القائمة الرئيسية:
 Ø£Ù‚سام أخبار المستبصرين:
 Ø£Ù‚سام المقالات:
 Ø£Ù‚سام مكتبة الكتب:
 ÙƒØªØ§Ø¨ عشوائي:
 ØµÙˆØ±Ø© عشوائية:
 Ø§Ù„قائمة البريدية:
البريد الإلكتروني:
 Ø§Ù„مقالات
المسارالمقالات » كتابات المستبصرين » مظلومية فاطمة الزهراء

مظلومية فاطمة الزهراء

الكاتب: محمد الرصافي المقداد | القسم: كتابات المستبصرين | 2009/08/26 - 01:06 AM | المشاهدات: 6999

مظلومية فاطمة الزهراء

بسم الله الرحمان الرحيم

وتلك حجتنا البالغة
جاءني احد الأصدقاء بعد أن بلغه نبأ استبصاري ، متغير الملامح ، مرتسمة على وجهه علامات التعجب والاستنكار، فابتدرني قائلا بدون مقدمات ، هل صحيح ما يشاع عنك؟
فقلت له : وما يشاع عني ؟
قال : من أنك تركت مذهب أهل السنة والجماعة وتبنيت مذهبا آخر؟
فقلت له: نعم ، وما وجه استغرابك وتحيرك واستنكارك؟
فقال: أو ترى أن هناك دين صحيح غير الذي عليه السلف الصالح ، فهم من أوصل إلينا الذي نحن فيه، فلماذا الارتداد؟

حينها شعرت بأن الرجل ضيق الأفق قليل المعرفة ، فأردت اختصار السبب الذي جعلني اسلك نهج أهل البيت عليهم السلام،لعله يقتنع ، أو يتفهم،
فقلت له: لاشك أنك تدرك مكانة أهل البيت عليهم السلام في الإسلام ، وما قدموه من تضحيات في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى؟
لا أنكر فضل أهل البيت رضوان الله عليهم، لكن الصحابة ومن تبعهم بإحسان من رفع الدين إلى المقام الذي وصل إلينا.
فقلت له :ألا ترى أن أهل البيت عليهم السلام كانوا جزء من الجيل الأول ومن الأجيال التي تبعته؟ فقال : نعم. فقلت له: إذا فهم من أوصل إلينا الإسلام من نبعه الصافي لأنهم الصادقون بمنطوق القرآن ، ومن أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، بينما جاء الآخرون بخليط من الحق والباطل لأن صدقهم نسبي وحفظهم نسبي ، وفهمهم كذلك.
قال صاحبي : فهات دليلا واحدا يؤيد انتقالك من إسلام السلف الصالح ، إلى إسلام أهل البيت رضوان الله عليهم؟
قلت بلا أدنى تفكير: مظلومية فاطمة الزهراء دليل أسوقه إليك لعله يقنعك بأن الخط الذي أقررت به والتزمته هو الإسلام المحمدي في أبهى مظاهره ، وأجلى صفحاته.
قال: وهل ظلمت بنت النبي صلى الله عليه وسلم؟
قلت : نعم لقد ظلمت ظلما لم يشهد له التاريخ مثيلا. قال : كيف وهي المقدمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبته ؟ قلت: لا شك أنك تعرف الأحاديث التي قالها النبي صلى الله عليه وآله بشأنها،فقد جاء في حديث: من أحب هاذين (إشارة إلى الحسن والحسين) وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. وفي حديث آخر أنها سيدة نساء العالمين.(1)
وفي آخر: إن رضا فاطمة من رضاي وغضبها من غضبي، فمن أغضب فاطمة فقد أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله تعالى.(2)
قال: نعم كل الذي ذكرته قرأته ومررت عليه وهو موجود عندنا في أمهات كتبنا.ولكن لماذا يعفى عن ذكر إنسانة بهذه المكانة والمنزلة؟
قلت: لقد جاءت الأيام التي عقبت وفاة النبي صلى الله عليه وآله حبلى بالأحداث ومليئة بالمواقف التي تجاهلت مقام أهل البيت عليهم السلام ، بل وأساءت إليه أيما إساءة.فالسقيفة في عموم وقائعها مثلت حجر الزاوية للظلم المسلط على آل محمد عليهم السلام، فنصب الإمام من طرف المسلمين واجب على الناس عندكم لأنكم تقولون بأن السياسة ليست من الدين، وواجب على الله تعالى عند أهل البيت عليهم السلام ، لأنه رأس الدين وأساس حكومته، ومبايعته فرض وواجب على المسلمين، بل لقد جاء قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية(3).
