القائمة الرئيسية:
 Ø£Ù‚سام أخبار المستبصرين:
 Ø£Ù‚سام المقالات:
 Ø£Ù‚سام مكتبة الكتب:
 ÙƒØªØ§Ø¨ عشوائي:
 ØµÙˆØ±Ø© عشوائية:
 Ø§Ù„قائمة البريدية:
البريد الإلكتروني:
 Ø§Ù„مقالات
المسارالمقالات » إدانتهم من كتبهم » الإمامة » الرد على ابن حجر الهيتمي حول حديث الغدير

الرد على ابن حجر الهيتمي حول حديث الغدير

القسم: الإمامة | 2009/09/25 - 07:29 AM | المشاهدات: 3131

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
فإنني وجدت أن بعض كتاب السلفية وعلماءهم يلجئون للرد على الشيعة في احتجاجهم بحديث الغدير على إمامة وولاية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى ما كتبه ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة من رد على الشيعة بخصوص الحديث المذكور، فينقلون عنه ما كتبه بالحرف الواحد أو ملخصاً أحياناً، فعقدت العزم على أن أضع نقضاً لكلام ابن حجر هذا، فقلت مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه:

قال ابن حجر الهيتمي: ( أحدها: أنّ فرق الشيعة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدل به على الإمامة، وقد علم نفيه لما مرّ من الخلاف في صحة هذا الحديث، بل الطاعنون في صحته جماعة من أئمة الحديث وعدوله، المرجوع إليهم فيه، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم، فهذا الحديث مع كونه آحاداً مختلف في صحته، فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ما اتفقوا عليه من اشتراط التواتر في أحاديث الإمامة، ويحتجون بذلك، ما هذا إلاّ تناقض قبيح وتحكم لا يعتضد بشيء من أسباب الترجيح ) ( الصواعق المحرقة 1/107 )

أقول:
أولاً:
إنّ جلَّ أهل السنة لا يشترطون التواتر في مسائل أصول العقيدة بل يرتضون لإثباتها الخبر الواحد الصحيح، وعليه فيصح للشيعة الاحتجاج عليهم بطريق واحد لحديث الغدير صحيح عندهم.

ثانياً: إنّ دعوى البعض عدم صحة الحديث إنّما هو دفع بالصدر، هروباً من دلالته على إمامة وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأنّه ولي الأمة والإمام والخليفة القائم مقام رسول الله بعد رحيله صلى الله عليه وآله عن الدنيا، فكون البعض دفعه هواه وعصبيته العمياء إلى نكران صحته لا يعد ذلك دليلاً على عدم صحته ولا مانعاً من الاستدلال به، لأن المعتمد في كل ذلك هو النظر في طرق وأسانيد الحديث وعرضها على مباني علماء أهل السنة وقواعدهم التي وضعوها للحكم على الأحاديث صحة وضعفاً، قبولاً وردّا، ولو أنّ كل رواية طعن في صحتها واحد من العلماء ترد ولا يصح الاحتجاج بها، لما سلم من الأحاديث والروايات إلاّ القليل القليل جداً.

ثالثاً: الحق أن حديث الغدير له طرق عديدة صحيحة وأخرى حسنة، وقد حكم عليها بالصحة والحسن جمع من علماء أهل السنة من المتخصصين في الحكم على الأحاديث ومن لهم باع طويل عندهم في هذا المجال، ولم يطعن في صحته إلاّ ناصبي بغيض أو متبع لهواه أومتعصب يضرب على وتر النواصب أخزاهم الله ولعنهم.
وهذه نماذج من الطرق التي حكم عليها علماء أهل السنة بالصحة ننقلها تدليلاً على ما نقول ودحضاً لدعوى من زعم عدم صحة الحديث:
قال الحاكم النيسابوري : ( أخبرني محمد بن علي الشيباني بالكوفة، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدثنا أبو نعيم، حدثنا كامل أبو العلاء، قال: سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بروح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشدُّ حراً منه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس أنّه لم يبعث نبيٌ قط إلاّ ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده كتاب الله عز وجل، ثم قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم،[قال:] ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه)
قال الحاكم النيسابوري: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: (صحيح)، وارتضى مقبل الوادعي تصحيح الحاكم والذهبي للرواية فلم يتعقب تصحيحهما لها بشيء. ( المستدرك على الصحيحين 3/656 رواية رقم: 6351 ) .
وقال ابن حبان في صحيحه : ( أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا أبو نعيم ويحيى بن آدم، قالا: حدثنا فطربن خليفة، عن أبي الطفيل، قال: قال علي: أنشد الله كل امرىء سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم لما قام، فقام أناس فشهدوا أنّهم سمعوه يقول: ألستم تعلمون أنّي أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فإنّ هذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء، فلقيت زيد بن أرقم فذكرت ذلك له، فقال: قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك )
وإخراج ابن حبان لهذا الحديث في صحيحه يدل على أنّه صحيح عنه، وصحح الشيخ شعيب الأرنؤوط فقال: ( إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة وهو صدوق روى له البخاري حديثاً واحداً مقروناً بغيره، واحتج به أصحاب السنن) ( صحيح ابن حبان 15/375- 376 رواية رقم: 6931.
قال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي، وهو صدوق، حدثني مهاجر بن مسمار، عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول رسول الله يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب ثم قال: أيها الناس إني وليكم، قالوا: صدقت، فرفع يد علي فقال هذا وليي والمؤدي عني، وإنّ الله موالي من والاه ومعادي من عاداه)
قال ابن كثير: (قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب) (البداية والنهاية 5/212) .
فالذهبي حسّن هذه الطريق للحديث، وارتضاه ابن كثير فلم يتتبعه بشيء .
قال ابن أبي عاصم في كتابه السنة : ( حدثنا سليمان بن عبيد الله الغيلاني، حدثنا أبو عامر، حدثنا كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بحفرة الشجرة بخم وهو آخذ بيد علي فقال: ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، [قال:] وإن الله ورسوله مولياكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فإن هذا مولاه )
قال محقق الكتاب الدكتور باسم بن فيصل الجوابرة : (إسناده حسن)
ورواه من هذا الطريق الطحاوي في كتابه شرح مشكل الآثار، وقال محقق الكتاب الشيخ شعيب الأرنؤوط : (إسناده حسن) ( شرح مشكل الآثار 5/13 رواية رقم: 1760).
قال الطحاوي في شرح مشكل الآثار : (حدثنا أحمد بن شعيب، قال: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن حمّاد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن سليمان – يعني الأعمش -ØŒ قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل بغدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عزّ وجل وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ثم قال: إنّ الله عزّ وجل مولاي، وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت وليّه، فهذا وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه وسمعه بأذنيه )
ثم قال الطحاوي : ( فهذا الحديث صحيح الإسناد لا طعن لأحد في أحد من رواته)
أقول: ربما يطعن البعض في سند الرواية من جهة أنّ حبيب بن أبي ثابت مرمي عندهم بالتدليس، لكن هذا الطعن ردّه شعيب الأرنؤوط محقق الكتاب فقال : ( رجاله ثقات رجال الشيخين، إلاّ أن حبيب بن أبي ثابت مدلس وقد عنعن، لكن تابعه فطر بن خليفة عند المؤلف[1762] فالحديث صحيح ) .
(شرح مشكل الآثار 5/18-19 رواية رقم: 1765).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : (حدثنا علي بن حكيم الأودي، أنبأنا شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قالا: نشد علي النّاس في الرّحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم إلاّ قام، قال: فقام من قبل سعيد ستّة ومن قبل زيد ستة فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي رضي الله عنه يوم غدير خم : أليس الله أولى بالمؤمنين ؟ قالوا: بلى، قال: اللهم من كنت مولاه فعلي موالاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه )
قال الشيخ أحمد محمد شاكر : (إسناده صحيح) ( مسند أحمد 2/18 رواية رقم: 951) .
وقال أحمد بن حنبل: ( حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت سعيد بن وهب قال: نشد علي أناس فقام خمسة أو ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : ( إسناده صحيح ) ( مسند أحمد 5/366 رواية رقم: 23156 ) .
وقال الشيخ حمزة أحمد الزين : ( إسناده صحيح ) ( مسند أحمد 16/525 رواية رقم: 23001) .
ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 9/104 عن مسند أحمد وقال: ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) .
وفي فضائل الصحابة لابن حنبل قال: ( حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم – شعبة الشاك – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال سعيد بن جبير: وأنا قد سمعت مثل هذا عن ابن هباس، قال محمد: أظنه قال: فكتمته )
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس : (إسناده صحيح) ( فضائل الصحابة 2/703 رواية رقم: 959) .
وفي فضائل الصحابة لابن حنبل : (حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي، عن رياح الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فهذا مولاه قال: رياح فلما مضوا اتبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري )
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس: (إسناده صحيح) ( فضائل الصحابة 2/707 رواية رقم: 967) .
وفي نفس المصدر قال: (حدثنا عبد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا بن نمير، نا عبد الملك، عن أبي عبد الرحيم الكندي، عن زاذان أبي عمر قال: سمعت عليّاً في الرحبة وهو ينشد الناس من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس: ( إسناده صحيح) (فضائل الصحابة 2/724 رواية رقم: 991 ) .
وفي نفس المصدر قال: (حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعيد بن وهب، قال: نشد علي الناس، فقام خمسة أو ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه)
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس: ( إسناده صحيح) (فضائل الصحابة 2/741 رواية رقم: 1021)
وفي نفس المصدر قال: (حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي، قال حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم، قالا: نا فطر، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي الناس في الرحبة، ثم قال: انشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، قال أبو نعيم: فقام أناس كثير فشهدوا حين قال للناس أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)
قال محقق الكتاب وصي الله بن محمد عباس: ( إسناده صحيح) (فضائل الصحابة 2/849 رواية رقم: 1167) .
وفي كتاب الأحاديث المختارة لأبي طاهر الحنبلي المقدسي قال: (أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي إجازة، قال: أنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن الحارث المعلم فيما قرأت عليه من أصل سماعه، حدثكم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن سعيد الرازي إملاء، حدثنا أبو الحسن علي بن حسان بن القاسم الجديلي ببغداد، حدثنا أبو جعفر محمد بن عبدالله بن سليمان الحضرمي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا الفضل بن موسى السيناني، حدثنا الأعمش، عن سعيد بن وهب قال: قال علي رضي الله عنه: أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم الله وليي وأنا ولي المؤمنين من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، قال: فقال سعيد: فقام إلى جنبي ستة، قال: فقال زيد بن يثيع: قام من عندي ستة)
قال محقق الكتاب الشيخ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش: ( إسناده صحيح) .
(الأحاديث المختارة 2/106 رواية رقم: 481 )
وفيه أيضاً : ( أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر بأصبهان، أن محمود بن إسماعيل الصيرفي أخبرهم قراءة عليه وهو حاضر، أنا محمد بن عبد الله بن شاذان، أنا عبد الله بن محمد القباب، أنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، نا محمد بن يحيى بن عبد الكريم، نا عبد الله بن داود، نا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جده، قال: ذكر بريدة أنَّ معاوية لما نزل بذي طوى فجاء سعد فأقعده على سريره، فقال سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه)
قال محقق الكتاب الشيخ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش: ( إسناده صحيح) .
(الأحاديث المختارة 3/139 رواية رقم: 937).
ثم إن هذه الأحاديث أيضاً صحيحة عند مؤلف المختارة أبي طاهر المقدسي لأنه اشترط الصحة في كتابه، قال محقق كتاب الأحاديث المختارة في مقدمة التحقيق: ( فالمتكلمون في علوم الحديث يقسمون الحديث على مراتب ويذكرون منها كتب الصحة، أي كتب الأحاديث الصحيحة، وجميع من تكلم في مراتب الكتب ممن جاء بعد الضياء جعل المختارة من كت الصحة ) ( الأحاديث المختارة 1/18).
وقال السيوطي في تدريب الراوي 1/144 : ( ومنهم الحافظ ضياء الدين محمد بن الواحد المقدسي جمع كتاباً سمّاه المختارة التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها).
وقال ابن بدران في المدخل صفحة 466: ( ولهذا الحافظ كتاب الأحاديث المختارة وهي تصلح أن يحتج بها سوى ما في الصحيحين خرّجها من مسموعاته) .

 

بسم الله الرحمن الرحيم


وفي كتاب السنة لابن أبي عاصم قال : (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه )
قال محقق الكتاب الشيخ الدكتور باسم فيصل الجوابرة : ( إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح ) ( السنة 2/903 رواية رقم: 1388) .

وفي نفس المصدر قال: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شريك، عن حنش بن الحارث، عن رياح بن الحارث، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه )
قال المحقق المذكور : (إسناده حسن) ( السنة 2/904 رواية رقم: 1389).

وفي نفس المصدر قال : (حدثنا أبو بكر، حدثنا الفضل بن دكين، عن كامل أبي العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه)
قال المحقق الجوابرة : ( إسناده حسن ) ( السنة 2/908- 909 رواية رقم: 1398).

وفي نفس المصدر قال: (حدثنا أبو موسى، حدثنا يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه )
قال المحقق: (إسناده صحيح رجاله رجال الشيخين) ( السنة 2/909 رواية رقم: 1399).

وفي نفس المصدر قال ابن أبي عاصم : (حدثنا أبو مسعود الرازي، حدثنا عبد الرحمن بن مصعب، حدثنا فطر، عن أبي الطفيل، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم، قال: فمن كنت وليه فهذا وليه)
قال المحقق: ( إسناده حسن) ( السنة 2/910 رواية رقم: 1401 ).

وفي نفس المصدر قال ابن أبي عاصم: (حدثنا أبو مسعود، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن فطر خليفة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه ).
قال المحقق: (إسناده حسن ) ( السنة 2/911 رواية رقم: 1404 ).

