونزلت فيه ، أو ضرب ذلك مثلاً لزيد لما تبناه الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يكون لرجل أبوان حتى يكون زيد بن محمد وابن حارثة ، أو لا يكون لرجل قلب مؤمن معنا وقلب كافر علينا لأنه لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد فيكون معناه ما جعل الله لرجل من دينين { أَدْعِيَآءَكُمْ } كان الذليل في الجاهلية يأتي القوي الشريف فيقول أنا ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابناً أصبح أعز أهله وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيد بن حارثة على تلك العادة فنزلت { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ } في الجاهلية { أَبْنَآءَكُمْ } في الإسلام . { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم } في المُظَاهر عنها وابن التبني { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ } في أنها ليست بأم ولا الدعي بابن .
(5/12)

ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
{ أَقْسَطُ } أعدل قولاً وحكماً . { فَإِخْوَانُكُمْ } فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم كعبد الله وعبد الرحمن وغيرهما ، أو قولوا أخونا فلان ومولانا فلان ، أو إن لم يعرف نسبهم كانوا إخوانا في الدين إن كانوا أحراراً وموالي إن كانوا عتقاء { أَخْطَأْتُمْ بِهِ } قبل النهي و { مَّا تَعَمَّدَتَ قُلُوبُكُمْ } بعد النهي في هذا وغيره ، أو ما سهوتم به وما تعمدته قلوبكم قصدته ، أو ما أخطأتم أن تدعوه إلى غير أبيه " ظاناً أنه أبوه وما تعمدت قلوبكم أن تدعوه إلى غير أبيه عالماً بذلك " { غَفُوراً } لما كان في الشرك { رَّحِيماً } بقبول التوبة في الإسلام .
(5/13)

النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
{ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ } من بعضهم ببعض لإرساله إليهم وفرض طاعته ، أو أولى بهم فيما رأه لهم منهم بأنفسهم ، أو لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بالخروج إلى تبوك قال قوم : نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت ، أو أولى بهم في قضاء ديونهم وإسعافهم في نوائبهم قال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة فمن ترك مالاً فليرثه عصبته وإن ترك ديْناً ، أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه " . { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } في حرمة نكاحهن وتعظيم حقوقهن دون النفقة والميراث ، وفي إباحة النظر إليهن مذهبان هذا في اللائي مات عنهن ، وفي إلحاقه مطلقاته بمن مات عنهن ثلاثة مذاهب يفرق في الثالث بين من دخل بهن ومن لم يدخل بهن وهل هن أمهات المؤمنات كالرجال فيه مذهبان ، قالت امرأة لعائشة رضي الله تعالى عنها : يا أمَّه فقالت : لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم . { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الأنصار { وَالْمُهَاجرِينَ } قريش . نسخت التوارث بالهجرة لما نزل في الأنفال { والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ } الآية [ الأنفال : 72 ] . توارثوا بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئاً فنسخ ذلك بقوله هل هنا { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } ، أو نسخت التوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين ، قال الزبير : نزلت فينا خاصة قريش والأنصار قدمنا المدينة فآخينا الأنصار فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت كعب بن مالك فقُتِل يوم أُحد فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه أحد غيري حتى أنزل الله هذه الآية فرجعنا إلى مواريثنا . { فِى كِتَابِ اللَّهِ } القرآن ، أو اللوح المحفوظ . { مِنَ الْمؤْمِنِينَ والْمُهَاجِرِينَ } أي التوارث بالأنساب أولى من التوارث بالمؤاخاة في الهجرة { تَفْعَلُوأْ إِلَى أَوْلِيَآئِكُم مَّعْرُوفًا } بالوصية للمشرك من ذوي الأرحام ، أو الوصية للحلفاء والذين آخى بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ، أو الذين آخيتم فآتوا إليهم معروفاً في الحياة ، أو وصية الرجل لإخوانه في الدين { مَسْطُوراً } كان التوارث بالهجرة والمؤاخاة في الكتاب مسطوراً قبل النسخ ، أو كان نسخه بميراث ذوي الأرحام مسطوراً قبل التوارث ، أو كان لا يرث مسلم كافراً في الكتاب مسطوراً . و { الْكِتَابِ } اللوح المحفوظ ، أو القرآن ، أو الذكر ، أو التوراة ، أمر بني إسرائيل أن يصنعوا مثله في بني لاوي بن يعقوب .
(5/14)

وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)
{ مِيثَاقَهُمْ } على قومهم أن يؤمنوا بهم " ع " ، أو ميثاق الأمم على الأنبياء أن يبلغوهم ، أو ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً { وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ } سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث " وخص هؤلاء بالذكر تفضيلاً ، أو لأنهم أصحاب الشرائع . { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } تبليغ الرسالة ، أو أن يصدق بعضهم بعضاً ، أو أن يعلنوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول ويعلن محمداً أن لا رسول بعده .
(5/15)

لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
{ لِّيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ } الأنبياء عن تبليغ الرسالة ، أو عما أجابهم به قومهم أو عن الوفاء بالميثاق الذي أخذ عليهم ، أو يسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة .
(5/16)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
{ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } بالنصر والصبر { جُنوُدٌ } أبو سفيان وعيينة بن حسن وطلحة بن خويلد وأبو الأعور والسُلمي وبنو قريظة . { رِيحاً } الصّبا أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم . { وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } الملائكة . تقوية لقلوب المؤمنين من غير قتال ، أو بإيقاع الرعب في قلوب المشركين ، أو بتفريق كلمتهم وإقعاد بعضهم عن بعض ، أو نصروهم بالزجر حتى جأوت بهم مسيرة ثلاثة أيام فقال طلحة بن خويلد : إن محمداً قد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة .
(5/17)

إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
{ مِّن فَوْقِكُمْ } من فوق الوادي وهو أعلاه جاء منه عوف بن مالك في بني نصر وعيينة بن حصن في أهل نجد وطلحة بن خوليد الأسدي في بني أسد { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } بطن الوادي من قبل المغرب جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ويزيد بن جحش على قريش وجاء أبو الأعور وحيي بن أخطب في بني قريظة وعامر بن الطفيل من وجه الخندق . { زَاغَتِ الأَبْصَارُ } شخصت ، أو مالت . { وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ } زالت عن أماكنها من الرعب فبلغت الحناجر وهي الحلاقم وإحدها حنجرة ويعبّر بذلك عن شدة الخوف وإن لم تُزل عن أماكنها مع بقاء الحياة { الظنون } فيما وعدهم به من النصر ، أو اختلاف ظنونهم ظن المنافقون أن الرسول صلى الله عليه سلم وأصحابه يُستأصلون وأيقن المؤمنون أن وعده في إظهاره على الدين كله حق " ح " .
(5/18)

هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
{ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ } بالحصار ، أو الجوع أصابهم بالخندق جوع شديد ، أو امتحنوا بالصبر على إيمانهم . هنالك للمكان البعيد وهنا للقريب وهناك للمتوسط { وَزُلْزِلُواْ } حركوا بالخوف ، أو اضطربوا عما كانوا عليه ، منهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه ، أو راحوا عن أماكنهم فلم يكن لهم إلا موضع الخندق .
(5/19)

وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
{ مَّرَضٌ } نفاق ، أو شرك لما أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم يومئذ بما يفتح عليهم من بيض المدائن وقصور الروم ومدائن اليمن . قال رجل من الأوس أيعدنا ذلك واحد لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل . هذا والله الغرور فنزلت .
(5/20)

وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
{ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } ابن أُبي وأصحابه ، أو أوس بن قيظى ، أو من بني سليم { يَثْرِبَ } المدينة ويثرب من المدينة ، أو المدينة في ناحية من يثرب قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة ثلاث مرات " { لا مُقَامَ لَكُمْ } على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب " ح " ، أو لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان ، أو لا مقام لكم في أماكنكم فارجعوا إلى مساكنكم . والمقام بالفتح الثبات على الأمر وبالضم الثبات على المكان ، أو بالفتح النزل وبالضم الإقامة . { عَوْرَةٌ } قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي ، أو خالية ليس فيها إلا العورة من النساء من قولهم أعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب ، أو مكشوفة الحيطان نخاف عليها السَّرْق والطلب . أعور المنزل إذا ذهب ستره وسقط جداره ، وكل ما كره كشفه فهو عورة .
(5/21)

وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
{ وَلَوْ دُخِلَتْ } المدينة على المنافقين من نواحيها { الْفِتْنَةَ } القتال في المعصية ، أو الشرك . { وَمَا تَلَبَّثُواْ } بالإجابة إلى الفتنة . أو بالمدينة { إِلا يَسِيراً } حتى يعذبوا .
(5/22)

وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)
{ عَاهَدُواْ } قبل الخندق وبعد بدر ، أو قبل نظرهم إلى الأحزاب ، أو قبل قولهم : يا أهل يثرب .
(5/23)

قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)
{ سُوءًا } هزيمة والرحمة النصر ، أو عذاباً والرحمة الخير ، أو قتلاً والرحمة التوبة .
(5/24)

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
{ الْمُعَوِّقِينَ } المثبطين : ابن أُبي وأصحابه { وَالْقَآئِلِينَ } المنافقون قالوا لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، وهو هالك ومن تبعه فهَلُم إلينا ، أو قريظة قالوا لإخوانهم المنافقين : هَلُم إلينا فإن محمداً هالك وإن ظفر بكم أبو سفيان لم يُبق منكم أحداً ، أو انصرف يومئذ صحابي فوجد بين يدي أخيه لأبويه رغيفاً وشواء ، فقال : أنت هكذا والرسول صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف فقال : هَلُم إليَّ فقد أحيط بك وبصاحبك . فقال : كذبت ، وأتى الرسول صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجدها قد نزلت { وَلا يَأْتُونَ } القتال إلا كارهين ، أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين ، أو لا يشهدونه إلا رياء وسمعة .
(5/25)

أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } بالخير ، أو بالقتال معكم ، أو بالغنائم إذا أصابوها ، أو بالنفقة في سبيل الله { فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ } من النبي إذا غلب ، أو من العدو إذا أقبل { سَلَقُوكُم } رفعوا أصواتهم عليكم ، أو آذوكم بالكلام الشديد والسَّلْق : الأذى ، قال الخليل : سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره { حِدَادٍ } شديدة ذربة ، جدالاً في أنفسهم ، أو نزاعاً في الغنيمة { أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } على قسمة الغنيمة ، أو الغنيمة في سبيل الله ، أو على الرسول صلى الله عليه وسلم لظفره { لَمْ يُؤْمِنُواْ } بقلوبهم { فَأَحْبَطَ اللَّهُ } ثواب حسناتهم .
(5/26)

يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
{ يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } لخوفهم وشدة جزعهم ، أو تصنعاً للرياء واستدامة للتخوف { إِلاَّ قَلِيلاً } كرهاً ، أو رياء .
(5/27)

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
{ أُسْوَةٌ } مواساة عند القتال ، أو قدوة حسنة يُتبع فيها ، والأُسوة : المشاركة في الأمر ، واساه في ماله جعل له فيه نصيباً . حثَّهم بذلك على الصبر معه في الحروب ، أو تسلية فيما أصابهم ، فإن الرسول صلى الله عليه سلم شُج وكُسرت رباعيته وقُتل عمه . { يَرْجُواْ } ثواب الله في اليوم الآخر ، أو يرجوا لقاءه بالإيمان ويصدق بالبعث . خطاب للمنافقين ، أو المؤمنين ، وهذه الأُسوة واجبة ، أو مستحبة .
(5/28)

وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
{ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ } بقوله في البقرة { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم } الآية [ البقرة : 214 ] ، أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة في قصور الحيرة ومدائن كسرى فأبشروا بالنصر فاستبشروا وقالوا : الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله . { إِيمَاناً } بالرب { وَتَسْلِيماً } لقضائه ، أو إيماناً بوعده وتسليماً لأمره .
(5/29)

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
{ عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ } بايعوا على أن لا يفروا فصدقوا في اللقاء يوم أُحد ، أو قوم لم يشهدوا بدراً فعاهدوا الله أن لا يتأخروا عن رسوله في حرب حضرها أو أمر بها ، فوفوا بما عاهدوا { قَضَى نَحْبَهُ } مات { وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ } الموت " ع " ، أو قضى عهده قتلاً ، أو عاش { وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ } أن يقضيه بقتال ، أو صدق لقاء ، أو النحب : النذر ، وعلى الأول الأجل وعلى الثاني العهد { وَمَا بَدَّلُواْ } ما غيروا كما غير المنافقون ، أو { وَمَا بَدَّلُواْ } عهدهم بالصبر ولا نكثوا بالفرار " ح " .
(5/30)

لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
{ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِنَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } بإخراجهم من النفاق ، أو يعذبهم في الدنيا ، أو في الآخرة بالموت على النفاق { أو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } بإخراجهم من النفاق حتى يموتوا تائبين .
(5/31)

وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
{ بِغَيْظِهِمْ } بحقدهم ، أو غمهم { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } لم يصيبوا ظفراً ولا مغنماً { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } بالريح الملائكة ، أو بعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه { قَوِيّاً } في سلطانه { عَزِيزاً } في انتقامه .
(5/32)

وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
{ الِّذِينَ ظَاهَرُوهُم } بنو قريظة وكان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوه ، والمظاهرة : المعاونة ، فغزاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ستة عشر يوماً من الخندق فحصرهم إحدى وعشرين ليلة فنزلوا على التحكيم في أنفسهم وأموالهم فحكموا سعداً فحكم بقتل مقاتلتهم وبسبي ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فكبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : " قضى فيهم بحكم الله " ، أو نزلوا على حكم الرسول ولم يحكم فيه سعد وإنما أرسل إليه يستشيره فقال : لو وُليت أمرهم لقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله تعالى به فيهم " { صَيَاصِيهِمْ } حصونهم لامتناعهم بها كما تمتنع البقر بصياصيها وهي قرونها ومنه صيصية الديك شوكة في ساقه . { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } بصنيع جبريل بهم { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } قتل أربعمائة وخمسين وسبى سبعمائة وخمسين ، وقيل : عرضوا عليه فأمر بقتل من احتلم ، أو أنبت .
(5/33)

وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
{ أَرْضَهُمْ } المزارع والنخيل { وَدِيَارَهُمْ } منازلهم وأموالهم المنقولة { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُهَا } مكة ، أو خيبر ، أو فارس والروم " ح " ، أو ما ظهر المسلمون عليه إلى يوم القيامة { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ } أراد فتحه من القرى والحصون { قَدِيراً } وعلى ما أراده من نقمة أو عفو .
(5/34)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
{ قُل لأَزْوَاجِكَ } لم يخيرهن في الطلاق بل خيرهن من اختيار الدنيا فيفارقهن ، أو اختيار الآخرة فيمسكهن " ح " ، أو خيرهن في الطلاق ، أو المقام معه فاخترن كلهن إلا الحميرية فإنها اختارت نفسها . وسبب تخييرهن أن الرسول صلى الله عليه سلم خُير بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة فأمره بتخييرهن ليكنَّ على مثل حاله أو لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهراً ، وأُمر بتخييرهن ، أو اجتمعن يوماً وقلن : نريد ما تريده النساء من الحلي والثياب ، حتى قال بعضهن : لو كنا عند غير الرسول صلى الله عليه وسلم لكان لنا شأن وحلي وثياب فنزلت ، أو لأن الله تعالى صان خلوة نبيه صلى الله عليه وسلم فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فأجبن إلى ذلك فأمسكهن ، أو سألته أم سلمة سِتراً معلماً وميمونة حلة يمانية وزينب ثوباً مخططاً وهو البرد اليماني وأم حبيبة ثوباً سحولياً وحفصة ثوباً من ثياب مصر وجويرية مِعجراً وسودة قطيفة فدكية فلم تطلب عائشة رضي الله تعالى عنها شيئاً فأمره الله تعالى بتخييرهن ، وكان تحته يومئذٍ تسع سوى الحميرية خمس قريشات عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وصفية بنت حُيي الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية . فلما اخترن الصبر معه على الرخاء والشدة عُوضن بأن جُعلن أمهات المؤمنين تعظيماً لحقوقهن وتأكيداً لحرمتهن ، وحُظر عليه طلاقهن أبداً وحُرم النكاح عليهن ما دام معسراً فإن أيسر ففيه مذهبان ، قالت عائشة رضى الله عنها ما مات الرسول صلى الله عليه وسلم حتى حل له النساء ، يعني اللآتي حظرن عليه ، وقَيل الناسخ لتحريمهن قوله : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ } الآية : [ الأحزاب : 50 ] .
(5/35)

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
{ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } الزنا ، أو النشوز وسوء الخلق " ع " { ضِعْفَيْنِ } عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو عذابان الدنيا ، لأذاهن للرسول صلى الله عليه وسلم حدان في الدينا غير السرقة . قال أبو عبيدة الضعفان أن تجعل الواحد ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد اثنان فكان ضعفي الواحد ثلاثة ، أو المراد بالضعف المثل والضعفان المثلان قاله ابن قتيبة قال آخرون إذا كان ضعف الشيء مثليه وجب أن يكون ضعفان أربعة أمثاله . قال ابن جبير : فجعل عذابهن ضعفين وجعل على من قذفهن الحد ضعفين .
(5/36)

وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
{ يَقْنُتْ } تطع { وَتَعْمَلْ صَالِحاً } بينها وبين ربها { مَرَّتَيْنِ } كلاهما في الآخرة ، أو أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة { رِزْقاً كَرِيماً } في الجنة ، أو في الدنيا وسعاً حلالاً .
(5/37)

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
{ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ } من نساء هذه الأمة { فَلا تَخْضَعْنَ } فلا ترققن بالقول ، أو لا ترخصن به " ع " أو تلن القول أو لا تكلمن بالرفث أو بالكلام الذي فيه ما يهوي المريب أو ما يدخل من كلام النساء في قلوب الرجال . { مَرَيضٌ } شهوة الزنا والفجور ، أو النفاق ، وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم المنافقون { مَّعْرُوفاً } صحيحاً ، أو عفيفاً ، أو جميلاً .
(5/38)

وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
{ وَقَرْنَ } من القرار في المكان وبالكسر من السكينة والوقار { تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ } التبختر ، أو كانت لهن مشية وتكسر وتغنج . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " المائلات المميلات لا يدخلن الجنة " المائلات في مشيهن والمميلات قلوب الرجال إليهن ، أو كانت المرأة تمشي بين يدي الرجال ، أو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وعنقها وقرطها فيبدوا ذلك كله منها ، أو تُبدي من محاسنها ما يلزمها ستره ، أصله من تبرج العين وهو سعتها . { الْجَاهِليَّةِ الأُولَى } بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، أو زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان أحداهن تمشي في الطريق لابسة درعاً مفرجاً ليس عليها غيره ، أو ما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام ثمانمائة سنة فكن النساء يردن الرجال على أنفسهن لحسن رجالهن وقبح نسائهن ، أو بين نوح وإدريس عليهما الصلاة والسلام ألف سنة كانت إحداهن تجمع زوجاً وخِلماً أي صاحباً فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخِلمها النصف الأعلى ، أو كان بطنان من بني آدم يسكن أحدهما الجبل رجالهم صِبَاح وفي نسائهم دمامة " وأهل السهل عكس ذلك " فاتخد لهم إبليس عيداً اختلط فيه أهل السهل بأهل الجبل فظهرت فيهم الفاحشة فذلك تبرج الجاهلية الأولى . { الرِّجْسَ } الإثم ، أو الشرك " ح " ، أو الشيطان ، أو المعاصي ، أو الشك ، أو الأقذار { أَهْلَ الْبَيْتِ } علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين قاله أربعة من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أو الأزواج خاصة ، أو الأهل والأزواج . { وَيُطَهِّرَكُمْ } من الإثم ، أو السوء ، أو الذنوب .
(5/39)

وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
{ ءَايَاتِ اللَّهِ } القرآن { وَالْحِكْمَةِ } السنة ، أو الحلال والحرام والحدود { لَطِيفاً } باستخراجها { خَبِيراً } بمواضعها .
(5/40)

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ } قالت أم سلمة للرسول صلى الله عليه وسلم : ما للرجال يُذكَرون في القرآن ولا تذكر النساء فنزلت { الْمُسْلِمِينَ } المتذللين { وَالْمُؤْمِنِينَ } المصدقين ، أو المسلمين في أديانهم ، والمسلم والمؤمن واحد ، أو الإسلام الإقرار باللسان والإيمان التصديق بالقلب ، أو الإسلام اسم الدين والإيمان التصديق به والعمل عليه . { وَالْقَانِتِينَ } المطيعين ، أو الداعين " ع " { وَالْصَّادِقِينَ } في أيمانهم أو عهودهم { وَالْصَّابِرينَ } على أمر الله ونهيه ، أو في البأساء والضراء { وَالْخَاشعِينَ } المتواضعين لله ، أو الخائفين منه ، أو المصلين { وَالْمُتَصَدِّقِينَ } بأنفسهم في طاعة الله ، أو بأموالهم في الزكاة المفروضة أو بأعطاء النوافل بعد الفرض { وَالْصًّآئِمِينَ } عن المعاصي والقبائح أو الصوم الشرعي المفروض ، أو رمضان وثلاثة أيام من كل شهر { فُرُوجَهُمْ } عن الحرام والفواحش ، أو منافذ الجسد كلها يحفظون السمع عن اللغو والخنا " والأعين عن النظر إلى ما لا يحل " والفروج عن الفواحش والأفواه عن قول الزور وأكل الحرام { وَالْذَّاكِرِينَ اللَّهَ } باللسان أو التالين لكتابه ، أو المصلين { مَّغْفِرَةً } لذنوبهم { وَأَجْراً عَظِيماً } لأعمالهم .
(5/41)

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } لما خطب الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة امتنعت هي وأخوها لأنهما ولدا عمة الرسول صلى الله عليه وسلم أُميمة بنت عبد المطلب ، وأنهما من قريش وأن زيداً مولى فنزلت فقالت زينت : أمري بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد " ع " أو نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أول من هاجر من النساء فوهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم فقال : قد قبلت فزوجها زيد بن حارثه فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها عبده { ضَلالاً مُّبِيناً } جار جوراً مبيناً ، أو أخطأ خطأ طويلاً .
(5/42)

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
{ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ } بمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالتبني ، أو بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة أتى الرسول صلى الله عليه وسلم منزله فرأى زوجته زينب بنت جحش فأعجبته فقال : سبحان مقلب القلوب ، فسمعت ذلك فجلست فجاء زيد فذكرت له ذلك فعرف أنها وقعت في نفسه فأتاه فقال : يا رسول الله إئذن لي في طلاقها فإن فيها كِبراً إنها لتؤذيني بلسانها ، فقال : اتق الله تعالى وأمسك عليك زوجك وفي نفسه صلى الله عليه وسلم غير ذلك { وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ } إيثار طلاقها ، أو الميل إليها ، أو أنه إن طلقها تزوجتها ، أو أعلمه الله بغيب أنها تكون من زوجاته قبل أن يتزوجها " ح " { وَتَخْشَى } مقالة الناس ، أو أن تبديه لهم { وَطَراً } حاجة ، أو طلاقاً والوَطَر الأرب المشتهى { زَوَّجْنَاكَهَا } فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم زيداً ، وأمره أن يخبرها أن الله تعالى زوجه إياها فجاءها فاستفتح فقالت : من هذا قال : زيد فقالت : وما حاجة زيد إليَّ وقد طلقني فقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسلني فقالت : مرحباً برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتحت فدخل وهي تبكي فقال : لا يبكي الله عينيك قد كنت نعمت المرأة إن كنت لتبري قسمي وتطيعي أمري وتشبعي مسرتي فقد أبدلك الله تعالى خيراً مني قالت : من لا أباً لك قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرت ساجدة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في عُسرة فأصدقها قربة وعباءة ورحى يد ووسادة أُدم حشوها ليف وأُؤلِمَ عليها تمر وسويق ودخل عليها بغير إذن وكانت تفخر على نسائه وتقول زوجكن أولياؤكن وآباؤكن وأما أنا فزوجني رب العرش { لِكَىْ لا يَكُونَ } قال المشركون للرسول صلى الله عليه وسلم : زعمت أن زوجة الابن لا تحل وقد تزوجت حليلة أبنك زيد . فقال الله تعالى { لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } الآية أي لا تحرم زوجة ابن الدعي { أَمْرُ اللَّهِ } تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها . { مَفْعُولاً } حكماً لازماً وقضاء واجباً .
(5/43)

مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)
{ فَرَضَ اللَّهُ لَهُ } أحله له من تزويج زينب أو من التي وهبته نفسها أن زوجه الله إياه بغير صداق ولكن أعطاها الصداق فضولاً " ح " أو أن ينكح ما شاء من عدد النساء وإن حرم على أمته أكثر من أربعة لأن اليهود عابوه بذلك . قال الطبري نكح الرسول صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ودخل بثلاث عشرة ومات عن تسع وكان القسم لثمان { سُنَّةَ اللَّهِ } السنة الطريقة المعتادة { فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ } أي لا حرج على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه فيما أحل لهم كما أحل لداود عليه الصلاة والسلام مثل هذا في نكاح ما شاء وفي المرأة التي نظر إليها وتزويجها ونكح مائة امرأة ، وأحل لسليمان عليه الصلاة السلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سُرّية { قَدَراً مَّقْدُوراً } فعلاً مفعولاً ، أو قضاء مقضياً عند الجمهور .
(5/44)

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } لما قال المشركون قد تزوج محمد امرأة ابنه أكذبهم الله تعالى بهذه الآية { وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ } آخرهم .
(5/45)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
{ اذْكُرُواْ اللَّهَ } تعالى بقلوبكم ذكراً دائماً مؤدياً إلى طاعته ، أو بألسنتكم ذكراً كثيراً بالدعاء والرغبة ، أو بالإقرار لهم بالربوبية والاعتراف بالعبودية .
(5/46)

وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
{ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأًصِيلاً } صلاة الصبح والعصر والأصيل ما بين العصر والليل ، أو الأصيل الظهر والعصر والمغرب والعشاء . { وَسَبِّحُوهُ } بالتنزيه ، أو الصلاة ، أو الدعاء .
(5/47)

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
{ يُصَلِّى عَلَيْكُمْ } صلاته ثناؤه ، أو إكرامه ، أو رحمته ، أو مغفرته وصلاة الملائكة دعاؤهم واستغفارهم { مِّنَ الظُّلُمَاتِ } من الكفر إلى الإيمان أو من الضلالة إلى الهدى ، أو من النار إلى الجنة .
(5/48)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
{ شَاهِداً } على أمتك بالبلاغ { وَمُبَشِّراً } بالجنة { وَنَذِيراً } من النار " ع " .
(5/49)

وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
{ وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ } إلى طاعته ، أو الإسلام ، أو شهادة أن لا إله إلا الله { بِإِذْنِهِ } بأمره " ع " أو علمه " ح " ، أو القرآن . { وَسِراجاً } القرآن ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { مُّنِيراً } يُهتدى به كالسراج .
(5/50)

وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)
{ فَضْلاً كَبِيراً } ثواباً عظيماً ، أو الجنة لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزل عليه { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ } الآيات [ الفتح : 1 ] الفتح قال المسلمون هنيئاً لك يا رسول الله قد غُفر لك ما تقدم وما تأخر فماذا لنا فنزلت { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } .
(5/51)

وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
{ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ } أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور والمنافقين عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق قالوا : يا محمد اذكر أن لآلهتنا شفاعة { وَدَعْ أَذَاهُمْ } دع ذكر آلهتهم أن لها شفاعة ، أو كف عن أذاهم وقتالهم قبل الأمر بالقتال ، أو اصبر على أذاهم ، أو قولهم زيد بن محمد وما تكلموا به حين نكح زينب .
(5/52)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
{ فَمَتِّعُوهُنَّ } متعة الطلاق إذا لم تُسموا لهن صداقاً فتقوم المتعة مقام نصف المسمى وقدرها نصف مهر المثل ، أو أعلاها خادم وأوسطها ثوب وأقلها ماله ثمن { سَرَاحاً جَمِيلاً } تدفع المتعة بحسب اليسار والإعسار ، أو طلاقها طاهراً من غير جماع قاله قتادة ، قلت : هذه غفلة منه لأن الآية فيمن لم يدخل بهن .
(5/53)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
{ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ } اللاتي تزوجتهن قبل هذه الآية ولا يحل غيرهن لقوله { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء } الآية : [ الأحزاب : 52 ] . أو أحل له بهذه الآية سائر النساء قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وينسخ بها قوله { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ } الآية : [ الأحزاب : 52 ] إذ أحل له فيها من سماه من النساء دون من لم يُسمَّ { مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } فكان من الإماء مارية { مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ } من الغنيمةَ صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما وبنات عمه وعماته وبنات خاله وخالاته . قاله أُبي بن كعب { هَاجَرْنَ } أسلمن ، أو هاجرن إلى المدينة قالت أم هانىء نزلت هذه الآية فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني فَنُهي عني لاني لم أهاجر وهذه الهجرة شرط في نكاحه لبنات عمه وعماته المذكورات في الآية خاصة بهن ، أو شرط في نكاح القريبات والأجنبيات فلا يجوز له أن ينكح غير مهاجرة . { وَهَبَتْ نَفْسَهَا } لم يكن عنده امرأة وهبته نفسها " ع " وهو تأويل من كسر " إِنْ " ، أو كانت عنده على قول الجمهور ، وهو تأويل من فتحها ، أو من فتح أراد امرأة يعينها من وهبت نفسها حل له نكاحها ومن كسر أراد كل امرأة تهب نفسها فإنه يحل نكاحها . والواهبة التي كانت عنده . أم شريك بنت جابر بن ضباب ، أو خولة بن حكم أو ميمونة بنت الحارث " ع " ، أو زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة الأنصار { خَالِصَةً لَّكَ } تزوج الواهبة بغير ولي ولا مهر ولا يلزمك لها صداق ، أو يصح نكاحك لها بلفظ الهبة { مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ } من ولي وشاهدين وصداق ، أو أن لا يجاوزوا الأربع ، أو النفقة والقسمة . { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي حللناهن من غير عدد محصور ولا قسم مستحق . { لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } متعلق بقوله { أَحْلَلْنَا لَكَ } ، أو بقوله { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةَ إِن وَهَبَتْ } .
(5/54)

تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
{ تُرْجى } تطلق { وَتُئْوِى } تمسك " ع " ، أو تترك نكاح من تشاء وتنكح من تشاء " ح " ، أو تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها وتأتي من شئت منهن فلا تعزلها وهذا يدل على سقوط القسم عنه ، أو تعزل من تشاء من أزواجك وتضم إليك من تشاء من أزواجك ولما بلغ بعضهن أنه يريد أن يخلي سبيلهن أتينه فقلن : لا تخل سبيلنا وأنت في حل مما بيننا وبينك فأرجى سودة وميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء وآوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكان قسمه من ماله ونفسه فيهن سواء . { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ } فأويته إليك { مِمَّنْ عَزَلْتَ } أن تئويه إليك { فَلآ جُنَاحَ عَلَيْكَ } فيمن ابتغيت وفيمن عزلت ، أو فيمن عزلت أن تئويه إليك { ذّلِكَ أَدْنَى } إذا علمن أنه لا يطلقهن قرت أعينهن ولم يحزنّ أو إذا علمن أنه لا يتزوج عليهن قَرَّت أعينهن ولم يحزنَّ ، أو إذا علمن هذا حكم الله قَرَّت أعينهن ، أو إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرت أعينهن .
(5/55)

لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
{ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءَ مِن بَعْدُ } نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة " ع " فقصر على التسع ومنع من غيرهن أو لا يحل لك النساء بعد اللاتي حللن لك بقوله { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزوَاجَكَ } إلى قوله { إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا } [ الأحزاب : 50 ] فقصر الإباحة على بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات والمهاجرات معه . قاله أُبي بن كعب ، أو لا يحل لك النساء من بعد المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات ويحل ما سواهن من المسلمات . { وَلآ أَن تَبَدَّلَ } بالمسلمات مشركات ، أو ولا أن تطلق زوجاتك لتستبدل بهن من أعجبك حسنهن قيل التي أعجبه حسنها أسماء بن عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب ، أو ولا أن تبدل بأزواجك زوجات غيرك ، كانوا في الجاهلية يتبادلون بالأزواج فيعطي أحدهم زوجته لرجل ويأخذ زوجته بدلاً منها . قاله ابن زيد .
(5/56)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
{ لا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىِّ } مر الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه وعندهن رجال يتحدثون وكان حديث عهد بزينب بنت جحش فهنينه وهنأه الناس فأتى عائشة رضي الله عنها فإذا عندها رجال يتحدثون فكره ذلك وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه فلما كان العشي صعد المنبر وتلا هذه الآية . { نَاظرِينَ إِنَاهُ } منتظرين نضجه ، أو متوقعين بحينه ووقته { وَلا مُسْتَئْنِسِينَ } لما أهديت زينب للرسول صلى الله عليه وسلم صنع طعاماً ودعا قوماً فدخلوا وزينب مع الرسول صلى الله عليه وسلم فجعلوا يتحدثون وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود : فنزلت { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُواْ } { فَيَسْتَحْىِ مِنكُمْ } أن يخبركم به { وَاللَّهُ لا يَسْتَحْىِ مِنَ الْحَقِّ } أن يأمركم بهم { مَتَاعاً } حاجة ، أو صحف القرآن أو عارية أُمرن وسائر النساء وبالحجاب كان الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله تعالى عنها يأكلان حيساً في قعب فَمَرَّ عمر رضي الله تعالى عنه فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبع عائشة فقال حسبي لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ، أو كن يخرجن للتبرز إلى المناصع وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : أحجب نساءك فلم يكن يفعل فنزل الحجاب ، أو أمرهن عمر بالحجاب فقالت زينب : يا عمر إنك لتغار علينا وإن الوحي ينزل في بيوتنا فنزل الحجاب { وَلا أَن تَنكِحُواْ } لما نزل الحجاب قال قرشي من بني تميم حجبنا الرسول عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت ولتحريمهن بعده وجبت نفقاتهن من بيت المال وفي وجوب العدة عليهن مذهبان لأن العدة تربص للإباحة ولا إباحة في حقهن .
(5/57)

لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
{ لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ } في ترك الحجاب ، أو في وضع الجلباب . لما نزلت { فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } قال الآباء والأبناء فقالوا : يا رسول الله نحن لا نكلمهن أيضاً إلا من وراء حجاب فنزلت قال الشعبي : لم يذكر العم لأنها تحل لابنه فيصفها له . { نِسَآئِهِنَّ } عام ، أو المسلمات دون المشركات { مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } الإماء خاصة ، أو الإماء والعبيد فيحل للعبيد ما يحل للمحرم ، أو ما لا يواريه الدرع من ظاهر يديها .
(5/58)

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
{ يُصَلُّونَ } صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء ، أو صلاة الملائكة أن يباركوا عليه " ع " وقولنا اللهم صل على محمد أي زده بركة ورحمة قيل : لما نزلت قال المسلمون : فما لنا يا رسول الله فنزلت { هُوَ الذى يُصَلِّي عَلَيْكُمْ } الآية [ الأحزاب : 43 ] .
(5/59)

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أصحاب التصاوير ، أو الذين طعنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم لما اتخذ صفية بنت حيي أو قوم من المنافقين كانوا يكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم ويبهتونه { يُؤذُونَ اللَّهَ } أي أولياءه ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، جَعْله أذاه أذى له تشريفاً لمنزلته ، أو ما روى من قوله سبحانه وتعالى " شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أما شتمه إياي فقوله إن لي صاحبة وولداً وأما تكذيبه إياي بقوله لن يعيدني كما بدأني " لعنوا في الدنيا بالقتل والجلاء وفي الآخرة بالنار .
(5/60)

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ } نزلت في الزناة كانوا يرون المرأة فيغمزونها ، أو في قوم كانوا يؤذون علياً رضي الله تعالى عنه ويكذبون عليه ، أو في أهل الإفك .
(5/61)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)
{ جَلابِيبِهِنَّ } الجلباب : الرداء ، أو القناع أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وإدناؤه أن تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها ، أو تغطي به وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى { يُعْرَفْنَ } من الإماء بالحرية أو من المتبرجات بالصيانة . قال قتادة : كانت الأَمَةَ إِذا مرَّت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله تعالى الحرائر أن يتشبهن بهن .
(5/62)

لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)
{ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ } عن أذية نساء المسلمين ، أو عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق " ح " { وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } الزناة ، أو أصحاب الفواحش والقبائح { وَالْمُرْجِفُونَ } الذي يكايدون النساء ويتعرضون لهن ، أو ذاكرو الأخبار المضعّفة لقلوب المؤمنين المقوية لقلوب المشركين ، أو الإرجاف التماس الفتنة " ع " وسميت الأراجيف لاضطراب الأصوات فيها وإفاضة الناس فيها { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } لنسلطنك عليهم ، أو لنعلمنك بهم ، أو لنحملنك على مؤاخذتهم { إِلاَّ قَلِيلاً } بالنفي عن المدينة والقليل ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم .
(5/63)

سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
{ سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ } بأن من أظهر الشرك قُتل ، أو من زنا حُدَّ أو من أظهر النفاق أُبعد { تَبْدِيلاً } تحويلاً وتغييراً ، أو من قتل بحق فلا دِية على قاتله .
(5/64)

وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)
{ سَادَتَنَا } الرؤساء ، أو الأمراء ، أو الأشراف { وَكُبَرَآءَنَا } العلماء أو ذوو الأسنان مأثور { السَّبِيلاْ } طريق الإيمان و { الرَّسُولاْ } و { السَّبِيلاْ } مخاطبة يجوز ذلك فيها عند العرب ، أو لفواصل الآي . قيل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم اثنا عشر رجلاً من قريش .
(5/65)

رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)
{ ضِعْفَيْنِ } من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو عذاب الكفر وعذاب الإضلال . { لَعْناً كَبِيراً } عظيماً وبالثاء لعناً على إثر لعن .
(5/66)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
{ لا تَكُونُواْ } في أذية محمد صلى الله عليه وسلم بقولكم زيد بن محمد ، أو بقول الأنصاري إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله تعالى { ءَاذَوْاْ مُوسَى } رموه بالسحر والجنون ، أو بالأُدرة والبرص في حديث اغتساله خلوا ، أو صعد مع هارون الجبل فمات هارون فقالوا لموسى أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حباً فأمر الله الملائكة فحملته ومرت به على مجالسهم وتكلمت الملائكة بموته ثم دفنته قال علي رضي الله عنه : ومات هارون في التيه ومات موسى بعد انقضاء مدة التيه بشهرين { وَجِيهاً } مقبولاً ، أو مستجاب الدعوة " ح " ن أو ما سأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إلا النظر . والوجيه : مشتق من الوجه لأنه أرفع الجسد .
(5/67)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
{ سَدِيداً } عدلاً ، أو صدقاً ، أو صواباً أو قول لا إله إلا الله ، أو يوافق باطنه ظاهره ، أو ما أريد به وجه الله تعالى دون غيره .
(5/68)

يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)
{ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } بالقبول ، أو بالتوفيق لها .
(5/69)

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
{ الأَمَانَةَ } ما أُمروا به ونهوا عنه ، أو الفرائض والأحكام الواجبة على العباد " ع " أو ائتمان النساء والرجال على الفروج ، أو الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها ، أو ما أودعه في هذه المخلوقات من الدلائل على الربوبية أن يظهروها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها ، وعرضها إظهار ما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها ، أو عورضت بالسماوات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها ، أو عرض الله تعالى حلمها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها فعرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال " ع " ، أو على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة " ح " { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } حذراً { وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ } تقصيراً ، أو أبَيْنَ حملها عجزاً وأشفقن منها خوفاً { وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ } الجنس ، أو آدم عليه الصلاة والسلام ثم انتقلت إلى ولده " ح " لما عرضت عليهن قلن وما فيها قيل إن أحسنت جُوزيتِ وإن أسأت عُوقبتِ قالت لا ، فلما خلق آدم عليه الصلاة والسلام عرضها عليه فقال وما هي قال إن أحسنت أجرتك وأن أسأت عذبتك قال فقد حملتها يا رب ، فما كان بين أن حملها إلى أن خرج من الجنة إلا كما بين الظهر والعصر { ظَلُوماً } لنفسه { جَهُولاً } بربه " ح " ، أو ظلوماً في خطيئته جهولاً بما حَمَّل ولده من بعده ، أو ظلوماً بحقها جهولاً بعاقبة أمره .
(5/70)

لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
{ لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ والْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ } بالشرك والنفاق ، أو لخيانتهما الأمانة { وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يتجاوز عنهم بأداء الأمانة { غَفُوراً } لمن تاب من الشرك { رَّحِيماً } بالهداية .
(5/71)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)
{ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ } خلقاًن ، أو ملكاً { الْحَمْدُ فِى الأَخِرَةِ } حمد أهل الجنة { الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن } [ فاطر : 34 ] { الحمد للَّهِ الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ } [ الزمر : 74 ] ، أو له الحمد في السماء والأرض لأنه خلق السموات قبل الأرض فصارت هي الأولى والأرض الآخرة ، أو له " الحمد في الأولى على الهداية " وفي الآخرة على الثواب والعقاب . { الْحَكِيمُ } في أمره { الْخَبِيرُ } بخلقه .
(5/72)

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)
{ يَلِجُ فِى الأَرْضِ } المطر و { يَخْرُجُ مِنْهَا } النبات ، أو الوالج الأموات والخارج الذهب الفضة والمعادن ، أو الوالج البذور الخارج الزرع . { وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ } من الملائكة { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } منهم ، أو النازل القضاء والعارج العمل ، أو النازل المطر والعارج الدعاء .
(5/73)

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
{ سَعَوْ فِى ءَايَاتِنَا } بالجحد ، أو التكذيب { مُعَاجِزِينَ } مسابقين أو مجاهدين ، أو مراغمين مشاقين " ع " ، أو لا يعجزونني هرباً ولا يفوتونني طلباً { معجّزين } مثبطين الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو مضعفين الله أن يقدر عليهم ، أو معجزين من آمن بإضافة العجز إليه { مِّن رِّجْزٍ } من عذاب أليم .
(5/74)

وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)
{ الَّذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ } أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو مؤمنو أهل الكتاب { الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ } القرآن { صِرَاطِ الْعَزِيزِ } دين الإسلام مأثور ، أو طاعة الله تعالى وسبيل مرضاته .
(5/75)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } بالبعث . قيل : قاله أبو سفيان لأهل مكة فأجاب بعضهم بعضاً . { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ } يعنون قائل هذا إما مجنون ، أو كذاب . فرد الله تعالى عليهم بقوله : { بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } بالبعث { فِى الْعَذَابِ } في الأخرة { وَالْضَّلالِ الْبَعِيدِ } في الدنيا .
(5/76)

أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
{ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من السماء والأرض كيف أحاطت بهم لأنهم كيف ما نظروا عن يمين وشمال ووراء وأمام رأوهما محيطتين بهم ، أو ما بين أيديهم : من هلك من الأمم الماضية في أرضه { وَمَا خَلْفَهُم } من أمر الآخرة في سمائه { كِسَفاً } عذاباً ، أو قِطعاً إن شاء عذب بسمائه ، أو بأرضه . فكل خلقه له جند { مُّنِيبٍ } مجيب ، أو مقبل بتوبته ، أو مستقيم إلى ربه ، أو مخلص بالتوحيد .
(5/77)

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
{ فَضْلاً } نبوة ، أو زبوراً ، أو قضاء بالعذاب ، أو فطنة وذكاء ، أو رحمة الضعفاء ، أو حسن الصوت ، أو تسخير الجبال والطير { أَوِّبِى } سبحي معه " ع " أو سيري " ح " ، والتأويب سير النهار كله ، أو سير الليل كله ، أو سير النهار كله دون الليل . أو رجِّعي معه إذا رجع { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } فكان يعمل به كالعمل بالطين لا يدخله النار ولا يعمل بمطرقة .
(5/78)

أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
{ سَابِغَاتٍ } دروعاً تامة . إسباغ النعمة تمامها { وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ } عدل المسامير في الحِلَق فلا تصغرها فتسلس ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنقصم الحقلة ، أو لا تجعل الحلق واسعة فلا تقي صاحبها . والسرد المسامير التي في الحلق من سرد الكلام سرداً إذا تابع بينه ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة سرد وواحد فرد ، أو النقب الذي في الحلق " ع " فكان يرفع كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم ألفان لأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبز حواري { وَاعْمَلُواْ صَالِحاً } قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ع " ، أو جميع الطاعات .
(5/79)

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
{ غُدُوُّهَا } إلى نصف النهار شهر { وَرَوَاحُهَا } إلى آخره شهر في كل يوم شهران . قال الحسن : كانت تغدوا من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع وتروح فيبيت بكابل وبينهما شهر للمسرع { عَيْنَ الْقِطْرِ } سال له القِطر من صنعاء اليمن ثلاثة أيام . كما يسيل الماء ، أو هي عين الشام والقطر النحاس " ع " ، أو الصفر { بِإِذْنِ رَبِّهِ } بأمر ربه . { يَزِغْ } يمل { عَنْ أَمْرِنَا } طاعة الله تعالى ، أو ما يأمر به سليمان عليه الصلاة والسلام لأن أمره كأمر الله { نُذِقْهُ } في الآخرة ، أو الدنيا ولم يُسخِّر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا تركهم وكان مع المسخرين ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه بذلك السوط { السَّعِيرِ } النار المسعورة .
(5/80)

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
{ مَّحَارِيبَ } القصور ، أو المساجد ، أو المساكن ومحراب الدار أشرف موضع فيها . { وَتَمَاثِيلَ } الصور ولم تكن محرمة وكانت من نحاس ، أو من رخام وشِبْه ، صور الأنبياء الذين كانوا قبله ، أو طواويس وعقباناً ونسوراً على كرسيه ودرجات سريره ليهاب من شاهدها أن يتقدم . { كَالْجَوَابِ } كالحياض ، أو الجوبة من الأرض ، أو كالحائط . { رَّاسِيَاتٍ } عظام ، أو أثافيها منها " ع " ، أو ثابتات لا يزلن عن مكانهن وذكر أنها باقية باليمن آية وعبرة { شُكْراً } توحيداً ، أو تقوى وطاعة ، أو صوم النهار وقيام الليل . فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها منهم قائم ، أو اعملوا عملاً تستوجبون عليه الشكر أو اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية ، أو قال لما أمر بالشكر : إلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك عليّ فقال : الآن شكرتني حين علمت أن النعم مني { الشَّكُورُ } المؤمن الموحد " ع " ، أو المطيع ، أو ذاكر النعمة . والشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره ، أو الشاكر على النعم والشكور على البلوى ، أو الشاكر من غلب خوفه والشكور من غلب رجاؤه .
(5/81)

فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ } وقف في المحراب يصلي متوكئاً على عصاهُ فمات وبقي قائماً على العصا سنة وكان سأل ربه أن لا يعلم الجن موته إلا بعد سنة لأنه كان قد بقي من إتمام عمارة بيت المقدس سنة ، أو لأن الجن ذكرت للإنس أنها تعلم الغيب فطلب ذلك ليلعلم للإنس أن الجن لا يعلمون الغيب مأثور ، أو لم يمت إلا على فراشه وكان الباب مغلقاً عليه كعادته في عبادته فأكلت الأرَضَة العتبة بعد سنة فخر الباب ساقطاً وكان سليمان يعتمد على العبتة إذا جلس " ع " { دَآبَّةُ الأَرْضِ } الأرضة " ع " أو دابة تأكل العيدان يقال لها القادح { مِنسَأَتَهُ } العصا بلغة الحبشة ، أو مأخوذ من نسأت الغنم إذا سقتها { تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ } المسخرين أنهم لو علموا الغيب { مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ } أو تبينت الإنس أن الجن لو علموا الغيب { مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ } سنة ، أو أوهمهم الجن أنهم يعلمون الغيب فدخل عليهم شُبْهة فلما خَرَّ عرفوا كذبهم وزالت الشُّبهة .
(5/82)

لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
{ لِسَبَإٍ } أرض باليمن يقال لها مأرب ، أو قبيلة سموا بأسم أبيهم ، أو أمهم وبعث إليهم ثلاثة عشر نبياً { جَنَّتَانِ } أحدهما عن يمين الوادي والأخرى عن شماله { ءَايَةٌ } كانت المرأة تمشي ومكتلها على رأسها فيمتلىء وما مسته بيدها ، أو لم يكن في قريتهم ذباب ولا بعوض ولا برغوث ولا بق ولا حية ولا عقرب ويأتيهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فتموت تلك الدواب { كُلُواْ مِن رِّزْقِ } الجنتين { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } قيل هي صناء .
(5/83)

فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
{ فَأَعْرَضُواْ } عن اتباع الرسل { الْعَرِمِ } المطر الشديد " ع " أو المسناة بالحبشية ، أو العربية ، أو اسم واد تجتمع فيه المياه من أودية سبأ فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له أبواباً يأخذون منه ما شاءوا فلما تركوا أمر الله تعالى بعث عليه جرذاً يقال له الخلد فخرقه فأغرق بساتينهم وأفسد أرضهم ، أو ماء أحمر أرسل في السد فخرقه وهدمه ، أو الجرذ الذي نقب السد . { جَنَّتَيْنِ } ليزدوج الكلام كقوله { فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ } لأنهما لم يتبدلا بجنتين { أُكُلٍ } البرير ثمر الخمط ، أو اسم لثمر كل شجرة { خَمْطٍ } الآراك " ع " ، أو كل شجر ذي شوك ، أو كل نبت مُرٍّ لا يمكن أكله . { وَأَثْلٍ } الطرفاء " ع " ، أو شيء يشبه الطرفاء ، أو شجر النضار ، أو شجرة حطب لا يأكلها شيء ، أو السَّمُر .
(5/84)

وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)
{ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } بيت المقدس " ع " ، أو الشام بورك فيها بالمياه والثمار والأشجار . قيل : إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية { قُرىً ظَاهِرَةً } متصلة ينظر بعضهم إلى بعض " ح " ، أو عامرة ، أو كثيرة الماء ، أو قريبة وهي السَّرْوات ، أو قرى بصنعاء ، أو قرى ما بين مأرب والشام { وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أي المبيت والمقيل ، أو كانوا يصبحون في قرية ويمسون في آخرى " ح " ، أو جعل ما بين القرية والقرية مقداراً واحداً . { ءَامِنِينَ } من الجوع والضمأ أو من الخوف كانوا يسيرون أربعة أشهر آمنين لا يحرك بعضهم بعضاً ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه .
(5/85)

فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
{ بَاعِدْ بَيْنَ أًسْفَارِنَا } قالوا ذلك ملالاً للنعم كما مَلَّ بنوا إسرائيل المن والسلوى " ح " ، أو قالوا لو كانت ثمارنا أبعد مما هي كانت أشهى وأحلى ، أو طلبوا الزيادة في عمارتهم حتى تبعد أسفارهم فيها . فيكون ذلك طلباً للكثرة والزيادة { وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بقولهم : { بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } ، أو بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين " ح " أو بتكذيب ثلاثة عشر نبياً وقالوا لرسلهم لما ابتلوا قد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض { أَحَادِيثَ } يتحدث بما كانوا فيه من نعم وما صاروا إليه من هلاك حتى ضرب بهم المثل فقيل : تفرقوا أيادي سبأ . { وَمَزَّقْنَاهُمْ } بالهلاك فصاروا تراباً تذروه الريح ، أو مزقوا بالتفرق فلحقت غسان بالشام وخزاعة بمكة والأوس والخزرج بالمدينة والأزد بِعُمان .
(5/86)

وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)
{ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } لما أُهبط آدم وحواء قال إبليس : أَما إذْ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف ظناً منه فصدق ظنه " ح " ، أو قال : خلقت من نار وآدم من طين والنار تحرق كل شيء { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } [ الإسراء : 62 ] فصدق ظنه " ع " ، أو قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم عليَّ إنك لا تجد أكثرهم شاكرين ظناً منه فصدق ظنه ، أو ظن أنه أن أغواهم وأضلهم أجابوه وأطاعوه فصدق ظنه { فَاتَّبَعُوهُ } الضمير للظن ، أو لإبليس " ح " .
(5/87)

وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
{ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } في الشفاعة ، أو فيمن يشفع له { فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } جُلي عنها الفزع ، أو كُشف عنها الغطاء يوم القيامة ، أو دعوا فأجابوا من قبورهم من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعاً والمجيب فزعاً ، أو فزع من قلوب الشياطين ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم ، أو الملائكة فزعوا لسماع الوحي من الله لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد فخروا سجداً خوف القيامة ف { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ } أي الوحي وفُرِّغ بالمعجمة من شك وشرك يوم القيامة فقالت لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا قالوا : الحق .
(5/88)

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَات } المطر ومن الأرض النبات ، أو رزق السموات ما قضاه من أرزاق عباده ورزق الأرض ما مكنهم فيه من مباح . { وَإِنَّآ } نحن على هدى ، وإياكم في ضلال ، فتكون أو بمعنى الواو ، أو معناه أحدنا على هدى والآخر على ضلال كقول القائل بل أحدنا كاذب دفعاً للكذب عن نفسه وإن أحدنا لصادق إضافة للصدق إلى نفسه ودفعاً له عن صاحبه ، أو معناه الله يرزقنا وإياكم كنا على هدى ، أو في ضلال مبين .
(5/89)

قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
{ يَفْتَحُ } يقضي لأنه بالقضاء يفتح وجه الحكم { بِالْحَقِّ } بالعدل { الْعَلِيمُ } بالحكم ، أو بما يخفون ، أو بخلقه .
(5/90)

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
{ كَآفَّةً لِّلْنَّاسِ } كافاً لهم عن الشرك والهاء للمبالغة أو أرسلناك إلى الجميع تضمهم ومنه كف الثوب لضم طرفيه ، أو ما أرسلناك إلا كافتهم أي جميعهم " ع " .
(5/91)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } مشركو العرب ، أو أبو جهل { بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } التوراة والإنجيل ، أو الأنبياء والكتب ، أو أمر الآخرة .
(5/92)

وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
{ بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ } بل عملكم في الليل والنهار ، أو معصية الليل والنهار ، أو غركم اختلافهما ، أو مَرُّهما ، أو مكركم فيهما . { أَندَاداً } أشباهاً ، أو شركاء .
(5/93)

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)
{ مُتْرَفُوهَآ } جبّاروها ، أو أغنياؤها ، أو ذوو التنعم والبطر .
(5/94)

وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
{ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً } قالوه للأنبياء والفقراء .
(5/95)

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
{ يَبْسُطُ الرِّزْقَ } يوسعه { وَيَقْدِرُ } يقتر عليه يبسط على هذا مكراً به ويقتر على الآخر نظراً له أو لخير له أو ينظر له { لا يَعْلَمُونَ } أن البسط والإقتار بيده .
(5/96)

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
{ زُلْفَى } قربى ، والزلفة القربة { جَزَآءُ الضِّعْفِ } الحسنة بعشر والدرهم بسبعمائة ، أو الغني التقي يؤتى أجره مرتين بهذه الآية { ءَامِنُونَ } من النار ، أو من انقطاع النعم ، أو الموت ، أو الأحزان والأسقام .
(5/97)

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
{ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } إذا شاء ورآه صلاحاً كإجابة الدعاء ، أو يخلفه بالأجر في الآخرة إذا أنفق في الطاعة ، أو معناه فهو أخلفه لأن نفقته من خلف الله تعالى ورزقه .
(5/98)

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)
{ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } المشركون ومن عبدوه من الملائكة { أَهَؤُلآءِ } استفهام تقرير .
(5/99)

قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
{ أَنتَ وَلِيُّنَا } الذي نواليه بالطاعة ، أو ناصرنا { يَعْبُدُونَ الْجِنَّ } يطيعونهم في عبادتنا .
(5/100)

وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
{ وَمَآ ءَاتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ } ما نُزِّل على مشركي قريش كتاباً قط { يَدْرُسُونَهَا } فيعلمون أن الذي جئت به حق ، أو باطل ، أو فيعلمون أن لله شركاء كما زعموا { مِن نَّذِيرٍ } ما جاءهم رسول قط غيرك .
(5/101)

وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
{ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ } ما عملوا معشار ما أمروا به " ع " ، أو ما أُعطي من كذب محمداً صلى الله عليه وسلم معشار ما أُعطي من قبلهم من القوة والمال ، أو ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما آتيناهم ، أو ما أعطي من قبلهم معشار ما أعطي هؤلاء من البيان والعلم والبرهان " ع " فلا أمة أعلم من أمته ولا كتاب أبين من كتابه . والمعشار والعشر واحد ، أو المعشار عشر العشر وهو العشير ، أو عشر العشير والعشير عشر العشر فيكون جزءاً من ألف . { نكيري } : عقابي تقديره فأهلكتهم فكيف كان نكيري .
(5/102)

قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
{ بِوَاحِدَةٍ } طاعة الله تعالى ، أو قول لا إله إلا الله { أَن تَقُومُواْ } بالحق كقوله { وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط } [ النساء : 127 ] { مَثْنَى وَفُرَادَى } جماعة وفرادى أو منفرداً برأيه ومشاوراً لغيره مأثور ، أو مناظراً لغيره ومفكراً في نفسه .
(5/103)

قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
{ مِّنْ أَجْرٍ } من مودة لأنه سأل قريشاً أن يكفوا عن أذاه حتى يبلغ الرسالة " ع " ، أو جُعْل { شَهِيدٌ } أن ليس بي جنون ، أو أني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
(5/104)

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)
{ يَقْذِفُ } يتكلم ، أو يوحي ، أو يلقي { بِالْحَقِّ } الوحي أو القرآن و { الْغُيُوبِ } الخفيّات .
(5/105)

قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)
{ جَآءَ الْحَقُّ } بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو القرآن ، أو الجهاد بالسيف { الْبَاطِلُ } الشيطان ، أو إبليس ، أو دين الشرك { وَمَا يُبْدِئُ } لا يخلق ولا يبعث ، أو لا يحيي ولا يميت ، أو لا يثبت إذا بدا ولا يعود إذ زال .
(5/106)

وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)
{ فَزِعُواْ } في القيامة أو في الدنيا عند رؤية بأس الله ، أو يُخسف بجيش في البيداء فيبقى منهم حل فيُخبر بما لقي أصحابه فيفزع الناس ، أو فزعهم ببدر لما ضُربت أعناقهم فلم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة ، أو فزعهم في القبور من الصيحة " ح " { فَلا فَوْتَ } فلا نجاة " ع " ، أو لا مهرب ، أو لا سبق . { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } من تحت أقدامهم ، أو يوم بدر ، أو جيش السفياني " ع " ، أو عذاب الدنيا ، أو حين خرجوا من القبور " ح " أو يوم القيامة .
(5/107)

وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
{ ءَامَنَّا بِهِ } بالله تعالى أو البعث ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { التَّنَاوُشُ } الرجعة " ع " .
تمنى أن تؤوب إليَّ ميّ ... وليس إلى تناوشها سبيل
أو التوبة ، أو التناول نشته أنوشه نوشاً إذا تناوله من قريب ، تناوش القوم تناول بعضهم بعضاً والتحم بينهم القتال { مَّكَانٍ بَعِيدٍ } من الآخرة إلى الدنيا أو ما بين الآخرة والدنيا ، أو عُبِّر به عن طلبهم للأمر من حيث لا ينال " ح " .
(5/108)

وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
{ كَفَرُواْ بِهِ } بالله تعالى ، أو البعث أو الرسول صلى الله عليه وسلم { مِن قَبْلُ } في الدنيا ، أو قبل العذاب . { وَيَقْذِفُونَ } يرجمون بالظن في الدنيا فيقولون لا بعث ولا جنة ولا نار " ح " ، أو يطعنون في القرآن ، أو في الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر ، أو شاعر . سماه قذفاً لخروجه في غير حقه .
(5/109)

وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ } وبين الدنيا ، أو بينهم وبين الإيمان " ح " ، أو التوبة أو طاعة الله تعالى أو بين المؤمن وبين العمل وبين الكافر وبين الإيمان . قاله ابن زيد { بِأَشْيَاعِهِم } أوائلهم من الأمم الخالية أو أصحاب الفيل لما أرادوا هدم الكعبة ، أو أمثالهم من الكفار لم يقبل لهم توبة عند المعاينة { فِى شَكٍّ } من نبيهم فلا يعرفونه أو من نزول العذاب بهم .
(5/110)

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
الفطر : الشق عن الشيء بإظهاره للحسِّ . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال : أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ففاطر السموات والأرض خالقهما ، أو شقها بما ينزل فيها وما يعرج منها . { رُسُلاً } إلى الأنبياء ، أو إلى العباد برحمة ، أو نقمة { مَّثْنَى } لبعض جناحان ولبعض ثلاثة ولآخرين أربعة { يَزِيدُ فِى } أجنحة الملائكة ما يشاء ، أو حسن الصوت ، أو الشعر الجعهد .
(5/111)

مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
{ مِن رَّحْمَةٍ } من خير ، أو مطر ، أو توبة " ع " ، أو وحي " ح " ، أو دعاء ، أو رزق مأثور .
(5/112)

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
{ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ } اليهود والنصارى والمجوس ، أو الخوارج ، أو الشيطان أو قريش . نزلت في أبي جهل ، أو العاص بن وائل . وفيه محذوف تقديره فهو يتحسر عليه يوم القيامة ، أو كمن آمن وعمل صالحاً ، أو كمن علم الحسن من القبيح .
(5/113)

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
{ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } وهي المنعة فليتعزَّز بطاعة الله تعالى ، أو من يرد علم العزة لمن هي { فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ } لما اتخذوا آلهة ليكونوا لهم عِزًا أخبرهم الله تعالى أن العزة له جميعاً { الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } التوحيد ، أو الثناء على الله تعالى يصعد به الملائكة المقربون { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } يرفعه الكلم الطيب ، أو العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، أو يرفع الله تعالى العمل الصالح لصاحبه { السَّيِّئَاتِ } الشرك { يَبُورُ } يفسد عند الله تعالى ، أو يهلك البوار : الهلاك ، أو يبطل .
(5/114)

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
{ مِّن تُرَابٍ } آدم { مِن نُّطْفَةٍ } نسله { أَزْوَاجاً } زَوَّج بعضكم ببعض أو ذكوراً وإناثاً وكل واحد معه آخر من شكله فهو زوج { وَمَا يُعَمَّرُ } ما يمد عمر أحد حتى يهرم ولا ينقص من عمر آخر فيموت طفلاً ، أو ما يعمر معمر قدر الله تعالى أجله إلاَّ كان ما نقص منه من الأيام الماضية في كتاب الله تعالى . قال ابن جبير : كتب الله تعالى الأجل في أول الصحيفة ثم يكتب في أسفلها ذهب يوم كذا ذهب يوم كذا حتى يأتي على أجله ، وعمر المعمر ستون سنة ، أو أربعون ، أو ثماني عشرة { إِنَّ ذَلِكَ } إن حفظه بغير كتاب هين على الله تعالى .
(5/115)

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
{ فُرَاتٌ } أي عذب كقولهم حسن جميل { أُجَاجٌ } مُرّ من أجة النار كأنه يحرق لمرارته { لَحْماً طَرِيّاً } الحيتان منهما { وَتَسْتَخْرِجُونَ } الحلية من الملح دون العذب ، أو في البحر الملح عيون عذبة يخرج اللؤلؤ فيما بينهما عند التمازج ، أو من مطر السماء و { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } بالتجارة في الفلك .
{ وَلا تَزِرُ } لا تحمل نفس ذنوب أخرى ومنه الوزير لتحمله أثقال الملك بتدبيره { وَإِن تَدْعُ } نفس مثقلة بالذنوب إلى تحمل ذنوبها لم تجد من يحمل عنها شيئاً وإن كان المدعو للتحمل قريباً مناسباً ولو تحمل ما قبل تحمله لقوله تعالى { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ } { بِالْغَيْبِ } في السر حيث لا يراه أحد أو في التصديق بالآخرة .
(5/116)

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
{ وَمَا يَسْتَوِى الأَعْمَى } [ فيه قولان أحدهما : أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير ولا تستوي الظلمات ولا النور ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر . قاله قتادة . الثاني : أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا يستوي ] ظل الجنة وحرور النار ، والحرور : الريح الحارة كالسموم قال الفراء : الحرور بالليل والنهار والسموم [ لا يكون إلا بالنهار ] وقال : لا يكون الحرور إلا مع شمس النهار والسموم يكون بالليل والنهار وقيل : الحرور الحر والظل البرد .
(5/117)

وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
{ وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَآءَ } كما لا يستوي الحي والميت فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر أو الأحياء المؤمنون أحياهم إيمانهم والأموات الكفار أماتهم كفرهم أو العقلاء والجهال " ولا " صلة مؤكدة أو نافية . { يُسْمِعُ } يهدي { مَّن فِى الْقُبُورِ } كما لا تسمع الموتى كذلك لا تسمع الكافر أو لا تسمع الكافر الذي أماته الكفر حتى أقبره في كفره .
(5/118)

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
{ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا } سلف فيها نبي قيل : إلا العرب .
(5/119)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
{ جُدَدٌ } جمع جُدة وهي الخطط و { وَغَرَابِيبُ } الغريب الشديد السواد . كلون الغراب قيل تقديره سودٌ غرابيب .
(5/120)

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
{ كَذَلِكَ } أي مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود ، أو كما اختلف ألوان ما ذكرت فكذلك تختلف أحوال العباد من الخشية ثم استأنف فقال : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَآؤُاْ } به .
(5/121)

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
{ تِجَارَةً } الجنة { تَبُورَ } تكسد ، أو تفسد .
(5/122)

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
{ أُجُورَهُمْ } ثواب أعمالهم { وَيَزِيدَهُم } يفسح لهم في قبورهم ، أو يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا ، أو تضاعف حسناتهم مأثور ، أو يغفر لهم الكثير ويشكر اليسير { غَفُورٌ } للذنب { شَكُورٌ } للإحسان لأنه يقابله مقابلة الشاكر .
(5/123)

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
{ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ } القرآن . ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم ، أو إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث الانتقال من قوم إلى آخرين { الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا } الأنبياء . فيكون قوله { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ } كلاماً مستأنفاً لا يرجع إلى المصطفين أو الذين اصطفينا أمة محمد صلى الله عليه وسلم . والظالم لنفسه أهل الصغائر . قال عمر رضي الله تعالى عنه : وظالمنا مغفور له ، أو أهل الكبائر وأصحاب المشأمة ، أو المنافقون ، أو أهل الكتاب ، أو الجاحد { مُّقْتَصِدٌ } متوسط في الطاعات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما السابق فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً وأما الظالم فيحبس طول الحبس ثم يتجاوزر الله تعالى عنه " ، أو أصحاب اليمين ، أو أهل الصغائر ، أو متبعو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعده " ح " { سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } المقربون ، أو أهل المنزلة العليا في الطاعة ، أو من كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة وسأل عقبة بن صهبان عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية فقالت : كلهم في الجنة السابق من مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا .
(5/124)

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
{ الْحَزَنَ } خوف النار " ع " ، أو حزن الموت ، أو تعب الدنيا وهمومها أو حزن الخبز ، أو حزن الظالم يوم القيامة لما يشاهد من سوء حاله ، أو الجوع ، أو خوف السلطان ، أو طلب المعاش ، أو حزن الطعام مأثور .
(5/125)

الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
{ الْمُقَامَةِ } الإقامة { نَصَبٌ } تعب ، أو وجع { لُغُوبٌ } عناء ، أو إعياء .
(5/126)

وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
{ يَصْطَرِخُونَ } يستغيثون { مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ } البلوغ ، أو ثماني عشرة سنة ، أو أربعون " ع " ، أو ستون ، أو سبعون { وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ } محمد صلى الله عليه وسلم ، أو الشيب ، أو الحمى ، أو موت الأهل والأقارب .
(5/127)

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
{ خَلآئِفَ } يخلف بعضكم بعضاً خلفاً بعد خلف وقرناً بعد قرن والخلف هو التالي للمتقدم ولما قيل لأبي بكر رضي الله تعالى عنه خليفة الله قال : لست خليفة الله ولكني خليفة رسوله وأنا راضي بذلك ، قال بعض السلف : إنما يُستخلف من يغيب ، أو يموت والله تعالى لا يغيب ولا يموت { فَعَلَيْهِ } عقاب كفره .
(5/128)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
{ شُرَكَآءَكُمُ } في الأموال الذين جعلتم لهم قسطاً منها وهي الأوثان أو الذين أشركتموهم في العبادة . { مِنَ الأَرْضِ } أي في الأرض { شِرْكٌ } في خلق السموات { كتاباً } بما هم عليه من الشرك فهم على احتجاج منه ، أو بأن لله شركاء من الأصنام والملائكة فهم متمسكون به ، أو بألا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به { إِلا غُرُوراً } وعدوهم أن الملائكة تشفع لهم ، أو أنهم [ ينصرون عليهم ] أو بالمعصية .
(5/129)

اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
{ وَمَكْرَ السَّيِِّىءِ } الشرك ، أو مكرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم { يَحِيقُ } يحيط ، أو ينزل ، فعاد ذلك عليهم فقُتلوا ببدر { سُنَّتَ الأَوَّلِينَ } وجوب العذاب عند الإصرار على الكفر ، أو لا تقبل توبتهم عند نزول العذاب .
(5/130)

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
{ بِمَا كَسَبُواْ } من الذنوب { مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } قيل : بحبس المطر عنهم . عام في كل ما دَبَّ ودرج وقد فعل ذلك زمن الطوفان ، أو من الجن والإنس دون غيرهم لأنهما أهل تكليف أو من الناس وحدهم { أَجَلٍ مُّسَمّىً } وعدوا به في اللوح المحفوظ ، أو القيامة { جَآءَ أَجَلُهُمْ } نزول العذاب ، أو القيامة .
(5/131)

يس (1)
{ يس } اسم للقرآن ، أو لله تعالى أقسم به " ع " ، أو فواتح من كلام الله تعالى افتتح بها كلامه ، أو يا محمد وهو مأثور ، أو يا إنسان بالحبشية أو السريانية ، أو بلغة كلب ، أو طيء .
(5/132)

لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
{ مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ } كما أنذر آباؤهم فيكون عاماً ، أو خاص بقريش أنذروا ولم ينذر آباؤهم قبلهم .
(5/133)

لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
{ حَقَّ الْقَوْلُ } وجب العذاب ، أو سبق في علمي { أَكْثَرِهِمْ } الذين عاندوا الرسول صلى الله عليه وسلم من قريش لم يؤمنوا ، أو ماتوا على كفرهم ، أو قتلوا عليه تحقيقاً لقوله { فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } .
(5/134)

إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
{ أَغْلالاً } شبّه امتناعهم من الهدى بامتناع المغلول من التصرف ، أو همَّت ظائفة منهم بالرسول صلى الله عليه وسلم فغُلّت أيديهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً { فِى أَعْنَاقِهِمْ } عبّر عن الأيدي بالأعناق لأن الغل يكون في الأيدي ، أو أراد حقيقة الأعناق لأن الأيدي تجمع بالأغلال إلى الأعناق " ع " { إِلَى الأَذْقَانِ } مجتمع اللحيين والأيدي تماسها ، أو عَبَّر بها عن الوجوه لأنها منها { مُّقْمَحُونَ } المقمح الرافع رأسه الواضع يده على فيه ، أو الطامح ببصره إلى موضع قدميه " ح " أو غض الطرف ورفع [ الرأس مأخوذ ] من [ البعير ] المقمح وهو الذي يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء ، أو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه من القمح وهو رفع الشيء [ إلى الفم ] .
(5/135)

وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
{ سَدّاً } عن الحق ، أو ضلالاً ، أو ظلمة منعتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم لما هموا به . قيل : ا لسُّد بالضم ما صنعه الله وبالفتح ما صنعه الناس . { فَأَغْشَيْنَاهُمْ } بظلمة الكفر { فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } الهدى ، أو بظلمة الليل فهم لا يبصرون الرسول صلى الله عليه وسلم لما هموا بقتله .
(5/136)

إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
{ بِالْغَيْبِ } بما يغيب عن الناس من شر عمله ، أو بما غاب من عذاب الله تعالى .
(5/137)

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
{ نُحْىِ الْمَوْتَى } بالإيمان بعد الكفر ، أو بالبعث للجزاء { مَا قَدَّمُواْ } من خير ، أو شر { وَءَاثَارَهُمْ } ما ابتدءوا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم ، أو خطاهم إلى المساجد نزلت لما أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " إن آثاركم تكتب " فلم يتحولوا { إِمَامٍ } اللوح المحفوظ ، أو أم الكتاب ، أو طريق مستقيم .
(5/138)

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
{ الْقَرْيَةِ } إنطاكية اتفاقاً .
(5/139)

إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
{ اثْنَيْنِ } شمعون ويوحنا . أو صادق وصدوق " ع " ، أو سمعان ويحيى { فَعَزَّزْنَا } فزدنا أو قوينا ، أو شددنا " كانوا رسلاً من الله تعالى ، أو من الحواريين أرسلهم عيسى " .
(5/140)

وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
{ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } بالإعجاز قيل : إنهم أَحْيوا ميتاً وأبرءوا زَمِناً .
(5/141)

قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
{ تَطَيَّرْنَا } تشاءمنا ، أو معناه إن أصابنا شر فهو من أجلكم تحذيراً من الرجوع من دينهم { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } بالحجارة ، أو الشتم والأذى أو لنقتلنكم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } القتل ، أو التعذيب المؤلم قبل القتل .
(5/142)

قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
{ طَآئِرُكُم مَّعَكُمْ } الشؤم إن أقمتم على الكفر إذا ذكِّرتم أو أعمالكم معكم إن ذكِّرتم بالله تطيرتم ، أو كل من ذكَّركم بالله تطيرتم . { مُّسْرِفُونَ } في تطيركم ، أو كفركم .
(5/143)