قال: نعم كل الذي ذكرته موجود عندنا و ندين به.
قلت: فمن بايعت فاطمة بنت محمد عليها السلام؟ وهي التي لم تعش بعد أبيها أكثر من 75 يوما غاضبة واجدة على أصحاب السقيفة ومن تبعهم . وقد صرح البخاري وهو أقوى الكتب الروائية ، وأصحها عندكم: بأن الصديقة الطاهرة غضبت على ابن أبي قحافة وابن الخطاب فلم تكلمهما حتى ماتت، وأصرت على أن تشكوهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .(4)
قال: صحيح أن البخاري في صحيحه وفي تاريخه وغيره قد أثبت غضب فاطمة وموتها وهي على ذلك الموقف. ولكن ما علاقة ذلك بالإمامة ونصب الإمام؟
قلت: لا أراك تعتقد أن سيدة نساء أهل الجنة المبادرة إلى كل أمر الهي قبل غيرها ، تتأخر عن البيعة حتى تموت وتغادر الدنيا مخلة بذلك الأمر الجسيم.
قال: فمن بايعت إذا ؟
قلت : بايعت زوجها وإمامها علي بن أبي طالب عليه السلام لأنه الإمام المنصوص عليه في حادثة الغدير الشهيرة ، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار".(5) وحديث :" أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي". (6)
سكت صديقي كأنما أصابته صدمة، لم يجد ما يرد به ، ولم ير بدا من الإقرار بمرارة الموقف ، وجلاء الحقيقة من خلال ذلك ، فقال معترفا: للأسف الشديد لم أكن منتبها إلى تلك النقطة، ولا إلى ذلك الاستنتاج الوجيه ، وهو لعمري حجة بالغة لمن يدرك معنى الحجج.فهل من دليل آخر تسوقه إلي وأنا في هذه الحيرة.

قلت له : لا حيرك الله يا أخي ، هذه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام تقول لك أيضا، إنني لم أخرج من الدنيا إلا وقد تركت أثرا موصلا إلى الإمامة ، فزوجة الإمام وأم الأئمة سادة أهل الجنة ،أوصت عليا عليه السلام بأن تدفن ليلا ، وأن لا يؤذن لحضور جنازتها أصحاب السقيفة من المنقلبين على أعقابهم، وأن أيعفى قبرها، فلا يعرفه أحد ممن ظلمها وابتز حقها، ولا من اتبع الظالمين والمبتزين، فيكون علامة مضيئة تتردد كل حين من أن من دفن بعدها بجانب أبيها كان اجتراء على الله وعلى رسوله وجريمة في ثناياها تمويه على المسلمين، بأن من دفن في حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرف عظيم لصاحبه ، لكن تحت أي عنوان وبأي إذن؟ بضعة المصطفى يعفى عن قبرها وهي أول الناس لحوقا به، وغيرها ينال الشرف المزيف بالدفن العلني في حجرة وبجانب النبي صلى الله عليه وآله. ألا ترى أن السكوت على مظلومية هذه الصديقة ظلم في حد ذاته. (7)
قال: كلامك صحيح ووجيه لكن لماذا لم يتنبه المسلمون إلى هذه الحقائق ، وآثارها في منتهى الوضوح والجلاء ؟
قلت: ذلك لأن الخطوط التي ترفع شعار الإسلام وتتقاطع مع خط أهل البيت - والذي أراه يمثل الدين القيم ومنهج الحق- قد سعت إلى تغريب الصفوة الطاهرة من وجدان الأمة وثقافتها، فكان عمل الأنظمة التي حكمت رقاب المسلمين نتيجة لسقيفة بني ساعدة وما تمخض عنها، يتمثل في السكوت عن الحق وأهله في البداية ثم العمل على تغريب الأولى بالقيادة من فكر الأمة الإسلامية ، والانتهاء بإلصاق ما يسيء إلى هؤلاء الأطهار.