وفي نفس المصدر قال ابن أبي عاصم: (حدثنا أبو مسعود، حدثنا عمرو بن عون، عن خالد، عن الحسن بن عبيد، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
قال المحقق الجوابرة: (رجاله رجال الصحيح، غير شيخ المصنف وهو ثقة، وقد توبع) (السنة 2/912 رواية رقم: 1405)

وفي مسند أحمد بن حنبل من زيادات ابنه عبد الله قال: ( حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا يونس بن أرقم، حدّثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: شهدت عليّاً رضي الله عنه في الرّحبة ينشد الناس: أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، لما قام فشهد، قال عبد الرحمن: فقام إثنا عشر بدريّاً كأني أنظر إلى أحدهم فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجي أمّهاتهم؟ فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )
قال الشيخ أحمد محمد شاكر: ( إسناده صحيح ) ( مسند أحمد 1/199- 200 رواية رقم: 961، طبعة دار المعارف بمصر) .

وقال أحمد بن حنبل في مسنده: ( حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن زيد، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، فصلّى الظهر وأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال: فقليه عمر بعدذ لك فقال: هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة )
قال الشيخ حمزة أحمد الزين : ( إسناده حسن) ( مسند أحمد 14/185 رواية رقم: 18391 طبعة دار الحديث ) .

وفي نفس المصدر قال أحمد بن حنبل: ( حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا أبو إسرائيل، عن الحكم، عن أبي سليمان، عن زيد بن أرقم قال: استشهد علي الناس فقال: أنشد الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا ).
قال الشيخ حمزة أحمد الزين: ( إسناده حسن ) ( مسند أحمد 16/536 رواية رقم: 23037، طبعة دار الحديث ).

وفي نفس المصدر قال أحمد بن حنبل: ( حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي، عن رياح بن الحارث، قال: جاء رهط إلى علي بالرّحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فإن هذا مولاه، قال رياح: فلمّا مضوا تبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري )
قال الشيخ حمزة أحمد الزين: ( إسناده صحيح) ( مسند أحمد 17/36 رواية رقم: 23453، طبعة دار الحديث ) .

ثم إن حديث الغدير صحيح معتبر عند أحمد بن حنبل لأنّه أخرجه في مسنده، وهو لم يخرج فيه إلاّ ما كان صحيحاً، وذلك لأنّه جعل روايات مسنده حجة، فقال: ( إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلاّ فليس بحجة ) ( كتاب من له رواية في مسند أحمد صفحة 9) .
( وذكر الحافظ أبو موسى المديني في كتاب فضائل مسند أحمد أن عبد الله سأل أباه عن هذا المسند فقال جعلته أصلاً للإسلام يرجعون إليه فما ليس فيه فليس بصحيح ) ( النكت على مقدمة ابن الصلاح صفحة 351) .
ومفهوم كلام أحمد بن حنبل أنّه يرى أنّ كلّ روايات مسنده صحيحة وأنّها حجة.
فهل بعد كل هذه الطرق الصحيحة والحسنة المعتبرة يصح لعاقل أن يحكم على حديث الغدير بالضعف؟ نحن نقول: أن كل من ضعّف حديث الغدير فقد اعتدى اعتداءَ صارخاً على سنة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله، واتبع هواه وعصبيته في رفضه لما هو ثابت وصحيح من أحاديثه عليه الصلاة والسلام.

رابعاً: لقد مرّ عليك أنّ ابن حجر ذكر أنّ أبا داود السجستاني وأبا حاتم الرازي قد حكما على حديث الغدير بالضعف، أما بالنسبة لتضعيف أبي حاتم الرازي فلم أهتدي إليه، ولم أجد حسب تتبعي من ذكر ذلك إلاّ ابن حجر، وأما أبو داود فقد ردّ عليه تضعيفه للحديث محمد بن جرير الطبري، قال الذهبي قال في تذكرة الحفاظ: ( ولما بلغ ابن جرير أن أبا داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل وتكلم في تصحيح الحديث، وقد رأيت مجلداً في طريق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة الطرق) (تذكرة الحفاظ 2/713).

وممن حكم على الحديث بعدم الصحة ابن حزم فردّ عليه الشيخ وصي الله بن محمد عباس فقال في تعليق له على أحد أحاديث الغدير في كتاب فضائل الصحابة لابن حنبل : ( وقال ابن حزم في المفاضلة : وأما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً.
وهذا الكلام فيه مجازفة قبيحة منه رحمه الله، فهؤلاء رجال الحديث وهم ثقات أثبات معروفون) ( فضائل الصحابة لابن حنبل 2/703 تحقيق وصي الله بن محمد عباس) .

وممن حاول تضعيف الحديث أيضاً ابن تيمية الحراني، فرد عليه الشيخ الألباني فقال في السلسلة الصحيحة (4/343-344) بعد أن أورد الحديث من طريق عشرة من الصحابة وهم زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة، وعلي بن أبي طالب، وأبو أيوب الأنصاري، والبراء بن عازب ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو هريرة قال: وللحديث طرق أخرى كثيرة ، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في المجمع (9/103-108) ، وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلاّ فهي كثيرة جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح ومنها حسان.
وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه ، بل الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية.
وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: وانصر من نصره، واخذل من خذله، ففي ثبوته عندي وقفة، لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
ومثله قول عمر لعلي: أصبحتَ وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة، لا يصح أيضاً لتفرد علي بن زيد به كما تقدم .
إذا عرفتَ هذا ، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث، وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب
وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها)

كما ردّ الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري على ابن تيمية تضعيفه للحديث، وردّ كذلك على الشيخ محمد خليل الهراس تضعيفه للحديث ورميه الشيعة واتهامه لهم بوضعه فقال في الرّد عليهما: ( تنبيه: حديث: من كنت مولاه، فعلي مولاه، حديث صحيح كما رأيت، فقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنّه كذب مخالف للقواعد الحديثية، وقد تبعه في ذلك الأستاذ محمد خليل الهراس رحمه الله في تعليقه على (التوحيد) لابن خزيمة (ص-32) فقال هكذا جازماً: الحديث غير صحيح ويشبه أن يكون من وضع الشيعة ... ) ( خصائص علي للنسائي صفحة 92 بتحقيق الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري ) .

ورد عليهما أيضاً الشيخ الداني بن منير آل زهوي فقال: ( وأما قول ابن تيمية في المنهاج 4/104 أنه كذب مخالف للقواعد الحديثية، فهو مردود عليه، وكذا قول محمد خليل هراس في تعليقه على كتاب التوحيد لابن خزيمة: الحديث غير صحيح ويشبه أن يكون من وضع الشيعة.
أقول: من تتبع طرق هذا الحديث علم أنّها صحيحة كالشمس في أغلبها ومنها الحسن والضعيف فيها قليل، والحديث صحيح لا شك في ذلك كما مر ) ( خصائص علي للنسائي صفحة 78 بتحقيق الداني بن منير آل زهوي أبو عبد الله السلفي ) .

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


ورد على ابن تيمية وابن حزم أيضاً الدكتور خلدون الأحدب أستاذ الحديث وعلومه في جامعة الملك عبد العزيز في حدّة في كتابه زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة فقال: ( وأما ميل الإمام ابن تيمية رحمه الله لتضعيف الشطر الأول من الحديث وتكذيبه للشطر الثاني فهو مردود بما تقدم ( أي مردود بما تقدم منه من أنّ الحديث بشطره الأول متواتر وبشطره الثاني صحيح من عدة طرق) ... ومن قبله قد قال الإمام ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/224 عن شطره الأول لا يصح من طريق الثقات، وهذه منه رحمه الله مجازفة ) (زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة6/45) .

خامساً: العجيب من ابن حجر الهيتمي مع أنّه يحكم بنفسه على الحديث بالصحة وأنه لا مرية في صحته، وبأن طرقه كثيرة جدّاً فيقول : (...أنه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد و طرقه كثيرة جداً، ومن ثم رواه ستة عشر صحابيّاً، وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته ولا لمن رده بأن عليّاً كان باليمن، لثبوت رجوعه منها، وإدراكه الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقول بعضهم: إن زيادة اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها ) ( الصواعق المحرقة1/106- 107 )، لكنه يبني نقضاً ليرد استدلال الشيعة بالحديث على ولاية علي عليه السلام معتمداً في هذا النقض على رأي من ادّعى عدم صحة الحديث، فهو يناقض هنا نفسه بنفسه، وأشد من هذا التناقض تصريحه بأن للحديث طرقاً كثيرة جداً ثم يزعم بعد ذلك أنه حديث آحاد، فهل رأيتم كيف يتناقضون ويتخبطون؟

فالحق ما ذكره من أن الحديث له طرق كثيرة جداً، فهي بلغت حّداً فوق حد التواتر، وصرّح بتواتره وكثرة طرقه جمع من علماء أهل السنة:
فمنهم العلامة شمس الدين الذهبي قال في تذكرة الحفاظ: (ولما بلغ ابن جرير أن أبا داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل وتكلم في تصحيح الحديث، وقد رأيت مجلداً في طريق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة الطرق) (تذكرة الحفاظ 2/713).
وفي سير أعلام النبلاء روى الذهبي أثناء ترجمته للمطلب بن زياد بسنده عنه عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: ( كنت عند جابر في بيته، وعلي بن الحسين ومحمد بن الحنفية أبو جعفر، فدخل رجل من أهل العراق فقال: أنشدك بالله إلاّ حدّثتني ما رأيت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كنّا بالجحفة بغدير خم وناس كثير من جهينة ومزينة وغفار، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خباء أو فسطاط فأشار بيده ثلاثاً، فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه )
ثم قال الذهبي : ( هذا حديث حسن عال جداً، ومتنه فمتواتر ) (سير أعلام النبلاء 7/571) .

ومنهم ابن حجر العسقلاني، قال : ( وأمّا حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ( فتح الباري 7/74) .
وقال أيضاً أثناء ترجمته للإمام أمير المؤمنين عليه السلام : ( ... قلت: لم يجاوز المؤلف ما ذكر ابن عبد البر، وفيه مقنع، ولكنه ذكر حديث الموالاة عن نفر سماهم فقط، وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلف فيه أضعاف من ذكر، وصححه واعتنى بطرقه أبو العباس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابيّاً أو أكثر ) (تهذيب التهذيب 4/213) .

ومنهم البدخشاني في كتابه مفتاح النجا ( مخطوط) قال: ( أقول : هذا حديث مشهور، نصّ الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي التركماني الفارقي ثم الدمشثي على كثير من طرقه بالصحة، وهو كثير الطرق جدّاً، وقد استوعبها الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المعروف بابن عقدة في كتاب مفرد ) .

ومنهم الملا علي القاري، فقال: ( ... وروى المحاملي في أماليه عن ابن عباس، ولفظه : علي بن أبي طالب مولى من كن مولاه، والحاصل: أنّ هذا حديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عده متواتراً، إذْ في رواية أحمد أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابيّاً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته ) ( المرقاة في شرح المشكاة8) .

ومنهم الكتاني أورده في كتابه نظم المتناثر، وهو كتاب خصصه لذكر الأحاديث المتواترة، فقال: ( من كنت مولاه فعلي مولاه، أورد فيها أيضا من حديث زيد بن أرقم وعلي وأبي أيوب الأنصاري وعمر وذي مر وأبي هريرة وطلحة وعمارة وابن عباس وبريدة وابن عمر ومالك بن الحويرث وحبشي بن جنادة وجرير وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري وأنس وجندع الأنصاري ثمانية عشر نفساً، وعن عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله وعن اثني عشر رجلاً منهم قيس بن ثابت وحبيب بن بديل بن ورقاء وعن بضعة عشر رجلا منهم يزيد أو زيد بن شراحيل الأنصاري.
قلت: ورد أيضاً من حديث البراء بن عازب وأبي الطفيل وحذيفة بن أسيد الغفاري، وجابر وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابيّاً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وممن صرح بتواتره أيضاً المناوي في التيسير نقلاً عن السيوطي وشارح المواهب اللدنية، وفي الصفوة للمناوي قال الحافظ: ابن حجر حديث من كنت مولاه فعلي مولاه خرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداٍ وقد استوعبها ابن عقدة في مؤلف مفرد وأكثر أسانيدها صحيح أو حسن) ( نظم المتناثر صفحة 194- 195 ).

ومنهم جلال الدين السيوطي وذلك في كتبين خصصهما لذكر الأحاديث المتواترة وهما: (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) وكتاب ( الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة) ونقل حكم السيوطي على حديث الغدير بالتواتر العلامة المناوي في التيسير في شرح الجامع الصغير، حيث قال في شرح الحديث : (قال: حديث متواتر ) ( التيسير في شرح الجامع الصغير 2/442).
ونقل حكم السيوطي على حديث الغدير بالتواتر العلامة العزيزي في السراج المنير في شرح الجامع الصغير فقال أثناء شرحه للحديث: ( وقال المؤلف: حديث متواتر ) ( السراج المنير 3/360) .

ومنهم العجلوني في كشف الخفاء قال: ( من كنت مولاه فعلي مولاه، رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة، عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فالحديث متواتر أو مشهور ) ( كشف الخفاء 2/361 ) .

ومنهم العلامة عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين، فقال : ( وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحو مائة نفس، وفيهم العشرة وهو حديث ثابت لا أعرف له علّة، تفرّد علي بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد) ( شرح مذاهب أهل السنة صفحة 103).

ومنهم العلامة محمد مبين اللكهنوي وهو من علماء أهل السنة في الهند، قال بعد أن ذكر بعض الأحاديث في فضائل الإمام علي عليه السلام ومنها حديث الغدير : ( وأكثر الأحاديث المذكورة في هذا الباب من المتواترات كحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وحديث أنا من علي، وعلي مني، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ... ) ( وسيلة النجاة في فضل السادات صفحة 104 ) .

ومنهم أبو القاسم الفضل بن محمد، قال ابن المغازلي الشافعي بعد أن أخرج حديث الغدير : ( قال أبو القاسم الفضل بن محمد: هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو مائة نفس منهم العشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علة تفرّد علي رضي الله عنه بهذه الفضيلة لم يشركه أحد) ( المناقب لابن المغازلي الشافعي صفحة 26) .

ومنهم ابن الجزري، قال بعد إخراجه لأحد طرق حديث الغدير: ( هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح عن وجوه كثيرة متواترة عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وهو متواتر أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم.
فقد ورد مرفوعاً عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرّحمن بن عوف، والعباس بن عبد الملطلب، وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وحبشي بن جنادة، وعبد الله بن مسعود، وعمران بن حصين، وعبد الله بن عمر، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وسعد بن زرارة، وخزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.
وصح عن جماعة ممن يحصل القطع بخبرهم، وثبت أيضاً أنّ هذا القول كان منه صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ) ( أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب صفحة 3-4 ) .