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
{ وَجَآءَ } رجل هو حبيب النجار " ع " ، أو كان إسكافاً أو قصاراً علم نبوتهم لأنه كان مجذوماً زَمِناً فأبرءوه " ع " ، أو لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجراً قالوا لا فآمن بهم وصدقهم .
(5/144)

وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
{ وَمَا لِىَ لآ أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى } لما قالها وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول يا رب أهدٍ قومي فإني لا يعلمون .
(5/145)

إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
{ إِنِّى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ } يا قوم ، أو خاطب به الرسل { فَاسْمَعُونِ } فاشهدوا لي .
(5/146)

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
{ يَالَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ } تمنى أن يعلموا حُسن عاقبته ، أو تمنى ذلك ليؤمنوا كإيمانه فيصيروا إلى ما صار إليه فنصحهم حياً وميتاً " ع " .
(5/147)

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
{ مِن جُندٍ } أي رسالة لأن الله تعالى قطع عنهم الرسل لما قتلوا رسله ، أو الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء .
(5/148)

إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
{ صَيْحَةَ } عذاباً ، أو صاح بهم جبريل عليه السلام صحية ليس لها مثنوية .
(5/149)

يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
{ يَاحَسْرَةً } يا حسرة العباد على أنفسهم ، أو يا حسرتهم على الرسل الثلاثة أو حلوا محل من يُتحسر عليه " ع " والحسرة بعد معاناة العذاب ، أو في القيامة " ع " .
(5/150)

وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
{ مُحْضَرُونَ } معذبون ، أو مبعوثون .
(5/151)

لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
{ وما عَمِلَتْ } ومما عملت ، أو وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله تعالى لهم كالفرات ودجلة والنيل ونهر بلخ ، أو وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله تعالى لهم .
(5/152)

سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
{ الأَزْوَاجَ } " ع " الأصناف ، أو الذكر والأنثى { مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ } النخل والشجر والزرع من كل صنف زوج { وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ } الأرواح .
(5/153)

وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
{ نَسْلَخُ } نخرج من سلخ الشاة إذا أخرجت من جلدها { مُّظْلِمُونَ } داخلون في الظلمة .
(5/154)

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
{ لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا } انتهاء أمرها عند انتهاء الدنيا ، أو لوقت واحد لا تعدوه ، أو أبعد منازلها في الغروب وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما لا مستقر لها أي لا قرار ولا وقوف .
(5/155)

وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
{ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } يطلع كل ليلة في منزلة { كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } قنو النخل اليابس وهو العذق أو النخل إذا انحنى حاملاً " ع " .
(5/156)

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
{ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ } " لكلّ حد وعلَم " لا يعدوه ولا يقصر دونه ويُذهب سلطان كل واحد منهما مجيء الآخر ، أو لا يدرك أحدهما ضوء الآخر ، أو لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، أو إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر " ع " ، أو لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالغروب قبل طلوعها { سَابِقُ النَّهَارِ } لا يتقدم الليل قبل كمال النهار ، أو لا يأتي ليلتين متصلتين من غير نهار فاصل { وَكُلٌّ } الشمس والقمر والنجوم { فِى فَلَكٍ } بين الأرض والسماء غير ملتصقة بالسماء { يَسْبَحُونَ } يعلمون ، أو يجرون " ع " ، أو يدورون كما يدور المغزل في الفلكة .
(5/157)

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
{ ذُرِّيَّتَهُمْ } آباءهم لأن منهم ذرى الأبناء والفلك سفينة نوح أو الأبناء والنساء لأنهم ذرءوا الآباء حملوا في الفلك : وهي السفن الكبار أو النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهاً بالفلك قاله علي رضي الله تعالى عنه { الْمَشْحُونِ } الموقر ، أو المملوء .
(5/158)

وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
{ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ } خلقنا مثل سفينة نوح من السفن ما يركبونه " ع " ، أو السفن الصغار خلقها كالكبار ، أو سفن الأنهار كسفن البحار ، أو الإبل تركب في البر كما تركب السفن في البحر " ح " والعرب يشبهون الإبل بالسفن .
(5/159)

وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
{ فَلا صَرِيخَ } فلا مغيث ، أو لا منعة { يُنقَذُونَ } من الغرق ، أو العذاب .
(5/160)

إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
{ إِلا رَحْمَةً } نعمة ، أو إلا برحمتنا { إِلَى حِينٍ } الموت ، أو القيامة .
(5/161)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
{ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } ما مضى من ذنوبكم وما خلفكم ما يأتي من الذنوب ، أو ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم عذاب الآخرة ، أو مابين أيديكم عذاب [ الله لمن تقدم ] كعاد وثمود وما خلفكم أمر الساعة وجواب هذا الكلام أعرضوا .
(5/162)

وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
{ مِّنْ ءَايَةٍ } من كتاب الله ، أو من رسوله ، أو من معجزة .
(5/163)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا ذلك " ح " أو الزنادقة أو مشركو قريش جعلوا لأصنامهم سهماً من أموالهم فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك . { إِنْ أَنتُمْ إِلا فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ } قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام ، أو قول الله للكفار لما ردوا هذا الجواب .
(5/164)

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
{ هَذَا الْوَعْدُ } من العذاب ، أو ما وعدوا به من الظفر بهم .
(5/165)

مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
{ صَيْحَةً } النفخة الأولى ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين { يَخِصِّمُونَ } يتكلمون ، أو يخصِّمون في دفع النشأة الثانية .
(5/166)

فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
{ تَوْصِيَةً } أن يوصي بعضهم إلى بعض بما في يديه من حق . { إِلَى أَهْلِهِمْ } منازلهم .
(5/167)

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
{ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ } نفخة البعث يبعث بها كل ميت والأولى يموت بها كل حي وبينهما أربعون سنة والنفخة الثانية من الآخرة والأولى من الدنيا ، أو الآخرة " ح " { الأَجْدَاثِ } القبور { يَنسِلُونَ } يخرجون ، أو يسرعون .
(5/168)

قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
{ قَالُواْ يَاويْلَنَا } يقوله المؤمنون ثم يجيبون أنفسهم فيقولون : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ } أو يقوله الكفار فيقول لهم المؤمنون ، أو الملائكة { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ } .
(5/169)

إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
{ شُغُلٍ } عما يلقاه أهل النار ، أو افتضاض الأبكار ، أو الطرب أو النعمة { فَاكِهُونَ } وفكهون واحد كحاذر وحذر ، أو الفكه الذي يتفكه بالطعام [ أو بأعراض ] الناس والفاكه ذو الفاكهة وها هنا فرحون " ع " ، أو ناعمون ، أو معجبون ، أو ذو فاكهة كشاحم [ ولاحم ولابن ] وتامر .
(5/170)

لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
{ مَّا يَدَّعُونَ } يشتهون ، أو يسألون ، أو يتمنون ، أو يدعونه فيأتيهم مأخوذ من الدعاء .
(5/171)

سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
{ سَلامٌ } تسليم الرب عليهم إكراماً لهم ، أو تبشيره لهم بالسلامة .
(5/172)

وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
{ جِبِلاً } جموعاً ، أو أمماً ، أو خلقاً .
(5/173)

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
{ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ } ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم ، أو لأن إقرار غير الناطق وشهادته أبلغ من إقرار الناطق ، أو ليعلم أن أعضاءه التي أعانته في حق نفسه من المعصية صارت شهوداً عليه في حق الله ، أو إذا قالوا { والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ختم على أفواههم حتى نطقت جوارحهم { وَتُكَلِّمُنَآ } نطقاً ، أو يظهر منها ما يقوم مقام الكلام ، أو إن الموكلين بها يشهدون عليها . وسمي كلام الأرجل شهادة لأن العمل باليد والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة وقول الفاعل على نفسه إقرار فعبّر عما صدر عن الأيدي بالكلام وعما صدر عن الأرجل بالشهادة قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أول عظم [ من الإنسان ] يتكلم فخذه من الرجل اليسرى " .
(5/174)

وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
{ لَطَمَسْنَا } أعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرونه أو أعمينا قلوبهم فضلوا عن الحق فلا يهتدون إليه " ع " والمطموس الذي لا يكون بين عينيه شق مأخوذ من طمس الأثر .
(5/175)

وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
{ لَمَسَخْنَاهُمْ } أقعدناهم على أرجلهم فلا يستطيعون تقدماً ولا تأخراً ، أو لأهلكناهم في مساكنهم " ع " ، أو لغيرنا خلقهم فلا ينتقلون { فَمَا اسْتَطَاعُواْ } لو فعلنا ذلك تقدماً ولا تأخراً أو ما استطاعوا مضياً في الدنيا ولا رجوعاً فيها .
(5/176)

وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
{ نُّعَمِّرْهُ } ببلوغ الهرم ، أو ثمانين سنة { نُنَكِّسْهُ } نرده إلى الضعف وحالة الصغر لا يعلم شيئاً ، أو نغير سمعه وبصره وقواه { أَفَلا يَعْقِلُونَ } أن فاعل هذا قادر على البعث .
(5/177)

لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
{ لتنذر } يا محمد وبالياء القرآن { حَيّاً } عاقلاً ، أو مؤمناً ، أو مهتدياً ، أو حي القلب والبصر { وَيَحِقَّ الْقَوْلُ } يجب العذاب .
(5/178)

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)
{ مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ } من فعلنا من غير أن نكله إلى غيرنا ، أو بقوتنا { والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ } [ الذاريات : 47 ] { مَالِكُونَ } [ ضابطون ] ، أو مقتنون ، أو مطيقون .
(5/179)

وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
{ رَكُوبُهُمْ } الدابة التي تصلح للركوب .
(5/180)

وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)
{ مَنَافِعُ } لباس أصوافها { وَمَشَارِبُ } ألبانها .
(5/181)

لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
{ جُندٌ } شيعة ، أو أعوان أي المشركون جند الأصنام { مُحْضَرُونَ } في النار ، أو عند الحساب ، أو في الدفع عن الأصنام وهي لا تدفع عنهم . قال قتادة : كانوا في الدنيا يغضبون لآلهتهم إذا ذُكرت بسوء وآلهتهم لا تنصرهم .
(5/182)

أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
{ أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ } أُبي بن خلف جادل في البعث ، أو العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده ثم قال يا محمد : أيحيي هذا الله بعد ما بلى . قال : نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم فنزلت " ع " { خَصِيمٌ } مجادل { مُّبِينٌ } حجة ، يجوز أن يذكِّره بذلك نعمه ، أو يدله به على قدرته على البعث .
(5/183)

الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
{ مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ } الذي قدر على إخراج النار من الشجر مع ما بينهما من التضاد قادر على البعث . قيل تُقدح النار من كل شجر إلا العناب وقيل الشجر محمد صلى الله عليه وسلم والنار الهدى والنور الذي جاء به { تُوقِدُونَ } تقتبسون الدين .
(5/184)

إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
{ أَن يَقُولَ لَهُ كُن } بأمره فيوجد ، أو ليس في كلامهم أخف ولا أسرع من كن فجعلها مثلاً لأمره في السرعة .
(5/185)

فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
{ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ } خزائنه ، أو ملكه وفيه مبالغة .
(5/186)

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)
{ وَالصَّآفَّاتِ } الملائكة صُفُوفاً في السماء ، أو في الصلاة عند ربهم " ح " أو صافة أجنحتها في الهواء قائمة حتى يأمرها الله تعالى بما يريد ، أو هم عباد السماء أو جماعة المؤمنين صافِّين في الصلاة والقتال .
(5/187)

فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)
{ فَالزَّاجِرَاتِ } الملائكة لزجرها السحاب ، أو عن المعاصي ، أو آيات القرآن الزواجر الأمر والنهي التي زجر الله تعالى بهما عباده .
(5/188)

فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)
{ فَالتَّالِيَاتِ } الملائكة تقرأ كتب الله ، أو الأنبياء يتلون الذكر على أُممهم " ع " أو ما يُتلى في القرآن من أخبار الأُمم السالفة . أقسم بذلك ، أو برب ذلك تعظيماً له فحذف .
(5/189)

رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
{ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ } خالقها ، أو مالكها { الْمَشَارِقِ } مشارق الشمس صيفاً وشتاء مائة وثمانون مشرقاً تطلع كل يوم في مطلع فتنتهي إلى آخرها ثم ترجع في تلك المطالع حتى تعود إلى أولها قاله السدي وهو بعيد .
(5/190)

وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
{ وَحِفْظاً } للسماء من كل شيطان مارد ، أو جعلنا من الكواكب حفظاً من كل شيطان قاله السدي { مَّارِدٍ } متجرد من الخير .
(5/191)

لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
{ لا يَسَّمَّعُونَ } منعوا من السمع والتسمع ، أو يتسمعون ولا يسمعون " ع " { الْمَلإِ الأَعْلَى } السماء الدنيا ، أو الملائكة { وَيُقْذَفُونَ } يرمون من كل مكان .
(5/192)

دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
{ دُحُوراً } قذفاً بالنار ، أو طرداً بالشهب ، أو الدحور الدفع بعنف .
(5/193)

إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
{ خَطِفَ الْخَطْفَةَ } وثب الوثبة " ع " ، أو استرق السمع . { شِهَابٌ } نجم { ثَاقِبٌ } مضيء ، أو ماضي ، أو محرق ، أو يثقب ، أو يستوقد من قولهم أثقب زندك أي استوقد نارك .
(5/194)

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
{ فَاسْتَفْتِهِمْ } فحاجهم ، أو سلهم من استفتاء المفتي { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } السماوات والأرض والجبال ، أو السموات والملائكة ، أو الأمم الماضية هلكوا وهم أشد خلقاً من هؤلاء { طِينٍ لاَّزِبٍ } " خلق آدم من ماء وتراب ونار " ، أو لزج ، أو لاصق ، أو لازق وهو الذي لزق بما أصابه واللاصق الذي يلصق بعضه ببعض ، أو اللازب واللازم بمعنى قيل نزلت في ركانة بن عبد يزيد وأبي الأشد بن [ أسيد بن كلاب الجحمي ] .
(5/195)

بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
{ بل عجبتُ } أنكرت ، أو حلوا محل من يتعجب منه لأن الله تعالى لا يتعجب إذ التعجب بحدوث العلم بما لم يعلم وبالفتح عجبت يا محمد من القرآن حين أُعطيته ، أو من الحق الذي جاءهم فلم يقبلوه { وَيَسْخَرُونَ } من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم ، أو من القرآن إذا تلي عليهم .
(5/196)

وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)
{ لا يَذْكُرُونَ } لا ينتفعون ، أو لا يبصرون .
(5/197)

وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
{ يَسْتَسْخِرُونَ } يستهزئون قيل ذلك في ركانه وأبي الأشد .
(5/198)

قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
" { دَاخِرُونَ } صاغرون " .
(5/199)

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
{ زَجْرَةٌ } صيحة أي النفخة الثانية .
(5/200)

وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)
{ الدِّينِ } الجزاء ، أو الحساب .
(5/201)

هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
{ يَوْمُ الْفَصْلِ } بين الحق والباطل ، أو القضاء بين الخلق .
(5/202)

احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)
{ وَأَزْوَاجَهُمْ } أشباههم المرابي مع المرابين والزاني مع الزناة وشارب الخمر مع شاربيه ، أو قرناءهم " ع " ، أو أشياعهم ، أو نساؤهم الموافقات على الكفر . { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } إبليس ، أو الشياطين ، أو الأصنام .
(5/203)

مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
{ فَاهْدُوهُمْ } دلوهم ، أو وجهوهم ، أو ادعوهم و { صِرَاطِ الْجَحِيمِ } طريق النار .
(5/204)

وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
{ مَّسْئُولُونَ } عن قول لا إله إلا الله ، أو عما دعوا إليه من بدعة مأثور أو عن جلسائهم ، أو عن ولاية علي ، أو محاسبون ، أو مسئولون بقوله { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } [ الصافات : 25 ] توبيخاً وتقريعاً .
(5/205)

مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)
{ لا تَنَاصَرُونَ } لا ينصر بعضكم بعضاً ، أو لا يمنع بعضكم بعضاً عن دخول النار ، أو لا يتبع بضعكم بعضاً في النار يعني العابد والمعبود .
(5/206)

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } عام " ع " ، أو أقبل الإنس على الجن ، { يَتَسَآءَلُونَ } يتلاومون ، أو يتوانسون .
(5/207)

قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)
{ إِنَّكُمْ كُنتُمْ } قاله الإنس والجن ، أو الضعفاء للمستكبرين " ع " { عَنِ الْيَمِينِ } تقهروننا بالقوة " ع " واليمين القوة ، أو من قبل ميامنكم ، أو من قبل الخير فتصدونا عنه " ح " ، أو من حيث نأمنكم ، أو من قبل الدين ، أو من قبل النصيحة واليُمْن ، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين ، أو من قبل الحق .
(5/208)

يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
{ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } الخمر الجاري ، أو الذي لم يعصر ، والماء المعين هو الظاهر للعيون ، أو الشديد الجري من قولهم أمعن في كذا إذا اشتد دخوله فيه .
(5/209)

لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
{ غَوْلٌ } صداع " ع " ، أو وجع البطن ، أو أدنى مكروه ، أو إثم ، أو لا تغتال عقولهم { يُنزَفُونَ } لا تنزف عقولهم ولا يذهب حلمهم بالسكر ، أو لا يبولون " ع " برأ الله خمرهم عن السكر والبول والصداع والقيء بخلاف خمر الدنيا ، أو لا تفنى خمرهم من نزف الركيَّة ، بفتح الزاي ذهاب العقل وبكسرها فناء الخمر .
(5/210)

وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)
{ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } قصرن نظرهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى سواهم واقتصر على كذا قنع به وعدل عن غيره { عِينٌ } حسان الصور ، أو عظام الأعين .
(5/211)

كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
{ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } لؤلؤ في صدفة " ع " ، أو بيض مصون في قشره شبهن ببيض النعام يكنه الريش من الغبار والريح فهو أبيض إلى الصفرة ، أو شبههن ببطن البيض إذا لم تناله يد أو شبههن ببياضه حين ينزع قشره أو بالحساء الذي يكون بين قشر البيضة العليا ولبابها .
(5/212)

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
{ يَتَسَآءَلُونَ } يسأل أهل الجنة كما يسأل أهل النار .
(5/213)

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)
{ قَرِينٌ } في الدنيا شيطان يغويه فلا يطيعه ، أو شريك له يدعوه إلى الكفر فلا يجيبه " ع " ، أو الأخوان المذكوران في سورة الكهف .
(5/214)

أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
{ لَمَدِينُونَ } محاسبون ، أو مجازون " ع " .
(5/215)

قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
{ قَالَ هَلْ } قال لأهل الجنة ، أو الملائكة هل أنتم { مُّطَّلِعُونَ } في النار .
(5/216)

فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
{ سَوَآءِ الْجَحِيمِ } وسطها سمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب قال قتادة : فوالله لولا أن الله تعالى عَرَّفه إياه لما كان يعرفه لقد تغير حِبْره وسِبْره يعني حسنه وتخطيطه .
(5/217)

قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)
{ قَالَ تَاللَّهِ } قاله المؤمن لقرينه الكافر { لَتُرْدِينِ } لتباعدني من الله تعالى ، أو لتهلكني لو أطعتك .
(5/218)

وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
{ نِعْمَةُ رَبِّى } بالإيمان .
(5/219)

أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
{ نُّزُلاً } النزل الرزق الواسع أصله الطعام الذي يصلح أن ينزلوا معه { شَجَرَةُ الزَّقُّومِ } قوت أهل النار مرة الثمرة خشنة اللمس منتنة الريح ، ولما نزلت قال [ كفار ] قريش ما نعرف هذه الشجرة وقال ابن الزِّبَعْرَى الزقوم رطب البربر والزبد فقال أبو جهل يا جارية أبغينا تمراً وزبداً ثم قال لأصحابه تزقموا هذا الذي يوعدنا محمد بالنار .
(5/220)

إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
{ فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } بما ذكرنا أنهم قالوه فيها ، أو شدة عذاب لهم .
(5/221)

إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
{ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الْجَحِيمِ } وصفها بذلك لاختلافهم فيها قال قطرب : الزقوم من خبيث النبات وهو كل طعام قتال ، أو أعلمهم بذلك جواز بقائها في النار لأنها تنبت فيها قيل تنبت في الباب السادس وتحي بلهب النار كما تحي أشجارنا بالماء .
(5/222)

طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
{ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ } شبهها بها لاستقباحها في النفوس وإن لم تشاهد قال : امرؤ القيس :
أيقتلنِي والمَشرفيُّ مُضاجِعي ... وَمسنُونةٌ زُرْقٌ كأنيابِ أغوالِ
شبهها بالأغوال وإن لم ترها الناس ، أو شبهها بحية قبيحة الرأس يسميها العرب شيطاناً ، أو أراد شجراً بين مكة والمدينة سمي رؤوس الشياطين .
(5/223)

ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
{ لَشَوْباً } مزاجاً { مِّنْ حَمِيمٍ } الحار الداني من الإحراق وسمي القريب حميماً لقربه من القلب والمحموم لقرب حرارته من الإحراق .
أحم الله ذلك من لقاء ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي قَرَّبه ، فيمزج الزقوم بالحميم لتجمع حرارة الحميم ومرارة الزقوم .
(5/224)

ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
{ مَرْجِعَهُمْ } مأواهم في النار ، أو يدل على أنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا الحميم ليسوا في النار بل في عذاب آخر ، أو مرجعهم بعد أكل الزقوم إلى عذاب الجحيم ، والجحيم : النار الموقدة ، أو هم في النار { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [ الرحمن : 44 ] ثم يرجعون إلى مواضعهم .
(5/225)

فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
{ يُهْرَعُونَ } يُسرعون الإهراع : إسراع المشي برعدة ، أو يُستحثون من خلفهم ، أو يُزعجون إلى الإسراع .
(5/226)

وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
{ نَادَانَا } دعانا على قومه بالهلاك لما يئس من إيمانهم ليطهر الأرض منهم ، أو ليكونوا عبرة لغيرهم ممن بعدهم .
(5/227)

وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } كانوا ثمانية . نوح وأولاده الثلاثة وأربع نسوة { الْكَرْبِ الْعَظِيمِ } أذى قومه ، أو غرق الطوفان .
(5/228)

وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)
{ هُمُ الْبَاقِينَ } فالناس كلهم من ذريته العرب والعجم أولاد سام والروم والترك والصقالبة أولاد يافث والسودان أولاد حام " ع " .
(5/229)

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأَخِرِينَ } الثناء الحسن ، أو لسان صدق للأنبياء كلهم ، أو قوله { سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين } [ الصافات : 79 ] .
(5/230)

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
{ شِيعَتِهِ } من أهل دينه ، أو على سنته ومنهاجه يعني إبراهيم من شيعة نوح ، أو شيعة محمد صلى الله عليه وسلم قيل الشيعة الأعوان أخذ من الأشياع الحطب الصغار يوضع مع الكبار لتعين على وقودها .
(5/231)

إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
{ سَلِيمٍ } من الشك " أو ناصح لله تعالى في خلقه ، أو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه وسلم الناس من غشه وظلمه وأسلم لله تعالى بقلبه ولسانه " ، أو مخلص ، أو لا يكون لعاناً .
(5/232)

فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
{ فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ } استدل بها على وقت حمى كانت تأتيه ، أو سقيم فيما في عنقي من الموت ، أو بما أرى من قبح عبادتكم لغير الله تعالى ، أو سقيم لعلة عرضت له ، أو أرسل إليه ملكهم بأن يخرج معهم من الغد إلى عيدهم فنظر إلى نجم فقال إن هذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقمي فكابد نبي الله صلى الله عليه وسلم عن دينه ، سقيم : أي طعين وكانوا يفرون من المطعون وهذه خطيئته التي قال اغفر لي خطيئتي يوم الدين وعدها الرسول صلى الله عليه وسلم من كذبه في ذات الله .
(5/233)

فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
{ فَرَاغَ إِلَى ءَالِهَتِهِمْ } ذهب ، أو مال إليهم ، أو أقبل عليهم ، أو أحال عليهم { أَلا تأْكُلُونَ } استهزاء بهم ، أو وجدهم خرجوا إلى العيد وجعلوا لأصنامهم طعاماً كثيراً فقال لها ألا تأكلون تجهيلاً لمن عبدها وتعجيزاً لها .
(5/234)

فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
{ بِالْيَمِينِ } اليد اليمنى لأن ضربها أشد ، أو باليمين التي حلفها في قوله { وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [ الأنبياء : 57 ] أو اليمين القوة وقوة النبوة أشد .
(5/235)

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
{ يَزِفُّونَ } يجرون " ع " ، أو يسعون ، أو يتسللون ، أو يرعدون غضباً ، أو يختالون وهو مشية الخيلاء ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها ، " وقوله يتسللون حال بين المشي والعدو ومنه زفيف النعامة لأنه بين المشي والعدو " .
(5/236)

فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
{ الأَسْفَلِينَ } في الحجة ، أو في جهنم ، أو المهلكين لأن الله تعالى عقب ذلك بهلاكهم ، أو المقهورين لخلاصه من كيدهم فما أحرقت النار إلا وثاقه وما انتفع بها يومئذ أحد من الناس وكانت الدواب كلها تطفىء النار عنه إلا الوزغ فإنه كان ينفخها عليه فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقله .
(5/237)

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
{ ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى } منقطع إليه بالعبادة ، أو ذاهب إليه بقلبي وديني وعملي ، أو مهاجر إليه بنفسي من أرض العراق وهو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة إلى حران ، أو الشام . { سَيَهْدِينِ } إلى طريق الهجرة ، أو الخلاص من النار ، أو إلى قول حسبي الله عليه توكلت .
(5/238)

فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
{ بِغُلامٍ } إسماعيل ، أو إسحاق { حَلِيمٍ } وقور .
(5/239)

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
{ السَّعْىَ } مشى معه ، أو العمل ، أو العبادة ، أو العمل الذي تقوم به الحجة وكان ابن ثلاث عشرة سنة { أَرَى فِى الْمَنَامِ } قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " رؤيا الأنبياء وحي " { مَاذَا تَرَى } من صبرك وجزعك ، أو قاله امتحاناً لصبره على أمر الله تعالى ولم يقل ذلك استشارة . { مِنَ الصَّابِرِينَ } على القضاء ، أو الذبح . فوجده صادق الطاعة سريع الإجابة قوي الدين .
(5/240)

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
{ أَسْلَمَا } اتفقا على أمر واحد ، أو سلما لأمر الله تعالى فسلم إسحاق نفسه لله تعالى وسلم إبراهيم أمره لله تعالى { وَتَلَّهُ } صرعه على جبينه " ع " فالجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها ، أو أكبه لوجهه ، أو وضع جبينه على تل قال إسحق : " يا أبتِ إذبحني وأنا ساجد ولا تنظر إلى وجهي فقد ترحمني فلا تذبحني " .
(5/241)

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
{ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ } عملت بما رأيته في النوم وكان رأى أنه قعد منه مقعد الذابح ينتظر الأمر بإمضاء الذبح ففعل ذلك ، أو رأى أنه أمر بذبحه بشرط التمكين فلم يمكن وكان كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجُعل على حلقه صفيحة من نحاس ، أو رأى أنه ذبحه وفعل ذلك فوصل إلى الأوداج بلا فصل ، والذبيح " إسحاق " بن سارة كان له سبع سنين وكان مذبحه من بيت المقدس على ميلين ولدته سارة ولها تسعون سنة ولما علمت ما أراد بإسحاق بقيت يومين وماتت في الثالث ، أو إسماعيل مذبحه بمنى عند الجمار التي رُمي إبليس منها في كل جمرة بسبع حصيات فَجمر بين يديه أي أسرع فسميت جماراً ، أو ذبحه على الصخرة التي بأصل الجبل بمنى .
(5/242)

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
{ الْبَلآؤُاْ الْمُبِينُ } الاختبار العظيم ، أو النعمة البينة .
(5/243)

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
{ بِذِبْحٍ } كبش من غنم الدنيا " ح " ، أو كبش نزل من الجنة وهو الذي قربه أحد ابني آدم فتقبل منه " ع " ، أو كبش رعى في الجنة أربعين خريفاً ، أو تيس من الأروى أُهبط عليهما من ثبير " ح " والذِبح المذبوح وبالفتح فعل الذبح { عَظِيمٍ } لرعيه في الجنة " ع " ، أو لأنه ذبح بحق " ح " ، أو لأنه متقبل .
(5/244)

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأَخِرِينَ } الثناء الحسن ، أو أن يقال { سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ } [ الصافات : 109 ] .
(5/245)

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
{ إِلْيَاسَ } إدريس " ع " ، أو نبي من ولد هارون وجوز قوم أن يكون إلياس بن مضر .
(5/246)

أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
{ بَعْلاً } رباً بلغة أزد شنوءة وسمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رجلاً من أهل اليمن يسوم ناقة بمنى فقال من بعل هذه؟ أي ربها ، أو صنم اسمه بعل كانوا يعبدونه وبه سميت بعل بك ، أو امرأة كانوا يعبدونها { أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ } أحسن من قيل له خالق ، أو أحسن الصانعين لأن الناس يصنعون ولا يخلقون .
(5/247)

سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)
{ إِلْ يَاسِينَ } جمع يدخل فيه جميع إلياسين ، أو زاد في إسم إلياس لأنهم يغيرون الأسماء الأعجمية بالزيادة كميكال وميكائيل { إل ياسين } تسليم على آله دونه وأضافهم إليه تشريفاً له ، أو هو إلياس فقيل ياسين لمؤاخاة الفواصل كطور سيناء وطور سينين ، أو دخلت للجمع فيكون داخلاً في جملتهم .
(5/248)

إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
{ الْغَابِرِينَ } الهلكى ، أو الباقين من الهلكى ، أو الباقين في عذاب الله ، أو الماضين في العذاب .
(5/249)

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
{ يُونُسَ } بعثه الله تعالى إلى نينوى من أرض الموصل بشاطىء دجلة .
(5/250)

إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
{ أَبَقَ } فر ، والآبق المار إلى حيث لا يعلم به وكان أنذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا وجعل علامته خروجه من بنيهم فلما خرج جاءتهم ريح سوداء فخافوا فدعوا الله تعالى بأطفالهم وبهائمهم فصرف الله تعالى عنهم العذاب فخرج مكايداً لقومه مغاضباً لدين ربه فركب في سفينة موقرة فلما استثقلت خافوا الغرق لريح عصفت بهم " ع " أو لحوت عارضهم فقالوا فينا مذنب لا ننجوا إلا بإلقائه فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فألقوه فَأَمِنوا .
(5/251)

فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
{ فَسَاهَمَ } قارع بالسهام { الْمُدْحَضِينَ } المقروعين ، أو المغلوبين .
(5/252)

فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
{ مُلِيمٌ } مسيء مذنب " ع " ، أو يلوم نفسه على ما صنع ، أو يلام على ما صنع .
(5/253)

فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
{ الْمُسَبِّحِينَ } المصلين " ع " ، أو القائلين { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ } الآية [ الأنبياء : 87 ] ، أو العابدين ، أو التائبين .
(5/254)

لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
{ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } إلى القيامة فيصير بطن الحوت قبراً له والتقمه ضُحىً ولفظه عشية ، أو بعد ثلاثة أيام ، أو سبعة ، أو أربعين .
(5/255)

فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
{ بِالْعَرَآءِ } بالساحل " ع " أو الأرض ، أو موضع بأرض اليمن ، أو الفضاء الذي لا يواريه نبت ولا شجر { سَقِيمٌ } كهيئة الصبي ، أو الفرخ الذي ليس عليه ريش .
(5/256)

وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)
{ مِّن يَقْطِينٍ } القرع ، أو كل شجرة ليس لها ساق تبقى من الشتاء إلى الصيف ، أو كل شجرة لها ورق عريض ، أو كل ما ينبسط على وجه الأرض من البطيخ والقثاء ، أو شجرة سماها الله تعالى يقطيناً أظلته .
(5/257)

وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
{ وَأَرْسَلْنَاهُ } بعد نبذ الحوت " ع " فكأنه أرسل إلى أمة بعد أمة أو أرسل إلى الأولين فآمنوا بشريعته { " أَوْ " يَزِيدُونَ } أو للإبهام كأنه قال أرسلناه إلى أحد العددين ، أو هو على شك المخاطبين ، أو معناه بل يزيدون " ع " فزادوا على ذلك عشرين ألفاً مأثور ، أو ثلاثين ألفاً " ع " أو بضعة وثلاثين ألفاً قاله الحكم ، أو بضعه وأربعين ألفاً ، أو سبعين ألفاً .
(5/258)

أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
{ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } عذر بين ، أو حجة واضحة ، أو كتاب مبين .
(5/259)

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
{ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً } إشراكهم الشياطين في عبادته ، أو قول يهود أصفهان إن الله صاهر الجن فكانت الملائكة من بينهم ، أو الزنادقة قالوا إن الله وإبليس أخوان فالخير والنور الحيوان النافع من خلق الله والظلمة والشر والحيوان الضار من خلق الشيطان ، أو قول المشركين الملائكة بنات الله فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه فمن أمهاتهم؟ فقالوا بنات سروات الجن . سموا جنة لاجتنانهم واستتارهم كالجن ، أو لأنهم على الجنان ، أو بطن من الملائكة يسمون الجنة { عَلِمَتِ الْجِنَّةُ } الملائكة ، أو الجن أن قائل هذا القول محضر ، أو علمت الجن أن أنفسهم محضرة في النار ، أو للحساب .
(5/260)

فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)
{ فَإِنَّكُمْ } أيها المشركون { وَمَا تَعْبُدُونَ } من آلهتكم .
(5/261)

مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)
{ بِفَاتِنِينَ } بمضلين من تدعونه إلى عبادتها .
(5/262)

إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
{ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ } إلا من سبق في العلم الأول أنه يصلاها " ع " أو من أوجب الله أنه يصلاها " ح " .
(5/263)

وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
{ وَمَا مِنَّآ } ملك إلاَّ له في السماء { مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } ، أو كان يصلي الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت فتقدم الرجال وتأخر النساء .
(5/264)

وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)
{ لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ } الملائكة صفوف في السماء ، أو في الصلاة ، أو حول العرش ينتظرون ما يؤمرون به ، أو كان الناس يصلون متبددين فلما نزلت أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصطفوا .
(5/265)

وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
{ الْمُسَبِّحُونَ } المصلون ، أو المنزهون الله عما أضافه إليه المشركون فكيف يعبدوننا ونحن نعبده .
(5/266)

إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)
{ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ } بالحجج ، أو بأنهم سينصرون ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه لم يقتل من الرسل أصحاب الشرائع أحد قط نصروا بالحجج في الدنيا وبالعذاب في الآخرة أو بالظفر إما بالإيمان ، أو بالانتقام .
(5/267)

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
{ حَتَّى حِينٍ } يوم بدر ، أو فتح مكة ، أو الموت أو القيامة منسوخة ، أو محكمة .
(5/268)

وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
{ وَأَبْصِرْهُمْ } أبصر ما ضيعوا من أمري فسيبصرون ما يحل بهم من عذابي أو أبصرهم وقت النصر فسوف يبصرون ما يحل بهم ، أو أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة ، أو أعلمهم فسوف يعلمون .
(5/269)

ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
{ ص } اسم للقرآن ، أو لله أقسم به " ع " ، أو فواتح افتتح بها القرآن ، أو حرف من هجاء أسماء الله تعالى ، أو صدق الله ، أو من المصاداة وهي المعارضة أي عارض القرآن بعملك ، أو من المصاداة وهي الاتباع أي اتبع القرآن بعملك . { ذِى الذِّكْرِ } الشرف " ع " ، أو البيان ، أو التذكير ، أو ذكر ما قبله من المكتب وجواب القسم . { بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ } [ ص : 2 ] أو { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار } [ ص : 64 ] ، أو حذف جوابه تفخيماً لتذهب النفس فيه كل مذهب ، وتقدير المحذوف " قد جاء بالحق " ، أو " ما الأمر كما قالوا " .
(5/270)

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
{ عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } حمية وفراق أو تعزز واختلاف أو أنفة وعداوة .
(5/271)

كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
{ مِّن قَرْنٍ } من أمة والقرن : زمان مدته عشرون سنة ، أو أربعون ، أو ستون ، أو سبعون ، أو ثمانون ، أو مائة ، أو عشرون ومائة { وَّلاتَ } بمعنى لا ، أو ليس ولا يعمل إلا في الحين خاصة أي ليس حين ملجأ ، أو مغاث " ع " ، أو زوال ، أو فِرار ، والمناص : مصدر ناص ينوص والنوصُ والبوص التأخر وهو من الأضداد ، أو بالنون التأخر وبالباء التقدم كانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض مناص أي حلمة واحدة ينجوا فيها من ينجو ويهلك من يهلك فمعناه أنهم لما عاينوا الموت لم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة .
(5/272)

أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
{ أَجَعَلَ الأَلِهَةَ إِلَهَاً وَاحِداً } لما أمرهم بكلمة التوحيد قالوا أيسع لحاجتنا جميعاً إله واحد { عُجَابٌ } عجيب كطوال وطويل وقال الخليل : العجيب والطويل ماله مثل والعجاب والطوال مالا مثل له .
(5/273)

وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
{ وَانطَلَقَ الْمَلأُ } الانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقة الوجه { الْمَلأُ } عقبة بن أبي معيط أو أبو جهل أتى أبا طالب في مرضه شاكياً من الرسول صلى الله عليه سلم ثم انطلق من عنده حين يئس من كفه " ع " { أَنِ امْشُواْ } اتركوه واعبدوا آلهتكم ، أو امضوا في أمركم في المعاندة واصبروا على عبادة آلهتكم تقول العرب امش على هذا الأمر أي امض عليه والزمه . { إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ } لما أسلم عمر وقوي به الإسلام قالوا : إِن إسلامه وقوة الإسلام لشيء يراد وأن مفارقة محمد لدينه ، أو خلافه إيانا إنما يريد به الرياسة علينا والتملك لنا .
(5/274)

مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
{ الْمِلَّةِ الأَخِرَةِ } النصراينة لأنها آخر الملل " ع " ، أو فيما بين عيسى ومحمد ، أو ملة قريش ، أو ما سمعنا أنه يخرج ذلك في زماننا " ح " { اخْتِلاقٌ } كذب اختلقه محمد .
(5/275)

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
{ خَزَآئِنُ [ رَحْمَةِ ] رَبِّكَ } [ مفاتيح ] رحمته ، أو مفاتيح النبوة فيعطونها من أرادوها ويمنعونها ممن أرادوا .
(5/276)

أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)
{ فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأَسْبَابِ } في السماء " ع " أو الفضل والدين ، أو طرق السماء وأبوابها ، أو فيعملوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة .
(5/277)

جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
{ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } يعني قريشاً ، " وما " صلة وقوله جند أي أتباع مقلدون لا عالم فيهم { مَهْزُومٌ } بَشَّره بهزيمتهم وهو بمكة فكان تأويله يوم بدر { مِّنَ الأَحْزَابِ } أحزاب إبليس وتِباعه ، أو لأنهم تحزبوا على جحود ربهم وتكذيب رسله .
(5/278)

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
{ كَذَّبَتْ } أنت لأن القوم تذكر وتؤنث ، أو هو مذكر اللفظ ولا يجوز تأنيثه إلا أن يقع المعنى على القبيلة والعشيرة . { الأَوْتَادِ } أي الكثير البنيان والبنيان يعبّر عنه بالأوتاد ، أو كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها " ع " ، أو كان يعذب الناس بالأوتاد ، أو أراد أن ثبوت ملكه وشدة قوته كثبوت ما شد بالأوتاد .
(5/279)

وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
{ وَثَمُودَ } قيل عاد وثمود أبناء عم بعث الله إلى ثمود صالحاً فآمنوا فمات صالح فارتدوا فأحياه الله تعالى وبعثه إليهم وأعلمهم أنه صالح فأكذبوه وقالوا : قد مات صالح فأتِ بآية إن كنت من الصادقين ، فأتاهم الله تعالى بالناقة فكفروا وعقروها فأهلكوا " ع " ، أو بعث إليهم صالح شاباً فدعاهم حتى صار شيخاً فعقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا { وَقَوْمُ لُوطٍ } لم يؤمنوا حتى هلكوا ، وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة وما من نبي إلا يقوم معه طائفة من أمته إلا لوط فإن يقوم وحده { وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ } قوم شعيب والأيكة الغيضة " ع " ، أو الملتف من النبع والسدر فأهلكوا بعذاب يوم الظلة وأرسل إلى مدين فأخذتهم الصيحة .
(5/280)

وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)
{ صَيْحَةً وَاحِدَةً } النفخة الأولى { فَوَاقٍ } بالفتح من الإفاقة وبالضم فُواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين من المدة ، أو كلاهما بمعنى واحد أي ما لها من ترداد " ع " ، أو حبس ، أو رجوع إلى الدنيا " ح " أو رحمة " ع " ، أو راحة ، أو تأخير لسرعتها ، أو ما لهم بعدها من إفاقة .
(5/281)

وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
{ قِطَّنَا } نصيبنا من الجنة التي وعدتنا بها ، أو حظنا من العذاب استهزاءً منهم " ع " ، أو رزقنا ، أو أرنا منازلنا ، أو عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة المذكور في قوله { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } [ الحاقة : 19 ] قالوه استهزاء وأصل القط القطع ومنه قط القلم وما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه فأطلق على النصيب والكتاب والرزق لِقَطِّه من غيره وهو في الكتاب أظهر استعمالاً والقط كل كتاب يتوثق به ، أو مختص بما فيه عطية وصلة .
(5/282)

اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ } فإنا نحسن إليك كما أحسنا إليه قبلك بصبره { الأَيْدِ } القوة ، " ع " ، أو النعمة في الطاعة والنصر في الحرب أو في العبادة والفقه في الدين كان يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر { أَوَّابٌ } تواب ، أو مسبح ، أو الذي يؤوب إلى الطاعة ويرجع إليها ، أو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها .
(5/283)

وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
{ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } بالتأييد والنصر ، أو بالجنود والهيبة قال قتادة : باثنين وثلاثين ألف حرس { الْحِكْمَةَ } النبوة ، أو السنة أو العدل ، أو العلم والفهم ، أو الفضل والفطنة { وَفَصْلَ الْخِطَابِ } علم القضاء والعدل فيه " ع " ، أو تكليف المدعي البينة والمدعى عليه اليمين ، أو " أما بعد " وهو أول من تكلم بها ، أو البيان الكافي في كل غرض مقصود ، أو الفصل بين الكلام الأول والكلام الثاني .
(5/284)

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
{ الْخَصْمِ } يقع على الواحد والأثنين والجماعة لكونه مصدراً { تَسَوَّرُواْ } أتوه من أعلى سوره { الْمِحْرَابَ } صدر المجلس ومنه محراب المسجد ، أو مجلس الأشراف الذي يحارب عنه لشرف صاحبه ، أو الغرفة . حدث داود نفسه أنه إن ابتُلي اعتصم فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخد حذرك فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر من أحسن ما يكون فدرج بين يديه فهم بأخذه فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا ليأخذه فانقض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها وكان زوجها في الغزاة فكتب داود إلى أميرهم أن يجعل زوجها في حملة التابوت وكان حملة التابوت إما أن يفتح عليهم ، أو يقتلوا فقدمه فيهم فقتل فخطب زوجته بعد عدتها فشرطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة من بعده وكتبت عليه بذلك كتاباً فأشهدت فيه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشبَّ ، وتسور الملكان المحراب " ع " ولم يكونا خصمين ولا بغى أحدهما على الآخر وإنما قالا ذلك على الفرض والتقدير إن أتاك خصمان فقالا : كيت وكيت .
(5/285)

إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
{ فَفَزِعَ } لتسورهم من غير باب ، أو لإتيانهم في غير وقت جلوسه للنظر { بِالْحَقِّ } بالعدل { تُشْطِطْ } تمِل ، أو تَجُر ، أو تسرف ، مأخوذ من البعد شطت الدار بعُدت ، أو من الإفراط { سَوَآءِ الصِّرَاطِ } أرشدنا إلى قصد الحق ، أو عدل القضاء .
(5/286)

إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
{ أَخِى } صاحبي ، أو على ديني { نَعْجَةً } ضرب النعجة مثلاً لداود ، أو المرأة تسمى نعجة { اكْفِلْنِيهَا } ضمها إليَّ ، أو أعطنيها " ح " أو تحول عنها " ع " { وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ } قهرني في الخصومة ، أو غلبني على حقي من عزَّبَزَّ أي من غَلَبَ سَلَب ، أو إن تكلم كان أبين مني وإن بطش كان أشد مني وإن دعا كان أكثر مني .
(5/287)

قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
{ لَقَدْ ظَلَمَكَ } حكم عليك بالظلم بعد إقراره . وحذف ذكر الإقرار اكتفاء بفهم السامعين ، أو تقديره إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } وقليل منهم من يبغي بضعهم على بعض " ع " ، أو قليل من لا يبغي بعضهم على بعض " وما " صلة مؤكدة أو بمعنى الذي تقديره : قليل الذين هم كذلك { وَظَّنَّ دَاوُدُ } علم { فَتَنَّاهُ } اختبرناه " ع " ، أو ابتليناه ، أو شددنا عليه في التعبد قال قتادة : قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك فلما تبين له الذنب استغفر { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ } من ذنبه وهو سماعه من أحد الخصمين وقضاؤه له قبل أن يسمع من الآخر ، أو أشبع نظره من امرأة أو ريا وهي تغتسل حتى علقت بقلبه ، أو نيته أنه إن قُتل بعلها تزوجها وأحسن الخلافة عليها " ح " ، أو " إغراؤه زوجها ليستشهد " قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : " لو سمعت رجلاً يذكر أن داود عليه الصلاة والسلام قارف من تلك المرأة محرماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحدود الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ستون ومائة " . { رَاكِعاً } عَبَّر بالركوع عن السجود مكث ساجداً أربعين يوماً حتى نبت المرعى من دموعه فغطى رأسه ، ثم رفع رأسه وقد تقرح جبينه ومكث حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه وكان يدعو على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بوادٍ إلا قال : " اللهم اغفر للخطائين لعلك تغفر لي و لهم " .
(5/288)

فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
{ لَزُلْفَى } كرامة ، أو رحمة { مَئَابٍ } مرجع .
(5/289)

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
{ خَلِيفَةً } لله تعالى والخلافة : النبوة ، أو ملكاً ، أو خليفة لمن تقدمك { وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى } لا تمل مع من تهواه فتجور أو لا تحكم بما تهواه فتزل { سَبِيلِ اللَّهِ } دينه ، أو طاعته { بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ } تركهم العمل له ، أو بإعراضهم عنه " ح " .
(5/290)

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
{ الصَّافِنَاتُ } الخيل وصفونها : قيامها ، أو رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث { الْجِيَادُ } السراع لأنها تجود بالركض ، أو الطوال الأعناق من الجيد وهو العنق ، وطوله من صفة فراهتها .
(5/291)

فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
{ حُبَّ الْخَيْرِ } حب المال ، أو حب الخيل ، أو حب الدنيا { أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ } آثرت حب الخير ، أو تقديره أحببت حباً الخير ثم أضافه فقال حب الخير { ذِكْرِ رَبِّى } ذكر الله تعالى " ع " ، أو صلاة العصر سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى فقال : هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام { تَوَارَتْ } الشمس { بِالْحِجَابِ } وهو جبل أخضر محيط بالدنيا ، أو توارت الخيل بالحجاب والحجاب : الليل لستره ما فيه .
(5/292)

رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
{ فَطَفِقَ } بسوقها وأعناقها من شدة حبه لها " ع " ، أو ضرب عراقيبها وأعناقها لما شغلته عن الصلاة " ح " وكانت نفلاً ولم تكن فرضاً إذ ترك الفرض عمداً فسوق . فعل ذلك تأديباً لنفسه والخيل مأكولة فلم يكن ذلك إتلافاً يأثم به قاله الكلبي وكانت ألف فرس فعرقبت منها تسعمائة وبقي مائة فما في أيدي الناس من الخيل العتاق فمن نسل تلك المائة .
(5/293)

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
{ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } ابتليناه ، أو عاقبناه بأنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض ، أو غيره ، أو كانت له زوجة اسمها جرادة وكان بين أهلها وبين قوم خصومة فحكم بينهم بالحق ولكنه وَدَّ أن الحق كان لأهلها فقيل له : سيصيبك بلاء فجعل لا يدري أيأتيه البلاء من الأرض أم من السماء ، أو احتجب ثلاثة أيام عن الناس فأوحى الله تعالى إليه إني لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم من ظالمهم ، أو غزا ملكاً وسبا ابنته وأحبها وهي معرضة عنه تذكراً لأبيها لا تكلمه ولا تنظر إليه إلا شزراً ثم سألته أن يصنع لها تمثال على صورة أبيها ففعل فعظمته وسجدت له هي وجواريها وعبد في داره إربعين يوماً حتى فشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره ثم حرقه ثم ذراه في الريح ، أو قال للشيطان : كيف تضلون الناس فقال : أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه خاتمه فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه ، أو قال والله لأطوفن على نسائي في هذه الليلة كلهن سيحملن بغلام يقاتل في سبيل الله تعالى ولم يسْتثْنِ فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة فولدت له شق إنسان { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً } وجعلنا في ملكه جسداً والكرسي المُلْك ، أو ألقينا على سرير ملكه جسداً وهو جسد سليمان كان مريضاً ملقى على كرسيه ، أو وُلد له ولد فخاف عليه الجن فأودعه في السحاب يغذى في اليوم كالجمعة وفي الجمعة كالشهر فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتاً قاله الشعبي ، أو جعل الله تعالى ملكه في خاتمه وكان إذا أجنب ، أو أتى الغائط دفعه لأوثق نسائه فدفعه إليها يوماً فجاء شيطان في صورته فأخذه منها واسمها جرادة ، أو الأمينة . فجاء سليمان يطلبه فقالت : قد أخذته فأحسَّ سليمان ، أو وضع الخاتم تحت فراشه فأخذه الشيطان من تحته ، أو قال للشيطان : كيف تضلون الناس فقال : أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه الخاتم فجلس على كرسيه متشبهاً بصورته يقضي بغير الحق ويأتي نساء سليمان في الحيض أو منعه الله تعالى منهن فالجسد الشيطان الذي قعد على كرسيه واسمه صخر ، أو آصف ، أو حبقيق ، أو أسيد ثم وجد سليمان خاتمه في جوف سمكة بعد أربعين يوماً من زوال ملكه قيل : وجد الخاتم بعسقلان فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعاً لله تعالى ثم ظفر بالشيطان فجعله في تخت رخام وشدة بالنحاس وألقاه في البحر { ثُمَّ أَنَابَ } تاب من ذنبه ، أو رجع إلى ملكه ، أو برىء من مرضه .
(5/294)

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
{ وَهَبْ لِى مُلْكاً } سأل ذلك ليكون معجزة له ويستدل به على الرضا وقبول التوبة ، أو ليقوى به على عصاته من الجن فسخرت له حينئذ الريح ، أو { لا يَنبَغِى لأَحَدٍ مِّن بَعْدِى } في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه قيل : سأل ذلك بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتُلي " ح " .
(5/295)

فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
{ فَسَخَّرْنَا } ذللنا { رُخَآءً } طيبة ، أو سريعة ، أو لينة أو مطيعة ، أو ليست بالعاصف المؤذية ولا بالعصيفة المعصرة " ح " . { أَصَابَ } أراد بلسان هجر ، أو حيثما قصد من إصابة السهم الغرض المقصود .
(5/296)

وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
{ كُلَّ بَنَّآءٍ } في البر { وَغَوَّاصٍ } في البحر على حليته وجواهره .
(5/297)

وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
{ فِى الأَصْفَادِ } السلاسل ، أو الأغلال ، أو الوثاق " ع " ، ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم .
(5/298)

هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
{ هَذَا عَطَآؤُنَا } الملك الذي لا ينبغي لأحد والريح والشياطين { فَامْنُنْ } على الجن بالإطلاق ، أو الإمساك في عملك من غير حرج عليك في ذلك ، أو اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم { بِغَيْرِ حِسَابٍ } بغير تقدير فيما تعطي وتمنع ، أو بغير حرج ، أو لا تحاسب عليه في القيامة فما أنعم على أحد بنعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان ، أو التقدير هذا عطاؤنا بغير حساب أي جزاء ، أو قلة ، أو هذا عطاؤنا إشارة إلى غير مذكور وهو أنه كان في ظهره ماء مائة وكان له ثلاثمائة حرة وسبعمائة سُرِّية فقيل له { هَذَا عَطَآؤُنَا } يعني القوة على الجماع { فَامْنُنْ } بجماع من شئت من نسائك { أَوْ أَمْسِكْ } بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو تركت ، أو بغير عدد محصور فيمن استبحت ، أو نحكت وهذا خلاف الظاهر بغير دليل .
(5/299)

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
{ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ } من نسل يعقوب ، أو لم يكن من نسله كان في زمنه وتزوج ابنته ليا بن يعقوب وكانت أمه بنت لوط { مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ } بوسوسته وتذكيره ما كان فيه من نعمة وما صار إليه من بلية أو استأذن الشيطان ربه أن يسلطه على ماله فسلطه ثم على أهله وولده فلسطه ثم على جسده فسلطه ثم على قلبه فلم يسلطه فهذا مسه " ع " { بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } النصب الألم والعذاب السقم ، أو النصب في جلده والعذاب في ماله ، أو النصب العناء والعذاب البلاء .
(5/300)

ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
{ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } هما عينان في الشام بأرض يقال لها الجابية اغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله تعالى باطن دائه " ح " ، أو اغتسل من إحداهما فبرأ وشرب من الأخرى فروي { مُغْتَسَلٌ } موضع الغسل ، أو ما يغستل به ، ومرض سبع سنين وسبعة أشهر أو ثماني عشرة سنة مأثور .
(5/301)

وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
{ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ } كانوا مرضى فبرئوا ، أو غُيَّباً فردوا ، أو ماتوا عند الجمهور فرد الله تعالى عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم لأنهم ماتوا قبل آجالهم ابتلاءً ووهب له من أولادهم مثلهم " ح " ، أو ردوا عليه بأعيانهم ووُهب له مثلهم من غيرهم ، أو رد عليه ثوابهم في الجنة ووهبه مثلهم في الدنيا ، أو رد عليه أهله في الجنة وأصاب امرأته فجاءت بمثلهم في الدنيا ، أو لم يرد عليه منهم أحداً وكانوا ثلاثة عشر ووهب له من أمهم مثلهم فولدت ستة وعشرين ابناً قاله الضحاك { رَحْمَةً مِّنَّا } نعمة { وَذِكْرَى } عبرة لذوي العقول .
(5/302)

وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
{ ضِغْثاً } عثكال النخل بمشاريخه " ع " ، أو الأثل ، أو السنبل ، أو الثمام اليابس ، أو الشجر الرطب ، أو حزمة من حشيش ، أو ملء الكف من الحشيش أو الشجر ، أو الشماريخ وذلك خاص لأيوب عليه الصلاة والسلام أو يعم هذه الأمة ، لقي إبليس زوجة أيوب في صورة طبيب فدعته إلى مداواته فقال : أداويه على أنه إذا برىء قال : أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت : نعم فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها " ع " ، أو أتته بزيادة على عادتها من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها ، أو أغواها الشيطان على أن تحمل أيوب على أن يذبح له سخلاً ليبرأ بها فحلف ليجلدنها فلما برأ وعلم الله تعالى إيمانها أمره أن يضربها بالضغث رفقاً بها وبراً . وكان بلاؤه اختباراً لرفع درجته وزيادة ثوابه أو عقوبة على أنه دخل على بعض الجبابرة فرأى منكراً فكست عنه ، أو لأنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع لم يطعمه { أَوَّابٌ } راجع إلى ربه .
(5/303)

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)
{ الأَيْدِى } القوة على العبادة { وَالأَبْصَارِ } الفقه في الدين ، أو الأيدي القوة في أمر الله تعالى والأبصار العلم بكتابه أو الأيدي النعم والأبصار العقول ، أو الأيدي قوة أبدانهم والأبصار قوة أديانهم ، أو الأيدي العمل والأبصار العلم قيل : لم يذكر معهم إسماعيل لأنه لم يتبلَ وابتلي إبراهيم بالنار وإسحاق بالذبح ويعقوب بذهاب البصر .
(5/304)

إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
{ أَخْلَصْنَاهُمْ } نزعنا ذكر الدنيا وحبها من قلوبهم وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها ، أو اصطفيناهم بأفضل ما في الآخرة وأعطيناهم إياه ، أو أخلصناهم بخاصلة الكتب المنزلة التي فيها ذكر الآخرة مأثور ، أو أخلصناهم بالنوبة وذكر الدار الآخرة ، أو أخلصناهم من العاهات والأفات وجعلناهم ذاكرين للدار الآخرة .
(5/305)

وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
{ أَتْرَابٌ } أمثال ، أو أقران ، أو متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن ، أو مستويات الأسنان بنات ثلاث وثلاثين ، أو أتراب أزواجهن خلقن على مقاديرهم والترب اللذة مأخوذ من اللعب بالتراب .
(5/306)

هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
{ فَلْيَذُوقُوهُ } منه حميم ومنه غساق ، أو تقديره هذا حميم وغساق فليذوقوه { وَغَسَّاقٌ } البارد الزمهرير " ع " ، أو قيح يسيل من جلودهم ، أو دموع تسيل من أعينهم ، أو عين تسيل في جهنم لها حُمَةُ كُلٍّ ذي حُمَةٍ من حية أو عقرب ، أو المنتن مأثور . أو السواد والظلمة ضد ما يراد من صفاء الشراب ورقته وهو بلغة الترك أو عربي من الغسق وهو الظلمة ، أو من غسقت القرحة إذا خرجت .
(5/307)

وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
{ وأُخَرُ من } شكل العذاب أنواع ، أو من شكل عذاب الدنيا في الآخرة لم تر في الدنيا " ح " ، أو الزمهرير { أَزْوَاجٌ } أنواع ، أو ألوان أو مجموعة .
(5/308)

هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
{ فَوْجٌ } يدخلونها قوم بعد قوم فالفوج الأول بنو إبليس والثاني بنو آدم " ح " ، أو كلاهما بنو آدم الأول الرؤساء والثاني الأتباع أو الأول قادة المشركين ومطعموهم ببدر والثاني أتباعهم ببدر يقول الله تعالى للفوج الأول عند دخول الفوج الثاني { هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } فيقولون { لا مَرْحَباً بِهِمْ } فيقول الفوج الثاني بل أنتم { لا مَرْحَباً بِكُمْ } أو قالت الملائكة لبني إبليس { هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ } إشارة إلى بني آدم لما أدخلوا عليهم فقال بنو إبليس لا مرحباً بهم فقال بنو آدم بل أنتم لا مرحباً بكم { قَدَّمْتُمُوهُ } شرعتموه وجعلتم لنا إليه قدماً ، أو قدمتم لنا هذا العذاب بإضلالنا على الهدى ، أو قدمتم لنا الكفر ، الموجب لعذاب النار { فَبِئْسَ الْقَرَارُ } بئس الدار النار . { مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا } من سنه وشرعه ، أو من زينه { مَرْحَباً } المرحب والرحب السعة ومنه الرحبة لسعتها معناه لا اتسعت لكم أماكنكم .
(5/309)

وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
{ مَا لَنَا لا نَرَى } يقوله أبو جهل وأتباعه { رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم } عماراً وصهيباً وبلالاً وابن مسعود .
(5/310)

أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
{ سِخْرِيّاً } من الهزؤ وبالضم من التسخير { زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ } يعني أهم معنا في النار أم زاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم ولا نعلم مكانهم وإن كانوا معنا في النار وقال الحسن رضي الله تعالى عنه : كلا قد فعلوا اتخذوهم سخرياً وزاغب عنهم أبصارهم حقرية لهم .
(5/311)

قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)
{ هُوَ نَبَؤٌاْ } القيامة لأن الله تعالى أنبأ بها في كتابه ، أو القرآن لأنه أنبأنا به فعرفناه ، أو أنبأ به عن الأولين { عَظِيمٌ } زواجره وأوامره أو عظيم قدره كثير نفعه .
(5/312)

مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
{ بِالْمَلإِ الأَعْلَى } الملائكة { يَخْتَصِمُونَ } قولهم { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [ البقرة : 30 ] " ع " ، أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم سألني ربي فقال يا محمد " فيم يختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات والتعقيب في المساجد انتظار الصلوات قال وما الدرجات قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام " .
(5/313)

قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
{ بِيَدَىَّ } بقوتي ، أو قدرتي ، أو توليت خلقه بنفسي ، أو خلقته بيدي صفة ليست بجارحة { أَسْتَكْبَرْتَ } عن الطاعة أم تعاليت عن السجود .
(5/314)

قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
{ فَالْحَقُّ } أنا وأقول الحقَّ ، أو الحقُّ مني والحقُّ قولي ، أو أقول حقاً حقاً لأملأن جهنم " ح " .
(5/315)

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
{ مَآ أَسْئَلُكُمْ } على طاعة الله ، أو على القرآن أجراً { الْمُتَكَلِّفِينَ } للقرآن من تلقاء نفسي ، أو لأن آمركم بما لم أُؤمر به ، أو ما أنا بمكلفكم الأجر .
(5/316)

وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
{ نَبَأَهُ } نبأ القرآن أنه حق ، أو محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول ، أو الوعيد أنه صدق { بَعْدَ حِينٍ } بعد الموت ، أو يوم بدر ، أو القيامة .
(5/317)

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
{ الْعَزِيزِ } في ملكه { الْحَكِيمِ } في أمره ، أو العزيز في نقمته الحكيم في عدله .
(5/318)

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
{ مُخْلِصاً } للتوحيد ، أو للنية لوجهه { الدِّينَ } الطاعة ، أو العبادة .
(5/319)

أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
{ الدِّينَ الْخَالِصُ } شهادة أن لا إله إلا الله ، أو الإسلام " ح " ، أو ما لا رياء فيه من الطاعات . { مَا نَعْبُدُهُمْ } قالته قريش في أوثانها وقاله من عبد الملائكة وعُزيراً وعيسى { زُلْفَى } منزلة ، أو قرباً ، أو الشفاعة ها هنا .
(5/320)

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
{ يُكَوِّرُ الَّيْلَ } يحمل كل واحد منهما على الآخر " ع " ، أو يغشي الليل على النهار فيذهب ضوءه ويغشي النهار على الليل فتذهب ظلمته ، أو يرد نقصان كل واحد منهما في زيادة الآخرة .
(5/321)

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
{ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } آدم { زَوْجَهَا } حواء خلقها من ضلع آدم السفلي ، أو خلقها من مثل ما خلقه منه { وَأَنزَلَ لَكُم } جعل " ح " أو أنزلها بعد أن خلقها في الجنة { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } المذكورة في سورة الأنعام { خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم لحماً ، أو خلقاً في بطون أمهات بعد خلق في ظهر آبائكم قاله ابن زيد { ظُلُمَاتٍ ثلاثٍ } ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة " ع " ، أو ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم .
(5/322)

وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
{ مُنِيباً } مخلصاً له ، أو مستغيثاً به ، أو مقبلاً عليه { نِعْمَةً مِّنْهُ } تَرَكَ الدعاء ، أو عافيةً نسي الضر ، والتخويل العطية من هبة ، أو منحة .
(5/323)

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
{ قَانِتٌ } مطيع ، أو خاشع في الصلاة ، أو قائم فيها ، أو داعٍ لربه { ءَانَآءَ الَّيْلِ } جوف الليل " ع " ، أو ساعاته " ح " ، أو ما بين المغرب والعشاء . { رَحْمَةَ رَبِّهِ } نعيم الجنة . نزلت في الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما " ع " ، أو عثمان بن عفان ، أو عمار وصهيب وأبي ذر وابن مسعود ، أو مرسلة فيمن هذا حاله { أَمَّنْ } فجوابه كمن ليس كذلك ، أو كمن جعل لله أنداداً . ومن جعل له نداء فمعناه : يا من هو قانت { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ } الذي يعلمون هذا فيعلمون له والذين لا يعلمونه ولا يعلمون به ، أو الذين يعلمون أنهم ملاقو ربهم والذين لا يعلمون المشركون الذين جعلوا لله أنداداً ، أو الذي يعلمون نحن والذين لا يعلمون هم المرتابون في هذه الدنيا .
(5/324)

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
{ حَسَنَةٌ } في الآخرة وهي الجنة ، أو في الدنيا زيادة على ثواب الآخرة وهو ما رزقهم من خير الدنيا ، أو العافية والصحة أو طاعة الله في الدنيا وجنته في الآخرة " ح " ، أو الظفر والغنيمة . { وَأَرْضُ اللَّهِ } أرض الجنة ، أو أرض الهجرة { بِغَيْرِ حِسَابٍ } بغير منّ ولا تباعة أو لا يحسب عليهم ثواب عملهم فقط ولكن يزادون على ذلك ، أو يعطونه جزافاً غير مقدر أو واسعاً بغير ضيق قال علي رضي الله تعالى عنه كل أجر يكال كيلاً ويوزن وزناً إلا أجر الصابرين فإنه يحثى لهم حثواً .
(5/325)

فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
{ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } بهلاك النار وخسروا أهليهم بأن لا يجدوا في النار أهلاً وقد كان لهم في الدنيا أهل ، أو خسروا أنفسهم بما حرموا من الجنة وأهليهم : الحور العين الذين أُعدوا لهم في الجنة " ح " .
(5/326)

وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
{ الطَّاغُوتَ } الشيطان ، أو الأوثان أعجمي كهاروت وماروت أو عربي من الطغيان { وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ } أقبلوا عليه أو استقاموا إليه . { الْبُشْرَى } الجنة ، أو بشارة الملائكة للمؤمنين .
(5/327)

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
{ الْقَوْلَ } كتاب الله ، أو لم يأتيهم كتاب الله ولكنهم استمعوا أقوال الأمم . قاله ابن زيد { أَحْسَنَهُ } طاعة الله ، أو لا إله إلا الله ، أو أحسن ما أُمِروا به ، أو إذا سمعوا قول المشركين وقول المسلمين اتبعوا أحسنه وهو الإسلام ، أو يسمع حديث الرجل فيحدث بأحسنه ويمسك عن سواه فلا يحدث به " ع " قال ابن زيد نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان اجتنبوا الطاغوت في الجاهلية واتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم .
(5/328)

أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
{ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ } وسعه للإسلام حتى ثبت فيه أو شرحه بفرحه وطمأنينته إليه { نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } هدى ، أو كتاب الله يأخذ به وينتهي إليه نزلت في الرسول صلى الله عليه سلم ، أو في عمر ، أو في عمار بن ياسر تقديره : أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم } القاسية قلوبهم قيل : أبو جهل وأتباعه من قريش .
(5/329)

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
{ مُّتَشَابِهًا } في نوره وصدقه وعدله ، أو متشابه الآي والحروف { مَّثَانِىَ } لأنه ثنى فيه القضاء ، أو قصص الأنبياء ، أو ذكر الجنة والنار ، أو الآية بعد الآية والسورة بعد السورة ، أو تثنى تلاوته فلا يُمل لحسنه ، أو يفسر بعضه بعضاً ويرد بعضه على بعض " ع " أو المثاني اسم لأواخر الآي والقرآن أسم جميعه والسورة اسم كل قطعة منه والآية اسم كل فصل من السورة { تَقْشَعِرُّ } من وعيده وتلين من وعده ، أو تقشعر من الخوف وتلين من الرجاء " ع " ، أو تقشعر من إعظامه وتلين القلوب عند تلاوته .
(5/330)

أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
{ يَتَّقِى بِوجْهِهِ } تبدأ النار بوجهه إذا دخلها ، أو يسحب على وجهه إليها .
(5/331)

كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)
{ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ } فجأة ، أو من مأمنهم .
(5/332)

قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
{ عِوَجٍ } لبس ، أو اختلاف ، أو شك .
(5/333)

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
{ مُتَشَاكِسُونَ } متنازعون ، أو مختلفون ، أو متعاسرون ، أو متضايقون . رجل شكس أي ضيق الصدر ، أو متظالمون؛ شكسني مالي أي ظلمني { سالماً } مُخلِصاً مثل لمن عبد آلهة ومن عبد إلهاً واحداً لأن العبد المشترك لا يقدر على توفية حقوق سادته من الخدمة والذي سيده واحد يقدر على القيام بخدمته .
(5/334)

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
{ إِنَّكَ مَيِّتٌ } ستموت ، الميَّت بالتشديد الذي سيموت وبالتخفيف من قد مات . ذكرهم الموت تحذيراً من الآخرة ، أو حثاً على الأعمال ، أو لئلا يختلفوا في موته كاختلاف الأمم في غيره وقد احتج بها أبو بكر على عمر رضي الله تعالى عنهما لما أنكر موته ، أو ليعلمه الله تعالى أنه سوّى فيه بين خلقه . وكل هذه احتمالات يجوز أن يراد كلها ، أو بعضها .
(5/335)

ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
{ تَخْتَصِمُونَ } فيما كان بينهم في الدنيا ، أو المداينة أو الإيمان والكفر ، أو يخاصم الصادق الكاذب والمظلوم الظالم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر " ع " قال الصحابة . لما نزلت ما خصومتنا بيننا فلما قتل عثمان رضي الله تعالى عنه قالوا : هذه خصومتنا بيننا .
(5/336)

وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
{ وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ } محمد ، أو الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام ، أو جبريل عليه السلام ، أو المؤمنون جاءوا بالصدق يوم القيامة ، والصدق لا إله إلا الله " ع " ، أو القرآن { وَصَدَّقَ بِهِ } الرسول صلى الله عليه وسلم أو مؤمنو هذه الأمة ، أو أتباع الأنبياء كلهم ، أو أبو بكر ، أو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما والذي ها هنا يراد به الجمع وإن كان مفرد اللفظ .
(5/337)

لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
{ أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُواْ } قبل الإيمان والتوبة ، أو الصغائر لأنهم قد اتقوا الكبائر .
(5/338)

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
{ بِكَافٍ عَبْدَهُ } محمداً صلى الله عليه وسلم كفاه الله تعالى المشركين { بِكَافٍ عباده } الأنبياء { بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ } خوفوه بأوثانهم يقولون تعفل بك كذا وتفعل ، أو خوفوه من أنفسهم بالتهديد والوعيد .
(5/339)

قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
{ مَكَانَتِكُمْ } ناحيتكم ، أو تمكنكم ، أو شرككم { عَامِلٌ } على ما أنا عليه من الهدى .
(5/340)

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
{ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ } يقبض أرواحها من أجسادها ويقبض نفس النائم عن التصرف مع بقاء الروح في الجسد { فَيُمْسِكُ } أرواح الموتى أن تعود إلى أجسادها ويرسل نفس النائم فيطلقها باليقظة للتصرف إلى أجل موتها ، أو لكل جسد نفس وروح فيقبض بالنوم النفوس دون الأرواح حتى تتقلب بها وتتنفس ويقبض بالموت الأرواح والنفوس فيمسك نفوس الموتى فلا يردها إلى أجسادها ويرد نفوس النيام إلى أجسادها حتى تجتمع مو روحها إلى أجل موتها " ع " ، أو يقبض أرواح النيام بالنوم والأموات بالموت فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت فلا يعيدها ويرسل الأخرى فيعيدها قاله علي رضي الله تعالى عنه فما رأته النفس وهي في السماء قبل إرسالها فهي الرؤيا الصادقة وما رأتته بعد الإرسال وقبل الاستقرار في الجسد يلقها الشياطين ويخيل لها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة .
(5/341)

وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
{ اشْمَأَزَّتْ } انقبضت ، أو نفرت ، أو استكبرت .
(5/342)

قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
{ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الهدى والضلال .
(5/343)

فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
{ فَإِذَا مّسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ } نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة { عَلَى عِلْمٍ } عندي : على خبر عندي ، أو بعلمي ، أو علمت أن سوف أصيبه أو علم يرضاه عني ، أو بعلم علمنيه الله إياه " ح " { بَلْ هِىَ } النعمة ، أو مقالته : أوتيته على علم { فِتْنَةٌ } بلاء ، أو اختبار { لا يَعْلَمُونَ } البلاء من النعماء .
(5/344)

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
{ أَسْرَفُواْ } بالشرك { تَقْنَطُواْ } تيأسوا { يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } بالتوبة منها " ح " ، أو بالعفو عنها إلا الشرك ، أو يغفر الصغائر باجتناب الكبائر نزلت والتي بعدها في وحشي قاتل حمزة قال علي : ما في القرآن آية أوسع منها . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما أحب أن لي الدنيا وما عليها بهذه الآية " .
(5/345)

وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)
{ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ } تأدية الفرائض ، أو طاعة الله تعالى في الحلال والحرام ، أو الناسخ دون المنسوخ ، أو الأخذ بما أمروا به والكف عما نهوا عنه أو ما أمرهم به في كتابه .
(5/346)

أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
{ جَنبِ اللَّهِ } مجانبة أمره ، أو في طاعته ، أو في ذكره وهو القرآن ، أو في قرب الله من الجنة ، أو في الجانب المؤدي إلى رضا الله . والجنب والجانب سواء ، أو في طلب القرب من الله { والصاحب بالجنب } [ النساء : 36 ] أي بالقرب { السَّاخِرِينَ } المستهزئين بالقرآن ، أو بالنبي والمؤمنين " ع " .
(5/347)

وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
{ بِمَفَازَتِهِمْ } بنجاتهم من النار ، أو بما فازوا به من الطاعة ، أو بما ظفروا به من الإرادة { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما فاتهم من لذات الدنيا أو لا يخافون سوء العذاب .
(5/348)

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
{ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ } ما عظموه حق عظمته إذ عبدوا الأوثان دونه ، أو دعوك إلى عبادة غيره ، أو ما وصفوه حق صفته { قَبْضَتُهُ } أي هي في مقدروه كالذي يقبض القابض عليه في قبضته { بِيَمِينِهِ } بقوته لأن اليمين القوة ، أو في ملكه لقوله { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء : 3 ] .
(5/349)