قال: فهل من دليل آخر تقدمه في الخصوص؟
قلت: طالما أننا في رحاب الزهراء عليها السلام فان موقفها عندما بلغها نبأ السقيفة ، وهدوء عاصفة المنقلبين ، جاءت لتقيم الحجة على أن هؤلاء الذين استولوا على منصب قيادة الأمة ليسوا أهلا للقيادة ، تماما كما لم يكونوا أهلا لها من قبل، بدليل إنهم كانوا مقادين ولم يكونوا قادة ، وان قع استثناء في خيبر أو ذات السلاسل أو الحج الأكبر فانه إما قد أعقبته هزيمة أو إقالة. وقفت الزهراء لتقول كلمة الحق في جموع أهل المدينة ، فطالبت بسهم ذي القربى وبنحلتها فدكا وبميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأجابها ابن أبي قحافة بأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة.(8)

كانت إجابتها بليغة ، وخطبتها عميقة عمق فهمها لما جاء به سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم ، فتركتها صرخة مدوية لا تزال تهز عروش الظلم ، وتعصف بدعاوى الكذب والبهتان على الله ورسوله، وكانت خطبتها التي رسمت على ناصية التاريخ موقفا ومثالا للمرأة الكاملة ونموذجا لا يخطئ من أستمسك به ، ولا يضل من اهتدى بأنواره القدسية :
الحمد لله على ما أنعم ،وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن أولاها ، وجم عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، واشهد أن لا له إلا الله وحده لا شريك له ،كلمة جعل الإخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع عن الإبصار رؤيته، ومن اللسن صفته ، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة إمتثلها ، كونها بقدرته ، وذرأها بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته ، وتنبيها على طاعته ، وإظهارا لقدرته ، وتعبدا لبريته ، وإعزازا لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم إلى جنته. واشهد أن أبي محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل أن أرسله ، وسماه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآيل الأمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع الأمور.
ابتعثه إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فرقا في أديانها ، عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها ، وجلى عن الأبصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الصراط المستقيم.
ثم قبضه الله إليه قبض رأفة ، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وآله من تعب هذه الدار في راحة ، فد حف بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفار ، ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على أبي ، نبيه وأمينه على الوحي ، وصفيه في الذكر وخيرته من الخلق ورضيه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وأمناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الأمم ، وزعيم حق له فيكم ، وعهد قدمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله الناطق والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينة بصائره ، منكشفة سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه ، قائدا إلى الرضوان أتباعه ، مؤد إلى النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة.
فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم من الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماء للرزق ، و الصيام تثبيتا للإخلاص ، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب ، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة، والجهاد عزا للإسلام وذلا لأهل الكفر والنفاق ، والصبر معونة على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس ، واجتنابي القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة إيجابا للعفة ، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله في ما أمركم به ونهاكم عنه، فانه إنما يخشى الله من عباده العلماء.
أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد أقولها عودا على بدء، وما أقولها إذ أقول سرفا ولا شططا، " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم." إن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ، بلغ النذارة صادعا بالرسالة ناكبا عن سنن المشركين ضاربا لأثباجهم آخذا بأكظامهم،داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذ الأصنام وينكت الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وحتى تفرى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين وهدأت فورة الكفر، وخرست شقاشق الشيطان، وفهتم بكلمة الإخلاص، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها نبيه، تعبدون الأصنام وتستقسمون بالأزلام، مذقة الشارب ونزهة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام ، تشربون الرنق وتقتاتون القدد، أذلة خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذك به بعد اللتيا والتي وبعدما مني بهم الرجال وذئبان العرب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، وكلما نجم قرن الضلالة أو فغرت فاغرة المشركين، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ خماصها بأخمصه، ويخمد لهبها بحده، مكدودا في ذات الله ، قريبا من رسول الله(ص) سيدا لأولياء الله، وأنتم بلهينة آمنون وادعون فرحون،تتوكفون الأخبار وتنكصون عند الزلازل على الأعقاب.حتى أقام الله بمحمد عمود الدين.ولما اختار له الله عز وجل دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهرت حسيكة النفاق، وتسمل جلباب الدين وأخلق ثوبه ونحل عظمه وأودت رمته وظهر نابغ ونبغ خامل ونطق كاظم وهدر فنيق الباطل يخطر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم فألفاكم غضابا، فحطمتم غير إبلكم وأوردتموها غير شربكم بدارا زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين.هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل ، فهيهات منكم وأين بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم زواجره لامحة ودلائله واضحة وأعلامه بينة وقد خالفتموه رغبة عنه فبئس للظالمين بدلا، ثم لم تريثوا شعثها إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها، تسرون حسوا بارتغاء، أو نصبر منكم على مثل حز المدى، وزعمتم أن لا ارث لنا؟ أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ،.ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
إيها معشر المسلمين، أأبتز إرث أبي يابن أبي قحافة؟ أبى الله أن ترث أباك ولا ارث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا، جرأة منكم على قطيعة الرحم ونكث العهد، فعلى عمد ما تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه، إذ يقول :"وورث سليمان داوود" وفيما قص من خبر يحي وزكريا إذ يقول:"رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا." وقال عز وجل :"يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين." وقال تعالى: "إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين." وزعمتم أن لا حظ لي ولا ارث من أبي. أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبى من ملة واحدة؟أم انتم بخصوص القرآن وعمومه أعلم ممن جاء به؟ فدونكموها مرحولة مزمومة تلقاكم يوم حشركم فنعم الحكم الله ونعم الخصيم محمد والموعد القيامة وعما قليل تؤفكون، وعند الساعة ما تحسرون، ولكل نبا مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم."(9)

قال صاحبي: إن في كلامها رضوان الله تعالى عليها بلاغة عجيبة ، ومنطق لم يصدر عن امرأة مثلها ، وليس له ما يشبهه غير كلام أبيها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أو كلام زوجها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قلت : وكيف لا تكون كذلك وهي سليلة النبوة ومنشأ الوحي ،وبعلها من حير العرب والعجم بسيفه وعقله ولسانه وقلمه، فهو الذي أحصى الله فيه كل شيء كما في قوله تعالى :" وكل شيء أحصيناه في إمام مبين." وكان عليه السلام ينقل إليها كل ما ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وحي. لقد دأبت الزهراء عليها السلام على أن تقدم إلى الله تعالى خير ما لديها من عمل ، فكانت عباداتها كلها متصلة بكل حركة تقوم بها في بيتها أو خارجه،كانت شبيهة بمريم العذراء في قومها، لا تبالي من اجل إرضاء الله تعالى أن ضاقت عليها الدنيا وقترت مواردها، تطعم وتؤثر، وتتصدق حتى لا يبقى لها في البيت شيء ، كانت كأبيها الذي يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وتقوم إلى الله في كل حال حتى تورمت قدماها تماما كأبيها صلى الله عليهم جميعا، حتى نزل فيها ما نزل من وحي ، وسماها الله تعالى وأهل بيتها بالأبرار والصادقين ، فلم يزدها ذلك إلا إصرارا على المضي قدما إلى القرب ونماء الحب الإلهي .