ومنهم جمال الدين المحدّث في الأربعين قال : ( الحديث الثالث عشر عن جعفر بن محمد، عن آيائه الكرام عليهم السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما كان بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، وفي رواية: اللهم أعنه وأعن به، وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به، فشاع ذلك في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له فنزل بالأبطح على ناقته وأناخها، فقال: يا محمد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصوم فقبلناه منك، ثم أمرتنا بالحج فقبلناه منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمّك تفضله علينا، فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا منك أم من الله عز وجل؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والله الذي لا إله إلاّ الله إن هذا من الله .
فولى الحارث بن النعمان وهو يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقوله محمد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله عز وجل بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله عزّ وجل : [ سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع]
أقول: أصل هذا الحديث سوى قصة الحارث تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً، رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة) ( الأربعين، مخطوط، عنه السيد الميلاني في نفحات الأزهار 6/113) .

ومنهم ضياء الدين المقبلي، قال وهو يتحدث عن الأحاديث الواردة في فضل أهل البيت عليهم السلام : ( ومن شواهد ذلك ما ورد في حق علي كرم الله وجهه في الجنة وهو على حدته متواتر معنى، ومن أوضحه معنى وأشهره رواية حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، وفي بعض رواياته زيادة: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، في بعض زيادة: وانصر من نصره واخذل من خذله، وطرقه كثيرة جداً، ولهذا ذهب بعضهم إلى أنّه متواتر فضلاً عن المعنى، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى أحمد بن حنبل والحاكم وابن أبي شيبة وابن ماجة والترمذي والنسائي وابن أبي عاصم والشيرازي وأبي نعيم وابن عقدة وابن حبان، بعضهم من رواية صحابي وبعضهم من رواية اثنين، وبعضهم أكثر من ذلك.
وذلك من حديث: ابن عباس، وبريدة بن الحضيب، والبراء بن عازب، وجرير البجلي، وجندب الأنصاري، وحبشي بن جنادة، وأبي الطفيل، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن أسيد، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن شراحيل الأنصاري، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وأبي هريرة، وطلحة، وأنس بن مالك، وعمرو بن مرة، وفي بعض روايات أحمد عن علي وثلاثة عشر رجلاً، وفي رواية له وللضياء المقدسي عن أبي أيوب وجمع من الصحابة، وفي رواية لابن أبي شيبة وفيها : اللهم وال من والاه ... الخ، عن أبي هريرة واثني عشر من الصحابة، وفي رواية أحمد والطبراني والمقدسي عن علي وزيد بن أرقم وثلاثين رجلاً من الصحابة، نعم فإن كان مثل هذا معلوماً وإلاّ فما في الدنيا معلوم) ( الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة صفحة 122 ) .

ومنهم الشيخ أحمد محمد شاكر، قال أثناء تعليقة له على أحد طرق حديث الغدير في مسند أحمد بن حنبل : ( ... وأما متن الحديث فإنّه صحيح، ورد من طرق كثيرة، ذكر المناوي في شرح الجامع الصغير في الحديث 9000 عن السيوطي أنّه قال: حديث متواتر) ( مسند أحمد بن حنبل 1/56 طبعة دار المعارف بمصر ) .

ومنهم الشيخ أبو عبد الله السلفي الداني بن منير آل زهوي قال في تعليقة له على الحديث في خصائص علي للنسائي : ( فحديث المولاة حديث صحيح ثابت بل هو متواتر كما قال الألباني في الصحيحة) ( خصائص علي هامش صفحة 78 بتحقيق الداني بن منير آل زهوي).

ومنهم الدكتور خلدون الأحدب أستاذ الحديث وعلومه في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، قال بعد أن حكم على أحد طرق الحديث بالضعف لوجود بعض الرواة الضعفاء عندهم في السند، قال: ( والشطر الأول منه من كنت مولاه فعلي مولاه، متواتر، والشطر الثاني اللهم وال من والاه وعاد من عاداه صحيح من طرق أخرى ) ( زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة 6/43).
وقال أيضاً : ( وقد بلغ عدد رواته من الصحابة أربعون صحابيّاً، وعدّه من المتواتر ابن الأثير والذهبي والسيوطي والمناوي والزرقاني والكتاني ) (زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة 6/44) .

ومنهم الدكتور عامر حسن صبري، قال: ( قلت: وأول الحديث متواتر، أعني قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وأما قوله: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه فزيادة قوية الإسناد) ( زوائد عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند صفحة 415) .

ومنهم محمد ناصر الدين الألباني، قال في سلسلته الصحيحة بعد أن ذكر الكثير من الطرق لهذا الحديث وصحح العديد منها : ( وللحديث طرق أخرى كثيرة جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في المجمع (9/103-108) وقد ذكرت وخرّجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلاّ فهي كثيرة جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح وحسان.
وجملة القول أن حديث الترجمة صحيح بشطريه، الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية ) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/343) .
ثم إن حديث الغدير متواتر أيضاً عند الشيعة من عصر النبي صلى الله عليه وآله وإلى يومنا هذا، قد تناقله العلماء والمحدثون جيلاً بعد جيل، لا يشك في تواتره إلاّ مدخول في عقله، أومبتلى بداء النصب والعياذ بالله، فالشيعة احتجوا بحديث الغدير المتواتر عند الفريقين سنة وشيعة .

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


قال ابن حجر: ( ثانيها: لا نسلّم أنّ معنى الولي ما ذكروه، بل معناه الناصر، لأنّه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والناصر والمحبوب، وهو حقيقة في كل منها، وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكم لا يعتد به وتعميمه في معانية كلّها لا يسوغ، لأنه إن كان مشتركاً لفظيّاً بأن تعدد وضعه بحسب تعدد معانيه كان فيه خلاف، والذي عليه جمهور الأصوليين وعلماء البيان واقتضاه استعمالات الفصحاء للمشترك أنه لا يعم جميع معانية) (الصواعق المحرقة 1/107).

أقول :
أولاً: تعيينه وجزمه بأن معنى المولى في حديث الغدير هو (الناصر) يناقض قوله: (وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكم لا يعتد به) فإذا كان معنى المولى مشتركاً بين معاني عديدة – كما يزعم – فكيف جزم بأنّه في خصوص حديث الغدير يراد به خصوص معنى (الناصر)ØŸ
وما هو دليله على ذلك؟
أم أنّ ذلك لا يجوز للشيعة ويجوز لغيرهم، فباء أهل السنة تجر أما باء الشيعة فلا ؟

ثانياً: إن قول الشيعة بأن المراد به الأولى بالتصرّف تدل عليه مقدمة قول النبي صلى الله عليه وآله، أعني قوله: (ألست بأولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) أو ما ورد بمعنى هذه العبارة مما ورد في بعض طرق حديث الغدير، فالنبي صلى الله عليه وآله أخذ الإقرار من ذلك الجمع من المسلمين على أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم فرّع عليه بقوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فدل ذلك على أن المراد بالمولى في قوله هذا هو نفس المعنى المراد من قوله: (ألست بأولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) وهو أنّ لعلي عليه السلام من الولاية على المسلمين كالولاية التي للنبي صلى الله عليه وآله عليهم لا فرق في ذلك أبداً، فكما أنّ النبي صلى الله عليه وآله أولى بالتصرف في أمور وشؤون المسلمين من أنفسهم فكذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام أولى بالتّصرّف في أمورهم وشؤونهم من أنفسهم.
( وأوضح القرائن المقالية على امتناع حمل لفظ المولى على غير الأولى؛ أنّه لا يجوز أن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى مخصوص ثم يعطف عليه بلفظ محتمل إلاّ ومراده المخصوص الذي ذكره وقرره دون ما عداه.
نزيده بياناً وإيضاحاً: أنّه لو قال ألستم تعرفون داري التي في موضع كذا ثم وصفها وذكر حدودها، فإذا قالوا بلى، قال اشهدوا أن داري وقف على المساكين، وكانت له دور كثيرة لم يجز أن يحتمل قوله في الدار التي وقفها إلاّ على أنّها الدار التي قررهم على معرفتها ووصفها، وكذا لو قال لهم ألستم تعرفون عبدي فلاناً ... فإذا قالوا بلى، قال لهم فاشهدوا أنّ عبدي حرٌّ لوجه الله تعالى وكان له عبيد سواه، لم يجز أن يقال إنّه أراد إلاّ عتق من قررهم على معرفته دون غيره من عبيده، وإن اشترك جميعهم في اسم العبودية، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ثبت أن مراد النبي صلى الله عليه وآله بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه، أنّه أولى به، وهو المعنى الأول الذي قدّم ذكره وقرره بقوله: ألست أولى بكل مؤمن ومؤمنة من أنفسهم؟ ولم يجز أن يصرف إلى غيره من سائر أقسام ما يحتمله، وذلك يوجب أنّ عليّاً عليه السلام أولى بكل مؤمن من نفسه بما ثبت أنّه صلى الله عليه وآله مولاهم من الحديث، ومن قوله تعالى : [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم] ) ( الصورام المهرقة صفحة 182- 183 ) .

وقد يقول قائل: أنّه عليك لكي تستدل بهذه العبارة أو ما ورد في بعض طرق حديث الغدير مما هو بمعناها أن تثبت صحة صدور ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله، فنقول في الجواب عليه: أنّ هذه العبارة أو ما بمعناها ورد من طرق صحيحة وحسنة، حكم عليها بالصحة والحسن جمع من علماء أهل السنة، وقد سبق أن نقلنا بعض الطرق لحديث الغدير مما ورد فيه هذه العبارة أو ما شبهها، ونقلنا تصحيح وتحسين العلماء من أهل السنة لهذه الطرق فلا نعيد، علماً أنني وجدت أن هذه العبارة أو ما بمعناه مروي عن أكثر من عشرة من الصحابة، فهي مستفيضة، بل على رأي بعض العلماء من هل السنة أنها متواترة، فقد اشترط بعضهم في التواتر أن يكون للحديث عشرة طرق وبعضهم أقل من ذلك .

وقد يقول قائل أيضاً: لكي تستدل بهذه العبارة عليك أن تثبت أنّ المراد منها الأولى بالتصرف، فنقول في جوابه: أن قوله صلى الله عليه وآله : ( ألست بأولى بالمؤمنين من أنفسهم ) أو (ألست أولى بكل مؤمن ومؤمنة من أنفسهم؟) أو ما بمعنى هذه العبارة منتزع من قوله تعالى: [النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم] وقد فسّر علماء أهل السنة قول الله عز وجل هذا بأن للنبي صلى الله عليه وآله على المؤمنين الولاية العامة المطلقة فهو المتصرف في أمورهم وأولى بهم في كل شيء يخصهم من أنفسهم، قال النسفي في تفسيره : ( [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم] أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ...) ( تفسير النسفي 3/297) .
وقال أبو السعود في تفسيره: ( [النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم] أي في كل أمر من أمور الدين والدنيا كما يشهد به الإطلاق، فيجب عليه أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقّه آثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها ...) ( تفسير أبو السعود 7/91) .
والنبي صلى الله عليه وآله لم تكن له هذه الولاية المطلقة العامة على المؤمنين إلاّ لأنّه نبي، فإذا ثبت أنّ هذه الولاية أعطيت لأحد غير النبي صلى الله عليه وآله من هذه الأمة، دل ذلك على أنّ من أعطيت له هذه الولاية هو القائم مقام النبي صلى الله عليه وآله في أمّته، وإذا ثبت أن عليّاً عليه السلام هو من جعلت له هذه الولاية، كان ذلك دليلاً على أن عليّاً عليه السلام هو المتولي لأمور الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لا غيره، له من الولاية على الأمة ما للنبي صلى الله عليه وآله من الولاية عليها.

ثالثاً: لا نسلّم أن لفظة (مولى) مشترك لفظي بين جميع المعاني التي ذكروا أنّ هذا اللفظ وضع من أجلها، وإنما نقول بأنّه موضوع لمعنى واحد فقط وهو الأولى، والمعاني الأخرى إنما صارت تعد من جملة معاني المولى بإضافتها إليه، أما الناصر فلأنّه اختص بالنصرة فصار أولى بها من غيره، وأما ابن العم فسمي مولى لأنه يعقل على ابن عمّه ويحوز ميراثه فكان بذلك أولى من غيره، وأمّا الجار فلأنّه أولى بالملاصقة من البعيد وأولى بالشفعة في العقار من غيره، وأما الحليف فلأنّه أولى بنصرة حليفه ممن لا حلف بينه وبينه، وأما المعتق فلأنّه أولى بنصرة معتقه من غيره، وأما المعتق فلأنّه أولى بميراثه ممن لا يعتقه، وأمّا مالك الرّق فلأنّه أولى بتدبير عبده من غيره، وأما ضامن الجريرة فلأنّه ألزم نفسه ما يلزم المعتق فكان بذلك أولى ممن لم يضمن، وأمّا السيد المطاع فلأنّه أولى بالطاعة، ونحن إنّما ادّعينا تعميم (الأولى)، لا تعميم (الأولى بالتصرف) ، فتعميمنا الأولى في كل ما ذكر له من معاني إنما هو بلحاظ إضافة هذا اللفظ إلى تلك المعاني في كل معنى بالوجه والمعنى الذي بيّناه.

قال ابن حجر: ( على أنّ كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة ولا شرعاً، أمّا الثاني فواضح، وأمّا الأول فلأنّ أحداً من أئمة العربية لم يذكر أنّ مفعلاً يأتي بمعنى أفعل، وقوله تعالى: [مأواكم النار هي مولاكم] أي مقرّكم أو ناصرتكم مبالغة في نفي النصرة كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له ) ( الصواعق المحرقة 1/108)

أقول :
أولاً: لم يذكر الشيعة في استدلالهم أن المولى وضع ابتداءً لمعنى الإمام حتى ينقض عليهم بقوله: (على أن كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة ولا شرعاً )، وإنّما قالوا بأنه وضع لمعنى الأولى بالتصرف، والأولى بالتصرّف لا يكون إلاّ النبي أو الإمام، واستعمال المولى بمعنى الأولى بالتصرف كثير في لغة العرب شائع سائغ، يقول التفتازاني: (وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف، شائع في كلام العرب منقول عن كثير من أئمة اللغة) (شرح المقاصد2/290) .
وقال السيالكوتي في حاشيته على شرح المواقف للشريف الجرجاني: (قوله: [ولأن مفعل بمعنى أفعل لم يذكره أحد] أجيب عنه بأن المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول من أئمة اللغة، قال أبو عبيدة هي مولاكم أي أولى بكم، وقال عليه السلام : أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها ) ( شرح المواقف المجلد الرابع هامش صفحة 393).