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
{ فَصَعِقَ } الصعقة : الغشية ، أو الموت عند الجمهور { إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ } جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ثم يقبض ملك الموت أرواحهم بعد ذلك مأثور ، أو الشهداء ، أو هو الله الواحد القهار . والعجب من الحسن يقول هذا مع أن المشيئة لا تتعلق بالقديم { قِيَامٌ } على أرجلهم { يَنظُرُونَ } إلى البعث الذي أُعيدوا به .
(5/350)

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
{ وَأَشْرَقَتِ } أضاءت { بِنُورِ رَبِّهَا } بعدله ، أو بنور قدرته ، أو نورٌ خلَقه لإشراق أرضه ، أو اليوم الذي يقضي فيه بين الخلق لأنه نهار لا ليل معه { الْكِتَابُ } الحساب ، أو كتاب الأعمال { وَالشُّهَدَآءِ } الملائكة الذين يشهدون على أعمال العباد ، أو الذين استشهدوا في طاعة [ الله ] . { بِالْحَقِّ } بالعدل { لا يُظْلَمُونَ } بنقص الحسنات ، أو الزيادة في السيئات .
(5/351)

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
{ زُمَراً } أفواجاً ، أو أمماً ، أو جماعات ، أو جماعات متفرقة بعضها إثر بعض ، أو دفعاً وزجراً لصوت كصوت المزمار ومنه قولهم مزامير داود .
(5/352)

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
{ طِبْتُمْ } بالطاعة ، أو بالعمل الصالح ، أو على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشربون من إحداهما فتطهر أجوافهم ويشربون من الأخرى فتطيب أبشارهم فحينئذ يقول { خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } فإذا دخلوها قالوا { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ } بالجنة ثواباً على الإيمان ، أو بظهور دينه على الأديان وبالجزاء في الآخرة على الإيمان . { وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ } أرض الدنيا ، أو أرض الجنة عند الأكثرين سماها ميراثاً لأنها صارت إليهم في آخر الأمر كالميراث ، أو لأنهم ورثوها عن أهل النار { نَتَبَوَّأُ } ننزل { حَيْثُ نَشَآءُ } من قرار أو علوا ، أو من منازل ، أو مَنَازِه .
(5/353)

وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
{ حَآفِّينَ } محدقين { يُسَبِّحُونَ } تلذذاً { بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } بمعرفة ربهم " ح " ، أو يذكرون بأمر ربهم { وَقَضِىَ } بين بعضهم لبعض ، أو بين الرسل والأمم { بِالْحَقِّ } بالعدل { وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ } يحمده الملائكة على عدله وقضائه أو يحمده المؤمنون .
(5/354)

حم (1)
{ حم} اسم للقرآن ، أو لله أقسم به ، أو حروف مقطعة من أسمه { الرَّحْمَنِ } و { الر } و { حم} { ن } هي الرحمن قاله ابن جبير ، أو هو محمد صلى الله عليه وسلم أو فواتح السور .
(5/355)

غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{ غَافِرِ الذَّنبِ } لمن استغفره ، أو ساتِره على من شاء ، أو هو موصوف بمغفرته { وَقَابِلِ التَّوْبِ } بإسقاط الذنب بها مع الإثابة عليها { ذِي الطَّوْلِ } النعم " ع " ، أو القدرة ، أو الغنى والسعة ، أو الجزاء والمن ، أو الفضل ، والمن : عفو عن ذنب ، والفضل : إحسان غير مستحق وأخُذ الطُّول من الطول كأنه طال بإنعامه على غيره ، أو لأنه طالت مدة إنعامه .
(5/356)

مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)
{ يُجَادِلُ } يماري ، أو يجحد ولا تكون المجادلة إلا بين مبطلين أو مبطل ومحق والمناظرة بين المحقين ، أو المجادلة قتل الخصم عن مذهبه حقاً كان أو باطلاً والمناظرة التوصل إلى الحق في أي جهة كان . نزلت في الحارث بن قيس أحد المستهزئين { تَقَلُّبُهُمْ } في السعة والنعمة أو تقلبهم في الدنيا بغير عذاب والتقلب الإقبال والإدبار وتقلب الأسفار نزلت لما قال المسلمون نحن في جَهْد والكفار في سَعة .
(5/357)

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)
{ لِيَأخُذُوهُ } ليقتلوه ، أو ليحبسوه ويعذبوه والأسير أخيذ لأنه يؤسر للقتل وأخذهم له عند دعائه لهم ، أو عند نزول العذاب بهم { وَجَادَلُواْ } بالشرك ليبطلوا به الإيمان { فَأَخَذْتُهُمْ } فعاقبتهم { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } سؤال عن صدق العقاب ، أو عن صفته . قال قتادة : شديد والله .
(5/358)

وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
{ وَكَذَلِكَ } أي كما حقت كلمة العذاب على أولئك حقت على هؤلاء { حَقَّتْ } وجب عذاب ربك ، أو صدق وعده أنهم أصحاب النار جعلهم لها أصحاباً لملازمتهم لها .
(5/359)

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
{ رَّحْمَةً } نعمة عليه { وَعِلْماً } به ، أو وسعت رحمتك وعلمك كل شيء كقولهم : طبت نفساً { تَابُواْ } من الشرك { سَبِيلَكَ } الإسلام لأنه طريق الجنة { وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } بتوفيقهم لطاعتك .
(5/360)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
{ يُنَادَوْنَ } في القيامة ، أو في النار { لَمَقْتُ اللَّهِ } لكم إذا دعيتم إلى الإيمان فكفرتم { أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ } أنفسكم لما عاينتم العذاب وعلمتم أنكم من أهل النار " ح " ، أو مقته إياكم إذا عصيتموه أكبر من مقت بعضكم لبعض حين علمتم أنهم أضلوكم واللام في " لمقت " لام اليمين تدخل على الحكاية ، أو ما ضارعها ، أو لام ابتداء قاله البصريون .
(5/361)

قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
{ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } إحداهما خلقهم أمواتاً في الأصلاب والأخرى موتهم في الدنيا وحياة في الدنيا والثانية بالبعث أو أحياهم يوم الذر لأخذ الميثاق ثم أماتهم ثم أخرجهم أحياء ثم أماتهم بآجالهم ثم أحياهم للبعث فيكون حياتان وموتتان في الدنيا وحياة في الآخرة ، أو أحياهم في الدنيا ثم أماتهم فيها ثم أحياهم في القبور ثم أماتهم ثم أحياهم بالبعث { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } فاعترفوا بحياتين بعد موتتين وكانوا ينكرون البعث بعد الموت { مِّن سَبِيلٍ } هل من طريق نرجع فيها إلى الدنيا فنقر بالبعث ، أو هل عمل نخرج به من النار ونتخلص به من العذاب " ح " .
(5/362)

ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
{ كَفَرْتُمْ } بتوحيده . { تُؤْمِنُواْ } بالأوثان ، أو تصدقوا من أشرك به { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ } في جزاء الكافر وعقاب العاصي { الْعَلِىِّ } شأنه ولا يوصف بأنه رفيع لأنها لا تستعمل إلا في ارتفاع المكان والعلي منقول من علو المكان إلى علو الشأن .
(5/363)

رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ } رفيع السموات السبع ، أو رافع درجات أوليائه ، أو عظيم الصفات { الرُّوحَ } الوحي ، أو النبوة أو القرآن " ع " ، أو الرحمة ، أو أرواح عباده لا ينزل ملك [ إلا ] ومعه منها روح أو جبريل عليه السلام يرسله بأمره { لِيُنذِرَ } الله تعالى أو الأنبياء عليه الصلاة والسلام { يَوْمَ التَّلاقِ } القيامة يلتقي فيه الخالق والخلق ، أو أهل السماء وأهل الأرض ، أو الأولون والآخرون " ع " .
(5/364)

يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
{ بَارِزُونَ } من قبورهم { لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ } من أعمالهم شيء أو أبرزهم جميعاً لأنه لا يخفى عليه شيء من خلقه { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } يقوله الله تعالى بين النفختين إذا لم يبق سواه فيجيب نفسه فيقول { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } لأنه بقي وحده وقهر خلقه ، أو يقوله الله في القيامة والخلائق سكوت فيجيب نفسه ، أو تجيبه الخلائق كلهم مؤمنهم وكافرهم فيقولون : لله الواحد القهار . قاله ابن جريج .
(5/365)

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
{ يَوْمَ الأَزِفَةِ } حضور المنية ، أو القيامة لدنوها { إِذِ الْقُلُوبُ } النفوس بلغت الحناجر عند حضور المنية ، " أو القلوب تخاف في القيامة " فتبلغ الحناجر خوفاً فلا هي تخرج ولا تعود إلى أماكنها . { كَاظِمِينَ } مغمومين ، أو باكين ، أو ساكتين والكاظم الساكت على امتلائه غيظاً ، أو ممسكين بحناجرهم من كظم القربة وهو شد رأسها { حَمِيمٍ } قريب ، أو شفيق { يُطَاعُ } يجاب إلى الشفاعة سمى الإجابة طاعة لموافقتها إرادة المجاب .
(5/366)

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
{ خَآئِنَةَ الأَعْيُنِ } الرمز بالعين ، أو النظرة بعد النظرة أو مسارقة النظر " ع " ، أو النظر إلى ما نُهي عنه ، أو قوله رأيت وما رأى ، أو ما رأيت وقد رأى سماها خائنة لخفائها كالخيانة ، أو لأن استراق نظر المحظور خيانة . { وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ } الوسوسة ، أو ما تضمره إذا قدرت عليها تزني بها أم لا " ع " ، أو ما يُسرُّه من أمانة وخيانة وعبّر عن القلوب بالصدور لأنها مواضعها .
(5/367)

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
{ قُوَّةً } بطشاً ، أو قدرة { وَءَاثَاراً فِى الأَرْضِ } بخرابها وعمارتها . أو مشيتهم فيها بأرجلهم ، أو بعد الغاية في الطلب ، أو طول الأعمار ، أو آثارهم في المدائن والأبنية .
(5/368)

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
{ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى } أشيروا عَلَيَّ بقتله لأنهم كانوا أشاروا أن لا يقتله ولو قتله لمنعوه ، أو ذروني أتولى قتله لأنهم قالوا هو ساحر إن قتلته هلكت لأنه لو أمر بقتله خالفوه ، أو كان في قومه مؤمنون يمنعونه من قتله فسألهم أن يمكنوه من قتله { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } وليسأله فإنه لا يجاب ، أو يستعينه فإنه لا يعان { دِينَكُمْ } " عبادتكم " ، أو أمركم الذي أنتم عليه " { الْفَسَادَ } عنده هو الهدى " ، أو العمل بطاعة الله ، أو محاربته لفرعون بمن آمن معه ، أو أن يقتلوا أبناءكم ويستحيون نساءكم إن ظهروا عليكم كما كنتم تفعلون بهم .
(5/369)

وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
{ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ } ابن عم فرعون ، أو من جنسه من القبط ولم يكن من أهله كان ملكاً على نصف الناس وكان له الملك بعد فرعون بمنزلة ولي العهد وهو الذي قال لموسى { إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [ القصص : 20 ] ولم يؤمن من آل فرعون غيره وغير امرأة فرعون وكان مؤمناً قبل مجيء موسى ، أو آمن بمجيء موسى وصدق به { يَكْتُمُ إِيمَانَهُ } رفقاً بقومه ثم أظهره بعد ذلك فقال في حال كتمانه { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً } لأجل قوله { رَبِّىَ اللَّهُ } { بِالْبَيِّنَاتِ } الحلال والحرام ، أو العصا واليد . والطوفان والسنين ونقص من الثمرات وغيرها من الآيات { وَإِن يَكُ كَاذِباً } قاله تلطفاً ولم يقله شكاً { بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ } لأنه وعدهم النجاة إن آمنوا والهلاك إن كفروا فإذا كفروا أصابهم أحد الأمرين وهو بعض الذي وعدهم ، أو وعدهم على الكفر بهلاك الدنيا وعذاب الآخرة فهلاكهم في الدنيا بعض الذي وعدهم ، أو بعض الذي يعدهم هو أول العذاب لأنه يأتيهم حالاً فحالاً فحذرهم بأوله الذي شكوا فيه وما بعد الأول فهم على يقين منه ، أو البعض يستعمل في موضع الكل توسعاً . قال :
قد يُدرِك المتأنِّي بعضَ حاجتهِ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/370)

يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
{ ظَاهِرِينَ } غالبين في أرض مصر قاهرين لأهلها يذكرهم المؤمن بنعم الله عليهم { بَأْسِ اللَّهِ } عذابه قال ذلك تحذيراً منه وتخويفاً فعلم فرعون ظهور حجته فقال { مَآ أُرِيكُمْ } ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي و { سَبِيلَ الرَّشَادِ } عنده التكذيب بموسى .
(5/371)

وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
{ يَوْمَ التَّنَادِ } يوم القيامة ينادي بعضهم بعضاً يا حسرتا ويا ويليتا ويا ثبوراه ، أو ينادي { أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا } [ الآية : الأعراف : 44 ] . ويناديهم أصحاب النار { أَفِيضُواْ عَلَيْنَا } الآية [ الأعراف : 50 ] . والتنادِّ بالتشديد الفرار وفي حديث " أن للناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مفراً ثم تلا هذه الآية " .
(5/372)

يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
{ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } في انطلاقهم إلى النار ، أو في فرارهم منها حين يقذفوا فيها { عَاصِمٍ } نار ، أو مانع وأصل العصمة المنع . قاله موسى ، أو مؤمن آل فرعون .
(5/373)

وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
{ يُوسُفُ } بن يعقوب أُرسل إلى القبط بعد موت الملك { بِالْبَيِّنَاتِ } وهي الرؤيا ، أو بعث الله إليهم رسولاً من الجن يقال له يوسف .
(5/374)

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)
{ صَرْحاً } مجلساً " ح " ، أو قصراً ، أو بناء بالآجر ، أو الآجر معناه أوقد لي على الطين حتى يصير آجراً .
(5/375)

أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)
{ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ } طرقها ، أو أبوابها ، أو ما بينها { فَأَطَّلِعَ } قال ذلك بغلبة الجهل والغباوة عليه ، أو تمويها على قومه مع علمه باستحالته " ح " { فِى تَبَابٍ } خسران " ع " أو ضلال في الآخرة لمصيره إلى النار أو في الدنيا لما أطلعه الله عليه من أهلاكه .
(5/376)

لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
{ لا جَرَمَ } لا بد ، أو لقد حق واستحق ، أو لا يكون إلا جواباً كقول القائل : فعلوا كذا فيقول المجيب لا جرم أنهم سيندمون { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ } من عبادة غير الله { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ } لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة ، أو لا ينفع ولا يضر فيهما ، أو لا يشفع فيهما { مَرَدَّنَآ } رجوعنا إلى الله بعد الموت ليجزينا بأعمالنا { الْمُسْرِفِينَ } المشركون ، أو سافكوا الدماء بغير حق .
(5/377)

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
{ فَسَتَذْكُرُونَ } في الآخرة ، أو عند نزول العذاب { وَأُفَوِّضُ } أسلم ، أو أتوكل على الله ، أو أشهده عليكم { بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } بمصيرهم ، أو بأعمالهم قاله موسى ، أو المؤمن فأظهر به إيمانه .
(5/378)

فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
{ فَوَقَاهُ اللَّهُ } بإنجائه مع موسى وغرق فرعون ، أو خرج هارباً من فرعون إلى جبل يصلي فيه فأرسل فرعون في طلبه فوجدوه يصلي فذبت السباع والوحوش عنه فرجعوا فأخبروا به فرعون فقتلهم . { وَحَاقَ بِآلِ فِرعَوْنَ } الفرق ، أو قتله للذين أخبروه عن المؤمن ، أو عبّر عن فرعون بآل فرعون .
(5/379)

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
{ يُعْرَضُونَ } يعرض عليهم مقاعدهم غدوة وعشية ويقال يا آل فرعون هذه منازلكم ، أو أرواحهم في أجواف طير سود تغدوا على جهنم وتروح ، أو يعذبون بالنار في قبورهم غدوة وعشية وهذا خاص بهم { تَقُومُ السَّاعَةُ } قيامها وجود صفتها على استقامة قامت السوق إذا حضر أهلها على استقامة في وقت العادة { أَشَدَ الْعَذَابِ } لأن عذاب جهنم مختلف قال الفَرَّاء فيه تقديم وتأخير تقديره : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها .
(5/380)

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)
{ لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ } بإفلاج حججهم ، أو بالانتقام لهم فما قتل قوم نبياً أو قوماً من دعاة الحق إلا بُعث من ينتقم لهم فصاروا منصورين في الدنيا وإن قتلوا { وَيَوْمَ يَقُومُ } بنصرهم في القيامة بإعلاء كلمتهم وإجزال ثوابهم ، أو بالانتقام من أعدائهم { الأَشْهَادُ } الأنبياء شهدوا على الأنبياء بالإبلاغ وعلى أممهم بالتكذيب ، أو الأنبياء والملائكة أو الملائكة والنبيون المؤمنون جمع شهيد كشريف وأشراف ، أو جمع شاهد كصاحب وأصحاب .
(5/381)

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } ما وعد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بعطائه ، أو أن يعذب كفار مكة { وَاسْتَغْفِرْ } من ذنب إن كان منك { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } صلِّ بأمر ربك { بِالْعَشِىِّ وَالإِبْكَارِ } صلاة العصر والغداة ، أو العشي ميل الشمس إلى أن تغيب والإبكار أول الفجر ، أو هي صلاة مكة قبل فرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية " ح " .
(5/382)

إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
{ سُلْطَانٍ } حجة { كِبْرٌ } العظمة التي في كفار قريش ما هم ببالغيها ، أو ما يستكبر من الاعتقاد وهو تأميل قريش أن يهلك الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ، أو قول اليهود الدجَّال منا وتعظيمه واعتقادهم أنهم سيملكون وينتقمون منا { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } من كفرهم { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لأقوالهم { الْبَصِيرُ } بضمائرهم .
(5/383)

لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
{ لَخَلْقُ الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ } من خلق الدجَّال لما عظمت اليهود شأنه ، أو أكبر من إعادة خلق الناس ، أو أكبر من أفعال الناس حين أذل الكفار بالقوة وتواعدوهم بالقهر .
(5/384)

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
{ أدْعُونِى أَسْتَجِبْ } وحدوني بالربوبية أغفر لكم ذنوبكم " ع " أو اعبدوني أثبكم على العبادة ، أو سلوني أعطكم وإجابة الدعاء مقيدة بشروط المصلحة والحكمة .
(5/385)

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
{ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } عن عمل النهار ، أو لتكفوا عن طلب الرزق أو لتحاسبوا فيه أنفسكم على ما عملتموه بالنهار { مُبْصِراً } لقدرة الله في خلقه ، أو لطلب الأرزاق .
(5/386)

كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)
{ يُؤْفَكُ } يصرف ، أو يكذب بالتوحيد ، أو يعدل عن الحق ، أو يقلب عن الدين .
(5/387)

ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
{ تَفْرَحُونَ } الفرح : السرور والمرع : البطر ، سروا بالإمهال وبطروا بالنعم ، أو الفرح : السرور والمرح : العدوان .
(5/388)

فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
{ بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ } قالوا نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب ، أو كان عندهم أنه علم وهو جهل ، أو فرحت الرسل بما عندها من العلم بنجاتها وهلاك أعدائها ، أو رضوا بعلمهم واستهزءوا برسلهم . { وَحَاقَ بِهِم } أحاط وعاد عليهم .
(5/389)

كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
{ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ } فُسِّرت ، أو فُصِّلت بالوعد والوعيد " ع " أو بالثواب والعقاب ، أو ببيان الحلال والحرام والطاعة والمعصية أو بذكر محمد صلى الله عليه وسلم فحكم ما بينه وبين [ من ] خالفه { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أنه إله واحد في التوراة والإنجيل ، أو يعلمون أن القرآن نزل من عند الله أو يعلمون العربية فيعجزون عن مثله .
(5/390)

وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
{ أَكِنَّةٍ } أغطية ، أو أوعية كالجعبة للنبل ، أو في غلف لا تسمع منك { وَقْرٌ } صمم والوقر لغة : ثقل السمع والصمم ذهاب جميعه { حِجَابٌ } ستر مانع من الإجابة ، أو فرقة في الأديان ، أو تمثيل بالحجاب ليؤيسوه من الإجابة ، أو استغشى أبو جهل على رأسه ثوباً وقال يا محمد بيننا وبينك حجاب استهزاء منه { فَاعْمَلْ } لإلهك فإنا نعمل لآلهتنا ، أو اعمل في هلاكنا فإنا نعمل في هلاكك ، أو اعمل بما تعلم من دينك فإنا نعمل بما نعلم من ديننا .
(5/391)

الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)
{ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء ، أو لا يزكون أعمالهم ، أو لا يأتون ما يكونون به أزكياء " ح " ، أو لا يؤمنون بالزكاة ، أو ليس هم من أهل الزكاة .
(5/392)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
{ مَمْنُونٍ } محسوب ، أو منقوص " ع " ، أو مقطوع مننت الحبل : قطعته أو ممنون به عليهم .
(5/393)

قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)
{ يَوْمَيْنِ } الأحد والاثنين " ع " { أَندَاداً } أشباهاً " ع " ، أو شركاء أو أكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصيه ، أو قول الرجل لولا كلب فلان لأتاني اللص ولولا فلان لكان كذا " ع " .
(5/394)

وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)
{ وَبَارَكَ فِيهَا } أنبت شجرها بغير غرس وزرعها بغير بذر ، أو أودعها منافع أهلها { أَقْوَاتَهَا } أرزاق أهلها " ح " ، أو مصالحها من بحارها وأشجارها وجبالها وأنهارها ودوابها ، أو المطر ، أو قدر في كل بلدة منها ما ليس في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد آخر { فِى أَرْبَعَةِ أَيَامٍ } في تتمة أربعة أيام لقولك خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً أي في تتمة خمسة عشر يوماً وفي الحديث مرفوع أنه خلق الأرض يوم الأحد والأثنين والجبال يوم الثلاثاء والشجر والماء والعمران يوم الأربعاء والسماء يوم الخميس والنجوم والشمس والقمر والملائكة وآدم يوم الجمعة وخلق ذلك شيئاً بعد شيء لتعتبر به من حضر من الملائكة ، أو لتعتبر به العباد إذا أخبروا { لِّلسِّآئِلِينَ } عن مدة الأجل الذي خلق فيها الأرض ، أو في أقواتهم وارزاقهم .
(5/395)

ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
{ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ } عمد إليها ، أو استوى أمره إليها . { أئْتِيَا طَوْعاً } قال لهما قبل خلقهما تكَوَّنا فتكوَّنتا كقوله لكل شيء كن ، أو أمرهما بعد خلقهما عند الجمهور بأن يعطيا الطاعة في السير المقدر لهما ، أو أمرهما بالطاعة والمعرفة ، أو ائتيا بما فيكما ، أو كونا كما أردت من شدة ولين وَحَزن وسهل ومنيع وممكن { طَوْعاً } اختباراً ، { أَوْ كَرْهاً } إجباراً ، كلمهما الله تعالى بذلك ، أو ظهر من قدرته ما قام مقام الكلام في بلوغ المراد { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } أعطينا الطاعة ، أو أتينا بما فينا فأتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وأتت الأرض بالأشجار والأنهار والثمار " ع " تكلمتا بذلك ، أو قام ظهور طاعتهما مقام قولهما .
(5/396)

فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
{ فَقَضَاهُنَّ } خلقهن { فِى يَوْمَيْنِ } قبل الخميس والجمعة ، أو خلق السموات قبل الأرضين في يوم الأحد والأثنين والأرضين يوم الثلاثاء والجبال يوم الأربعاء وما عداهما من العالم في الخميس والجمعة ، أو خلق السماء دخانها قبل الأرض ثم فتقها سبع سماوات بعد الأرض { وَأَوْحَى فِى كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أسكن فيها ملائكتها ، أو خلق في كل سماء خلقها وخلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها وأوحى إلى ملائكة كل سماء ما أمرهم به من العبادة { بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً } أي جعلناها زينة وحفظاً .
(5/397)

إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)
{ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } رسل من بين أيديهم ورسل من بعدهم " ع " ، أو ما بين أيديهم عذاب الدنيا وما خلفهم عذاب الآخرة .
(5/398)

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)
{ صَرْصَراً } شديدة البرد ، أو شديدة السموم ، أو شديدة الصوت من الصرير قيل إنها الدبور . { نَّحِسَاتٍ } مشؤومات وكن في آخر شهر من الشتاء من الأربعاء إلى الأربعاء قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ما عذب قوم لوط إلا في يوم الأربعاء ، أو باردات ، أو متتابعات ، أو ذات غبار .
(5/399)

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
{ فَهَدَيْنَاهُمْ } دعوناهم ، أو بينا لهم سبيل الخير والشر ، أو أعلمناهم الهدى من الضلالة . { فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَىَ } اختاروا الجهل على البيان أو الكفر على الإيمان ، أو المعصية على الطاعة { صَاعِقَةُ الْعَذَابِ } النار أو صيحة من السماء ، أو " الموت لكل شيء مات " ، أو كل عذاب صاعقة لأن من سمعها يصعق لهولها { الْهُونِ } الهوان ، أو العطش .
(5/400)

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
{ يُوزَعُونَ } يدفعون " ع " ، أو يساقون ، أو يمنعون من التفرق ، أو يحبس أولهم على آخرهم وزعته كففته .
(5/401)

وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
{ لِجُلُودِهِمْ } حقيقة ، أو لفروجهم ، أو أيديهم وأرجلهم " ع " قيل : أول ما يتكلم الفخذ الأيسر والكف الأيمن .
(5/402)

وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
{ تَسْتَتِرُونَ } تتقون ، أو تظنون ، أو تسخفون منها . { وَلكِن ظَنَنتُمْ } نزلت في ثلاثة نفر تماروا فقالوا ترى الله يسمع سرنا .
(5/403)

فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
{ يَسْتَعْتِبُواْ } يطلبوا الرضا فما هم بمرضيعنهم والمعتب الذي قُبل إعتابه وأُجيب إلى سؤاله ، أو أن يستغيثوا فما هم من المغاثين . أو أن يستقيلوا ، أو أن يعتذروا فما هم من المعذورين ، أو أن يجزعوا فما هم من الآمنين قال ثعلب : يقال عتب إذا غضب وأعتب إذا رضي .
(5/404)

وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ } هيأنا لهم شياطين ، أو خلينا بينهم وبين الشياطين . أو أغرينا الشياطين بهم { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة ، أو ما بين أيديهم من أمر الآخرة فقالوا لا حساب ولا نار ولا بعث وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات ، أو ما بين أيديهم فعل الفساد في زمانهم وما خلفهم هو ما كان قبلهم ، أو بين أيديهم ما فعلوه وما خلفهم ما عزموا أن يفعلون .
(5/405)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
{ لا تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْءَانِ } لا تتعرضوا لسماعه ولا تقبلوه ولا تطيعوه من قولهم السمع والطاعة { وَالْغَوْاْ فِيهِ } قعوا فيه وعيبوه " ع " أو اجحدوه وانكروه ، أو عادوه وعاندوه ، أو الغوا فيه بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق حتى يصير لغواً .
(5/406)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
{ أَرِنَا } أعطنا ، أو أبصرنا { الَّذِيْنَ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ } إبليس { وَالإِنسِ } قابيل ، أو دعاة الضلال من الجن الإنس { مِنَ الأَسْفَلِينَ } في النار قالوه حنقاً عليهما ، أو عداوة لهما .
(5/407)

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
{ رَبُّنَا اللَّهُ } وَحَّدُوا " ع " { اسْتَقَامُواْ } على التوحيد أو على لزوم الطاعة وأداء الفرائض " ع " ، أو على إخلاص الدين والعمل إلى الموت ، أو استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم ، أو استقاموا سراً كما استقاموا جهراً { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةُ } عند الموت ، أو عند الخروج من قبورهم { أَلا تَخَافُواْ } أمامكم { وَلا تَحْزَنُواْ } على ما خلفكم ، أو لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم { وَأَبْشِرُواْ } يبشرون عند الموت ثم في القبر ثم في البعث .
(5/408)

نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
{ أَوْلِيَآؤُكُمْ } نحفظ أعمالكم في الدنيا ونتولاكم في الآخرة أو نحفظكم في الحياة ولا نفارقكم في الآخرة حتى تدخلوا الجنة { مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ } من النعم ، أو الخلود لأنهم كانوا يشتهون في الدنيا البقاء . { تَدَّعُونَ } تمنون أو ما تدعي أنه لك فهو لك بحكم بك " ع " .
(5/409)

نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
{ نُزُلاً } ثواباً ، أو مناً ، أو منزلة ، أو عطاء مأخوذ من نُزُل الضيف وووظائف الجند .
(5/410)

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
{ مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ } الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى الإسلام " ح " أو المؤذنون دعوا إلى الصلاة { وَعَمِلَ صَالِحاً } أداء الفرائض ، أو صلاة ركعتين بين الآذان والإقامة كان بلال إذا قام للآذان قالت اليهود : قام غراب لا قام فإذا ركعوا في الصلاة : قالو جثوا لا جثوا فنزلت هذه الآية في بلال والمصلين .
(5/411)

وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
{ الْحَسَنَةُ } المداراة { السَّيِّئَةُ } الغلظة ، أو الحسنة الصبر والسيئة النفور ، أو الإيمان والكفر " ع " ، أو العفو والانتصار ، أو الحلم والفحش ، أو حب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وبغضهم قاله علي رضي الله تعالى عنه { بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } ادفع بحلمك جهل الجاهل عليك " ع " أو ادفع بالسلام إساءة المسيء { وَلِىٌّ } صديق { حَمِيمٌ } قريب نزلت في أبي جهل كان يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم فأُمر بالصبر عليه والصفح عنه .
(5/412)

وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
{ وَمَا يُلَقَّاهَآ } ما يلقى دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على الحلم ، أو ما يلقى الجنة إلا الذين صبروا على الطاعة { حَظٍّ عَظِيمٍ } جد عظيم ، أو نصيب وافر " ع " ، أو الحظ العظيم الجنة " ح " .
(5/413)

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
{ نَزْغٌ } غضب ، أو الوسوسة وحديث النفس ، أو البغض ، أو الفتنة ، أو الهمزات " ع " { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } اعتصم { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لاستعاذتك { الْعَلِيمُ } بأذيتك .
(5/414)

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
{ خَلَقَهُنَّ } خلق هذه الآيات والسجود عند قوله { تَعْبُدُونَ } " ح " ، أو { لا يَسْئَمُونَ } " ع " ،
(5/415)

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
{ خَاشِعَةً } غبراء يابسة ، أو ميتة يابسة { اهْتَزَّتْ } بالحركة للنبات { وَرَبَتْ } بالارتفاع قبل أن تنبت ، أو اهتزت بالنبات { وَرَبَتْ } بكثرة الريع .
(5/416)

إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
{ يُلْحِدُونَ } يكذبون بآياتنا ، أو يميلون عن أدلتنا ، أو يكفرون بنا ، أو يعاندون رسلنا ، أو المكاء والصفير عند تلاوة القرآن { لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } تهديد ووعيد { أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ } أبو جهل والآمن : عمار ، أو عمر ، أو أبو جهل وأصحابه والآمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أو عامة في الكافرين والمؤمنين { اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } تهديد .
(5/417)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
{ بِالذِّكْرِ } القرآن اتفاقاً جوابه هالكون ، أو معذبون { عَزِيزٌ } على الشيطان أن يبدله ، أو على الناس أن يقولوا مثله .
(5/418)

لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
{ الْبَاطِلُ } إبليس ، أو الشيطان ، أو التبديل ، أو التكذيب { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } من أول التنزيل ولا من آخره " ح " ، أو لا يقع الباطل فيه في الدنيا ولا في الآخرة ، أو لا يأتيه في إنبائه عما تقدم ولا في إخباره عما تأخر { حَكِيمٍ } في فعله { حَمِيدٍ } إلى خلقه .
(5/419)

مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
{ مَّا يُقَالُ لَكَ } من أنك ساحر ، أو شاعر ، أو مجنون ، أو ما تخبر إلا بما يخبر به الأنبياء قبلك { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ } الآية .
(5/420)

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
{ أَعْجَمِيّاً } غير مبين وإن كان عربياً ، أو بلسان أعجمي { فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ } بالفصيح على الوجه الأول وبالعربية على الثاني { ءَاْعْجَمِىٌّ } كيف يكون القرآن أعجمياً ومحمد صلى الله عليه وسلم عربي ، أو ونحن قوم عرب { عَمىً } حيرة { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } من قلوبهم ، أو من السماء ، أو ينادون بأبشع أسمائهم .
(5/421)

وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
{ وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ } علموا ما لهم من معدل ، أو تيقنوا أن ليس لهم ملجأ من العذاب وقد يعبّر عن اليقين بالظن فيما طريقه الخبر دون العيان لأن الخبر محتمل والعيان غير محتمل .
(5/422)

لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
{ دُعَآءِ الْخَيْرِ } الصحة والمال والإنسان هنا الكافر و { الشَّرُّ } الفقر والمرض .
(5/423)

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)
{ هَذَا لِى } باجتهادي ، أو استحقاقي . قيل نزلت في المنذر بن الحارث .
(5/424)

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
{ عَرِيضٍ } تام بإخلاص الرغبة ، أو كثير لدوام المواصلة واستعمل العرض لأن العريض يجمع عرضاً وطولاً فكان أعم قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الكافر يعرف ربه في البلاء ولا يعرفه في الرخاء .
(5/425)

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
{ فِى الأَفَاقِ } فتح أقطار الأرض { وَفِى أَنفُسِهِمْ } فتح مكة ، أو في الآفاق ما أخبروا به من حوادث الأمم وفي أنفسهم ما أنذروا به من الوعيد ، أو في الآفاق آيات السماء وفي أنفسهم حوادث الأرض في الآفاق إمساك القطر عن الأرض كلها وفي أنفسهم البلاء الذي يكون في أجسادهم ، أو في الآفاق انشقاق القمر وفي أنفسهم خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم كيف إدخال الطعام والشراب من موضع واحد وإخراجه من موضعين . { أَنَّهُ الْحَقُّ } القرآن ، أو الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
(5/426)

أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
{ مِرْيَةٍ } شك من البعث { مُّحِيطٌ } بعلمه ، أو قدرته .
(5/427)

حم (1) عسق (2)
{ حمعاساقا } اسم للقرآن ، أو لله أقسم به " ع " ، أو فواتح السور ، أو اسم الجبل المحيط بالدنيا ، أو حروف مقطعة من أسماء ا لله تعالى الحاء والميم من الرحمن والعين من عليم والسين من قدوس والقاف من قاهر أو حروف مقطعة من حوادث آتية الحاء من حرب والميم من تحويل ملك والعين من عدو مقهور والسين من استئصال سنين كسني يوسف ، والقاف من قدرة الله في ملوك الأرض قاله عطاء ، أو نزلت في رجل يقال له عبد الإله كان بمدينة على نهر بالمشرق خسف الله تعالى به الأرض فقوله حم يعني عزيمة من الله عين عدلاً منه سين سيكون ق واقعاً بهم قاله حذيفة بن اليمان .
(5/428)

تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
{ يَتَفَطَّرْنَ } يتشققن من عظمة الله تعالى ، أو من علم الله أو ممن فوقهن " ع " ، أو لنزول العذاب منهن { يُسَبِّحُونَ } تعجباً من تعرض الخلق لسخط الله تعالى ، أو خضوعاً لما يرون من عظمته " ع " { بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } بأمره ، أو بشكره { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأَرْضِ } من المؤمنين لما رأت ما أصاب هاروت وماروت سبحت بحمد ربها واستغفرت لبني آدم من الذنوب والخطايا ، أو بطلب الرزق لهم والسعة عليهم وهم جميع الملائكة أو حملة العرش .
(5/429)

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
{ أُمَّةً وَاحِدَةً } أهل دين واحد إما ضلال ، أو هدى . { فِى رَحْمَتِهِ } الإسلام { مِّن وَلِىٍّ } ينفع { وَلا نَصِيرٍ } يدفع .
(5/430)

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
{ يَذْرَؤُكُمْ } يخلقكم ، أو يكثر نسلكم ، أو يعيشكم ، أو يرزقكم أو يبسطكم ، أو نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } ليس كمثل الرجل والمرأة شيء . قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والضحاك أو ليس كمثل الله شيء بزيادة الكاف للتوكيد ، أو بزيادة مثل للتوكيد .
(5/431)

لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
{ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ } خزائنهما ، أو مفاتيحها " ع " بالفارسية ، أو العربية ، مفاتيح السماء المطر والأرض النبات ، أو مفاتيح الخير والشر ، أو مقاليد السماء الغيوب والأرض الآفات ، أو مقاليد السماء حدوث المشيئة ومقاليد الأرض ظهور القدرة ، أو قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير مأثور يبسط ويقدر : يوسع ويضيق ، أو يسهل ويعسر { إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ } من البسط والتقتير { عَلِيمٌ } .
(5/432)

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
{ شَرَعَ } سَنَّ ، أو بيّن أو اختار ، أو أوجب { مِّنَ الدِّينِ } من زائدة { مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً } من تحريم البنات والأمهات والأخوات لأنه أول نبي أتى بذلك ، أو من تحليل الحلال وتحريم الحرام { أَقِيمُواْ الدِّينَ } اعملوا به ، أو ادعوا إليه { وَلا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } لا تتعادوا عليه وكونوا عليه إخواناً ، أو لا تختلفوا فيه بل يصدق كل نبي من قبله { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } من التوحيد { يَجْتَبِى إِلَيْهِ } من يولد على الإسلام و { مَن يُنِيبُ } من أسلم عن الشرك ، أو يستخلص لنفسه من يشاء ويهدي إليه من يقبل على طاعته .
(5/433)

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
{ وَمَا تَفَرَّقُواْ } عن محمد صلى الله عليه وسلم ، أو في القول . { مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ } بأن الفرقة ضلال ، أو العلم القرآن ، أو بعد ما تجَّرُوا في العلم . { بَغْياً } من بعضهم على بعض ، أو اتباعاً للدنيا وطلباً لملكها { كَلِمَةٌ سَبَقَتْ } رحمته للناس على ظلمهم ، أو تأخيره العذاب عنهم إلى أجل مسمى { لِّقُضِىَ بَيْنَهُمْ } بتعجيل هلاكهم { أُورِثُواْ الْكِتَابَ } اليهود والنصارى ، أو انبئوا بعد الأنبياء { لَفِى شَكٍّ } من العذاب والوعد أو الإخلاص ، أو صدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
(5/434)

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
{ فَلِذَلِكَ } فللقرآن ، أو التوحيد . { فَادْعُ } فاعمل ، أو فاستدع { وَاسْتَقِمْ } على القرآن ، أو على أمر الله ، أو على تبليغ الرسالة . { لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } في الأحكام ، أو التبليغ { لا حُجَّةَ } لا خصومة منسوخة نزلت قبل السيف والجزية ، أو معناه عدلتم بإظهار العدواة عن طلب الحجة ، أو قد أعذرنا بإقامة الحجة عليكم فلا يحتاج إلى إقامة حجة عليكم . نزلت في الوليد وشيبة سألا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى دين قريش على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته .
(5/435)

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
{ يُحَآجُّونَ فِى اللَّهِ } في توحيده ، أو رسوله طمعاً أن يعود إلى الجاهلية بمحاجتهم ، أو هم اليهود قالوا : كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم { مَا أسْتُجِيبَ لَهُ } من بعد ما أجابه الله إلى إظهار المعجزات على يديه ، أو من بعد ما أجاب الرسول إليه من المحاجة أو من بعد ما استجاب المسلمون لربهم وآمنوا بكتابه .
(5/436)

اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
{ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } بالمعجز الدال على صحته ، أو بالصدق فيما أخبر به من ماضٍ ومستقبل { وَالْمِيزَانَ } العدل فيما أمر به ونهى عنه ، أو جزاء الطاعة والمعصية ، أو الميزان حقيقة نزل من السماء لئلا يتظالم الناس { قَرِيبٌ } ذُكِّر لأن الساعة بمعنى الوقت .
(5/437)

مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
{ حَرْثَ الدُّنْيَا } الآية يعطي الله على نية الآخرة من الدينا ما شاء ولا يعطي على الدنيا إلا الدنيا ، أو من عمل للآخرة أعطي بالحسنة عشر أمثالها ومن عمل للدنيا لم يزد على ما عمل لها { مِن نَّصِيبٍ } في الجنة شبه العامل بالزارع لاشتراكهما في طلب النفع .
(5/438)

ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
{ إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى } تودُّوني في نفسي لقرابتي منكم لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم قرابة " ع " أو إلا أن تودوا قرابتي ، أو إلا أن تودوني فتؤازروني كما تودون ذوي قرابتكم ، أو إلا أن تتوددوا إلى الله تعالى وتتقربوا إليه بالعمل صالح " ح " ، أو إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم { غَفُورٌ } للذنوب { شَكُورٌ } للحسنات ، أو غفور : لذنوب [ آل ] الرسول صلى الله عليه وسلم شكور : لحسناتهم .
(5/439)

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
{ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ } ينسيك ما أتاك من القرآن ، أو يربط على قلبك فلا يصل إليك الأذى بقولهم { افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } ، أو لو حدثت نفسك بأن تفتري على الله كذباً لطبع على قلبك .
(5/440)

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
{ الْغَيْثَ } المطر النافع في وقته والمطر قد يكون ضاراً أو نافعاً في وقته وغير وقته قيل لعمر رضي الله عنه : أجدبت الأرض وقنط الناس فقال : مطروا إذاً . والقنوط : اليأس . { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } بالمطر ، أو بالغيث فيما يعم به ويخص { الْوَلِىُّ } المالك { الْحَمِيدُ } مستحق الحمد ، أو الولي : المنعم الحميد : المستحمد .
(5/441)

وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
{ وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ } الحدود لأجل المعاصي " ح " ، أو البلوى في النفوس والأموال عقوبة على المعاصي للبالغين وثواباً للأطفال أو عامة للأطفال أيضاً في غيرهم من والد ووالدة قاله العلاء بن زيد . { عَن كَثِيرٍ } من العصاة فلا يعاجلهم بالعقوبة ، أو عن كثير من المعاصي فلا حد فيها .
(5/442)

وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)
{ الْجَوَارِ } السفن { كَالأَعْلامِ } كالجبال .
(5/443)

إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
{ صَبَّارٍ } على البلوى { شَكُورٍ } على النعماء .
(5/444)

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
{ يُوبِقْهُنَّ } يغرقهن { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } من أهلهن فلا يغرقهم معها .
(5/445)

وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
{ مَّحِيصٍ } مهرب ، أو ملجأ فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه .
(5/446)

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ } الأنصار استجابوا بالإيمان لما أنفذ إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أثني عشر نقيباً منهم قبل الهجرة { وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ } بالمحافظة على مواقيتها وبإتمامها بشروطها { وَأَمْرُهُمْ شُورَى } كانوا قبل قدوم الرسول صلى الله عليه سلم يتشاورون فيما عزموا عليه ، أو عبّر عن اتفاقهم بالمشاورة ، أو تشاوروا لما جاءهم النقباء فاجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به ، أو تشاورهم فيما يعرض لهم { يُنفِقُونَ } بالزكاة .
(5/447)

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
{ أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ } بغي المشركين عليهم في الدين انتصروا منهم بالسيف أو إذا بغى عليهم باغٍ كُرِه أن يُستذلوا لئلا يجترىء عليهم الفساق وإذا قدروا عفواً وإذا بغي عليهم تناصروا عليه وأزالوه .
(5/448)

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
{ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } يريد به القصاص في الجراح المتماثلة ، أو في الجراح وإذا قال أخزاه الله أو لعنه قابله بمثله ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بالكذب { وَأَصْلَحَ } العمل ، أو بينه وبين أخيه { فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } ندب إلى العفو { الظَّالِمِينَ } بالابتداء ، أو بالتعدي في الاستيفاء .
(5/449)

وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
{ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } استوفى حقه .
(5/450)

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)
{ يَظْلِمُونَ النَّاسَ } بعدوانهم ، أو بالشرك المخالف لدينهم { وَيَبْغُونَ } يعملون المعاصي ، أو في النفوس والأموال ، أو ما ترجوه قريش من أن يكون بمكة غير الإسلام ديناً .
(5/451)

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
{ عَزْمِ الأُمُورِ } العزائم التي أمر الله تعالى بها ، أو عزائم الصواب التي وفق لها نزلت مع ثلاث آيات قبلها في أبي بكر رضي الله تعالى عنه شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم سكت عنه .
(5/452)

وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
{ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } المشركون يعرضون على جهنم عند انطلاقهم إليها قاله الأكثر ، أو آل فرعون خاصة تحبس أرواحهم في أجواف طيور سود تغدوا على جهنم وتروح ، أو المشركون يعرضون على العذاب في قبورهم وتعرض عليهم ذنوبهم في قبورهم { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىِّ } ببصائرهم لأنهم يحشرون عمياً ، أو يسارقون النظر إلى النار حذراً ، أو بطرف ذابل ذليل " ع " .
(5/453)

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
{ مَّلْجَإٍ } منجى ، أو محرز { نَكِيرٍ } ناصر ، أو منكر يغير ما حل بكم .
(5/454)

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
{ رَحْمَةً } عافية ، أو مطراً { سَيِّئَةٌ } قحط ، أو مرض .
(5/455)

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
{ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً } محضة ولمن يشاء الذكور متمحضة ولشرف الذكور أدخل عليهم أداة التعريف .
(5/456)

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
{ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ } بأن تلد غلاماً ثم جارية ، أو تلدهما معاً والتزويج هنا الجمع زوجت الإبل جمعت بين صغارها وكبارها { عَقِيماً } عقم فرجه عن الولادة ، والعقم : المنع ، أو الآية خاصة بالأنبياء محض للوط البنات ولإبراهيم الذكور وزوجهم لإسماعيل وإسحاق وجعل يحيى وعيسى عقيمين .
(5/457)

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
{ إِلا وَحْياً } بالنفث في قلبه والإلهام ، أو رؤيا المنام . { مِن وَرَآىءِ حِجَابٍ } كما كلم موسى { رَسُولاً } جبريل عليه السلام { فَيُوحِىَ } هذا الوحي خطاب من الرسل إلى الأنبياء يسمعونه نطقاً ويرونهم عياناً ، أو نزل جبريل عليه السلام على كل نبي فلم يره منهم إلا محمد وإبراهيم وموسى وعيسى وزكريا عليه الصلاة والسلام وأما غيرهم فكان وحياً وإلهاماً في المنام نزلت لما قال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً صادقاً كما كلمه موسى ونظر إليه .
(5/458)

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
{ رُوحاً } رحمة ، أو نبوة ، أو قرآناً { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ } لولا الرسالة ولا الإيمان لولا البلوغ { وَلا الإِيمَانُ } بالله وهذا يعرفه بعد البلوغ وقبل النبوة ، أو الإسلام وهذا لا يعرفه إلا بعد النبوة { نُوراً } القرآن ، أو الإيمان { صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الإسلام ، أو طريق مستقيم .
(5/459)

صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
{ صِرَاطِ اللَّهِ } القرآن ، أو الإسلام .
(5/460)

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
{ الْمُبِينِ } للأحرف " الستة التي سقتط من ألسنة الأعاجم " أو للهدى والرشد والبركة ، أو للأحكام والحلال والحرام ، أقسم بالكتاب أو برب الكتاب .
(5/461)

إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
{ جَعَلْنَاهُ } أنزلناه ، أو قلناه ، أو بيّناه { عَرَبِيّاً } لأن كل نبي بعث بلسان قومه ، أو لأن لسان أهل السماء عربي { تَعْقِلُونَ } تفهمون ، أو تتفكرون .
(5/462)

وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
{ أُمِّ الْكِتَابِ } جملة الكتاب ، أو أصله ، أو الحكمة التي نبّه الله عليها جميع خلقه { الْكِتَابِ } اللوح المحفوظ ، أو ذكر عند الله تعالى فيه ما سيكون من أعمال العباد يقابل به يوم القيامة ما ترفعه الحفظة من أعمالهم قاله ابن جريج { لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ } عليٌ عن أن ينال فيبدل { حَكِيمٌ } محفوظ من نقص ، أو تغيير عند من رآه كتاب ما يكون من أعمال الخلق ، أو عليٌّ : لنسخه ما تقدم من الكتب حكيم : محكم فلا ينسخ .
(5/463)

أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
{ أَفَنَضْرِبُ } أحسبتم أن يصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به " ع " ، أو أنكم تكذبون بالقرآن فلا يعاقبكم فيه ، أو أن نهملكم فلا نعرفكم ما يلزمكم ، أو نقطع تذكيركم بالقرآن وإن كذبتم به { صَفْحاً } إعراضاً . صفحت عن فلان أعرضت عنه أصله أن توليه صفحت عنقك .
صفوحٌ فما تلقاكَ إلاَّ بخيلَةً ... فمن ملَّ منها ذلك الوصل ملَّتِ
أي تعرض بوجهها . { مُّسْرِفِينَ } في الرد ، أو مشركين .
(5/464)

فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)
{ مَثَلُ الأَوَّلِينَ } سنتهم ، أو عقوبتهم ، أو عبرتهم ، أو خبرهم أنهم هلكوا بالتكذيب .
(5/465)

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)
{ مهاداً } فراشاً { سُبُلاً } طرقاً { تَهْتَدُونَ } في أسفاركم أو تعرفون نعمة الله تعالى عليكم .
(5/466)

وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
{ الأَزْوَاجَ } الأصناف كلها ، أو الذكر والأنثى من الحيوان ، أو الشتاء والصيف والليل والنهار والشمس والقمر والجنة والنار " ح " { وَالأَنْعَامِ } الإبل والبقر ، أو الإبل وحدها .
(5/467)

لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
{ ظُهُورِهِ } أضاف الظهور إلى واحد لأن المراد الجنس { مُقْرِنِينَ } ضابطين ، أو مماثلين في القوة فلان قِرْن فلان إذا كان مثله في القوة ، أو مطيقين " ع " من أقرن إقراناً إذا أطاق أو من المقارنة وهو أن تقرن بعضها ببعض في السير .
(5/468)

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)
{ جُزْءاً } عدلاً ، أو نصيباً ، أو من الملائكة ولداً ، أو البنات ، الجزء : البنات أجزأت المرأة إذا ولدت البنات .
(5/469)

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)
{ كَظِيمٌ } حزين ، أو مكروب ، أو ساكت .
(5/470)

أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
{ يُنَشَّؤُاْ } يُرَبَّى يريد به الجوارى " ع " ، أو البنات ، أو الأصنام { الْخِصَامِ } الحجة ، أو الجدل { غَيْرُ مُبِينٍ } قليل البلاغة ، أو ضعيف الحجة أو ساكت عن الجواب قال [ قتادة ] ما حاجت امرأة قط إلا أوشكت أن تتكلم بغير حجتها .
(5/471)

وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)
{ عِبَادُ الرَّحْمَنِ } جمع عابد ، أو أضافهم إليه تكريماً { إِنَاثاً } بنات الرحمن ، أو ناقصون نقص الإناث { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ } عنها إذا بعثوا .
(5/472)

بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
{ أُمَّةٍ } دين ، أو ملة ، أو قبلة ، أو استقامة ، أو طريقة .
(5/473)

وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
{ مُّقْتَدُونَ } متبعون قيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل وعتبة وشيبة .
(5/474)

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
{ بَرَآءٌ } مصدر لا يثنى ولا يجمع وصف به .
(5/475)

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)
{ إِلا الَّذِى فَطَرَنِى } استثناء منقطع { سَيَهْدِينِ } قاله ثقة بالله وتعريفاً أن الهداية بيده .
(5/476)

وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
{ كَلِمَةً بَاقِيَةً } لا إله إلا الله لم يزل في ذريته من يقولها أو أن لا يعبدوا إلا الله ، أو الإسلام { عَقِبِهِ } نسله " ع " ، أو آل محمد صلى الله عليه وسلم ، أو من خلَفه { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى الحق ، أو إلى دينك دين إبراهيم ، أو يتوبون " ع " ، أو يذَّكرون .
(5/477)

وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
{ الْقَرْيَتَيْنِ } مكة والطائف وعظيم مكة الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة وعظيم الطائف : حبيب بن عمرو [ بن عمير الثقفي ] " ع " أو ابن عبد ياليل ، أو عروة بن مسعود ، أو كنانة بن عبد [ بن ] عمرو .
(5/478)

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
{ رَحْمَتَ رَبِّكَ } النبوة فيضعونها حيث شاءوا { مَّعِيشَتَهُمْ } أرزاقهم . فتلقاه قليل الحيلة ضعيف القوة عِي اللسان وهو مبسوط عليه في رزقه وتلقاه شديد الحيلة عظيم القوة بسيط اللسان وهو مقتر عليه { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ } بالفضائل ، أو الحرية والرق ، أو بالغنى والفقر ، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو بالتفضيل في الرزق فقسم رحمته بالنبوة كما قسم الزرق بالمعيشة { سُخْرِيّاً } خدماً ، أو مِلكاً { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ } النبوة خير من الغنى ، أو الجنة خير من الدنيا ، أو إتمام الفرائض خير من كثرة النوافل ، أو ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه .
(5/479)

وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)
{ أُمَّةً وَاحِدَةً } على دين واحد كفاراً " ع " ، أو على اختيار الدنيا على الدين قاله ابن زيد { سُقُفاً } أعالي البيوت أو الأبواب { وَمَعَارِجَ } درجات فضة { يَظْهَرُونَ } يصعدون .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وإنا لنبغي فوق ذلك مظهراً
أي مصعداً قال الحسن رضي الله تعالى عنه والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل .
(5/480)

وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
{ وَزُخْرُفاً } الذهب " ع " ، أو النقوش " ح " أو الفرش ومتاع البيت .
(5/481)

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
{ يَعْشُ } يعرض ، أو يعمى " ع " ، أو السير في الظلمة من العشا وهو البصر الضعيف { ذِكْرِ الرَّحْمَنِ } القرآن ، أو ما بينه من حلال وحرام وأمر ونهي " ع " ، أو ذكر الله { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } نلقيه شيطاناً ، أو نعوضه من المقايضة وهي المعاوضة { قَرِينٌ } في الدينا يحمله على الحرام والمعاصي ويمنعه من الحلال والطاعات ، أو إذا بعث من قبره شفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصير إلى النار .
(5/482)

حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
{ جَآءَنَا } ابن آدم وقرينه { يَالَيْتَ } يقوله الآدمي لقرينه . { الْمَشْرِقَيْنِ } المشرق والمغرب فغلبت أحدهما كالقمرين ، أو مشرق الشتاء ومشرق الصيف . { فَبِئْسَ } الشيطان قريناً لمن قارنه لأنه يورده النار .
(5/483)

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)
{ نَذْهَبَنَّ بِكَ } نخرجنك من مكة من أذاهم { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } بالسيف يوم بدر ، أو أراد قبض روحه ، فإنا منتقمون من أمتك فيما أحدثوا بعدك . أُري ما لقيت أمته بعده فما زال منقبضاً ولم ينبسط ضاحكاً حتى لقي الله تعالى .
(5/484)

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
{ لَذِكْرٌ } لشرف ، أو تذكرون به أمر الدين وتعملون به { وَلِقَوْمِكَ } قريش ، أو من اتبعه من أمته ، أو قول الرجل حدثني أبي عن جدي { تُسْئَلُونَ } عن الشكر ، أو عما أتاك .
(5/485)

وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
{ مِن رُّسُلِنَآ } سبعون نبياً جُمعوا له ليلة الإسراء منهم إبراهيم وموسى وعيسى فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله تعالى منهم " ع " ، أو أهل التوراة والإنجيل تقديره واسأل أمم من أرسلنا ، أو جبريل تقديره وسل عمن أرسلنا : أمر بذلك لما قالت اليهود والمشركون إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك فأمر بسؤالهم . لا أنه كان في شك منه قال الواقدي : فسألهم فقالوا بعثنا بالتوحيد ، أو لم يسألهم ليقينه بالله تعالى حتى قال ميكائيل لجبريل هل سألك محمد عن ذلك فقال هو أشد إيماناً وأعظم يقيناً من أن يسأل عن ذلك .
(5/486)

وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)
{ يَآأَيُّهَ السَّاحِرُ } قالوه استهزاء " ح " ، أو جرى على ألسنتهم ما ألفوه من اسمه ، أو أرادوا بالساحر غالب السحرة ، أو الساحر عندهم العالم فعظموه بذلك { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } لئن آمنا لتكشفن عنا العذاب فدعا فأجيب فلم يفوا بالإيمان .
(5/487)

فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
{ يَنكُثُونَ } يغدرون .
(5/488)

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)
{ وَنَادَى } قال : أو أمر من ينادي { مُلْكُ مِصْرَ } الإسكندرية أو ملك منها أربعين فرسخاً في مثلها { تَجْرِى مِن تَحْتِى } كانت جنات وأنهار تجري من تحت قصره ، أو من تحت سريره ، أو النيل يجري أسفل منه ، أو أراد القواد والجبابرة يسيرون تحت لوائي قاله الضحاك .
(5/489)

أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)
{ أَمْ أَنَاْ } بل أنا { مَهِينٌ } ضعيف ، أو حقير ، أو كان يمتهن نفسه في حوائجه { يُبِينُ } يفهم لعي لسانه ، أو للثغه ، أو لثقله بجمرة كان وضعها في فيه وهو صغير .
(5/490)

فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)
{ أَسْوِرَةٌ } لتكون دليلاً على صدقه ، أو لأنها عادة ذلك الزمان وزي أهل الشرف والأساور جمع أسورة والأسورة جمع سوار { مُقْتَرِنِينَ } متتابعين أو يقارن بعضهم بعضاً في المعونة ، أو مقترنين يمشون معاً ليكونوا دليلاً على صدقه ، أو أعواناً له وذكر الملائكة بناء على قول موسى فإنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم .
(5/491)

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)
{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ } استخفهم بالقول فأطاعوه على التكذيب ، أو حركهم بالرغبة فخفوا في الإجابة ، أو استجهلهم فأظهروا طاعته جهلهم ، أو دعاهم إلى طاعته فخفوا إلى إجابته .
(5/492)

فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
{ ءَاسَفُونَا } أغضبونا ، أو أسخطونا والغضب إرادة الانتقام والسخط إظهار الكراهة والأسف هو الأسى على فائت فلما وضع موضع الغضب صحت إضافته إلى الله ، أو التقدير فلما آسفوا رسلنا لأن الله تعالى لا يفوته شيء .
(5/493)

فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
{ سُلُفاً } أهواء مختلفة " ع " ، أو جمع سلف وهم الماضون في الناس { سَلَفاً } بالفتح متقدمين إلى النار ، أو سلفاً لهذه الأمة ، أو لمن عمل مثل عملهم { وَمَثَلاً } عبرة لمن بعدهم ، أو عظة لغيرهم .
(5/494)

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
{ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ليس أحد يعبد من دون الله تعالى فيه خير " فقالوا : ألست تزعم أن عيسى كان عبداً صالحاً ونبياً فقد كان يعبد من دون الله فنزلت ، أو نزلت لما قالت قريش إن محمداً يريد أن نعبده كما عُبد عيسى ، أو لما ذكر الله تعالى نزول عيسى في القرآن قالت قريش ما أردت إلى ذكر عيسى فنزلت ، أو نزلت لما ذكر أنه خلق عيسى من غير أب فأكبرته قريش فضربه مثلاً بأنه خلق من غير أب كما خلق آدم من غير أم ولا أب { يَصِدُّونَ } بالضم والكسر واحد كشد يشِد ويشُد ونم ينم وينُم يضجون " ع " ، أو يضحكون ، أو يجزعون ، أو يعرضون أو بالضم يعدلون وبالكسر يفرقون ، أو بالضم يعتزلون وبالكسر يصيحون ، أو بالضم من الصدود وبالكسر يضجون .
(5/495)

وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
{ ءَالِهَتُنَا خَيْرٌ } أم محمد ، أو عيسى { إِلا جَدَلاً } قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم أنت تزعم أن كل معبود دون الله تعالى في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عُزير والمسيح والملائكة فإنهم قد عبدوا من دون الله { خَصِمُونَ } الخصم الحاذق الخصومة ، أو المجادل بغير حجة .
(5/496)

إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
{ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } بسياسة نفسه وقمع شهوته { مَثَلاً لِّبَنِى إِسْرَآءِيلَ } آية ، أو لتمثيله بآدم .
(5/497)

وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
{ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلآئِكَةً } قلبنا بعضكم ملائكة من غير أب كما خلق عيسى ليكونوا خلفاء ممن ذهب عنكم ، أو لجعلنا بدلاً منكم ملائكة { يَخْلُفُونَ } يخلف بعضهم بعضاً ، أو يخلفونكم ، أو يعمرون الأرض بدلاً منكم ، أو يكونون رسلاً إليكم بدلاً من الرسل منكم .
(5/498)

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } القرآن لما فيه من البعث والجزاء " ح " أو إحياء عيسى الموتى دليل على بعث الموتى ، أو خروج عيسى علم للساعة لأنه من أشراطها " ع " { فَلا تَمْتَرُنَّ } لا تشكن في الساعة ، أو لا تكذبن بها { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } القرآن مستقيم إلى الجنة " ح " ، أو عيسى " ع " ، أو الإسلام .
(5/499)

وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
{ بِالْبَيِّنَاتِ } الإنجيل ، أو آياته من إحياء الموتى وإبراء الأسقام والإخبار بكثير من الغيوب " ع " { بِالْحِكْمَةِ } النبوة ، أو علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح { بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } تبديل التوراة ، أو ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم ، أو يبين بعضه ويكل البعض إلى اجتهادهم ، أو بعض بمعنى كل .
(5/500)

فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)
{ الأَحْزَابُ } اليهود والنصارى ، أو فرق النصارى اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية هو ابن الله وقالت اليعاقبة هو الله وقالت الملكية عيسى ثالث ثلاثة ألله أحدهم .
(6/1)

الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
{ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } في الدنيا لأن كلاً زين للآخر ما يوبقه ، أو أعداء في الآخرة مع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا قيل : نزلت في أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط لما أمره أن يتفل في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ففعل فنذر الرسول صلى الله عليه وسلم قتله فقتله يوم بدر صبراً وقتل أمية في المعركة .
(6/2)

ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
{ وَأَزْوَاجُكُمْ } من الحور العين ، أو المؤمنات في الدنيا ، أو قرناؤكم في الدينا { تُحْبَرُونَ } تكرمون " ع " ، أو تفرحون ، أو تنعمون ، أو تسرون ، أو تعجبون ، أو التلذذ بالسماع .
(6/3)

يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
{ وَأَكْوَابٍ } آنية مدورة الأفواه ، أو ليست لها آذان أو الكوب المدور القصير عنقه وعروته والإبريق الطويل المستطيل عنقه وعروته ، أو الأباريق التي لا خراطيم لها ، أو الأباريق التي لا عرى لها .
(6/4)

وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)
{ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } ليميتنا { مَّاكِثُونَ } مقيمون وبين دعائهم وجوابه أربعون سنة ، أو ثمانون ، أو مائة ، أو ألف سنة " ع " لأن بُعْد الجواب أخزى لهم .
(6/5)

أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
{ أَمْ أَبْرَمُواْ } أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على التعذيب أو أحكموا كيداً فإنا محكمون كيداً ، أو قضوا فإنا قاضون عليهم بالعذاب قيل نزلت لما اجتمعوا في دار الندوة للمشورة في الرسول صلى الله عليه وسلم فاجتمع رأيهم على ما أشار به أبو جهل من قتل الرسول صلى الله عليه وسلم واشتراكهم في دمه فنزلت هذه الآية وقُتلوا ببدر .
(6/6)

قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
{ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ } من يعبد الله تعالى بأنه ليس له ولدٌ أو { فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } له ولكن لم يكن ولا ينبغي أن يكون له ولد ، أو لم يكن له ولد وأنا أول الشاهدين بأنه ليس له ولد " ع " ، أو ما كان للرحمن ولد ثم استأنف فقال : وأنا أول العابدين أي الموحدين من أهل مكة ، أو إن قلتم له ولد فأنا أول الجاحدين أن يكون له ولد ، أو أنا أول الآنفين إن كان له ولد .
(6/7)

وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)
{ فِى السَّمَآءِ إِلَهٌ وَفِى الأَرْضِ إِلَهٌ } مُوَحَّد فيهما ، أومعبود فيهما .
(6/8)

وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
{ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } الملائكة وعيسى وعُزير ، أو الملائكة . قال النضر ونفر من قريش : إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة لنا منه فنزلت . { إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ } أي لا تشفع الملائكة إلا لمن شهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون أن الله ربهم ، أو الشهادة بالحق إنما هي لمن شهد في الدنيا بالحق وهم يعلمون أنه الحق فتشفع لهم الملائكة .
(6/9)

وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
{ وَقِيلِهِ } بالجر تقديرها وعنده علم الساعة وعلم قيلهِ وتقديرها بالنصب إلا من شهد بالحق وقال قيلَه { إِنَّ هَؤُلآءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ } إنكار منه عليهم ، أو معطوف على سرهم ونجواهم ، أو شكا محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه قَيلَهُ ثم ابتدأ فأخبر يا رب إن هؤلاء .
(6/10)

فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
{ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ } منسوخ بالسيف { سَلامٌ } ما تسلم به من شرهم ، أو قل خيراً بدل شرهم ، أو احلم عنهم ، أو أمره بتوديعهم بالسلام ولم يجعله تحية ، أو عرفه بذلك كيف السلام عليهم .
(6/11)

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)
{ أَنزَلْنَاهُ } القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا { لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } لما تنزل فيها من الرحمة ، أو لما يجاب فيها من الدعاء ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة القدر قال الرسول صلى الله عليه وسلم " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان والتوراة لست مضين منه والزبور لاثني عشرة مضين منه والإنجيل لثماني عشرة مضت منه والفرقان لأربع وعشرين مضت منه " { كُنَّا مُنذِرِينَ } بالقرآن من النار .
(6/12)

فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
{ يُفْرَقُ } يُقضى ، أو يكتب " ع " ، أو ينزل ، أو يخرج { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } الأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة من السنة إلى السنة " ع " ، أو كل ما يقضى من السنة إلى السنة إلا الحياة والموت وحكيم هنا : بمعنى محكم ، وليلة القدر في رمضان باقية ما بقي الدهر ولا وجه لقول من قال رفعت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم أو جوز كونها في جمع السنة .
(6/13)

رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
{ أَمْراً مِّنْ عِندِنَآ } القرآن نزل من عنده ، أو يقضيه في الليلة المباركة من أحوال عباده { كُنَّا مُرْسِلِينَ } الرسل للإنذار ، أو منزلين ما قضيناه على العباد ، أو { مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } وهي نعمته ببعثه الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو رأفته بهداية من آمن به { السَّمِيعُ } لقولهم { الْعَلِيمُ } بفعلهم .
(6/14)

فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)
{ فَارْتَقِبْ } فانتظر للكفار ، أو احفظ قولهم حتى تشهد عليهم يوم تأتي السماء ولذلك سمي الحافظ رقيباً { بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } لما دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف حتى صار بينهم وبين السماء كهيئة الدخان قال أبو عبيدة الدخان الجدب . قال ابن قتيبة سمي دخاناً ليبس الأرض منه حتى يرتفع منها غبار كالدخان وقيل لسنة الجدب غبراء لكثرة الغبار فيها ، أو يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ، أو دخان يهيج بالناس في القيامة فيأخذ المؤمن منه كالزكمة وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه .
(6/15)

رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)
{ عَنَّا الْعَذَابَ } الدخان ، أو الجوع ، أو الثلج ولا وجه له .
(6/16)

إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)
{ عَآئِدُونَ } إلى جهنم ، أو إلى الشرك لما كشف عنهم الجدب باستسقاء الرسول صلى الله عليه وسلم عادوا إلى تكذيبه .
(6/17)

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
{ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى } العقوبة الكبرى وهي القتل ببدر ، أو جهنم في القيامة " ع " ، " ح " { مُنتَقِمُونَ } من أعدائنا ، العقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة والنقمة قد تكون قبلها أو العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر ، أو العقوبة قد تكون في المعاصي والنقمة قد تكون في خلفه لأجله .
(6/18)

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)
{ فَتَنَّا } ابتلينا { رَسُولٌ } موسى { كَرِيمٌ } على ربه أو في قومه ، أو كريم الأخلاق بالتجاوز والصفح .
(6/19)

أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)
{ أَنْ أَدُّواْ } أرسلوا معي بني إسرائيل ولا تستعبدوهم ، أو أجيبوا عبادَ الله خيراً .
(6/20)

وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)
{ لا تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ } لا تبغوا على الله ، أو لا تفتروا عليه " ع " البغي بالفعل والافتراء بالقول ، أو لا تعظموا عليه ، أو لا تستكبروا على عبادته . التعظيم تطاول المقتدر والاستكبار ترفع المحتقَر . { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } بحجة بيّنة ، أو عذر بيّن .
(6/21)

وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)
{ عُذْتُ } لجأت ، أو استعنت الملتجىء مستدفع والمستعين مستنصر { تَرْجُمُونِ } بالحجارة ، أو تقتلوني أو تشتموني فتقولوا ساحر وكاهن وشاعر .
(6/22)

وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)
{ فَاعْتَزِلُونِ } إن لم تصدقوني فخلوا سبيلي وكفوا عن أذيتي .
(6/23)

وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
{ رَهْواً } سمتاً " ع " ، أو يابساً ، أو سهلاً ، أو طريقاً ، أو منفرجاً ، أو فرقاً ، أو ساكناً لما نجوا من البحر أراد موسى عليه الصلاة والسلام أن يضربه بالعصا ليعود إلى حاله خوفاً أن يدركهم فرعون فقيل له : اترك البحر رهواً أي طريقاً يابساً حتى يدخلوه { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } قال مقاتل هو النيل كان عرضه يومئذ فرسخين . قال الضحاك غرقوا بالقلزم وهو بلد بين الحجاز ومصر .
(6/24)

كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25)
{ وَعُيُونٍ } من الماء عند الجمهور ، أو من الذهب عند ابن جبير .
(6/25)

وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)
{ وَزُرُوعٍ } كانوا يزرعون ما بين الجبلين من أول مصر إلى آخرها وكانت تروى من ستة عشر ذراعاً لما دبروه وقدروه من قناطر وجسور { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } المنابر " ع " ، أو المساكن ، أو مجالس الملوك { كَرِيمٍ } حسن ، أو المعطي لذته كما يعطي الرجل الكريم صلته ، أو كريم لكرم من فيه .
(6/26)

وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)
{ وَنَعْمَةٍ } نيل مصر ، أو الفيوم ، أو أرض مصر لكثرة خيرها ، أو ما كانوا فيه من سعة ودعة { النعمة } بكسر النون في الملك وبفتحها في البدن والدين ، أو بالكسر من الأفضال والعطية وبفتحها من التنعم وهو سعة العيش والراحة { فَاكِهِينَ } فرحين ، أو ناعمين ، أو الفاكه المتمتع بأنواع اللذة كتمتع الآكل بأنواع الفاكهة .
(6/27)

كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
{ قَوْماً ءَاخَرِينَ } بنو إسرائيل صارت إليهم كمصير الميراث .
(6/28)

فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)
{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ } أي أهلها " ح " أو تبكي السماء والأرض على المؤمن أربعين صباحاً قاله مجاهد أو يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء قاله علي رضي الله تعالى عنه ، أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه " ، ثم تلا هذه الآية؛ وبكاؤهما كبكاء الحيوان المعروف ، أو حمرة أطرافهما ولما قتل الحسين رضي الله تعالى عنه احمّرت له آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ، أو يظهر منها ما يدل على الحزن والأسف . { مُنظَرِينَ } مؤخرين بالغرق ، أو لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى أغرقوا .
(6/29)

وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)
{ اخْتَرْنَاهُمْ } اصطفيناهم للرسالة ، والدعاء إلى الطاعة ، أو اختارهم لدينه وتصديق رسله ، أو بإنجائهم من فرعون وقومه { عَلَى عِلْمٍ } مِنَّا بهم { الْعَالَمِينَ } عالمي زمانهم لأن لأهل كل زمان عالم ، أو جميع العالمين لما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاص بهم .
(6/30)

وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)
{ مِّنَ الأَيَاتِ } إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر وإنزال المن والسلوى يريد به ، بني إسرائيل ، أو العصا واليد البيضاء يريد به قوم فرعون ، أو الشر الذي كفهم عنه والخير الذي أمرهم فيتوجه إلى الفريقين { بَلآؤٌاْ مُّبِينٌ } نعمة ظاهرة ، أو عذاب شديد ، أو اختبار يتبين به المؤمن من الكافر .
(6/31)

فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)
{ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَآ } قال أبو جهل : يا محمد إن كنت صادقاً في قولك إنا نُحيا فابعث لنا رجلين من آبائنا أحدهما : قصي بن كلاب فإنه كان رجلاً صادقاً لنسأله عما يكون بعد الموت .
(6/32)

أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)
{ أَهُمْ خَيْرٌ } أي أظهر نعمة وأكثر أموالاً ، أو أعز وأشد { قَوْمُ تُبَّعٍ } قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا تسبّوا تُبَّعاً فإنه قد كان أسلم " ، وسمي تبعاً لأنه تبع من قبله من ملوك اليمن ، كما يقال خليفة لمن خلف من قبله ، أو لأنه أسم ملوك اليمن ، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه وضربهم مثلاً لقريش لقربهم منهم وعظمتهم في أنفسهم .
(6/33)

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)
{ لاعِبِينَ } غائبين ، أو لاهين .
(6/34)

مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)
{ إِلا بِالْحَقِّ } للحق ، أو بقول الحق .
(6/35)

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)
{ يَوْمَ الْفَصْلِ } يوم القيامة لأنه تفصل فيه أمور العباد ، أو لأنه يفصل بين المرء وعمله .
(6/36)

إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)
{ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ } قد ذكرناها والزقوم في اللغة ما أكل بكره شديد ، أو شجرة الزقوم أبو جهل محكي عن مجاهد .
(6/37)

طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
{ الأَثِيمِ } الآثم ، أو المشرك المكتسب للإثم .
(6/38)

خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
{ فَاعْتِلُوهُ } فجروه " ح " ، أو فادفعوه ، أو سوقوه أو اقصفوه كما يقصف الحطب ، أو قودوه بالعنف .
{ سَوَآءِ الْجَحِيمِ } وسطها " ع " ، أو معظمها حيث يصيبه الحر من جوابنها .
(6/39)

ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
{ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } عند نفسك نزلت في أبي جهل ، أو يقال له ذلك استهزاء وإهانة ، أو العزيز في قومك الكريم في أهلك ، أو لست بعزيز ولا كريم لأنه قال أيوعدني محمد والله إني لأعز من مشى بين جبليها فرد الله تعالى عليه قوله .
(6/40)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)
{ مَقَامٍ أَمِينٍ } من الشيطان والأحزان ، أو من العذاب ، أو من الموت .
(6/41)

يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)
{ سُندُسٍ } الحرير الرقيق والاستبرق : الديباج الغليظ ، أو السندس يعمل [ بسوس العراق وهو أفخر الرقم ] والإستبرق الديباج سمي إستبرقاً لبريقه ، أو السندس ما يلبسونه ، والإستبرق ما يفترشونه { مُّتَقَابِلِينَ } بالمحبة لا متدابرين بالبغضة ، أو متقابلين في المجالس لا ينظر بعضهم إلى قفا بعضه .
(6/42)

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)
{ يَسَّرْنَاهُ } جعلناه { بِلِسَانِكَ } عربياً ، أو أطلقنا به لسانك بتيسير .
(6/43)

فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
{ فَارْتَقِبْ } فانتظر ما وعدتك من النصر إنهم منتظرون لك الموت ، أو انتظر ما وعدتك من الثواب إنهم كالمنتظرين ما وعدتهم من العقاب .
(6/44)

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ } أضافه إليه تعظيماً لشأنه ، أو افتتح بأنه كتاب منه كما يفتتح الكاتب كتابه بذكر اسمه والوجهان يجريان في أمثال هذه .
(6/45)

وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)
{ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ } بنقل الشمال جنوباً والجنوب شمالاً ، أو إرسالها حيث شاء ، أو تارة رحمة وتارة نقمة .
(6/46)

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)
{ أَفَّاكٍ } كذاب ، أو مكذب بربه ، أو كاهن .
(6/47)

يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)
{ يُصِرُّ } يقيم على الشرك مستكبراً عن الطاعة ، أو الإصرار عقد العزم على الشيء من عقد الصرة إذا شدها { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } في عدم الاتعاظ بها والقبول لها ، نزلت في النظر بن الحارث .
(6/48)

قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
{ لا يَرْجُونَ } لا يبالون نِعم الله أو لا يخشون عقاباً ولا يطمعون في نصره في الدنيا ولا في الآخرة وأراد بالأيام أيام النعم والنقم في الدنيا إذ ليس في الآخرة ليل ولا نهار ، أو أيام ثواب الآخرة وعقابها فعبّر عن الوقت بالأيام { يَغْفِرُواْ } تقديره " قل اغفروا " يغفر بالعفو وترك المجازاة على الأذى نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه سبّه مشرك فهمَّ أن يبطش به فلما نزلت كف عنه وهي محكمة في العفو عن الأذى في غير الدين ، أو نسختها آية السيف ، أو قوله { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } [ الحج : 39 ] .
(6/49)

وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
{ بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ } ذكر الرسول صلى الله عليه سلم وشواهد نبوته ، أو بيان الحلال والحرام { مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ } من بعد يوشع بن نون فآمن بعضهم وكفر بعض ، أو من بعد علمهم بما في التوراة { بَغْياً } طلباً للرياسة وأنفة من ابتاع الحق ، أو بغياً على الرسول صلى الله عليه وسلم بجحد صفته في كتابهم ، أو أرادوا رخاء الدنيا فأحلوا من كتابهم ما شاءوا وحرموا ما شاءوا .
(6/50)

ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
{ شَرِيعَةٍ } طريقة كالشريعة التي هي طريق الماء والشارع طريق إلى المقصد { مِّنَ الأَمْرِ } الدين لأنه طريق النجاة . أو الفرائض والحدود والأمر والنهي ، أو السنة ، أو البينة لأنها طريق إلى الحق أو السنة بمن تقدمه .
(6/51)

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
{ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ } اكتسبوا الشرك يريد عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة { كَالَّذِينَ ءَامَنُواْ } علي وحمزة وعبيدة بن الحارث حين برزوا لهم يوم يوم بدر فقتلوهم .
(6/52)

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
{ إِلَهَهُ هَوَاهُ } لا يهوى شيئاً إلا ركبه " ع " ، أو يعبد ما يهواه ويستحسنه كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رماه وعبد الآخر ، أو أرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ } وجده ضالاً ، أو ضل عند الله .
قال الشاعر :
هَبُوني امْرَأ منكُمْ أضلَّ بَعيرَهُ ... له ذِمَّةُ إِنَّ الذِّمَامَ كَبِيرُ
ضل عنه بعيره .
{ عَلَى عِلْمٍ } منه أنه ضال ، أو عَلِم الله تعالى في سابق علمه أنه سيضل { وَخَتَمَ علَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } فلا يسمع الوعظ ولا يفقه الهدى وغشي بصره فلا يبصر الرشد أخبر عنهم بذلك ، أو دعا به عليهم نزلت في الحارث ابن قيس ، أو في الحارث بن نوفل .
(6/53)

وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
{ نَمُوتُ } نحن ويحيا أولادنا ، أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا ، أو تقديره نحيا ونموت { إِلا الدَّهْرُ } العمر ، أو الزمان ، أو الموت .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... والدهرُ ليسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
أو وما يهلكنا إلا الله . قاله عكرمة .
(6/54)

وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
{ كُلَّ أُمَّةٍ } كل أهل ملة { جَاثِيَةً } مستوفزة والمستوفز الذي لا يصيب الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله أو مجتمعة " ع " ، أو متميزة ، أو خاضعة بلغة قريش ، أو باركة على الركب " ح " للكفار خاصة ، أو عامة فيهم وفي المؤمنين انتظاراً للحساب . قال الرسول صلى الله عليه وسلم " كأني أراكم بالكوم جاثين دون جهنم " { كِتَابِهَا } حسابها ، أو المنزل على رسولها ، أو الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من شر أو خير .
(6/55)

هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
{ هَذَا كِتَابُنَا } القرآن يدلكم على ما فيه من الحق فكأنه شاهد عليكم ، أو اللوح المحفوظ يشهد بما فيه من شقاوة وسعادة أو كتاب أعمالهم يشهد عليكم بما تضمنه من صدق أعمالكم . { نَسْتَنسِخُ } يستكتب الحفظة أعمالهم في الدنيا ، أو الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدون عندها من أحوال العباد . أو ما حفظته عليكم الحفظة لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال .
(6/56)

وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)
{ نَنسَاكُمْ } نترككم في النار كما تركتم أمري ، أو نترككم من الخير كما تركتم العمل ، أو نترككم من الرحمة كما تركتم الطاعة .
(6/57)

وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
{ الْكِبْرِيَآءُ } العظمة ، أو السلطان ، أو الشرف ، أو البقاء { وَهُوَ الْعَزِيزُ } في انتقامه { الْحَكِيمُ } في تدبيره .
(6/58)

حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{ حم} قُضِي نزول الكتاب من الله العزيز الحكيم ، أو هذا الكتاب القرآن تنزيل من الله .
(6/59)

مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
{ بِالْحَقِّ } الصدق ، أو العدل ، أو للحق ، أو للبعث { وَأجَلٍ مُّسَمّىً } آجال الخلق ، أو القيامة .
(6/60)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
{ أَثَارَةٍ } راوية ، أو بقية ، أو علم تأثرونه عن غيركم . { أَثَرةٍ } خط ، أو ميراث ، أو خاصة ، أو بينة ، أو أثره يستخرجه فيثيره .
(6/61)

قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
{ بِدْعاً } أولاً والبدع الأول والبديع من كل شيء المبتدأ { مَا يُفْعَلُ بِى وَلا بِكُمْ } في الدنيا دون الآخرة أتخرجوني ، أو تقتلوني كما أُخرجت الأنبياء وقُتلت { وَلا بِكُمْ } في العذاب والإمهال وفي تصديقي وتكذيبي " ح " ، أو في الآخرة قبل نزول { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله } [ الفتح : 2 ] عام الحديبية فعلم ما يفعل به فلما تلاها على أصحابه قالوا هنيئاً لك . قد بيّن الله تعالى لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت { لِّيُدْخِلَ المؤمنين } [ الفتح : 5 ] أو رأى في نومه بمكة أنه يخرج إلى أرض فلما اشتد عليهم البلاء قالوا : يا رسول الله : حتى متى نلقى هذا البلاء ومتى نخرج إلى الأرض التي أُريت فقال ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أنموت بمكة أم نخرج منها ، أو لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به .
(6/62)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
{ إِن كَانَ } القرآن من عند الله ، أو محمد نبياً منه { شَاهِدٌ } عبد الله بن سلام شهد على اليهود أن محمداً صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة " ع " ، أو آمين بن يامين لما أسلم ابن سلام قال : أنا شاهد كشهادته ومؤمن كإيمانه ، أو هو موسى مثل محمد يشهد على نبوته والتوراة مثل القرآن تشهد بصحته ، أو مؤمنو بني إسرائيل بموسى والتوراة لأن محمداً مثل موسى والتوراة مثل القرآن ، أو موسى الذي هو مثل محمد شهد على التوراة التي هي مثل القرآن { فَآمَنَ } ابن سلام بالرسول والقرآن واستكبر الباقون عنه . أو آمن من آمن بموسى والتوراة واستكبرتم أنتم عن الإيمان بمحمد والقرآن . وجواب الشرط محذوف التقدير فآمن أتؤمنون ، أو أفما تهلكون ، أو فمن أضَلُّ منكم .
(6/63)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } لو كان ما جاء به محمد خيراً لما أسلمت غفار قالته قريش ، أو قال الكفار لو كان خيراً ما سبقنا إليه اليهود ، أو الذين كفروا عامر وأسد وغطفان وحنظلة قالوا لمن أسلم من غفار وأسلم وغطفان وجهينة وأشجع : لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا إليه رعآء البهم ، أو لما أسلمت زِنِّيرة أُصيب بصرها فقالوا أصابك اللات والعزى فرد الله بصرها فقال عظماء قريش لو كان خيراً ما سبقتنا إليه زِنِّيرة { لَمْ يَهْتَدُواْ } يؤمنوا { بِهِ } بالقرآن ، أو بمحمد صلى الله عليه وسلم .
(6/64)

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
{ اسْتَقَامُواْ } على أن الله ربهم ، أو على شهادة أن لا إله إلا الله " ع " ، أو على أداء الفرائض " ع " ، أو على إخلاص الدين والعمل ، أو استقاموا عليه فلم يرجعوا عنه إلى موتهم { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } في الآخرة { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } عند الموت .
(6/65)

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
{ إِحْسَاناً } براً { كُرْهاً } بمشقة والكره بالضم ما حمله الإنسان على نفسه وبالفتح ما حمل على غيره { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ } فطامه ثلاثونَ شهراً مدة لأكثر فصاله وأقل حمله ففصاله حولان كاملان فإن وضعته لتسعة أشهر ، أو أكثر فلا يوجب ذلك نقص الحولين قاله الجمهور ، أو الثلاثون جامعة لزمان الحمل ومدة الرضاع فإن وضعته لتسعة أشهر أرضعته إحدى وعشرين شهراً وإن وضعته لعشرة أرضعته عشرين لئلا تزيد مدتهما على الثلاثين " ع " { أَشُدَّهُ } بلوغه ، أو خمس عشرة سنة ، أو ثماني عشرة سنة ، أو عشرون ، أو خمس وعشرون ، أو ثلاثون ، أو ثلاث وثلاثون " ع " ، أو أربع وثلاثون ، أو أربعون " ح " { أَرْبَعِينَ سَنَةً } لأنها زمان الأشد ، أو زمان الاستواء ولما بلغ موسى أشده واستوى ببلوغ الأربعين ، أو لأنها عمر بعد تمام عمر { أَوْزِعْنِى } ألهمني أصله الإغراء أوزع بكذا أغرى به . { فِى ذُرِّيَّتِى } اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيد حق وأبراراً بي مطيعين لك ، أو وفقهم لما يرضيك عنهم { تُبْتُ إِلَيْكَ } رجعت عما كنت عليه نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه خاصة أو هي عامة " ح " .
(6/66)

أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)
{ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ } نقبل حسناتهم ونغفر خطاياهم إذا أسلموا ، أو الجزاء بالحسنة عشراً ، أو الطاعات يثابون عليها لأنها أحسن أعمالهم وليس في المباح ثواب ولا عقاب { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } بالرحمة ، أو عن صغائرهم بالعفو ، أو عن كبائرهم بالتوبة { وَعْدَ الصِّدْقِ } الجنة { الَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } في الدنيا على ألسنة الرسل .
(6/67)

وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)
{ أُفٍّ } كلمة تبرم يقصد بها إظهار السخط وقبح الرد وأصل الأف والتف أن الأف وسخ الأذن والتف وسخ الأنف أو الأف وسخ الأظفار والتف الذي يكون في أصول الأفخاذ ، أو الأف تقليب الأنف والتف الإبعاد { أَنْ أُخْرَجَ } أبعث { يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ } يدعوان اللهم أهده اللهم أقبل بقلبه اللهم اغفر له { وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ } فلم يبعثوا نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر كان أبوه وأمه يدعوانه إلى الإسلام فيجيبهما بذلك ثم أصاب الله تعالى فيه دعوة ابيه فأسلم ونزلت توبته في قوله { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } [ الأحقاف : 19 ] قاله السدي وقال ما رأيت بالمدينة أعبد منه أو في عبد الله بن أبي بكر قاله مجاهد ، أو في جماعة من الكفار قالوا ذلك لآبائهم ولذلك قال { أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول } [ الأحقاف : 18 ] فأراد بقوله { وَالَّذِى } جمعاً لأنهم يذكرون الواحد يريدون به الجمع .
(6/68)

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
{ طَيِّبَاتِكُمْ } شبابكم وقوتكم من قولهم ذهب أطيباه أي شبابه وقوته . قاله الضحاك . { الْهُونِ } الهوان بلغة قريش .
(6/69)

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)
{ أَخَا عَادٍ } في النسب { بِالأَحْقَافِ } جمع حقف وهو ما استطال واعوج من الرمل العظيم ولم يبلغ أن يكون جبلاً هي رمال مشرفة على البحر في الشِّحْر باليمن ، أو أرض من حُسمى تسمى الأحقاف ، أو جبل بالشام يسمى الأحقاف ، أو ما بين عمان وحضرموت ، أو واد بين عمان ومهرة " ع " { وَقَدْ خَلَتِ النُذُرُ } الرسل { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } قبله . { وَمِنْ خَلْفِهِ } بعده .
(6/70)

قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)
{ لِتَأْفِكَنَا } لتزيلنا عن عبادتها بالإفك ، أو لتصدنا عنها بالمنع .
(6/71)

فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)
العارض : السحاب لأخذه في عرض السماء أو لأنه يملأ آفاقها ، أو لأنه مار فيها والعارض المار الذي لا يلبث وهذا أشبه ، وكان المطر أبطأ عنهم فظنوه سحاباً ممطراً . فقال بكر بن معاوية منهم هذا عارض ممطر فنظر إليه هود فقال { بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ } لأنهم استعجلوا العذاب استهزاء فنظر بكر بن معاوية إلى السحاب فقال إني لأرى سحاباً مرمداً لا يبقى من عاد أحداً ، والريح : الدبور كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم واعتزل هود والمؤمنون في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين على الجلود وتلذ به الأنفس وإنها لتمر من عاد بالظُّعن بين السماء والأرض قال شاعرهم :
فدعا هود عليهم ... دعوة أضحوا همودا
عصفت ريح عليهم ... تركت عادا خمودا
سخرت سبع ليال ... لم تدع في الأرض عودا
وعُمِّر هود بعدهم في قومه مائة وخمسين سنة .
(6/72)

وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
فيما لم نمكنكم فيه " ع " ، أو فيما مكناكم فيه وإن صلة زائدة .
(6/73)

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
{ صَرَفْنَآ } صرفوا عن استراق السمع لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا ما هذا الذي حدث في الأرض ضربوا في الأرض حتى وقفوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة عامداً إلى عكاظ وهو يصلي الفجر فنظروا إلى صلاته واقتداء أصاحبه به وسمعوا القرآن فرجعوا إلى قومهم فقالوا { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } [ الجن : 1 ] " ع " ، وكانت السورة التي قرأها ببطن نخلة { سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى } [ الأعلى : 1 ] " ع " ، أو صرفوا عن بلادهم بتوفيق الله تعالى هداية لهم حتى وقفوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة وكانوا من جن نصيبين " ع " أو نينوى ، أو جزيرة الموصل ، أو حَران اثنا عشر ألفا من جزيرة الموصل ، أو تسعة أحدهم زوبعة ، أو سبعة ثلاثة من أهل نجران وأربعة نصيبين ولم يشعر بهم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أوحي إليه أمرهم وأخبر به " ع " أو أعلمه الله تعالى بهم قبل مجيئهم فأتاهم وقرأ عليهم القرآن وقضى بينهم في قتيل منهم { فَلَمَّا قُضِىَ } فرغ من الصلاة { وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } بالرسول صلى الله عليه وسلم مخوفين به ، أو فلما فرغ من القراءة ولوا إلى قومهم مؤمنين .
(6/74)

وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)
{ دَاعِىَ اللَّهِ } نبيه { فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ } أي سابق فلا يفوت الله هرباً .
(6/75)

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
{ أُوْلُواْ الْعَزْمِ } الذين أمروا بالقتال ، أو العرب من الأنبياء ، أو من لم تصبه منهم فتنة ، أو من أصابه بلاء بغير ذنب أو أولو العزم الذين صبروا على أذى قومهم فلم يجزعوا أو جميع الأنبياء أولو العزم أُمِر أن يصبر كما صبروا أو نوح وهود وأبراهيم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون رابعهم ، أو نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى ، أو إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد أو منهم إسماعيل ويعقوب أيوب وليس منهم يونس ولا سليمان لا آدم { وَلا تَسْتَعْجِل } بالدعاء عليهم ، أو بالعذاب { مَا يُوعَدُونَ } من العذاب ، أو الآخرة { لَمْ يَلْبَثُواْ } في الدنيا ، أو القبور { بَلاغٌ } هذا اللبث بلاغ أو هذا القرآن بلاغ ، أو ما وصفه من هلاك الدنيا ، أو عذاب الآخرة بلاغ { فَهَلْ يُهْلَكُ } بعد هذا البلاغ { إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } أي المشركون قيل نزلت هذه الآية بأُحد فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم .
(6/76)

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)
{ كَفَرُواْ } بالتوحيد { سَبِيلِ اللَّهِ } الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، أو عن بيت الله بمنع قاصديه إذا عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم الدخول في الإسلام قيل نزلت في اثني عشر رجلاً من أهل مكة .
(6/77)

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)
{ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ } الأنصار { وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } بمواساتهم في مساكنهم وأموالهم ، أو خاصة في ناس من قريش { وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } بهجرتهم { كَفَّرَ } ستر ، أو غفر { بَالَهُمْ } حالهم ، أو شأنهم ، أو أمرهم .
(6/78)

ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)
{ الْبَاطِلَ } الشيطان ، أو إبليس { اتَّبَعُواْ الحَقَّ } القرآن ، أو محمداً صلى الله عليه وسلم لمجيئه بالحق { لِلنَّاسِ } محمد صلى الله عليه وسلم ، أو عام { أَمْثَالَهُمْ } صفات أعمالهم .
(6/79)

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
{ الَّذِينَ كَفَرُواْ } عبدة الأوثان ، أو كل كافر من كتابي أو مشرك إذا لم يكن ذمة أو عهد . { فَضَرْبَ الرِّقَابِ } بالقتل صبراً عند القدرة ، أو قتالهم بالسلاح واليدين . { أَثْخَنتُمُوهُمْ } ظفرتم بهم { فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ } بالأسر { مَنّاً } بالعفوا والإطلاق { فِدَآءً } بمال ، أو أسير ، أو بالبيع { الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أثقالها من السلاح . الوزر الثقل ، وزير الملك يحمل أثقاله ، أو يضعون السلاح بالهزيمة ، أو الموادعة ، أو أوزار كفرهم بالإسلام ، أو يظهر الإسلام على الدين كله ، أو ينزل عيسى بن مريم . وهي منسوخة بقوله { فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [ الأنفال : 57 ] أو محكمة فتخير الإمام بين المن والفداء ، والقتل والاسترقاق { لانتَصَرَ مِنْهُمْ } بالملائكة ، أو بغير قتال { وَالَّذِينَ قُتِلُواْ } قيل قتلى أُحد .
(6/80)

سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)
{ سَيَهْدِيهِمْ } يحقق لهم الهداية ، أو إلى محاكمة منكر ونكير في القبر أو إلى طريق الجنة .
(6/81)

وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
{ عَرَّفَهَا } بوصفها على ما يشوق إليها ، أو عرفهم ما لهم فيها من الكرامة ، أوطَيَّبها بأنواع الملاذ من العَرْف وهو الرائحة الطيبة ، أو عرفهم مساكنهم حين لا يسألون عنها ، أو وصفها لهم في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها .
(6/82)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
{ تَنصُرُواْ اللَّهَ } دينه ، أو نبيه { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } بالنصر ، أو قلوبكم بالأمن .
(6/83)

وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)
{ فَتَعْساً } خزياً ، أو شقاء ، أو شتماً من الله ، أو هلاكاً ، أو خيبة أو قبحاً ، أو بعداً ، أو غماً . والتعس الانحطاط والعثار .
(6/84)

أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)
{ أَفَمَن كَانَ } محمد والبينة : الوحي ، أو المؤمنون والبينة معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الدين ، أو القرآن { كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ } بالشرك ، أو عبادة الأوثان عامة ، أو في الأثنى عشر رجلاً من قريش زينها الشيطان ، أو أنفسهم { وَاتَّبَعُواْ } يعني المنافقين ، أو من زين له سوء عمله .
(6/85)

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)
{ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } عبد الله بن أُبي وجامعة من المنافقين ، كانوا يستمعون خطبة الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين أعرضوا فإذا خرجوا سألوا عنه ، أو كانوا يحضرون مع المؤمنون فيسمعون قوله فيعيه المؤمن دون المنافق { أُوتُواْ الْعِلْمَ } ابن عباس وابن مسعود ، أو أبو الدرداء ، أو الصحابة قاله ابن زيد { ءَانِفاً } قريباً ، أو مبتدئاً سألوا عن ذلك استهزاء ، أو بحثاً عما جهلوه .
(6/86)

وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
{ زَادَهُمْ } الاستهزاء هدى ، أو زادهم القرآن ، أو الناسخ والمنسوخ { هُدىً } علماً ، أو نصرة في الدين وتصديقاً للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو شرحاً لصدورهم ، أو عملاً بما علموا مما سمعوا { تَقْوَاهُمْ } الخشية ، أو ثواب التقوى ، أو وفقهم للعمل بما فرض عليهم ، أو بين لهم ما يتقون ، أو ترك المنسوخ والعمل بالناسخ .
(6/87)

فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)
{ أَشْرَاطُهَا } آياتها ، أو انشقاق القمر على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه آخر الرسل وأمته آخر الأمم . " بعثت والساعة كهاتين " { فَأَنَّى لَهُمْ } كيف لهم بالنجاة { جَآءَتْهُمْ } الساعة ، أو الذكرى عند مجيء الساعة { ذِكْرَاهُمْ } تذكيرهم بما عملوا من خير ، أو شر ، أو دعاؤهم بأسمائهم تبشيراً وتخويفاً . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة يا فلان قم إلى نورك . يا فلان قم فلا نور لك " .
(6/88)

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
{ فَاعْلَمْ } أن الله أعلمك { أَنَّهُ لآ إِلَهَ إِلا اللَّهُ } هو ، أو ما علمته استدلالاً فاعلمه يقيناً ، أو ما ذكر عبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه .
(6/89)

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)
{ لَوْلا نُزِّلَتْ } كان المؤمنون إذا تأخر نزول القرآن اشتاقوا إليه وتمنوه { مُّحْكَمَةٌ } بذكر الحلال والحرام ، أو بالقتال { مَّرَضٌ } شك لأن القلب به كالمريض { فَأَوْلَى لَهُمْ } وعيد كأنه قال العقاب أولى ، أو أولى لهم . { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } من أن يجزعوا عن فرض الجهاد ، أو طاعة وقول معروف حكاية من الله تعالى عنهم قبل فرض الجهاد { مَّعْرُوفٌ } الصدق والقبول ، أو الإجابة بالسمع والطاعة { صَدَقُواْ اللَّهَ } بأعمالهم { لَكَانَ خَيْراً } من نفاقهم .
(6/90)

فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ } يا قريش ، أو أيها الخوارج ، أو المنافقون وهو الأظهر { تَوَلَّيْتُمْ } الحكم فتفسدوا بأخذ الرشا ، أو توليتم أمر الأمة أن تفسدوا بالظلم ، أو توليتم عن القرآن فتفسدوا بسفك الدم ، أو توليتم عن الطاعة فتفسدوا بالمعاصي وقطع الأرحام .
(6/91)

إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
{ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ } اليهود كفروا بمحمد بعد علمهم أنه نبي ، أو المنافقون قعدوا عن الجهاد بعدما علموه في القرآن . { سَوَّلَ } أعطاهم سؤالهم ، أو زين لهم خطاياهم { وَأَمْلَى لَهُمْ } أمهلهم الله بالعذاب ، أو مدَّ لهم في الأمل ، أو مدَّ الشيطان آمالهم بالتسويف .
(6/92)

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
{ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ } قالت اليهود للمنافقين { سَنُطِيعُكُمْ } في أن لا نصدق بشيء من مقالته ، أو في كتم ما علمناه من نبوته ، أو قال المنافقون لليهود سنطيعكم في غير القتال في بغض محمد والقعود عن نصرته ، أو في الميل إليكم والمظاهرة على محمد ، أو في الارتداد بعد الإيمان .
(6/93)

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)
{ مَّرَضٌ } نفاق ، أو شك { أَضْغَانَهُمْ } غشهم ، أو حسدهم ، أو حقدهم ، أو عدوانهم .
(6/94)

وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)
{ لَحْنِ الْقَوْلِ } كذبه ، أو فحواه واللحن الذهاب بالكلام في غير جهته ، واللحن في الإعراب الذهاب عن الصواب ، ألحن بحجته أذهب بها في الجهات ، فلم يتكلم بعدها منافق عند الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عرفه { يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } يميزها أو يراها .
(6/95)

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)
{ الْمُجَاهِدِينَ } في سبيل الله ، أو الزاهدين في الدنيا { وَالْصَّابِرِينَ } على الجهاد ، أو عن الدنيا .
(6/96)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)
{ أَطِيعُواْ اللَّهَ } تعالى بتوحيده ، { الرَّسُولَ } صلى الله عليه وسلم بتصديقه ، أو أطيعوا الله تعالى في حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم في تعظيم الله عز وجل { أَعْمَالَكُمْ } حسناتكم بالمعاصي ، أو لا تبطلوها بالكبائر ، أو بالرياء والسمعة .
(6/97)

فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
{ يَتِرَكُمْ } ينقصكم أجود أعمالكم ، أو يظلمكم ، أو يستلبكم ، ومنه فقده " وُتِرِ أهله وماله " .
(6/98)

إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)
{ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ } لنفسه ، أو لا يسألكم جميعها في الزكاة ولكن بعضها ، أو لا يسألكم أموالكم إنما هي أمواله وهو المنعم بها .
(6/99)

إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)
{ فَيُحْفِكُمْ } بأخذ الجميع ، أو الإلحاح وإكثار السؤال من الحفاء وهو المشي بغير حذاء ، أو { فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ } فيجدكم تبخلوا .
(6/100)

هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
{ تَتَوَلَّوْاْ } عن كتابي ، أو طاعتي أو الصدقة التي أمرتكم بها أو عن هذا الأمر فلا تقبلوه { قَوْماً غَيْرَكُمْ } أهل اليمن ، أو من شاء من سائر الناس ، أو الفرس . سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فضرب على منكب سلمان ، فقال : " هذا وقومه " { أَمْثَالَكُم } في البخل بالنفقة في سبيل الله ، أو في المعصية وترك الطاعة .
(6/101)

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
{ فَتَحْنَا } أعلمناك بما أنزلناه من القرآن وعرفناك من الدين يعبّر عن العلم بالفتح ومنه { مَفَاتِحُ الغيب } [ الأنعام : 59 ] علم الغيب ، أو قضينا لك بفتح مكة قضاء بَيِّناً . وعده بذلك مرجعه من الحديبية ، أو قضينا في الحديبية قضاء مبيناً بالهدنة . قال جابر : ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية ، أو بيعة الرضوان قال البراء : أنتم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، أو نحره وحلقه يومئذ ، والحديبية بئر تمضمض فيها الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد غارت فجاشت بالماء .
(6/102)

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)
{ لِّيَغْفِرَ لَكَ } إكمالاً للنعمة عليك ، أو يَصْبرك على أذى قومك { مَا تَقَدَّمَ } قبل الفتح { وَمَا تَأَخَّرَ } بعده ، أو ما تقدم النبوة وما تأخر عنها ، أو ما وقع وما لم يقع . وعده بأنه مغفور إن وقع { نِعْمَتَهُ } بفتح مكة والطائف وخيبر ، أو بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر قال عبد الله بن أُبي للأنصار كيف تدخلون في دين رجل لا يدري ما يُفعل به ولا بمن اتبعه هذا والله هو الضلال المبين ، فقال شيحان : يا رسول الله ألا تسأل ربك يخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك فقال : إن له أجلاً فأبشرا بما يسركما فلما نزلت قرأها على أصحابه فقال أحدهم : هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بيّن الله تعالى لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت { لِّيُدْخِلَ المؤمنين } [ الفتح : 5 ] .
(6/103)

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
{ السَّكِينَةَ } الصبر على أمر الله ، أو الثقة بوعده ، أو الرحمة لعباده .
(6/104)

وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)
{ ظَنَّ السَّوْءِ } أن له شريكاً ، أو أنه لن يبعث أحداً ، أو أن يجعلهم كرسوله ، أو ينصرهم عليه . ظنت أسد وغطفان لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية أنه يقتل أو ينهزم فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سالماً ظافراً .
(6/105)

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)
{ شَاهِداً } على أمتك بالبلاغ ، أو بأعمالهم من طاعة ومعصية ، أو مبيناً لهم ما أرسلت به { وَمُبَشِّراً } للمؤمنين { وَنَذِيراً } للكافرين ، أو مبشراً بالجنة للطائع ونذيراً بالنار للعاصي .
(6/106)

لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)
{ وَتُعَزِّرُوهُ } الضمائر الثلاثة لله ، فتوقيره بإثبات ربوبيته ونفي الأولاد والشركاء عنه ، أو التعزير والتوقير للرسول صلى الله عليه وسلم فتوقيره أن يدعى بالنبوة والرسالة دون الاسم والكنية ، أو تُسَوِّدوه ، والتعزير المنع وها هنا الطاعة ، أو التعظيم ، أو النصر . { وَتُسَبِّحُوهُ } بتنزيهه عن كل قبيح ، أو بالصلاة المشتملة على التسبيح { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } غودة وعشياً .
(6/107)

إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
{ يُبَايِعُونَكَ } بيعة الرضوان { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } لأن بيعة نبيه طاعة له . سميت بيعة تشبيهاً بالبيع ، أو لأنهم باعوا أنفسهم بالجنة { يَدُ اللَّهِ } عقده في هذه البيعة فوق عقودهم ، أو قوته في نصرة النبي فوق قوتهم ، أو ملكه فوق ملكهم لأنفسهم ، أو يده بالمنة في هدايتهم فوق أيديهم في طاعتهم ، أو يده عليهم في فعل الخير بهم فوق أيديهم في بيعتهم { نَّكَثَ } نقض العهد عند الجمهور ، أو كفر { عَاهَدَ عَلَيْهُ } في البيعة ، أو الإيمان .
(6/108)

بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)
{ بُوراً } فاسدين أو هلكى أو أشراراً .
(6/109)

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)
{ يُبَدِّلُواْ كَلامَ اللَّهِ } وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر والظفر لما ظنوا ظن السوء أنه يهلك ، أو قوله { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } [ التوبة : 83 ] لما استأذنوا في الخروج لأجل الغنائم بعد امتناعهم عنه بظن السوء .
(6/110)

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)
{ لِّلْمُخَلَّفِينَ } المنافقون ثلاثة أحدهم : لا يؤمن { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } [ التوبة : 101 ] والثاني : تابوا { عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 102 ] فقبلت توبتهم والثالث : قوم بين الخوف والرجاء وهم المدعوون . { إِلَى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ } فارس ، أو الروم ، أو غطفان وهوازن بحنين ، أو بنو حنيفة مع مسيلمة ، أو قوم لم يأتوا بعد .
(6/111)

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
{ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } لما تأخر عثمان رضي الله تعالى عنه بمكة وأرجف بقتله بايع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه البيعة على الصبر والجهاد . وكانوا ألفاً وأربعمائة ، أو وخمسمائة ، أو ثلاثمائة والشجرة سَمُرة ، وسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى : { لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ } . { مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من صدق النية ، أو كراهية البيعة على الموت . { السَّكِينَةَ } الصبر ، أو سكون النفس بصدق الوعج { فَتْحاً قَرِيباً } خيبر ، أو مكة .
(6/112)

وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)
{ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً } خيبر ، أو كل مغنم غنمه المسلمون { لَكُمْ هَذِهِ } خيبر ، أو صلح الحديبية { أَيْدِىَ النَّاسِ } اليهود كف أيديهم عن المدينة لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية ، أو قريش بالحديبية أو الحليفان أسد وغطفان ، جاءوا لنصرة أهل خيبر فألقى في قلوبهم الرعب فانهزموا { وَلِتَكُونَ } فتح خيبر ، أو كف الأيدي { ءَايَةً } علامة لصدق وعد الله تعالى .
(6/113)

وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
{ وَأُخْرَى } أرض فارس والروم وكل ما فتحه المسلمون ، أو خيبر ، أو مكة { أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا } قدر عليها أو حفظها لكم لتفتحوها .
(6/114)

سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
{ سُنَّةَ اللَّهِ } طريقته السالفة في نصر رسله وأوليائه على أعدائه { وَلَن تَجِدَ } لن يغير سنته في نصرك على أعدائك .
(6/115)

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
{ كَفَّ أَيْدِيَهُمْ } بالرعب { وَأَيْدِيَكُمْ } بالنهي ، أو أيديهم بالخذلان وأيديكم بالإبقاء لعلمه بمن يسلم منهم ، أو أيديكم وأيديهم بصلح الحديبية { بِبَطْنِ مَكَّةَ } الحديبية لأن بعضها مضاف إلى الحرم ، أو بمكة نفسها { أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } بفتح مكة فيكون نزول هذه الآية بعد الفتح ، أو بقضاء العمرة التي صدوكم عنها ، أو بالثمانين بأخذه الثمانين سلماً وأعتقهم وكانوا هبطوا من التنعيم ليقتلوا من ظفروا به .
(6/116)

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
{ وَصَدُّوكُمْ } عام الحديبية { مَعْكُوفاً } محبوساً ، أو واقفاً ، أو مجموعاً { مَحِلَّهُ } منحره أو الحرم المحل بالكسر غاية الشيء وبالفتح الموضع الذي يحله الناس وكان الهدى سبعين بدنة . { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } لم تعلموا إيمانهم { تَطَؤُهُمْ } بخيلكم ورجلكم فتقتلوهم ، أو لولا أن في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهن أن تطؤوا آباءهم فيهلك الأبناء { مَّعَرَّةٌ } إثم ، أو غرم الدية ، أو كفارة قتل الخطأ ، أو الشدة ، أو العيب ، أو الغم { تَزَيَّلبُواْ } تميزوا ، أو تفرقوا ، أو زايلوا حتى لا يختلطوا بمشركي مكة { لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ } بالقتل بالسيف ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار .
(6/117)

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
{ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } عصبيتهم لآلهتهم وأنفتهم أن يعبدوا غيرها ، أو أنفتهم من الإقرار بالرسالة والافتتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ومنعهم من دخول مكة { سَكِينَتَهُ } الصبر وإجابتهم إلى الصلح حتى عاد في قابل فقضى عمرته { كَلِمَةَ التَّقْوَى } لا إله إلا الله " ع " ، أو الإخلاص ، أو بسم الله الرحمن الرحيم ، أو قولهم سمعنا وأطعنا بعد خوضهم وسميت كلمة التقوى لأنهم يتقون بها غضب الله تعالى فكان المؤمنون أحق بكلمة التقوى ، أو أهل مكة لتقدم إنذارهم لولا سلب التوفيق .
(6/118)

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)
{ الرُّءْيَا } كان الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أنه يدخل مكة على الصفة المذكورة فلما صالح بالحديبية ارتاب المنافقون فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : فما رأيت في هذا العام { فَعَلِمَ } أن دخولها إلى سنة ولم تعلموه أنتم ، أو علم أن بها رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم { فَتْحاً قَرِيباً } صلح الحديبية ، أو فتح خيبر { إِن شَآءَ اللَّهُ } شرط واستثناء ، أو ليس بشرط بل خرج مخرج الحكاية معناه لتدخلنه بمشيئة الله تعالى أو إن شاء الله دخول الجميع أو البعض لأنهم علم أن بعضهم يموت .
(6/119)

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
{ سِيمَاهُمْ } ثرى الأرض وندى الطهور ، أو السمت الحسن ، أو الصفار من السهر ، أو تبدوا صلاتهم في وجوههم ، أو نور وجوههم يوم القيامة { مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ } بأن سيماهم في وجوههم { وَمَثَلُهُمْ فِى الإنْجِيلِ } كزرع ، أو كلا المثلين في التوراة والإنجيل { شَطْئَهُ } شوك السنبل وهو البهمي والسفا ، أو السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان ، أو فراخه التي تخرج من جوانبه . شاطىء النهر جانبه { فَآزَرَهُ } ساواه فصار مثل الأم ، أو شد فراخ الزرع أصول النبت وقواها { فَاسْتَغْلَظَ } باجتماع الفراخ مع الأصول { لِيَغِيظَ بِهِمُ } بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لأن ما أعجب المؤمنين من قوتهم كإعجاب الزراع بقوة زرعهم هو الذي غاظ الكفار منهم شبه ضعف الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره وإجابة الواحد بعد الواحد له حتى قوي أمره وكثر جمعه بالزرع يبدو ضعيفاً فيقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ بساقه وأفراخه .
(6/120)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
{ لا تُقَدِّمُواْ } كان بعضهم يقول لو أنزل فِيَّ كذا لو أنزل فِيَّ كذا فنزلت ، أو نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه " ع " ، أو لا يفتاتوا على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو ذبحوا قبل الرسول صلى الله عليه سلم فأمروا بإعادة الذبح ، أو لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها المأمور به قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة عشر رجلاً من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم إلا ثلاثة فلما رجعوا إلى المدينة لقوا رجلين من بني سليم فسألوهم عن نسبهما فقالا من بين عامر فقتلوهما فأتى بنو سليم وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك عهداً وقد قتل منا رجلان فوداهما الرسول صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية في قتلهما { وَاتَّقُواْ } في التقديم { إِنَّ اللَّهُ سَمِيعٌ } لأقوالكم { عَلِيمٌ } بأفعالكم .
(6/121)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
{ لا تَرْفَعُواْ أصْوَاتَكُمْ } تمار عند الرسول صلى الله عليه وسلم رجلان فارتفعت أصواتهما فنزلت فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار { وَلا تَجْهَرُواْ } برفع أصواتكم ، أو لا تدعوه باسمه وكنيته كدعاء بعضكم بعضاً بالأسماء والكنى ولكن أدعوه بالنبوة والرسالة { أَن تَحْبَطَ } أي فتحبط ، أو لئلا تحبط .
(6/122)

إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
{ امْتَحَنَ } أخلصها ، أو اختصها .
(6/123)

إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)
{ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ } جاءه رجل فناداه من وراء الحجرة يا محمد إن مدحي زين وإن شتمي شين فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " ويلك ذاك الله ، ذاك الله " فنزلت . أو قال قوم انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن كان نبياً فنحن أسعد الناس به وإن يكن ملكاً نعش في جنابه فأتوه ينادونه وهو في حجرته يا محمد يا محمد فنزلت قيل : كانوا تسعة من بني تميم .
(6/124)

وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أحسن أدباً وطاعة لله ورسوله ، أو لأطلقت أسرارهم بغير فداء لأنه كان سبى قوماً من بني العنبر فجاءوا في فداء سبيهم .
(6/125)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
{ جَآءَكُمْ فَاسِقٌ } الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقاً وأقبلوا نحوه فهابهم فرجع وأخبر الرسول صلى الله عليه سلم أنهم ارتدوا عن الإسلام فأرسل خالداً وأمره بالتثبت فأرسل خالد عيونه فرأوا أذانهم وصلاتهم فأخبروا خالداً فلما علم ذلك منهم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت .
(6/126)

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
{ لَعَنِتُّمْ } لأثمتم ، أو لاتهمتم ، أو هلكتم ، أو نالتكم شدة ومشقة { حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ } حسَّنه عندكم ، أو بما وصف من الثواب عليه { وَزَيَّنَهُ } بما وعد عليه من نصر الدنيا وثواب الآخرة ، أو بدلالات صحته { وَكَرَّهَ } قبح ، أو بما وصف عليه من العقاب ، الفاسقون : الكاذبون أو كل ما خرج من الطاعة .
(6/127)

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
{ وَإِن طَآئِفَتَانِ } كان بين الأوس والخزرج قتال بالنعال والسعف ونحوه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت ، أو اختصم اثنان منهم في حق فقال أحدهما لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته فدعاه الآخر إلى المحاكمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأبى لم يزل الأمر حتى نال بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال فنزلت ، أو كان لرجل منهم امرأة فأرادت زيارة أهلها فمنعها زوجها وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها فأرسلت إلى أهلها وجاءوا فأنزلوها لينطلقوا بها فاستعان زوجها بعصبته فجاءوا ليحولوا بينها وبين عصبتها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت ، أو مر الرسول صلى الله عليه وسلم بابن أُبي فوقف عليه فراث حماره فأمسك ابن أُبي أنفه وقال إليك حمارك فغضب ابن رواحة وقال أتقول هذا لحمار رسول الله صلى عليه وسلم فوالله لهو أطيب ريحاً منك ومن أبيك فغضب لكل واحد منهما قومه حتى اقتتلوا بالأيدي والنعال فنزلت فأصلح الرسول صلى الله عليه وسلم ما { الَّتِى تَبْغِى } بالتعدي في القتال ، أو ترك الصلح ، البغي التعدي بالقوة إلى طلب ما لا يستحق { إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو الصلح الذي أمر به { بِالْعَدْلِ } بالحق أو كتاب الله { الْمُقْسِطِينَ } ذوو العدل في أقوالهم وأفعالهم .
(6/128)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
{ لا يَسْخَرْ } غني بفقير أو مسلم بمن أعلن بفسقه والقوم : الرجال خاصة لقيام بعضهم مع بعض ، أو لقيامهم بالأمور دون النساء { أَنفُسَكُمْ } أهل دينكم أو بعضكم بعضاً واللمز : العيب لا يطعن بعضكم على بعض ، أو لا يلعنه ، أو لا يخونه { تَنَابَزُواْ } وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به قدم وفد بني سلمة على الرسول صلى الله عليه وسلم ولأحدهم اسمان وثلاثة فكان يدعوه بالاسم فيقال إنه يكره هذا فنزلت أو التسمية بالأعمال السيئة بعد الإسلام يا سارق يا زاني ، أو يا فاسق ، أو التعيير بعد الإسلام بما سلف من الشرك أو تسميته بعد الإسلام باسم دينه السابق كاليهودي والنصراني لمن كان يهودياً أو نصرانياً ولا يأتي بالألقاب الحسنة والنبز اللقب الثابت ، أو القول بالقبيح نزلت في ثابت بن قيس نبز رجلاً بلقب كان لأمه ، أو في كعب بن مالك كان على المقسم فقال لعبد الله بن أبي حدرد يا أعرابي فقال له عبد الله يا يهودي فتشاكيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو في الذين نادوا الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات لما عابوا أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم من الفقراء والموالي ، أو في عائشة رضي الله تعالى عنها عابت أم سلمة بالقِصَر أو بلباس تشهرت به .
(6/129)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
{ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ } ظن السوء { بَعْضَ الظَّنِّ } أي ظن السوء ، أو التكلم بما ظنه فإن لم يتكلم به فلا إثم عليه { تَجَسَّسُواْ } بتتبع عثرات المؤمن أو بالبحث عما خفي حتى يظهر ، والتجسس والتحسس واحد " ع " ، أو بالجيم البحث ومنه الجاسوس وبالحاء الإدراك ببعض الحواس ، أو بالحاء أن يطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولاً لغيره { وَلا يَغْتَب } الغيبة : ذكر العيب بظهر الغيب إذا كان صدقاً فإن كان كذباً فهو بهتان وإن كان من سماع فهو إفك { لَحْمَ أَخِيِهِ مَيْتاً } كما تمتنعون من أكل لحوم الموتى فكذلك يجب أن تمتنعوا من غيبة الأحياء ، أو كما يحرم الأكل يحرم الاغتياب { فَكَرِهْتُمُوهُ } كرهتم أن يغتابكم الناس فكذلك فاكرهوا غيبتهم ، أو كرهتم أكل الميتة فاكرهوا الغيبة .
(6/130)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
{ مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى } نهى عن التفاخر بالأحساب { شُعُوباً } النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب لأنها تشعبت من الشعوب ، أو الشعوب عرب اليمن من قحطان والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان ، أو الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب { لِتَعَارَفُواْ } لا لتفتخروا ، وواحد الشعوب شَعب بالفتح والشِعب الطريق جمعه شِعاب .
(6/131)

قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
{ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ } أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام وأبطنوا الشرك ومنوا بإسلامهم على الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا : فضلنا على غيرنا لأنا أسلمنا طوعاً .
(6/132)

يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
{ لا تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلامَكُم } لأنه إن كان حقاً فهو لخلاصكم وإن كان نفاقاً فللدفع عنكم فلا مِنَّة لكم فيه .
(6/133)

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{ قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } أقروا ولم يعملوا فالإسلام قول والإيمان عمل ، أو أرادوا التسمي باسم الهجرة قبل المهاجرة فأعلموا أن اسمهم أعراب ، أو منُّوا بإسلام وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم لم نقاتلك فقيل لهم [ لم ] تؤمنوا { وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } خوف السيف لأنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين فيكون من الاستسلام دون الإسلام قيل نزلت في أعراب بني أسد { يَلِتْكُم } لا يمنعكم ، أو لا ينقصكم من ثواب أعمالكم يألتكم ويلتكم واحد أو يألت أبلغ وأكثر من يلت .
(6/134)

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)
{ ق } اسم لله تعالى أقسم به ، أو اسم القرآن ، أو قضى والله كما حم : حُم والله ، أو الجبل المحيط بالدنيا { الْمَجِيدِ } الكريم أو الكثير القدر والمنزلة ، في كل الشجر نار واستمجد المرخ والعفار استكثر ، أو العظيم من مجدت الإبل عظمت بطونها من كلأ الربيع أقسم به تعظيماً لقدره وتشريفاً لخطره لأن القسم لا يكون في العرف إلا بمعظم .
(6/135)

بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
{ عَجِيبٌ } كون الإله واحد ، أو كون المنذر منهم ، أو إنذارهم بالبعث .
(6/136)

قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)
{ مَا تَنقُصُ الأَرْضُ } من يموت منهم ، أو ما تأكله من لحومهم وتبليه من عظامهم { كِتَابٌ } اللوح المحفوظ { حَفِيظٌ } لأعمالهم ، أو لما تأكله الأرض من لحومهم وأبدانهم .
(6/137)

بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
{ بِالْحَقِّ } القرآن اتفاقاً { مَّرِيجٍ } مختلط ، أو مختلف ، أو ملتبس ، أو فاسد .
(6/138)

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
{ فُرُوجٍ } شقوق ، أو فتوق إلا أن الملك تفتح له أبوابها .
(6/139)

وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
{ مَدَدْنَاهَا } بسطناها { رَوَاسِىَ } جبالاً ثوابت واحدها راسية { بَهِيجٍ } حسن ، أو من أبهجني الأمر أي سرني لأن السرور يحدث حُسْن الوجه قال الشعبي : الناس نبات الأرض من دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم .
(6/140)

تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
{ تَبْصِرَةً } دلالة ، أو بصيرة للإنسان ، أو نعماً بصر الله تعالى بها عباده { مُّنِيبٍ } مخلص ، أو تائب ، أو راجع متذكر .
(6/141)

وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
{ مُّبَارَكاً } لإحيائه النبات والحيوان { جَنَّاتٍ } البساتين عند الجمهور ، أو الشجر { وَحَبَّ الْحَصِيدِ } البُر والشعير وكل ما يحصد من الحبوب إذا تكامل واستحصد سمي حصيداً .
(6/142)

وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
{ بَاسِقَاتٍ } طوالاً " ع " ، أو أثقلها حملها { نَّضِيدٌ } منضود أي متراكم " ع " ، أو منظوم ، أو قائم معتدل .
(6/143)

رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
{ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ } ماء المطر ونبات الأرض { كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } إذا كانت النشأة الأولى مقدورة من غير أصل فالثانية أولى بذلك لأن لها أصلاً ، أو مشاهدة إعادة ما مات من زرع ونبات دالة على أن إعادة الموتى أولى للتكليف والجزاء .
(6/144)

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)
{ الرَّسِّ } كل بئر لم تطو أو كل حفر في الأرض من بئر أو قبر وهي البئر التي قتل فيها صاحب ياسين ورسَّوه ، أو بئر بأذربيجان " ع " ، أو قوم باليمامة على آبارٍ لهم ، أو أصحاب الأخدود { وَثَمُودُ } قوم صالح وهم عرب بوادي القرى وما حوله من الثمر وهو الماء القليل .
(6/145)

وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13)
{ وَعَادٌ } أسلم رجل من العماليق كثر ولده وصاروا قبائل بأحقاف اليمن وهم قوم هود { وَفِرْعَوْنُ } كان فارسياً من أهل اصطخر أو كان من أهل مصر وكان من لخم ، أو من تبع { وَإِخْوَانُ لُوطٍ } كانوا أربعة آلاف ألف ألف وما من نبي إلا يقوم يوم القيامة معه قوم إلا لوط فإنه يقوم وحده .
(6/146)

وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)
{ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ } قوم شعيب أهلكوا بيوم الظلة وأرسل إلى مدين أيضاً فأهلكوا بالصيحة والأيكة : الغيضة ذات الشجر الملتف وكان عامة شجرهم الدوم { تُبَّعٍ } لكثرة أتباعه أسلم وكفر قومه وهو حميري من ملوك العرب .
(6/147)

أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
{ أَفَعَيِينَا } ما عجزت عن أهلاك الأولين مع قوتهم أفيشكون في إهلاكي إياهم مع قلتهم وضعفهم ، أو ما عجزت عن الإنشاء أفتشكون في قدرتي على الإعادة . واللبس اكتساب الشك والخلق الجديد إعادة خلق بعد خلق أول .
(6/148)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
{ تُوَسْوِسُ } الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في خفاء وإسرار { الْوَرِيدِ } حبل معلق به القلب وهو الوتين ، أو عرق في الحلق عرق العنق وهو حبل العاتق وهما وريدان عن يمين وشمال سمي وريداً لأنه ينصب إليه ما يرد من الرأس { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ } من وريده الذي هو منه أو أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه .
(6/149)

إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)
{ الْمُتَلَقِّيَانِ } ملكان يتلقيان العمل أحدهما عن يمينك يكتب الحسنات والآخر عن شمالك يكتب السيئات وهم أربعة ملكان بالليل وملكان بالنهار { قَعِيدٌ } قاعد أو رصَد حافظ من القعود .
(6/150)

مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
{ يَلْفِظُ } يتكلم من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم { رَقِيبٌ } متبع للأمور ، أو حافظ ، أو شاهد { عَتِيدٌ } حاضر لا يغيب ، أو حافظ معد للحفظ ، أو الشهادة .
(6/151)

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
{ تَحِيدُ } تفر ، أو تعدل .
(6/152)

وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
{ سَآئِقٌ } ملك يسوقه إلى محشره ، أو أمر الله يسوقه إلى الحسنات { وَشَهِيدٌ } ملك يشهد بعمله ، أو الإنسان يشهد على نفسه بعمله ، أو يداه ورجلاه تشهد عليه ، أو العمل يشهد عليه بنفسه ، وهي عامة في المسلمين والكافرين عند الجمهور ، أو خاصة بالكفار .
(6/153)

لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
{ كُنتَ } أيها النبي { غَفْلَةٍ } عن الرسالة فكشفنا عنك غطاءك بالوحي قاله ابن زيد ، أو كنت أيها الكافر في غفلة من عواقب كفرك { غِطَآءَكَ } كان في بطن أمه فولد ، أو في القبر فنشر " ع " ، أو وقت العرض في القيامة { فَبَصَرُكَ } بصيرتك سريعة ، أو صحيحة لسرعة مور الحديد وصحة قطعه ، أو أبصر عينك حديد شديد ، أو بصير " ع " ، ومدرَكه معاينة الآخرة ، أو لسان الميزان ، أو ما يصير إليه من ثواب وعقاب " ع " ، أو ما أمر من طاعة وحذر من معصية وهو معنى قول ابن زيد ، أو العمل الذي كان يعمله في الدنيا .
(6/154)

وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
{ قَرِينُهُ } الملك الشهيد عليه ، أو الذي قيض له من الشياطين ، أو الإنس قاله ابن زيد { مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } هذا الذي وكلت به قد أحضرته ، أو هذا الذي كان يحبني وأحبه قد حضر قاله ابن زيد .
(6/155)

أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
{ أَلْقِيَا } يؤمر بإلقاء كل كافر ملكان ، أو ملك ويؤمر بلفظ الاثنين قال :
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر ... وإن تَدَعَاني أحمِ عِرضاً ممنعاً
أو بمعنى تثنية القول ألق ألق . { عَنِيدٍ } معاند للحق ، أو منحرف عن الطاعة ، أو جاحد متمرد ، أو مشاق ، أو المعجب بما عنده المقيم على العمل به .
(6/156)

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25)
{ لِّلْخَيْرِ } المال أن ينفقه في الطاعة ، أو الزكاة المفروضة ، أو عام في الخير من قول وعمل { مُّرِيبٍ } شاك في الله تعالى ، أو في البعث ، أو متهم نزلت في الوليد بن المغيرة استشاره بنو أخيه في الإسلام فمنعهم .
(6/157)

قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
{ لا تَخْتَصِمُواْ } اختصامهم اعتذار كل واحد منهم فيما قدم من معاصيه " ع " ، أو تخاصم كل واحد مع قرينه الذي أغواه في الكفر وأما خصامهم في مظالم الدنيا فلا يضاع لأنه يوم التناصف { بِالْوَعِيدِ } بالرسول صلى الله عليه وسلم " ع " ، أو القرآن ، أو الأمر والنهي .
(6/158)

مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)
{ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ } فيما أَوجبه من أمر ونهي ، أو فيما وعد به من ثواب وعقاب أو في أن الحسنة بعشر والصلوات الخمس بخمسين صلاة { بِظَلامٍ } بمعذب من لم يجترم " ع " .
(6/159)

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
{ نَقُولُ } بلسان حالها .
امتلأ الحوض وقال قطني ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أو يقول زبانيتها { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } هل يزاد إلى من ألقي فيَّ غيرهم كالاستخبار عمن بقي ، أو امتلأت بمن ألقي فهل أتسع لغيرهم ، أو هل يزاد في سعتي لإلقاء غير من ألقي فيَّ .
(6/160)

هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
{ أَوَّابٍ } ذاكر ذنبه في الخلاء ، أو إذا ذكر ذنباً تاب واستغفر ، أو الذي لا يقوم من مجلس حتى يستغفر { حَفِيظٍ } لوصية الله تعالى ، أو مطيع فيما أُمِر ، أو حافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر .
(6/161)

مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
{ بِالْغَيْبِ } يدع الذنب سراً كما يدعه جهراً ، أو يتوب سراً كما أذنب سراً ، أو أطاع الله تعالى بالأدلة ولم يره { مُّنِيبٍ } تائب ، أو مقبل على الله تعالى أو مخلص .
(6/162)

لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
{ مَزِيدٌ } مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها ، أو التزوج بالحور العين ويوم الجمعة يسمى في الآخرة يوم المزيد إما لزيادة ثواب العمل فيه أو لأن الله تعالى يقضي فيه بين خلقه يوم القيامة .
(6/163)

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
{ فَنَقَّبُواْ } أثَّروا ، أو ملكوا ، أو ساروا ، أو طَوَّفوا ، أو اتخذوا فيها طرقاً ومسالك { مَّحِيصٍ } منجى من الموت ، أو مهرب ، أو مانع .
(6/164)

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
{ قَلْبٌ } عقل لأن القلب محله ، أو نفس حية مميزة عبر عنها بالقلب لأنه وظنها ومعدن حياتها { أَلْقَى السَّمْعَ } فيما غاب عنه بالأخبار { وَهُوَ شَهِيدٌ } فيما عاينه بالحضور ، أو سمع ما نزل من الكتب وهو شهيد بصحته ، أو سمع ما أُنذر به من ثواب وعقاب وهو شهيد على نفسه بما عمل من خير أو شر خاصة بأهل القرآن ، أو باليهود والنصارى ، أو عامة في جميع أهل الكتب .
(6/165)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
{ لُّغُوبٍ } نصب وتعب زعم يهود المدينة أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت ولذلك جعلوه يوم راحة فنزلت تكذيباً لهم .
(6/166)

فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
{ عَلَى مَا يَقُولُونَ } من تكذيب ، أو وعيد { وَسَبِّحْ } بقولك تنزيهاً لله تعالى ، أو فَصَلّ قبل طلوع الشمس الصبح .
(6/167)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
{ فَسَبِّحْهُ } قولاْ بالليل ، أو عشاء الآخرة ، أو صلاة الليل ، أو ركعتا الفجر { وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } التسبيح أدبار الصلوات ، أو النوافل بعد الفرائض ، أو ركعتان بعد المغرب قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ركعتين بعد المغرب إدبار السجود وركعتين قبل الفجر إدبار النجوم " .
(6/168)

وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)
{ يُنَادِ } بالنفخة الثانية إلى أرض المحشر { مَّكَانٍ قَرِيبٍ } صخرة بيت المقدس ، أو وسط الأرض : يا أيتها العظام البالية قومي لفصل القضاء وما أعد من الجزاء وهي أقرب إلى السماء بثمانية عشرة ميلاً ، أو يسمعها كل قريب وبعيد .
(6/169)

يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
{ بِالْحَقِّ } بقول الحق ، أو بالبعث الذي هو حق { الْخُرُوجِ } من القبور ، أو الخروج من أسماء القيامة .
(6/170)

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
{ بِجَبَّارٍ } برب ، أو متجبر مسلط عليهم ، كل متسلط : جبار ، أو لا تجبرهم على الإسلام من جبرته على الأمر قهرته عليه .
(6/171)

وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)
{ وَالذَّارِيَاتِ } الرياح واحدتها ذارية لأنها تذرو التراب والتبن أي تفرقه في الهواء { ذَرْواً } مصدر ، أو مَا ذَرَتْه أقسم بها وبما ذرته .
(6/172)

فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)
{ فَالْحَامِلاتِ } السحاب موقرة بالمطر ، أو الرياح موقرة بالسحاب .
(6/173)

فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)
{ فَالْجَارِيَاتِ } السفن ، أو السحاب { يُسْرًا } إلى حيث يسرها الله من البلاد ، أو سهولة تيسيرها .
(6/174)

فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)
{ فَالْمُقَسِّمَاتِ } السحاب يقسم الله بها الحظوظ بين الناس ، أو الملائكة تقسم أمره في خلقه : جبريل صاحب الوحي والغلظة ، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة ، وإسرافيل صاحب الصور واللوح ، وعزرائيل قابض الأرواح؛ أقسم الله تعالى بذلك لما فيه من الآيات والمنافع .
(6/175)

إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)
{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ } يوم القيامة كائن ، أو الثواب والعقاب حق .
(6/176)

وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)
{ الدِّينَ } الحساب لواجب ، أو الجزاء لكائن .
(6/177)

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
{ والسَّمَآءِ } السحاب أو السماء المعروفة على المشهور قال ابن عمر رضي الله عنهما هي السماء السابعة { الْحُبُكِ } الاستواء " ع " ، أو الشدة ، أو الصفاقة ، أو الطرائق من حباك الحمام طرائق على جناحه ، أو الحسن والزينة ، أو كحبك الماء إذا ضربته الريح ، أو الريح ، أو لأنها حبكت بالنجوم " ج " .
(6/178)

إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)
{ قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } أمر مختلف فمؤمن وكافر ومطيع وعاصٍ ، أو مصدق بالقرآن ومكذب به ، أو أهل الشرك يختلف عليه بالباطل .
(6/179)

يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
{ يُؤْفَكُ } يضل عنه من ضل " ع " ، أو يصرف عنه من صرف ، أو يؤفن عنه من أفن ، والأفَن فساد العقل ، أو يخدع عنه من خدع ، أو يكذب فيه من كذب ، أو يدفع عنه من دفع .
(6/180)

قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
{ قُتِلَ } لعن { الْخَرَّاصُونَ } المرتابون ، أو الكذابون ، أو أهل الظنون والفرية ، أو المتكهنون ، والخرص هاهنا تعمد الكذب ، أو ظن الكذب لأن الخرص حذر وظن ومنه خرص الثمار ، خرصوا للتكذيب بالرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بالبعث .
(6/181)

الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)
{ غَمْرَةٍ } غفلة لاهون " ع " ، أو ضلالة يتمادون ، أو عمىً وشبهة يترددون .
(6/182)

يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
{ أَيَّانَ } متى يوم الجزاء قيل إنها مركبة من أي والآن .
(6/183)

يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)
{ يُفْتَنُونَ } يعذبون ، أو يطبخون ويحرقون كما يفتن الذهب بالنار ، أو يكذبون توبيخاً وتقريعاً .
(6/184)

ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
{ فِتْنَتَكُمْ } عذابكم أو تكذيبكم أو حريقكم .
(6/185)

آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
{ مَآ ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ } من الفرائض " ع " ، أو الثواب { قَبْلَ ذَلِكَ } قبل الفرائض { مُحْسِنِينَ } بالإجابة ، أو قبل القيامة محسنين بالفرائض .
(6/186)

كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
{ كَانُواْ قَلِيلاً } تم الكلام ثم قال { مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } الهجوع : النوم ، أو كان هجوعهم قليلاً ، أو كان القليل منهم ما يهجعون وإن كان الأكثر هجوعاً ، أو كانوا في قليل من الليل ما يهجعون حتى صلوا المغرب والعشاء ، أو قليلاً يهجعون وما صلة وهذا لما كان قيام الليل فرضاً .
(6/187)

وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
{ يَسْتَغْفِرُونَ } يصلون ، أو يؤخرون الاستغفار إلى السَّحَر كما آخره يعقوب لبنيه ، قال ابن زيد : السحر هو السدس الأخير من الليل .
(6/188)

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
{ حَقٌّ } معلوم : الزكاة ، أو غيرها مما يصل به رحماً ، أو يقري به ضيفاً ، أو يحمل به كلاً ، أو يغني به محروماً " ع " { وَالْمَحْرُومِ } الذي لا يسأل ، أو الذي يجيء بعد الغنيمة ليس له فيها سهم ، أو من لا سهم له في الإسلام " ع " أو من لا يكاد يتيسر له كسب أو من يطلب الدنيا وتدبر عنه " ع " ، أو المصاب بثمره وزرعه ، أو المملوك أو الكلب .
(6/189)

وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
{ وَفِى الأَرْضِ ءَايَاتٌ } الجبال والبحار والأنهار ، أو من أهلك من الأمم الخالية .
(6/190)

وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)
{ وَفِى أَنفُسِكُمْ } سبيل البول والغائط ، أو تسوية مفاصل الأيدي والأرجل والجوارح دال على أنه خلقكم لعبادته ، أو خلقكم من تراب ، فإذا أنتم بشر أو حياتكم وقوتكم وما يخرج ويدخل من طعامكم وشرابكم ، أو الكبر والضعف والشيب بعد الشباب والقوة والسواد " ح " .
(6/191)

وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
{ وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } ، من عند الله الذي في السماء ، أو المطر والثلج ينبتان الزرع فيحيا به الخلق فهو رزق من السماء { وَمَا تُوعَدُونَ } من خير وشر ، أو جنة ونار ، أو أمر الساعة .
(6/192)

فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
{ إِنَّهُ لَحَقٌّ } ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ما عدده في هذه السورة من آياته وذكره من عظاته .
(6/193)

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
{ الْمُكْرَمِينَ } عند الله تعالى ، أو خدمهم إبراهيم بنفسه .
(6/194)

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)
{ سَلاماً } من المسالمة ، أو دعاء بالسلامة عند الجمهور ، { مُّنكَرُونَ } لا يُعرفون أو يخافون أنكرته خفته أنكرهم لمجيئهم على غير صور البشر وعلى غير صور الملائكة التي يعرفها .
(6/195)

فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
{ فَرَاغَ } فعدل ، أو مال خفية { بِعِجْلٍ } كان عامة ماله البقر سُمي عجلاً لعجلة بني إسرائيل بعبادته ، أو لأنه عجل في اتباع أمه .
(6/196)

فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)
{ بِغُلامٍ } إسحاق من سارة فبشرنا بإسحاق ، أو إسماعيل من هاجر .
(6/197)

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
{ صَرَّةٍ } رنَّة ، أو صيحة ومنه صرير الباب ، أو جماعة ومنه صُرَّة الدراهم ، المصرَّاة جُمع لبنها في ضرعها { فَصَكَّتْ } لطمت " ع " ، أو ضربت جبينها أتلد عجوز عقيم؟
(6/198)

فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
{ فَتَوَلَّى } أدبر ، أو أقبل من الأضداد { بِرُكْنِهِ } جموعه وجنده ، أو قوته " ع " ، أو جانبه ، أو عناده بالكفر وميله عن الحق .
(6/199)

وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
{ الْعَقِيمَ } التي لا تلقح ، أو لا تنبت ، أو لا رحمة فيها ، أو لا منفعة لها وهي الجنوب ، أو الدبور ، أو الصبا قال الرسول صلى الله عليه وسلم " وأهلكت عاد بالدبور " .
(6/200)

مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
{ كَالرَّمِيمِ } التراب ، أو الرماد ، أو الشيء البالي الهالك ، أو ما ديس من يابس النبات .
(6/201)

وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
{ لَمُوسِعُونَ } الرزق بالمطر ، أو السماء ، أو لا يضيق علينا شيء نريده ، أو نخلق سماء مثلها ، أو على الاتساع بأكثر من اتساع السماء .
(6/202)

وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
{ زَوْجَيْنِ } من كل جنس نوعين ، أو أمر خلقه ضدين : صحة وسقم ، وغنى وفقر ، وموت وحياة ، وفرح وحزن ، وضحك وبكاء .
(6/203)

فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
{ فَفِرُّواْ } فتوبوا .
(6/204)

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
{ وَذَكِّرْ } بالقرآن ، أو بالموعظة .
(6/205)

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
{ لِيَعْبُدُونِ } ليقروا بالعبودية طوعاً ، أو كرهاً " ع " ، أو لآمرهم وأنهاهم ، أو لأجبلهم على الشقاء والسعادة ، أو ليعرفون ، أو للعبادة .
(6/206)

مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
{ مِّن رِّزْقٍ } أن يرزقوا عبادي ولا يطعموهم ، أو يرزقوا أنفسهم ولا يطعموها ، أو معونة ولا فضلاً .
(6/207)

فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
{ ذَنُوباً } عذاباً ، أو سبيلاً أو عني به الدلو " ع " ، أو نصيباً { أَصْحَابِهِمْ } مكذبو الرسل من الأمم السالفة .
(6/208)

وَالطُّورِ (1)
{ وَالطُّورِ } الجبل بالسريانية ، أو اسم لما ينبت من الجبال دون ما لا ينبت " ع " وهو هنا طور سيناء ، أو الذي كلم عليه موسى عليه الصلاة والسلام ، أو جبل مبهم .
(6/209)

وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)
{ وَكِتَابٍ } القرآن في اللوح المحفوظ ، أو صحائف الأعمال ، أو التوراة ، أو كتاب تقرأ فيه الملائكة ، ما كان وما يكون .
(6/210)

فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
{ رَقٍّ مَّنشُورٍ } صحيفة مبسوطة تخرج للناس أعمالهم كل صحيفة رق لرقة حواشيها ، أو هي رق مكتوب ، أو ما بين المشرق والمغرب .
(6/211)

وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
{ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } بالقصد إليه ، أو بالمقام عليه وهو البيت الحرام ، أو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة لو خرَّ لخرَّ عليها يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، أو بيت في ست سماوات دون السابعة يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس ثم لا يعودون إليه ، أو كان في الأرض زمان آدم عليه الصلاة والسلام ، فرفع زمان الطوفان إلى السماء الدنيا يعمره كل يوم سبعون ألف ملك .
(6/212)

وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
{ وَالسَّقْفِ } السماء ، أو العرش .
(6/213)

وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
{ وَالْبَحْرِ } جهنم ، أو بحر تحت العرش ، أو بحر الأرض { الْمَسْجُورِ } المحبوس " ع " ، أو المرسل ، أو الممتلىء ، أو الموقد ناراً ، أو المختلط ، أو الذي ذهب ماؤه ويبس ، أو الذي لا يُشرب من مائه ولا يُسقى به زرع .
(6/214)

يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)
{ تَمُورُ } تدور ، أو تموج ، أو تشقق " ع " ، أو تكفأ ، أو تنقلب ، أو تجري جرياً ، أو السماء هنا الفلك وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره .
(6/215)

يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)
{ يُدَعُّونَ } يدفعون دفعاً عنيفاً ، أو يزعجون إزعاجاً .
(6/216)

فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)
{ فَاكِهِينَ } معجبين ، أو ناعمين ، أو فرحين ، أو متقابلين بالحديث السار المؤنس من الفكاهة ، أو ذو فاكهة كلابن وتامر أو ذو بساتين فيها فواكه .
(6/217)

مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)
{ سُرُرٍ } وسائد { مَّصْفُوفَةٍ } بين العرش ، أو مرمولة بالذهب . أو وصل بعضها إلى بعض فصارت صفاً { بِحُورٍ } سُمِّين بذلك لأنه يَحارُ فيهن الطرف ، أو لبياضهن ومنه الخبز الحواري { عِينٍ } عيناء وهي الواسعة العين في صفائها .
(6/218)

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)
{ وأَتْبَعْنَاهم } يدخل الله تعالى الذرية بإيمان الآباء الجنة ، أو نعطيهم مثل أجور الآباء من غير نقص في أجور الآباء ، أو البالغون أطاعوا الله تعالى فألحقهم الله بآبائهم ، أو لما أدركوا أعمال آبائهم تابعوهم عليها فصاروا مثلهم فيها { أَلَتْنَاهُم } ظلمناهم أو نقصناهم أي لم ننقص أجور الآباء ، بما أعطيناه الأبناء فضلاً منا وإكراماً للآباء { رَهِينٌ } مؤاخذ كما يؤخذ الحق من الرهن أو محتبس كاحتباس الرهن بالحق .
(6/219)

يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)
{ يَتَنَازَعُونَ } يتعاطون ويناول بعضهم بعضاً المؤمن وزوجاته وخدمه { كَأْساً } كل إناء مملوء من شراب أو غيره فهو كأس ، فإذا فرغ لم يسم كأساً { لا لَغْوٌ فِيهَا } لا باطل في الخمر ولا مأثم " ع " ، أو لا كذب ولا خُلْف ، أو لا يتسابون عليها ولا يؤثم بعضهم بعضاً ، أو لا لغو في الجنة ولا كذب " ع " ، واللغو هنا فحش الكلام .
(6/220)

وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
{ غِلْمَانٌ } أولادهم الأصاغر ، أو أولاد غيرهم { مَّكْنُونٌ } مصون بالكن والغطاء .
(6/221)

فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)
{ السَّمُومِ } النار ، أو اسم لجهنم ، أو وهجها ، أو حر السموم في الدنيا والسموم لفح الشمس والحر وقد يستعمل في لفح البرد .
(6/222)

إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
{ الْبَرُّ } الصادق ، أو اللطيف ، أو فاعل البر المعروف .
(6/223)

فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)
{ فَذَكِّرْ } بالقرآن { بِنِعْمَتِ رَبِّكَ } برسالته { بِكَاهِنٍ } بساحر تكذيباً لشيبة بن ربيعة { وَلا مَجْنُونٍ } تكذيباً لعقبة بن أبي معيط .
(6/224)

أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)
{ نَّتَرَبَّصُ بِهِ } قال أناس منهم تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان قيل هم بنو عبد الدار { رَيْبَ الْمَنُونِ } الموت ، أو حوادث الدهر والمنون الدهر .
(6/225)

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)
{ خَزَآئِنُ رَبِّكَ } مفاتيح الرحمة ، أو خزائن الرزق { المسيطرون } المسلطون ، أو الأرباب ، أو المُنزِلون ، أو الحفظة من تسطير الكتاب الذي يحفظ ما كتب فيه فالمسيطر حافظ لما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ .
(6/226)

أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
{ سُلَّمٌ } مرتقى إلى السماء ، أو سبب يتوصل به إلى عوالي الأشياء تفاؤلاً فيه بالسلامة { بِسُلْطَانٍ } بحجة دالة على صدقه ، أو بقوة يتسلط بها على الاستماع تدل على قوته .
(6/227)

وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
{ كِسْفاً } قطعاً ، أو جانباً ، أو عذاباً سمي كسفاً لتغطيته والكسف التغطية ومنه كسوف الشمس { مَّرْكُومٌ } غليظ ، أو كثير متراكب .
(6/228)

فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)
{ يُصْعَقُونَ } يموتون ، أو النفخة الأولى ، أو يوم القيامة يغشى عليهم من هوله { وَخَرَّ موسى صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ] .
(6/229)

وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)
{ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أهل الصغائر من المسلمين ، أو مرتكبو الحدود منهم { دُونَ ذَلِكَ } عذاب القبر ، أو الجوع ، أو مصائب الدنيا .
(6/230)

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
{ بِأَعْيُنِنَا } بعلمنا ، أو بمرأى منا ، أو بحراستنا وحفظنا { حِينَ تَقُومُ } من نومك افتتاحاً لعملك بذكر ربك ، أو من مجلسك تكفيراً للغوه ، أو صلاة الظهر ، إذا قام من نوم القائلة ، أو تسبيح الصلاة إذا قام إليها في ركوعها سبحان ربي العظيم وفي سجودها سبحان ربي الأعلى ، أو في افتتاحها سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك .
(6/231)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
{ وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } صلاة الليل ، أو التسبيح فيها ، أو التسبيح في الصلاة وخارج الصلاة { وإِدْبَارَ النُّجُومِ } ركعتان قبل الفجر مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ركعتا الفجر ، أو التسبيح بعد الصلاة .
(6/232)

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
{ وَالنَّجْمِ } نجوم القرآن إذا نزلت ، أو الثريا ، أو الزهرة ، أو جنس النجوم ، أو النجوم المنقضة { هَوَى } رمى به الشياطين ، أو سقط ، أو غاب أو ارتفع ، أو نزل ، أو جرى ومهواها جريها لأنها لا تفتر في طلوعها ولا غروبها قاله الأكثرون .
(6/233)

مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)
{ مَا ضَلَّ } محمد صلى الله عليه وسلم عن قصد الحق ولا غوى في اتباع الباطل ، أو ما ضل بارتكاب الضلال { وَمَا غَوَى } بخيبة سعيه والغي الخيبة قال :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... ومن يغوِ لا يَعْدَم على الغي لائماً
قيل : هي أو سورة أعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة .
(6/234)

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
{ وَمَا يَنطِقُ } عن هواه { إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ } يوحيه الله تعالى إلى جبرائيل عليه السلام ويوحيه جبريل إليه أو وما ينطق عن شهوة وهوى { إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ يُوحَى } بأمر ونهي من الله تعالى وطاعة له .
(6/235)

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)
{ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ } جبريل عليه السلام اتفاقاً ، مِرَّة : منظر حسن ، أو غنى ، أو قوة ، أو صحة في الجسم ، وسلامة من الآفات أو عمل { فَاسْتَوَى } جبريل عليه السلام في مكانه ، أو على صورته التي خلق عليها ، ولم يره عليها إلا مرتين ، مرة ساداً للأفق ومرة حيث صعد معه وذلك قوله { وَهُوَ بالأفق الأعلى } [ النجم : 7 ] ، أو فاستوى القرآن في صدر محمد صلى الله عليه وسلم ، أو صدر جبريل ، أو فاعتدل محمد صلى الله عليه وسلم في قوته ، أو برسالته ، أو فارتفع محمد صلى الله عليه سلم بالمعراج ، أو ارتفع جبريل عليه السلام إلى مكانه .
(6/236)

وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)
{ وَهُوَ بِالأُفُقِ } الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى جبريل ، أو جبريل لما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأفق مطلع الشمس ، أو مطلع النهار أي الفجر ، أو كانت من جوانب السماء .
(6/237)

ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)
{ دَنَا } جبريل عليه السلام ، أو الرب عز وجل " ع " { فَتَدَلَّى } قرب { وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام } [ البقرة : 188 ] تقربوها إليهم ، أو تعلق بين العلو والسفل لأنه رأه منتصباً مرتفعاً ثم رآه متدلياً قيل فيه تقديم معناه تدلى فدنا .
(6/238)

فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
{ فَكَانَ } جبريل من ربه ، أو محمد صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل " ع " ، أو جبريل عليه السلام من محمد صلى الله عليه وسلم { قَابَ قَوْسَيْنِ } قيد قوسين ، أو بحيث الوتر من القوس ، أو من مقبضها إلى طرفها ، أو قدر ذراعين عبّر عن القدر بالقاب وعن الذراع بالقوس .
(6/239)

فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)
{ عَبْدِهِ } جبريل عليه السلام أوحى الله تعالى إليه ما يوحيه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو محمد صلى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى إليه على لسان جبريل عليه السلام .
(6/240)

مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
{ الْفُؤَادُ } نفسه ، أو عبّر به عن صاحبه لأنه قطب جسده وقوام حياته { مَا كَذَبَ } مخففاً ما أوهمه فؤاده خلاف الأمر كرائي السراب فيصير بتوهمه المحال كالكاذب به { ما كذَّب } ما أنكر قلبه ما رأته عينه { مَا رَأَى } رأى ربه بعينه " ع " ، أو في المنام ، أو بقلبه سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " رأيته بقلبي مرتين " أو رأى جلاله وعظمته سئل هل رأيت ربك فقال : " رأيت نهراً ووراء النهر حجاباً ورأيت وراء الحجاب نوراً فلم أَرَ غير ذلك " ، أو رأى جبريل عليه السلام على صورته مرتين .
(6/241)

أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)
{ أَفَتُمَارُونَهُ } أفتجحدونه ، أو تجادلونه ، أو تشككونه .
(6/242)

وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)
{ نَزْلَةً } رأى ما رأه ثانية بعد أولى قال كعب سمع موسى عليه الصلاة والسلام كلام الله تعالى كرتين ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين .
(6/243)

عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)
{ الْمُنتَهَى } لانتهاء علم الأنبياء عليهم والصلاة والسلام إليها وعزوبه عما وراءها " ع " ، أو لانتهاء الأعمال إليها وقبضها منها ، أو لانتهاء الملائكة والبشر إليه ووقوفهم عندها ، أو لانتهاء كل من كان على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاجه إليها ، أو لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها .
(6/244)

عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)
{ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } قصد بذلك تعريف موضع الجنة أنها عند السدرة قاله الجمهور المأوى : المبيت ، أو منزل الشهداء . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهي عن يمين العرش .
(6/245)

إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
{ يَغْشَى السِّدْرَةَ } فراش من ذهب ، أو الملائكة " ع " ، أو نور الله .
(6/246)

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)
{ زَاغَ } انحرف ، أو ذهب ، أو نقص { طَغَى } ارتفع عن الحق ، أو تجاوزه " ع " ، أو زاد عليه بالتخيل . رآه على ما هو به بغير نقص عجز عن إدراكه ولا زيادة توهمها في تخليه .
(6/247)

لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
{ الْكُبْرَى } ما غشي السدرة من الفراش ، أو جبريل ساداً الأفق بأجنحته ، أو ما رآه في النوم ونظره بفؤاده .
(6/248)

أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)
{ الَّلاتَ } صنم بالطائف كان صاحبه يلت عليه السويق لأصحابه ، أو صخرة يُلَت عليها السويق بين مكة والطائف { وَالْعُزَّى } صنم كانوا يعبدونه عند الجمهور ، أو سَمُرة يعلق عليها ألوان العهن يعبدها سليم وغطفان وجشم فبعث إليها الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها ، أو كانت نخلة يعلق عليها الستور والعهن ، أو اللات والعزى رجل وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ، أو اللات بيت بنخلة تعبده قريش والعزى بيت بالطائف يعبده أهل مكة والطائف ، واللاتَّ بالتشديد رجل كان يلت السويق على صخرة فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه ثم مات فعكفوا على قبره ، أو كان رجلاً يقوم على آلهتهم ويلت لهم السويق بالطائف فاتخدوا قبره وثناً معبوداً .
(6/249)

وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
{ وَمَنَاةَ } صنم بقُدَيْد بين مكة والمدينة ، أو بيت بالمشلل يعبده بنو كعب ، أو أصنام حجارة في الكعبة يعبدونها ، أو وثن كانوا يريقون عليه الدماء تقرباً إليه وبذلك سميت مناة لكثرة ما يراق عليها من الدماء { الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } لأنها كانت مرتبة عندهم في التعظيم بعد اللات والعزى ولما جعلوا الملائكة بنات الله قال : { أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى } .
(6/250)

تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
{ ضِيزَى } عوجاء ، أو جائرة ، أو منقوصة عند الأكثر ، أو مخالفة .
(6/251)

أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)
{ مَا تَمَنَّى } البنوة تكون له دون غيره ، أو البنين دون البنات .
(6/252)

فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)
{ فَلِلَّهِ الأَخِرَةُ } هو أقدر من خلقه فلو جاز عليه الولد لكان أحق بالبنين دون البنات منهم ، أو لا يعطي النبوة إلا لمن شاء لأنه ملك الدنيا والآخرة .
(6/253)

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
{ كَبَآئِرَ الإِثْمِ } الشرك ، أو ما زجر عنه بالحد ، أو ما لا يكفر إلا بالتوبة ، أو ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أن تدعو لله نداً أو تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك وأن تزاني حليلة جارك ، أو كبائر الإثم ما لم يستغفر منه { وَالْفَوَاحِشَ } الربا ، أو جميع المعاصي { اللَّمَمَ } ما ألموا به في الجاهلية من إثم وفاحشة عفي عنه في الإسلام ، أو أن يلم بها ويفعلها ثم يتوب ، أو يعزم على المواقعة ثم يقلع عنها قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
إن تغفر اللهم تغفر جمَّا ... وأي عبد لك لا ألمَّا
أو ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة ، أو صغائر الذنوب ، أو ما لا حد عليه في الدنيا ولا عذاب في الآخرة " ع " ، أو النظرة الأولى فإن عاد فليس بلمم جعله ما لم يتكرر من الذنوب ، أو النكاح قيل : نزلت في نبهان التمار أتته امرأة تشتري تمراً فقال إن داخل الدكان ما هو خير من هذا فلما دخلت راودها عن نفسها فأبت وندم نبهان وأتى الرسول صلى الله عليه سلم فقال : ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع فقال : لعل زوجها غازٍ فنزلت { أَنشَأكُمْ مِّنَ الأَرْضِ } آدم عليه الصلاة والسلام { فَلا تُزَكُّواْ } لا تمادحوا ، أو لا تعملوا بالمعاصي وتقولون نعمل بالطاعة ، أو إذا عملت خيراً فلا تقل عملت كذا أو كذا .
(6/254)

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33)
{ الَّذِى تَوَلَّى } العاص بن وائل ، أو الوليد بن المغيرة كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه فيسمع ما يقولان ثم يتولى عنهما ، أو النضر بن الحارث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد وضمن له أن يتحمل عنه إثم ارتداده .
(6/255)

وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)
{ وَأَعْطَى قَلِيلاً } من نفسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع ، أو أطاع قليلاً ثم عصى " ع " ، أو قليلاً من ماله ثم منع ، أو بلسانه وأكدى بقلبه { وَأَكْدَى } قطع ، أو منع .
(6/256)

أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
{ أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ } أعلم الغيب فرأى أن الذي سمعه باطل ، أو نزل عليه القرآن فرأى ما صنعه حقاً .
(6/257)

وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
{ وَفَّى } ما أمر به من الطاعة ، أو أبلغ ما حمله من الرسالة " ع " ، أو عمل يومه بأربع ركعات في أوله ، أو بقوله كلما أصبح وأمسى { فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } الآية [ الروم : 17 ] وكلاهما مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ما أمر بأمر إلا أداه ولا نذر نذراً إلا وفاه ، أو ما امتحن به من ذبح ولده وإلقائه في النار وتكذيبه ، أو وَفَّى { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } [ النجم : 38 ] لأن الرجل كان يؤخذ بجريرة أبيه وابنه فيما بين نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام .
(6/258)

وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)
{ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } قضى أسباب الضحك والبكاء ، أو سّرَّ وأحزن ، أو خلق قوتي الضحك والبكاء للإنسان فلا يضحك من الحيوان إلا القرد ولا يبكي إلا الإبل واجتمعا في الإنسان .
(6/259)

وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
{ أَمَاتَ } بالجدب { وَأَحْيَا } بالخصب ، أو أمات بالمعصية وأحيا بالطاعة ، أو أمات الآباء وأحيا الأبناء ، أو خلق الموت والحياة ، أو خلق أسبابهما .
(6/260)

وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
{ أَغْنَى } بالكفاية { وَأَقْنَى } بالزيادة ، أو أغنى بالمعيشة وأقنى بالمال أو أغنى بالمال وأقنى بان جعل لهم القنية وهي أصول الأموال ، أو أغنى بأن موّل وأقنى بأن حرم ، أو أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه ، أو أغنى من شاء وأفقر من شاء ، أو أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا ، أو أغنى عن أن يخدم وأقنى عن أن يستخدم .
(6/261)

وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)
{ رَبُّ الشِّعْرَى } وهي كوكب يضيء وراء الجوزاء يسمى مرزم الجوزاء خصه بالذكر لأنهم عبدوه فأخبر أنه مربوب فلا يصلح للربوبية وكان يعبده حِمْير وخُزَاعة وقيل : أول من عبده أبو كبشة .
(6/262)

وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)
{ عَاداً الأُولَى } عاد بن إرم أهلكوا بريح صرصر وعاد الآخرة قوم هود ، أو عاد الأولى قوم هود والآخرة كانوا بحضرموت .
(6/263)

وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
{ وَالْمُؤْتَفِكَةَ } المنقلبة بالخسف وهي مدائن قوم لوط رفعها جبريل إلى السماء ثم قلبها .
(6/264)

فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)
{ فَغَشَّاهَا } جبريل حين قلبها ، أو الحجارة حتى أهلكها فغشاها : ألقاها ، أو غطاها .
(6/265)

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
{ فَبِأَىِّ ءَالآءِ رَبِّكَ } فبأي نعمة أيها المكذب تشك فيما أولاك أو فيما أكفاك .
(6/266)

هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)
{ نَذِيرٌ } محمد صلى الله عليه وسلم أنذر بالحق الذي أنذر به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله ، أو القرآن نذير بما أنذرت به الكتب الأولى .
(6/267)

أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)
{ أَزِفَتِ } دنت وقربت القيامة سماها آزفة لقربها عنده .
(6/268)

لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)
{ كَاشِفَةٌ } من يؤخرها ، أو يقدمها ، أو من يعلم وقتها ويكشف عن مجيئها ، أو من يكشف ضررها .
(6/269)

أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
{ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } من نزوله .
(6/270)

وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)
{ وَتَضْحَكُونَ } استهزاء { وَلا تَبْكُونَ } انزجاراً ، أو تفرحون ولا تحزنون .
(6/271)

وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)
{ سَامِدُونَ } شامخون كما يخطر البعير شامخاً " ع " ، أو غافلون ، أو معرضون ، أو مستكبرون ، أو لاعبون لاهون ، أو تغنون بلغة حمير كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ، أو أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين ، أو واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام " ح " . وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم والناس ينتظرونه قياماً فقال " ما لي أراكم سامدين " ، أو خامدون .
(6/272)

فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
{ فَاسْجُدُواْ } سجود الصلاة ، أو سجود التلاوة .
(6/273)

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
{ اقْتَرَبَتِ } دنت سميت ساعة لقرب الأمر فيها ، أو لمجيئها في ساعة من يومها { وَانشَقَّ الْقَمَرُ } اتضح الأمر وظهر يضربون المثل بالقمر فيما وضع وظهر ، أو انشقاقه انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما سمي الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه ، أو ينشق حقيقة بعد النفخة الثانية " ح " ، أو انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه سلم عند الجمهور ، قال ابن مسعود رضي الله عنه رأيت القمر منشقاً شقتين مرتين بمكة قبل مخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فقالوا سحر القمر .
(6/274)

وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
{ ءَايَةً } انشقاق القمر أو أي آية رأوها أعرضوا عنها { مُّسْتَمِرٌّ } ذاهب ، أو شديد من إمرار الحبل وهو شدة فتله ، أو دائم ، أو استمر من الأرض إلى السماء أو يشبه بعضه بعضاً .
(6/275)

وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
{ مُّسْتَقِرٌّ } يوم القيامة ، أو الخير لأهل الخير والشر لأهل الشر ، أو يستقر حقه من باطله ، أو لكل شيء غاية في حلوله ووقوعه .
(6/276)

وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
{ الأَنبَآءِ } القرآن ، أو أحاديث من سلف { مُزْدَجَرٌ } مانع من المعصية .
(6/277)

حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)
{ حِكْمَةٌ } بَالِغَةٌ الكتاب والسنة .
(6/278)

مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
{ مُّهْطِعِينَ } مسرعين ، أو مقبلين ، أو عامدين ، أو ناظرين ، أو فاتحين آذانهم إلى الصوت ، أو قابضين ما بين أعينهم .
(6/279)

فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
{ مُّنْهَمِرٍ } كثير ، أو منصب متدفق { فَفَتَحْنَآ } رتاج السماء ، أو ووسعنا مسالكها ، أو المجرة وهي شرج السماء فتحت بماء منهمر قاله علي رضي الله تعالى عنه .
(6/280)

وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
{ قُدِرَ } قُضي عليهم إذا كفروا أن يغرقوا ، أو التقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر .
(6/281)

وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
{ وَدُسُرٍ } المعاريض التي تُشد بها السفينة ، أو المسامير التي يدسر بها أي يشد ، أو صدر السفينة الذي يدسر به الموج أي يدفعه ، أو طرفها وأصلها .
(6/282)

تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)
{ بِأَعْيُنِنَا } بمرأى منا ، أو بأمرنا ، أو بأعين ملائكتنا الموكلين بحفظها ، أو بأعيننا التي فجرناها من الأرض وقيل كانت تجري ما بين السماء والأرض { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } لكفرهم بالله تعالى ، أو لتكذيبهم ، أو مكافأة لنوح عليه الصلاة والسلام حين كفره قومه أن حمل على ذات ألواح .
(6/283)

وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)
{ تَّرَكْنَاهَآ } الغرق ، أو السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة { مُّدَّكِرٍ } متذكر ، أو طالب خير فيعان عليه ، أو مزدجر عن المعاصي .
(6/284)

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
{ صَرْصَراً } باردة ، أو شديدة ، أو لهبوبها صرير كالصوت { نَحْسٍ } عذاب وهلاك ، أو برد أو يوم الأربعاء { مُّسْتَمِرٍّ } ذاهب ، أو دائم .
(6/285)

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
{ يَسَّرْنَا } سهلنا تلاوته على أهل كل لسان ، أو سهلنا علم ما فيه واستنباط معانيه ، أو هونا حفظه فلا يحفظ من كتب الله سواه .
(6/286)

فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)
{ وَسُعُرٍ } جنون ، أو عناء ، أو تيه ، أو افتراق ، أو جمع سعير وهو الوقود . استعظموا اتباعهم لواحد منهم كاستعظام النار كقول من ناله خطب عظيم : أنا في النار ، أو لما وعد بالنار على تكذيبه ، ردوا مثل ما قيل لهم فقالوا إن اتبعناه كنا إذاً في النار .
(6/287)

أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)
{ أَشِرٌ } بطر ، أو عظيم الكذب ، أو متعد إلى منزلة لا يستحقها .
(6/288)

وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)
{ الْمَآءَ قِسْمَةٌ } لما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : " أيها الناس لا تسألوا الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله تعالى لهم آية فبعث لهم ناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غبها " فهذا معنى قوله { أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } . { مُّحْتَضَرٌ } : تحضر الناقة الماء يوم وردها وتغيب يوم وردهم ، أو تحضر ثمود الماء يوم غبها فيشربون ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون .
(6/289)

فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)
{ صَاحِبَهُمْ } أحمر ثمود وشَقِيِّها ، أو قُدَار بن سالف . { فَتَعَاطَى } بطش بيده ، " ع " أو تناولها وأخذها . { فَعَقَرَ } كَمَنَ في أصل شجرة بطريقها فرماها بسهم انتظم به أصل ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدَّر سقبها ثم نحرت وانطلق سقبها إلى صخرة في رأس جبل فرغى ثم نادى بها فأتاهم صالح فلما رآها عقرت بكى وقال : انتهكتم حرمة الله تعالى فأبشروا بعذاب الله عز وجل ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان عاقرها أشقر أزرق أحمر أكشف أقفى .
(6/290)

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
{ كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ } العظام المحترقة " ع " ، أو التراب يتناثر من الحائط فتصيبه الريح فيتحظر مستديراً ، أو الحضار البالية من الخشب إذا صارت هشيماً ، أو حشيش حضرته الغنم فأكلته ، أو يابس الشجر الذي فيه شوك والمحتضر الذي تحتضر به العرب حول مواشيها من السباع .
(6/291)

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
{ حَاصِباً } الحجارة التي رُموا بها والحصباء : صغار الأحجار ، أو السحاب الذي حصبهم ، أو الملائكة الذين حصبوهم ، أو الريح التي حملت عليهم الحصباء ، أو الحاصب الرمي بالأحجار ، أو غيرها { بِسَحَرٍ } السحر : ما بين آخر الليل وطلوع الفجر وهو اختلاط سواد آخر الليل ببياض أول النهار لأن في هذا الوقت مخاييل الليل ومخاييل النهار .
(6/292)

وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
{ فَطَمَسْنَآ } أخفيناهم فلم يروهم مع بقاء أعينهم ، أو ذهب أعينهم ، الطمس : محو الأثر ، ومنه طمس الكتاب ، { فَذُوقُواْ } وعيد بالعذاب الأدنى ، أو تقريع بما أصابهم في الحال من العمى .
(6/293)

وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
{ مُّسْتَقِرٌّ } إلى الموت ، أو دائم إلى نار جهنم .
(6/294)

أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
{ أَكُفَّارُكُمْ } ليس كفاركم خيراً ممن أهلك من القرون { بَرَآءَةٌ فِى الزُّبُرِ } الكتب السالفة أنكم لا تهلكون .
(6/295)

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
{ مُّنتَصِرٌ } لآلهتهم بالعبادة ، أو لأنفسهم بالظهور .
(6/296)

سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ } يوم بدر .
(6/297)

بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)
{ أَدْهَى } أعظم ، { وَأَمَرُّ } أشد مرارة أو أنفذ من نفوذ المرارة فيما خالطته .
(6/298)

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
{ بِقَدَرٍ } على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان ، أو بحكم سابق وقضاء محتوم .
(6/299)

وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)
{ كَلَمْحٍ } إذا أردنا شيئاً أمرنا به مرة واحدة من غير مثنوية فيكون ذلك الشيء مع أمرنا كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير .
(6/300)

وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
{ مُّسْتَطَرٌ } مكتوب ، أو محفوظ .
(6/301)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
{ وَنَهَرٍ } أنهار الماء والخمر واللبن والعسل ، أو النهر الضياء والنور ، أو سعة العيش ومنه اشتق نهر الماء .
(6/302)

فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
{ مَقْعَدِ صِدْقٍ } حق لا لغو فيه ولا تأثيم ، أو صدق الله تعالى وعده لأوليائه فيه .
(6/303)

الرَّحْمَنُ (1)
{ الرَّحْمَنُ } اسم ممنوع لا يستطيع الناس أن ينتحلوه ، أو جمع من فواتح ثلاث سور ألر وحم ون وقاله سعيد بن جبير وعامر .
(6/304)

عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)
{ عَلَّمَ الْقُرْءَانَ } لمحمد صلى الله عليه وسلم فأداه إلى جميع الخلق ، أو سهل تعلمه على جميع الناس .
(6/305)

خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)
{ الإِنسَانَ } جنس عند الأكثر ، أو آدم عليه الصلاة والسلام .
(6/306)

عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
{ الْبَيَانَ } تفضيلاً على جميع الحيوان الحلال والحرام ، أو الخير والشر ، أو المنطق والكلام ، أو الخط أو الهداية ، أو العقل لأن بيان اللسان مترجم عنه .
(6/307)

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)
{ بِحُسْبَانٍ } بحساب ، والحسبان : مصدر الحساب ، أو جمعه أو حسبانهما : أجلهما إذا انقضى قامت القيامة ، أو تقديرهما الزمان لامتياز النهار بالشمس والليل بالقمر ولو استمر أحدهما لكان الزمان ليلاً أو نهاراً ، أو يجريان بقدر ، أو يدوران في مثل قطب الرحا .
(6/308)

وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
{ وَالنَّجْمُ } جنس لنجوم السماء ، أو النبات الذي نجم في الأرض وانبسط فيها وليس له ساق { وَالشَّجَرُ } ما كان على ساق " ع " { يَسْجُدَانِ } سجود ظلهما ، أو ظهور قدرته فيهما توجب السجود له ، أو دوران الظل معهما { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلالُهُ } [ النحل : 48 ] ، أو استقبالهما الشمس إذا أشرقت ثم يميلان إذا انكسر الفيء ، أو سجود النجم أفوله وسجود الشجر إمكان اجتناء ثماره .
(6/309)

وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
{ الْمِيزَانَ } ذو اللسان ، أو الحكم ، أو العدل .
(6/310)

أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)
{ أَلا تَطْغَوْاْ } في العدل بالجور ، أو في ذي اللسان بالبخس ، أو بالتحريف في الحكم .
(6/311)

وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)
{ بِالْقِسْطِ } العدل بالرومية { وَلا تُخْسِرُواْ } لا تنقصوه بالجور ، أو البخس ، أو التحريف ، أو ميزان حسناتكم .
(6/312)

وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)
{ وَضَعَهَا } بسطها ووطأها { لِلأَنَامِ } الناس ، أو الإنس والجن ، أو كل ذي روح لأنه ينام .
(6/313)

فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)
{ الأَكْمَامِ } ليفها الذي في أعناقها ، أو رقبة النخلة التي يتكمم فيه طلعها ، أو كمام الثمرة ، أو ذوات فصول عن كل شيء " ع " .
(6/314)

وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)
{ الْعَصْفِ } من الرزع وورقه الذي تعصفه الرياح " ع " ، أو الزرع المصفر اليابس ، أو الحب المأكول منه كقوله { كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ } [ الفيل : 5 ] { وَالرَّيْحَانُ } الرزق وقالوا : خرجنا نطلب ريحان الله سبحانك وريحانك أي رزقك ، أو الرزع الأخضر الذي لم يسنبل " ع " ، أو الريحان المشموم ، أو الريحان الحب الذي لا يؤكل والعصف الحب المأكول ، أو الريحان الحب المأكول والعصف الورق الذي لا يؤكل .
(6/315)

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
{ ءَالآءِ } الآلاء : النعم " ع " ، أو القدرة قاله ابن زيد والكلبي ، { تُكَذِّبَانِ } للثقلين اتفاقاً وكررها تقريراً لهم بما عدده عليهم في هذه السورة من النعم ، يقررهم عند كل نعمة منها كقول القائل : أما أحسنت إليك أعطيتك مالاً أما أحسنت إليك بنيت لك داراً أما أحسنت إليك ومثله قول مهلهل [ بن ربيعة ]
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا طرد اليتيم عن الجزور
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا ماضيم جيران المجير
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا خرجت مخبأة الخدور
(6/316)

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
{ صَلْصَال } ٍ طين مختلطة برمل " ع " ، أو طين إذا عصرته بيدك خرج الماء من بين أصابعك ، أو طين يابس يسمع له صلصلة ، أو أجوف إذا ضرب صَلَّ : أي سمع له صوت ، أو طين منتن من صلَّ اللحم إذا أنتن يريد آدم تركه طيناً لازباً أربعين سنة ثم صلصله كالفخار أربعين ثم صورة جسداً لا روح فيه أربعين فذلك مائة وعشرون سنة كل ذلك تمر به الملائكة فتقول سبحان الذي خلقك لأمَرٍ مَّا خلقك .
(6/317)

وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)
{ الْجَآنَّ } ، أبو الجن ، أو إبليس { مَّارِجٍ } لهب النار " ع " ، أو خلطها ، أو الأخضر والأصفر اللذان يعلوانها ويكونان بينها وبين الدخان ، أو النار المرسلة التي لا تمتنع ، أو النار المضطربة التي تذهب وتجيء ، سمي مارجاً : لاضطرابه وسرعة حركته { مِّن نَّارٍ } الظاهرة التي بين الخلق عند الأكثر ، أو نار تكون بين الجبال دون السماء كالكلة الرقيقة ، أو نار دون الحجاب منها هذه الصواعق ويرى خلف السماء منها .
(6/318)

رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
{ الْمَشْرِقَيْنِ } مشرقي الشمس في الشتاء والصيف ومغربيها فيهما " ع " ، أو مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما ، أو مشرقي الفجر والشمس ومغربي الشمس والشفق .
(6/319)

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)
{ الْبَحْرَيْنِ } بحر السماء وبحر الأرض " ع " ، أو بحر فارس والروم " ح " ، أو البحر الملح والأنهار العذبة ، أو بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما ، أو بحر اللؤلؤ وبحر المرجان ، ومرجهما طريقهما ، أو إرسالهما " ع " ، أو استواؤهما ، أصل المرج : الإهمال كما تمرج الدابة في المرج .
(6/320)

بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)
{ بَرْزَخٌ } حاجز " ع " ، أو عرض الأرض ، أو ما بين السماء والأرض ، أو الجزيرة التي نحن عليها وهي جزيرة العرب { لا يَبْغِيَانِ } لا يختلطان فيسيل أحدهما على الآخر ، أو لا يغلب أحدهما الآخر ، أو لا يبغيان أن يلتقيا .
(6/321)

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)
{ وَالْمَرْجَانُ } كبار اللؤلؤ " ع " ، أو صغاره ، أو الخرز الأحمر كالقضبان قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، أو الجوهر المختلط من مرجت الشيء خلطته { مِنْهُمَا } من أحدهما ، أو من كليهما لأن ماء بحر السماء إذا وقع في صدف البحر انعقد لؤلؤاً فصار خارجاً منهما ، وقيل : لا يخرج اللؤلؤ إلا من موضع يلتقي في العذب والملح فيكون العذب كاللقاح للملح فلذلك نسب اليهما كما نسب الولد إلى الذكر والأنثى .
(6/322)

وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)
{ الجواري } السفن واحدتها جارية لجريها في الماء والشابة جارية لجريان ماء الشباب فيها { الْمُنشَئَآتُ } المخلوقات من الإنشاء ، أو المحملات ، أو المرسلات ، أو المجريات ، أو ما رفع قِلعه فهو منشأة وما لا فلا وبكسر الشين البادئات ، أو التي تنشىء لجريها كالأعلام في البحر { كَالأَعْلامِ } القصود ، أو الجبال سميت بذلك لارتفاعها كارتفاع الأعلام .
(6/323)

يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
{ يَسْئَلُهُ } من في الأرض الرزق والمغفرة أو النجاة عند البلوى ، ويسأله من في السماء الرزق لأهل الأرض أو القوة على العبادة ، أو الرحمة لأنفسهم ، أو المغفرة لأنفسهم { كُلَّ يَوْمٍ } الدنيا يوم والآخرة يوم ، فشأنه في الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، وشأنه في يوم الآخرة الجزاء والحساب والثواب والعقاب فالدهر كله يومان ، أو أراد كل يوم من أيام الدنيا فشأنه بعثه الرسل بالشرائع فعبر عن اليوم بالمدة ، أو ما يحدثه في خلقه من تنقل الأحوال فعبّر عن الوقت باليوم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين " ، وأكثروا من ذكر عطائه ومنعه وغفرانه ومؤاخذته وتيسيره وتعسيره .
(6/324)

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)
{ سَنَفْرُغُ } سنتوفر عليكم على وجه التهديد ، أو سنقصد إلى حسابكم ، أو جزائكم توعداً ، فالله تعالى لا يشغله شأن عن شأن { الثَّقَلانِ } الإنس والجن لأنهم ثقل على وجه الأرض .
(6/325)

يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)
{ تَنفُذُواْ } تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا ، أو تخرجوا من جوانبها فراراً من الموت فاخرجوا ، { بِسُلْطَانٍ } بحجة وهي الإيمان ، أو بمُلك وليس لكم ملك ، أو لا تنفذون إلا في سلطانه وملكه لأنه مالكهما وما بينهما " ع " .
(6/326)

يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
{ شُوَاظٌ } لهب النار " ع " ، أو قطعة من النار فيها خضرة ، أو الدخان ، أو طائفة من العذاب . { وَنُحَاسٌ } صفر مذاب على رؤوسهم ، أو دخان النار " ع " ، أو نَحْسٌ لأعمالهم ، أو القتل .
(6/327)

فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)
{ وَرْدَةً } وردة النبات الحمراء مثل لون السماء أحمر إلا أنها ترى زرقاء لكثرة الحوائل وبعد المسافة كعروق البدن حمرة لحمرة الدم وترى زرقاء للحوائل ، فإذا زالت الحواجز ، وقربت يوم القيامة من الأبصار يرى لونها الأصلي الأحمر ، أو أراد بالوردة الفرس الورد يحمر في الشتاء ويصفر في الربيع ويغبر في شدة البرد شبهاً لاختلاف ألوانها يوم القيامة به لاختلاف ألوانه ، { كَالدِّهَانِ } خالصة ، أو صافية أو ذوات ألوان ، أو أصفر كلون الدهن ، أو الدهان الأديم الأحمر " ع " .
(6/328)

فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)
{ لا يُسْئَلُ } استفهاماً هل عملت بل توبيخاً لم عملت " ع " ، أو لا تُسأل الملائكة عنهم لأنهم رفعوا أعمالهم في الدنيا ، أو لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله لشغل كل واحد بنفسه " ع " ، أو لأنهم معروفون بسواد الوجوه وبياضها فلا يسأل عنهم أو كانت مسألة ثم ختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم .
(6/329)

يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
{ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ } مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم ، { ءَانٍ } انتهى حره ، أو حاضر ، أو آن شربه وبلغ غايته .
(6/330)

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } بعد أداء الفرائض " ع " ، أو الذي يذنب فيذكر مقام ربه فيدعه ، أو نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه خاصة حين ذكرت الجنة والنار يوماً ، أو شرب لبناً على ظمأ فأعجبه فسأل عنه فأخبر أنه من غير حل فاستقاءه والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فقال : " رحمك الله لقد أنزلت فيك آية " وتلا هذه الآية ، { مَقَامَ رَبِّهِ } : وقوفه بين يديه للعرض والحساب ، أو قيام الله تعالى على نفس بما كسبت ، { جَنَّتَانِ } أحدهما للإنس والأخرى للجان ، أو جنة عدن وجنة النعيم ، أو بستانان من بساتين الجنة ، أو إحداهما منزله والأخرى منزل أزواجه وخدمه كعادة رؤساء الدنيا .
(6/331)

ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)
{ أَفْنَانٍ } ألوان " ع " ، أو أنواع من الفاكهة أو أفناء واسعة أو أغصان واحدها فَنَنٌ .
(6/332)

مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)
{ بَطَآئِنُهَا } ظواهرها والعرب يجعلون البطن ظهراً فيقولون هذا بطن السماء وظهر السماء ، أو نبه بذكر البطانة على شرف الظهارة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله تعالى ، وجناهما : ثمرهما ، { دَانٍ } لا يبعد على قائم ولا قاعد أو لا يرد أيديهم عنه بعد ولا شوك .
(6/333)

فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)
{ فِيهِنَّ } في الفرش المذكورة ، { قَاصِرَاتُ } قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم ولا يبغين بهم بدلاً ، { يَطْمِثْهُنَّ } يمسهن أو يذللهن ، والطمث : التذليل ، أو يدمهن بالنكاح والحيض طمث من ذلك .
(6/334)

هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
{ الإِحْسَانُ } هل جزاء الطاعة إلا الثواب أو إحسان الدنيا إلا الإحسان في الآخرة ، أو هل جزاء من شهد أن لا إله إلا الله إلا الجنة ، أو جزاء التوبة إلا المغفرة .
(6/335)

وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)
{ دُونِهِمَا } أقرب منهما ، أو دون صفتهما { جَنَّتَانِ } الأربع لمن خاف مقام ربه " ع " ، أو الأوليان مِنْ ذَهَبٍ للمقربين والأخريان من وَرِق لأصحاب اليمين ، أو الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين " ح " ، أو الأوليان جنة عدن وجنة النعيم والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى .
(6/336)

مُدْهَامَّتَانِ (64)
{ مُدْهَآمَّتَانِ } خضروان " ع " ، أو مسودتان من الدهمة وهي السواد ، أو مرتويتان ناعمتان .
(6/337)

فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)
{ نَضَّاخَتَانِ } ممتلئتان لا تنقطعان ، أو جاريتان ، أو فوارتان ، والجري أكثر من النضخ تنضخان بالماء " ع " ، أو بالمسك والعنبر ، أو بالخير والبركة ، أو بأنواع الفاكهة فهي في الجنان الأربع .
(6/338)

فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
{ خَيْرَاتٌ } الخير والنعيم : المستحسن ، أو خيرات الفواكه والثمار ، { حِسَانٌ } في الألوان والمناظر وخيِّرات مختارات ، أو ذوات الخير وهن الحور المنشآت في الجنة ، أو الفاضلات من أهل الدنيا سمين به لأنهن خيرات الأخلاق حسان الوجوه ، أو عذارى أبكار ، أو مختارات ، أو صالحات .
(6/339)

حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)
{ مَّقْصُورَاتٌ } محبوسات في الحجال لَسْنَ بالطوافات في الطرق " ع " ، أو مخدرات مصونات لا متطلعات ولا صياحات ، أو مسكنات في القصور وقصرن بطرفهن على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلاً ، { الْخِيَامِ } البيوت ، أو خيام تضرب خارج الجنة فرجة كهيئة البداوة قاله ابن جبير ، أو خيام في الجنة تضاف إلى القصور قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " هي خيم الدر المجوف " قال الكلبي فهن محبوسات لأزواجهن في خيام الدر المجوف .
(6/340)

مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)
{ رَفْرَفٍ } المجلس المطبق ببسطه ، أو فضل الفرش والبسط ، أو الوسائد ، أو الفرش المرتفعة مأخوذ من الرف ، أو المجالس يتكئون على فضولها ، أو رياض الجنة ، { وَعَبْقَرِىٍّ } طنافس مخملية " ح " ، أو الديباج ، أو ثياب في الجنة لا يعرفها أحد ، أو كثياب في الدنيا تنسب إلى عبقر وهي أرض كثيرة الجن ، أو كثيرة الرمل ، والعبقري : السيد ينسب إلى أرفع الثياب لاختصاصه بها .
(6/341)

تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
{ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ } ثبت ودام ، أو ذكر اسمه يُمْن وبركة ترغيباً في الإكثار منه ، { ذِى الْجَلالِ } الجليل ، أو المستحق للإجلال والإعظام ، { وَالإِكْرَامِ } الكريم ، أو المكرم لمن أطاعه .
(6/342)

إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)
{ الْوَاقِعَةُ } الصيحة أو الساعة وقعت بحق فلم تكذب ، أو القيامة " ع " ، سميت به لكثرة ما وقع فيها من الشدائد .
(6/343)

لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)
{ كَاذِبَةٌ } ليس لها رد " ع " ، أو لا رجعة فيها ولا مثنوية ، أو إذ ليس لها مكذب من مؤمن وكافر ، أو ليس الخبر عن وقوعها كذباً .
(6/344)

خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)
{ خَافِضَةٌ } أعداء الله تعالى في النار { رَّافِعَةٌ } أولياءه في الجة ، أو خفضت رجالاً كانوا مرتفعين في الدنيا ورفعت رجالاً كانوا مخفوضين ، أو خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى .
(6/345)

إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
{ رُجَّتِ } رجفت وزلزت " ع " ، أو ترج بما فيها كما يرج الغربال بما فيه .
(6/346)

وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)
{ وَبُسَّتِ } سالت ، أو هدت ، أو سيرت ، أو قطعت " ح " ، أو بُست كما يُبس السويق أي يلت .
(6/347)

فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
{ هَبَآءً } رهج الغبار يسطع ثم يذهب ، أو شعاع الشمس يدخل من الكوة ، أو ما يطير من النار إذا اضطرمت فإذا وقع لم يكن شيئاً " ع " ، أو ما يبس من ورق الشجر تذروه الرياح ، { مُّنبَثاً } متفرقاً ، أو منتشراً ، أو منثوراً .
(6/348)

وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
{ أَزْوَاجاً } أصنافاً وفرقاً { ثَلاثةً } اثنان في الجنة وواحدة في النار قاله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هم المذكورون في قوله { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب } [ فاطر : 32 ] ، أو المذكورون في هذه الآية .
(6/349)

فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
{ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } الذي أخذوا من شق آدم الأيمن يومئذ { وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ } الذين أخذوا من شقة الأيسر يومئذ ، أو من أوتي كتابه بيمينه ومن أوتيه بشماله ، أو أهل الحسنات وأهل السيئات ، أو الميامين على أنفسهم والمشائيم عليها " ح " ، أو أهل الجنة وأهل النار ، { مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } تكثير لثوابهم ، { مَآ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ } تكثير لعقابهم .
(6/350)

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
{ وَالسَّابِقُونَ } إلى الإيمان من كل أمة " ح " أو الأنبياء ، أو الذين صلوا إلى القبلتين ، أو أول الناس رواحاً إلى المسجد وأسرعهم إلى الجهاد ، أو أربعة سابق أمة موسى مؤمن آل فرعون وسابق أمة عيسى حبيب النجار صاحب أنطاكية وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما سابقا هذه الأمة ، { السَّابِقُونَ } بالإيمان هم السابقون إلى الجنان .
(6/351)

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)
{ ثُلَّةٌ } جماعة ، أو شطر ، أو بقية ، { الأَوَّلِينَ } أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو قوم نوح " ح " .
(6/352)

وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
{ الأَخِرِينَ } أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم " ح " أو الذين تقدم إسلامهم قبل أن يتكاملوا .
(6/353)

عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)
{ مَّوْضُونَةٍ } موصولة بالذهب " ع " ، أو مشبكة بالدر منسوجة بالذهب التوضين : التشبيك والنسج ، أو مسند بعضها إلى بعض ، أو مضفورة وضين الناقة بطانها العريض المضفور من السيور .
(6/354)

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
{ مُّخَلَّدُونَ } باقون على صغرهم لا يتغيرون " ح " ، أو محلون بالأسورة والأقراط ، أو باقون معهم لا يتغيرون عليهم ولا ينصرفون عنه بخلاف الدنيا .
(6/355)

بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)
{ بِأَكْوَابٍ } الأكواب : ما لا عروة له ، والأباريق : ما لها عرى ، أو الأكواب : مدورة الأفواه ، والأباريق : لها أعناق ، أو الأكواب أصغر من الأباريق ، { مَّعِينٍ } خمر جارٍ ، والمعين : الجاري من عينه بغير عصر كالماء المعين وهو ألذ الخمر .
(6/356)

لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)
{ يُصَدَّعُونَ } يمنعون منها ، أو يتفرقون ، أو يأخذهم صداع في رؤوسهم ، { يُنزِفُونَ } ، يملون ، أو يتقيئون ، أو لا تنزف عقولهم فيسكرون { يُنزِفون } يفنى خمرهم وفي خمر الدنيا السكر والصداع والقيء والبول فنزهت خمر الجنة عن ذلك كله .
(6/357)

وَحُورٌ عِينٌ (22)
{ وَحُورٌ } بيض ، { عِينٌ } الكبار الأعين ، أو سواد أعينهن حالك وبياض أعينهم نقي .
(6/358)

كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)
{ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ } في نضارتهن وصفاء ألوانهن ، أو في تشابه أجسادهن في الحسن من جميع الجوانب .
(6/359)

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)
{ لا يَسْمَعُونَ } في الجنة باطلاً ولا كذباً " ع " ، أو لا يتخالفون عليها كما في الدنيا ولا يأثمون بشربها كما في الدنيا ، أو لا يسمعون شتماً ولا مأثماً .
(6/360)

إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
{ سَلاماً } لكن يسمعون قولاً ساراً وكلاماً حسناً ، أو يتداعون بالسلام على حُسن الآداب وكرم الأخلاق ، أو قولاً يؤدي إلى السلامة .
(6/361)

وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)
{ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ } دون منزلة المقربين ، أو أصحاب الحق ، أو من كتابه بيمنيه ، أو التابعون بإحسان ممن لم يدرك الأنبياء من الأمم " ح " ، أو الذين أخرجوا من صفحة ظهر آدم اليمنى ، أو الذين خلطوا عملاً صالحاً وسيئاً ثم تابوا بعد ذلك وأصلحوا مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
(6/362)

فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
السدر : النبق ، { مَّخْضُودٍ } لين لا شوك فيه ، خضدت الشجرة حذفت شوكها ، أو لا عجم لنبقه ، أو المدلى الأغصان .
(6/363)

وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)
{ وَطَلْحٍ } الموز " ع " ، أو شجرة تكون باليمن والحجاز تسمى طلحة ، أو الطلع قاله علي رضي الله تعالى عنه { مَّنضُودٍ } مصفوف ، أو متراكم .
(6/364)

وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
{ مَّمْدُودٍ } دائم .
(6/365)

وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)
{ مَّسْكُوبٍ } منصب في غير أخدود ، قال الضحاك : من جنة عدن إلى أهل الجنان .
(6/366)

وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)
{ وَفُرُشٍ } زوجات والمرأة تسمى فرشاً ومنه الولد للفراش ، أو الفرش الحقيقة مرفوعة بكثر حشوها .
(6/367)

إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
{ أَنشَأْنَاهُنَّ } نساء أهل الدنيا أنشأهن من القبور " ع " ، أو أعادهن بعد المشط والكبر صغاراً أبكاراً .
(6/368)

فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36)
{ أَبْكَاراً } عذارى بعد أن لم يكنَّ كذلك ، أو لا يأتيها إلا وجدها بكراً .
(6/369)

عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
{ عُرُباً } متحببات إلى أزواجهن منحبسات عليهم ، أو متحاببات بخلاف الضرائر ، أو الشَّكِلة بلغة مكة والمغنوجة بلغة أهل المدينة ، أو حسان الكلام ، أو العاشقة لزوجها ، أو الحسنة التبعل ، أو كلامهن عربي ، { أَتْرَاباً } أقراناً قيل على سن ثلاث وثلاثين سنة ، أو أمثالاً وأشكالاً ، أو أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد .
(6/370)

وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)
{ يَحْمُومٍ } دخان ، أو نار سوداء .
(6/371)

لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)
{ لا بَارِدٍ } المخرج ، { وَلا كَرِيمٍ } المخرج ، أو لا كرامة لأهله فيه .
(6/372)

إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)
{ مُتْرَفِينَ } منعمين " ع " ، أو مشركين .
(6/373)

وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)
{ الْحِنثِ } الشرك ، أو الذنب العظيم لا يتوبون منه ، أو اليمين الغموس .
(6/374)

فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
{ الْهِيمِ } الأرض الرملة التي لا تروى بالماء وهي هيام الأرض " ع " ، أو الإبل الهيم ، والهيام : داء يأخذ الإبل فيعطشها فلا تزال تشرب الماء حتى تموت ، أو الإبل الهائمة في الأرض الضالة لا تجد ماء فإذا وجدته فلا شيء أعظم منها شرباً ، أو شرب الهيم أن تمد الشرب مرة واحدة إلى أن تتنفس فيه ثلاث نفسات .
(6/375)

أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
{ تُمْنُونَ } منى يَمني وأمنى يُمْنِي واحد سمي بذلك لإمنائه وهي إراقته ، أو لأنه مقدار لتصوير الخلقة كالمَنَا الذي يوزن به .
(6/376)

نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
{ قَدَّرْنَا } قضينا به للفناء والجزاء ، أو ليخلف الأبناء الآباء ، أو كتبنا مقداره فلا يزيد ولا ينقص ، أو وقته فلا يتقدم ولا يتأخر ، أو سوينا فيه بين المطيع والعاصي ، أو بين أهل السماء والأرض ، { بِمَسْبُوقِينَ } على تقديرنا موتكم حتى لا تموتوا ، أو على أن تزيدوا في قدره ، أو تؤخروا في وقته ، أو { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } على تبديل أمثالكم معناه لما لم نسبق إلى خلق غيركم لم نعجز عن إعادتكم ، أو لما لم نعجز عن تغير أحوالكم بعد خلقكم لم نعجز عن تغييرها بعد موتكم .
(6/377)

لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)
{ تَفَكَّهُونَ } تحزنون ، أو تلاومون ، أو تعجبون " ع " ، أو تندمون بلغة عكل وتميم .
(6/378)

إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)
{ لَمُغْرَمُونَ } معذبون ، أو مولع بنا ، أو مردُودُون عن حظنا .
(6/379)

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
{ تُورُونَ } تستخرجون بالزند .
(6/380)

نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)
{ تَذْكِرَةً } للنار الكبرى ، أو تبصرة للناس من الظلام ، { لِّلْمُقْوِينَ } المسافرين قال الفراء : إنما يقال لهم ذلك إذ نزلوا بالقِيِّ وهي القفر التي لا شيء فيها ، أو المستمتعين من حاضر ومسافر ، أو الجائعين في إصلاح طعامهم ، أو الضعفاء المساكين من أقوت الدار إذا خلت وأقوى الرجل ذهب ماله ، أو المقوي الكثير المال من القوة .
(6/381)

فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
{ فَلا أُقْسِمُ } نفي للقسم لأنه لا يقسم بشيء من خلقه ولكنه افتتاح يفتتح به كلامه قال الضحاك ، أو للرب أن يقسم بخلقه تعظيماً منه لما أقسم به وليس ذلك للخلق فتكون لا صلة ، أو نافية لما تقدم من تكذيبهم وجحدهم ثم استأنف القسم { بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } مطالعها ومساقطها ، أو انتشارها يوم القيامة ، أو مواقعها في السماء ، أو أنواؤها نفي للقسم بها ، أو نجوم القرآن تنزل على الاحداث في الأمة " ع " ، أو محكم القرآن .
(6/382)

وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ } وإن الشرك بالله محرم عظيم ، أو القرآن قسم عظيم .
(6/383)

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
{ كَرِيمٌ } عند الله تعالى ، أو عظيم النفع للناس ، أو لما فيه من كرائم الأخلاق ومعالي الأمور .
(6/384)

فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)
{ فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } اللوح المحفوظ " ع " ، أو التوراة والإنجيل فيهما ذكره وذكر من ينزل عليه ، أو الزبور ، أو المصحف الذي بأيدينا { مَّكْنُونٍ } مصون ، أو مكنون من الباطل .
(6/385)

لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
{ الْمُطَهَّرُونَ } إن جعلناه اللوح المحفوظ فلا يمسه إلا الملائكة المطهرون " ع " ، أو لا ينزله إلا رسل الملائكة على رسل الأنبياء وإن جعلناه المصحف الذي بأيدينا فلا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك ، أو من الذنوب والخطايا ، أو من الأحداث والأنجاس ، أو لا يجد طعم نفعه إلا المطهرون بالإيمان ، أو لا يمس ثوابه إلا المؤمنون مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا يلتمسه إلا المؤمنون .
(6/386)

أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
{ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ } القرآن { مُّدْهِنُونَ } مكذبون " ع " ، أو معرضون ، أو ممالئون الكفار على الكفر به ، أو منافقون في تصديقه .
(6/387)

وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
{ رِزْقَكُمْ } الاستسقاء بالأنواء مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الاكتساب بالسحر ، أو أن يجعل شكر الله على رزقه تكذيب رسله والكفر به فيكون الرزق الشكر .
(6/388)

فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
{ مَدِينِينَ } محاسبين " ع " ، أو مبعوثين ، أو مصدقين أو مقهورين ، أو موقنين ، أو مجزيين بأعمالكم ، أو مملوكين قاله الفرّاء .
(6/389)

تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)
{ تَرْجِعُونَهَآ } النفس إلى الجسد بعد الموت { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنكم غير مذنبين .
(6/390)

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)
{ الْمُقَرَّبِينَ } أهل الجنة ، أو السابقون .
(6/391)

فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)
{ فَرَوْحٌ } راحة " ع " ، أو فرح ، أو رحمة ، أو رجاء ، أو روح من الغم وراحة من العمل إذ لا غم فيها ولا عمل ، أو مغفرة أو نسيم . قيل قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم فروح بالضم أي تبقى روحه باقية بلا موت يناله { وَرَيْحَانٌ } استراحة عند الموت " ع " ، أو رحمة ، أو رزق ، أو ريحان مشموم يتلقى به عند الموت أو تخرج روحه في ريحانه ، أو الجنة والروح والريحان عند الموت أو في البرزخ إلى البعث ، أو في الجنة ، أو الروح في القبر ، والريحان في الجنة ، أو الروح لقلوبهم والريحان لنفوسهم والجنة لأبدانهم .
(6/392)

فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
{ فَسَلامٌ } بشارة بالسلامة من الخوف ، أو يحييهم ملك الموت بالسلام عند قبض أرواحهم ، أو منكر ونكير في القبور يسلمان عليهم ، أو الملائكة عند بعثه إلى الآخرة تسلمان عليه .
(6/393)

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
{ سَبِّحِ } التسبيح هنا دلالة المخلوقات على وجوب تسبيحه عن الأمثال ، أو التنزيه قولاً مما نسبه الملحدون إليه عند الجمهور ، أو الصلاة سميت تسبيحياً لاشتمالها عليه { الْعَزِيزُ } في انتصاره { الْحَكِيمُ } في تدبيره .
(6/394)

هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
{ وَالْظَّاهِرُ } العال على كل شيء { وَالْبَاطِنُ } المحيط بكل شيء أو القاهر لما ظهر وبطن ، أو العالم بما ظهر وبطن .
(6/395)

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
{ يَلِجُ فِى الأَرْضِ } من مطر ، أو مطر وغيره { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من نبات ، أو نبات وغيره { وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } من ملائكة ، أو ملائكة وغيرها { مَعَكُمْ } بعلمه فلا تخفى عليه أعمالكم ، أو بقدرته فلا يعجزه شيء من أموركم .
(6/396)

آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
{ مُّسْتَخْلَفِينَ } بوارثته عمن قبلكم ، أو معمَّرين فيه .
(6/397)

وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
{ لا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ } أي أسلم ، أو أنفق ماله في الجهاد { الْفَتْحِ } فتح مكة ، أو الحديبية قال قتادة كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل منهما بعد فتحها { الْحُسْنَى } الجنة أو الحسنة .
(6/398)

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
{ قَرْضاً } النفقة في سبيل الله ، أو على الأهل أو تطوع العبادات " ح " ، أو عمل الخير ، أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سمي قرضاً لاستحقاق ثوابه { حَسَناً } طيبة بها نفسه ، أو محتسباً لها عند الله سمي حسناً لصرفه في وجوه حسنة ، أو لأنه لا منَّ فيه ولا أذى فيضاعف القرض الحسنة بعشر ، أو الثواب تفضلاً بما لا نهاية له { كَرِيمٌ } " على من يناله " ، أو لأنه لم يبتذل في طلبه ، أو لأنه كريم الحظ ، أو لكرم صاحبه .
(6/399)

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{ نُورُهُم } ضياء يثابون به ، أو هداهم ، أو نور أعمالهم { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ليدلهم على الجنة ، أو ليستضيئوا به على الصراط { وَبِأَيْمَانِهِم } كتبهم ، أو نورهم ، أو ما أخرجوه بأيمانهم في الصدقات والزكوات وسبل الخير ، أو بإيمانهم في الدنيا وتصديقهم بالجزاء { بُشْرَاكُمُ } نورهم بشراهم أو بشارة تلقاهم الملائكة بها في القيامة .
(6/400)

يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
{ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } يغشى الناس ظلمة يوم القيامة فيعطى المؤمن نوراً بقدر إيمانه ولا يعطاه الكافر ولا المنافق ، أو يعطاه المنافق ثم يسلبه " ع " ، فيقول المنافق لما غشيته الظلمة للمؤمن لما أعطي النور الذي يمشي به انظرو أي انتظرونا { فَضُرِبَ بَيْنَهُم } وبين المؤمنين بسور أو بينهم وبين النور فلم يقدروا على التماسه { بِسُورٍ } حائط بين الجنة والنار ، أو بسور المسجد الشرقي ، أو حجاب من الأعراف { بَاطِنُهُ } فيه الجنة { وَظَاهِرُهُ } فيه جهنم ، أو في باطنه المسجد وما يليه . والعذاب الذي في ظاهره وادي جهنم يعني بيت المقدس قاله عبد الله بن عمرو بن العاص .
(6/401)

يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
{ مَّعَكُمْ } نصلي ونغزو ونفعل كما تفعلون { فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } بالنفاق أو المعاصي ، أو الشهوات { وَتَرَبَّصْتُمْ } بالحق وأهله ، أو بالتوبة { الأَمَانِىُّ } خدع الشيطان ، أو الدنيا ، أو قولهم سيغفر لنا ، أو قولهم اليوم وغداً { الْغَرُورُ } الشيطان ، أو الدنيا قاله الضحاك .
(6/402)

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
{ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بألسنتهم دون قلوبهم ، أو قوم موسى قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو مؤمنو هذه الأمة " ع " ، استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن " ع " قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا ومعاتبتنا بها إلا أربع سنين فنظر بعضنا إلى بعض يقول ما أحدثنا قال الحسن يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه ، أو ملوا مثله فقالوا : حدثنا يا رسول الله فنزل { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص } [ يوسف : 3 ] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا فنزل { الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث } [ الزمر : 23 ] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا فنزلت { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بإنِ : يحن يخشع يلين ، أو يذل ، أو يخرج { لِذِكْرِ اللَّهِ } القرآن { وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } القرآن ، أو الحلال والحرام .
(6/403)

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
{ يُحْىِ الأَرْضَ } يلين القلوب بعد قسوتها أو مثل ضربه لإحياء الموتى .
(6/404)

إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
{ المُصَدِّقين } لله ورسوله أو { الْمُصَّدِّقِينَ } بأموالهم .
(6/405)

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
{ الصِّدِّيقُونَ } هم الصديقون وهم الشهداء ، أو الشهداء مبتدأ الرسل تشهد على أمتها بالتصديق والتكذيب ، أو الأمم تشهد لرسلها بتبليغ الرسالة ، أو تشهد على أنفسهم بما عملوا ، أو القتلى في سبيل الله تعالى { وَنُورُهُمْ } على الصراط ، أو إيمانهم في الدنيا .
(6/406)

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
{ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } على ظاهره أو أكل وشرب .
(6/407)

سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
{ إِلَى مَغْفِرَةٍ } التوبة ، أو الصف الأول ، أو التكبيرة الأولى مع الإمام ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { كَعَرْضِ السَّمَآءِ } نبّه بذكر العرض على الطول ويعبرون عن سعة الشيء بعرضه دون طوله { فَضْلُ اللَّهِ } الجنة أو الدين " ع " .
(6/408)

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
{ مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ } بالجوائح في الثمار والزرع ، أو القحط والغلاء { أَنفُسِكُمْ } الدَّين ، أو الأمراض والأوصاب ، أو إقامة الحدود ، أو ضيق المعاش { كِتَابٍ } اللوح المحفوظ { نَّبْرَأَهَآ } نخلق الأنفس والأرض .
(6/409)

لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
{ فَاتَكُمْ } من الدنيا " ع " ، أو العافية والخصب قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { لِّكَيْلا تَأْسَوْاْ } ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن من جعل المصيبة صبراً والخير شكراً .
(6/410)

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بالعلم { وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ } بأن لا يعلموا شيئاً ، أو بما في التوراة من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بحقوق الله في أموالهم ، أو بالصدقة والحقوق ، أو بما في يديه .
(6/411)

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
{ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ } نزل مع آدم : الحجر الأسود أشد بياضاً من الثلج ، وعصا موسى من آس الجنة طولها عشرة أذرع كطول موسى ، والسندان والكلبتان والميقعة وهي المطرقة ، أو ما ينزل من السماء وإنزاله إظهاره وإثارته ، أو لأن ما ينعقد من جوهره في الأرض أصله من ماء السماء { بَأْسٌ شَدِيدٌ } الحرب تكون بآلته وسلاحه ، أو خوف شديد من خشية القتل به { وَمَنَافِعُ } الآلة .
(6/412)

ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
{ وَرَهْبَانِيَّةً } من الرَّهب وهو الخوف { ابْتَدَعُوهَا } لم يفعلها من تقدمهم فأحسنوا بفعلها ولم تكتب عليهم وهي رفض النساء واتخاذ الصوامع ، أو لحوقهم بالجبال ولزوم البراري ، أو الانقطاع عن الناس تفرداً بالعبادة { رَأْفَةً } في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها ، أو بخلقها في قلوبهم { إِلا ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ } ابتدعوها طلباً لمرضاة الله ولم تفرض عليهم قبل ذلك ولا بعده ، أو تطوعوا بها ثم كتبت بعد ذلك عليهم " ح " { فَمَا رَعَوْهَا } بتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو بتبديلهم دينهم وتغييرهم له قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، ارتكبت الملوك المحارم بعد عيسى ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم أهل الاستقامة فقتلوهم فقال من بقي منهم لا يسعنا المقام بينهم فاعتزلوا الناس واتخذوا الصوامع .
(6/413)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
{ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ } بموسى وعيسى أمِنوا بمحمد { كِفْلَيْنِ } ضعفين بلغة الحبشة ، أو أجرين أحدهما لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء ، والآخر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم " ع " ، أو أجر الدنيا وأجر الآخرة { نُوراً } القرآن ، أو الهدى .
(6/414)

لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
{ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ } ليعلم و " لا " صلة { فَضْلِ اللَّهِ } الإسلام ، أو الرزق .
(6/415)

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
{ الَّتِى تُجَادِلُكَ } خولة بن خويلد ، أو بنت ثعلبة أحدهما أبوها والآخر جدها ، زوجها أوس بن الصامت كان به لمم فأصابه بعض لممه فظاهر منها فأتت الرسول صلى الله عليه سلم تستفتيه فقالت : يا رسول الله إن الله قد نسخ سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني فقال : " ما أوحي إليَّ في هذا شيء " فقالت : أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا فقال : " هو ما قلت " فقالت أشكو إلى الله لا إلى رسوله فنزلت وكانت تقول يا رسول الله أكل شبابي وانقطع ولدي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني ظاهر مني اللهم حتى إليك أشكو فما برحت حتى نزلت { وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ } تستغيث به ، أو تسترحمه { تَحَاوُرَكُمَآ } المحاورة : مراجعة الكلام .
(6/416)

الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
{ يظَّهَّرُون } سمي ظهاراً لأنه حرم ظهرها عليه ، أو شبهها بظهر أمه وكان في الجاهلية طلاقاً لا رجعة فيه ولا إباحة بعده فنسخ بوجوب الكفارة بالعود .
(6/417)

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)
{ يُحَآدُّونَ } يعادون ، أو يخالفون ، من الحديد المعد للمحاربة ، أو أن تكون في حد يخالف حد صاحبك { كُبِتُواْ } أخزوا ، أو أهلكوا ، أو لعنوا ، بلغة مذحج ، أو ردوا مقهورين .
(6/418)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
{ الَّذِينَ نُهُواْ } المسلمون ، أو المنافقون ، أو اليهود يتناجون بما يسوء المسلمين { النَّجْوَى } السرار من النجوة وهي ما ارتفع وبعد لبعد الحاضرين عنه وكل سرار نجوى ، أو السرار ما كان بين اثنين والنجوى ما كان بين ثلاثة { حَيَّوْكَ } كان اليهود إذا دخلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا السام عليك فيقول وعليكم ، والسام : الموت ، أو السيف ، أو ستسأمون دينكم " ح " ولما رد ذلك عليهم قالوا لو كان نبياً لاستجيب له فينا وليس بنا سأمة وليس في أجسادنا فترة فنزلت { وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ } الآية .
(6/419)

إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
{ إِنَّمَا النَّجْوَى } أحلام النوم المحزنة أو تناجي اليهود والمنافقين بالإرجاف بالمسلمين .
(6/420)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
{ المجلس } مجالس الذكر ، أو صلاة الجمعة ، أو في الحرب ، أو مجلس الرسول خاصة كانوا يشحون أن يؤثروا به ، أو يتفسحوا فأمروا بذلك { تَفَسَّحُواْ } وسعوا { انشُزُواْ } إلى القتال ، أو الصلاة ، بالنداء ، أو الخير أو كانوا يطيلون الجلوس في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون كل واحد منهم آخر عهد به فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا { فَانشُزُواْ } قوموا أو ارتفعوا من النشز إلى الصلاة ، أو الغزو ، أو إلى كل خير { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم في الإيمان { وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ } على من ليس بعالم .
(6/421)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{ فَقَدِّمُواْ } كان المنافقون يناجون الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا حاجة لهم به فقطعوا عنه بالأمر بالصدقة ، أو كان يخلو به طائفة من المسلمين يناجونه فظن قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في نجواهم فقطعوا عن استخلائه " ح " ، أو أكثر المسلمون المسائل عليه فخفف الله عنه بذلك فظنوا فكفوا " ع " ، ولم يناجه إلا علي رضي الله تعالى عنه سأله عن عشر خصال وقدم ديناراً تصدق به ولم يعمل بها غيره حتى نسخت بعد عشر ليال ، أو ناجاه رجل من الأنصار بكلمات وتصدق بآصع ثم نسخت بما بعدها .
(6/422)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
{ الَّذِينَ تَوَلَّوْا } المنافقون تولوا اليهود { مَّا هُم مِّنكُمْ } على دينكم { وَلا مِنْهُمْ } على يهوديتهم { وَيَحْلِفُونَ } على نفي النفاق { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } نفاقهم .
(6/423)

اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
{ اسْتَحْوَذَ } قوي ، أو أحاط ، أو غلب واستولى .
(6/424)

لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
{ لا تجد } نهي بلفظ الخبر ، أو مدحهم باتصافهم بذلك { حَآدَّ } حارب ، أو خالف ، أو عادى { كَتَبَ فِى قُلُوبِهمُ } أثبت ، أو حكم ، أو كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان ، أو جعل على قلوبهم سمة للإيمان تدل على إيمانهم { بِرُوحٍ } برحمة ، أو نصر وظفر ، أو نور الهدى ، أو رغبهم في القرآن حتى أمنوا ، أو بجبريل يوم بدر { رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ } في الدنيا بطاعتهم { وَرَضُواْ عَنْهُ } في الآخرة بالثواب ، أو في الدنيا بما قضاه عليهم فلم يكرهوه { حِزْبَ } يغضبون له ولا تأخذهم فيه لومة لائم نزلت في أبي عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر ، أو في أبي بكر رضي الله تعالى عنه سمع أباه يسب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه فسقط على وجهه فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " أفعلت يا أبا بكر " فقال : والله لو كان السيف قريباً مني لضربته به فنزلت ، أو في حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش عام الفتح يخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم .
(6/425)

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
{ لأَوَّلِ الْحَشْرِ } لأنهم أول من أُجلي من اليهود ، أو لأنه أول حشرهم لأنه يحشرون بعده إلى أرض المحشر في القيامة ، أو حشرهم الثاني بنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتأكل من تخلف { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } لقوتهم وامتناعهم { حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ } من أمره { لَمْ يَحْتَسِبُواْ } بأمر الله ، أو بقتل ابن الأشرف { الرُّعْبَ } بقتل ابن الأشرف ، أو بخوفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم { بِأَيْدِيهِمْ } بنقض الموادعة { وَأيْدِى الْمؤْمِنِينَ } بالمقاتلة ، أو بأيديهم في تركها ، وأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها ، أو كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها فخربوا بواطنها بأيديهم وخرب المسلمون ظواهرها ليصلوا إليه أو كما هدم المؤمنون من حصونهم شيئاً نقضوا من بيوتهم ما يبنون بهم ما خرب من حصونهم أو لما صولحوا على حمل ما أقلته الإبل نقضوا ما أعجبهم من بيوتهم حتى الأوتاد ليحملوها معهم { يخرِّبون } ويخربون واحد أو بالتخفيف خرابها بفعل غيرهم وبالتشديد خرابها بفعلهم أو بالتخفيف فراغها لخروجهم عنها وبالتشديد هَدْمُها .
(6/426)

وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
{ الْجَلاءَ } القتل لعذبهم في الدنيا بالسَّبى أو الإخراج من المنازل لعذبهم بالقتل أو الجلاء ما كان مع الأهل والولد بخلاف الإخراج فقد يكون مع بقائهما والجلاء لا يكون إلا لجماعة والإخراج قد يكون لواحد .
(6/427)

مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
{ لِّينَةٍ } النخلة من أي صنف كانت أو كرام النخل أو العجوة وكانت العجوة والعتيق مع نوح في السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصول الإناث كلها ولذلك شق على اليهود قطعها أو اللينة الفسيلة لأنها ألين من النخلة أو جميع الأشجار للينها بالحياة وقال الأخفش اللينة من اللون لا من اللين قطعوا وأحرقوا ست نخلات أو قطعوا نخلة وحرقوا أخرى توسيعاً للمكان أو إضعافاً لهم فقالوا ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وعقر الشجر . وقال شاعرهم سماك اليهودي :
ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم ... على عهد موسى ولم نصدف
وأنتم رعاء لشاء عجاف ... بسهل تهامة والأخيف
ترون الرعاية مجداً لكم ... لدى كل دهر لكم مجحف
فيا أيها الشاهدون انتهوا عن ... الظلم والمنطق الموكف
لعل الليالي وصرف الدهور ... يديل من العادل المنصف
بقتل النضير وأجلائها ... وعقر النخيل ولم يقطف
فأجابه حسان بن ثابت :
هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... وهم عمي عنا لتوراة بور
كفرتم بالقرآن وقد أبيتم ... بمصداق الذي قال النذير
فهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
وحز في صدور بعض المسلمين ما فعلوه فقالوا هذا فساد ، وقال آخرون : هذا مما تحدى الله به أعداءه وينصر به أولياءه ، فقالوا : يا رسول الله هل لنا فيما قطعنا من أجر وفيما تركنا من وزر فشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت .
(6/428)

وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
{ أَوْجَفْتُمْ } الإيجاف الإسراع ، والركاب : الإبل فكانت أموالهم للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة فقسهما في المهاجرين إلاَّ سهل بن حنيف وأبا دجانة فإنهما ذكرا فقراً فأعطاهما .
(6/429)

مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
{ دُولَةً } ودَولة واحد أو بالفتح الظفر في الحرب وبالضم الغنى عن الفقر ، أو بالفتح في الأيام ، وبالضم في الأموال ، أو بالفتح ما كان كالمستقر ، وبالضم ما كان كالمستعار ، أو بالفتح الظفر في الحرب ، وبالضم أيام الملك وأيام السنين التي تتغير . { وَمَآ ءَاتَاكُمْ الرَّسُولُ } من الفيء فقبلوه وما منعكم فلا تطلبوه ، أو من الغنيمة فخذوه وما نهاكم عنه من الغلول فلا تفعلوه " ح " ، أو من طاعتي فافعلوه وما نهاكم عنه من معصيتي فاتركوه ، أو هو عام من أوامره ونواهيه . قيل نزلت في رؤساء المسلمين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه من أموال المشركين يا رسول الله خذ صَفِيِّك والربع ودعنا والباقي فهكذا كنا نفعل في الجاهلية وأنشدوه :
لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول
فنزلت .
(6/430)

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
{ الْمُهَاجِرِينَ } إلى المدينة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وخوفاً من قومهم { فَضْلاً } من عطاء الدنيا { وَرِضْوَاناً } ثواب الآخرة . كان أحدهم يعصب الحجر على بطنه ليقم به صلبه من الجوع ويتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها .
(6/431)

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
{ تَبَوَّءُو الدَّارَ } من قبل المهاجرين { وَالإيمَانَ } من بعدهم ، أو تبوءوا الدار والإيمان قبل الهجرة إليه وهم الأنصار والدار المدينة . { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ } بالفضول والمواساة بالأموال والمساكين { حَاجَةً } حسداً على ما خصوا به من مال الفيء وغيره { وَيُؤْثِرُونَ } يقدمونهم على أنفسهم { خَصَاصَةٌ } فاقة وحاجة آثروهم بالفيء والغنيمة حتى قسم في المهاجرين دونهم لما قسم الرسول صلى الله عليه سلم للمهاجرين أموال النضير أو قريظة على أن يردوا على الأنصار ما كانوا أعطوهم من أموالهم ، قالت الأنصار : بل نقسم لهم من أموالنا ونؤثرهم بالفيء فنزلت أو آثروهم بأموالهم وواسوهم بها قال الرسول صلى الل عليه وسلم : " إخوانكم تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم " فقالوا : يا رسول الله أموالنا بينهم قطائع فقال : " أو غير ذلك هم قوم لا يعرفون العمل فتكفوهم وتقاسمونهم الثمر " يعني ما صار لهم من نخيل بني النضير قالوا : نعم يا رسول الله . { شُحَّ نَفْسِهِ } الشح أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له أو منع الزكاة ، أو هوى نفسه " ع " ، أو اكتساب الحرام ، أو إمساك النفقة ، أو الظلم ، أو العمل بالمعاصي ، أو ترك الفرائض وانتهاك المحارم ، والبخل والشح واحد ، أو الشح أخذ المال بغير حق والبخل منع المال المستحق ، أو الشح بما في يدي غيره والبخل بما في يديه .
(6/432)

وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
{ وَالَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ } المهاجرون بعد ذلك أو التابعون ومن يأتي إلى يوم القيامة { الَّذِينَ سَبَقُونَا } السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، أو سابقو هذه الأمة ومؤمنو أهل الكتاب قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : أمروا أن يستغفروا لهم فسبّوهم { غِلاًّ } غشاً أو عداوة .
(6/433)

لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
{ بَأْسُهُم } " حرب بعضهم لبعض " أو اختلافهم واختلاف قلوبهم فلا يتفقون على أمر واحد ووعيدهم للمسلمين لنفعلن كذا وكذا { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً } اليهود ، أو المنافقون واليهود { شَتَّى } مختلفة لأنهم على باطل والباطل مختلف أو على نفاق والنفاق اختلاف " وتركه ائتلاف " .
(6/434)

كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)
{ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } كفار قريش ببدر أو قتلى بدر أو بنو النضير الذين أجلوا إلى الشام ، أو بنو قريظة كانوا بعد إجلاء النضير بسنة { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } نزولهم على حكم سعد أن يقتل المقاتلة وسبي الذرية مثَّلهم بهم في تخاذلهم أو في نزول العذاب بهم .
(6/435)

كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)
{ لِلإِنسَانِ } ضرب مثلاً للكافر في طاعة الشيطان وهو عام في كل إنسان أو عني راهباً حسن العبادة من بني إسرائيل فافتتن إلى أن زنا وقتل النفس وسجد لإبليس وقصته مشهورة فكذلك المنافقون وبنو النضير مصيرهم إلى النار .
(6/436)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{ اتَّقُواْ اللَّهَ } باجتناب المنافقين ، أو اتقاء الشبهات { لِغَدٍ } يوم القيامة ، قربه حتى جعله كالغد { وَاتَّقُواْ اللَّهَ } تأكيد للأولى أو الأولى التوبة فيما مضى والثانية ترك المعصية في المستقبل ، أو الأولى فيما تقدم لغد والثانية فيما يكون منكم { بِمَا تَعْمَلُونَ } بعملكم ، أو بما يكون منكم .
(6/437)

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
{ نَسُواْ اللَّهَ } تركوا أمره { فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } أن يعملوا لها خيراً ، أو نسوا حقه فأنساهم حق أنفسهم ، أو نسوا شكره وتعظيمه فأنساهم بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضاً ، أو نسوه عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة { الْفَاسِقُونَ } العاصون أو الكاذبون .
(6/438)

لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
{ الْفَآئِزُونَ } الناجون من النار ، أو المقربون المكرمون .
(6/439)

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)
{ هُوَ اللَّهُ } قال جابر بن زيد اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية . { الْغَيْبِ وَالْشَّهَادَةِ } السر والعلانية " ع " ، أو ما كان وما يكون ، أو الدنيا والآخرة ، أو ما يدرك وما لا يدرك من الحياة والموت والأجل والرزق .
(6/440)

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
{ الْمَلِكُ } " المالك ، أو الواسع القدرة " { الْقُدُّوسُ } المبارك ، أو الطاهر ، أو المنزه عن القبائح { السَّلامُ } مأخوذ من سلامته وبقائه وإذا وصف بمثله المخلوق قيل سالم ، أو من سلامة عباده من ظلمه . { الْمُؤْمِنُ } خَلْقه من ظلمه ، أو يصدقهم وعده ، أو دعاهم إلى الإيمان { الْمُهَيْمِنُ } الشاهد على خلقه بأعمالهم وعلى نفسه بثوابهم ، أو الأمين ، أو المصدق ، أو الحافظ قال عمر رضي الله تعالى عنه : إني داع فهيمنوا أي قولوا آمين حفظاً للدعاء لما يرجى من الإجابة أو الرحيم { الْعَزِيزُ } في امتناعه ، أو انتقامه { الْجَبَّارُ } العظيم الشأن في القدرة والسلطان ، أو الذي جبر خلقه على ما يشاء ، أو جبر فاقة عباده ، أو أذل له من دونه . { الْمُتَكَبِّرُ } عن النسيان [ أو ] عن ظلم عباده ، أو المستحق لصفات الكبر والتعظيم .
(6/441)

هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
{ الْخَالِقُ } محدث الأشياء على إرادته ، أو مقدرها بحكمته { الْبَارِئُ } المنشىء للخلق ، أو المميز له برئت منه تميزت { الْمُصَوِّرُ } للخلق على مشيئته ، أو كل جنس على صورته ، { الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى } جميع أسمائه حسنى لاشتقاقها من صفاته الحسنى ، أو الأمثال العليا .
(6/442)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم التوجه إلى مكة ورَّى لخيبر فأرسل حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بذلك ليحفظ ماله عندهم فاطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على كتابه فاسترده ثم سأله فاعتذر بأنه فعل ذلك ليحموا ماله فقدره الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه ونزلت هذه الآية والتي بعدها { تُسِرُّونَ } تعلمونهم في السر أن بينكم وبينهم مودة ، أو تعلمونهم سراً بأحوال الرسول لمودة بينكم وبينهم .
(6/443)

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ } يا حاطب أسوة حسنة أو عبرة حسنة فهلا تبرأت يا حاطب من كفار مكة كما تبرأ إبراهيم والمؤمنون معه { إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } إلا استغفاره فلا تقتدوا به فيه ، أو إلا إبراهيم فإنه استثنى أباه من قومه في الاستغفار له .
(6/444)

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
{ فِتْنَةً } لا تسلطهم علينا فيفتنونا " ع " ، أو لا تعذبنا بعذاب منك ولا بأيديهم فيفتنوا بنا يقولون لو كانوا على حق لما عذبوا دعا بذلك إبراهيم .
(6/445)

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
{ مَّوَدَّةً } بإسلامهم عام الفتح ، أو نزلت في أبي سفيان والمودة تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة أو ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن ، فلما قبض الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتداً فقاتله فكان أو من قاتل في الردة وجاهد عن الدين .
(6/446)

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
{ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ } كان هذا في الابتداء عند موادعة المشركين ثم صارت منسوخة بالأمر بالقتال أو كان لخزاعة والحارث بن عبد مناة عهد فأمروا أن يبروهم بالوفاء به ، أو أراد النساء والصبيان أمروا ببرهم ، أو نزلت في قُتَيْلَة امرأة أبي بكر كان قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه في الهدنة فأهدت لها قرطاً وأشياء فكرهت قبوله حتى ذكرته للرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت . { وَتُقْسِطُواْ } تعطوهم قطساً من أموالكم أو تعدلوا فيهم فلا تغلوا في مقاربتهم ولا تسرفوا في مباعدتهم .
(6/447)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
{ إذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ } لما هادن الرسول صلى الله عليه وسلم قريشاً على أن يرد إليهم من جاء منهم جاءت أميمة بنت بشر مسلمة أو سعيدة زوجة صيفي أو أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أو سُبَيْعَة الأسلمية فلما طلب المشركون الرد منع الله من ذلك نسخاً منه للرد عند من قال دخلن في العموم أو بياناً لخروجهن من العموم ، وإنهن لم يشترط ردهن لسرعة انخداعهن إلى الكفر وحفظاً لفروجهن عند من قال لم يدخلن في العموم وإن كان ظاهراً في شمولهن { فَامْتَحِنُوهُنَّ } بالشهادتين أو بما في قوله { يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ } الآية [ الممتحنة : 12 ] أو تحلف بالله تعالى ما خرجت من بغض زوج ، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، بالله ما خرجت التماس دنيا ، بالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله { وَءَاتُوهُم } آتوا الأزواج ما أنفقوا من المهور وهل يدفع إلى غير الأزواج من أهلن فيه اختلاف { بِعِصَمِ } العصمة : الحبل أو العقد فإذا أسلم الكافر على وثنية فلا يجوز له التمسك بعصمتها إلا أن تسلم قبل انقضاء عدتها . ولما نزلت طلق جماعة من الصحابة أزواجهم من المشركات { وَسْئَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ } من المهور إذا ارتد أزواجكم المسلمات ولحقن بالكفار من ذوي العهد المذكور ولا يجوز لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشترط رد النساء المسلمات لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له وعد من الله بفتح بلادهم ودخولهم في الإسلام طوعاً وكرهاً فجاز له ما لم يجز لغيره .
(6/448)

وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
{ وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ } إذا فاتت المسلم زوجته بارتدادها إلى أهل العهد المذكور فلم يصل إلى مهرها منهم ثم غنمها المسلمون ردوا عليه مهرها مما غنموه " ع " ، أو من مال الفيء أو من صداق من أسلمت منهن عن زوج كافر { فَعَاقَبْتُمْ } فغنمتم مأخوذ من معاقبة الغزو أو فأصبتم منهم عاقبة من قَتْل أو سَبْي أو عاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها المهر من الغنائم وهذا منسوخ لنسخ الشرط الذي شرطه الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أو محكم .
(6/449)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{ يُبَايِعْنَكَ } لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح بايعه الرجال ثم جاءت النساء بعدهم للبيعة فبايعهن فجلس على الصفا وعمر رضي الله تعالى عنه دون الصفا فأمره أن يبايع النساء أو أمر أميمة أخت خديجة بنت خويلد بعدما أسلمت أن تبايع عنه النساء أو بايعهن بنفسه وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه أو وضع ماء في قِعب وغمس يده فيه وأمرهن فغمسن أيديهن { وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ } كانوا يئدون الأولاد في الجاهلية { بِبُهْتَانٍ } بسحر أو المشي بالنميمة والسعي بالفساد أو أن يُلحقن بأزواجهن غير أولادهم كانت أحداهن تلتقط الولد وتلحقه بزوجها قاله الجمهور . { يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ } ما أخذته لقيطاً { وَأَرْجُلِهِنَّ } ما ولدنه من زنا { مَعْرُوفٍ } طاعة الله ورسوله أو ترك النوح أو خمش الوجه ونشر الشعر وشق الجيب والدعاء بالويل أو عام في كل معروف مأمور به .
(6/450)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
{ قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } اليهود أو اليهود والنصارى أو جميع الكفار { يَئِسُواْ } من ثواب الآخرة كما يئس الكفار من بعث من في القبور " ع " أو كما يئس الكفار المقبورون من ثوابها لمعاينة عقابها أو يئسوا من خير الآخرة كما يئسوا من خير أهل القبور أو يئسوا من البعث والرحمة كما يئس منها من مات منهم وقبر .
(6/451)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه فلما فرض الجهاد تثاقلوا عنه فنزلت { يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقَولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } " ع " أو نزلت في قوم كان أحدهم يقول قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وصبرت ولم يصبر وضربت ولم يضرب ، أو في المنافقين قالوا إن خرجتم وقاتلتم خرجنا وقاتلنا فلما خرجوا نكص المنافقون وتخلفوا أو أراد لم تقولون نفعل فيما ليس أمره إليكم فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون .
(6/452)

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
{ صَفّاً } كصف الصلاة لأنه بالتلاصق يكون أثبت لهم وأمنع لعددهم { مَّرْصُوصٌ } ملصق بعضه إلى بعض أو مبني بالرصاص .
(6/453)

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
{ زَاغُواْ } عدلوا أو مالوا ولا يستعمل إلا في الميل عن الحق يريد بذلك الخوارج أو المنافقين أو عام .
(6/454)

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
{ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ } بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون مجيئه معجزة مصدقة لعيسى { أَحْمَدُ } اسم للرسول صلى الله عليه وسلم كمحمد أو اشتق من اسم الله تعالى المحمود قال حسان :
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
(6/455)

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
{ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } اليهود والمنافقون أو النضر من بني عبد الدار قال إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فنزلت .
(6/456)

يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
{ نُورَ اللَّهِ } القرآن يريدون إبطاله أو الإسلام يريدون دفعه بالكلام أو محمد يريدون هلاكه بالأراجيف أو حجج الله ودلائله يريدون إبطالها بتكذيبهم وإنكارهم أو مثل من أراد إبطال الحق بمن أراد إطفاء نور الشمس بفمه ، قال كعب بن الأشرف : لما أبطأ الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً يا معشر اليهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان الله ليتم أمره فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت ثم اتصل الوحي .
(6/457)

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
{ لِيُظْهِرَهُ } بالغلبة لأهل الأديان كلها ، أو بالعلو على الأديان أو بعلمه بالأديان كلها ظهرت على سره : علمت به .
(6/458)

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
{ الأُمِّيِّينَ } لأنهم لم ينزل فيهم كتاب أو لم يكونوا يكتبون ، قريش خاصة لم يكونوا يكتبون حتى تعلم بعضهم في آخر الجاهلية من أهل الحيرة أو جميع العرب لأنه لم يكن لهم كتاب ولا كتب منهم إلا القليل ومنَّ عليهم بكونه أمياً لموافقة ذلك بشارة الأنبياء قبله أو لمشاكلته لهم ليكون أقرب إلى الموافقه أو لئلا يتهم بقراءة كتب الأولين . { وَيُزَكِّيهِمْ } يجعل قلوبهم زكية بالإيمان أو يطهرهم من الكفر والذنوب أو يأخذ زكاة أموالهم . { الْكِتَابَ } القرآن أو الخط بالقلم " ع " لأنه شاع فيهم لما أمروا بتقييد الشرع بالخط أو معرفة الخير والشر كما يعرف بالكتاب { وَالْحِكْمَةَ } السنة أو الفقه في الدين أو الفهم والاتعاظ .
(6/459)

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
{ وَءَاخَرِينَ } ويعلِّم آخرين ويزكيهم وهم المسلمون بعد الصحابة أو العجم بعد العرب أو الملوك أبناء الأعاجم أو الأطفال بعد الرجال .
(6/460)

ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
{ فَضْلُ اللَّهِ } النبوة أو الإسلام أو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله للفقراء في أهل الدثور { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } .
(6/461)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
{ فَاسْعَوْاْ } بالمشي على الأقدام من غير إسراع أو بنية القلوب أو بالعمل لها أو بإجابة الداعي { ذِكْرِ اللَّهِ } موعظة الخطبة أو الصلاة عند الجمهور أو الوقت ، وكانوا يسمون الأيام في الجاهلية غير هذه الأسماء الأحد أول والأثنين أهون والثلاثاء جبار والأربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة والسبت شيار .
أؤمل أن أعيش وإن يومي ... بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار " فإن أفُته " ... فمؤنس أو عروبة أو شيار
وأول من سماه الجمعة كعب بن لؤي لاجتماع قريش فيه إلى كعب أو في الإسلام لاجتماعهم فيه إلى الصلاة . { وَذَرُواْ الْبَيْعَ } فحرم البيع على المخاطب بالجمعة من بعد الزوال إلى الفراغ منها ، أو من وقت آذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة والآذان الأول أحدثه عثمان رضي الله تعالى عنه ليتأهبوا لحضور الخطبة لما اتسعت المدينة وكثر أهلها وكان عمر رضي الله تعالى عنه أمر بآذان في السوق قِبَل المسجد ليقوموا عن البيع فإذا اجتمعوا أذَّن في المسجد فجعله عثمان آذانين في المسجد { ذَلِكُمْ } الصلاة خير من البيع الشراء .
(6/462)

فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
{ فَضْلِ اللَّهِ } قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ليس بطلب دنيا ولكن من عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله تعالى أو البيع والشراء أو العمل يوم السبت " .
(6/463)

وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
{ تِجَارَةَ أَوْ لَهْواً } قَدِمَ دِحْيَة بعير عند مجاعة وغلاء سعر وكان معه جميع ما يحتاجون إليه من برود ودقيق وغيره فنزل عند أحجار الزيت وضرب بطبل ليؤذن بقدومه فانفضوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الخطبة فلم يبق معه إلا ثمانية أو اثنا عشر فقال : " والذي نفسي بيده لو ابتدرتموها حتى لم يبق معي منك أحد لسال بكم الوادي ناراً " . { لَهْواً } لعباً " ع " أو الطبل أو المزمار أو الغناء { قَآئِماً } في الخطبة { إِلَيْهَا } لأن غالب انفضاضهم كان إلى التجارة دون اللهو فاقتصر على ذكرها أو تقديره تجارة انفضوا إليها أو لهواً . { انفَضُّواْ } ذهبوا أو تفرقوا .
(6/464)

إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
{ نَشْهَدُ } نحلف عبر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد منهما إثبات لأمر غائب { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } فلا يضرك نفاق من نافق .
(6/465)

اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
{ جُنَّةً } من القتل والسبي فعصموا بها دماءهم وأموالهم أو من الموت أن لا تصلي عليهم فيظهر للناس نفاقهم . { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } عن الإسلام بالتنفير أو عن الجهاد بتثبيط المسلمين عنه بالإرجاف .
(6/466)

وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
{ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } لحسن منظرهم { تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } لحسن منطقهم { خُشُبٌ } شبهوا بالنخل القائمة لحسن منظرهم أو بالخشب النخرة لسوء مخبرهم أو لأنهم لا ينتفعون بسماع الهدى فصاروا كالخشب { مُّسَنَّدَةٌ } لاستنادهم إلى الإيمان لحقن دمائهم { يَحْسبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيهِمْ } لخبثهم لا يسمعون صيحة إلا ظنوا أن العدو قد أصطلمهم وأن القتل قد حل بهم أو يظنون عند كل صيحة أن قد فطن بهم وعلم نفاقهم لأن المريب خائف ، أو يظنون عند كل صياح في المسجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتلهم فهم أبداً وجلون . { فَأحْذَرْهُمْ } أن تثق بقولهم أو احذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك { قَاتَلَهُمُ } لعنهم أو أحلهم محل من قاتله ملك قاهر لقهر الله تعالى لكل معاند { يُؤْفَكُونَ } يكذبون أو يعدلون عن الحق أو يصرفون عن الرشد أو كيف تضل عقولهم عن هذا؟
(6/467)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
{ لَوَّوْاْ } لما [ كانت غزوة تبوك ] قال ابن أُبي { لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ } فارتحل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل الناس فقيل لان أُبيَّ ائت الرسول حتى يستغفر لك فلوَّى رأسه استهزاءً وامتناعاً من إتيانه ، أو لوَّاه بمعنى ماذا قلت . { يَصُدُّونَ } يمتنعون ، أو يعرضون عما دعوا إليه من استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن إخلاص الإيمان { مُّسْتَكْبِرُونَ } متكبرون أو ممتنعون .
(6/468)

هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
{ لا تُنفِقُواْ } لما قال ابن أبي مرجع الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق وقد جرت مشاجرة بين بعض المهاجرين والأنصار يا معشر الأوس والخزرج ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك أوطأنا هذا الرجل ديارنا وقاسمناهم أموالنا ولولاها لانفظوا عنه { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ } فبلغت الرسول صلى الله عليه وسلم فاعتذر له قومه فنزلت هذه الآية والتي بعدها { خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ } المطر وخزائن { الأَرْضِ } النبات أو خزائن السماوات ما قضاه وخزائن الأرض ما أعطاه .
(6/469)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)
{ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } الصلاة المكتوبة أو عامة في جميع الفرائض أو الجهاد .
(6/470)

وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
{ وَأَنفِقُواْ } زكاة المال أو صدقة التطوع ورفد المحتاج ومعونة المضطر .
(6/471)

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
{ فَمِنكُمْ كَافِرٌ } بأنه خلقه و { مُّؤْمِنٌ } بأنه خلقه أو كافر به وإن أقر بأنه خالقه ومؤمن به وفيه محذوف تقديره ومنكم فاسق " ح " أو لا تقدير فيه بل ذكر الطرفين .
(6/472)

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{ بِالْحَقِّ } للحق قاله الكلبي { وَصَوَّرَكُمْ } آدم ، أو جميع الخلق { فَأحْسَنَ صُوَرَكُمْ } في العقول أو في المنظر أو أحكم صوركم .
(6/473)

ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
{ أَبَشَرٌ } استحقروا البشر أن يكونوا رسلاً لله إلى أمثالهم والبشر والإنسان واحد فالبشر من ظهور البشرة والإنسان من الأنس أو من النسيان . { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ } عن الإيمان { وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ } بسلطانه عن طاعة عباده أو بما أظهر لهم من البرهان عن زيادة تدعوهم إلى الرشد { غَنِىٌّ } عن أعمالكم أو صدقاتكم { حَمِيدٌ } مستحمد إلى خلقه بإنعامه عليهم أو مستحق لحمدهم .
(6/474)

زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
{ زَعَمَ } كُنْية الكذب .
(6/475)

يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
{ الْجَمْعِ } بين كل نبي وأمته أو بين المظلومين والظالمين { يَوْمُ التَّغَابُنِ } من أسماء القيامة أو غبن فيه أهل الجنة [ أهل النار ] أو يغبن فيه المظلوم الظالم .
(6/476)

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
{ بِإِذْنَ اللَّهِ } بأمره أو بحكمه { يَهْدِ قَلْبَهُ } يؤمن قلبه لله أو يعلم أنه من عند الله فيرضى به أو يسترجع أو إذا ابتلي صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظُلم غفر .
(6/477)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ } نزلت في قوم أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم أو منهم من لا يأمر بطاعة ولا ينهى عن معصية وكبر ذلك عداوة أو منهم من يأمر بقطع الرحم ومعصية الله ولا يستطيع مع حبه إلا أن يطيعه أو منهم من يخالفك في دينك فصار بذلك عدواً أو منهم من يحملك على طلب الدنيا والاستكثار منها { وَإِن تَعْفُواْ } عن الظالم { وتَصْفَحُواْ } عن الجاهل { وَتَغْفِرُواْ } للمسيء { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } للذنب { رَّحِيمٌ } بالعباد . لما هاجر بعض من منعه أهله من الهجرة فلم يقبل منهم قال لئن رجعت إلى أهلي لأفعلن ولأفعلن ومنهم من قال لا ينالون مني خيراً أبداً فلما كان عام الفتح أمروا بالعفو والصفح عن أهاليهم ونزلت هذه الآية فيهم .
(6/478)

إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
{ فِتْنَةٌ } بلاء أو محنة يكن بهما عن الآخرة ويتوفر لأجلهما على الدنيا أو يشح لأجل أولاده فيمنع حقوق الله من ماله الولد مبخلة مجهلة محزنة مجبنة { أَجْرٌ عَظِيمٌ } الجنة .
(6/479)

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
{ مَا اسْتَطَعْتُمْ } جهدكم أو أن يطاع فلا يعصى أو ما يتطوع به من نافلة أو صدقة لما نزلت { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] اشتد عليهم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فنسخها الله تعالى بهذه الآية . { وَاسْمَعُوا } كتاب الله تعالى { وَأَنفِقُواْ } في الجهاد أو الصدقة " ع " أو نفقة المؤمن لنفسه { شُحَّ نَفْسِهِ } هواها أو ظلمها أو منع الزكاة فمن أعطاها فقد وقي شح نفسه .
(6/480)

إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
{ قَرْضاً } نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . { حَسَناً } طيبة بها نفسه أو لا يمتن بها { يُضَاعِفْهُ } بالحسنة عشراً أو ما لا يحد من تفضله { شَكُورٌ } للقليل من أفعالنا { حَلِيمٌ } عن ذنوبنا أو { عَالِمُ } بمضاعفة الصدقة { حَلِيمٌ } بأن لا يعاجل عقوبة مانع الزكاة .
(6/481)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
{ يَآأَيُّهَا النَّبِىُّ } خوطب به وهو عام لأمته نزلت لما طلق الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة فأوحي إليه أن يراجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة { لِعِدَّتِهِنَّ } في الطهر من غير جماع وجمع الثلاث بدعة أو ليس ببدعة فإن طلقها حائضاً أو في طهر جماع وقع أو لا يقع { وَاتَّقُواْ اللَّهَ } في المطلقات { لا تُخْرِجُوهُنَّ } في عدتهن { بِفَاحِشَةٍ } الزنا فتخرج لإقامة الحد أو بُذَاء على أحمائها " ع " أو كل معصية لله أو خروجها من بيتها تقديره إلا أن يأتين بفاحشة بخروجهن { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } طاعته أو شرطه أو سننه وأمره { يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } لم يرض بها أو خالفها { ظَلَمَ نَفْسَهُ } بترك الرضا لأنه يأثم به أو بإضراره بالمرأة بإيقاع الطلاق في غير الطهر المشروع { أَمْراً } بالرجعة اتفاقاً .
(6/482)

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
{ بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } قاربنه { فَأَمْسِكُوهُنَّ } ارتجعوهن { بِمَعْرُوفٍ } طاعة الله في الشهادة أو أن لا يقصد إضرارها بتطويل العدة { فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أن يتركها في منزلها حتى تنقضي عدتها { وَأَشْهِدُواْ } على الرجعة فإن لم يشهد فقولان في صحتها . { مَخْرَجاً } ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة أو علمه بأنه من الله وأنه هو المعطي المانع أو قناعته برزقه أو مخرجاً من الباطل إلى الحق ومن الضيق إلى السعة أو من يتق بالطلاق في العدة يجعل له مخرجاً بالرجعة وأن يكون كأحد الخطاب بعد انقضائها ، أو بالصبر عند المصيبة يجعله له مخرجاً من النار إلى الجنة ، أو نزلت في مالك الأشجعي أُسِرَ ابنه عوف فشكا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مع ضر أصابه فأمره بالإكثار من الحوقلة فأفلت ابنه من الأسر واستاق معه سرحاً للكفار فأتى أباه فأخبر أبوه الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإبل فقال اصنع بها ما أحببت فنزلت .
(6/483)

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
{ بَالغُ أَمْرِهِ } قاضٍ أمره فيمن توكل ومن لم يتوكل إلا أن من توكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً { قَدْراً } أجلاً ووقتاً أو منتهى وغاية أو مقداراً واحداً فإن كان فعلاً للعبد فهو مقدر بأمر الله وإن كان فعلاً لله فهو مقدر بمشيئته أو بمصلحة عباده .
(6/484)

وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
{ إِنِ ارْتَبْتُمْ } بدمها هل هو حيض أو استحاضة أو بحكم عدتها فلم تعلموا بماذا يعتدون . قالوا قد بقي من عدد النساء عِدد لم يذكرن الصغار والكبار المنقطع حيضهن وذوات الحمل فنزلت { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ } بطلاق السنة ييسر أمره بالرجعة أو باجتناب المعصية يَسَّر أمره بالتوفيق للطاعة .
(6/485)

أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
{ وُجْدِكُمْ } سعتكم أو قوتكم أو طاقتكم أو مما تجدون { لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ } في المساكن أو النفقة { فَإِنْ أَرْضَعْنَ } أي المطلقات { فَآتُوهُنَّ } أجرة الرضاع لوجوب النفقة على الآباء { وَأْتَمِرُواْ } تشاوروا أو تراضوا في إرضاع الولد إذا وقعت بينكما الفرقة { تَعَاسَرْتُمْ } تضايقتم أو إختلفتم { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } وإن اختلفا فطلبت الأم الإرضاع وامتنع الأب أو طلبه الأب فامتنعت الأم والولد لا يقبل ثدي غيرها أجبر الممتنع وإن أعسر الأب بالأجرة لزمها الإرضاع للولد .
(6/486)

لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
{ مِمَّآ ءَاتَاهُ } نفقة المرضع بقدر المكنة أو لا يكلف بصدقة ولا زكاة ولا مال له أو لا يكلفه فريضة إلا بحسب قدرته .
(6/487)

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)
{ ذِكْراً } القرآن .
(6/488)

رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
{ رَّسُولاً } جبريل عليه السلام . فيكون الذكر والرسول منزلين أو محمد صلى الله عليه وسلم تقديره وبعث رسولاً نزلت في مؤمني أهل الكتاب " ع " { الظُّلُمَاتِ } الجهل و { النُّورِ } العلم أو ظلمات المنسوخ إلى ضياء الناسخ أو الباطل إلى الحق .
(6/489)

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
{ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } اتفقوا أن السموات بعضها فوق بعض { وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن البحار ويظل جميعهن السماء " ع " وقال الجمهور سبع أرضين بعضها فوق بعض في كل أرض خلق تقلهم تلك الأرض وتظلهم أرض أخرى ولا تصل إلينا إلا الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن كان منهم من يعقل فلا يلزمه دعوة الإسلام ولهم ضياء خلقه الله تعالى في أراضيهم عند من رأى الأرض كرية فلا يشاهدون السماء أو يشاهدونها من كل جوانب أرضهم فيرون منها الضياء عند من رأى الأرض منبسطة . { الأَمْرُ } الوحي { بَيْنَهُنَّ } الأرض العليا والسماء السابعة وقال الأكثر الأمر قضاؤه وقدره { بَيْنَهُنَّ } بين أقصى الأرضين والسماء العليا { لِتَعْلَمُواْ } خلق هذا الملك العظيم لتعلموا أنه قادر على كل شيء قدير وإنها على ما بينهما من الخلق أقدر .
(6/490)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
{ لِمَ تُحَرِّمُ } أراد المرأة التي وهبته نفسها فلم يقبلها " ع " أو سقته حفصة أو سودة أو أم سلمة عسلاً فحسدها نساؤه فقلن للرسول صلى الله عليه وسلم نجد منك ريح المغافير فقال شربت عسلاً فقلن جَرَستْ نحلُه العُرْفُط فحرمه على نفسه أو خلا الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية في بيت حفصة لما خرجت لزيارة أبيها فلما عادت وعلمت عتبت فحرم مارية إرضاءاً لحفصة وقال لا تخبرين أحداً من نسائي فأخبرت به عائشة رضي الله تعالى عنها لمصافاة كانت بينهما وكانتا تتظاهران على نسائه فحرم مارية وطلق حفصة وجعل على نفسه أن يحرم سائر نسائه شهراً فاعتزلهن شهراً فنزلت هذه الآية فراجع حفصة واستحل مارية وعاد إلى سائر نسائه " ح " وحلف يميناً حرمها بها فعوتب على ذلك وأمر بتكفير يمينه أو حرمها بغير يمين فكان التحريم موجباً لكفارة اليمين " ع " .
(6/491)

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
{ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ } بَيَّن المَخْرج من أيمانكم أو قدر كفارة حنثها .
(6/492)

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
{ حَدِيثاً } أسر إلى حفصة تحريم مارية فلما ذكرته لعائشة وعلم الرسول ذلك عرفها بعض ما ذكرت { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } أدباً وإبقاءاً ، أو أسرَّ إليها تحريم مارية وبشرها أن أبا بكر خليفته من بعده وأن أباها الخليفة بعد أبي بكر فذكرتهما لعائشة فلما اطلع على ذلك عرَّف ذلك التحريم { وَأَعْرَضَ } عن ذكر الخلافة لئلا ينتشر و { عَرَّفَ } مخففاً غضب منه وجازى عليه .
(6/493)

إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
{ إِن تَتُوبَآ } يا عائشة وحفصة من الإذاعة والمظاهرة أو من السرور بما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من التحريم . { صَغَتْ } زاغت أو مالت أو أثمت { تَظَاهَرَا } تتعاونا على معصيته { مَوْلاهُ } وليه { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } الأنبياء أو الملائكة أو الصحابة أو علي أو أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم { ظَهِيرٌ } أعوان للرسول صلى الله عليه وسلم .
(6/494)

عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
{ خَيْراً مِّنكُنَّ } مع أنهن خير نساء ألأمة أي أطوع منكن أو أحب إليه منكن أو خيراً منكن في الدينا { مُسْلِمَاتٍ } مخلصات أو يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة كثيراً أو مسلِّمات لأمر الله تعالى ورسوله { مُّؤْمِنَاتٍ } مصدقات بما أمرن به ونهين عنه { قَانِتَاتٍ } مطيعات أو راجعات عما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه { تَآئِبَاتٍ } من الذنوب أو راجعات إلى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم تاركات لمحابهن عابدات لله أو متذللات للرسول صلى الله عليه وسلم بالطاعة . { سَآئِحَاتٍ } صائمات لأن الصائم كالسائح في السفر بغير زاد أو مهاجرات لسفرهن للهجرة { ثَيِّبَاتٍ } كامرأة فرعون { وَأَبْكَاراً } كمريم ابنة عمران سميت الثيب لأنه راجعة إلى زوجها إن أقام معها أو إلى غيره إن فارقها أو لأنها ثابت إلى بيت أبويها وهذا أصح والبكر لأنها على أول حالتها التي خلقت عليها .
(6/495)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
{ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ } قال خيثمة كل ما في القرآن { يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَاَمَنُواْ } فهو في التوراة يا أيها المساكين وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنها خير تؤمر به أو شر تنهى عنه " { قُواْ أَنفُسَكُمْ } اصرفوا عنها النار { وَأَهْلِيكُمْ } فليقوا أنفسهم أو قوا أنفسكم ومروا أهليكم حتى يقيكم الله تعالى بهم " ع " أو أنفسكم بأفعالكم وأهليكم بوصيتكم إياهم بالطاعة وترك المعصية أو بتعلم الفروض وآداب الدنيا أو بتعلم الخير والأمر به وتعلم الشر والنهي عنه { وَالْحِجَارَةُ } المعبودة أو حجارة الكبريت أو ذكر الحجارة لينبه على أن ما أحرق الحجارة فهو أبلغ في أحراق الناس { غِلاظٌ } القلوب { شِدَادٌ } الأبدان .
(6/496)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
{ جَاهِدَ الْكُفَّارَ } بالسيف { وَالْمُنَافِقِينَ } بالغلظة أو بالقول " ع " أو بإقامة الحدود أو بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليلقهم بوجه مكفهر " { وَاغْلُظْ } بالقول الزجر أو بالإبعاد والهجر " .
(6/497)

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
{ فَخَانَتَاهُمَا } بالكفر أو النفاق " ع " ما بغت امرأة نبي قط أو بالنميمة إذا أوحي إليهما أفشتاه إلى المشركين أو كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون وتخبر الجبابرة بمن آمن به . وإذا نزل بلوط ضيف دخنت امرأته لتعلم قومها به لما كانوا عليه من إتيان الرجال . { فَلَمْ يُغْنِيَا } عن امرأتهما شيئاً من عذاب الله . مَثَلٌ ضربه الله تعالى يحذرهما به لعائشة وحفصة لما تظاهرتا على رسوله ثم ضرب لهما مثلاً بمريم وامرأة فرعون لما اطلع فرعون على إيمانها خرج الملأ فقال : ما تعلمون من آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها خيراً قال : فإنها تعبد رباً غيري قالوا اقتلها فأوتد أوتاداً وشدَّ يديها ورجليها فقالت { رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ } الآية فنظرت إلى بيتها في الجنة فضحكت فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها إنا لنعذبها وهي تضحك فقبضت روحها { وَعَمَلهِ } الشرك أو الجماع { الظَّالِمِينَ } أهل مصر أو القبط .
(6/498)

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
{ فَرْجَهَا } جيبها { بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا } الإنجيل { وَكُتُبِهِ } الزبور أو قول جبريل عليه السلام { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ } الآية [ مريم : 19 ] وكتبه الإنجيل أو كلمات ربها عيسى وكتبه الإنجيل { الْقَانِتِينَ } المطيعين .
(6/499)

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
{ تَبَارَكَ } تفاعل من البركة " ع " وهو أبلغ من المبارك لاختصاص الله تعالى به واشترك الخلق في المبارك أو بارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة أو علا وارتفع { الْمُلْكُ } ملك النبوة أو ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة .
(6/500)

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
{ الْمَوْتَ } خلقكم للموت في الدنيا { وَالْحَيَاةَ } في الآخرة أو خلقهما جسمين الموت في صورة كبش أملح والحياة في صورة فرس مأثور حكاه الكلبي ومقاتل { أَحْسَنُ عَمَلاً } أتم عقلاً أو أزهد في الدنيا أو أورع عن محارم الله وأسرع في طاعته مأثور أو أكثر ذكراً للموت وحذراً منه واستعداداً له .
(7/1)

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
{ طِبَاقاً } متشابهة هذا مطابق لهذا أي شبيه به أو بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها فوق بعض بين كل سماء وأرض خلق وأمر " ح " { تَفَاوُتٍ } اختلاف أو عيب أو تفرق " ع " أو لا يفوت بعضه بعضاً { فَأرْجِعِ الْبَصَرَ } فانظر إلى السماء { فُطُورٍ } شقوق أو خلل أو خروق أو وهن " ع " .
(7/2)

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
{ كَرَّتَيْنِ } انظر إليها مرة بعد أخرى قيل أراد بالمرتين قلباً وبصراً { يَنقَلِبْ } يرجع إليكم البصر خاسئاً لأنه لا يرى فطوراً فينفذ { خَاسِئاً } ذليلاً " ع " أو منقطعاً أو كليلاً أو مبعداً خسأت الكلب أبعدته { حَسِيرٌ } نادم أو كليل ضعيف عن إدراك مداه " ع " أو منقطع من الإعياء .
(7/3)

إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
{ شَهِيقاً } سمعوه من أنفسهم أو شهيقاً تشهق إليهم شهقة البلغة للشعير ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف " ع " والشهيق في الصدر أو الصياح أو الشهيق في الصدر وهو أول نهيق الحمار ، الزفير في الحلق والشهيق في الصدر لبعده منه جبل شاهق لبعده في الهواء { تَفُورُ } تغلي .
(7/4)

تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
{ تَمَيَّزُ } تنقطع أو تتفرق " ع " { الْغَيْظِ } الغليان أو غضباً لله تعالى عليهم وانتقاماً منهم ، النذير : الرسول والنبي أو النذير من الجن والرسل من الإنس .
(7/5)

فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
{ فَسُحْقاً } فبعداً يعني جهنم أو اسم وادٍ فيها .
(7/6)

إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
{ بِالْغَيْبِ } الله تعالى وملائكته أو الجنة والنار أو القرآن أو الإسلام أو القلب أو إذا خلا فذكر ذنبه استغفر { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } بالتوبة والاستغفار أو بخشية ربهم بالغيب أو حلو باجتناب الذنوب محل المغفور له { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } الجنة .
(7/7)

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
{ ذَلُولاً } مذللة سهلة ، { مَنَاكِبِهَا } جبالها " ع " أو أطرافها أو طرقها أو منابت أشجارها وزرعها { رِّزْقِهِ } الحلال أو مما أنبته لكم .
(7/8)

أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)
{ مَّن فِى السَّمَآءِ } الله " ع " أو الملائكة { تَمُورُ } تتحرك أو تدور أو تسيل ويجري بعضها في بعض .
(7/9)

أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
{ مُكِبّاً } مثل ضربه الله تعالى للمتقين [ ومعناه ] ليس الماشي مكباً لا ينظر بين يديه ولا يميناً ولا شمالاً كمن يشمي معتدلاً ناظراً بين يديه وعن يمينه وشماله فالمكب الكافر يهوي بكفره والذي يمشي سوياً المؤمن يهتدي بإيمانه " ع " أو المكب أبو جهل والذي يمشي سوياً عمار . { صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } طريق واضح لا يضل سالكه أو حق مستقيم .
(7/10)

قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
{ ذَرَأَكُمْ } جعلكم فيها أو نشركم وفرقكم على ظهرها { تُحْشَرُونَ } تبعثون .
(7/11)

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
{ زُلْفَةً } قريباً أو عياناً { سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } ظهرت عليها المساءة لما شاهدوه أو ظهر عليها سمة تدل على كفرهم { وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] { تَدَّعُونَ } تمترون فيه وتختلفون أو تسألون في الدنيا وتزعمون أنه لا يكون أو تستعجلون بالعذاب أو دعاؤهم بذلك لأنفسهم افتعال من الدعاء يقول لهم ذلك خزنة جهنم .
(7/12)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
{ غَوْراً } ذاهباً أو لا تناله الدلاء وكان ماؤهم من بئر زمزم وبئر ميمون { مَّعِينٍ } عذب " ع " أو ظاهر أو تمده العيون فلا ينقطع أو جاري .
(7/13)

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
{ ن } الحوت التي عليها الأرض " ع " أو الدواة مأثور أو حرف من حروف الرحمن " ع " ، أو لوح من نور أو اسم للسورة مأثور أو قسم أقسم الله به وله أن يقسم بما شاء أو حرف حروف المعجم { وَالْقَلَمِ } الذي يكتب به الذكر على اللوح المحفوظ وهو نور طوله ما بين السماء والأرض أو القلم الذي يكتبون [ به ] لأنه نعمة عليهم ومنفعة لهم . { يَسْطُرُونَ } يعملون " ع " أو يكتبون من الذكر أو الملائكة تكتب أعمال العباد .
(7/14)

مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
{ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } برحمته ويحتمل أن يكون فيما نفى عنه ما نسبوه إليه من الجنون وقال الكلبي : ما أنت بنعمة ربك بمخفق .
(7/15)

وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
{ مَمْنُونٍ } محسوب أو أجراً بغير عمل أو غير ممنون عليك من أذى أو غير منقطع .
(7/16)

وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
{ خُلُقٍ عَظِيمٍ } دين الإسلام " ع " أو آداب القرآن أو طبع كريم وكل ما أخذ المرء به نفسه من الآداب فهو خلق لأنه يصير كالخلقة فيه وما طبع عليه من الأدب فهو الخيم .
(7/17)

فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
{ فَسَتُبْصِرُ } فسترى ويرون يوم القيامة إذا تبين الحق من الباطل أو ستعلم ويعلمون يوم القيامة " ع " .
(7/18)

بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
{ الْمَفْتُونُ } المجنون أو الضال أو الشيطان أو المعذب فتنت الذهب بالنار أحميته .
(7/19)

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
{ تُدْهِنُ } تكفر فيكفرون أو تضعف فيضعفون أو تلين فيلينون أو تكذب فيكذبون أو ترخص لهم فيرخصون " ع " أو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك والمداهنة : مجاملة العدو وممايلته أو النفاق وترك المناصحة ، المبرد : أدهن الرجل في دينه وداهن في أمره .
(7/20)

وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)
{ حَلافٍ مَّهِينٍ } كذاب " ع " أو ضعيف القلب أو مكثار من الشر أو الذليل بالباطل الأخنس بن شريق أو الأسود بن عبد يغوث أو الوليد بن المغيرة عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه .
(7/21)

هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
{ هَمَّازٍ } مغتاب " ع " أو الذي يلوي شدقيه وراء الناس أو يهمزهم بيده دون لسانه ويضربهم . { مَّشَّآءٍ } ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض أو يسعى بالكذب { بِنَمِيمٍ } جمع نميمة أو النميم والنميمة واحد .
(7/22)

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{ لِّلْخَيْرِ } لحقوق ماله أو يمنع الناس من الإسلام .
(7/23)

عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)
{ عُتُلٍّ } فاحش مأثور أو قوي في كفره أو الوفير الجسم أو الجافي الشديد الخصومة بالباطل أو الشديد الأشر أو الدعي " ع " أو يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب من العتل وهو الجر أو الفاحش اللئيم أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم في العتل الزنيم : " إنه الشديد الخلق الرحيب الجوف المصح الأكول الشروب الواجد للطعام الظلوم للناس " { زَنِيمٍ } لئيم " ع " مأثور أو ظلوم " ع " أو فاجر أو ولد الزنا أو الدعي أو كان للوليد بن المغيرة زنمة كزنمة الشاة أسفل من أذنه وفيه نزلت أوفى الأخنس بن شريق فسمي زنيماً لأنه حليف مُلْحَق أو الذي يعرف بالأُبْنَة " ع " أو علامة الكفر كقوله { سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } .
(7/24)

أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)
{ ذَا مَالٍ } كان للوليد بن المغيرة حديقة بالطائف واثنا عشر ولداً .
(7/25)

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
{ سَنَسِمُهُ } سمة سوداء على أنفه يوم القيامة يتميز بها أو يضرب في النار على أنفه أو وسمه بإشهار ذكره بالقبح أو ما يبتلى به في الدنيا في نفسه وولده وماله من سوء وذل وصغار . المبرد : الخرطوم من الناس الأنف ومن البهائم الشفة .
(7/26)

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
{ بَلَوْنَاهُمْ } أهل مكة بالجوع كرتين كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رماداً أو قريش يوم بدر . قال أبو جهل خذوهم أخذاً واربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحداً فضرب بهم عند القدرة عليهم مثلاً بأصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها . { الْجَنَّةِ } حديقة باليمن بينها وبين صنعاء أثنا عشر ميلاً لقوم من الحبشة أو لشيخ من بني إسرائيل يمسك منها كفايته وكفاية أهله ويتصدق بالباقي فلامه بنوه فلم يطعهم فلما ورثوها عنه قالوا : نحن أحق بها من الفقراء لكثرة عيالنا فأقسموا : أي حلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا } ليقطعن ثمرها صباحاً .
(7/27)

وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)
{ وَلا يَسْتَثْنُونَ } حق المساكين أو قول سبحان الله أو إن شاء الله .
(7/28)

فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
{ طَآئِفٌ } أمر من ربك " ع " أو عذاب منه أو عنق من نار جهنم خرج من وادي جهنم { وَهُمْ نَآئِمُونَ } ليلاً .
(7/29)

فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
{ كَالصَّرِيمِ } الرماد الأسود " ع " أو الليل المظلم أو كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر .
(7/30)

فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
{ فَتَنَادَوْاْ } صاح بعضهم ببعض عند الصباح وكان حرثهم كرماً .
(7/31)

فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)
{ يَتَخَافَتُونَ } يتكلمون أو يسرون كلامهم حتى لا يعلم بهم أحد أو يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يرونهم أو يتشاورون بينهم .
(7/32)

وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
{ حَرْدٍ } غيظ أو جد أو منع أو قصد أو فقر أو حرص أو قدرة " ع " أو غضب أو القرية تسمى حرداً . { قَادِرِينَ } على المساكين أو على جنتهم عند أنفسهم أو موافاتهم إلى الجنة في الوقت الذي قدروه .
(7/33)

فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
{ لَضَآلُّونَ } لما رأوا ما أصابها قالوا قد ضللنا الطريق أو أخطأنا مكان جنتنا .
(7/34)

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
{ مَحْرُومُونَ } خير جنتنا .
(7/35)

قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
{ أَوْسَطُهُمْ } أعدلهم " ع " أو خيرهم أو أعقلهم { تُسَبِّحُونَ } تستثنون لما قلتم لنصرمنَّها مصبحين سماه تسبيحاً لاشتماله على ذكر الله تعالى أو تذكروا نعمة الله عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم .
(7/36)

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)
{ بَالِغَةٌ } أي مؤكدة بالله { لَمَا تَحْكُمُونَ } " أن يديم النعمة عليكم إلى يوم القيامة " أو ألاَّ يعذبكم إلى يوم القيامة .
(7/37)

سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)
{ زَعِيمٌ } كفيل " ع " أو رسول " ح " .
(7/38)

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)
{ عَن سَاقٍ } الآخرة أو غطاء أو كرب وشدة " ع " .
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح
أو إقبال الآخرة وإدبار الدنيا لأنه أول الشدائد وروي أن الله تعالى يكشف عن ساقه أي عظم أمره أو نوره وهذا اليوم يوم الموت والمعاينة أو يوم الكبر والهرم والعجز عن العمل أو يوم القيامة . { وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ } توبيخاً لا تكليفاً عند من رآه يوم القيامة ومن رآه من أيام الدنيا فالأمر بالسجود تكليف أو تنديم وتوبيخ للعجز عنه .
(7/39)

فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
{ بِهَذَا الْحَدِيثِ } القرآن { سَنَسْتَدْرِجُهُم } نأخذهم في غفلة أو نتبع السيئة السيئة وننسيهم التوبة " ح " أو أخذهم حيث درجوا ودبوا أو تدريجهم بإدنائهم من العذاب قليلاً بعد قليل حتى يلاقيهم من حيث لا يعلمون لأنهم لو علموا وقت العذاب لارتكبوا المعاصي واثقين بإمهالهم أو يستدرجون بالإحسان والاستدراج النقل من حال إلى حال ومنه الدرجة لأنها منزلة بعد منزلة .
(7/40)

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
{ لِحُكْمِ رَبِّكَ } لقضائه أو نصره . { كَصَاحِبِ الْحُوتِ } في عجلته نادى ب { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ } الآية [ الأنبياء : 87 ] { مَكْظُومٌ } مغموم " ع " أو مكروب ، الغم في القلب والكرب في الأنفاس أو محبوس ، كظم غيظه حبسه أو مأخوذ بكظمه وهو مجرى النفَس .
(7/41)

لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
{ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ } نبوته أو عبادته السالفة أو نداؤه ب { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ } الآية [ الأنبياء : 87 ] أو إخراجه من بطن الحوت { بِالْعَرَآءِ } الأرض الفضاء وهي أرض باليمن أو عراء يوم القيامة وأرض المحشر { مَذْمُومٌ } مليم " ع " أو مذنب معناه أنه نبذ غير مذموم .
(7/42)

وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
{ لَيُزْلِقُونَكَ } يصرعونك أو يرمقونك أو يرهقونك أو ينفذونك أو يمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك أو يصيبونك بالعين قالوا ما رأينا مثل حججه ونظروا إليه ليعينوه كان أحدهم إذا أراد العين يجوع ثلاثاً ثم يقول : تالله ما رأيت أقوى ولا أشجع ولا أكثر منه مالاً فيصيبه بعينه فيهلك . { الذِّكْرَ } القرآن أو ذكر محمد صلى الله عليه وسلم .
(7/43)

وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
{ ذِكْرٌ } شرف أو يذكرهم وعد الجنة والنار . { لِّلْعَالَمِينَ } الجن والإنس أو كل أمة من أمم الخلق ممن يعرف أو لا يعرف .
(7/44)

الْحَاقَّةُ (1)
{ الْحَآقَّةُ } ما حق من الوعد والوعيد بحلوله أو القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد عن الجمهور أو لأنه حق على العاقل أن يخافها أو فيها حقائق الأمور .
(7/45)

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
كل ما في القرآن { وَمَآ أَدْرَاكَ } فقد أعلمه به " وما يدريك " فهو مما لم يعلمه به { مَا الْحَآقَّةُ } تفخيماً لقدرها وشأنها { وَمَآ أَدْرَاكَ } ما هذا الأسم لأنه لم يكن من كلام قومه أو { وَمَآ أَدْرَاكَ } ما يكون في الحاقة .
(7/46)

كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)
{ بِالْقَارِعَةِ } كل ما قرع بصوت كالصيحة أو بضرب كالعذاب ويجوز أن يكون في الدنيا ويجوز أن يكون في الآخرة . أو القارعة القيامة لأنها تقرع بهولها وشدائدها أو من القرعة في رفع قوم وحط آخرين قاله المبرد .
(7/47)

فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)
{ بِالطَّاغِيَةِ } الصيحة أو الصاعقة أو الذنوب أو بطغيانهم " ح " أو الطاغية : عاقر الناقة .
(7/48)

وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)
{ صَرْصَرٍ } بارد من الصر وهو البرد أو شديدة الصوت . { عَاتِيَةٍ } قاهرة أو متجاوزة لحدها أو لا تبقي ولا تذر عتت على خزانها بإذن ربها أو على عاد بلا رحمة ولا رأفة " ع " .
(7/49)

سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
{ سَبْعَ لَيَالٍ } أولها غداة الأحد أو الأربعاء أو الجمعة { حُسُوماً } متتابعات " ع " أو مشائيم أو حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها بدأت طلوع الشمس وانقطعت مع غروبها آخر يوم أو حسمتهم فلم تبق منهم أحداً { خَاوِيَةٍ } بالية أو خالية الأجواف أو ساقطة الأبدان خاوية الأصول شبهوا بها لأن أبدانهم خلت من أرواحهم كالنخل الخاوية أو لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم أو كانت تدخل من أفواههم فتخرج حشوتهم من أدبارهم فصاروا كالنخل الخاوية .
(7/50)

وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)
{ قِبَله } من معه و { قَبْلَهُ } من تقدمه { وَالْمُؤْتَفِكَاتُ } الأمم الآفكة من الإفك وهو الكذب أو المقلوبات بالخسف قوم لوط أو قارون وقومه لأنه خسف بهم . { بِالْخَاطِئَةِ } الذنوب والخطايا .
(7/51)

فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)
{ رَسُولَ رَبِّهِمْ } على ظاهره أو رسالة ربهم { رَّابِيَةً } شديدة أو مهلكة أو تربو بهم في العذاب أبداً أو مرتفعة أو رابية الشر أي زائدة .
(7/52)

إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)
{ طَغَا الْمَآءُ } على خُزَّانه غضباً لربه فلم يقدروا على منعه فزاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً أو زاد وكثر أو ظهر . { حَمَلْنَاكُمْ } في ظهور آبائكم أو آباءكم { الْجَارِيَةِ } سفينة نوح .
(7/53)

لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
{ لِنَجْعَلَهَا } سفينة نوح تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم أو كانت ألواحها على الجودي { وَاعِيَةٌ } سامعة " ع " أو مؤمنة أو حافظة أو أذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتابه ، وعيت الشيء حفظته في نفسك وأوعيته حفظته في غيرك .
(7/54)

فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)
{ الْوَاقِعَةُ } القيامة أو الصيحة أو ساعة فناء الخلق .
(7/55)

وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
{ وَانشَقَّتِ } عن المجرة أو فتحت أبواباً { وَاهِيَةٌ } ضعيفة أو متخرقة وَهَى السقاء : انخرق ، وقال :
خَلِّ سبيل من وهَى سقاؤه ... ومن هُريق بالفلاة ماؤه
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه .
(7/56)

وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
{ أَرْجَآئِهَا } أرجاء السماء أو الدنيا حافَّاتها أو نواحيها أو أبوابها أو ما استدق منها . { فَوْقَهُمْ } يحملونه فوق رؤوسهم أو حملة العرش فوق الملائكة الذين على أرجائها أو فوق أهل القيامة { ثَمَانِيَةٌ } أملاك أو ثمانية صفوف من الملائكة أو ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون " ع " قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية " .
(7/57)

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)
{ لا يخفى } المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر أو لا يستتر منكم عورة . حفاة عراة . أو ما كانوا يخفونه من أعمالهم .
(7/58)

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
{ هَآؤُمُ } أصله هاكم فأبدل أو يا هؤلاء أقرءوا تقول العرب للواحد ها وللأثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم أو كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح . نادى أعرابي الرسول صلى الله عليه وسلم بصوت عالٍ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم هاؤم بطول صوته .
(7/59)

إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
{ ظَنَنتُ } علمت أو أحسن الظن بربه فأحسن العمل { حِسَابِيَهْ } البعث أو الجزاء .
(7/60)

فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)
{ رَّاضِيَةٍ } مرضية .
(7/61)

يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
{ الْقَاضِيَةَ } موتة لا حياة بعدها أو تمنى أن يموت في الحال .
(7/62)

هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
{ سُلْطَانِيَهْ } ضلت عني حجتي أو سلطانه الذي تسلط به على بدنه حتى أقدم به على المعصية أو ما كان به في الدنيا مطاعاً في أتباعه عزيزاً بامتناعه قيل : نزلت في أبي جهل أو في الأسود بن عبد الأشد أخي أبي سلمة ينظر فيه .
(7/63)

فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35)
{ حَمِيمٌ } قريب ينفعه أو يرد عنه كما كان في الدنيا .
(7/64)

وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)
{ غِسْلِينٍ } غسالة أجوافهم فعلين من الغسل أو صديد أهل النار أو شجرة في النار هي أخبث طعامهم أو الماء الحار أشتد نضجه بلغة أزد شنوءة .
(7/65)

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)
{ فَلآ أُقْسِمُ } لا صلة لما قال الوليد إن محمداً ساحر ، وقال أبو جهل شاعر ، وقال عقبة كاهن ، أقسم الله تعالى على كذبهم { تُبْصِرُونَ } الأرض والسماء { وَمَا لا تُبْصِرُونَ } الملائكة أو تبصرون من الخلق وما لا تبصرون الخالق .
(7/66)

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ } إن القرآن لقول جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم .
(7/67)

لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)
{ بِالْيَمِينِ } لأخذنا قوته كلها أو بالحق أو بالقدرة أو قطعنا يده اليمنى " ح " أو أخذنا يمينه إذلالاً له واستخفافاً به كما يقال لمن يراد هوانه خذوا بيده .
(7/68)

ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
{ الْوَتِينَ } حبل القلب ونياطه الذي القلب معلق به أو القلب ومراقِّه وما يليه أو الحبل الذي في الظهر أو عرق بين العلباء والحلقوم إرادة لقتله بقطع وتينه وإتلافه أو لأن الوتين إذا قطع لا إن جاع عرف ولا إن شبع عرف .
(7/69)

وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
{ لَتَذْكِرَةٌ } وإن القرآن لبيان أو رحمة أو موعظة أو نجاة .
(7/70)

وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
{ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ } وإن القرآن لندامة على الكافر يوم القيامة .
(7/71)

وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
{ لَحَقُّ الْيَقِينَ } حقاً يقيناً ليكونن القرآن حسرة على الكافر أو إن القرآن يقين عند جميع الخلق أيقن به المؤمن في الدنيا فنفعه وأيقن به الكافر في الآخرة فلم ينفعه .
(7/72)

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)
استخبر مستخبر متى يقع العذاب تكذيباً أو دعا داع بوقوع العذاب استهزاء أو طلب طالب { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } وهو النضر بن الحارث قال : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق } الآية [ الأنفال : 32 ] وكان حامل لوائهم يوم بدر " ع " أو أبو جهل هو قائل ذلك أو جماعة من كفار قريش { بِعَذَابٍ } الآخرة أو يوم بدر بالقتل والأسر . { سال } بغير همز ، سائل اسم وادٍ في جهنم لأن يسيل بالعذاب .
(7/73)

مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)
{ ذِى الْمَعَارِجِ } الدرجات " ع " أو الفواضل والنعم أو العظمة والعلاء أو الملائكة لعروجهم إليه أو معارج السماء .
(7/74)

تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
{ تَعْرُجُ الْملآئِكَةُ } تصعد { وَالرُّوحُ } أرواح الموتى عند القبض أو جبريل عليه السلام أو خلق كهيئة الناس وليسوا بناس { خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } يوم القيامة " ح " أو مدة الدنيا لا يعلم كم مضى ولا كم بقي إلا الله أو لو تولى بعض الخلق حساب بعض كان مدته خمسين ألفاً ويفرغ الله تعالى منه في أسرع مدة قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " يحاسبهم بمقدار ما بين الصلاتين ولذلك سمى نفسه سريع الحساب وأسرع الحاسبين " .
(7/75)

فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)
{ فَاصْبِرْ } على كفرهم قبل فرض الجهاد أو على قولهم مثل ساحر وشاعر وكاهن ومجنون " ح " .
(7/76)

إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)
{ يَرَوْنَهُ بَعِيداً } البعث أو عذاب النار بعيداً مستحيلاً غير كائن أو استبعدوا الآخرة .
(7/77)

وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)
{ وَنَرَاهُ قَرِيباً } لأن كل آت قريب .
(7/78)

يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)
{ كَالْمُهْلِ } كدردي الزيت " ع " أو كذوب النحاس والرصاص والفضة أو كقيح ودم .
(7/79)

وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)
{ كَالْعِهْنِ } الصوف المصبوغ تلين بعد شدتها وتتفرق بعد اجتماعها .
(7/80)

يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)
{ يُبَصَّرُونَهُمْ } يبصر بعضهم بعضاً فيتعارفون أو يبصر المؤمنون الكافرين أو يبصر الكافرون الذين أضلوهم في النار أو يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله { يَوَدُّ } يحب أو يتمنى { الْمُجْرِمُ } الكافر { لَوْ يَفْتَدِى } بأعز أقاربه في الدنيا .
(7/81)

وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
{ وَفَصِيلَتِهِ } عشيرته التي تنصره . وقال أبو عبيدة الفصيلة دون القبيلة . { تُئْوِيهِ } يأوي إليها في نسبه أو من خوفه أو فصيلته أمه التي تربيه .
(7/82)

كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)
{ لَظَى } اسم لجهنم لتلظيها وهو اشتداد حرها أو للدرك الثاني منها .
(7/83)

نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)
{ لِّلشَّوَى } أطراف اليدين والرجلين أو جلدة الرأس أو العصب والعقب أو مكارم وجهه " ح " أو اللحم أو الجلد الذي على العظم لأن النار تشويه .
(7/84)

تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)
تدعوهم بأسمائهم يا كافر يا منافق أو عُبِّر عن مصيرهم إليها بدعائها لهم أو يدعوا خزنتها فأضيف الدعاء إليها { أَدْبَرَ } عن الإيمان { وَتَوَلَّى } إلى الكفر أو عن الطاعة وتولى عن الحق أو عن أمر الله وتولى عن كتاب الله أو أدبر عن القول وتولى عن العمل .
(7/85)

وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
{ وَجَمَعَ } المال فجعله في وعاء حفظاً له ومنعاً من أداء حق الله تعالى فيه فكان جموعاً منوعاً .
(7/86)

إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)
{ الإِنسَانَ } الكافر عند الضحاك { هَلُوعاً } بخيلاً أو حريصاً أو ضجوراً أو ضعيفاً أو شديد الجزع أو معناه ما بعده " إذا مسه " الآية " ع " .
(7/87)

إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
{ مَسَّهُ } الخير لم يشكر والشر لم يصبر وإذا استغنى منع حق الله تعالى وشح وإذا افتقر سأل وألح .
(7/88)

الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
{ دَآئِمُونَ } يحافظون على مواقيت فروضها أو يكثرون نوافلها أو لا يلتفتون فيها .
(7/89)

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
{ لأَمَانَاتِهِمْ } ما ائتمنه الناس عليه { وَعَهْدِهِمْ } ما عاهدوه عليه أن يقوم بموجبهما أو الأمانة الزكاة أن يؤديها والعهد الجنابة أن يغتسل منها .
(7/90)

وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
{ بِشَهَادَتِهِمْ } على أنبيائهم بالبلاغ وعلى الأمم بالقبول أو الامتناع أو بحفظ الحقوق تحملاً لها وأداء .
(7/91)

فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
{ مُهْطِعِينَ } مسرعين أو معرضين أو ناظرين إليك تعجباً .
(7/92)

عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
{ عِزِينَ } متفرقين أو مجتنبين أو الرفقاء الحلفاء ، أو الجماعة القليلة أو الحلق والفرق . خرج الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم حلق فقال : " ما لي أراكم عزين " .
(7/93)

يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
{ نَصْبٍ } الغاية التي ينصب إليها بصرك و { نُصُبٍ } واحد الأنصاب وهي الأصنام أو النَّصْب والنُّصُب واحد . إلى عَلَم يستبقون أو غايات يستبقون أو إلى أصنامهم يسرعون . وقيل إنها أحجار طوال كانوا يعبدونها أو إلى صخرة بيت المقدس يسرعون { يُوفِضُونَ } يسرعون .
(7/94)

إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)
{ عَذَابٌ أَلِيمٌ } بنار الآخرة " ع " أو عذاب الدنيا بالطوفان فأنذرهم فلم ير مجيباً وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
(7/95)

يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
{ مِّن ذُنُوبِكُمْ } من صلة أو بمعنى يخرجكم من ذنوبكم أو يغفر لكم منها ما استغفرتموه { وَيُؤَخِّرْكُمْ } إلى أجل موتكم فلا تهلكوا بالعذاب { أَجَلَ اللَّهِ } للبعث أو العذاب أو الموت { لَوْ كُنتُمْ } بمعنى إن كنتم أو لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجله إذا جاء لا يؤخر " ح " .
(7/96)

قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)
{ دَعَوْتُ } دعوتهم ليلاً ونهاراً إلى عبادتك أو دعوتهم أن يعبدوك ليلاً ونهاراً .
(7/97)

فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)
{ فِرَاراً } بلغنا أن أحدهم كان يذهب بابنه إليه فيقول : احذر هذا لا يغرنك فإن أبي ذهب إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك .
(7/98)

وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
{ كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ } إلى الإيمان { لِتَغْفِرَ لَهُمْ } ما تقدم من الشرك سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ليوئسوه من إجابة ما لم يسمعوه وكان حليماً صبوراً { وَأَصَرُّواْ } أقاموا على الكفر أو الإصرار تعمد الذنب " ح " أو سكتوا على ذنوبهم فلم يستغفروا { وَاسْتَكْبَرُواْ } بترك التوبة " ع " أو بكفرهم بالله تعالى وتكذيبهم نوحاً عليه الصلاة والسلام .
(7/99)

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)
{ جِهَاراً } مجاهرة يرى بعضهم بعضاً .
(7/100)

ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
{ أَعْلَنتُ } الدعاء صحت به { وَأَسْرَرْتُ } الدعاء عن بعضهم من بعض دعاهم في وقت سراً وفي وقت جَهَر أو دعا بعضهم سراً وبعضهم جهراً مبالغة منه وتلطفاً .
(7/101)

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
{ اسْتَغْفِرُواْ } ترغيباً منه في التوبة .
(7/102)

يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
{ مِّدْرَاراً } غيثاً متتابعاً قيل أجدبوا أربعين سنة فأذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم فلما علم حرصهم على الدنيا قال : هلموا إلى طاعة الله تعالى فإن فيها درك الدنيا والآخرة ترغيباً لهم في الإيمان .
(7/103)

مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)
{ لا تَرْجُونَ } لا تعرفون له عظمه ولا تخشون عقابه ولا ترجون ثوابه " ع " أو لا تعرفون حقه ولا تشكرون نعمه أو لا تؤدون طاعته أو الوقار : الثبات منه { وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ } [ الأحزاب : 33 ] أي لا تثبتون وحدانيته .
(7/104)

وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
{ أطْوَاراً } طوراً نطفه وطوراً علقة وطوراً مضغة وطوراً عظماً ثم كسا العظام اللحم ثم أنشأه خلقاً آخر أنبت له الشعر وكمل له الصورة أو الأطوار اختلافهم طولاً وقصراً ، وقوة وضعفاً وهماً وتصرفاً وغنى وفقراً .
(7/105)

أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15)
{ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً } على سبع أرضين بين كل سماء وأرض خلق وأمر " ح " أو سبع سماوات طباقاً بعضهن فوق بعض كالقباب .
(7/106)

وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
{ الْقَمَرَ فِيهِنَّ } معهن نوراً لأهل الأرض أو لأهل السماء والأرض . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه وجهه يضيء لأهل الأرض وظهره يضيء لأهل السماء { سِرَاجاً } مصباحاً يضيء لأهل الأرض أو لأهل الأرض والسماء .
(7/107)

وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)
{ أَنبَتَكُم } آدم خلقه من أديم الأرض كلها أو أنبتهم في الأرض بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر .
(7/108)

لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)
{ سُبُلاً فِجَاجاً } طرقاً مختلفة " ع " أو واسعة أو أعلاماً .
(7/109)

قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)
{ عَصَوْنِى } لبث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهم على كفرهم وعصيانهم ورجا الأبناء بعد الآباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاماً حتى كثر الناس وفشوا . قال الحسن : وكانوا يزرعون في الشهر مرتين { ووَلده } واحد الأولاد وبالضم جماعة الأولاد " أو بالضم العشيرة وبالفتح الأولاد " .
(7/110)

وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)
{ كُبَّاراً } أبلغ من كبير جعلوا لله تعالى صاحبة وولداً أو قول الكبراء للأتباع { لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ } .
(7/111)

وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
{ وَدّاً وَلا سُوَاعاً } كانت هذه الأصنام للعرب ولم يعبدها غيرهم . فخرج من قصة نوح إلى قول العرب ثم رجع إلى قصتهم أو كانت آلهة لقوم نوح وهم أول من عبد الأصنام ثم عبدها العرب بعدهم قاله الأكثر . قال ابن الزبير اشتكى آدم وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر . وكان ود أكبرهم وأبرهم به أو كانت أسماء رجال قبل نوح حزن عليهم آباؤهم بعد موتهم فصوروا صورهم ليتسلوا بالنظر إليها ثم عبدها أبناؤهم بعدهم أو كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام فخلفهم من أخذ في العبادة مأخذهم فصوروا صورهم ليذكروا بها اجتهادهم فعبدها قوم نوح بعدهم ثم انتقلت إلى العرب فعبدها ولد إسماعيل فكان ود لكلب بدومة الجندل " ع " وهو أول صنم معبود سمي بذلك لودهم له وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطيف من مراد أو حي في نجران قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أحرد ويسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك قالوا : قد رضي لكم المنزل فيضربون عليه بناء وينزلون حوله ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع من حمير .
(7/112)

وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)
{ وَقَدْ أَضَلُّواْ } أضل أكابرهم أصاغرهم أو ضل بالأصنام كثير منهم { ضَلالاً } عذاباً ويحتمل فتنة بالمال والولد .
(7/113)

وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)
{ دَيَّاراً } أحداً أو من يسكن الديار دعا بذلك لما قيل له { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ } الآية [ هود : 36 ] أو مر به رجل يحمل ولداً له صغيراً فقال : يا بني احذر هذا فإنه يضلك فقال : يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه فغضب نوح عليه الصلاة السلام ودعا عليهم .
(7/114)

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
{ وَلِوَالِدَىَّ } أراد أباه لمكا وأمه هنجل وكانا مؤمنين " ح " أو أباه وجَدَّه . { دَخَلَ بَيْتِىَ } دخل مسجدي أو في ديني أو صديقي الداخل إلى منزلي " ع " { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } من قومه أو جميع الخلق إلى قيام الساعة { تَبَاراً } هلاكاً أو خساراً .
(7/115)

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
{ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ } القرآن صرفهم الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن أو منعوا من استراق السمع ورموا بالشهب ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين له ظاهر فأتوا إبليس فأخبروه فقال ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوه فشمها فقال صاحبكم بمكة أو رجعوا إلى قومهم فقالوا ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا حدث في الأرض فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ففعلوا حتى أتوا تهامة فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ " ع " . فمن قال صرفوا إليه ذكر أنه رآهم ودعاهم وقرأ عليهم ومن قال ضربوا مشارق الأرض ومغاربها قال لم يرهم ولم يقرأ عليهم بل أتوه بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بنفرٍ من أصحابه الصبح فلما سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حالَ بيننا وبين خبر السماء " ع " وكانت قراءته { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } وكانوا تسعة أحدهم زوبعة أو سبعة ثلاثة من حرَّان وأربعة من نصيبين أو تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق فَصَلَّوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الصبح ثم ولَّوْا إلى قومهم منذرين . قيل الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامه قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الجن من ولد الجان منهم المؤمن والكافر وليسوا شياطين والشياطين من ولد إبليس ولا يموتون إلا مع إبليس ويدخل مؤمنو الجن الجنة وقال الحسن رضي الله تعالى عنه هم ولد الجان والإنس ولد آدم عليه الصلاة السلام فمن الجن الإنس المؤمن والكافر يثابون ويعاقبون فمؤمن الطائفتين ولي الله تعالى وكافرهما شيطان ويدخلون الجنة بإيمانهم " ح " أو لا يدخلها الجان وإن صرفوا عن النار قاله مجاهد { عَجَباً } في فصاحته أو في بلاغة مواعظه أو في عظم بركته .
(7/116)

يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
{ الرُّشْدِ } مراشد الأمور أو معرفة الله تعالى .
(7/117)

وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
{ جَدُّ رَبِّنَا } أمره أو فعله " ع " أو ذكره أو غناه أو بلاغه أو ملكه وسلطانه أو جلاله وعظمته أو نعمه على خلقه أو { تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا } أي ربنا أو الجد أب الأب لأن هذا من قول الجن .
(7/118)

وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)
{ سَفِيهُنَا } إبليس أو جاهلنا وعاصينا . { شَطَطاً } جوراً أو كاذباً أصله البعد فعبّر به عن الجور والكذب لعبدهما من العدل والصدق .
(7/119)

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
{ يَعُوذُونَ } كانوا في الجاهلية إذا نزل أحدهم بواد قال أعوذ بكبير هذا الوادي من سفهاء قومه فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم { رَهَقاً } طغياناً أو إثماً " ع " أو خوفاً أو كفراً أو أذى أو غياً أو عظمة أو سفهاً .
(7/120)

وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)
{ لَمَسْنَا } طلبنا التمست الرزق ولمسته أو قاربناها لأن الملموس مقارب فوجدنا أبوابها أو طرقها { حَرَساً شَدِيداً } الملائكة الغلاظ الشداد { وَشُهُباً } جمع شهاب وهو انقضاض الكواكب المحترقة وكان انقضاضها قبل البعث وإنما زيد بالبعث إنذاراً بحال الرسول صلى الله عليه وسلم قاله الأكثر وقال الجاحظ لم يكن الانقضاض إلا بعد المبعث .
(7/121)

وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)
{ مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ } كانوا يسمعون من الملائكة الأخبار فيلقونها إلى الكهنة فلما حرست بالشهب قالوا ذلك ، ولم يكن لهم طريق إلى استماع [ الوحي ] قبل الحراسة ولا بعدها .
(7/122)

وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)
{ لا نَدْرِى } هل بعث محمد ليؤمنوا به فيرشدوا أم يكفروا به فيعاقبوا وهل حراسة السماء لرشد وثواب أم لشر وعقاب .
(7/123)

وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
{ الصَّالِحُونَ } المؤمنون { دُونَ ذَلِكَ } المشركون { طَرَآئِقَ قِدَداً } فرقاً شتى أو أدياناً مختلفة أو أهواء متباينة .
(7/124)

وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
{ لَمَّا سَمِعْنَا } القرآن من الرسول صدقنا به وكان مبعوثاً إلى الإنس والجن قال الحسن لم يبعث الله تعالى رسولاً قط من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء لقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى } [ يوسف : 109 ] . { بَخْساً } نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيئاته البخس : النقصان والرهق : العدوان وهذا من قول الجن .
(7/125)

وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
{ الْقَاسِطُونَ } الخاسرون أو الفاجرون أو الناكثون القاسط : الجائر لعدوله عن الحق والمقسط العادل لعدوله إلى الحق .
(7/126)

وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ } لو أقاموا على طريق الكفر والضلال { لأَسْقَيْنَاهُم } لأغرقناهم كآل فرعون أو كثرنا الماء لإنبات زروعهم وكثرة أموالهم . { لِّنَفْتِنَهُمْ } بزينة الدنيا أو بالاختلاف بينهم بكثرة المال أو بالعذاب كقولهم { هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] . { وَمَن يُعْرِضْ } عن قبول القرآن يسلطه عذاباً قاله جماعة . أو لو استقاموا على الهدى والطاعة " ع " { لأَسْقَيْنَاهُم } لهديناهم الصراط المستقيم " ع " أو لأوسعنا عليهم الدنيا أو لأعطيناهم عيشاً رغداً أو مالاً واسعاً { غَدَقاً } عذباً معيناً " ع " أو كثيراً واسعاً قال عمر رضي الله تعالى عنه : حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } في الدنيا بالاختبار أو بتطهيرهم من الكفر أو بأخراجهم من الشدّة والجدب إلى الرخاء والخصب أو لنفتنهم فيه في الآخرة بتخليصهم وإنجائهم من فتنت الذهب إذا خلصت غشه بالنار { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } [ طه : 40 ] خلصناك من فرعون أو نصرفهم عن النار { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } [ الإسراء : 73 ] ليصرفونك { وَمَن يُعْرِضْ } منهم عن العمل بالقرآن . { عَذَاباً صَعَداً } جب في النار أو جبل فيها إذا وضع عليه يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت . مأثور أو مشقة من العذاب " أو عذاب لا راحة فيه أو صخرة في النار يكلفون صعودها على وجوههم فإذا رقوها حدروا فذلك دأبهم أبداً " .
(7/127)

وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
{ الْمَسَاجِدَ } الصلوات أو أعضاء السجود أو بيوت الله " ع " أو كل موضع صلّى فيه الإنسان فهو بسجوده فيه مسجد { فَلا تَدْعُواْ } فلا تعبدوا معه غيره قالت الجن للرسول صلى الله عليه وسلم : ائذن لنا نصلّ معك في مسجدك فنزلت " أو نزلت في اليهود والنصارى أضافوا إلى الله غيره في بيعهم وكنائسهم " أو في قول المشركين في تلبيتهم حول البيت إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك .
(7/128)

وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
{ عَبْدُ اللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة يدعو الله فيها وائتمّ به أصحابه عجبت الجن من ذلك أو قام إليهم داعياً لهم إلى الله { لِبَداً } أعواناً أو جماعات بعضها فوق بعض واللبد لاجتماع الصوف بعضه فوق بعض وهم المسلمون في اجتماعهم على الرسول صلى الله عليه وسلم أو الجن في استماع قراءته أو الجن والإنس لتعاونهم عليه في الشرك .
(7/129)

قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)
{ لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً } لمن آمن { وَلا أُشْرِكُ بِهِ } لمن كفر [ وفيه ثلاثة أوجه ] عذاباً ولا نعيماً أو موتاً ولا حياة أو ضلالة ولا هدى .
(7/130)

قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)
{ لَن يُجِيرَنِى } كان الجن الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم سبعين ألفاً وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر قاله مكحول وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لما تقدّم إليهم ازدحموا عليه فقال سيدهم وردان أنا أزجلهم عنك فقال : إني لن يجيرني من الله أحدٌ { مُلْتَحَداً } ملجأ وحرزاً أو ولياً ومولى أو مذهباً ومسلكاً .
(7/131)

إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)
{ إِلا بَلاغاً } لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً إلا أن أبلغكم رسالات ربي أو لن يجيرني منهم إن أحدٌ لم أبلغ رسالته .
(7/132)

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)
{ الْغَيْبِ } السر " ع " أو ما لم تروه مما غاب عنكم أو القرآن أو القيامة وما يكون فيها .
(7/133)

إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
{ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ } جبريل عليه السلام أو نبي فيما يطلعه عليه من غيب أو " نبي فيما أنزله عليه من كتاب " ع " { رَصَداً } يجعل له طريقاً إلى علم بعض ما كان قبله وما يكون بعده أو ملائكة يحفظون النبي من الجن والشياطين من ورائه وأمامه " ع " وهم أربعة . أو يحفظون الوحي فما كان من ألله تعالى قالوا هو من عند الله وما ألقاه الشيطان قالوا هو من الشيطان أو يحفظون جبريل عليه السلام إذا نزل بالوحي من السماء أن يسمعه مسترقو السمع من الشياطين فيلقوه إلى الكهنة قبل أن يبلغه الرسول إلى أمّته .
(7/134)

لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
{ لِّيَعْلَمَ } محمد صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام قد بلغ إليه رسالة ربه وما نزل جبريل عليه السلام إلا ومعه ملائكة حفظة أو ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أنّ الرسل قبله قد بلغت الرسالات وحفظت أو ليعلم مكذب الرسل أنّ الرسل قد بلغت أو لعلم الجن أنّ الرسل بلغوا الوحي ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع أو ليعلم الله تعالى أنّ رسله قد بلغوا رسالاته .
(7/135)

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
{ الْمُزَّمِّلُ } المتحمل زمل الشيء حمله ومنه الزاملة أو المتلفف المزمل بالنبوّة أو القرآن أو بثيابه قيل نزلت وهو في قطيفة .
(7/136)

قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
{ إِلا قَلِيلاً } من أعداد الليالي فلا تقمها أو إلاّ قليلاً من زمان كل ليلة وكان قيامه فرضاً عليه خاصة أو عليه وعلى أمّته فقاموا حتى ورمت أقدامهم ثم نسخ عنهم بعد سنة بآخر السورة أو بعد ستة عشر شهراً بالصلوات الخمس ولم ينسخ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو نسخ عنه كما نسخ عن أمته بعد سنة أو ستة عشر شهراً أو بعد عشر سنين تمييزاً له بالفضل عليهم .
(7/137)

نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
{ قَلِيلاً } الثلث وما دون العشار والسدس والقليل من الشيء دون نصفه .
(7/138)

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
{ وَرَتِّلِ } بينه " ع " أو فسره أو اقرأه على نظمه وتواليه من غير تغيير لفظ ولا تقديم ولا تأخير من ترتل الأسنان إذا استوى نبتها وحسن انتظامها .
(7/139)

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)
{ ثَقِيلاً } عليه إذا أوحي إليه فلا يقدر على الحركة أو العمل به ثقيل " ح " أو في الميزان يوم القيامة أو كريم من قولهم فلان ثقيل عليَّ : أي كريم .
(7/140)

إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)
{ نَاشِئَةَ الَّيْلِ } قيامه بالحبشية أو ما بين المغرب والعشاء أو ما بعد العشاء أو بدو الليل أو ساعاته لأها تنشأ ساعة بعد ساعة أو الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار . { أَشَدُّ وَطْئاً } مواطأة قلبك وسمعك وبصرك أو مواطأة قولك بعملك أو نشاطاً لأنه في زمان راحتك أو أشدّ وأثبت وأحفظ للقراءة { وَأَقْوَمُ قِيلاً } أبلغ في الخير وأمنع من العدو أو أصوب للقراءة وأثبت للقول لأنه زمان التفهم أو أعجل إجابة للدعاء .
(7/141)

إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)
{ سَبْحاً } فراغاً لنومك وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك " ع " أو دعاءاً كثيراً أو عملاً وتقلباً يشغلك عن فراغ ليلك والسبح : الذهاب ومنه السبح في الماء .
(7/142)

وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)
{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ } واقصد بعملك وجه ربك أو ابدأ القراءة بالبسملة { وَتَبَتَلْ } أخلص أو تعبد أو انقطع مريم البتول : لانقطاعها إلى الله تعالى " نهى الرسول صلى الله عليه سلم عن التبتل " : الانقطاع عن الناس والجماعات أو تضرّع إليه تضرعاً .
(7/143)

رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)
{ رَّبُّ الْمَشْرِقِ } أي رب العالم لأنهم بين المشرق المغرب أو مشرق الشمس ومغربها يريد استواء الليل والنهار أو وجه الليل ووجه النهار أو أول النهار وآخره أضاف نصفه الأول إلى المشرق ونصفه الآخر إلى المغرب { وَكِيلاً } معيناً أو كفيلا أو حافظاً .
(7/144)

وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
{ هَجْراً جَمِيلاً } اصفح وقل سلاماً أو أعرض عن سفههم وأرهم صغر عداوتهم أو هجراً لا جزع فيه .
(7/145)

وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)
{ وَالْمُكَذِّبِينَ } قيل بنو المغيرة أو اثنا عشر رجلاً من قريش { وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } إلى السيف .
(7/146)

إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)
{ أَنكَالاً } أغلالاً أو قيوداً أو أنواع العذاب الشديد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله يحب النكل على النكل " فسئل عن ذلك فقال : " الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب " وبه سمي القيد والغل لقوتهما .
(7/147)

وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)
{ ذَا غُصَّةٍ } الزقوم أو شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج .
(7/148)

يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
{ مَّهِيلاً } رملاً سائلاً " ع " أو الذي نزل تحت القدم فإذا وطئت أسفله انها أعلاه .
(7/149)

فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
{ وَبِيلاً } شديداً " ع " أو متتابعاً أو مقبلاً غليظاً ومنه الوابل للمطر العظيم أو مهلكاً .
(7/150)

فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
{ شِيباً } جمع أشيب والأشيب والأشمط الذي اختلط سواد شعره ببياضه .
(7/151)

السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)
{ مُنفَطِرٌ بِهِ } ممتلئة به " ع " أو مثقلة أو مخزونة به " ح " أو منشقة من عظمته وشدّته . { كَانَ وَعْدُهُ } بالثواب والعقاب أو بإظهار دينه على الدين كله أو بانفطار السماء وشيب الولدان وكون الجبال كثيباً مهيلاً ، { بِهِ } الضمير لليوم يعني أشاب الولدان وجعل السماء منفطرة بما ينزل منها أي يوم القيامة يجعل الولدان شيباً ، وانفطارها انفتاحها لنزول هذا القضاء منها .
(7/152)

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
{ لَّن تُحْصُوه } لن تطيقوا قيام الليل أو تقدير نصفه وثلثه وربعه { فَاقْرَءُاْ } فصلوا عبر عن الصلاة بالقراءة { مَا تَيَسَّرَ } من النوافل إذ لا يؤمر في الفرض بما تيسر أو الصلوات الخمس ما تيسر من أفعالها وأركانها على قدر القوّة والضعف والصحة والمرض دون العدد لأنّ الناس انتقلوا من قيام الليل إلى الصلوات الخمس أو بحمل القرآن على حقيقته يُقْراْ به في الصلاة وما تيسر : الفاتحة عند من أوجبها أو قدر آية واحدة من القرآن أو أراد القراءة خارج الصلاة وهي مستحبة أو واجبة ليقف بها على إعجازه ودلائله فإذا قرأه وعرف إعجازه ودلائل التوحيد منه فلا يلزمه حفظه . لأنّ حفظه متسحب فعلى هذا المراد به جميع القرآن لأنّ الله تعالى يسره على العباد أو ثلثه أو مائتا آية منه أو ثلاث آيات كأقصر سورة { يَضْرِبُونَ فِى الأَرْضِ } بالمسافرة ، أو بالتقلب للتجارة . { فاقْرَءُاْ مَا تَيَسَّرَ } قيل أعادة لنسخ ما فرضه من قيام الليل وجعل ما تيسر منه تطوعاً ونفلاً فأقيموا الصلوات الخمس { الزَّكَاةَ } الطاعة والإخلاص " ع " أو صدقة الفطر أو زكوات الأموال كلها . { قَرْضاً حَسَناً } النوافل بعد الفروض أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو جميع الطاعات " وسماه قرضاً لأنه أوجب جزاءه على نفسه فصار كالقرض المردود " { تَجِدُوهُ } أي ثوابه { هُوَ خَيْراً } مما أعطيتم أو فعلتم { وَأَعْظَمَ أَجْراً } الجنة { غَفُورٌ } لما كان قبل التوبة { رَّحِيمٌ } لكم بعدها .
(7/153)

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
{ الْمُدَّثِّرُ } بثيابه أو بالنبوّة وأثقالها .
(7/154)

قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
{ قُمْ } من نومك { فَأَنذِرْ } قومك العذاب وهي أول سورة نزلت " ع " .
(7/155)

وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } وعملك فأصلح قال الرسول صلى الله عليه وسلم " يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات فيهما " يعني عمله الصالح والطالح أو نفسك طهرها من الخطايا أو مما نسبوه إليك من السحر والشعر والكهانة والجنون أو مما كنت تفكر فيه وتحذره من قول الوليد بن المغيرة أو قلبك طهره من الإثم والمعاصي " ع " أو الغدر .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي
أو نساءك فطهّر باختيارهم مؤمنات عفيفات أو بالإتيان في القبل والطهر دون الدبر والحيض { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 187 ] أو ثياب اللبس فقصّر وشمّر أو انقها أو طهرها من النجاسة بالماء أو لا تلبسها إلاّ من كسب حلال لتكون مطهرّة من الحرام .
(7/156)

وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
{ وَالرُّجْزَ } الأوثان والأصنام " ع " أو الشرك أو الذنب أو الإثم أو العذاب أو الظلم .
(7/157)

وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
{ وَلا تَمْنُن } لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها " ع " قال الضحاك : حرمه على رسوله صلى الله عليه وسلم وأباحه لأمّته أو لا تمنن بعملك تستكثره على ربك أو لا تمنن بالنبوّة على الناس تأخذ عليها أجراً أو لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه .
(7/158)

وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
{ وَلِرَبِّكَ } لأمر ربك أو لوعده أو لوجهه { فَاصْبِرْ } على ما لقيت من الأذى والمكروه أو على محاربة العرب ثم العجم أو على الحق فلا يكن أحدٌ أبرد عندك فيه من أحد أو على عطيتك لله أو على الوعظ لوجه الله أو على انتظار ثواب عملك من الله تعالى أو على ما أُمِرت به من أداء الرسالة وتعليم الدين .
(7/159)

فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
{ النَّاقُورِ } الصور " ع " النفخة الأولى أو الثانية أو القلب يجيب إذا دعي للحساب حكاه ابن كامل .
(7/160)

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
{ وَحِيداً } منفرداً بخلقه أو وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد أعلمه بذلك قدر نعمه عليه بالمال والولد أو ليدلّه على أنّه يبعث وحيداً كما خلق وحيداً نزلت في الوليد بن المغيرة .
(7/161)

وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)
{ مَّمْدُوداً } ألف دينار " ع " أو أربعة آلاف دينار أو ستّة ألاف دينار أو مائة ألف دينار أو أرض يقال لها الميثاق أو غلة شهر بشهر أو الذي لا ينقطع شتاء ولا صيفاً أو الأنعام التي يمتد سيرها من أقطار الأرض للرعي والسفر .
(7/162)

وَبَنِينَ شُهُودًا (13)
{ وَبَنِينَ } عشرة أو أثنا عشر أو ثلاثة عشر رجالاً قال الضحاك : ولد له سبعة بمكة وخمسة بالطائف { شُهُوداً } حضور معه لا يغيبون عنه أو يذكرون معه إذا ذكر " ع " أو كلهم ربّ بيت .
(7/163)

وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)
{ وَمَهَّدتُّ لَهُ } من المال والولد أو الرئاسة في قومه .
(7/164)

ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
{ أَنْ أَزِيدَ } من المال والولد أو أدخله الجنة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فلم يزل يرى النقص في ماله وولده .
(7/165)

كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)
{ لأَيَاتِنَا } القرآن أو الحق أو محمد صلى الله عليه وسلم . { عَنِيداً } معانداً أو مباعداً أو جاحداً أو معرضاً .
(7/166)

سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
{ صَعُوداً } مشقة من العذاب أو عذاب لا راحة فيه " ح " أو صخرة في النار ملساء كلف صعودها فإذا صعدها زلق منها أو جبل في جهنم من نار كلف صعوده فإذا وضع يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت مأثور .
(7/167)

إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)
{ إِنَّهُ فَكَّرَ } قال لقد نظرت فيما قال هذا الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليعلو وما يعلى وما أشك أنه سحر ففكر في القرآن وقدر في قوله إنه سحر وليس بشعر .
(7/168)

فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
{ فَقُتِلَ } ثم قتل فعوقب ثم عوقب فتكرر عليه العذاب مرة بعد أخرى أو لعن ثم لعن { كَيْفَ قَدَّرَ } إنه ليس بشعر ولا كهانة وإنه سحر .
(7/169)

ثُمَّ نَظَرَ (21)
{ ثُمَّ نَظَرَ } في القرآن أو إلى بني هاشم لما قال إنه ساحر ليعلم ما عندهم .
(7/170)

ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
{ ثُمَّ عَبَسَ } قبض ما بين عينيه { وَبَسَرَ } كلح وجهه أو تغير قيل ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة وظهور البسور فيه قيل المحاورة .
(7/171)

فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)
{ إِنْ هَذَآ } القرآن { إِلا سِحْرٌ } يأثره محمد عن غيره .
(7/172)

إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
{ قَوْلُ الْبَشَرِ } وليس من قول الله تعالى نسبوه إلى أبي اليسر عبدٍ لبني الحضرمي كان يجالس الرسول صلى الله عليه وسلم فنسبوه إلى أنه تعلّم ذلك منه .
(7/173)

سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
{ سَقَرَ } اسم لجهنم من سقرته الشمس إذا آلمت دماغه لشدّة إيلامها .
(7/174)

وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)
{ لا تُبْقِى } من فيها حيّاْ ولا تذره ميتاً أو لا تبقي أحداً منهم أن تتناوله ولا تذره من العذاب .
(7/175)

لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
{ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } مغيرة للألوان تلفح وجوههم لفحة تدعها أشدّ سواداً من الليل أو تحرق البشر حتى تُلَوِّح العظم أو تلوِّح بشرة أجسادهم على النار أو معطشة للبشر واللَّوْح شدّة العطش قال :
سقتني على لوح من الماء شربة ... سقاها به الله الرهام الغواديا
{ لِّلْبَشَرِ } الإنس عند الأكثر أو جمع بشرة وهي الجلدة الظاهرة .
(7/176)

عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
{ تِسْعَةَ عَشَرَ } خزنة جهنم من الزبانية وكذلك عددهم في التوراة والإنجيل ولما نزلت قال أبو جهل يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم أن يأخذوا واحداً منهم وأنتم أكثر منهم وقال أبو الأشد بن الجمحي لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة وبمنكبي الأيسر التسعة ثم تمرون إلى الجنة يقولها مستهزئاً فنزلت .
(7/177)

وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)
{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّارِ } ولما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " كأن أعينهم البرق وكأنّ أفواههم الصياصي يجرون شعورهم لأحدهم مثل قوّة الثقلين يسوق أحدهم الأمّة على رقبته [ جبل ] فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم " { لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم أو عدد الخزنة لموافقة ذلك لما في التوراة والإنجيل { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } بذلك إيماناً { وَمَا هِىَ } وما نار جهنم إلاّ ذكر ، أو ما نار الدنيا إلاّ تذكرة لنار الآخرة أو ما هذه السورة إلاّ تذكرة للناس .
(7/178)

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
{ دَبَر } ولى " ع " أو أقبل عن إدبار النهار دبر وأدبر واحد أو دبر إذا خلفته خلفك وأدبر إذا ولّى أمامك أو دبر جاء بعد غيره على دبره وأدبره ولّى مدبراً .
(7/179)

وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)
{ أَسْفَرَ } أضاء .
(7/180)

إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
{ إِنَّهَا } إن سقر لإحدى الكبر أو قيام الساعة أو هذه الآية و { الْكُبَرِ } العظائم من العقوبات والشدائد .
(7/181)

نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)
{ نَذِيراً } يعني النار أو محمد صلى الله عليه وسلم حين قال { قُمْ فَأَنذِرْ } [ المدثر : 2 ] .
(7/182)

لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
{ يَتَقَدَّمَ } في الطاعة أو { يَتَأَخَّرَ } في المعصية أو يتقدّم في الخير أو يتأخر في الشر أو يتقدّم إلى النار أو يتأخر عن الجنة تهديد ووعيد .
(7/183)

كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)
{ كُلُّ نَفْسٍ } بالغة محتبسة بعملها { إِلآ أَصْحَابَ الْيَمِينِ } أطفال المسلمين أو كل نفسٍ من أهل النار مرتهنة في النار إلاّ المسلمين أو كل نفسٍ محاسبة بعملها إلا أهل الجنة فلا يحاسبون .
(7/184)

وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)
{ نَخُوضُ } نكذب أو كلما غوى غاوٍ غوينا معه أو قولهم محمد ساحر محمد شاعر محمد كاهن .
(7/185)

وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)
{ الدِّينِ } الجزاء .
(7/186)

حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)
{ الْيَقِينُ } الموت .
(7/187)

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
{ التَّذْكِرَةِ } القرآن .
(7/188)

كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
{ مستنفَرة } مذعورة وبكسر الفاء هاربة .
(7/189)

فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
{ قَسْوَرَةٍ } الرماة " ع " أو القناص أو الأسد بلسان الحبشة " ع " أو عصب من الرجال وجماعة " ع " أو أصوات الناس " ع " أو النبل .
(7/190)

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)
{ صُحُفاً } أن يؤتى كتاباً من الله تعالى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم أو براءة من النار أنه لا يعذب بها أو كتاباً من الله بما أحلّ وحرّم أو قال كفار قريش كان الرجل [ من بني إسرائيل ] إذا أذنب وجده [ مكتوباً ] في رقعة فما لنا لا نرى ذلك فنزلت .
(7/191)

وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
{ أَهْلُ } أن تُتقى محارمه وأن يغفر الذنوب أو يُتقى أن يجعل معه إلهاً آخر وأهل أن يغفر لمن اتقاه مأثور أو يتقى عذابه وأن يعمل بما يؤدي إلى مغفرته .
(7/192)

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
{ لآ } إذا بدىء بها في أول الكلام فهي صلة تقديره أقسم " ع " أو تأكيد للكلام كقولك لا والله أو رَدٌّ لما مضى من إنكارهم البعث ثم ابتدأ بأقسم و { لآ أُقْسِمُ } أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس " ع " أو أقسم بهما جميعا { اللَّوَّامَةِ } مدح عند من رآها قسماً وهي النادمة اللائمة على ما فات لِمَ فعلت الشرّ وهلاَّ استكثرت من الخير أو تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها أو ذات اللوم أو اللوم صفة ذم عند من رآها غير مقسم بها وهي المذمومة " ع " أو الملومة على سوء صنعها أو التي لا تصبر على محن الدنيا وشدائدها فهي كثيرة اللوم فيها فعلى هذه الأوجه الثلاثة تكون اللوامة يعني الملومة .
(7/193)

بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
{ بَلَى } نجمعها تمام للأول أو استئناف بعد تمام الأول بالتعجب { نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ } نعيد مفاصله بالبعث أو نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير فلا يأكل إلا بفمه ولا يعمل شيئاً بيده " ع " .
(7/194)

بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
{ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } يقدم الذنب ويؤخر التوبة أو يمضي أمامه قدماً لا ينزع عن فجور " ح " أو يرتكب الآثام في طلب الدنيا ولا يذكر الموت أو يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار أو يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا .
(7/195)

فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)
{ بَرِقَ } خفت أو انكسر عند الموت أو شخص لما عاين ملك الموت فزعاً وبالكسر شق بصره أو غشى عينه البرق يوم القيامة .
(7/196)

وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
{ وَخَسَفَ الْقَمَرُ } ذهب نوره فكأنه دخل في خسف من الأرض .
(7/197)

وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
{ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } جمعا في طلوعهما من المغرب كالبعيرين القرينين أو في ذهاب ضوئهما بالخسوف ليتكامل ظلام الأرض على أهلها " أو في تكويرهما يوم القيامة " أو البحر فصارا نار الله الكبرى .
(7/198)

يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
{ الْمَفَرُّ } المهرب .
(7/199)

كَلَّا لَا وَزَرَ (11)
{ لا وَزَرَ } لا ملجأ أو منجى أو حرز أو محيص .
(7/200)

إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
{ الْمُسْتَقَرُّ } المنتهى أو استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار .
(7/201)

يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
{ بِمَا قَدَّمَ } قبل موته من خير أو شر وبما سنّ فعُمل به بعد موته من خير أو شرّ " ع " أو بما قدّم من معصية وما أخر من طاعة أو بأول عمله وآخره أو بما قدّم من الشر وأخّر من الخير أو ما قدّم من فرض وأخّر من فرض .
(7/202)

بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
{ بَصِيرَةٌ } هاء المبالغة شاهد على نفسه بما تقوم الحجة به عليه { كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] أو جوارحه تشهد عليه بعمله { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ } [ يس : 65 ] أو بصير بعيوب الناس غافل عن عيوب نفسه .
(7/203)

وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
{ مَعَاذِيرَهُ } لو اعتذر يومئذٍ لهم يقبل منه أو لو تجرد من ثيابه " ع " أو لو أظهر حجته أو لو أرخى ستوره والستر : معذار بلغة اليمن .
(7/204)

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
{ لا تُحَرِّكْ } كان إذا نزل عليه القرآن حرّك به لسانه يستذكره فيناله من ذلك شدّة فنهي عن ذلك " ع " أو كان يعجل بذكره حُبّاً له لحلاوته عنده فنهي عن ذلك حتى يجتمع لأنّ بعضه مرتبط ببعض .
(7/205)

إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } في قلبك لتقرأه بلسانك أو حفظه وتأليفه أو نجمعه لك حتى نثبته في قلبك .
(7/206)

فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)
{ قَرَأْنَاهُ } بيناه فاعمل بما فيه أو أنزلناه فاستمع قرآنه " ع " أو إذا تلي عليك فاتبع شرائعه وأحكامه .
(7/207)

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
{ بَيَانَهُ } بيان أحكامه وحلاله وحرامه أو بيانه بلسانك إذا نزل به جبريل عليه السلام حتى تقرأه كما أقرأك أو علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه من وعد ووعيد .
(7/208)

كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)
{ الْعَاجِلَةَ } ثواب الدنيا أو العمل لها .
(7/209)

وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)
{ وَتَذَرُونَ } ثواب الآخرة أو العمل لها .
(7/210)

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)
{ نَّاضِرَةٌ } حسنة أو مستبشرة أو ناعمة أو مسرورة .
(7/211)

إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
{ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } تنظر إليه في القيامة أو إلى ثوابه قال ابن عمر ومجاهد أو تنظر أمر ربها .
(7/212)

وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)
{ بَاسِرَةٌ } كالحة أو متغيرة .
(7/213)

تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
{ فَاقِرَةٌ } داهية أو شر أو هلاك أو دخول النار .
(7/214)

كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)
{ بَلَغَتِ } الروح { التَّرَاقِىَ } وهي أعلى الصدر جمع ترقوة .
(7/215)

وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)
{ رَاقٍ } يرقيه بالرُّقى وأسماء الله تعالى الحسنى أو من طبيب شاف أو يقول من يرقى بروحه أَمَلائكة الرحمة أم ملائكة العذاب " ع " .
(7/216)

وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)
{ وَظَنَّ } تيقن أنه مفارق للدنيا " ع " .
(7/217)

وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)
{ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } اتصل الآخرة بالدنيا " ع " أو الشدّة بالشدّة والبلاء بالبلاء شدّة كرب الموت بشدّة هول المطلع أو التفت ساقه عند الموت أو التفاف الساق بالساق عند المساق قال الحسن رضي الله تعالى عنه " ماتت رِجْلاه فلم يحملاه وقد كان عليهما جوالاً ، أو اجتمع عليه أمران شديدان الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه " .
(7/218)

إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)
{ الْمَسَاقُ } المنطلق أو المستقر .
(7/219)

فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)
{ فَلا صَدَّقَ } كتاب الله تعالى { وَلا صَلَّى } لله عزّ وجلّ أو فلا صدق بالرسالة ولا آمن بالمرسل كذب الرسول صلى الله عليه وسلم وتولى عن المرسل أو كذب بالقرآن وتولى عن الطاعة نزلت في أبي جهل .
(7/220)

ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
{ يَتَمَطَّى } يختال في نفسه " ع " أو يتبختر في مشيته أو يلوي مطاه وهو ظهره .
(7/221)

أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)
{ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } وليك الشرّ وعيد على وعيد أو لك الويل ، لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم ببطحاء مكة متبختراً في مشيه فدفع في صدره وهزّه بيده وقال { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } فقال أبو جهل إليكم عني أتوعدني يا ابن أبي كبشة وما تستيطع أنت ولا ربك الذي تزعم أنه أرسلك شيئاً فنزلت هذه الآيات .
(7/222)

أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
{ سُدىً } مهملاً لا يعترض عليه أو باطِلاً لا يبعث أو ملغى لا يؤمر ولا ينهى أو عبثاً لا يحاسب ولا يعاقب .
(7/223)

أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)
{ تُمْنَى } تراق ومنى لإراقة الدم بها أو تنشأ وتخلق أو تشترك لاشتراك ماء الرجل بماء المرأة .
(7/224)

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)
{ هَلْ أَتَى } قد أتى أو أأتى { الإِنسَانِ } آدم عليه الصلاة والسلام خلق كخلق السماوات والأرض وما بينهما في آخر يوم الجمعة أو عام في كل إنسان " ع " { حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ } أربعين سنة بقي آدم عليه الصلاة والسلام فيها مصوراً من طين لازب وحمأ مسنون ثم نفخ فيه الروح بعد ذلك أو تسعة أشهر في بطن أمه أو زمان غير محدود " ع " { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } في الخلق وإن كان عند الله تعالى شيئاً مذكوراً أو كان شيئاً غير مذكور لأنه كان مصوراً ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً .
(7/225)

إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
{ خَلَقْنَا الإِنسَانَ } كل بني آدم اتفاقاً { نُّطْفَةٍ } إذا اختلط ماء الرجل وماء المرأة فهما نطفة أو النطفة ماء الرجل فإذا اختلط في الرحم بماء المرأة صار أمشاجاً { أَمْشَاجٍ } اختلاط المائين أو ألوان " ع " قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر " وقيل نطفة الرجل حمراء وبيضاء ونطفة المرأة صفراء وخضراء أو الأمشاج العروق التي في النطفة أو الأطوار نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم كسوتها باللحم { نَّبْتَلِيهِ } نختبره بالخير والشرّ أو نختبره بشكره في السرّاء وصبره في الضرّاء أو نكلفه العمل بعد خلقه أو نأمره بالطاعة وننهاه عن المعصية أو فيه تقديم تقديره فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه بالاختبار أو التكليف أو بالسمع والبصر .
(7/226)

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
{ السَّبِيلَ } الخير والشر أو الهدى والضلالة أو سبيل الشقاوة والسعادة أو خروجه من الرحم . { شَاكِراً } مؤمناً أو كافراً أو شاكراً للنعمة أو كفوراً بها ولما كان شكر الله تعالى لا يؤدى لم يأت فيه بلفظ المبالغة ولما عظم كفره مع الإحسان إليه جاء بلفظ المبالغة .
(7/227)

إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)
{ الأَبْرَارَ } الصادقون أو المطيعون لأنه بَرُّوا الآباء والأبناء أو لكفهم الأذى " حتى عن الذر " " ح " أو لأدائهم حقوق الله تعالى ويوفون بالنذر { كَأْسٍ } كل كأس في القرآن فإنما يعنى بها الخمر { كَافُوراً } عين في الجنة اسمها كافور أو كافور الطيب تمزج به لبرده فيكون برد الكافور وطعم الزنجبيل أو لريحه ويختم بالمسك أو لطعمه فيكون طعمها طعم الكافور .
(7/228)

عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
{ يَشْرَبُ بِهَا } ينتفع بها أو يشربها وهي التسنيم أشرف شراب أهل الجنة يشربها المقربون صرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل { يُفَجِّرُونَهَا } يقودونها حيث شاءوا من الجنة ويمزجونها بماء شاءوا { تَفْجِيراً } مصدر للتكثير أو يفجرون من تلك العين عيوناً لتكون أوسع .
(7/229)

يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
{ بِالنَّذْرِ } بما فرض من العبادات أو بما عقدوه على أنفسهم من حقّ الله تعالى أو بعهد من عاهدهم أو بالأيمان إذا حلفوا { مُسْتَطِيراً } فاشياً أو ممتداً .
(7/230)

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
{ عَلَى حُبِّهِ } على حب الطعام أو على شهوته أو على عزّته { وَأَسِيراً } المسجون المسلم أو العبد أو أسرى المشركين ثم نسخ بالسيف أو لم ينسخ .
(7/231)

إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ } لم يقولوا ذلك ولكن علمه الله تعالى منهم فأثنى به عليهم { جَزَآءَ } بالفعال { وَلا شُكُوراً } بالمقال قيل نزلت في السبعة الذين تكفلوا أسرى بدر أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأبو عبيدة رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
(7/232)

إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
{ عَبُوساً } تعبس الوجوه من شرّه ، والقمطرير : الشديد أو العبوس الضيق والقمطرير الطويل أو العبوس بالشفتين والقمطرير بالجبهة والحاجبين فذلك صفة الوجه المتغيّر من شدائد ذلك اليوم .
(7/233)

فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)
{ نَضْرَةً } بياضاً ونقاءً أو حسناً وبهاءً أو أثر النعمة نضرة وجوههم وسروراً في قلوبهم .
(7/234)

وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)
{ جَنَّةً } يسكنونها { وَحَرِيراً } يلبسونه أو الحرير أثر العيش في الجنة ومنه لبس الحرير ليأثر في لذّة العيش نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه أو في علي وفاطمة نذر صوماً ودخل فيه وخبزت فاطمة رضي الله تعالى عنها ثلاثة أقراص شعير ليفطر علي رضي الله تعالى عنه على قرص وتفطر هي على آخر ويأكل الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما الثالث فسألها مسكين فأعطته أحدها ثم سألها يتيم فأعطته الثاني ثم سألها أسير فأعطته الثالث وباتوا طاوين .
(7/235)

مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)
{ الأَرَآئِكِ } الأسرّة " ع " أو كل ما يتكأ عليه { لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً } أي لا يحتاجون إلى ضيائها لأنهم في ضوء دائم أو لا يتأذون بحرّها { زَمْهَرِيراً } برداً شديداً أي لا يرون حراً ولا برداً أو لون من العذاب أو الزمهرير هنا القمر لا يحتاجون إليه لأنهم في ضوء دائم .
(7/236)

وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
{ وَذُلِّلَتْ } لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد وإذا قام ارتفعت وإذا قعد نزلت .
(7/237)

وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)
{ قَوَارِيرَاْ } هي من فضة في صفاء القوارير . أو قوارير في بياض الفضة ، قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنّة فضة " ع " { قَدَّرُوهَا } في أنفسهم فجاءت على ما قدروا " ح " أو على قدر أكفْ الخدم أو على مقدار لا تزيد فتفيض ولا تنقص فتغيض أو على قدريهم وكفايتهم لأنه ألذ وأشهى أو قدرت لهم وقدروا لها سواء .
(7/238)

وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)
{ زَنجَبِيلاً } اسم التي فيها مزاج شراب الأبرار أو يمزج بالزنجبيل والعرب تستطيبه لحذوه اللسان وهضمه المأكول أو الزنجبيل طعم من طعوم الخمر تصف العرب به .
(7/239)

عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
{ سَلْسَبِيلاً } اسم لها أو سَلْ سبيلاً إليها قاله علي رضي الله تعالى عنه أو سلسلة السبيل يصرفونها حيث شاءوا تسيل في حلوقهم انسلالاً أو حديدة الجرية أو لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم .
(7/240)

وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)
{ مُّخَلَّدُونَ } لا يموتون أو صغاراً لا يكبرون وشباباً لا يهرمون " ح " أو مسوَّرون " ع " { مَّنثُوراً } لكثرتهم أو لصفاء ألوانهم وحسن مناظرهم .
(7/241)

وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
{ نَعِيماً } كثرة النعمة أو كثرة التنعم { كَبِيراً } لسعته أو لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام
(7/242)

عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
{ طَهُوراً } لا يبولون منه ولا يحدثون عنه بل عرق يفيض من أعراضهم كريح المسك أو لأنها طاهرة بخلاف خمر الدنيا أو ليس في أنهار الجنة نجاسة خلاف أنهار الدنيا .
(7/243)

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
{ ءَاثِماً } بالمعاصي { أَوْ كَفُوراً } بالنعم قيل أراد أبا جهل .
(7/244)

وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
{ بُكْرَةً } صلاة الصبح { وَأَصِيلاً } الظهر والعصر .
(7/245)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
{ فَاسْجُدْ لَهُ } المغرب والعشاء { وَسَبِّحْهُ } بتطوع الليل وكل تسبيح في القرآن فهو صلاة " ع " وسفيان الثوري .
(7/246)

نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
{ أَسْرَهُمْ } مفاصلهم أو خلقهم " ع " أو قوتهم .
(7/247)

وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)
{ وَالْمُرْسَلاتِ } الملائكة ترسل بالمعروف أو الرسل ترسل بما يعرفون به من المعجزات أو الرياح ترسل بما عرفها الله تعالى { عُرْفاً } متتابعات كعرف الفرس أو جاريات " ح " في القلوب أو معروفات في العقول .
(7/248)

فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2)
{ فَالْعَاصِفَاتِ } الرياح أو الملائكة { عَصْفاً } ما تذروه في جريها أو ما تهلكه بشدّتها .
(7/249)

وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3)
{ وَالنَّاشِرَاتِ } الرياح تنشر السحاب أو الملائكة تنشر الكتب أو المطر ينشر النبات أو البعث ينشر الأرواح أو الصحف تنشر بأعمال العباد .
(7/250)

فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4)
{ فَالْفَارِقَاتِ } الملائكة تفرق بين الحق والباطل " ع " أو الرسل تفرق بين الحلال والحرام أو الرياح أو القرآن فرق آية آية أو لفرقه بين الحق والباطل .
(7/251)

فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5)
{ فَالْمُلْقِيَاتِ } الملائكة يلقون الوحي إلى الرسل أو الأنبياء أو الرسل يلقون ما أنزل إلى أممهم .
(7/252)

عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)
{ عُذْراً } من الله تعالى إلى العباد أو إنذاراً بالعذاب وهو الملائكة أو الرسل أو القرآن .
(7/253)

إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)
{ لَوَاقِعٌ } بكم .
(7/254)

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)
{ طُمِسَتْ } محي نورها كطمس الكتاب .
(7/255)

وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)
{ فُرِجَتْ } فتحت وشقت .
(7/256)

وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)
{ نُسِفَتْ } ذهبت وسويت بالأرض .
(7/257)

وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)
{ أُقِّتَتْ } وعدت أو أجلت أو جمعت { وُقِتَتْ } عرفت ثوابها .
(7/258)

أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)
{ الأَوَّلِينَ } قوم نوح عليه الصلاة والسلام أو كل أمّة استؤصلت بالتكذيب .
(7/259)

ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)
{ نُتْبِعُهُمُ الأَخِرِينَ } في الإهلاك بالسيف أو بعذاب الآخرة .
(7/260)

أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20)
{ مَّآءٍ مَّهِينٍ } صفوة الماء " ع " أو ضعيف أو سائل .
(7/261)

فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
{ قَرَارٍ مَّكِينٍ } الرحم لا يؤذيه حر ولا برد أو مكان حريز .
(7/262)

فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)
{ قدَّرنا } و قَدَرنا واحد أو بالتخفيف ملكنا وبالتشديد قضينا .
(7/263)

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)
{ كِفَاتاً } كِنّاً " ع " أو وعاء أو مجمعاً أو غطاء .
(7/264)

أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)
{ أَحْيَآءً } يجمعهم أحياء على ظهرها { وَأَمْوَاتاً } في بطنها أو الأرض منها أحياء بالنبات وأموات بالخراب الجفاف .
(7/265)

انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)
{ شُعَبٍ } الضريع والزقوم والغسلين أو لدخانها ثلاث شعب تحيط به شعبة فوقه وشعبة عن يمينه وشعبة عن شماله .
(7/266)

لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
{ لا ظَلِيلٍ } يدفع الأذى { اللَّهَبِ } ما يعلو النار المضطرمة من أصفر وأحمر وأخضر .
(7/267)

إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)
{ كَالْقَصْرِ } أصول الشجر العظام أو قصر البناء أو الجبل أو أعناق الدواب أو خشبة كان [ أهل ] الجاهلية يعضدونها نحو ثلاثة أذرع يسمونها القصر " ع " و { بِشَرَرٍ } ما يتطاير من النار .
(7/268)

كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)
{ جِمَالَتٌ صُفْرٌ } سود لأنّ سوادها يضرب إلى الصفرة شبهها بها في سرعة سيرها أو في متابعة بعضها بعضاً ، أو قُلُوس السفن " ع " أو قطع النحاس " ع " .
(7/269)

فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
{ كَيْدٌ } حيلة أو امتناع منا .
(7/270)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)
{ ارْكَعُواْ } يقال لهم ذلك في الآخرة تقريعاً أو نزلت في ثقيف لما امتنعوا من الصلاة والركوع هنا الصلاة .
(7/271)

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
{ فَبِأَىِّ } كتاب بعد القرآن تصدّقون .
(7/272)

عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)
{ يَتَسَآءَلُونَ } لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم تنازعت قريش فيما دعا إليه واختصموا .
(7/273)

عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
{ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } القرآن أو البعث أو القيامة أو أمر الرسول صلى الله عليه سلم .
(7/274)

الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
{ مُخْتَلِفُونَ } اختلف المسلمون والمشركون فَصدَّق المسلمون وكَذَّب المشركون أو اختلف المشركون فمصدق ومكذب .
(7/275)

كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)
{ سَيَعْلَمُونَ } وعيد للكفار بعد وعيد فالأول بعذاب القيامة والثاني وعيد لهم بعذاب النار " ح " أو الأول وعيد لهم بالنار والثاني وعد المؤمنين بالجنة قاله الضحاك .
(7/276)

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
{ سُبَاتاً } نعاساً أو سكناً أو راحة ، يوم السبت للراحة فيه سبت الرجل : استراح أو قطعاً للأعمال السبت القطع سبت شعره قطعه ، يوم السبت : لانقطاع العمل فيه .
(7/277)

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)
{ لِبَاساً } سكناً أو غشاء لستره الأشياء كالثوب .
(7/278)

وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
{ مَعَاشاً } سمي الكسب معاشاً لأنه يعاش به .
(7/279)

وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
{ وَهَّاجاً } مضيئاً " ع " أو متلألئاً أو من وهج الحرّ أو وقاداً جمع الضياء والحَمَى ، والسراج هنا : الشمس .
(7/280)

وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
{ الْمُعْصِرَاتِ } الرياح " ع " أو السحاب أو السماء " ح " { ثَجَّاجاً } كثيراً أو منصباً " ع " .
(7/281)

لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
{ حَبّاً } ما كان في كمام الزرع المحصود والنبات الذي يُرعى أو الحب اللؤلؤ والنبات العشب قال عكرمة : ما نزلت قطرة من السماء إلا نبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة .
(7/282)

وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)
{ أَلْفَافاً } الزرع المجتمع بعضه إلى بعض أو الشجر الملتف بالثمر أو البساتين ذوات الألوان .
(7/283)

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)
{ الْفَصْلِ } بين الأولين والآخرين { مِيقَاتاً } للثواب والعقاب أو ميعاداً للجمع .
(7/284)

وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)
{ وَسُيِّرَتِ } أزيلت عن مواضعها أو نسفت من أصولها { سَرَاباً } هباءً أو كالسراب الذي يظن أنُّه ماء وليس بماء .
(7/285)

إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)
{ مِرْصَاداً } راصدة تجازيهم بأعمالهم أو عليها رصد فمن جاء بجواز جاز ومن لم يجىء بجواز حبس " ح " أو المرصاد وعيد من الله تعالى وعد به الكفار .
(7/286)

لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)
{ لِّلطَّاغِينَ } في الدين بالكفر وفي الدنيا بالظلم { مَآباً } مرجعاً أو مأوى ومنزلاً .
(7/287)

لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)
{ أَحْقَاباً } بعد أحقاب أبداً ، والحقب : ثمانون سنة أو أربعون سنة أو سبعون أو ثلاثمائة أو سبعون ألفاً " ح " أو دهر طويل غير محدود أو ألف شهر عبر عن خلودهم بتتابع الأحقاب عليهم ، أو حد عذابهم بالحميم والغساق بالأحقاب فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب .
(7/288)

لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)
{ بَرْداً } راحة أو برد الهواء أو النوم .
بردت مراشفها عَليّ فصدني ... عنها وعن تقبيلها البرد
{ وَلا شَرَاباً } عذباً .
(7/289)

إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)
{ حَمِيماً } حاراً محرقاً أو دموعهم تجمع في حياض في النار فيسقونها أو نوع من شراب أهل النار . { وَغَسَّاقاً } القيح الغليظ أو الزمهرير المحرق برده " ع " أو صديد أهل النار أو المنتن .
(7/290)

جَزَاءً وِفَاقًا (26)
{ وِفَاقاً } جمع وفق ، وافق سوء الجزاء سوء العمل .
(7/291)

إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)
{ لا يَرْجُونَ } ثواباً ولا يخافون عقاباً " ع " أو لا يخافون وعد الله بالحساب والجزاء .
(7/292)

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)
{ مَفَازاً } منتزهاً أو فوزاً بالنجاة من النار والعذاب بالجنة والرحمة .
(7/293)

وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)
{ وَكَوَاعِبَ } نواهد " ع " أو عذارى { أَتْرَاباً } أقراناً أو أمثالاً أو متصافيات أو متواخيات .
(7/294)

وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)
{ دِهَاقاً } مملوءة " ع " أو متتابعة مع بعضها بعضاً أو صافية .
(7/295)

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)
{ كِذَّاباً } لغواً باطلاً " ع " أو حلفاً عند شربها أو شتماً أو معصية ، كذاباً : لا يكذب بعضهم بعضاً أو الخصومة أو المأثم { فِيهَا } في الجنة أو في شرب الخمر .
(7/296)

جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)
{ حِسَاباً } كافياً أو كثيراً أو حاسبهم فأعطاهم بالحسنة عشراً .
(7/297)

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
{ الرُّوحُ } خلق كهيئة الناس وليسوا بناس وهم جند لله تعالى أو أشراف الملائكة أو حفظة على الملائكة أو جبريل عليه السلام أو ملك من أعظم الملائكة خلقاً " ع " أو أرواح بني آدم تقوم صفاً والملائكة صفاً أو بنو آدم أو القرآن { لا يَتَكَلَّمُونَ } لا يشفعون { إِلا مَنْ أّذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ } في الشفاعة " ح " أو لا يتكلمون بشيء إلا من أذن له الرحمن بشهادة أن لا إله إلا الله . { صَوَاباً } حقاً أو قول لا إله إلا الله أو قول الروح يومئذٍ " لا تُدخل الجنة إلا بالرحمة ولا النار إلا بالعمل " ح " .
(7/298)

ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)
{ الْيَوْمُ الْحَقُّ } لأن مجيئه حق أو لأنه يحكم فيه بالحق { مَآباً } سبيلاً أو مرجعاً .
(7/299)

إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
{ قَرِيباً } في الدنيا أو يوم بدر أو عذاب القيامة كل آت قريب { الْمَرْءُ } ينظر المؤمن ما قدم من خير { وَيَقُولُ الْكَافِرُ } يبعث الحيوان فيقاد للموقوذة والمركوضة والمنطوحة من الناقرة والراكضة والناطحة ثم يقال كونوا تراباً بلا جنة ولا نار فيقول الكافر يا ليتني كنت تراباً صرت اليوم تراباً بلا جنة ولا نار أو ليتني كنت مثل هذا الحيوان في الدنيا فأكون اليوم تراباً قيل نزلت { يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } في أبي سلمة بن عبد الأسد { وَيَقُولُ الْكَافِرُ } في أخيه الأسود بن عبد الأسد .
(7/300)

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)
{ وَالنَّازِعَاتِ } الملائكة تنزع نفوس بني آدم أو الموت ينزع النفوس أو النفس حين تُنزع أو النجوم تنزع من أفق إلى أفق ومن مشرق إلى مغرب " ح " أو القسيّ تنزع بالسهم أو الوحش تنزع وتنفر { غَرْقاً } إبعاداً في النزع .
(7/301)

وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)
{ وَالنَّاشِطَاتِ } الملائكة تنشُط أرواح المؤمنين بسرعة كنشط العقال " ع " أو النجوم تنشط من مطالعها إلى مغاربها أو الموت ينشط نفس الإنسان أو النفس حيث تنشط بالموت أو الأوهاق أو الوحش حين ينشط من بلد إلى بلد .
(7/302)

وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
{ وَالسَّابِحَاتِ } الملائكة سبحوا إلى الطاعة قبل بني آدم أو النجوم تسبح في فلكها أو الموت يسبح في النفوس أو السفن تسبح في الماء أو الخيل .
(7/303)

فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
{ فَالسَّابِقَاتِ } الملائكة سبقت إلى الإيمان أو تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء أو النجوم تسبق بعضها بعضاً أو الموت يسبق إلى النفس أو النفس تسبق بالخروج عند الموت أو الخيل .
(7/304)

فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
{ فَالْمُدَبِرَّاتِ } الملائكة تدبر ما أمرت به وأرسلت فيه أو ما وكلت به من الرياح والأمطار أو المدبرات الكواكب السبعة قاله معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه تدبر طلوعها وأفولها أو ما قضاه الله تعالى فيها من تقليب الأحوال . أقسم بهذه الأشياء أو بربها وخالقها وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثنّ ثم لتحاسبنّ أو قوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً } [ النازعات : 26 ] . أو { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } القيامة { الرَّادِفَةُ } البعث " ع " أو النفخة الأولى تميت الأحياء والنفخة الثانية تحيي الموتى وبينهما أربعون سنة فالأولى من الدنيا والثانية من الآخرة أو { الرَّاجِفَةُ } الزلزلة التي ترجف الأرض وةالجبال والرادفة إذا دكتا دكة واحدة .
(7/305)

قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
{ وَاجِفَةٌ } خائفة أو طائرة عن أماكنها .
(7/306)

أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
{ خَاشِعَةٌ } ذليلة أو شاخصة .
(7/307)

يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)
{ الْحَافِرَةِ } الحياة بعد الموت " ع " أو الأرض المحفورة أو النار أو الرجوع إلى الحالة الأولى تكذيباً بالبعث رجع فلان على حافرته إذا رجع من حيث جاء .
(7/308)

أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11)
{ نَّخِرَةً } بالية أو عفنة أو مجوفة تدخلها الريح فتنخر أي تصوت { ناخرة } تنخر فيها الريح .
(7/309)

قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
{ خَاسِرَةٌ } ليست بكائنة لا يجيء منها شيء كالخسران أو إن بعثنا لنخسرن بالنار .
(7/310)

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
{ زَجْرَةٌ } غضبة واحدة أو نفخة واحدة تحيي جميع الخلق .
(7/311)

فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
{ بِالسَّاهِرَةِ } وجه الأرض لأنّ فيه نوم الحيوان وسهره أو اسم مكان بالشام هو الصقع الذي بين جبل أريحا وجبل حسَّان ويمده الله تعالى كيف شاء أو جبل بيت المقدس أو جهنم قاله قتادة .
(7/312)

إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)
{ بِالْوَادِ } واد بأيلة أو بفلسطين " ح " { الْمُقَدَّسِ } المبارك أو المطهر قدس مرتين " ح " { طُوىً } اسم للوادي أو لأنه مرَّ به ليلاً وطواه " ع " أو لأنه طوي بالبركة أو يعني طأ الأرض بقدمك قاله عكرمة ومجاهد .
(7/313)

فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18)
{ تَزَكَّى } تسلم أو تعمل خيراً .
(7/314)

فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)
{ الأَيَةَ الْكُبْرَى } عصاه ويده " ح " أو الجنة والنار .
(7/315)

فَحَشَرَ فَنَادَى (23)
{ فَحَشَرَ } السحرة للمعارضة ونادى جنده للمحاربة أو حشر الناس للحضور { فَنَادَى } فخطب عليهم .
(7/316)

فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)
{ نَكَالَ الأَخِرَةِ } عذاب الدنيا والآخرة ، في الدنيا بالغرق وبالنار في الآخرة أو عذاب عمره وآخره أو الأول قوله { عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِى } [ القصص : 38 ] والآخر قوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى } وكان بينهما أربعون سنة " ع " أو ثلاثون وبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة أو عذاب أول النهار وآخره بالنار { النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } [ غافر : 46 ] .
(7/317)

وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
{ وَأَغْطَشَ } أظلم { ضُحَاهَا } أخرج شمسها " ع " أو أضاء نهارها وأضاف الليل والنهار إلى السماء لأنّ منها الظلمة والضياء .
(7/318)

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)
{ بَعْدَ ذَلِكَ } مع ذلك أو خلق الأرض قبل السماء ثم دحاها بعد السماء { دَحَاهَآ } بَسَطَها " ع " ودحيت من موضع الكعبة أو من مكة أو حرثها وشقها أو سواها .
(7/319)

فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)
{ الطَّآمَّةُ } النفخة الآخرة " ح " أو الساعة طمت كل داهية أو اسم للقيامة " ع " أو سوق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار والطامة في اللغة الغاشية أو الغامرة أو الهائلة تطم كل شيء أي تغطيه .
(7/320)

وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)
{ مَقَامَ رَبِّهِ } يخافه في الدنيا عند مواقعة الذنب فيقطع أو يخاف وقوفه في الآخرة بين يديه للحاسب { وَنَهَى } زجر نفسه عن المعاصي . قيل نزلت في مصعب بن عمير .
(7/321)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)
{ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } متى منتهاها أو زمانها سألوا عنها استهزاء فنزلت .
(7/322)

فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)
{ فِيمَ أَنتَ } فيم يسألونك عنها وأنت لا تعلمها أو فيما تسأل عنها وليس لك السؤال عنها .
(7/323)

كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
{ عَشِيَّةً } ما بعد الزوال { أَوْ ضُحَاهَا } في الدنيا وهو ما قبل الزوال .
(7/324)

عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى } قطب وأعرض .
(7/325)

وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
{ يَزَّكَّى } يؤمن أو يتعبد بالأعمال الصالحة أو يحفظ ما تتلوه عليه من القرآن ويتفقَّه في الدين ، " أ " صلة تقديره يزكى ويذكر . { يَذَّكَّرُ } يتعظ أو يتفقّه كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رآه مقبلاً بسط له رداءه حتى جلس عليه إكراماً له " ع " .
(7/326)

كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)
{ إِنَّهَا } هذه السورة أو القرآن .
(7/327)

فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)
{ فَمَن شَآءَ } الله تعالى ألهمه الذكر أو من شاء أن يتذكر بالقرآن أذكره الله .
(7/328)

فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
{ مُّكَرَّمَةٍ } عند الله تعالى أو في الدين لما فيها من العلم أو لأنه نزل بها كرام الحفظة .
(7/329)

مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
{ مَّرْفُوعَةٍ } في السماء أو في قدرها وشرفها { مُّطَهَّرَةٍ } من الدنس أو الشرك أو من أن تنزل على المشركين أو لا يسمها إلا المطهرون .
(7/330)

بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
{ سَفَرَةٍ } الملائكة لأنهم سفرة بين الله تعالى ورسله ، سفر بين القوم : إذا بلَّغ أو القراء لأنهم يقرؤون الأسفار أو الكتبة " ع " ، سفر سفراً إذا كتب قيل للكتاب سفر وللكاتب سافر من تبيين الشيء وإيضاحه منه إسفار الصبح : وضوحه ، وسفرت المرأة : كشفت نقابها .
(7/331)

كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
{ كِرَامٍ } على الله تعالى أو عن المعاصي أو يتكرمون على من باشر زوجته بالستر عليه دفاعاً عنه وصيانة له { بَرَرَةٍ } مطيعين أو صادقين واصلين أو متّقين مطهرين .
(7/332)

قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)
{ قُتِلَ } عذب أو لعن { الإِنسَانُ } كل كافر أو أمية بن خلف أو عتبة بن أبي لهب حين قال كفرت برب النجم إذا هوى فقال الرسول صلى الله عليه سلم " اللهمّ سلّط عليه كلبك " فأخذه الأسد في طريق الشام . { مَآ أَكْفَرَهُ } ما أشدّ كفره أو أي شيء أكفره على جهة الاستفهام أو ما ألعنه .
(7/333)

ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
{ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ } خروجه من بطن أمه أو سبيل السعادة والشقاوة أو الهدى والضلالة .
(7/334)

ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
{ فَأَقْبَرَهُ } جعل له من يقبره أو جعله ذا قبر يدفن فيه .
(7/335)

كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
{ لَمَّا يَقْضِ } لا يفعل الكافر ما أمرته من الطاعة والإيمان أو عامة في المؤمن والكافر أو لا يقضي أحد أبداً كل ما فرض عليه .
(7/336)

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)
{ طَعَامِهِ } الذي يحيى به من أي شيء هو أو ما يخرج منه أي شيء كان ثم كيف صار بعد حفظ الحياة ونمو الجسد .
(7/337)

ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)
{ شَقَقْنَا الأَرْضَ } للنبات .
(7/338)

وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)
{ وَقَضْباً } القت والعلف لأنه يقضب ظهوره .
(7/339)

وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)
{ وَحَدَآئِقَ } ما التف واجتمع " ع " أو نبت الشجر كله أو ما أحيط عليه من النخل والشجر وما لم يحط فليس بحديقة { غُلْباً } نخلاً كراماً " ح " أو شجراً طوالاً غلاظاً والأغلب الغليظ .
(7/340)

وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
{ وَأَبّاً } مرعى البهائم " ع " أو كل ما نبت على وجه الأرض أو كل نبات سوى الفاكهة والثمار الرطبة أو التبن خاصة أو يابس الفاكهة وهذا مثل ضرب لقدرته على البعث .
(7/341)

فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
{ الصَّآخَّةُ } النفخة الثانية يصيخ الخلائق لاستماعها أو اسم للقيامة لإصاخة الخلق إليها من الفزع " ع " .
(7/342)

يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
{ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } الآية لما بينهم من التبعات أو حتى لا يروا عذابه أو لاشتغاله بنفسه .
(7/343)

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
{ مُّسْفِرَةٌ } مشرقة أو فرحة .
(7/344)

تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
{ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } تغشاها شدّة وذلّة " ع " أو خزي أو سواد أو غبار أو كسوف الوجه ، القترة : ما ارتفعت إلى السماء والغبرة ما انحطت إلى الأرض .
(7/345)

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
{ كُوِّرَتْ } ذهب نورها " ع " أو غُوِّرت أو اضمحلت أو نكست أو جمعت فألقيت ومنه كارة الثياب لجمعها .
(7/346)

وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)
{ انكَدَرَتْ } تناثرت أو تساقطت أو تغيرت " ع " سميت نجوماً لظهورها في السماء .
(7/347)

وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
{ سُيِّرَتْ } ذهبت عن أماكنها فسويت بالأرض كما خلقت أول مرة وليس عليها جبل ولا فيها واد .
(7/348)

وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)
{ الْعِشَارُ } جمع عشراء وهي الناقة إذا صار لحمها عشرة أشهر وكانت أنفس أموالهم عندهم { عُطِّلَتْ } لم تحلب ولم تُصَر أو أهملت لاشتغالهم بأنفسهم من شدّة خوفهم .
(7/349)

وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
{ حُشِرَتْ } جمعت أو اختلطت فصارت بين الناس أو حشرت للقيامة ليقتص للجماء من القرناء أو حشرها موتها " ع " .
(7/350)

وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)
{ سُجِّرَتْ } فاضت أو يبست أو أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها فامتلأت أو فجرت فصارت بحراً واحداً أو سيرت كما تسير الجبال أو احمر ماؤها من قولهم عين سجراء أي حمراء أو أوقدت فاشتعلت ناراً " ع " أو جعل ماؤها شارباً يعذب به أهل النار .
(7/351)

وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
{ زُوِّجَتْ } أي حشر أهل الخير مع أهل الخير إلى الجنة وأهل الشرّ مع أهل الشر إلى النار أو يزوج رجال أهل الجنة بنسائها ورجال أهل النار بنسائها أو زوجت الأرواح بالرد إلى الأجساد فصارت زوجاً لها أو قرن كل غاوٍ بمن أغواه من شيطان أو إنسان .
(7/352)

وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)
{ الْمَوْءُدَةُ } المدفونة حية خوف سبيها واسترقاقها أو خشية الفقر وكان أشرافهم لا يفعلون ذلك سميت بذلك لموتها بثقل التراب . { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } [ البقرة : 255 ] لا يثقله . { سُئِلَتْ } لم قتلت توبيخاً للقاتل تقول لا ذنب لي وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { سألت } أي سأتل قاتلها لم قتلتني فلا يكون له عذر .
(7/353)

وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
{ الصُّحُفُ } صحائف الأعمال تطوى بالموت وتنشر في القيامة ليقفوا على ما عملوا ، فمن شدد { نُشِّرت } أراد التكرير للمبالغة في تقريع العاصي وتبشير الطائع أو تكرار ذلك من الإنسان أو الملائكة والشهداء عليه .
(7/354)

وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11)
{ كُشِطَتْ } ذهبت أو كسفت أو طويت .
(7/355)

وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
{ سُعِّرَتْ } أحميت أو أوقدت أو سعرها غضب الله تعالى من خطايا بني آدم .
(7/356)

وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)
{ أُزْلِفَتْ } قربت .
(7/357)

فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
{ بِالْخُنَّسِ } النجوم تخنس بالنهار إذا غربت أو خمسة منها زحل وعطارد والمشتري والمريخ والزهرة قاله علي رضي الله تعالى عنه خصّها بالذكر لاستقبالها الشمس أو لقطعها المجرة ، أو بقر الوحش أو الظباء .
(7/358)

الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)
{ الجواري } في سيرها { الْكُنَّسِ } الغيب مأخوذ من كناس الوحش الذي يختفي فيه أو بقر الوحش لاختفائها في كناسها ، أو الظباء .
(7/359)

وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)
{ عَسْعَسَ } أظلم أو ولى " ع " أو أقبل ، والعس : الامتلاء ومنه القدح الكبير عس لامتلائه بما فيه فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه وعلى ظلامه لاستكمال امتلائه .
(7/360)

وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)
{ وَالصُّبْحِ } طلوع الفجر أو طلوع الشمس قاله الضحاك { تَنَفَّسَ } بان إقباله أو زاد ضوءه .
(7/361)

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
{ رَسُولٍ كَرِيمٍ } جبريل عليه السلام أو النبي صلى الله عليه وسلم .
(7/362)

مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
{ مُّطَاعٍ ثَمَّ } في السماء عند الملائكة { أَمِينٍ } عند الله تعالى .
(7/363)

وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
{ وَلَقَدْ رَءَاهُ } محمد صلى الله عليه وسلم رأى ربه أو رأى جبريل عليه السلام على صورته ببصره " ع " أو بقلبه { بِالأُفُقِ } مطلع الشمس أو أقطار السماء ونواحيها وهو الأفق الشرقي أو الغربي أو نحو أجياد وهو مشرق مكة " { الْمُبِينِ } صفة للأفق أو لمن رآه " .
(7/364)

وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
{ الْغَيْبِ } القرآن { بظنين } بمتهم أن يأتي بما لم ينزل عليه " ع " أو بضعيف عن تأديته { بِضَنِينٍ } ببخيل أن يُعلِّم ما علم أو بمتهم . أن يؤدي ما لم يؤمر به .
(7/365)

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)
{ تَذْهَبُونَ } إلى أين تعدلون عن كتاب الله تعالى وطاعته أو فأي طريق أهدى من الله تعالى .
(7/366)

وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
{ وَمَا تَشَآءُونَ } الاستقامة على الحق { إِلآ أَن يَشَآءَ اللَّهُ } تعالى لكم وما تشاءون الهداية إلا أن يشاء الله تعالى إلى توفيقكم أو ما تشاءون التذكر بآية من القرآن إلاّ أن يشاء الله تعالى إنزالها عليكم ، لما نزلت { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ } قال أبو جهل ذاك إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فنزلت { وَمَا تَشَآءُونَ } الآية .
(7/367)

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)
{ انفَطَرَتْ } انشقت أو سقطت .
(7/368)

وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)
{ انتَثَرَتْ } سقطت سوداء لا ضوء لها .
(7/369)

وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)
{ فُجِّرَتْ } يبست أو خرقت فصارت بحراً واحداً وكانت سبعة أبحر أو فجّر عذبها في مالحها ومالحها في عذبها .
(7/370)

وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
{ بُعْثِرَتْ } بحثت وثورت " ع " قال الفراء فيخرج ما في بطنها من ذهب وفضة وذلك من أشراط الساعة ثم يخرج الموتى أو حركت للبعث أو بعث من فيها من الأموات .
(7/371)

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)
{ مَّا قَدَّمَتْ } من طاعة { وَأَخَّرَتْ } من حق الله تعالى " ع " أو ما عملت وما تركت أو ما قدّمت من الصدقات وما أخّرت من الميراث .
(7/372)

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
{ الإِنسَانُ } كل كافر أو أُبي بن خلف أو الأشد بن كلدة بن أسد الجمحي " ع " غره الشيطان أو جهله وحمقه قاله عمر رضي الله تعالى عنه . { الْكَرِيمِ } الذي يتجاوز ويصفح .
(7/373)

فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)
{ فِى أَىِّ صُورَةٍ } شبه أب أو أم أو خال أو عم أو من حسن أو قبح أو طول أو قصر أو ذكر أو أنثى أو فيما شاء صور الخلق { رَكَّبَكَ } حتى صرت على صورتك التي أنت عليها لا يشبهك شيء من الحيوان .
(7/374)

كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
{ بِالدِّينِ } الإسلام أو الحساب والجزاء أو العدل والقضاء .
(7/375)

وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)
{ لَحَافِظِينَ } ملائكة ، يحفظ كل إنسان ملكان ، عن يمينه كاتب الحسنات والآخر عن يساره يكتب السيئات .
(7/376)

كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)
{ كِرَاماً } على الله تعالى أو الإيمان أو لأنهما لا يفارقان ابن آدم إلا عند الغائط والجماع يعرضان عنه ويكتبان ما تكلم به .
(7/377)

إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
{ نَعِيمٍ } الجنة ، { جَحِيمٍ } النار .
(7/378)

وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)
{ وَمَا هُمْ } عن القيامة أو النار { بِغَآئِبِينَ } .
(7/379)

وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17)
{ وَمَآ أَدْرَاكَ } كرّر ذلك تعظيماً لشأنه أو الأول خطاب للفجار ترهيباً والثاني خطاب للأبرار ترغيباً .
(7/380)

يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
{ لا تَمْلِكُ } مخلوق لمخلوق نفعاً ولا ضراً { وَالأَمْرُ } والأمر في الثواب والعقاب أو العفو والانتقام لله تعالى .
(7/381)

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
{ وَيْلٌ } وادٍ في جهنم أو النار أو صديد أهلها أو الهلاك أو أشق العذاب أو النداء بالخسار والهلاك أو أصله وي لفلان أي الحرب لفلان ثم كثر استعمال الحرفين فوصلا بلام الإضافة ، والتطفيف : التقليل فالمطفف مقلل بحق صاحبه بنقصانه في كيل أو وزن أو أخذ من طف الشيء وهي جهته .
(7/382)

يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
{ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ } مقدار ثلاثمائة سنة بين يديه قياماً لفصل القضاء أو يقومون من قبورهم أو جبريل يقوم لرب العالمين .
(7/383)

كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
{ كَلآ } حقاً أو موضوع للزجر والتنبيه { سِجِّينٌ } سفال أو خسار أو تحت الأرض السابعة أو الأرض السابعة وسجين السماء : الدنيا قاله ابن أسلم أو صخرة في الأرض السابعة يجعل كتابهم تحتها أو جُب في جهنم مفتوح والفلق جب فيها مغطى مأثور أو تحت إبليس أو حجر أسود تحت الأرض يكتب فيه أرواح الكفار أو الشديد أو السِّجين فعيل من سجنته وفيه مبالغة .
(7/384)

كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)
{ مَّرْقُومٌ } مكتوب أو مختوم أو رقم أو رقم لهم بِشرِّ لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد .
(7/385)

كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
{ رَانَ } طبع أو غلب أو ورود الذنب على الذنب حتى يعمى القلب " ح " أو الصدأ يغشى القلب كالغيم الرقيق .
(7/386)

كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)
{ عِلِّيِّينَ } الجنة أو السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين أو قائمة العرش اليمنى أو في علو وصعود إلى الله تعالى " ح " أو سدرة المنتهى .
(7/387)

تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)
{ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } الطراوة والغضارة أو البياض أو عين في الجنة يتوضؤون منها ويغتسلون فتجري عليهم نضرة النعيم قاله علي رضي الله تعالى عنه .
(7/388)

يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25)
{ رَّحِيقٍ } عين في الجنة مشوب بالمسك " ح " أو شراب أبيض يختمون به شرابهم أو الخمر في قول الجمهور وهي الخمر الصافية أو أقصى الخمر وأجودها قاله الخليل أو الخالصة من الغش أو العتيقة { مَّخْتُومٍ } ممزوج أو ختم إناؤه بختم .
(7/389)

خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
{ خِتَامُهُ مِسْكٌ } مزاجه أو عاقبته يمزج بالكافور ويختم بالمسك أو طعمه وريحه مسك أو طينه مسك أو ختمه الذي يختم به إناءه مسك { فَلْيَتَنَافَسِ } فليعمل أو فليبادر " ع " أخذ التنافس من الشيء النفيس أو من الرغبة فيما تميل إليه النفوس .
(7/390)

وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
{ تَسْنِيمٍ } الماء أو عين يشربها المقربون صرفاً وتمزج لأصحاب اليمين أو عين في جنة عدن وهي دار الرحمن وأهل عدن جيرانه أو خفايا أخفاها الله تعالى لأهل الجنة لا يعرف لها مثال " ح " فأصل التسنيم في اللغة أنها عين تجري من علو إلى سفل سنام البعير : لعلوه من بدنه ومنه تسنيم القبور .
(7/391)

وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
{ فاكهين } معجبين " ع " أو فرحين أو لاهين أو ناعمين .
(7/392)

هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
{ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ } هذا سؤال المؤمنين عن الكفار حين فارقوهم أثيبوا على كفرهم أو جوزوا على ما كانوا يفعلون .
(7/393)

وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)
{ وَأَذِنَتْ } سمعت { وَحُقَّتْ } أطاعته أو حق لها أن تفعل ذلك .
(7/394)

وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)
{ مُدَّتْ } كان البيت قبل الأرض بألفي عام فمدت الأرض من تحته أو أرض القيامة وهو أشبه بالسياق تبسط فيمدها الله تعالى مد الأديم أو سويت بدك الجبال ونسف البحار .
(7/395)

وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)
{ وَأَلْقَتْ } ما في بطنها من الموتى وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء أو ألقت كنوزها ومعادنها وتخلت من جبالها وبحارها .
(7/396)

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)
{ كَادِحٌ } ساعٍ إلى ربك حتى تلاقيه أو عامل لربك عملاً تلقاه به من خير أو شر " ع " .
(7/397)

فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)
{ يَسِيراً } يجازي على الحسنات ويتجاوز له عن السيئات أو يعرف عمله ثم يتجاوز عنه مأثور أو العرض مأثور أيضاً قال الرسول صلى الله عليه سلم : " يعرض الناس ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فتطير الكتب في الأيدي فبين آخذٍ كتابه بيمينه وبين آخذٍ كتابه بشماله " .
(7/398)

وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)
{ إِلَى أَهْلِهِ } الذين أعدهم الله تعالى له في الجنة .
(7/399)

إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
{ يَحُورَ } يرجع مبعوثاً حياً .
(7/400)

فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)
{ بِالشَّفَقِ } شفق الليل الأحمر " ع " أو الشمس أو ما بقي من النهار أو النهار كله .
(7/401)

وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)
{ وَسَقَ } جمع أو جن وستر " ع " أو سائق لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مأواه أو ما عمل فيه .
(7/402)

وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)
{ اتَّسَقَ } استوى " ع " اتسق الأمر انتظم واستوى وليلة أربعة عشر هي ليلة السواء أو استدار أو اجتمع .
(7/403)

لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً } سماء بعد سماء أو حالاً بعد حال فطيماً بعد رضيع وشيخاً بعد شاب أو أمراً بعد أمر رخاء بعد شدّة وشدّة بعد رخاء وغنىً بعد فقر وفقراً بعد غنى وصحة بعد سقم وسقماً بعد صحة " ح " أو منزلة بعد منزلة يرتفع في الآخرة قوم كانوا متضعين في الدنيا ويتضع فيها قوم كانوا مرتفعين في الدنيا أو عملاً بعد عمل أو الآخرة بعد الأولى أو شدّة بعد شدّة حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء في كل حال من هذه الأحوال شدّة .
(7/404)

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)
{ يُوعُونَ } يسرون في قلوبهم أو يكتمون من أفعالهم أو يجمعون من سيئاتهم من الوعاء الذي يجمع ما فيه .
(7/405)

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
{ مَمْنُونٍ } محسوب أو منقوص أو مقطوع أو مكدر بالمن والأذى .
(7/406)

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
{ الْبُرُوجِ } النجوم أو القصور " ع " أو الخلق الحسن أو المنازل اثنا عشر برجاً منازل الشمس والقمر .
(7/407)

وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)
{ الْمَوْعُودِ } يوم القيامة وعدوا فيه بالجزاء .
(7/408)

وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)
{ وَشَاهِدٍ } يوم الجمعة { وَمَشْهُودٍ } يوم عرفة مأثور . أو الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة أو الشاهد الملائكة والمشهود الإنسان أو المشهود يوم القيامة والشاهد الله تعالى أو آدم أو عيسيى بن مريم أو محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم تسليماً كثيراً ألى يوم الدين أو الإنسان " ع " .
(7/409)

قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)
{ قُتِلَ } جواب القسم أو { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ } { الأُخْدُودِ } الشق العظيم في الأرض وجمعه أخاديد ، وهي حفائر شقت في الأرض وأوقد فيها النار وأُلقي فيها مؤمنون امتنعوا من الكفر كانوا حبشة أو نبطاً أو من بني إسرائيل أو من أهل نجران أو من أهل اليمن أو دانيال وأصحابه أو نصارى بالقسطنطينية أو نصارى باليمن قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة وكانوا نيفاً وثمانين رجلاً حرقهم في الأخدود يوسف بن شراحيل بن تبع الحميري وقيل الأخاديد ثلاثة خذ بالشام وخد بالعراق وخد باليمن فقوله { قُتِلَ } أي أُهلك المؤمنون أو لُعن الكافرون الفاعلون ، قيل صعدت النار إليهم وهم شهود عليها فأحرقتهم فذلك قوله { وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق } [ البروج : 10 ] .
(7/410)

وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)
{ شُهُودٌ } على الأخدود أو شهود على المؤمنين بالضلال .
(7/411)

إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)
{ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } يحيي ويميت أو يميت ويحيي أو يخلق ثم يبعث أو يبدىء العذاب ويعيده " ع " .
(7/412)

وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)
{ الْغَفُورُ } الساتر للعيوب أو العافي عن الذنوب . { الْوَدُودُ } المحب أو الرحيم أو الذي لا ولد له .
(7/413)

ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)
{ الْمَجِيدُ } الكريم أو العالي .
(7/414)

فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
{ مَّحْفُوظٍ } عند الله تعالى وبالرفع القرآن محفوظ من الشياطين أو من التغيير والتبديل وقيل اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه .
(7/415)

وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)
{ الطَّارِقُ } سمي النجم طارقاً لاختصاصه بالليل وكل قاصد في الليل طارق وأصل الطرق الدق ومنه المطرقة وقاصد الليل طارق لاحتياجه في وصوله إلى الدق .
(7/416)

النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)
{ الثَّاقِبُ } المضيء " ع " أو المتوهج أو المنقض أو المرتفع على النجوم كلها أو الثاقب للشياطين إذا رموا به أو الثاقب في سيره ومجراه وهو الثريا أو زُحل قاله علي رضي الله تعالى عنه .
(7/417)

إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)
{ لَّماَّ } بمعنى " إلا " أو " ما " زائدة تقديره لعليها { حَافِظٌ } من الله تعالى يحفظ رزقه وأجله أو ملائكة يكتبون عمله .
(7/418)

يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
{ الصُّلْبِ } صلب الرجل وترائبه " ح " أو صبله وترائب النساء و { وَالتَّرَآئِبِ } الصدر أو ما بين المنكبين إلى الصدر أو موضع القلادة " ع " أو أربعة أضلاع من الجانب الأسفل أو أربعة من يمنه الصدر وأربعة من يسرته حكاه الزجاج أو بين اليدين والرجلين والعينين أو عصارة القلب .
(7/419)

إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)
{ رَجْعِهِ } رد المني إلى الإحليل أو إلى الصلب أو رد الإنسان من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة أو بعثه في الآخرة أو حبس الماء في الإحليل فلا يخرج .
(7/420)

يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)
{ تُبْلَى } تظهر { السَّرَآئِرُ } كل ما أسر من خير أو شر أو إيمان أو كفر أو الصلاة والصوم وغسل الجنابة وهي أمانة الله تعالى على ابن آدم .
(7/421)

فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)
{ قُوَّةٍ } عشيرة ، والناصر : الحليف أو قوّة في بدنه { وَلا نَاصِرٍ } من غيره يمنعه من عذاب الله تعالى ولا ينصره عليه .
(7/422)

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)
{ الرَّجْعِ } المطر لرجوعه كل عام " ع " أو السحاب لرجوعه بالمطر أو الرجوع إلى ما كانت عليه أو النجوم الراجعة .
(7/423)

وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)
{ الصَّدْعِ } النبات لانصداعها عنه " ع " أو الأودية لانصداعها بها أو الطرق التي تصدعها بها أو الطرق التي تصدعها المشاة أو الحرث لأنه يصدعها .
(7/424)

إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)
{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ } وعده برجع الإنسان وابتلاء سرائره وفقده القوّة والناصر { فَصْلٌ } أي حد أو عدل أو أراد القرآن فصل حق " ح " أو فصل ليس بالهزل .
(7/425)

وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)
{ بِالْهَزْلِ } اللعب أو الباطل أو الكذب .
(7/426)

إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)
{ يَكِيدُونَ } يمكرون بالرسول صلى الله عليه وسلم في دار الندوة ليثبتوه أو ليقتلوه .
(7/427)

وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)
{ وَأَكِيدُ } في الآخرة بالنار وفي الدنيا بالسيف .
(7/428)

فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
{ رُوَيْدَاً } قريباً " ع " أو انتظاراً أو قليلاً فقتلوا ببدر ، مهل وأمهل واحد أو مهل كف عنهم وأمهل انتظر عذابهم .
(7/429)

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
{ سَبِّحِ اسْمَ } عظم ربك " ع " أراد المسمى أو نزه اسمه أن يسمى به غيره أو ارفع صوتك بذكره أو صلِّ باسم ربك بأمره أو افتتح الصلاة بذكره أو اذكره بقلبك في نيتك للصلاة .
(7/430)

الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)
{ خَلَقَ } آدم { فَسَوَّى } خلقه .
(7/431)

وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)
{ قَدَّرَ } الشقاء والسعادة وهدى الرشد والضلالة أو قدر الأرزاق والأقوات وهدى الإنس للمعاش والبهائم للرعي أو قدر الذكور والإناث وهدى الذكر لإتيان الأنثى .
(7/432)

فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)
{ غُثَآءً } ما يبس من النبات فصار هشيماً تذروه الرياح والأحوى الأسود أو الغثاء ما احتمله السيل من النبات والأحوى المتغير أو تقديره أحوى فصار غثاء والأحوى ألوان النبات الحي من أخضر وأحمر وأصفر وأبيض يعبر عن جميعه بالسواد وبه سمي سواد العراق والغثاء النبت اليابس وهذا مثل ضرب لذهاب الدنيا بعد نضارتها .
(7/433)

سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)
{ فَلا تَنسَى } لا تترك العمل .
(7/434)

إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)
{ إِلا مَا شَآءَ اللَّهُ } تعالى أن يرخص في تركه فيكون نهياً أو أخبره ألا ينسى من القرآن إلا ما شاء الله تعالى أن ينسخه فينساه أو يؤخر إنزاله فلا يقرؤه ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كان إذا نزل جبريل عليه السلام بالوحي يقرؤه خِيفة أن ينساه فنزلت . { الْجَهْرَ } ما حفظته من القرآن { وَمَا يَخْفَى } ما نسخ من حفظك أو الجهر ما عمله وما يخفى ما سيعمله " ع " أو ما أظهره وما ستره أو ما أسرَّه في يومه وما سيسره بعد يومه .
(7/435)

وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)
{ لِلْيُسْرَى } للخير أو الجنة أو الدين اليسر .
(7/436)

فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)
{ فَذَكِّرْ } بالقرآن أو بالله تعالى { إِن نَّفَعَتِ } إنْ قبلت أو ما نفعت فلا تكون " إنْ " شرطاً لأنها نافعة بكل حال .
(7/437)

الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12)
{ الْكُبْرَى } نار جهنم والصغرى نار الدنيا أو الكبرى الطبقة السفلى من جهنم وهي نار الكفار والصغرى نار الدنيا في الطبقة العليا .
(7/438)

ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)
{ لا يَمُوتُ } ولا يجد روح الحياة أو لا يستريح بالموت ولا ينتفع بالحياة .
(7/439)

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
{ تَزَكَّى } تطهر من الشرك بالإيمان " ع " أو كان عمله زاكياً نامياً أو زكاة الفطر أو زكوات الأموال كلها .
(7/440)

وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)
{ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ } بالتوحيد أو الدعاء والرغبة أو الاستغفار والتوبة أو بذكره بقلبه في صلاة خشوعاً له رجاءً وخوفاً أو يذكره بلسانه عند إحرامه بالصلاة فإنها لا تنعقد إلاّ بذكره أو يفتتح كل سورة بالبسلمة . { فَصَلَّى } الخمس " ع " أو العيد أو يتطوع بصلاة بعد زكاة .
(7/441)

بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)
{ تُؤْثِرُونَ } أيها الكفار الحياة الدنيا على الآخرة أو أيها المؤمنون تكثرون من الدنيا ولا تكثرون من الثواب .
(7/442)

وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)
{ خَيْرٌ } للمؤمن من الدنيا { وأبْقَى } للجزاء أو خير في الخير وأبقى في البقاء .
(7/443)

إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)
{ إِنَّ هَذَا } القرآن لفي الصحف " ح " أو ما قصه في هذه السورة أو أنّ الآخرة خير وأبقى .
(7/444)

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)
{ هَلْ } قد أو بمعنى الاستفهام معناه إن لم يكن أتاك فقد أتاك { الْغَاشِيَةِ } القيامة تغشى الناس بالأهوال " ع " أو النار تغشى وجوه الكفار .
(7/445)

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)
{ وُجُوهٌ } عامة في الكفار أو خاصة باليهود والنصارى { يَؤمَئِذٍ } يوم القيامة أو في النار { خَاشِعَةٌ } ذليلة بالمعاصي أو تخشع من العذاب فلا ينفعها .
(7/446)

عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)
{ عَامِلَةٌ } في الدنيا بالمعاصي أو عاملة في النار بالانتقال من عذاب إلى عذاب { نَّاصِبَةٌ } في المعاصي أو في النار .
(7/447)

تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)
{ حَامِيَةً } تحمى من ارتكاب المعاصي أو تحمي نفسها أن تطاق وأن ترام أو تحمى غضباً وغيظاً للانتقام منهم ، حمى فلان إذا غضب أو دائمة الحمى لا تنقطع ولا تنطفىء بخلاف نار الدنيا .
(7/448)

تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)
{ ءَانِيَةٍ } حاضرة أو بلغت أناها وحان شربها وأنى حرها فانتهى " ع " .
(7/449)

لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)
{ ضَرِيعٍ } شجرة كثيرة الشوك تسميها قريش الشِّبْرقِ " ع " فإذا يبس في الصيف فهو الضريع أو السلي أو الحجارة أو النوى المحرق أو ضريع بمعنى مضروع يضرعون عنده طلباً للخلاص منه .
(7/450)

فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)
{ عَالِيَةٍ } لأنها أعلى من النار أو هم في أعاليها وغرفها ليلتذوا بالارتفاع أو ليشاهدوا ما فيها من النعيم .
(7/451)

لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
{ لاغِيَةً } كلمة لغو كذب " ع " أو إثم أو شتم أو باطل أو معصية أو حلف يمين برة ولا فاجرة أو ليس في كلامهم كلمة تلغى لأنهم لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله تعالى .
(7/452)

فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)
{ مَّرْفُوعَةٍ } بعضها فوق بعض أو في أنفسهم لجلالتها وحبهم لها أو مرفوعة المكان ليلتذوا بارتفاعها أو ليشاهدوا ملكهم ونعيمهم .
(7/453)

وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)
{ مَّوْضُوعَةٌ } بين أيديهم ليلتذوا بالنظر إليها لأنها ذهب وفضة أو مستعملة على الدوام لاستدامة شربهم .
(7/454)

وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)
{ وَنَمَارِقُ } الوسائد والمرافق .
(7/455)

وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)
{ وَزَرَابِىُّ } البسط الفاخرة أو الطنافس المخملة { مَبْثُوثَةٌ } مبسوطة أو بعضها فوق بعض أو كثيرة أو متفرقة .
(7/456)

أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)
{ أَفَلا يَنظُرُونَ } ذكر هذه الآيات ليستدلوا على قدرته على البعث وعلى وحدانيته أو لما نعت ما في الجنة عجب منه الضالون فذكر لهم عجائب صنعه ليزول تعجبهم . { الإِبِلِ } السحاب والأظهر أنها من النَّعَم وخصها لأن ضروب الحيوان أربعة حلوبة وركوبة وأكولة وحمولة وقد جمعت الإبل هذه الخلال الأربع فكان الإنعام بها أعم وظهور القدرة فيها أتمّ .
(7/457)

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
{ فَذَكِّرْ } بالنعم أو عِظْ .
(7/458)

لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)
{ بمسيطر } بمسلط أو بجبار أو برب تكرههم على الإيمان .
(7/459)

إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)
{ إِلا مَن تَوَلَّى } فلست له بمذكر أو فَكِلْه إلى الله تعالى ثم أُمِر بالسيف " ح " . تولى عن الحق وكفر النعمة أو تولى عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر بالله عزّ وجلّ .
(7/460)

وَالْفَجْرِ (1)
{ وَالْفَجْرِ } انفجار الصبح من أفق المشرق ، وعبر به عن النهار كله لانه أوله " ع " أو أراد بدو النهار من كل يوم أو صلاة الصبح " ع " أو فجر يوم النحر خاصة .
(7/461)

وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
{ وَلَيَالٍ عَشْرٍ } عشر ذي الحجة " ع " . مأثور أو عشر أول المحرم أو العشر الأواخر من شهر رمضان أو العشر التي أتمّها الله تعالى لموسى .
(7/462)

وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)
{ وَالشَّفْعِ } الصلاة منها شفع ومنها وتر مأثور أو صلاة المغرب شفعها ركعتان ووترها الثالثة أو الشفع يوم النحر { وَالْوَتْرِ } يوم عرفة مأثور ، أو الشفع يوما منى والوتر ثالثهما أو الشفع عشر ذي الحجة والتوتر أيام التشريق أو الشفع الخلق الأرض والسماء والحيوان والنبات لكل شيء منه مثل ، والوتر الله لأنه لا مثيل له ، أو الخلق كله شفع ووتر أو الشفع آدم وحواء لأنه كان وتراً فشفع بها فصار شفعاً بعد وتر أو العدد لأن جمعيه شفع ووتر .
(7/463)

وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)
{ وَالَّيْلِ } ليلة القدر لسراية الرحمة فيها أو ليلة مزدلفة أو جنس الليالي { يسري } أظلم أو سار لأنه يسير بمسير الشمس والفلك فينتقل من أفق إلى أفق إذا سرى فيه أهله .
(7/464)

هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
{ حِجْرٍ } عقل " ع " أو حلم أو دين أو ستر أو علم .
(7/465)

إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)
{ إِرَمَ } هي الأرض أو دمشق أو الإسكندرية أو أمة من الأمم أو قبيلة من عاد أو إرم جد عاد أو أبوه فهو عاد بن إرم بن عَوْص بن سام بن نوح أو إرم القديمة أو الهالك ، أرم بنو فلان : هلكوا أو رمهم الله تعالى فجعلهم رميماً فلذلك سماهم إرم . { الْعِمَادِ } الطول " ع " رجل معمد إذا كان طويلاً قال قتادة كان طول أحدهم اثني عشر ذراعاً أو لأنهم كانوا أهل خيام وأعمدة ينتجعون الغيوث أو القوّة والشدّة أخذاً من قوّة الأعمدة أو البناء المحكم بالأعمدة .
(7/466)

الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)
{ لَمْ يُخْلَقْ } مثل مدينتهم ذات العماد أو مثل عاد لطولهم وشدتهم .
(7/467)

وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
{ جَابُواْ } قطعوا الصخر ونقبوه بيوتاً أو طافوا لأخذ الصخر { بالوادي } وادي القرى .
(7/468)

وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)
{ الأَوْتَادِ } الجنود سمي بذلك لكثرة جنوده " ع " أو كان يعذب الناس بأوتاد قيدها في أيديهم وأرجلهم وبذلك قتل زوجته آسية أو البنيان لكثرة بنيانه أو كانت له مظال وملاعب على أوتاد وحبال يلعب له تحتها .
(7/469)

فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
{ سَوْطَ عَذَابٍ } قسط عذاب كالعذاب بالسوط أو خلط عذاب لأنه أنواع أو وجيع من العذاب أو كل ما عذب الله تعالى به فهو سوط عذاب قال قتادة : فكان سوط عذاب هو الغرق .
(7/470)

إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
{ لَبِالْمِرْصَادِ } بالطريق أو الإنتظار .
(7/471)

وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19)
{ التُّرَاثَ } الميراث { لَّمّاً } شديداً أو جمعاً لممت الطعام أكلته جميعاً أو نسفَهُ نَسْفاً أو إذا أكل مال نفسه ألَمَّ بمال غيره فأكله ولا يبالي حلالاً كان أو حراماً .
(7/472)

وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
{ جَمّاً } كثيراً أو فاحشاً تجمعون حلاله إلى حرامه " ح " .
(7/473)

وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
{ يَتَذَكَّرُ } يتوب وكيف له بالتوبة لأنها لا تنفع في القيامة أو يتذكر ما عمل في الدنيا وقدم للآخرة . { وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } في الآخرة وإنما تنفع في الدنيا .
(7/474)

يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
{ قَدَّمْتُ } من دنياي لحياتي في الآخرة أو من حياتي في الدنيا لبقائي في الآخرة .
(7/475)

فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)
{ لا يُعَذِّبُ } بالفتح عذاب الكافر { أَحَدٌ } { لا يُعَذِّبُ } عذابَ الله تعالى غيرُ الله { أحدٌ } " ع " .
(7/476)

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
{ الْمُطْمَئِنَّةُ } المؤمنة ، " ع " أو المخبتة أو الموفية بوعد الله تعالى أو الآمنة أو الراضية أو إذا أراد الله تعالى قبض المؤمن اطمأنت نفسه إلى الله تعالى واطمأن الله تعالى إليها " ح " .
(7/477)

ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
{ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ } عند الموت في الدنيا أو إلى جسدك عند البعث في القيامة " ع " { رَاضِيَةً } عن الله تعالى وهو عنها راضٍ أو راضية بثوابه وهو راضٍ بعملها .
(7/478)

فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)
{ فِى عِبَادِى } في عبدي أو طاعتي أو مع عبادي .
(7/479)

وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
{ جَنَّتِى } رحمتي أو جنة الخلد عند الجمهور قيل نزلت في أبي بكر أو في عثمان رضي الله تعالى عنهما لما وقف بئر رومة أو في حمزة بن عبدالمطلب أو عامة في كل مؤمن .
(7/480)

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)
{ لآ أُقْسِمُ } معناه أقسم على الأصح { الْبَلَدِ } مكة أو الحرم كله .
(7/481)

وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)
{ حِلٌّ } لك ما صنعته { بِهَذَا الْبَلَدِ } من قتل وغيره " ع " أو محل غير محرم من دخولك عام الفتخح " ح " أو يستحل المشركون حرمتك وحرمة من اتبعك توبيخاً لهم .
(7/482)

وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
{ وَوَالِدٍ } آدم وما ولد أو إبراهيم وما ولد أو الوالد الذي يلد { وَمَا وَلَدَ } العاقر الذي لا يلد " ع " أو الوالد العاقر وما ولد التي تلد .
(7/483)

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
{ كَبَدٍ } انتصاب في بطن أمه وبعد ولادته ولم يخلق غيره من الحيوان منتصباً " ع " أو اعتدال بما بَيَّنه من بعده من قوله { أَلَمْ نَجْعَل } أو من نطفة ثم علقة ثم مضغة يتكبد في الخلق من تكبد الدم وهو غلظه ومنه الكبد لأنها دم غليظ أو في شدة ومكابدة حملته أمه كرهاً " ورضعته به " كرهاً أو لأنه كابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة " ح " أو كابد الشكر على السّراء والصبر على الضرّاء .
{ الإِنسَانَ } عام أو الكافر لأنه يكابد شبهات " الكفر " .
(7/484)

أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)
{ أَيَحْسَبُ } لا نقدر على بعثه أو يحسب أنه لا يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه أو لا يقدر أحد على أخذ ماله " ح " .
(7/485)

يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)
{ لُّبَداً } كثيراً أو مجتمعاً بعضه على بعض ومنه اللبد لاجتماعه قاله أبو الأشد بن الجمحي أو النضر بن الحارث .
(7/486)

أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)
{ لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } الله تعالى أو أحدٌ من الناس فيما أنفقه حيث يكذب فيما أنفقه .
(7/487)

وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
{ النَّجْدَيْنِ } سبيل الخير والشر أو الهدى والضلالة " ع " أو الشقاء والسعادة أو الثديين ليغتذي بلبنهما ، والنجد الطريق المرتفع .
(7/488)

فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
{ الْعَقَبَةَ } طريق النجاة أو جبل في جهنم أو نار دون الجسر " ح " أو الصراط يضرب على جهنم صعوداً وهبوطاً أو أن يحاسب نفسه وهواه وعدوه الشيطان .
(7/489)

فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
{ فَكُّ رَقَبَةٍ } معناه اقتحام العقبة فك رقبة أو فلم يقتحم العقبة إلا من فك رقبة أو أطعم ، وفكها تخليصها من الأسر أو عتقها من الرق وسمى الرقيق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته .
(7/490)

أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
{ مَسْغَبَةٍ } مجاعة .
(7/491)

يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)
{ مَقْرَبَةٍ } قرابة .
(7/492)

أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
{ ذَا مَتْرَبَةٍ } مطروح على الطريق لا بيت له " ع " أو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره أو ذو العيال أو المديون أو الزَّمِن أو الذي ليس له أحد أو البعيد التربة أي الغريب " ع " .
(7/493)

ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } لا يقتحم العقبة من فك أو أطعم إلا أن يكون مؤمناً . { بِالصَّبْرِ } على طاعة الله تعالى " ح " أو فرائضه أو على ما أصابهم { بِالْمَرْحَمَةِ } بالتراحم فيما بينهم وتَرَحَّمُوا الناس .
(7/494)

أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
{ الْمَيْمَنَةِ } الجنّة سُموا بذلك لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيمن أو أُوتوا كتبهم بأيمانهم أو ميامين على أنفسهم أو منزلهم عن اليمين .
(7/495)

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)
{ بِآيَاتِنَا } القرآن أو جميع دلائل الله وحججه . { الْمَشْئَمَةِ } جهنم أخذوا من شق آدم الأيسر أو أُوتوا كتبهم بشمالهم أو مشائيم على أنفسهم أو منزلهم على اليسار .
(7/496)

عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
{ مُّؤْصَدَةٌ } مطبقة " ع " أو مسدودة أو حائط لا باب له .
(7/497)

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)
{ وَضُحَاهَا } إشراقها أو انبساطها أو حرها أو النهار .
(7/498)

وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)
{ تَلاهَا } ساواها أو تبعها " ع " أول ليلة من الشهر إذا سقطت يُرى عند سقوطها أو الخامس عشر يطلع مع غروبها أو في الشهر كله يتلوها في النصف الأول وهي أمامه وفي النصف الآخر يتقدمها وهي وراءه .
(7/499)

وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3)
{ جَلاهَا } أظهرها لأن ظهور الشمس بالنهار أو أضاءها لأنه ضوأَها بالنهار على ظلمة الليل .
(7/500)

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)
{ يَغْشَاهَا } أظلم الشمس أو سَيَّرَها .
(8/1)

وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)
{ وَمَا بَنَاهَا } ومن بناها وهو الله تعالى أو وبنائها .
(8/2)

وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)
{ طَحَاهَا } بسطها أو قسمها " ع " أو خلقها .
(8/3)

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)
{ وَنَفْسٍ } آدم ومن سواها وهو الله تعالى أو كل نفس سوى خلقها وعدل خلقها أو سوى بينهم في الصحة وسوى بينهم في العذاب جميعاً .
(8/4)

فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
{ فَأَلْهَمَهَا } أعلمها أو ألزمها { فُجُورَهَا } الشقاء والسعادة أو الشر والخير " ع " أو المعصية والطاعة .
(8/5)

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
{ قَدْ أَفْلَحَ } على هذا أقسم وفيها أحد عشر قسماً { مَن زَكَّاهَا } من زكى الله تعالى نفسه " ع " أو من زكى نفسه بالطاعة { زَكَّاهَا } أصلحها أو طهرها .
(8/6)

وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
{ دَسَّاهَا } الله تعالى أو دسى نفسه أغواها وأضلها لأنه دسس نفسه في المعاصي أو أثمها أو خسرها أو كذبها " ع " أو أشقاها أو خيبها من الخير أو أخفاها وأخملها بالبخل .
(8/7)

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)
{ بِطَغْوَاهَآ } طغيانها ومعصيتها أو بأجمعها أو بعذابها وكان اسمه الطَّغْوَى .
(8/8)

فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)
{ فَدَمْدَمَ } فغضب أو فأطبق أو فدمر { فَسَوَّاهَا } سوى بينهم في الهلاك أو سوى بهم الأرض .
(8/9)

وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
{ عُقْبَاهَا } لا يخاف الله تعالى عقبى إهلاكهم " ع " أو لا يخاف عاقروها عقبى عقرها " ح " .
(8/10)

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)
{ يَغْشَى } أظلم أو ستر أو غشى الخلائق فعمهم .
(8/11)

وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
{ تَجَلَّى } أضاء أو ظهر .
(8/12)

وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)
{ وَمَا خَلَقَ } ومن خلق أقسم بنفسه { الذَّكَرَ وَالأُنثَى } آدم وحواء أو كل ذكر وأنثى .
(8/13)

إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
{ لَشَتَّى } مختلف في نفسه مؤمن وكافر وطائع وعاصٍ أو مختلف الجزاء فمعاقب ومنعَّم قيل نزلت في أبي بكر وأمية وأُبي ابني خلف لما عذبا بلالاً على إسلامه فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه منهما ببردة وعشر أواق وعتقه لله عز وجل .
(8/14)

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)
{ مَنْ أَعْطَى } أبو بكر رضي الله تعالى عنه أعطى حق الله تعالى عليه أو أعطى الله تعالى الصدق من قلبه أو أعطى من فضل ماله " ع " { وَاتَّقَى } ربه أو محارمه التي نهى عنها أو اتقى البخل .
(8/15)

وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
{ بِالْحُسْنَى } بلا إله إلا الله أو بوعد الله تعالى أو بثوابه أو بالجنة أو بالصلاة والزكاة والصوم أو بما أنعم الله عليه أو بالخلف من عطائه .
(8/16)

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
{ لِلْيُسْرَى } للخير " ع " أو للجنة .
(8/17)

وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)
{ مَن بَخِلَ } أمية وأُبي ابنا خلف بخل بماله الذي لا يبقى أو بحق الله تعالى { وَاسْتَغْنَى } عن ربه " ع " أو بماله .
(8/18)

وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)
{ بالْحُسْنَى } فيها الأقوال السبعة .
(8/19)

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
{ لِلْعُسْرَى } للشر من الله تعالى " ع " أو للنار .
(8/20)

وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)
{ تَرَدَّى } في النار أو مات .
(8/21)

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)
{ لَلْهُدَى } بيان الهدى والضلال أو بيان الحلال والحرام .
(8/22)

وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)
{ وَإِنَّ لَنَا } ملك الدنيا والآخرة أو ثوابهما .
(8/23)

فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
{ تَلَظَّى } تتغيظ أو تستطيل أو توهج .
(8/24)

لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)
{ الأَشْقَى } الشقي .
(8/25)

الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
{ كَذَّبَ } كتاب الله تعالى { وَتَوَلَّى } عن طاعته أو كذب الرسول صلى الله عليه سلم وتولى عن طاعته .
(8/26)

وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
{ وَمَا لأَحَدٍ } عند الله تعالى { مِن نِّعْمَةٍ } يجازيه بها إلا أن يفعلها { ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ } فيستحق عليها الجزاء أو ما لبلال عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه لما اشتراه وأعتقه وخلصه من العذاب نعمة سلفت جازاه بها { إِلا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى } ثوابه وعتقه " ع " .
(8/27)

وَالضُّحَى (1)
[ { وَالضُّحَى } ] أول ساعة من النهار إذا ترحَّلت الشمس أو صدر النهار أو طلوع الشمس أو ضوء النهار في اليوم كله من قولهم ضحى فلان للشمس إذا ظهر لها .
(8/28)

وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
{ سَجَى } أقبل أو أظلم " ع " أو استوى أو ذهب أو سكن الخلق فيه سجى البحر سكن .
(8/29)

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
{ مَا وَدَّعَكَ } رُمي الرسول صلى الله عليه وسلم بحجر في إصبعه فدميت فقال :
هل أنتِ إلا أُصبع دميتِ ... وفي سبيل الله ما لقيتِ
فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم فقالت له امرأة : يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت ، أو أبطأ عليه جبريل عليه السلام فجزع جزعاً شديداً فقال كفار قريش : إنا نرى ربك قد قلاك مما رأى من جزعك فنزلت ، أو أبطأ الوحي فقالوا : ودع محمداً ربُّه فنزل { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } ما قطع الوحي عندك توديعاً لك .
(8/30)

وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
{ وَللأَخِرَةُ } لما عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم ما يفتح على أمته من بعده كَفْراً بعد كَفْرٍ فَسُرَّ بذلك نزل { وَللأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ } .
(8/31)

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)
{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ } أي أجر الآخرة خير مما أعجبك في الدينا أو الذي لك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا .
(8/32)

أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)
{ يَتِيماً } لا مثل لك ولا نظير فآواك إلى نفسه وإختصك لرسالته ، درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل أو يتيماً بموت أبويك فآواك بكفالة أبي طالب لأن عبد المطلب كفله بعد أبويه ثم مات عبد الملطب فكفله أبو طالب أو جعل لك مأوى لنفسك أغناك به عن كفالة عبد المطلب .
(8/33)

وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
{ ضَآلاً فَهَدَى } لا تعرف الحق فهداك إليه أو عن النبوة فهداك إليها أو عن الهجرة فهداك إليها أو في قوم ضلال فهداك لإرشادهم أو ناسياً فأذكرك كقوله { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] أو طالباً للقبلة فهداك إليها عبر عن الطلب بالضلال لأن الضال طالب أو وجدك متحيراً في بيان ما نزل عليك فهداك إليه عبر عن التحير بالضلال لأن الحيرة تلزم الضلال أو ضائعاً في قومك فهداك إليهم أو محباً للهداية فهداك إليها ومنه { إِنَّكَ لَفِى ضَلاَلِكَ القديم } [ يوسف : 95 ] أي محبتك .
(8/34)

وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)
{ عَآئِلاً } ذا عيال فكفاك أو فقيراً فمولك أو فقيراً من الحجج والبراهين فأغناك بها أو وجدك العائل الفقير فأغناه بك .
(8/35)

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)
{ فَلا تَقْهَرْ } لا تحقر أو لا تظلم أو لا تستذل أو لا تمنعه حقه الذي في يدك أو كن لليتيم كالرب الرحيم .
(8/36)

وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
{ السَّآئِلَ } للبر إذا رددته فرده برفق ولين أو السائل عن الدين لا تغلظ عليه وأجبه برفق ولين .
(8/37)

وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
{ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } النبوة فادع أو القرآن فبلغ أو ما أصاب من خير أو شر فحدث به الثقة من إخوانك " ح " أو حدث به نفسك ندب إلى ذلك ليكون ذكرها شكراً .
(8/38)

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)
{ أَلَمْ } استفهام تقرير { نَشْرحْ لَكَ صَدْرَكَ } بإزالة همك حتى خلا لما أمرت به أو نُوسعه لما حملته فلا يضيق عنه ، وتشريح اللحم تفتيحه لتفريقه ، شرحه بالإسلام أو بأن ملأه حكمة وعلماً " ح " أو بالصبر والاحتمال .
(8/39)

وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)
و { وِزْرَكَ } غفرنا لك ذنبك أو حططنا عنك ثقلك أو حفظناك في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك جبريل عليه السلام وأنت مطهر منها .
(8/40)

الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)
{ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } كما ينقض البعير من الحمل الثقيل فيصير نقضاً . أثقل ظهره بالذنوب حتى غفرها أو بالرسالة حتى بلغها أو بالنعم حتى شكرها .
(8/41)

وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
{ وَرَفَعْنَا } ذكرك بالنبوة أو في الآخرة كما رفعناه في الدنيا أو تذكر معي إذا ذكرت قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل عليه السلام فقال : إن الله تعالى يقول أتدري كيف رفعت ذكرك قال الله تعالى أعلم قال إذا ذُكِرتُ ذُكرتَ معي " قال قتادة ورفع ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
(8/42)

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } مع اجتهاد الدنيا جزاء إلا الجنة " ح " أو مع الشدة رخاء ومع الضيق سعة ومع الشقاوة سعادة ومع الحزونة سهولة وكرره تأكيداً ومبالغة أو العسر واحد واليسر اثنان لدخول الألف واللام على العسر وحذفهما من اليسر .
(8/43)

فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
{ فَرَغْتَ } من الفرائض { فانصَبْ } في قيام الليل أو من الجهد فانصب لعبادة ربك أو من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك أو من صلاتك فانصب في دعائك .
(8/44)

وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
{ فَارْغَب } إليه في دعائك أو معونتك أو في إخلاص نيتك .
(8/45)

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } المأكولان أو التين دمشق والزيتون بيت المقدس أو التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس أو التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس أو الجبل الذي عليه التين والجبل الذي عليه الزيتون وهما جبلان : بالشام أحدهما طور تيناً والآخر طور زيتاً أو جبلان بين حلوان وهمدان حكاه ابن الأنباري أو التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء أو التين مسجد نوح عليه الصلاة والسلام الذين بني على الجودي والزيون مسجد بيت المقدس " ع " أو عبر بهما عن جميع النعم لأن التين طعام والزيتون إدام .
(8/46)

وَطُورِ سِينِينَ (2)
{ وَطُورِ } جبل بالشام أو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسلام . { سِينِينَ } الحسن بلغة الحبشة ونطقت بها العرب أو المبارك أو اسم للبحر الميت أو الشجر الذي حوله .
(8/47)

وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
{ الْبَلَدِ } مكة { الأَمِينِ } الآمن أهله من القتل والسبي لأن العرب كانت تكف عنه في الجاهلية أن تسبي فيه أحداً أو تسفك دماً أو المأمون على ما أودعه الله تعالى معالم دينه .
(8/48)

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
{ الإِنسَانَ } عام أو كلدة بن أسيد " ع " أو أبو جهل أو الوليد بن المغيرة أو عتبة وشيبة أو الرسول صلى الله عليه وسلم . { أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } أعدل خلق " ع " أو أحسن صورة أو شباب وقوة أو منتصب القامة وسائر الحيوان منكب .
(8/49)

ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
{ أَسْفَلَ سَافِلينَ } الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة أو النار يعني الكافر في الدرك الأسفل .
(8/50)

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
{ مَمْنُونٍ } منقوص أو محسوب أو مكدر بالمن والأذى " ح " أو مقطوع أو أجر بغير عمل لأن من بلغ الهرم كتب له أجر ما عجز عنه من العمل الصالح أو لا يضره ما عمل في كبره .
(8/51)

فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
{ فَمَا يُكَذِّبُكَ } أيها الإنسان بعد هذه الحجج أو ما يكذبك أيها الرسول بعدها بالدين والدين : حكم الله تعالى " ع " أو الجزاء .
(8/52)

أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
{ أَلَيْسَ اللَّهُ } تقرير لمن اعترف من الكفار بالصانع . { بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ } صنعاً وتدبيراً أو قضاءً بالحق وعدلاً بين الخلق وفيه محذوف وتقديره " فلم ينكرون مع هذه الحال البعث والجزاء " .
وكان علي رضي الله تعالى عنه إذا قرأها يقول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين .
(8/53)

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
{ بِاسْمِ رَبِّكَ } لما كانوا يعبدون آلهة لا تخلق ميز ربه عنهم بقوله { الَّذِى خَلَقَ } .
(8/54)

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
{ خَلَقَ الإِنسَانَ } جنس { عَلَقٍ } جمع علقة وهي قطعة دم رطب سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه فإذا جفت لم تكن علقة .
(8/55)

الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
{ عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } عام في كل كاتب أو أراد آدم عليه الصلاة والسلام لأنه أول من كتب أو إدريس وهو أول من كتب ، والقلم : لأنه يقلم كالظفر أي يقطع .
(8/56)

عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
{ مَا لَمْ يَعْلَمْ } الخط بالقلم أو كل صنعة .
(8/57)

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)
{ كَلآ } رد وتكذيب أو بمعنى " أَلاَ " { لَيَطْغَى } ليعصي أو ليبطر أو ليتجاوز قدره أو ليرتفع من منزلة إلى منزلة .
(8/58)

أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
{ اسْتَغْنَى } بماله أو عن ربه " ع " نزلت في أبي جهل .
(8/59)

إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)
{ الرُّجْعَى } المنتهى أو المرجع في القيامة .
(8/60)

أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9)
{ أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى } نزلت في أبي جهل حلف لئن رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي ليطأن رقبته وليعفرن وجهه في التراب فجاءه وهو يصلي ليطأ رقبته فأراه الله تعالى بينه وبينه خندقاً من نار وهواء وأجنحة فنكص وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً وكان في صلاة الظهر " .
(8/61)

أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11)
{ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ } الرسول صلى الله عليه وسلم مهتدياً في نفسه وأمر بطاعة ربه أو إن كان أبو جهل مهتدياً ألم يكن خيراً منه؟
(8/62)

أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)
{ كَذَّبَ } بالله تعالى { وَتَوَلَّى } عن طاعته أو بالقرآن وتولى عن الإيمان .
(8/63)

أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)
{ أَلَمْ يَعْلَم } الرسول صلى الله عليه وسلم أو أبو جهل . { بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } عمله ويسمع قوله أو يراك في صلاتك حتى نهاك أبو جهل عنها .
(8/64)

كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)
{ لَنَسْفَعاً } لنأخذن بناصيته وهو عند العرب أبلغ شيء في الإذلال والهوان أو أراد تسويد وجهه وتشويه خلقه والسفعة السواد من سفعته النار والشمس إذا غيرت وجهه وشوهته والناصية : شعر مقدم الرأس وقد يعبرون بها عن جملة الإنسان كقولهم ناصية مباركة .
(8/65)

نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)
{ كَاذِبَةٍ } في قولها { خَاطِئَةٍ } في فعلها .
(8/66)

فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
{ نَادِيَهُ } أهل ناديه والنادي : مجلس أهل الندى والجود .
(8/67)

سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)
{ الزَّبَانِيَةَ } خزنة جهنم وهم أعظم الملائكة خلقاً وأشدهم بطشاً ويطلق الزبانية على من اشتد بطشه .
(8/68)

كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
{ وَاسْجُدْ } يا محمد { وَاقْتَرِب } إلى الله تعالى أقرب ما يكون في سجوده أو أسجد يا محمد واقترب يا أبا جهل من النار قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في أبي جهل أربع وثمانون آية وفي الوليد مائة وأربع آيات وفي النظر بن الحارث اثنتان وثلاثون آية وهذه أول سورة نزلت عند الأكثرين وقد ذكر نزول جميع السور .
(8/69)

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
{ أَنزَلْنَاهُ } جبريل عليه السلام أو القرآن نزل { فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ } في شهر رمضان في ليلة مباركة من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين ليلة ونجمه جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة فكان ينزل أرسالاً على مواقع النجوم في الشهر والأيام " ع " أو ابتدأ الله تعالى بإنزاله في ليلة القدر قاله الشعبي وليلة القدر في الشهر كله أو في العشر الأواخر ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين أو السابع والعشرين " ع " أو الرابع والعشرين أو تنقل في كل عام من ليلة [ إلى ] أخرى { الْقَدْرِ } لأن الله تعالى قدر فيها [ إنزال القرآن ] أو لأنه يقدر فيها أمور السنة أو لعظم قدرها أو لعظم قدر الطاعات فيها وجزيل ثوابها .
(8/70)

وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)
{ وَمَآ أَدْرَاكَ } تضخيماً لشأنها وحثاً على العمل فيها قال الشعبي : يومها كليلها وليلها كيومها قال الضحاك لا يقدر الله تعالى فيها إلا السعادة والنعم ويقدر في غيرها البلايا والنقم وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يسميها ليلة التعظيم وليلة النصف من شعبان ليلة البراءة وليلتي العيدين ليلة الجائزة .
(8/71)

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
{ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } أو العمل فيها خير من العمل في غيرها ألف شهر أو خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر أو كان في بني إسرائيل رجل يقوم حتى يصبح ويجاهد العدو حتى يسمي فعل ذلك ألف شهر فأخبر الله تعالى أن قيامها خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر أو كان ملك سليمان عليه الصلاة والسلام خمسمائة شهر وملك ذي القرنين خمسمائة شهر فجعلت ليلة القدر خيراً من ملكهما .
(8/72)

تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
{ تَنَزَّلُ الْمَلآئِكَةُ } قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى { وَالرُّوحُ } جبريل عليه السلام أو حفظة الملائكة أو أشراف الملائكة أو جند من جند الله تعالى من غير الملائكة " ع " { بِإِذْنِ رَبِّهِم } بأمره { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } يقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من قابل .
(8/73)

سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
{ سَلامٌ } سالمة من كل شر لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها شيطان أو هي سلامة وخير وبركة أو تسلم الملائكة على المؤمنين إلى طلوع الفجر .
(8/74)

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
{ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } اليهود والنصارى ومن المشركين . { مُنفَكِّينَ } منتهين عن الكفر حتى يتبين لهم الحق أو لم يزالوا على الشك حتى يأتيهم الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أو لم يختلفوا أن الله تعالى سيبعث إليهم رسولاً حتى بُعث محمد صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فآمن بعض وكفر آخرون أو لم يكونوا ليتركوا منفكين عن حجج الله تعالى حتى تأتيهم بينة تقوم بها الحجة عليهم . { الْبَيِّنَةُ } القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بانت دلائل نبوته أو بيان الحق وظهور الحجج .
(8/75)

رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)
{ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { صُحُفاً } القرآن { مُّطَهَّرَةً } من الشرك أو لحسن الثناء والذكر .
(8/76)

فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
{ فِيهَا كُتُبٌ } الله تعالى المستقيمة التي جاء القرآن بتصديقها وذكرها أو فروض الله تعالى العادلة .
(8/77)

وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
{ وَمَا تَفَرَّقَ } اليهود والنصارى إلا من بعد ما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن .
(8/78)

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
{ مُخْلِصِينَ } مقرين له بالعبادة أو ينوون بعبادتهم وجهه أو إذا قال لا إله إلا الله قال على أثرها الحمد لله { حُنَفَآءَ } متبعين أو مستقيمين أو مخلصين أو مسلمين أو حجاجاً " ع " وقال عطية إذا اجتمع الحنيف والمسلم فالحنيف الحاج وإذا انفرد الحنيف فهو المسلم وقال سعيد بن جبير ولا تسمي العرب الحنيف إلا لمن حج واختتن أو المؤمنون بالرسل كلهم . { دِينُ الْقَيِّمَةِ } الأمة المستقيمة أو القضاء القيم " ع " أو الحساب البيّن .
(8/79)

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
{ زُلْزِلَتِ } حركت الزلزلة : شدة الحركة مكرر من زل يزل { زِلْزَالَهَا } لأنها غاية زلزالها المتوقعة أو لأنها عامة في جميع الأرض بخلاف الزلازل المعهودة وفي زلزلة في الدنيا من أشراط الساعة عند الأكثر أو زلزلة يوم القيامة .
(8/80)

وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
{ أَثْقَالَهَا } كنوزها عند من رآها من الأشراط أو من الموتى " ع " عند من رآها زلزلة القيامة أو ما عليها من جميع الأثقال .
(8/81)

وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
{ وَقَالَ الإِنسَانُ } المؤمن والكافر عند من رآها شرطاً أو الكافر عند الآخرين .
(8/82)

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
{ تُحَدِّثُ } يخلق الله تعالى فيها الكلام أو يقلبها حيواناً يتكلم أو يكون عنها بيان يقوم مقام الكلام { أَخْبَارَهَا } ما عمله العباد على ظهرها عند من رآها القيامة أو بما أخرجت من أثقالها عند الآخرين أو تخبر إذا قال الإنسان مالها بأن الدنيا قد انقضت وأن الآخرة قد أتت فيكون ذلك جواباً لسؤالهم .
(8/83)

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
{ أَوْحَى لَهَا } ألهمها فأطاعت أو قال لها أو أمرها والذي أوحاه إليها أن تخرج أثقالها أو تحدث أخبارها .
(8/84)

يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
{ يَوْمَئِذٍ } يوم القيامة { يَصْدُرُ النَّاسُ } من بين يدي الله تعالى فرقاً مختلفين بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار أو يصيرون في الدنيا عند غلبة الأهواء فرقاً مختلفين بالكفر والإيمان والإساءة والإحسان ليروا جزاء أعمالهم يوم القيامة والشتات : التفرق والاختلاف .
(8/85)

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
{ يَرَهُ } يعرفه أو يرى صحيفة عمله أو يرى جزاءه ويلقاه في الآخرة مؤمناً كان أو كافراً أو يرى المؤمن جزاء سيئاته في الدنيا وجزاء حسناته في الآخرة ويرى الكافر جزاء حسناته في الدنيا وجزاء سيئاته في الآخرة قاله طاووس قيل نزلت في ناس من أهل المدينة كانوا لا يتورعون من الصغائر كالنظرة والغمزة والغيبة واللمسة قائلين إنما أوعدنا الله تعالى على الكبائر وفي ناس استقلوا إعطاء الكسرة والتمرة والجوزة قائلين إنما نؤجر على ما نعطيه ونحن نحبه ونزلت والرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يتغديان فقاما وأمسكا من شدة حزنهما .
(8/86)

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
{ وَالْعَادِيَاتِ } الخيل في الجهاد " ع " أو الإبل في الحج قاله علي وابن مسعود رضي الله عنهما قال الشاعر :
فلا والعاديات غداة جمع ... بأيديها إذا سطع الغبار
من العَدْو وهو تباعد الأرجل في سرعة المشي { ضَبْحاً } حمحمة الخيل عند العَدْو أو شدة النفس عند سير الإبل قيل لا يضج بالحمحمة في العَدْو إلا الفرس والكلب وضج الإبل تنفسها أو ضجها بقول سابقها أح أح " ع " .
(8/87)

فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)
{ فَالْمُورِيَاتِ } الخيل توري النار بحوافرها إذا جرت أو نيران المجاهدين إذا اشتعلت فأكثرت إرهاباً " ع " أو تهيج الحرب بينهم وبين عدوهم أو مكر الرجال في الحرب أو نيران الحجيج بمزدلفة أو الألسن إذا أقيمت بها الحجج وظهرت الدلائل فاتضح الحق قاله عكرمة .
(8/88)

فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)
{ فَالْمُغِيرَاتِ } الخيل تغير على العدو { صُبْحاً } أي علانية تشبيهاً بظهور الصبح " ع " أي الإبل حين تغدوا صبحاً من مزدلفة إلى منى .
(8/89)

فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)
{ نَقْعاً } غباراً أو النقع ما بين مزدلفة إلى منى أو بطن الوادي ولعله يرجع إلى الغبار المثار في هذا الموضع .
(8/90)

فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
{ جَمْعاً } جمع العدو حين يلتقي الزحف " ع " أو المزدلفة تسمى جمعاً لاجتماع الناس فيها وإثارة النقع في الدفع منها إلى منى قاله مكحول .
(8/91)

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
{ لَكَنُودٌ } كنود قيل الذي يكفر اليسير ولا يشكر الكثير أو اللوام لربه يذكر المصائب وينسى النعم أو جاحد الحق قيل إنها سميت كندة لأنها جحدت أباها أو العاصي بلسان كندة وحضرموت أو البخيل بلسان مالك بن كنانة أو الذي ينفق نعم الله في معاصيه أو الذي يضرب عبده ويأكل وحده ويمنع رِفده قيل نزلت في الوليد بن المغيرة .
(8/92)

وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
{ وَإِنَّهُ } وإن الله تعالى شاهد على كفر الإنسان أو الإنسان شاهد على أنه كنود .
(8/93)

وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
{ الْخَيْرِ } الدنيا أو المال " ع " { لَشَدِيدٌ } لحب الخير أي زائد أو لشحيح بحق الله تعالى في المال " ح " فلان شديد أي شحيح .
(8/94)

أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)
{ بُعْثِرَ } أخرج من فيها من الأموات أو قلب أو بحث .
(8/95)

وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)
{ وَحُصِّلَ } ميز أو استخرج أو كشف .
(8/96)

الْقَارِعَةُ (1)
{ الْقَارِعَةُ } العذاب لأنه يقرع أهل النار أو القيامة لقرعها بأهوالها .
(8/97)

مَا الْقَارِعَةُ (2)
{ مَا الْقَارِعَةُ } تفخيماً لشأنها .
(8/98)

يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)
{ كَالْفَرَاشِ } الهمج الطائر من بعوض وغيره ومنه الجراد أو طير يتساقط في النار شبه تهافت الكفار في النار بتهافت الفراش فيها { الْمَبْثُوثِ } المبسوط أو المتفرق أو الذي يجول بعضه في بعض .
(8/99)

وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
{ كَالْعِهْنِ } الصوف ذو الألوان شبهها في ضعفها وخفتها بالصوف المنفوش .
(8/100)

فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)
{ مَوَازِينُهُ } ميزان ذو كفتين توزن به الحسنات والسيئات أو الحساب أو الحجج والدلائل ، والموازين : جمع ميزان أو موزون .
(8/101)

فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
{ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } معيشة من المعاش مرضية وهي الجنة أو في نعيم دائم من العيش .
(8/102)

فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)
{ هَاوِيَةٌ } جهنم جعلها أُمّاً لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه سميت هاوية لبعد قعرها وهويه فيها أو أم رأسه هاوية في النار .
(8/103)

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
{ أَلهَاكُمُ } أنساكم أو شغلكم عن طاعة الله وعبادته { التَّكَاثُرُ } بالمال والأولاد أو التفاخر بالقبائل في العشائر أو بالمعاش والتجارة .
(8/104)

حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
{ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } صرتم فيها زواراً ترجعون كرجوع الزائر إلى الجنة أو نار أو تفاخرت بنو سَهْم وبنو عبد مناف أنهم أكثر عدداً فكثرت بنو عبد مناف فقال بنو سَهْم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فَعُدّوا الأحياء والأموات فَعَدُّهم فكثرت بنو سَهْم فنزلت { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } يعني بالعدد { حَتَّى زُرْتُمُ } أي ذكرتم الموتى في المقابر .
(8/105)

كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
{ كَلا } حقاً أو بمعنى " أَلاَ " { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } تهديد ووعيد .
(8/106)

كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
{ لَوْ تَعْلَمُونَ } الآن من البعث والجزاء ما ستعلمونه بعد الموت { عِلْمَ الْيَقِينِ } علم الموت الذي هو يقين لا يعترضه شك أو ما تعلمونه يقيناً بعد الموت من البعث والجزاء قاله ابن جريج .
(8/107)

لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
{ لَتَرَوُنَّ } أيها الكفار أو عام لأن المؤمن يمر على صراطها .
(8/108)

ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
{ عَيْنَ الْيَقِينِ } المشاهدة والعيان أو بمعنى الحق اليقين .
(8/109)

ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
{ النَّعِيمِ } الأمن والصحة أو الصحة والفراغ أو الإدراك بحواس السمع والبصر " ع " أو ملاذ المأكول والمشروب أو الغداء والعشاء " ح " أو ما أنعم عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم أو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن أو شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم فيسأل الكافر تقريعاً والمؤمن تبشيراً بما جمع له من نعيم الدارين .
(8/110)

وَالْعَصْرِ (1)
{ وَالْعَصْرِ } الدهر أو العشي ما بين الزوال إلى الغروب أو صلاة العصر .
(8/111)

إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
{ الإِنسَانَ } جنس { خُسْرٍ } هلاك أو شر أو نقص أو عقوبة .
(8/112)

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
{ بِالْحَقِّ } بالله أو بالتوحيد أو القرآن { بِالصَّبْرِ } على طاعة الله تعالى أو فرائضه .
(8/113)

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
{ هُمَزَةٍ } المغتاب واللُّمزة العيَّاب أو الهمزة الذي همز الناس بيده واللمزة الذي يلمزهم بلسانه أو الهمزة الذي يهمز الذي يلمز في وجهه إذا أقبل واللمزة الذي يلمز في خلفه إذا أدبر أو الهمزة الذي يعيب الناس جهراً بيد أو لسان واللمزة الذي يعيبهم سراً بعين أو حاجب نزلت في أبي بن خلف أو جميل بن عامر أو الأخنس بن شريق أو الوليد بن المغيرة أو عامة عند الأكثرين .
(8/114)

الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
{ وَعَدَّدَهُ } أحصى عدده أو عَدَّد أنواعه أو أعده لما يكفيه من السنين أو اتخذ لماله من يرثه من أولاده .
(8/115)

يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
{ أَخْلَدَهُ } يزيد في عمره أو يمنعه من الموت .
(8/116)

كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
{ الْحُطَمَةُ } الباب السادس من أبواب جهنم أو الدرك الرابع منها أو جهنم نفسها لأنها تأكل ما ألقي فيها والحطمة الرجل الأكول أو لأنها تحطم ما فيها أي تكسره .
(8/117)

الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
{ تَطَّلِعُ } قال الرسول صلى الله عليه سلم : " إن النار تأكل أهلها حتى إذا اطعلت على أفئدتهم انتهت ثم إذا صدروا تعود " .
(8/118)

إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
{ مُّؤْصَدَةٌ } مطبقه " ح " أو مغلقة بلغة قيس أو مسدودة الجوانب لا يفتح منها جانب فلا يدخلها روح ولا يخرج منها غم .
(8/119)

فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
{ عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ } موصدة بعمد ممدودة أو معذبون فيها بعمد ممددة أو العمد الممددة أغلال في أعناقهم " ع " أو قيود في أرجلهم أو في دهر ممدود .
(8/120)

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
{ أَلَمْ تَرَ } ألم تخبر أو ألم تر آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل لأنه ما رأه وولد بعده بأربعين سنة أو ثلاث وعشرين سنة أو ولد عام الفيل أو يوم الفيل وسبب قصدهم لمكة أن أبرهة بن الصباح بنى بصنعاء كنيسة وأراد صرف حج العرب إليها فسمع بذلك رجل من كنانة فخرج فأتاها ليلاً فأحدث فيها فبلغ أبرهة فحلف بالله تعالى ليهدمن الكعبة فسار إليها بالفيل . أو خرج فتية من قريش تجاراً إلى الحبشة فنزلوا على ساحل البحر على بيعة للنصارى فأوقدوا ناراً لطعامهم وتركوها وارتحلوا فهبت ريح فأحرقت البيعة فبلغ النجاشي فاستشاط غضباً فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شراحيل وأبو يكسوم الكنديون وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة وكان أبرهة صاحب جيش النجاشي وأبو يكسوم نديم أو وزير وحجر بن شراحيل من قواده فساروا بالجيش ومعهم فيل واحد عند الأكثر أو كانت ثمانية فيلة فأهلكهم الله عز وجل فرجع منهم أبرهة إلى اليمن فهلك في الطريق .
(8/121)

أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
{ كَيْدَهُمْ } لقريش بإرادة قتلهم وسبيهم وتخريب الكعبة .
(8/122)

وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
{ طَيْراً } من السماء لم ير قبلها ولا بعدها مثلها وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها بين السماء والأرض تعشش وتفرخ أو هي العنقاء المغربة التي يضرب بها الأمثال قاله عكرمة أو من طير السماء أرسلت من ناحية البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره قيل كانت سوداً خضر المناقير طوال الأعناق أو كانت أشباه الوطاويط حمراً وسوداً أو أشباه الخطاطيف وسئل أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عنها فقال حمام مكة منها . { أَبَابِيلَ } كثيرة " ح " أو متتابعة يتبع بضعها بعضاً " ع " أو متفرقة من ها هنا ومن ها هنا أو مختلفة الألوان أو جمعاً بعد جمع أو أخذت من الإبل المؤبلة وهي الأقاطيع ولا واحد للأبابيل من جنسه أو واحدة إبالة وأبول أو أبيل .
(8/123)

تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
{ سِجِّيلٍ } كلمة فارسية سنك وكل أولها حجر وآخرها طين " ع " أو الشديد أو اسم للسماء الدنيا نسب الحجارة إليها لنزولها منها أو اسم بحر في الهواء جاءت منه الحجارة وكانت كحصى الخذف أو فوق العدسة ودون الحمصة قال أبو صالح رأيت في دار أم هانىء نحو قفيز منها مخططة بحمرة كأنها الجزع ولما رمتها الطير أرسل الله تعالى ريحاً فضربتها فزادتها شدة فلم تقع على أحد إلا هلك .
(8/124)

فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
{ كَعَصْفٍ } ورق الزرع { مَّأْكُولٍ } أكلته الدود " ع " أو الطعام أو قشر الحنطة إذا أكل ما فيه أو ورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته أو العصف التبن والمأكول القصيل يجز للدواب فعل الله تعالى ذلك بهم معجزة لنبي كان في ذلك الزمان قيل هو خالد بن سنان أو توطيداً لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه ولد في عامه أو في يومه .
(8/125)

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
{ لإِيلافِ } مأخوذ من ألف يألف وهي العادة المألوفة لإيلاف نعمتي على قريش لأن نعمته إلفة لهم " ع " أو لإيلاف الله تعالى لهم لأنه آلفهم إيلافاً قاله الخليل أو يلافهم حرمي وقيامهم ببيتي " ح " أو لإيلافهم الرحلتين واللام معلقة بقوله { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ } [ الفيل : 5 ] أي ليلافهم أهلك أصحاب الفيل وكان عمر وأبي رضي الله تعالى عنهما يريانهما سورة واحدة لا يفصلان بينهما أو اللام متعلقة بقوله تعالى { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } أي لنعمتي عليهم فليعبدوا قاله أهل البصرة { قُرَيْشٍ } بنو النضر بن كنانة على المشهور أو بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وكانوا متفرقين في غير الحرم فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم فاتخذوه مسكناً قال الشاعر :
أبونا قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
فسموا قريشاً لاجتماعهم بعد الفرقة والتقريش الجمع أو كانوا تجاراً يأكلون من مكاسبهم والتقريش الكسب أو كانوا يفتشون الحاج عن ذي الخلة فيسدون خلته والقرش الفتش أو قريش اسم دابة في البحر سيمت بها قريش لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى " ع " قال الشاعر معنى ذلك :
قريش هي التي تسكن البحر ... بها سميت قريش قريشا
(8/126)

إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
{ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ } الرحلة : السفرة لما فيها من الارتحال كانوا يرتحلونهما للتجارة والكسب . والرحلتان إلى فلسطين رحلة الشتاء في البحر وأيلة طلباً للدفء ورحلة الصيف على بصرى وأذرعات طلباً للهواء أو رحلة الشتاء إلى اليمن لأنها حامية ورحلة الصيف إلى الشام لأنها باردة مَنَّ عليهم بذلك لأنهم كانوا يسافرون في العرب آمنين لكونهم أهل الحرم أو لأنهم يكسبون فيتوسعون ويصلون ويطعمون أو أراد بالرحلتين أنهم كانوا يشتون بمكة لدفاءتها ويصيفون بالطائف لهوائها " ع " قال الشاعر :
تشتوا بمكة نعمة ... ومصيفها بالطائف
وهذه نعمة جليلة فذكروا بها .
(8/127)

فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)
{ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } مَيَّز نفسه عن أوثانهم بإضافة البيت إليه أو فذكره تذكيراً لنعمه لشرفهم بالبيت على سائر العرب . { فَلْيَعْبُدُواْ } فليألفوا عبادته كما ألفوا الرحلتين أو فليعبدوه لإنعامه عليهم بالرحلتين أو فليعبدوه لأنه { أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ } الآية أو فليتركوا الرحلتين لعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف .
(8/128)

الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
{ أَطْعَمَهُم } بما أعطاهم من الأموال وساق إليهم من الأرزاق أو بإجابة دعوة إبراهيم لما قال { وارزقهم مِّنَ الثمرات } [ إبراهيم : 37 ] أو أصابهم جوع في الجاهلية فحملت إليهم الحبشة طعاماً فخافوهم فخرجوا إليه متحرزين فإذا بهم قد جلبوا لهم الطعام وأعانوهم بالأقوات . { مِّنْ خَوْفٍ } العرب أن تقتلهم أو تسبيهم تعظيماً للبيت ولما سبق من دعوة إبراهيم { اجعل هذا البلد آمِناً } [ إبراهيم : 35 ] أو من خوف الحبشة مع الفيل أو من خوف الجذام أو آمنهم أن تكون الخلافة إلا فيهم . قاله علي .
(8/129)

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
{ بِالدِّينِ } الحساب أو حكم الله " ع " أو الجزاء نزلت في العاص بن وائل أو الوليد بن المغيرة أو أبي جهل أو عمرو بن عائذ أو أبي سفيان نحر جزوراً فأتاه يتيم فسأله منها فقرعه بعصا .
(8/130)

فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
{ يَدُعُّ الْيَتِيمَ } يحقره أو يظلمه أو يدفعه دفعاً شديداً عن حقه وماله ظلماً وطمعاً فيه أو إبعاداً له وزجراً .
(8/131)

فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } فيه إضمار تقديره إن صلاها لوقتها لم يرجُ ثوابها وإن صلاها لغير وقتها لم يخش عقابها وهو المنافق " ح " أو لا إضمار فيه وتمامها بقوله { الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } { سَاهُونَ } لاهون أو غافلون أو لا يصليها سراً بل علانية " ح " أو الملتفت يمنة ويسرة في صلاته هواناً بها أو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله أو الذي يؤخرها عن مواقيتها مأثور .
(8/132)

الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
{ يُرَآءُونَ } المنافق يصلي مع الناس ولا يصلي إذا خَلاَ " ع " أو عامة في أهل الرياء .
(8/133)

وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
{ الْمَاعُونَ } الزكاة أو المعروف أو الطاعة أو المال بلسان قريش أو الماء إذا احتيج إليه ومنه المعين الماء الجاري أو ما يتعاوره الناس بينهم كالدلو والقدر والفأس وما يوقد أو الحق أو المستغل من منافع الأموال من المعن وهو القليل .
(8/134)

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
{ الْكَوْثَرَ } النبوة والقرآن أو الإسلام أو نهر في الجنة مأثور أو حوضه يوم القيامة أو كثرة أمته أو الإيثار أو رفعة الذكر وهو فوعل من الكثرة .
(8/135)

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
{ فَصَلِّ } الصبح بمزدلفة أو صلاة العيد أو اشكر ربك { وَانْحَرْ } الهدي أو الأضحية أو وأسل أو وضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة " ع " أو رفع اليدين في التكبير إلى النحر أو استقبال القبلة في الصلاة بنحره .
(8/136)

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
{ شَانِئَكَ } مبغضك أو عدوك { الأَبْتَرُ } الحقير الذليل أو الفرد الوحيد أوَ ألاَّ خير فيه حتى صار منه أبتر مأثور أو كانت قريش تقول لمن مات ذكور أولاده بتر فلان فلما مات للرسول ابنه القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالوا قد بتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده أو لما دعا قريشاً إلى الإيمان قالوا ابتتر منا محمد أي خالفنا وانقطع عنا فأخبر الله أنهم هم المبترون . نزلت في أبي لهب وأبي جهل " ع " أو العاص بن وائل .
(8/137)

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)
لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف رسول الله فقالوا يا محمد هلم فلتعبدوا ما نعبد ونعبد ما تبعدون ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه وإن كان الذي بأيدنا خيراً مما بيدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه فنزلت .
(8/138)

لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)
{ وَلآ أَنتُمْ عَابِدُونَ } يعني المعنيين الذي التمسوا ذلك فإنهم لا يعبدون الله وليس بعامة لأن في الكفار من يؤمن وإنما نزلت جواباً لأولئك { لآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } الآن { وَلآ أَنَاْ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } في المستقبل { وَلآ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } الآن { وَلآ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في المستقبل وقال ما أعبد ولم يقل من أعبد لتقابل الكلام .
(8/139)

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
{ لَكُمْ دِينُكُمْ } الكفر { وَلِىَ } الإسلام ، أو لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني تهديد معناه وكفى بجزائكم عقاباً وبجزائي ثواباً .
(8/140)

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
{ نَصْرُ } المعونة نصر الغيث الأرض أعان على نباتها ومنع قحطها يريد نصره على قريش أو على كل من قاتله من الكفار . { وَالْفَتْحُ } فتح مكة " ح " أو فتح المدائن والقصور " ع " أو ما فتح عليه من العلوم .
(8/141)

وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
{ النَّاسَ يَدْخُلُونَ } أهل اليمن أو كل من دخل في الإسلام . قال الحسن لما فتحت مكة قالت العرب بعضها لبعض لا يدان لكم هؤلاء القوم فجعلوا يدخلون في دين الله أفواجاً أمة أمة قال الضحاك : الأمة أربعون رجلاً . { أفْوَاجاً } زمراً " ع " أو قبائل قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً " .
(8/142)

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
{ فَسَبِّحْ } فَصَلِّ { وَاسْتَغْفِرْهُ } داوم ذكره " ع " أو صريح التسبح والاستغفار من الذنوب فكان يكثر بعدها أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي { تَوَّاباً } قابلا للتوبة أو متجاوزاً عن الصغائر وأمر بذلك شكراً لله على نعمته من النصر والفتح أو نعى إليه نفسه ليجتهد في العمل قال ابن عباس داعٍ من الله ووداعٍ من الدنيا فلم يلبث بعدها إلاَّ سنتين مستديماً لما أمره به من التسبيح والاستغفار أو سنة واحدة فنزل في حجة الوداع { اليوم أَكْمَلْتُ } [ المائدة : 3 ] فعاش بعدها ثمانين يوماً فنزلة آية الكلالة وهي آية الصيف فعاش بعدها خمسين يوماً " ع " فنزلت { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ } [ التوبة : 128 ] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً فنزلت : { واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 281 ] فعاش بعدها أحدا وعشرين يوماً أو سبعة أيام .
(8/143)

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
{ تَبَّتْ } خابت " ع " أو ضلت أو [ صفرت ] من كل خير أو خسرت { يَدَآ } عبر بيديه عن نفسه { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [ الحج : 10 ] أو عن عمله لأن العمل يكون بهما في الأغلب { أَبِى لَهَبٍ } كنوه بذلك لحسنه وتلهب وجنتيه وذكره الله تعالى بكنيته لأنها أشهر من اسمه أو عدل عن اسمه لأنه كان اسمه عبد العزى أو لأن الاسم أشرف من الكنية لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره وكذلك دعا الله تعالى أنبياءه بأسمائهم { وَتَبَّ } تأكيد للأول أو قد تب أو تبت يداه بما منعه الله من أذى رسوله صلى الله عليه وسلم وتب بماله عند الله تعالى من العقاب أو تب ولد أبي لهب ، تبت يداه عن التوحيد " ع " أو من الخيرات .
(8/144)

مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
{ مَآ أَغْنَى } ما دفع أو ما نفع { مَالُهُ } غنمه كان صاحب سائمة أو " تليدة أو طارفة " { وَمَا كَسَبَ } عمله الخبيب أو ولده " ع " قال الرسول صلى الله عليه وسلم " أولادكم من كسبكم " وكان ابنه عتبة مبالغاً في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم وقال كفرت بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى وتفل في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " فأكله الذئب . فلم يغن عنه ماله وكسبه في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في دفع النار يوم القيامة .
(8/145)

سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
{ سَيَصْلَى } سين الوعيد أو بمعنى سوف يصلى يكون صلىً لها حطباً لها ووقوداً أو تصليه النار أي تنضجه " ع " { لَهَبٍ } ارتفاع أو قوة واشتعال وهذه صفة مضارعة لكنيته وعده الله تعالى بأنه يدخل النار بكفرة أو يموت على كفره فكان كما أخبر .
(8/146)

وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
{ وَامْرَأَتُهُ } أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } تحتطب الشوك فتلقيه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً " ع " أو كانت تعير الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقر [ وكانت تحطب فعيّرت بأنها كانت تحطب أو ] لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى به أو لأنها كانت تمشي بالنميمة وسمي النمام حمالاً للحطب لأنه يشعل العداوة كما يشعل الحطب النار أو جعل ما حملته من الإثم في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم كالحطب في مصيره إلى النار فيكون عذاباً .
(8/147)

فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
{ فِى جِيدِهَا } يوم القيامة . جيدها : عنقها { حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً سميت مسداً لأنها ممسودة أي مفتولة أو حبل من ليف المقل أو قلادة من ودع على وجه التعيير لها أو حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها " ح " فعيرت بذلك أو قلاده جوهر فاخر قالت لأنفقنها في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو عبر بذلك عن خذلانها كالمربوطة عن الإيمان بحبل من مسد ولما نزلت أقبلت تولول وبيدها فِهْر وهي تقول :
مذمماً أبينا ... ودينه قلينا
وأمره عصينا ... والرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه في المسجد فقال يا رسول الله إني أخاف أن تراك فقال إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به فلم تره فقالت لأبي بكر رضي الله تعالى عنه إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفاني الله تعالى شرها " فعثرت في مرطها فقالت : تعس مذمم .
(8/148)

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
{ أَحَدٌ } الأحد المنفرد بصفاته فلا شبْه له ولا مثل تقديره الأحد فحذفت الألف واللام أو ليس بنكرة وإنما هو بيان وترجمة قال المبرد : الأحد والواحد سواء أو الأحد الذي لا يدخل في العدد والواحد يدخل في العدد لأنك تقول للواحد ثانياً أو الأحد يستوعب جنسه والواحد لا يستوعبه لأنك لو قلت فلان لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر فالأحد أبلغ من الواحد وسميت سورة الإخلاص لأن قراءتها خلاص من عذاب الله [ أو ] لأن فيها إخلاص الله تعالى من شريك وولد أو لانها خالصة لله تعالى ليس فيها أمر ولا نهي .
(8/149)

اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
{ الصَّمَدُ } المصمت الذي لا جوف له أو الذي لا يأكل ولا يشرب أو الباقي الذي لا يفنى أو الدائم الذي لم يزل ولا يزال أو الذي لم يلد ولم يولد أو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم .
ألا بَكَر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود [ وبالسيد ] الصمد
أو السيِّد الذي انتهى سؤدده أو الكامل الذي لا عيب فيه أو المقصود إليه في الرغائب والمستعان به في المصائب أو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد أو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
(8/150)

لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)
{ لَمْ يَلِدْ } فيكون والداً { وَلَمْ يُولَدْ } فيكون ولداً " ع " أو لم يلد فيكون في العز مشاركاً ولم يولد فيكون موروثاً هالكاً لأنهما صفتا نقص أو لأنه لا مثل له فلو ولد لكان له مثل .
(8/151)

وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
{ كُفُواً } لا مثل له ولا عديل أو لا يكافئه من خلقه أحد أو نفى عنه الصاحبة .
(8/152)

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
{ الْفَلَقِ } اسم لجهنم أو لسجن فيها " ع " أو الخلق كلهم أو فلق الصبح أو الجبال والصخور تنفلق بالمياه أو كل ما انفلق عن كل ما خلق من صبح وحيوان وصخور [ وجبال ] وحب ونوى وكل شيء من نبات وغيره وأصل الفلق الشق الواسع قيل للصبح فلق لانفلاق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين .
(8/153)

مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
{ شّرِّ مَا خَلَقَ } جهنم أو إبليس وذريته أو عام من كل شرور الدنيا والآخرة أو التعوذ من شر موجب للعقاب أو عام في كل شر .
(8/154)

وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
{ غَاسِقٍ } الشمس إذا غربت أو القمر إذا ولج في الظلام . نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القمر وقال لعائشة رضي الله تعالى عنها " تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب وهذا الغاسق إذا وقب " أو الثريا إذا سقطت لأن الأسقام والطواعين تكثر عند سقوطها وترتفع عند طلوعها أو الليل لخروج السباع والهوام فيه وينبعث أهل الشر على العبث والفساد " ع " { إِذَا وَقَبَ } أظلم " ع " أو دخل أو ذهب أصل الغسق الجريان غسقت القرحة جرى صديدها والغساق صديد أهل النار لجريانه وغسقت العين جرى دمعها بالضرر .
(8/155)

وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
{ النَّفَّاثَاتِ } السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر وربما فعل في الرقي مثل ذلك طلباً للشفاء والنفث النفخ في العقد بغير ريق والتفل النفخ فيها بريق وأثره تخييل للأذى والمرض أو يمرض ويؤذي لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله أو قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن الله تعالى به بعض عباده والأكثرون على أن الرسول صلى الله عليه وسلم سحر واستخرج وتراً فيه إحدى عشرة عقدة فأمر بحلها فكانت كلما حُلَّت عقدة وجد راحة حتى حلت العقد كلها فكأنما أنشط من عقال فنزلت المعوذتان إحدى عشرة آية بعدد العقد وأمر أن يتعوذ بهما ومنع آخرون من تأثير السحر في الرسول صلى الله عليه وسلم وإن جاز في غيره لما في استمراره من خبل العقل ولإنكار الله تعالى على من قال : { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } [ الإسراء : 47 ] .
(8/156)

وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ } من شر نفسه وعينه أن يصيب بها أو لأن حسده يحلمه على الأذى و [ الحسد ] : تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم تصر للحاسد والمنافسة تمني مثلها فالمؤمن يغبط والمنافق يحسد .
(8/157)

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
{ بِرَبِّ النَّاسِ } لما أمر بالاستعاذة من شرهم أخبر أنه هو الذي يعيذ منهم .
(8/158)

مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
{ الْوَسْوَاسِ } وسوسة الإنسان التي تحدث بها نفسه وقد تجاوز الله عنها والشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا سَهَا وغَفَل وسوس وإذا ذكر الله تعالى خنس { الْخَنَّاسِ } الشيطان لكثرة اختفائه كقوله { فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس } [ التكوير : 15 ] أي النجوم لاختفائها أو لأنه يرجع بالوسوسة عن الهدى أو يخرج بالوسوسة عن اليقين .
(8/159)

الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
{ يُوَسْوِسُ } يدعوا إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل أو يقع في النفس من أمر متوهم وأصله الصوت الخفي .
تَسْمَعُ للحَلْي وَسْوَاساً ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(8/160)

مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
( 6 ) { مِنَ الْجِنَّةِ } من وسواس الشيطان كما ذكرت { وَالنَّاسِ } وسوسة الإنسان لنفسه أو إغواء من يغويه من الناس .
والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
(8/161)