قال:فما فضلها في الأمة؟ قلت: ألم تقرا في التفاسير : إن الكوثر الذي أعطاه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم هي فاطمة عليها السلام (10). القصة بدأ ت عندما انفرجت تباشير صبح اليوم العشرين من جمادى الثانية ، كان الخبر قد سرى بين بيوتات سكان مكة ، ولم يتوقف حتى تناهى إلى آذان كل سامع : لقد ولدت لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله بنت. وكما كان منتظرا فقد اهتز له أعداءه من رؤوس مشركي قريش فرحا وتمايلوا له طربا ، وكيف لا يفرحون وفي تقاليدهم أن البنت عار وشنار، لا تأتي بولادتها بغير الشؤم والفأل السيئ قال تعالى:" وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم* يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون." ولم تستو الشمس في كبد السماء حتى كانت دار الندوة وبطحاء ها قد لمت شمل المحاربين للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله ، وأجلستهم في اجتماع قد تعجل نتيجته في إحباط رسول الله صلى الله عليه وآله وهروب الناس منه. لم يكن رؤوس الشرك أشد فرحا من ذلك اليوم ، فتقاليدهم الجاهلية تنص على أن البنت لا حظ لها في المجتمع ، ودورها فيه لا يتعدى الإنجاب وتلبية الرغبات وقضاء شؤون الأسرة في كل الظروف .إضافة إلى أن ذلك المجتمع يتشاءم من الأنثى خصوصا إذا كانت فاتحة ولادة. والذي ينجب بنتا كمن لا ينجب أصلا،بل لعل عدم إنجابه لا يهز مقامه بين رفقائه ، انبرى العاص بن وائل يتحدث عن رسول الله واصفا إياه بالأبتر، شانئا ساخرا ، وكانت همهمات أبي جهل وضحكات عقبة بن أبي معيط وكعب بن الأشرف مميزة الأجواء المرحة التي غلبت على دار الندوة والحاضرين فيها ، وبعد اخذ ورد جاء قرارهم بالوقيعة في النبي صلى الله عليه وآله والادعاء عليه بأنه أبتر لا عقب له ، وإن ابنته كما في اعتقادهم قد حددت بولادتها مستقبل النسل عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولن يجد أذنا صاغية لدعوته بعد هذه النكسة .ساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصفه رؤوس الشرك بالأبتر فاغتم لذلك ، غير أن الله تعالى كان المواسي له فأنزل سورة الكوثر مفندة مزاعم المشركين ، مبينة في نفس الوقت أن العنصر الغيبي قد وضع ثقله في التحدي ، وأن نسل النبي صلى الله عليه وآله سيكون من الكثرة بحيث ينطبق الوصف الذي أعطاه لفاطمة الزهراء هبة الباري تعالى لحبيبه ، و الكوثر معناه الخير الكثير والنسل المبارك المتعاقب ، ذرية طاهرة بعضها من بعض .وكان مجيئها إلى الدنيا إيذانا بتغيير عقلية جاهلية دأبت على وأد الأنثى منذ الصغر ، واعتبارها مجرد وسيلة للخدمة والإنجاب .فبركة فاطمة على المرأة واضحة في هذا المجال ، وعلى الأمة الإسلامية أوضح لأن في كل خلف من نسلها عدول في الأمة، وعلماءها الأبرار إليهم يفيء التالي وبهم يرجع القالي.

أما من حيث سلوكها وتعاملها وأخلاقها ، فان لم يجد الحفاظ إلا باليسير من سيرتها العطرة إلا أننا نستشف منه عظمة تلك الحوراء وكبر شخصيتها، فهي التي لم تعش بمعزل عن الأمة بل كانت في أحلك ظروفها متضامنة ، ومتحركة وسطها ، وتعين في النوائب والحروب بالمداواة والمواساة ، وترشد النساء إلى دينهن ، وتعلمهن الفقه ويقتبسن من أخلاقها وسيرتها ما يصلح شأنهن دنيا وآخرة، لم يكن همها يوما نفسها، فقد روى عنها ابنها الإمام الحسن عليه السلام :" رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها يا أماه ولم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار."(11) ألا ترى من خلال هذه الرواية أن فاطمة الزهراء قد طربت مثلا نادرا في نكران الذات والذوبان في الطاعة والقرب من الله تعالى إلى درجة اتحاد إرادة الباري تعالى في الرضا والغضب مع إرادتها.ولا عجب في أن يكون في مهجة المصطفى صلى الله عليه وآله أروع الأمثلة التي تضرب للناس.
قال: فهل من نص عام يوجب إتباع أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم؟
قلت : نعم النصوص كثيرة بحيث لم تترك الفرصة لمؤمن ليغير وجهته إلى غيرهم ، فحديث الولاية ، وحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وحديث السفينة، وحديث الاثني عشر إماما أو خليفة ، وآية التطهير، وكل الآيات الحاثة على إتباع وطاعة الأطهار من أهل بيت النبوة صلى الله عليهم جميعا(12)، إلا أنني سأستدل على أحقيتهم في زعامة الأمة بآية المودة والتي تقول:" قل لا أسألكم عليه إلا المودة في القربى."(13) وأنت تعرف أن المودة هي التودد والتودد هو الحب في أجلى حركته وتفاعله مع المحبوب، فاقتضت إرادة الباري تعالى أن يكون أجر رسالة الإسلام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي محبة أهل البيت عليهم السلام والذين هم علي وفاطمة والحسن والحسين وأبناؤهم، والحب كما هو معلوم لمن أحب إتباع وموالاة وطاعة وغير ذلك من الآثار المترتب عليها الحب. وليس إلى ما ذهب إليه أكثر الناس من جهل بحال الصفوة الطاهرة ، والادعاء بحب لا معنى له ولا أثر.