ثانياً: أما قوله : ( فلأن أحداً من أئمة اللغة لم يذكر أن مفعلاً يأتي بمعنى أفعل) فهو محض افتراء على أئمة اللغة وأهل هذا الشأن من اللغويين والمفسرين، وهذه نماذج من أقوالهم في إتيانها بالمعنى المذكور:
يقول الأنباري: ( والمولى من الأضداد، فالمولى المنعم المعتِق، والمولى المنعَم المعتَق، وله أيضاً معان ستة وسى هذين، فالمولى الأولى بالشيء، قال الله عزّ وجل: [مأواكم النار هي مولاكم] فمعناه أولى بكم، قال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه *** مولى المخافة خلفها وأمامها
معناه: أولى بالمخافة خلفها وأمامها ) ( الأضداد صفحة 46 ) .
وقال الشيخ أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي الشهير بالخطيب: ( والمولى على وجوه هو العبد والسيد وابن العم والصهر والجار والحليف والولي والأولى بالشيء ) ( شرح ديوان الحماسة صفحة 23) .
وقال الزرزوني: ( وقال ثعلب: إن المولى في هذا البيت [فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه *** مولى المخافة خلفها وأمامها] بمعنى الأولى بالشيء، كقوله تعالى: [مأواكم النار هي مولاكم] أي أولى بكم ) (شرح المعلقات السبع صفحة 102) .
وقال الجوهري: (وأمّا قول لبيد: [فغدت كلا الفرجين ... البيت] يريد: أنّه أولى موضع أن يكون فيه الخوف) ( صحاح اللغة وتاج العربية مادة: ولي) .
وقال ابن منظور: (وأمّا قول لبيد: [فغدت كلا الفرجين ... البيت] فيريد أنّه أولى موضع أن تكون فيه الحرب) ( لسان العرب 15/410 ) .
وقال محمد بن أبي بكر في غريب القرآن: ( والمولى الذي هو أولى بالشيء، ومنه قوله تعالى: [مأواكم النار هي مولاكم] أي أولى بكم، والمولى في اللغة على ثمانية أوجه: المعتق وابن العم والناصر والجار والحليف ويقال العقيد والصهر والأولى بالشيء ) (غريب القرآن، مادة: ولي) .
وقال ابن الصباغ المالكي: ( قال العلماء: لفظة المولى مستعملة بإزاء معان متعددة، وقد ورد في القرآن العظيم بها، فتارة تكون بمعنى أولى، قال الله تعالى في حق المنافقين: [مأواكم النار هي مولاكم] معناه أولى بكم) (الفصول المهمة صفحة 43) .
وقال ابن كثير في تفسيره: (قوله تعالى: [هي مولاكم] أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم) (تفسير ابن كثير 4/311) .
وقال الواحدي في تفسيره: ( [هي مولاكم] أولى بكم) (تفسير الواحدي 2/1068) .
وقال الطبري في تفسيره: ( وقوله: [هي مولاكم] يقول: أولى بكم ) (تفسير الطبري 11/680).
وقال ابن قتيبة في غريب القرآن : ( [مأواكم النار هي مولاكم] أي هي أولى بكم) (غريب القرآن صفحة 390) .
وقال أبو الفرج ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب : ([هي مولاكم] أولى بكم) (تذكرة الأريب 1/206)
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: (قوله تعالى: [هي مولاكم] قال أبو عبيدة: أي أولى بكم) (زاد المسير 8/167) .
وقال النسفي: ([هو مولاكم] هي أولى بكم، والحقيقة محراكم، أي مكانكم الذي يقال فيه أولى بكم كما يقال مئن الكرم، أي مكان لقول القائل إنه كريم ) (تفسير النسفي 4/217).
وفي تفسير الجلالين: ([هي مولاكم] أي أولى بكم) ( تفسير الجلالين صفحة 721).
وقال محيي الدين الدرويش : ( [مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير] مأواكم النار خبر مقدم ومبتدأ مؤخر أو بالعكس، وهي مبتدأ ومولاكم خبر، ومولاكم يصح أن يكون بمعنى أولى بكم) ( إعراب القرآن وبيانه 9/463- 464 ).
وقال البخاري في صحيحه عن مجاهد: ( ... [مولاكم] أي أولى بكم) (صحيح البخاري 4/1851) .

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


قال ابن حجر: (وأيضاً فالاستعمال يمنع من أنّ مفعلاً بمعنى أفعل، إذ يقال: هو أولى من كذا، دون مولى من كذا، وأولى الرجلين دون مولاهما ) ( الصواعق المحرقة 1/108 ) .

أقول: إنّ من يفسر المولى في الحديث بالأولى بالتصرف لم يرد أنّه اسم تفضيل حتى يرد عليه أنّه يقال: (هو أولى من كذا ) ولا يقال: ( هو مولى من كذا ) بل أراد التفسير بحاصل المعنى، بقرينة مقدمة الحديث، وهو قوله: (ألست بأولى بكم من أنفسكم؟) فإن هذه المقدمة تدل على أن المراد بمولاهم: الأولى بهم من أنفسهم، وهو عبارة أخرى عن الأولى بالتصرف .. وإن فسرنا المولى بمالك الأمر يكون معنى الحديث: من كنت مالك أمره لكوني أولى به من نفسه فعلي مثلي مالك أمره، كقوله صلى الله عليه وآله : ( أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها ) أي مالك أمرها .
وكيف كان فالنتيجة واحدة، وهي: أنّ عليّاً عليه السلام مالك أمر الأمّة وإمامها وأولى بها من أنفسها في التصرف كالنبي صلى الله عليه وآله .
قال سعد الدين التفتازاني: (وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن كثير من أئمة اللغة، والمراد أنّه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة اسم التفضيل وأنه لا يستعمل استعماله وينبغي أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى ليطابق صدر الحديث ) ( شرح المقاصد 2/290) .
وقال السيالكوتي في حاشيته على شرح المواقف للشريف الجرجاني: (قوله: [ولأن مفعل بمعنى أفعل لم يذكره أحد أجيب عنه بأن المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب، منقول من أئمة اللغة، قال أبو عبيدة: [هي مولاكم] أي أولى بكم، وقال عليه السلام : [أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها] أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها، ثم المراد أنّه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى، ليعترض بأنه ليس من صيغة اسم التفضيل وأنّه لا يستعمل استعماله ) (شرح المواقف 4/393)

قال ابن حجر: ( فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه، لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه، وصدَّرَهُ ألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثاً ليكون أبعث على قبولهم وكذا بالدعاء لأجل ذلك أيضاً، ويرشد لما ذكرناه حثه صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة على أهل بيته عموماً، وعلى علي خصوصاً ويرشد إليه أيضاً ما ابتدئ به هذا الحديث، ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم خطب بغدير خم تحت شجرات فقال: أيها الناس إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد إنك قد بلغت وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيرا، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق وأن ناره حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، قالوا: بلى نشهد بذلك قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً - اللهم وال من وإلاه وعاد من عاداه، ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض ) (الصواعق المحرقة 1/108- 109) .

أقول :
أولاً: قوله : (فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه ...) مجرد دعوى وتمويه لصرف دلالة الحديث عمّا هو صريح في الدلالة عليه من أولوية التصرف، لما ذكرناه من ظهور أن الأولى بالتصرف في أمور الناس من أنفسهم بعد النبي صلى الله عليه وآله هو الإمام عليه السلام.

ثانياً: قوله: (وصدَّرَهُ ألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثاً ليكون أبعث على قبولهم ...) لا دليل عليه، فالنبي صلى الله عليه وآله بلّغ المسلمين تعاليم الإسلام من معارف وأحكام وغيرها، ولم يثبت لا عندنا ولا عندهم بدليل صحيح معتبر أنّه صلى الله عليه وآله صدّر كلامه قبل تبليغ أيٍّ من تلك الأحكام والتشريعات والتعاليم الإلهية بهذه العبارة أو ما بمعناها بهدف أن يبعث مستمعيه من المسلمين على قبول قوله والعمل والالتزام بما بلّغه لهم.
نعم لم يثبت ذلك إلاّ في هذا المورد في يوم الغدير، وفي مورد آخر في حديث وجهه إلى الصحابي بريدة الأسلمي، وفي كلا الموردين فرّع عليه قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فدل ذلك على أنّه صلى الله عليه وآله أتى بهذه المقدمة ليس للسبب الذي ذكره ابن حجر بل لسبب آخر وهو للتفريع عليها، وجعل الولاية التي له على المؤمنين لأمير المؤمنين علي عليه السلام عليهم.

ثالثاً: إن حث النبي صلى الله عليه وآله في يوم غدير خم في خطبته على مودة أهل بيته ومراعاة حقوقهم والتمسك بهم والأخذ عنهم واقتفاء أثرهم وغير ذلك مما ورد في رواية الطبراني وغيرها، وكذلك ما قاله في ذلك اليوم في حق الإمام علي عليه السلام وما دعا الله به له من موالاة الله لمن والاه، ومعاداة من عاداه، ونصر من نصره، إنّما فيه دليل على أنّ قيادة الأمة من بعده صلى الله عليه وآله لعترته من أهل بيته وأولهم الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، فدلالة رواية الطبراني التي استشهد بها عليه لا له لو كان ابن حجر يفهم.

قال ابن حجر: (وأيضاً فسبب ذلك كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن إسحاق أن عليّاً تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه خطبها تنبيها على قدره وردّاً على من تكلم فيه كبريدة كما في البخاري أنه كان يبغضه وسبب ذلك ما صححه الذهبي أنه خرج معه إلى اليمن فرأى منه جفوة فنقصه للنبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتغير وجهه ويقول: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه ) (الصواعق المحرقة 1/109).

أقول:
أولاً: ينقض كلامه هذا الرواية التي رواها البيهقي في دلائل النبوة بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: ( بعث رسول الله علي بن أبي طالب إلى اليمن، قال أبو سعيد: فكنت ممن خرج معه، فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا فكنا قد رأينا في إبلنا خللاً فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين، قال: فلما فرغ علي وإنطلق من اليمن راجعاً أمَّرَ علينا إنساناً وأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي: ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم، قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه نفعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة إن قد ركبت، رأى أثر المركب فذم الذي أمره ولامه، فقلت: إنا إن شاء الله إن قدمت المدينة لأذكرنَّ لرسول الله ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق.
قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله فوقف معي ورحب بيّ وسألني وسألته، وقال: متى قدمت? قلت: قدمت ألبارحة، فرجع معي إلى رسول الله فدخل، فقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد، قال: ائذن له، فدخلت فحييت رسول الله وجاءني وسلم عليّ وسألني عن نفسي وعن أهلي فأحفى المسألة، فقلت له: يا رسول الله ما لقينا من علي من الغلظه وسوء الصحبة والتضييق، فانتبذ رسول الله وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله على فخذي وكنت منه قريباً، ثم قال: سعد بن مالك الشهيد مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبداً سراً ولا علانية) (دلائل النبوة 5/399، وقال ابن كثير في البداية والنهاية 5/106 عن إسناد رواية البيهقي هذه: وهذا إسناد جيد على شرط النسائي) .
فالذي يظهر من هذه الرواية أن الذين كانوا مع علي عليه السلام في بعثه هذا لم يشاركوا في الحج مع النبي صلى الله عليه وآله، وأنّ الذي شارك معه منهم هو الإمام علي عليه السلام فقط، وأنّ هؤلاء وصلوا المدينة بعد وصول النبي صلى الله عليه وآله إليها قادماً من حجة الوداع، ويظهر منها أنّ شكوى أبي سعيد الخدري عليّاً لرسول الله صلى الله عليه وآله كانت في المدينة وليس في مكة أثناء تواجده فيها لأداء الحج، أو في طريقه من مكة إلى المدينة، فكيف يزعم ابن حجر ومن قبله ابن الجزري بأن سبب الخطبة في يوم الغدير هو شكوى البعض - ممن كانوا مع علي في بعثه إلى اليمن - عليّاً عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وهم إنّما التقوا بالنبي صلى الله عليه وآله بعد أن وصل إلى المدينة راجعاً من حجة الوداع، والخبطة صدرت من صلى الله عليه وآله في طريق عودته من مكة إلى المدينة في منطقة الجحفة بالقرب من غدير خم، وهو بعد لمّا يصل إلى المدينة ؟

ثانياً: إن شكوى بريدة عليّاً عند النبي صلى الله عليه وآله كانت في المدينة ولم تكن في مكة أثناء تواجده فيها لأداء مناسك حجة الوداع ولا كان في طريق الذهاب إليها ولا العودة منها، وهذا ما تدل عليه رواية الطبراني في معجمه الأوسط عن بريدة الأسلمي قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعلي على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: اغتنمها فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما صنع، فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله وناس من أصحابه على بابه، فقالوا ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس فجئت لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: فأخبره فإنه يسقطه من عين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الكلام، فخرج مغضباً وقال: ما بال أقوام ينتقصون عليّاً، من ينتقص عليّاً فقد انتقصني، ومن فارق عليّاً فقد فارقني، إنَّ عليّاً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم [ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ] ، وقال: يا بريدة أما علمت أنَّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ؟ وأنّه وليكم من بعدي، فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلاّ بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديداً، قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام ) ( المعجم الأوسط 6/162- 163 رواية رقم: 6085 ) .
إلاّ إذا كانت هناك أكثر من شكوى صدرت من بريدة في حق أمير المؤمنين عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا بعيد جداً، علما أن رواية بريدة التي أوردها ابن حجر وذكر أنّ الذهبي صححها ليس فيها ما يدل على أنّ شكوى بريدة علياً لرسول الله صلى الله عليه وآله كانت في مكة أو أثناء توجهه إليها لأداء مناسك حجة الإسلام أو في الطريق أثناء رجوعه منها، حتى يمكن أن تصلح دليلاً يعتمد عليه لإثبات أن ما قاله النبي صلى الله عليه وآله يوم غدير خم في حق علي عليه السلام كان بسبب هذه الشكوى، كذلك الظاهر من ألفاظ هذه الرواية أن الخطاب فيها موجه إلى خصوص بريدة بينما الظاهر من ألفاظ حديث الغدير أنّ الخطاب فيه كان موجهاً إلى مجموع الحاضرين في ذلك الموقف وليس لخصوص بريدة.

ثالثا: حتى القول الموجه من النبي صلى الله عليه وآله إلى بريدة والذي كان بسبب شكوى بريدة عليّاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وانتقاصه له بحضرة النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام فإن فيه دلالة على إمامة وولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك لأن بريدة لما أن شكا الإمام وانتقصه أمام رسول الله صلى الله عليه وآله، خاطبه النبي بقوله: (يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) فأجابه بقوله: بلى يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: ( من كنت مولاه فعلي مولاه) فهو يقول لبريدة أنّه لا ينبغي لك أن تنتقص عليّاً أو تبغضه لأنّ عليّاً له الولاية العامة المطلقة عليك كالولاية التي لي عليك، فكما أنني أولى بالمؤمنين من أنفسهم فكذلك علي.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


رابعاً: إن السبب الذي دعا النبي صلى الله عليه وآله لأن يخطب في ذلك الجمع ويقول قوله المذكور في حق الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو أن الله سبحانه وتعالى أنزل عليه قوله : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ويأمره عن طريق الوحي بأن ينصب علياً عليه السلام ولياً وإماماً للمسلمين وخليفة من بعده ، وقد روي ذلك من طريق أهل السنة أيضاً .
فقد روى أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي في تفسيره بسند يرفعه إلى ابن عباس قال في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } ØŒ قال : نزلت في علي بن أبي طالب ØŒ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال : «Ù…Ù† كنت مولاه فعلي مولاه ØŒ اللهم وال من والاه ØŒ وعاد من عاداه» ) (تفسير الثعلبي 4/92) .
وقال العلامة السيد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله في كتابه «Ø§Ù„أربعين حديثاً» : (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم لعلي بن ابي طالب المقام الذي قام به ØŒ فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فقال : رأيت الناس حديثي عهد بكفر الجاهلية ØŒ ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه، ثم مضى حتى قضى حجه ثم رجع حتى إذا كان بغديرخم أنزل الله عزوجل { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } لأنه مقام منادى فنادى الصلاة جامعة ثم قام وأخذ بيد علي فقال : «Ù…Ù† كنت مولاه فعلي مولاه ØŒ اللهم وال من والاه ØŒ وعاد من عاداه» ) (الأربعون حديثا ( مخطوط ) عنه المرعشي في إحقاق الحق 6/348) .
وقال العلامة الآمرتسري في كتابه «Ø£Ø±Ø¬Ø­ المطالب» : ( عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } أي بلغ من فضائل علي نزلت في غدير خم ØŒ فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : «Ù…Ù† كنت مولاه فعلي مولاه»ØŒ فقال عمر : بخ بخ يا علي، أصبحت مولاي، وولي كل مؤمن ومؤمنة أخرجه أبو نعيم والثعلبي ) (أرجح المطالب صفحة 67) .
وقال العلامة علي بن شهاب الدين الهمداني في كتابه «Ù…ودة القربى» : ( روي عن البراء بن عازب قال : أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فلما كان بغديرخم نودي الصلاة جامعة ØŒ فجلس رسول الله تحت شجرة وأخذ بيد علي وقال: «Ø£Ù„ست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا : بلى يا رسول الله ØŒ فقال : «Ø£Ù„ا من أنا مولاه فعلي مولاه ØŒ اللهم وال من والاه ØŒ وعاد من عاداه» ØŒ فلقاه عمر فقال : هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب ØŒ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ØŒ وفيه أنزلت : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } ... ) (مودة القربى صفحة 55) .
وأخرج الحاكم الحسكاني في كتابه «Ø´ÙˆØ§Ù‡Ø¯ التنزيل» قال : ( أخبرنا السيد أبوالحسن محمد بن علي بن الحسين الحسني صلى الله عليه وآله وسلم قراءة ØŒ قال : أخبرنا أبوالحسن محمد بن محمد بن علي الأنصاري بطوس، قال : حدثنا قريش بن خداش بن السائب قال: حدثنا أبوعصمة نوح بن أبي مريم ØŒ عن إسماعيل ØŒ عن أبي معشر عن سعيد المقبري ØŒ عن أبي هريرة ØŒ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لما أسري بي إلى السماء سمعت نداء من تحت الفراش أن علياً راية الهدى وحبيب من يؤمن بي ØŒ بلِّغ يا محمد ØŒ قال : فلما نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسرّ ذلك ØŒ فأنزل الله عزوجل : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - في علي بن أبي طالب - وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ... ) (شواهد التنزيل 2/249) .
وقال أيضاً: ( أخبرنا أبو عبد الله الدينوري قراءة، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن إسحاق بن إبراهيم السني، قال: أخبرني عبد الرحمن بن حمدان قال: حدثنا محمد ابن عثمان العبسي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي ابن عابس، عن الأعمش، عن أبي الجحاف داود بن عوف، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } ) (شواهد التنزيل 2/250) .

وقال : ( أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ جملة، قال: أخبرنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة، قال: حدثنا الحسين بن الحكم الحبري، قال: حدثنا الحسن بن الحسن العرني، قال : حدثنا حبان بن علي العنزي، قال : حدثنا الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله عزّ وجل { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... } الآية Ø› قال: نزلت في علي ØŒ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ فيه، فأخذ رسول الله بيد علي فقال: «Ù…Ù† كنت مولاه فعلي مولاه ØŒ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ) (شواهد التنزيل 2/252) .
وقال : ( أخبرنا أبو بكر السكري ØŒ قال : أخبرنا أبو عمرو المقري قال : أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثني أحمد بن أزهر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمرو ابن جبلة ØŒ قال : حدثنا عمر بن نعيم بن عمر بن قيس الماصر ØŒ قال : سمعت جدي قال: حدثنا عبد الله ابن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم وتلا هذه الآية { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ... } ثم رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ثم قال: «Ø£Ù„ا من كنت مولاه فعلي مولاه ØŒ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ØŒ ثم قال : «Ø§Ù„لهم اشهد» ) (شواهد التنزيل 2/252) .
وقال: (أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد العدل بقراءتي عليه من أصل سماع نسخته، قال: أخبرنا زاهر (زاهد) بن أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثنا المغيرة بن محمد، قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي، قال: سمعت زياد بن المنذر يقول: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي وهو يحدث الناس إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشى كان يروي عن الحسن البصري فقال له : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك إن الحسن يخبرنا أن هذه الآية نزلت بسبب رجل ولا يخبرنا من الرجل { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } فقال: لو أراد أن يخبر به لأخبر به ولكنه يخاف، إن جبرئيل هبط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: إن الله يأمرك أن تدل أمّتك على صلاتهم، فدلهم عليها ثم هبط فقال : إن الله يأمرك أن تدل أمتك على زكاتهم، فدلهم عليها، ثم هبط فقال : إن الله يأمرك أن تدل أمتك على صيامهم فدلهم، ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على حجهم ففعل، ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على وليهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ليلزمهم الحجة في جميع ذلك، فقال رسول الله: يا رب إن قومي قريبوا عهد بالجاهلية وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليّهم وإني أخاف، فأنزل الله تعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ - يريد فما بلغتها تامة - وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } فلما ضمن الله له بالعصمة وخوفه أخذ بيد علي ابن أبي طالب ثم قال : «ÙŠØ§ أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه ØŒ اللهم وال من والاه ØŒ وعاد من عاداه ØŒ وانصر من نصره ØŒ واخذل من خذله ØŒ وأحب من أحبه ØŒ وأبغض من أبغضه»ØŒ قال زياد: فقال عثمان: ما انصرفت إلى بلدي بشيء أحب إليّ من هذا الحديث ) (شواهد التنزيل 2/253 - 255) .
وأخرج أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في كتابه «Ø£Ø³Ø¨Ø§Ø¨ النزول» قال : (أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي، قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الخلوتي، قال: حدثنا علي بن عابس، عن الأعمش، وأبي حجاب، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) (أسباب النزول للواحدي 115) .
وقال الشوكاني في تفسيره (فتح القدير) : (وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - أن علياً مولى المؤمنين - وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ) (فتح القدير 2/76) .
وقال الفخر الرازي في تفسيره: (العاشر: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: «Ù…Ù† كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فلقيه عمر رضي الله عنه فقال:هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو قول ابن عباس ØŒ والبراء بن عازب ومحمد ابن علي ) (تفسير الفخر الرازي 12/49) .
وأخرج أبو نعيم الأصفهاني في كتابه: «Ù…ا نزل من القرآن في علي» قال: ( حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، قال: حدثنا علي بن عابس، عن أبي الجحاف التميمي داود بن أبي عوف، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي بن أبي طالب عليه السلام { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ) (النور المشتعل 86) .

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


قال ابن حجر: ( أما رواية ابن بريدة عنه، لا تقع في علي، فإن عليّاً مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي، ففي سندها الأجلح، وهو وإن وثقه ابن معين، لكن ضعفه غيره على أنّه شيعي، وعلى تقدير الصحة فيحتمل أنّه رواه بالمعنى بحسب عقيدته، وعلى فرض أنّه رواه بلفظه فيتعين تأويله على ولاية خاصة نظير قوله : أقضاكم علي، على أنّه وإن لم يحتمل التأويل فالإجماع على حقية ولاية أبي بكر وفرعيها قاض بالقطع بحقيتها لأبي بكر وبطلانها لعلي، لأن مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظني، ولا تعارض بين ظني وقطعي، بل يعمل بالقطعي ويلغى الظني، على أن الظني لا عبرة فيها عند الشيعة كما مر ) ( الصواعق المحرقة 1/110).