قال: يقولون إن فاطمة الزهراء ماتت صغيرة ؟
قلت : نعم إن رحيل سيدة نساء العالمين السريع من الدنيا وبعد فترة تعد بالأسابيع بعد وفاة أبيها كان بسبب الضربة التي تلقتها من مقتحمي باب بيتها، ومرضها جراء ذلك بعد أن أسقطت محسنا. فكانت مصيبتها في ذلك الوقت ثلاث مصائب، الأولى فقدها لأبيها الذي تعلقت به أيما تعلق، الثانية غصب منصب الإمامة من علي عليه السلام وانقلاب الناس في خصوص الحكومة الإسلامية، والثالثة جرأة الذين يدعون أنهم مسلمون عليها وعلى بيتها الذي كان النبي صلى الله عليه وآله يكثر من التردد عليه ، ويشير إلى فضله عندما شهد أبو الحمراء وابن عباس على أن النبي كان يأتي باب علي وفاطمة كل صلاة ليطرقه قائلا :" الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا." وقد كان أمر قبل ذلك أن تسد الأبواب المطلة على المسجد إلا بابه وباب فاطمة وعلي عليهما السلام.فضج الناس من ذلك ، فرد عليهم النبي صلى الله عليه وآله بأن الله تعالى هو الذي أمر بذلك.
قال صاحبي: فهل من دليل قرآني أخير يزيدني طمأنينة؟
قلت: في قوله تعالى :" إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم."
فالاصطفاء الإلهي لخيرة خلقه سنة كونية بدأ من آدم إلى أن يرث الأرض ومن عليها، هم من أناط بهم مسألة الهداية وجعلهم الباب الذي يؤتى منه ويقصد إليه، وقال أيضا:" أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده." وهو تعالى لئن أعطى آل إبراهيم الكتاب والحكم فان آل محمد أفضل عنده من آل إبراهيم ، وهم غير مستثنون من سنة الاصطفاء التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا، فهل فهمت الآن يا أخي لماذا اخترت طريق الهدى والقرب من سادات الدنيا والآخرة ، على طريق الغواية والبعد عن الله ورسوله وآله الأطهار عليهم أفضل صلاة وأزكى تسليم.
قال صاحبي : فهل لك من دليل آخر على أحقية أهل البيت بقيادة الأمة؟
قلت : لدي دليلين ، الأول تميزهم على غيرهم بالعلوم التي كانت تحتاجها الأمة ، فهم واضعي أسسها ، وقد اعترف بفضلهم أكثر الحفاظ، والثاني جهادهم من أجل الإسلام وتتبع الظالمين لهم ، وقد سجل التاريخ ثوراتهم وشهاداتهم في سبيل الحق تعالى على مدى قرون عديدة حتى يوم الناس هذا.
قال صاحبي: الآن فقط تيقنت من مظلومية أهل البيت عليهم السلام ، وعرفت من خلال ما وقع للزهراء عليها السلام أن الحق له وجهة واحدة وباب واحد ، وانه في كل الأحوال لا يتعدد ، طريق واحد ، ومنهج واحد . ولا أرى بعد هذا عن أهل بيت النبوة ومعدن الرحمة ومنزل الوحي ومختلف الملائكة بديلا، فاسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وآلائه العظمى أن يجعلنا من شفعائهم ويحشرنا في زمرتهم ، ويجعلنا من وفدهم يوم تشخص فيه القلوب والأبصار.

وأقول أخيرا: وتبقى الزهراء عليها السلام بمثالها، وبكل تفاصيل حياتها، العلامة التي لا يخطئ من قصد أنوارها، فهي الإنسانة الكاملة التي مثلت الإسلام في أبهى مظاهره والنموذج الصادق الذي يعبر عن تفاصيل العلاقات بين العبد والعبد ، وبين المعبود والعبد، وهي وان حرمنا من هديها وكانت إطلالتها على الدنيا كومضة برق ، سريعا ما ذهبت مع بركات فيضها ، فان اليسير الذي نجا من براثن المحرفين كان كافيا لأن يميط عن عقولنا تشابيه المظلين ، ولئن أحجم أكثر حفاظ العصر الأول عن ذكر فضائلها، وشرح مقامها، والإقرار بما حصل لها بعد وفاة أبيها، فإنهم مدفوعين في ذلك بعامل السلط الظالمة التي كانت تحكمهم، والتي كانت ترى في إظهار الحقائق المتعلقة بأهل البيت عليهم السلام كشفا لحقائق تهدد عروشهم ، وتعري معادنهم الخبيثة .
لذلك فان الحق لا يمكن أن يغطيه سراب الكذب، ولا الأدلة الواضحة أن تمر أمام عين البصير دون إثبات، ولو أن هذه الأمة المطعونة في دينها ثابت إلى رشدها لتبينت سبيل الرشد من سبيل الغي ، ولنزلت عليها من البركات ولأكلت من فوقها ومن تحت أرجلها، وكانت في ذلك كله تحت غطاء الرحمة الإلهية، نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل ويجعلنا في مستقر من رحمته ، ومستودع من علمه ، ويكتب لنا في هذه الدنيا بإتباع أوليائه وموالاتهم عشرات الحسنات ،انه سميع مجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المراجع
1 - (صحيح) البخاري كتاب المناقب حديث 3353 -كتاب الاستئذان ح5812 - مسلم ، باب فضائل الصحابة ح4487 وح4488 - سنن الترمذي ، كتاب المناقب ح 3714 /3808 /3828 -سنن ابن ماجة ، كتاب ما جاء في الجنائز ح 1610 - مسند أحمد بن حنبل كتاب باقي مسند المكثرين ح 11192 /11332 ، كتاب باقي مسند الأنصار ح 22240 ...
2 - البخاري كتاب المناقب حديث 3437 /3483 .
3 - مسلم كتاب الإمارة حديث 3441
4 - البخاري كتاب المغازي ح 3913/ كتاب الفرائض ح 6230 - مسلم كتاب الجهاد والسير ح 3304
5 - سنن الترمذي كتاب المناقب ح 3646 -سنن ابن ماجة، المقدمة ح 113/1118 مسند أحمد بن حنبل ، مسند العشرة ح 606/906/915/1242 مسند بني هاشم ح2903 مسند الكوفيين ح 17749/18476/18519/18497/18522 باقي مسند الأنصار ح 21867/22028/22461/22062
6 - البخاري كتاب المناقب ح 3430 /كتاب المغازي ح4064 - مسلم كتاب فضائل الصحابة ح 4418/4419/4420/4421 - سنن الترمذي كتاب المناقب ح 3658/3663/3664 - سنن ابن ماجة المقدمة ح 112 - مسند أحمد بن حنبل ، مسند العشرة ح 1384/1408/1423/1522/1514/1428/1465/1450/1427 مسند بني هاشم ح2903 باقي مسند المكثرين ح10842/14111 باقي مسند الأنصار ح25834 باقي مسند القبائل ح 26195 .
7 - البخاري كتاب المغازي ح 3913 .
8 - البخاري كتاب فرض الخمس ح 2862/2863 كتاب المناقب ح 3435 كتاب المغازي ح 3729/3730 -مسلم كتاب الجهاد والسير ح 3302/3304/3305/3307.
9 - بلاغات النساء لابن طيفور ص23-الاحتجاج ج1ص97/107 مسند فاطمة ص557 -بحار الأنوار ج 43ص148 ...
10 - راجع تفسير الميزان للعلامة محمد حسين الطباطبائي سورة الكوثر
11 - دلائل الإمامة لابن رستم الطبري- البحار ج43 ص253
12 - راجع كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي .


 Ø¹Ø±Ø¶ التعليقات
لا توجد تعليقات!
 Ø¥Ø¶Ø§ÙØ© تعليق
الإسم: *
البلد:
البريد الإلكتروني:
التعليق: *
التحقق اليدوي: *