أقول:
ديدنهم الطعن في كل روا روى شيئاً من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خصوصاً إذا وجدوا في هذه الروايات ما يوجب القدح في بعض مطالبهم، وإن صحح هذه الروايات بعض علمائهم إنصافاً، فمن قبائح عاداتهم وفضائحهم ووقاحتهم أنّهم إذا وجدوا آية نازلة في فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام أو حديثاً كذلك، قد استدل به الشيعة على أفضليتهم وأحقيتهم عليهم السلام، مع أنّ محدثيهم رووه في كتبهم يردونه تارة بأحاديث يزعمون أنّها مخالفة له، وأخرى بالتخصيص، وتارة بالتعميم، وتارة بالتأويل والتمييع، ويلجئون إلى التدليس والكذب والتزوير، كل ذلك منهم عناداً لأهل البيت عليهم السلام ومحاربة لهم، ودفعاً لما هو ثابت من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله في حقهم، وردّاً لأحاديثه عليه الصلاة والسلام اتباعاً لأهوائهم واستجابة لما توحيه إليهم شياطينهم، وما فعله ابن حجر هنا وفي غير هذا المورد هو من هذا القبيل، فزعم هنا أن حديث الغدير حديث آحاد، والواقع أنّه ليس كذلك كما مر، ويحاول أن يطعن في حديث الولاية مدعياً أن في سنده الأجلح وهو وإن وثقه ابن معين، لكن ضعفه غيرهم، ثم يضيف أن الأجلح شيعي، ليقول أنّه وإن كان الأجلح ثقة ولم يضعفه أحد فإن روايته لا تقبل لأنّه مرمي التشيّع، ثم يأتي باحتمالات وتوجيهات هي أوهى من بيت العنكبوت كل ذلك منه لإسقاط هذه الرواية – أعني حديث الولاية – وهروباً من صريح مضمونها ودلالتها، من أن الولاية على المسلمين من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
ثم إن الأجلح الكندي ليس بثقة فقط عند ابن معين كما حاول ابن حجر أن يوهم القارئ، وإنّما هو ثقة عند غيره، فقد وثقه العجلي فقال عنه: (كوفي ثقة) (معرفة الثقات 1/212 رقم الترجمة: 48) ، وقال عنه عمرو بن علي الفلاس: (مستقيم الحديث، صدوق) (تهذيب الكمال 2/279)، وقال عنه ابن عدي: (له أحاديث صالحة يروي عنه الكوفيون وغيرهم ، ولم أجد له حديثاً منكراً متجاوزاً للحد لا إسناداً ولا متناً، إلاّ أنّه يعد في شيعة الكوفة وهو عندي مستقيم الحديث) (تهذيب الكمال2/278)، وهو ثقة عند أحمد بن حنبل، فقد قال عنه: (ما أقرب الأجلح من فطر بن خليفة ) ( العلل ومعرفة الرجال 2/413 برقم : 2849 ) وفطر بن خليفة ثقة عند أحمد ، قال الذهبي: (فطر بن خليفة المخزومي ... وهو شيعي جلد صدوق ، وثقه أحمد وابن معين) (الكاشف 2/125) ، وقال ابن حجر العسقلاني: (قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ثقة صالح الحديث ) (تهذيب التهذيب 8/271) فيكون الأجلح عند أحمد بن حنبل ثقة، إضافة إلى ذلك فإن الأجلح روى له أحمد في مسنده، وأحمد لم يخرّج في المسند إلاّ عمن ثبت عنده صدقه وديانته كما قال أبو موسى المديني: ( ولم يخرج إلاّ عمن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته) (طبقات الشافعية 2/31)، ووثقه يعقوب بن سفيان الفسوي بصراحة لكنه لين حديثه، قال ابن حجر العسقلاني: (قال يعقوب بن سفيان: ثقة حديثه ليّن ) ( تهذيب التهذيب 1/165)، وقال عنه ابن حجر: (صدوق شيعي) (تقريب التهذيب1/96 )، ورى عنه شبعة (تهذيب التهذيب 1/165 ) وشعبة لا يروي إلاّ عن ثقة، بهذا صرّح العديد من علماء أهل السنة، يقول ابن تيمية : (و الناس في مصنفاتهم، منهم من لا يروي عمن يعلم أنه يكذب، مثل مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل، فان هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم ... ) ( منهاج السنة 7/52).
ثم أنّه لم ينفرد الأجلح برواية حديث الولاية، بل روي من طرق أخرى، ونحن نترك الرد على ابن حجر بخصوص الحديث وصحته وطرقه إلى الشيخ محمد ناصر الدين الألباني من كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة، فقال بعد أن ذكر الحديث من طريق الأجلح وجعفر بن سليمان: (فإن قال قائل: راوي هذا الشاهد شيعي، وكذلك في سند المشهود له شيعي آخر وهو جعفر بن سليمان، أفلا يعتبر ذلك طعناً في الحديث وعلة فيه ؟
فأقول: كلا، لأنّ العبرة في رواية الحديث إنّما هو الصدق والحفظ وأمّا المذهب فهو بينه وبين ربّه فهو حسيبه، ولذلك نجد صاحبي «Ø§Ù„صحيحين» وغيرهما قد أخرجوا لكثير من الثقات المخالفين كالخوارج والشيعة وغيرهم، وهذا هو المثال بين أيدينا فقد صحح الحديث ابن حبان كما رأيت، مع أنّه قال في رواية جعفر في كتابه «Ù…شاهير علماء الأمصار» : «ÙƒØ§Ù† يتشيّع ويغلو فيه» بل إنّه قال في «Ø«Ù‚اته»: «ÙˆÙƒØ§Ù† يبغض الشيخين» وهذا وإن كنت في شك من ثبوته عنه، فإن مما لا ريب فيه أنه شيعي لإجماعهم على ذلك، ولا يلزم من التشيع بغض الشيخين رضي الله عنهما، وإنما هو مجرد التفضيل، والإسناد الذي ذكره ابن حبان برواية تصريحه ببغضهما فيه جرير بن يزيد بن هارون ولم أجد له ترجمة، ولا وقفت على إسناد آخر بذلك إليه، ومع ذلك فقد قال ابن حبان عقيب ذلك التصريح: «ÙˆÙƒØ§Ù† جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الرّوايات، غير أنّه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت ولم يكن بداعية إلى مذهبه، وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز» على أنّ الحديث قد جاء مفرقاً من طرق ليس فيها شيعي ).
ثم ذكر الشيخ الأللباني طريقاً صحيحاً آخر للحديث فقال: (وأما قوله: «ÙˆÙ‡Ùˆ ولي كل مؤمن بعدي» فقد جاء من حديث ابن عباس، فقال الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عنه «Ø§Ø¨Ù† عباس» أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «Ø£Ù†Øª ولي كل مؤمن بعدي » وأخرجه أحمد ومن طريقه الحاكم وقال : «ØµØ­ÙŠØ­ الإسناد »ØŒ ووافقه الذهبي وهو كما قالا ) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/262- 263 ).
وفي كل هذا بطلان لقول ابن حجر أنّ الأجلح روى حديث الولاية بالمعنى حسب عقيدته، فالحديث روي من طريقين آخرين وهما يفيدان نفس مفاد مضمون حديث الأجلح من أن الولاية على المسلمين من بعد النبي صلى الله عليه وآله هي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقد صحح حديث الولاية جماعة كثيرة من علماء أهل السنة قبل ابن حجر وبعده، منهم ابن حبّان حيث أخرجه في صحيحه (15/373 رواية رقم: 6929) وابن حجر العسقلاني في الإصابة، قال: ( وأخرج الترمذي بإسناد قوي عن عمران بن حصين قصة قال فيها: ما تريدون من علي، إنّ عليّاً مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي) ( الإصابة 4/596)، وابن جرير الطبري، نقل تصحيحه للحديث المتقي الهندي في كنز العمال فقال: (عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم عليّاً، فغنموا فصنع علي شيئا أنكروه - وفي لفظ : فأخذ علي من الغنيمة جارية - فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه، ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر أن عليّاً قد أخذ من الغنيمة جارية؟ فأعرض عنه، ثم قام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل ذلك فأعرض عنه ثم قام الرابع فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا من علي وعلي ولي كل مؤمن بعدي . ش وابن جرير وصححه) (كنز العمال 13/62).
والصالحي الشامي قال: ( روى ابن أبي شيبة وهو صحيح عن عمران رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني وأنا منه، وعلي ولي كل مؤمن بعدي) ( سبل الهدى والرشاد 11/297) .
والمتقي الهندي في كنز العمال، فقال: ( علي مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن، ش عن عمران بن حصين، صحيح) ( كنز العمال 11/608) .
والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحن فقال بعد أن روى حديثاً طويلاً فيه هذه العبارة: (قال ابن عباس: وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة )، قال : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ( المستدرك على الصحيحين 3/143 رواية رقم: 4652) ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك على تصحيحه.
ورواه أحمد بن حنبل في مسنده وكما ذكرنا سابقاً أنّ أحمد بن حنبل يرى اعتبار روايات مسنده وأنّها حجة.
وصححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في أكثر من مصنف له، فقد مر عليك تصحيحه للحديث في سلسلته الصحيحة، وصححه أيضاً في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان ( 10/67-68 رواية رقم: 6890) وصحيح سنن الترمذي ( 3/521 رواية رقم: 3712)، وفي كتابه ظلال الجنة ( صفحة 564 رواية رقم: 1187)، وغيرهم كثيرون .
وأمّا محاولته تأويل الحديث على أن المراد به ولاية خاصة فلم يأت عليه بدليل، وإنما مجرد دعوى وتخريص ورجم بالغيب ليس إلاّ، فحديث الولاية صريح في دلالته على ما ذكرناه وهو مؤيد لحديث الغدير الدال على أن عليّاً عليه السلام أولى بالتصرف في أمور المسلمين وشؤونهم الدينية والدنيوية من أنفسهم كالنبي صلى الله عليه وآله، له من الولاية على الأمة ما للنبي صلى الله عليه وآله من الولاية عليها .
أما دعواه أن الإجماع على حقية ولاية أبي بكر وفرعيها قاض بالقطع بحقيتها لأبي بكر وبطلانها لعلي، مردودة بعدم حصول مثل هذا الإجماع، لوجود جماعة كبيرة من المسلمين ومعهم أهل البيت عليهم السلام يقولون بأحقية علي بن أبي طالب عليه السلام وأنّ ولايته هي الحق، ويسوقون لإثباتها العديد من الأحاديث الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن هذه الأخبار ما هو متواتر قطعي الصدور كحديث الغدير، وقد رددنا على تدليسه فيما سبق حول دعواه أن حديث الغدير حديث آحاد بالأدلة من أقوال علماء أهل السنة ممن صرّحوا بتواتر هذا الحديث الشريف فلا نعيد.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


قال ابن حجر: ( ثالثها: سلّمنا أنّه أولى، لكن لا نسلّم أنّ المراد أنّه الأولى بالإمامة، بل بالإتباع والقرب منه، فهو كقوله تعالى: [إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه]، ولا قاطع به، ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما من الحديث، فإنّهما لمّا سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، أخرجه الدارقطني، وأخرج أيضاً أنّه قيل لعمر: إنّك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّه مولاي) ( الصواعق المحرقة 1/110) .

أقول: إنّ الأولى في قوله تعالى: [إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه] فيه قرينة واضحة تمنع من حمل الأولى على أولوية التصرّف، بينما المراد من الأولى في حديث الغدير الأولى بالتصرّف حسب ما أوضحناه سابقاً، فكيف يزعم ابن حجر أن الأولى في الآية بمعنى الأولى في حديث الغدير؟
وأمّا قوله: (بل هو الواقع، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر ...الخ) فالظاهر أنّ هذا الفهم إنّما وقع من ابن حجر نيابة عنهما، ولكن بعد ماذا؟ بعد خراب البصرة! على أن فيما روي عن عمر من أنه قال لعلي في يوم غدير خم: (هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة)، وماذكره ابن حجر من أن عمر قال عن علي: (إنه مولاي) فهو دليل على علو شأنه عليه السلام وسمو مكانه بالنسبة إلى جميع المؤمنين والمؤمنات، وأفضليته عليهم، وهذا دليل على إمامته، إلاّ إذ تشبثوا برأيهم المهزول بجواز تقديم المفضول على الفاضل، وهو رأي منقوض بالعقل والنقل.

قال ابن حجر: (رابعها: سلمنا أنه أولى بالإمامة، فالمراد المآل وإلاّ كان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وسلم ولا تعرض فيه لوقت المآل، فكان المراد حين يوجد عقد البيعة له فلا ينافي حينئذ تقديم الأئمة الثلاثة عليه، لانعقاد الإجماع حتى من علي عليه كما مر، وللأخبار السابقة المصرحة بإمامة أبي بكر، وأيضاً فلا يلزم من أفضلية علي على معتقدهم بطلان تولية غيره لما مر أن أهل السنة أجمعوا على صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل بدليل إجماعهم على صحة خلافة عثمان واختلافهم في أفضليته على علي، وإن كان أكثرهم على أن عثمان أفضل منه كما يأتي، وقد صح عن سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه أنه قال: من زعم أن عليّاً كان أحق بالولاية من الشيخين فقد خطأهما والمهاجرين والأنصار، وما أراه يرفع له عمل مع هذا إلى السماء، نقل ذلك النووي عنه كما مر ثم قال: هذا كلامه وقد كان حسن اعتقاده في علي رضي الله تعالى عنه بالمحل المعروف انتهى ) ( الصواعق المحرقة1/110-111).
Ø£
قول:
أولاً: لا نسلم بأن المراد به المآل، ولا يوجد مانع شرعي أو عقلي يمنع أن يكون علي عليه السلام متصفاً بصفة الإمامة مع وجود النبي صلى الله عليه وآله، ألم يكن هارون عليه السلام نبيّاً مع وجود موسى عليه السلام وهو نبيٌ أيضاً؟ فإذا لم تنافي نبوّة أحدهما نبوّة الآخر، فكذلك إمامة علي لا تنافي إمامة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا إمامة رسول الله صلى الله عليه وآله تنافي إمامة علي عليه السلام.

ثانياً: إن جعل النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام أولوية التصرف على المسلمين في جميع شؤونهم وأمورهم، وعدم جعل ذلك لأحد غيره فيه دليل على أنّه أراد البعدية المباشرة، ولكي ينقض ابن حجر على الشيعة قولهم بأنَّ عليّاً عليه السلام له الولاية البعدية بلا فصل على الأمة عليه أن يثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد نصّ على الثلاثة كما نص على علي عليه السلام، وجعل لهم من الولاية على الأمّة مثل ما جعل لعلي عليه السلام، وحينها يمكن أن يكون لقوله وجه، لكن دونه لإثبات ذلك لهم خرط القتاد.

ثالثاً: إن الإجماع المزعوم من ابن حجر على ولاية الثلاثة غير متحقق والطاعنون في ولايتهم من المسلمين كثر، ومن جملتهم أهل البيت عليهم السلام الذين أمر الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله بإتباعهم، والسير على نهجهم واقتفاء أثرهم، وأخذ تعاليم الدين والشرع الشريف عنهم، وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، على أننا لو سلمنا أن هناك إجماعاً من أهل السنة قاطبة على ولايتهم فهذا الإجماع ليس بحجة على الشيعة ولا ناقضاً لدليل من أدلتهم التي يستدلون بها على ولاية الأمير عليه السلام خصوصاً وأهل البيت عليهم السلام عموماً.

رابعاً: وأما الأخبار التي زعم بأنّها مصرّحة بإمامة أبي بكر وأنّها أدلة على ولايته، فإن الشيعة ينكرون كل خبر يفيد أنّ هناك نصّاً جليّاً أو خفيّاً على إمامة وولاية أبي بكر، ويحكمون بوضعها واختلاقها، بدليل أن أبا بكر لم يحتج يوم السقيفة بشيء من ذلك ولا ادّعى وجود النص الجلي ولا الخفي عليه، وإنما احتج على الأنصار بغير ذلك، فلو كان هناك شيء من النصوص الجلية أو الخفية عليه من رسول الله لنقله لأنّه أدعى لتثبيت حجته، ثم هذه روايات أهل السنة، فلا يصح الاحتجاج بها على الشيعة لأنّها من روايات خصومهم، ومطعون فيها وفي رواتها عندهم .

خامساً: أمّا ما ذكره من إجماع أهل السنة على صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل فجوابه: أنّ إجماع أهل السنة ليس بحجة على الشيعة، ثم إنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح عقلاً، ومردود شرعاً، بدليلي القرآن والسُنّة، فمن القرآن قوله تعالى: [أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ]، وقوله تعالى: [قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ] ومن السنة ما رواه البيهقي بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: (من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أولى بذلك منه، وأعلم بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين) (سنن البيهقي الكبرى10/118 رواية رقم: 20151).

سادساً: إن سفيان الثوري ليس بمفوض عن الله عزّ وجل في تشخيص من هو الذي يقبل عمله ومن لا يقبل، فهذا الأمر موكول إلى الله عزّ وجل ومن مختصاته سبحانه وتعالى، ثم إنّ رواياتهم تصرّح بأنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لم يبايع أبا أبكر طوال حياة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ويرى أنّه أولى بخلافة الرسول الله صلى الله عليه وآله من غيره، فهل كان علي عليه السلام خلال هذه الفترة لا يرفع له عمل لأنّه يرى عدم شرعية خلافة أبي بكر، ويرى أنّه هو الأحق بالولاية على الناس؟
وهل عامة بني هاشم الذي لم يبايعوا أبابكر حتى ماتت فاطمة عليها السلام، لم يرفع لهم طوال هذه الفترة عمل؟
وهل سعد بن عبادة الصحابي الجليل الذي رفض أن يبايع أبا بكر حتى مات مقتولاً في الشام لم يرفع له عمل من ذلك اليوم حتى مات؟
ثم إن الشيعة لا يقولون بإجماع المهاجرين والأنصار على ولاية الشيخين - بل بقولون دون من يريد أن يثبت هذا الاجتماع خرط القتاد- حتى يصح أن يقال أنّ قولهم بأن الولاية لعلي عليه السلام تخطئة لجميع المهاجرين والأنصار.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


قال ابن حجر: (خامسها: كيف يكون ذلك نصّاً على إمامته، ولم يحتج به هو ولا العباس رضي الله تعالى عنهما ولا غيرهما وقت الحاجة إليه، وإنما احتج به علي في خلافته كما مر في الجواب على الثامنة من الشبه، فسكوته عن الاحتجاج به إلى أيام خلافته قاض على من عنده أدنى فهم وعقل بأنه علم منه أنه لا نص فيه على خلافته عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، على أنّ عليّاً نفسه صرح بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينص عليه ولا على غيره كما سيأتي عنه.

و في البخاري وغيره حديث خروج علي والعباس من عند النبي صلى الله عليه وسلم بطوله وهو صريح فيما ذكره من أنه صلى الله عليه وسلم لم ينص عند موته على أحد وكل عاقل يجزم بأن حديث من كنت مولاه فعلي مولاه ليس نصا في إمامة علي وإلا لم يحتج هو والعباس إلى مراجعته صلى الله عليه وسلم المذكورة في حديث البخاري ولما قال العباس فإن كان هذا الأمر فينا علمناه مع قرب العهد جدا بيوم الغدير إذ بينهما نحو الشهرين ...
) (الصواعق المحرقة 1/111-112) .

أقول:

أولاً: إن عدم الوجود لا يدل على عدم الوجدان، فعدم وجود دليل بين أيدينا من كتب أهل السنة يدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام احتج بحديث الغدير على أصحاب السقيفة لا ينفي احتمال وجود مثل هذا الاحتجاج، لأنه ليس بأيدينا دليل يدل على أنّ كل ما دار من احتجاج بين أمير المؤمنين عليه السلام وأصحاب السقيفة وصل إلينا ولم يخف عنا منه شيء، على أننا لو سلمنا جدلاً بعدم احتجاجه عليه السلام على أصحاب السقيفة بالحديث فلا ينفي ذلك عدم دلالة حديث الغدير على إمامته، إذ ربما يكون هناك سبب ما دعاه لعدم الاحتجاج به، أو لأنّه علم علماً ضرورياً اتفاقهم على إنكاره فعدل إلى الاحتجاج عليهم بغيره مما كان إلزاميّاً لهم، كاحتجاجه عليهم بحجة شبيهة بالحجة التي احتجوا بها على الأنصار إلزاماً لهم.

أما عند الشيعة فقد ورد في رواياتهم ما يثبت احتجاجه عليه السلام به في بداية تولية أبي بكر، من ذلك ما رواه الشيخ الصدوق عليه الرّحمة ضمن رواية طويلة يناشد فيها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أبا بكر بمجموعة خصال له، فكان مما قاله: ( ... أنشدك بالله، أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير، أم أنت؟ قال: بل أنت ... ) (الخصال صفحة 55) .

وذكرت الروايات المروية من طرق أهل السنة أن السيد الزهراء عليها السلام احتجت بحديث الغدير على من اجتمعوا على إزاحة بعلها عن منصبه الشرعي الذي جعله الله عز وجل له بنص من رسول الله صلى الله عليه وآله عليه، ذكر ذلك شمس الدين أبو الخير الجزري الدمشقي المقري الشافعي في كتابه أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب فقال: (وألطف طريق وقع لهذا الحديث - يعني حديث الغدير- وأغربه ما حدثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن المحب المقدسي مشافهة ، أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب ابنة أحمد بن عبد الرحيم المقدسية، عن أبي المظفر محمد بن فتيان بن المثنى، أخبرنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ، أخبرنا ابن عمة والدي القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد المدني بقرائتي عليه، أخبرنا ظفر بن داعي العلوي باستراباد، أخبرنا والدي وأبو أحمد ابن مطرف المطرفي قالا: حدثنا أبو سعيد الإدريسي إجازة فيما أخرجه في تاريخ استرآباد، حدثني محمد بن محمد بن الحسن أبو العباس الرشيدي من ولد هرون الرشيد بسمرقند وما كتبناه إلاّ عنه، حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر الحلواني، حدثنا علي بن محمد بن جعفر الأهوازي مولى الرشيد، حدثنا بكر بن أحمد القصري، حدثتنا فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر عليه السلام قلن حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق، حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي، حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين، حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي، عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، قالت: أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم، من كنت مولاه فعلي مولاه؟ وقوله صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ )

ثم قال ابن الجزري:

(وهكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء، قال: وهذا الحديث مسلسل من وجه وهو إن كل واحدة من الفواطم تروي عن عمة لها فهو رواية خمس بنات أخ كل واحدة منهن عن عمتها) (أسنى المطالب صفحة 49).

وذكرت رواياتهم أيضاً أن الإمام عليه السلام احتج بحديث الغدير بعد مقتل عمر بن الخطاب على أهل الشورى، أخرج ذلك ابن المغازلي في كتاب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بسنده إلى الصحابي الجليل أبي الطفيل عامر بن واثلة، ضمن رواية طويلة قال فيها : (... لأحتجّن عليكم بما لا يستطبيع عربيّكم ولا عجميّكم يغيّر ذلك ... ) إلى أن قال: (فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ليبلغ الشاهد منكم الغائب غيري؟

قالوا: اللهم لا ...) ( مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي صفحة 171) .

ثانياً: أما زعمه أنّ الإمام عليه السلام صرّح بعدم النص عليه فهو من افتراءاته على أمير المؤمنين عليه السلام، فالنصوص في تظلّمه كثيرة، وهي دالة على أنّه المنصوص عليه من قبل الله ورسوله وأنّه أولى بمنصب خلافة النبي صلى الله عليه وآله من غيره، من ذلك ما ورد في الخطبة الشقشقية أنّه قال: ( أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلّي منها محل القطب من الرّحى ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليّ الطير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً وطفقت برهة أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ! .

فرأيت أن الصّبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده .

شتان ما يومي على كورها * * * ويوم حيان أخي جابر

فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته!!! .

لشدّما تشطّرا ضرعيها !! .

فصيّرها في حوزة خشناء يلغظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها ويقل الإعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم، فمني الناس فيها لعمر الله بخبط وشماس وتلوّن واعتراض، فصبرت على طول المدة وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها شورى في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله لهم وللشورى متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت الآن أقرن إلى هذه النظائر !!! .

لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافخاً حضنيه بين نثليه ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله تعالى خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.

فما راعني إلاّ والناس إليّ كعرف الضبع ينثالون عليّ من كل وجه وجانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه وتعالى يقول: {تِلْكَ الدَّارُ اْلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي اْلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص: 83) .

بلى والله لقد سمعوها ، ووعوها ولكنهم حليت الدّنيا في أعينهم وراقهم زبرجها .

أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر ØŒ وما أخذ الله – تعالى – على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ØŒ ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ØŒ ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ØŒ ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز) (نهج البلاغة صفحة 307 – 309) .

وروي أن علياً عليه السلام أتي به إلى أبي بكر وهو يقول: (أنا عبد الله وأخو رسوله) .

فقيل له بايع أبا بكر فقال: (أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وآله وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً ؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمد منكم فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حياً وميّتاً، فأنصفونا إن كنتم مؤمنين، وإلاّ فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون .

فقال عمر : إنك لست متروكاً حتى تبايع .

فقال له علي: احلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً، ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك، ولا أبايعه ... ) .

إلى أن قال: (الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به ØŒ لأنّا أهل البيت ØŒ ونحن أحق بهذا الأمر منكم ØŒ إنا كان فينا القارئ لكتاب الله ØŒ الفقيه في دين الله ØŒ العالم بسنن رسول الله ØŒ المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعداً ) (الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1/18 – 19) .

ومن كلام له عليه السلام قال: ( لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، والله لأسلمّن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة إلتماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه) .

وقوله عليه السلام: (اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قد قطعوا رحمي وأكفئوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري، وقالوا ألا إن في الحق أن تمنعه، فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً .

فنظرت فإذا ليس لي رافدٌ، ولا ذابٌ ولا مساعدٌ إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشّجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار) (نهج البلاغة صفحة 336).

وقـال عليه السلام: (وقـد قال قائل: إنك على هـذا الأمـر يا ابن أبي طالب لحريص، فقلت: بل أنتم والله لأحرص وأبعد، وأنا أخصُّ وأقرب، وإنما طلبت حقّاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه، فلما قرّعته بالحجة في الملأ الحاضرين هبّ كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به) (نهج البلاغة صفحة 246).

وقال عليه السلام: (فإن الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وآله نذيراً للعالمين، ومهيمناً على المرسلين، فلما مضى صلى الله عليه وآله تنازع المسلمون الأمر من بعده، فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى الله عليه وآله عن أهل بيته، ولا أنهم منحوّه عني بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعت الناس عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً، أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشع السّحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه) (نهج البلاغة صفحة 452) .

وقال عليه السلام: (أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا؟ كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا الله وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى، ويستجلى العمى، إنّ الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لاتصلح على من سواهم ولاتصلح الولاة من غيرهم) (نهج البلاغة صفحة 201 ) .

وقال عليه السلام بعد البيعة له: ( لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله ) (نهج البلاغة صفحة 47) .

وقال عليه السلام: ( اللهم فاجز قريش عني الجوازي فقد قطعت رحمي، وتظاهرت عليّ ودفعتني عن حقي، سلبتني سلطان ابن أمي، وسلّمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول، وسابقتي في الإسلام إلاّ أن يدعي مدع ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كل حال ) (نهج البلاغة صفحة 409) .

وقال عليه السلام : ( أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، أنه لعهد النبي الأمي إليّ أن الأمة ستغدر بك من بعدي ) (أنظر قول النبي صلى الله عليه وآله هذا لعلي في المستدرك على الصحيحين 3/153 برقم : 4686 وقال : (صحيح) ، مسند الحارث ( زوائد الهيثمي ) 2/905 برقم : 984 ، تذكرة الحفاظ 3/955 ، تاريخ دمشق 42/447 و448) .

وقال عليه السلام: ( فإنه لما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله، قلنا: نحن أهله وورثته وعترته، وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الإمرة لغيرنا وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشيت الصدور، وجزعت النفوس، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا عليه)( نهج البلاغة صفحة 102) .

وفي فرائد السمطين للعلامة الحمويني عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت علياً عليه السلام يقول: (بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان ؟!!!

إذاً لا أسمع ولا أطيع، وإن عمر جعلني من خمسة نفرٍ أنا سادسهم لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح ولا يعرفونه لي كلّنا في شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيّهم ولاعجميهم ولامعاهدٌ منهم ولا المشرك ردّ خصلة منها لفعلت) (فرائد السمطين 1/320) .

فكل هذه الأقوال منه عليه السلام ظاهرة في أنه كان يرى أن قيادة الأمة والإمرة على المسلمين وولايتهم من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هي له ولبقية الأئمة من بني هاشم وليس لغيرهم فيها حصة ولا نصيب، وأن القوم قد اغتصبوه حقاً هو أحق وأولى به منهم، لكنه سالمهم وصالحهم خشية الفرقة بين المسلمين، وارتداد الناس عن الدين.

إضافة إلى أنّ هذه النصوص تبطل ما أشار إليه ابن حجر عن البخاري، بل إن استدلالهم برواياتهم على الشيعة بعد التسليم بدلالتها على مطلوبهم مصادرة ظاهرة، فهذه الروايات غير مقبولة لدى الشيعة، بل يعتبرونها روايات موضوعة، وضعها رواتهم وعلماؤهم لرد عقيدة النص على أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت عليهم السلام التي يقول بها الشيعة، وتأييداً لرأيهم الزاعم عدم النص من رسول الله عن أحد خليفة وإماماً وولياً للمسلمين من بعده صلى الله عليه وآله، وتبريراً لمواقف البعض ممن اعتدوا على من له منصب الولاية والإمامة على المسلمين واغتصبوه سلطة الحكم .

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال ابن حجر: ( وتجويز النسيان على سائر الصحابة السامعين لخبر يوم الغدير مع قرب العهد وهم من هم في الحفظ والذكاء والفطنة وعدم التفريط والغفلة فيما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم محال غير عادي يجزم العاقل بأدنى بديهته بأنه لم يقع منهم نسيان ولا تفريط وأنهم حال بيعتهم لأبي بكر كانوا متذكرين لذلك الحديث عالمين به وبمعناه ) (الصواعق المحرقة 1/112) .

أقول : إنّ ما جوّزه الشيعة هو التناسي لا النسيان، وهم إنّما جوّزوا ذلك على جميع الصحابة الذين تواطئوا على غصب سلطة الحكم من أمير المؤمنين عليه السلام لا على جميع الصحابة كما زعمه ابن حجر، فالناس قد افترقوا يوم السقيفة، منهم من طلب الخلافة لنفسه أو قريبه، وهؤلاء لم يظهروا النص لهذا السبب، ومنهم من ترك ذكره خوفاً، ومنهم من تركه حسداً، ومنهم من تركه لعدم علمه، أو لدخول الشبهة عليه، ومنهم من ذكره كالمقداد وسلمان وعمار وأبي ذر فلم يسمع لهم.

قال ابن حجر: (على أنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد يوم الغدير وأعلن بحق أبي بكر للحديث الثالث بعد المائة التي في فضائله فانظره ثم وسيأتي في الآية الرابعة في فضائل أهل البيت أحاديث أنه صلى الله عليه وسلم في مرض موته وإنما حث على مودتهم ومحبتهم واتباعهم وفي بعضها آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم (اخلفوني في أهل بيتي ) فتلك وصية بهم وشتان ما بينهما وبين مقام الخلافة) ( الصواعق المحرقة 1/112) .

أقول :
أولاً: الحديث الذي أشار إليه نقله عن الطبراني فقال: ( أخرج الطبراني عن سهل قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس، إنّ أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك، أيّها الناس إني راض عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، والمهاجرين والأولين، فاعرفوا ذلك لهم ) (الصواعق المحرقة 1/229) ، وهذه الرواية أنكرها علماء أهل السنة قبل الشيعة، فذكر الذهبي أن ابن عبد البر حكم بوضعها وطعن في بعض رجال إسنادها، فقال : (وقد أورده ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة سهل بن مالك وقال إنه حديث منكر موضوع، قال: وخالد بن عمرو منكر الحديث متروك الحديث، وفي إسناد حديثه مجهولون ضعفاء غير معروفين يدور على سهل بن يوسف عن أبيه عن جده وكلهم لا يعرف ) ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال8/122)، ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 9/157 عن الطبراني وقال: (رواه الطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم)، فهذه حال الرواية التي أراد ابن حجر أن يحتج على الشيعة بها، قد حكم علماؤهم بوضعها وجهالة رجالها، على أنها من رواياتهم وقد ذكرنا تكرارا ومرارا أن لا حجة على الشيعة في يروى من طريق أهل السنة .

ثانياً: أما ما ذكره من حث النبي صلى الله عليه وآله على مودة أهل البيت عليهم السلام وإتباعهم فليس فيه نفي للنص على أمير المؤمنين عليه السلام، والأئمة عترته من أهل بيته في يوم الغدير، بل بالعكس فيه تأكيد له، فلو لم يكونوا هم قادة الأمة وولاتها والقائمين مقامه صلى الله عليه وآله لما أمر الأمّة برمتها – بما فيهم الثلاثة- بإتباعهم، ثم إنّ أمره صلى الله عليه وآله بإتباعهم على هذا النحو المطلق فيه دليل على عصمتهم، والمعصوم هو الأحق بتولي منصب الولاية على الأمة من غيره ممن يجوز عليه الخطأ والسهو والنسيان والمعصية.

قال ابن حجر: (وزعم الشيعة والرافضة بأن الصحابة علموا هذا النص ولم ينقادوا له عناد ومكابرة بالباطل كما مر ... ) ( الصواعق المحرقة 1/112) .
أقول: لا مكابرة في اعتقاد الشيعة كتمان طائفة من الصحابة النص على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فهو الحق، وقد ثبتت مخالفة بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وآله في حال حياته كما هو منقول في صحاح القوم، من ذلك ما هو معروف برزية الخميس، وذلك عندما أراد أن يكتب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً، فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله غلبه الوجع، أو كان يهجر، ففي مسند أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال: (لما حُضِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندنا القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، وفيهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا.
قال عبد الله وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ) ( مسند أحمد 1/336 رواية رقم: 3111) .
ومن موارد خلافهم لرسول الله صلى الله عليه وآله أيضاً ما صدر منهم يوم الحديبية وذلك عندما أمرهم صلى الله عليه وآله بأن ينحروا الإبل ويحلقوا رؤوسهم فلم ينصاعوا له حتى أنكر ذلك عليهم ، روى البخاري في حديث طويل جاء فيه : ( ... فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.
قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس.
قالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك، أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما) (صحيح البخاري 2/978 رواية رقم: 2581).
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله بينهم وقد عصوا أمره ولم ينصاعوا له، فهل يستبعد ذلك منهم بعد وفاته ؟!

قال ابن حجر : ( وقولهم إنما تركها علي تقية كذب وافتراء، لما تلوناه عليك مبسوطاً فيما مر ومنه أنّه كان في منعة من قومه مع كثرتهم وشجاعتهم ) (الصواعق المحرقة 1/112)

أقول: إنّ الإمام عليه السلام لم يترك المطالبة بحقّه بالطريقة السلمية، بل دخل في حجاج مع القوم، فاحتج عليهم في مواقف مختلفة، وقرّعهم بحجج عديدة، إلاّ أنّه لم يشهر السيف في وجوههم لسببين بيّنهما عليه الصلاة والسلام، الأول هو خوفه على الإسلام والمسلمين، وهذا ما أشار إليه بقوله: (بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف)، والثاني حفاظاً على نفسه وأهل بيته، وهذا ما المح إليه بقوله: (فنظرت فإذا ليس لي رافدٌ، ولا ذابٌ ولا مساعدٌ إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشّجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار)، فالمراد بقول الشيعة ترك المطالبة بحقّه تقية، إنّما مرادهم المطالبة بالسيف وبالقتال لا مطلق المطالبة.

قال ابن حجر: ( ولذا احتج أبو بكر رضي الله تعالى عنه على الأنصار لما قالوا منا أمير ومنكم أمير بخبر الأئمة من قريش فكيف سلموا له هذا الاستدلال ولأي شيء لم يقولوا له ورد النص على إمامة علي فكيف تحتج بمثل هذا العموم ) (الصواعق المحرقة 1/112).

أقول: إنّ ما حصل في سقيفة بني ساعدة من الكلام والاختلاف كثير وكبير كما يقول المؤرخون، فهذا المسعودي يقول : (... وكان للمهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويل، ومجاذبة في الإمامة، وخرج سعد بن عبادة، ولم يبايع، فصار إلى الشام فقتل هناك...) (مروج الذهب 2/307-308)، ولم يُنقل لنا من تفاصيل ذلك إلاّ القليل، فلا يعلم يقينا هل هناك أحد ممن حضروا سقيفة بني ساعدة أشار إلى النص على علي عليه السلام أم لا، فعدم وجود أثر يدل على هذا الأمر، لا يصلح ذلك على أن يكون دليلاً على بطلان أدلة النص التي يستدل بها الشيعة على أنّها نصوص من رسول الله صلى الله عليه وآله على إمامة وولاية وخلافة علي عليه السلام، ثم كيف يتصوّر أو يحتمل أن ينقل مؤرخوا أهل السنة ورواتهم ما كان في مضمونه حجة ظاهرة عليهم، لا يمكن تأويلها بحال من الأحوال، فكم من حقائق التاريخ ستروا وطمسوا، وكم من حقائقه أيضاً حرّفوا وشوّهوا .
ثم إن تلك الثلة من الأنصار ممن اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة كانوا قد عقدوا العزم على أخذ الخلافة ليس من علي عليه السلام فقط، بل من قريش برمتها، فلو أقرّوا بالنص لخصموا أنفسهم، وزعمه أن الأنصار سلّموا لأبي بكر بمجرد أن احتج عليهم بحديث (الأئمة من قريش) يحتاج إثباته إلى صحة الخبر، فهل هناك خبر صحيح يؤكد صحة زعم ابن حجر هذا؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

قال ابن حجر: (سادسها: ما المانع من قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته السابقة يوم الغدير هذا الخليفة بعدي فعدوله إلى ما سبق من قوله من كنت مولاه إلخ ظاهر في عدم إرادة ذلك) (الصواعق المحرقة 1/114- 115)

أولاً: لو أردنا أن نستخدم نفس إسلوبه ومنطقه هذا في الرّد على الشيعة، فنقول: إنّ إشكالاً مشابهاً لإشكاله يرد عليه، وهو: أنّ النبي صلى الله عليه وآله لو أراد في يوم الغدير أن يحذّر المسلمين من بغض علي عليه السلام، ويدعوهم إلى مودته ونصرته لم يأت بألفاظ مبهمة يحتمل منها معاني متعددة، وإنما قال أيّها المسلمون لا تبغضوا عليّاً، وعليكم بمحبّته ونصرته، وما دام صلى الله عليه وآله لم يصرّح بشيء من ذلك، فإنّ في ذلك دليلاً على أنّه لم يرد ما زعمتموه، وإنّما أراد شيئاً آخر.

ثانياً: إنّه صلى الله عليه وآله لم يرد أن يجعل عليّاً عليه السلام متوليّاً لخصوص سلطة الحكم بعده حتى يكتفي بعبارة (هذا الخليفة من بعدي)، وإّنما أراد - بأمر من الله عزّ وجل- أن يجعل له الولاية العامة على المسلمين، ولاية هي من سنخ ولايته صلى الله عليه وآله عليهم من كونه أولى بالتصرّف في أمور المسلمين الدينية والدنيوية، وأولى بهم من أنفسهم، والعبارة المذكورة قد تكون قاصرة عن الدلالة على هذا المطلوب، وإنما يتم بيانه بنفس الطريقة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله من أخذ الإقرار من أولئك الجمع من المسلمين على أنّه صلى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والتفريع على ذلك بقوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ليفهم الحضور أنّ عليّاً عليه السلام له الولاية عليهم كولايته هو صلى الله عليه وآله لا فرق بينهما.

قال ابن حجر: ( قولهم: هذا الدعاء وهو قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه لا يكون إلاّ لمعصوم دعوى لا دليل عليها، إذ يجوز الدعاء بذلك لأدنى المؤمنين فضلاً عن أخصائهم شرعاً وعقلاً، فلا يسلتزم كونه إماماً معصوماً ) ( الصواعق المحرقة 1/120) .
أقول: لم أجد – حسب تتبعي – من ذكر من علماء الشيعة أنّ هذا الدعاء لا يكون إلاّ لإمام معصوم، وغير بعيد أن يكون ابن حجر أتى بقيد المعصوم من جعبته، وإنما الذي يقوله علماء الشيعة أن هذا الدعاء لا يليق إلاّ بمن يفترض له أولياء ويحتاج إلى النصر، ولا يكون إلاّ سلطاناً أوإماما.

قال ابن حجر: ( ثامنها: أنّهم اشترطوا في الإمام أن يكون أفضل الأمة، وقد ثبت بشهادة علي الواجب العصمة عندهم أنّ أفضلها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فوجبت صحة إمامتهما، كما انعقد عليه الإجماع السابق) ( الصواعق المحرقة 1/121)

أقول: إذا كان يقصد أن ذلك ثبت عند الشيعة فهو من الكذب المبين، وإن كان يريد أنه ثابت عندهم فمروياتهم ليست بحجة على الشيعة، وما أكثر ما كذب رواتهم علي أمير المؤمنين عليه السلام ونسبوا إليه ما لم يتفوّه به، على أنّ هذه الرواية التي نسب فيها إلى أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه قال بأفضلية أبي بكر وعمر عليه معارضة بأدلة عديدة تثبت أن الإمام عليه السلام هو أفضل الأمّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، منها حديث الغدير، ففيه -كما أسلفنا - جعل النبي صلى الله عليه وآله لعلي من الولاية على الأمة ما له هو صلى الله عليه وآله فعلي أولى بالمسلمين من أنفسهم جميعاً بما فيهم أبو بكر وعمر، فإذاً علي عليه السلام أفضل منهم، فلا يصح أن يجعل المفضول أولى بالفاضل من نفسه، ومنها حديث المنزلة، وهو قوله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي) وفي بعض ألفاظه: ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي)، فهذا الحديث الشريف يجعل جميع المنازل التي كانت لهارون من موسى عليهما السلام، لعلي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهارون أفضل أمّة موسى فكذلك علي عليه السلام أفضل أمّة محمد صلى الله عليه وآله، ومنها آية التطهير، وهي قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقد خصص النبي صلى الله عليه وآله مفهوم أهل البيت في هذه الآية فيمن جمعهم تحت الكساء وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ففي الرواية عن أم سلمة قالت: ( إنّ النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساءً ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ؛ أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله؟! قال: إنك إلى خير ) ( سنن الترمذي 5/699 رواية رقم: 3871)، وبلا أشك أن من أذهب الله عنه الرجس وطهره من دنس تطهيرا أفضل ممن لم يحصل له هذا التطهير، ومنها حديث الطائر المشوي، وهو كما رواه ابن عساكر في تاريخه فقال: (أخبرنا أبو غالب بن البنّا، أنا أبو الحسين بن الآبنوسي، أنا أبو الحسن الدارقطني، نا محمد بن مخلد بن حفص، نا حاتم بن الليث، نا عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عمر القارىء، عن السدّي، نا أنس بن مالك قال: أهدي إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أطيار، فقسمها وترك طيراً، فقال: اللّهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء عليّ بن أبي طالب، فدخل يأكل معه من ذلك الطير ) (تاريخ دمشق 42/254) .
ورجال سند هذه الرواية كلهم من الثقات عند علماء أهل السنة، أما أبو غالب ابن البناء فهو: «Ø£Ø­Ù…د بن الحسن بن أحمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي»ØŒ وصفه الذهبي بالشيخ الصالح الثقة الخطيب البغدادي: (... سمع أبا الحسن الدارقطني، وأبا حفص ابن شاهين، وسمع ابن حبابة، وأبا حفص الكتاني، والمخلص، وأبا الحسن بن النجار الكوفي، وأحمد بن عبيد الواسطي، كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً ) (تاريخ بغداد 1/356- 357) .
وأبو الحسن الدارقطني هو: «Ø¹Ù„ÙŠ بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي» من كبار حفاظ أهل السنة وثقاتهم، صاحب السنن المعروفة بسنن الدارقطني ( انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 3/991 ØŒ طبقات الشافعية 1/161 ØŒ تكملة الإكمال 1/99 ØŒ التقييد 1/410 ØŒ تاريخ دمشق 43/93 ) .
ومحمد بن مخلد بن حفص، وصفه الذهبي بالإمام المفيد الثقة مسند بغداد (تذكرة الحفاظ 3/828)، وقال عنه ابن حجر: ( ثقة ثقة ثقة مشهور ) (لسان الميزان 5/374)، وقال الخطيب البغدادي: (...وكان من أهل الفهم موثوقاً به في العلم متسع الرواية مشهوراً بالديانة موصوفاً بالأمانة مذكوراً بالعبادة ) (تاريخ بغداد 3/310) .
وحاتم بن الليث وصفه الذهبي بالحافظ المكثر الثقة (سير أعلام النبلاء 12/519)، وقال ابن أبي يعلى عنه: (وكان ثقة ثبتاً متقناً) (طبقات الحنابلة 1/148)، وقال الخطيب : ( وكان ثقة ثبتاً متقناً حافظاً )( تاريخ بغداد 8/245) ، وذكره ابن حبّان في الثقات (الثقات 8/211).
وعبيد الله بن موسى ممن أخرج له البخاري ومسلم في صحيحيهما، ووثقه الذهبي(الكاشف 8/211) وابن حجر(تقريب التهذيب 1/375)والعجلي (معرفة الثقات 2/114)، وغيرهم وذكره ابن حبّان في الثقات(الثقات 7/152).
وغيرها كثير، وكلّها تدل على أن عليا عليه السلام لا يدانيه أحد من هذه الأمة في فضل ولا فضيلة باستثناء نبيّها عليه الصلاة والسلام، وبثبوت أنّه الأفضل كان هو المتعيّن لخلافة النبي صلى الله عليه وآله وأولى بذلك من غيرع ...
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين..
ونسألكم الدعاء


 Ø¹Ø±Ø¶ التعليقات
لا توجد تعليقات!
 Ø¥Ø¶Ø§ÙØ© تعليق
الإسم: *
البلد:
البريد الإلكتروني:
التعليق: *
التحقق اليدوي: *